الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء0%

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 236

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد منذر الحكيم
تصنيف: الصفحات: 236
المشاهدات: 142792
تحميل: 5180

توضيحات:

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 236 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142792 / تحميل: 5180
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

التي استطاع الاُمويّون من خلالها تحشيد الجيوش للقضاء على الثورة، مستعينين بحالة غياب الوعي، وشيوع الجهل الذي خلّفته السّقيفة.

ونلمس هذا الزيف في قول مسلم بن عمرو الباهلي يؤنّب مسلم بن عقيل ربيب بيت النبوّة، والعبد الصالح لخروجه على يزيد الفاسق، ويفتخر بموقفه قائلاً: أنا مَنْ عرف الحقّ إذ تركته، ونصح الأُمّة والإمام إذ غششته، وسمع وأطاع إذ عصيته(١) .

وهذا عمرو بن الحجاج الزبيدي - من قادة الجيش الأموي - يحفّز النّاس لمواجهة الإمام الحسين (عليه السّلام) حين وجد منهم تردّداً وتباطؤاً عن الأوامر قائلاً: يا أهل الكوفة، الزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل مَنْ مرق من الدين وخالف الإمام(٢) .

فالدين في دعوى الاُمويّين طاعة يزيد ومقاتلة الحسين (عليه السّلام).

ولكن حركة الإمام الحسين (عليه السّلام) ورفضه البيعة وتضحياته الجليلة نبّهت الاُمّة، وأوضحت لها ما طُمس بفعل التضليل؛ فقد وقف الإمام الحسين (عليه السّلام) يخاطبهم ويوضّح مكانته في الرسالة والمجتمع الإسلامي:(( أمّا بعد، فانسبوني فانظروا مَنْ أنا، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها، وانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟! ألست ابن بنت نبيّكم (صلّى الله عليه وآله)، وابن وصيه وابن عمّه، وأوّل المؤمنين بالله والمصدّق لرسوله بما جاء من عند ربّه؟! )).

هذا بالإضافة إلى كلّ الخطب والمحاورات التي جرت في وضع متوتّر حسّاس أوضح للناس مكانة طرفي النزاع. ثمّ ما آلت إليه نتيجة المعركة من بشاعة في السّلوك والفكر؛ فاتّضحت خسّة الاُمويّين ودناءتهم ودجلهم.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤ / ٢٨١.

(٢) المصدر السابق ٤ / ٣٣١.

٢٠١

وكان الأثر البالغ في مواصلة الثورة الحسينيّة بدون سلاح دمويّ حين واصلت العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السّلام) فضح الجرائم التي ارتكبها بنو اُميّة، ومن ثمّ توضيح رسالة الإمام الحسين (عليه السّلام).

إنّ جميع المسلمين متّفقون - على اختلاف مذاهبهم وآرائهم - بأنّ الموقف الحسيني كان يمثّل موقفاً إسلامياً شرعيّاً، وأنّ يزيد كان مرتدّاً ومتمردّاً على الإسلام والشّرع الإلهي والموازين الدينية.

٢ - إحياء الرسالة الإسلاميّة

لقد كان استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) هزّة لضمير الاُمّة، وعامل بعث لإرادتها المتخاذلة، وعامل انتباه مستمر للمنحدَر الذي كانت تسير فيه بتوجيه من بني اُميّة، ومَنْ سبقهم من الحكّام الذين لم يحرصوا على وصول الإسلام نقيّاً إلى مَنْ يليهم من الأجيال.

لقد استطاع سبط الرّسول (صلّى الله عليه وآله) أن يُبيّن الموقف النظري والعملي الشّرعي للاُمّة تجاه الانحراف الذي يصيبها حينما يستبدّ بها الطّغاة، فهل انتصر الحسين (عليه السّلام) في تحقيق هذا الهدف؟

لعلّنا نجد الجواب فيما قاله الإمام زين العابدين (عليه السّلام) حينما سأله إبراهيم بن طلحة بن عبد الله قائلاً: مَنْ الغالب؟ قال (عليه السّلام):(( إذا دخل وقت الصلاة فأذّن وأقم تعرف الغالب )) (١) .

لقد كان الحسين (عليه السّلام) هو الغالب إذ تحقق أحد أهم أهدافه السّامية بعد محاولات الجاهليّة لإماتته وإخراجه من معترك الحياة.

____________________

(١) حياة الإمام الحسين بن علي (عليهما السّلام) ٣ / ٤٤٠ عن أمالي الشيخ الطوسي.

٢٠٢

٣ - الشعور بالإثم وشيوع النقمة على الاُمويّين

اشتعلت شرارة الشّعور بالإثم في نفوس النّاس، وكان يزيدها توهجاً واشتعالاً خطابات الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السّلام)، وزينب بنت عليّ بن أبي طالب، وبقية أفراد عائلة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) التي ساقها الطّغاة الاُمويّون كسبايا من كربلاء إلى الكوفة فالشام.

فقد وقفت زينب (عليها السّلام) في أهل الكوفة حين احتشدوا يُحدّقون في موكب رؤوس الشهداء والسّبايا، ويبكون ندماً على ما فرّطوا وما حصل لآل النبيّ (صلّى الله عليه وآله)؛ فأشارت إليهم أن اسكتوا فسكتوا، فقالت:

« أما بعد، يا أهل الكوفة أتبكون؟ فلا سكنت العبرة، ولا هدأت الرّنة، إنّما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم، ألا ساء ما تزرون، أي والله، فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، فلن ترحضوها بغسل أبداً، وكيف ترحضون قتل سبط خاتم النبوّة، ومعدن الرسالة، ومدار حجّتكم، ومنار محجّتكم، وهو سيد شباب أهل الجّنة؟ ».

وتكلّم عليّ بن الحسين (عليهما السّلام) فقال:(( أيّها النّاس، ناشدتكم الله، هل تعلمون أنّكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه؟ فتبّاً لكم لما قدمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم! بأيّ عين تنظرون إلى رسول الله إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي فلستم من اُمّتي؟ )) (١) .

وروي أيضاً أنّ يزيد بن معاوية فرح فرحاً شديداً، وأكرم عبيد الله بن زياد، ولكن ما لبث أن ندم، ووقع الخلاف بينه وبين ابن زياد حين علم بحال

____________________

(١) حياة الإمام الحسين بن علي (عليهما السّلام) ٣ / ٣٤١ عن مثير الأحزان.

٢٠٣

النّاس وسخطهم عليه، ولعنهم وسبّهم(١) .

ولقد كان الشّعور بالإثم يمثّل موقفاً عاطفياً مفعماً بالحرارة والحيوية والرغبة الشديدة بالانتقام من الحكم الاُموي؛ ممّا دفع بالكثير في الجماعات الإسلاميّة إلى العمل للتكفير عن موقفهم المتخاذل عن نصرة الإمام الحسين (عليه السّلام) بصيغة ثورة مسلحة لمواجهة الحكم الاُموي الظالم.

صحيح إنّه لا يمكننا أن نعتبر موقف المسلمين هذا موقفاً عقلياً نابعاً من إدراك فساد الحكم الاُموي وبعده عن الرسالة الإسلاميّة، إلاّ إنّه كان موقفاً صادقاً يصعب على الحاكمين السّيطرة عليه كالسيطرة على الموقف العقلاني، فكان الحكّام الظلمة وعبر مسيرة العداء لأهل البيت النبوي (عليهم السّلام) يحسبون له ألف حساب.

٤ - إحياء إرادة الاُمّة وروح الجهاد فيها (٢)

كانت ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) السّبب في إحياء الإرادة لدى الجماهير المسلمة وانبعاث الروح النضالية، وهزّة قويّة في ضمير الإنسان المسلم الذي ركن إلى الخنوع والتسليم، عاجزاً عن مواجهة ذاته ومواجهة الحاكم الظالم الذي يعبث بالاُمّة كيف يشاء، مؤطّراً تحرّكه بغطاء ديني يحوكه بالدجل والنفاق، وبأيدي وعّاظ السّلاطين أحياناً، واُخرى بحذقه ومهارته في المكر والحيلة.

فتعلّم الإنسان المسلم من ثورة الحسين (عليه السّلام) أن لا يستسلم ولا يساوم، وأن يصرخ معبّراً عن رأيه ورغبته في حياة أفضل في ظلّ حكم يتمتّع بالشّرعية، أو على الأقل برضى الجماهير.

____________________

(١) تأريخ الطبري ٤ / ٣٨٨، تأريخ الخلفاء / ٢٠٨.

(٢) للمزيد من التفصيل راجع ثورة الحسين ( النظرية، الموقف، النتائج ) - للسيّد محمّد باقر الحكيم / ١٠٠.

٢٠٤

ونجد انطلاقات عديدة لثورات على الحكم الأموي وإن لم يُكتب لها النجاح إلاّ إنّها توالت حتّى سقط النظام. ورغم أنّ أهدافها كانت متفاوتة إلاّ إنّها كانت تستلهم من معين ثورة الحسين (عليه السّلام)، أو تستعين بالظرف الذي خلقته.

فمن ذلك ثورة التوّابين(١) التي كانت ردّة فعل مباشرة للثورة الحسينيّة، وثورة المدينة(٢) ، وثورة المختار الثقفي(٣) الذي تمكّن من محاكمة المشاركين في قتل الحسين (عليه السّلام)، ومجازاتهم بأفعالهم الشنيعة وجرائمهم الفضيعة، ثمّ ثورة مطرف بن المغيرة، وثورة ابن الأشعث، وثورة زيد بن عليّ بن الحسين (عليهما السّلام)(٤) ، وثورة أبي السّرايا(٥) .

لقد أحيت الثورة الحسينيّة روح الجهاد وأجّجتها، وبقي النبض الثائر في الاُمّة حيّاً رغم توالي الفشل اللاحق ببعض تلكم الثورات، إلاّ إنّ الاُمّة الإسلاميّة أثبتت حيويّتها، وتخلّصت من المسخ الذي كاد أن يطيح بها بأيدي الاُمويّين وأسلافهم.

____________________

(١) تاريخ الطبري ٤ / ٤٢٦، ٤٤٩.

(٢) المصدر السابق ٤ / ٤٦٤.

(٣) المصدر السابق ٤ / ٤٨٧.

(٤) مقاتل الطالبيين / ١٣٥.

(٥) المصدر السابق / ٥٢٣.

٢٠٥

من تراث الإمام الحسين (عليه السّلام)

نظرة عامّة في تراث الإمام الحسين (عليه السّلام)

الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السّلام) قائد مبدئي، وأحد أعلام الهداية الربّانية الذين اختارهم الله لحفظ دينه وشريعته، وجعلهم اُمناء على تطبيقها، وطهّرهم من كلّ رجس ليصونوها من أيّ تحريف أو تحوير.

إنّ المحنة التي عاشها الأئمّة الثلاثة عليّ والحسن والحسين (عليهم السّلام) كانت أكبر محنة للعقيدة والأُمّة ؛ لأنّها قد بدأت بانحراف القيادة عن خطّ الرسالة، ولكنها لم تقتصر على الانحراف عن المبدأ الشّرعي في ممارسة الحكم فحسب، وإنّما كانت تمتد أبعادها إلى أعماق الأُمّة والشّريعة.

إنّ هذا الانحراف الخطير قد زاد في عزيمة هؤلاء الأئمّة الهداة، ممّا جعلهم يهتمّون بإحكام قواعد الشّريعة في الاُمّة وتعليمها وتربيتها بما يحول دون تسرّب الانحراف إليها بسرعة، وبما يحول دون تفتيتها وتمزيق قواها.

ومن هنا كانت تربية الجماعة الصّالحة، والسّهر على تنشئتها والاهتمام بقضاياها أمراً في غاية الأهمّية، ويظهر للمتتبع والمحقّق عظمة ذلك فيما لو أراد أن يقارن بين مواقف المسلمين تجاه أهل بيت الرّسول (صلّى الله عليه وآله) خلال خمسين عاماً بعد وفاة الرّسول (صلّى الله عليه وآله).

٢٠٦

ومن هنا كان التراث الذي تركه لنا كلّ من الإمام المرتضى والحسن المجتبى والحسين الشّهيد بكربلاء تراثاً عظيماً ومهمّاً جدّاً.

حيث نلمس الغناء في هذه الثروة الفكرية والعلمية التي وصلتنا عنهم (عليهم السّلام).

وللمتتبع أن يراجع موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السّلام)، ووثائق الثورة الحسينيّة، وبلاغة الحسين، ومجموعة خطبه ورسائله ؛ ليقف على عظمة هذه الثروة الكبرى وقفة متأمّل ومستفيد.

وها نحن نستعرض صوراً من اهتمامات هذا الإمام العظيم فيما يلي من بحوث:

في رحاب العقل والعلم والمعرفة

قال (عليه السّلام):

١ -(( خمس مَنْ لم تكن فيه لم يكن فيه كثير مستمتع؛ العقل، والدين، والأدب، والحياء، وحسن الخلق )) (١) .

٢ - وسُئل عن أشرف النّاس، فقال:(( مَنْ اتّعظ قبل أن يوعَظ، واستيقظ قبل أن يوقِظ )) (٢) .

٣ - وقال (عليه السّلام):(( لا يكملُ العقلُ إلاّ باتّباع الحقّ )) (٣) .

٤ -(( العاقل لا يُحدِّث مَنْ يخاف تكذيبَه، ولا يَسأل مَنْ يخاف منعَه، ولا يثِقُ بمَنْ يخافُ غدرَه، ولا يرجو مَنْ لا يوثقُ برجائه )) (٤) .

٥ -(( العلم لقاحُ المعرفة، وطول التجارب زيادةٌ في العقل، والشّرف التقوى،

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٧٤٣ عن حياة الإمام الحسين ١ / ١٨١.

(٢) المصدر السابق / ٧٤٣ عن إحقاق الحق ١١ / ٥٩٠.

(٣) المصدر السابق / ٧٤٢ عن أعلام الدين / ٢٩٨. وورد هذا النص عن الإمام علي (عليه السّلام) أيضاً.

(٤) المصدر السابق / ٧٤٢ عن حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ١ / ١٨١.

٢٠٧

والقنوعُ راحةُ الأبدان، ومَنْ أحبَّكَ نهاكَ، ومَنْ أبغضك أغراك )) (١) .

٦ -(( من دلائل العالم انتقادُه لحديثهِ، وعلمه بحقائق فنونِ النظر )) (٢) .

٧ -(( لو أنّ العالِمَ كلّ ما قال أحْسَنَ وأصابَ لأوْشَكَ أن يجنّ من العُجْبِ، وإنّما العالِمُ مَنْ يكثرُ صَوابُه )) .

٨ - وفي دعاء عرفةَ للإمام الحسين (عليه السّلام) مقاطع بديعة ترتبط بالمعرفة البشرية وسُبُل تحصيلها، وقيمة كلّ سبيل وما ينبغي للعاقل أن يسلكه من السبل الصحيحة والموصلة إلى المقصود، نختار منها نماذج ذات علاقة ببحثنا هذا.

قال (عليه السّلام):

أ -(( إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيراً في فقري؟ إلهي أنا الجاهل في علمي فكيف لا أكون جهولاً في جهلي؟! )) .

ب -(( إلهي علمتُ باختلاف الآثار وتنقّلات الأطوار أنّ مرادك منّي أن تتعرّف إليَّ في كلّ شيء حتّى لا أجهلك في شيء )) .

ج -(( إلهي تردّدي في الآثار يوجب بُعد المزار؛ فَاجمعني عليك بحذمة توصلني إليك، كيف يُستَدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟ أيكونُ لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكونَ هو المظهِرَ لك؟! متى غبتَ حتّى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك؟! ومتى بَعُدْتَ حتّى تكونَ الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً )) .

د -(( إلهي أمرتَ بالرجوع إلى الآثار فأرجعني إليك بكسوةِ الأنوار وهداية الاستبصار؛ حتّى أرجعَ إليك منها كما دخلتُ إليك منها، مَصونَ السرِّ عن النظرِ إليها، ومرفوع الهمّة عن الاعتمادِ عليها )) .

هـ -(( منك أطلُبُ الوصول إليك، وبك استدلُّ عليك، فاهدني بنورك إليك، وأقمني

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السّلام) / ٧٤٢ و ٧٤٣ عن بحار الأنوار ٧٨ / ١٢٨ ح ١١.

(٢) المصدر السابق.

٢٠٨

بصدْق العبودّية بين يديك )) .

و -(( إلهي علّمني من علمك المخزون، وصُنّي بستْرك المصون. إلهي حققّني بحقايق أهلِ القُرب )) .

ز -(( إلهي أخرِجني من ذُلِّ نفسي، وطهّرني مِن شكّي وشركي قبل حلول رمسي )) .

ح -(( إلهي إنّ القضاء والقدر يُمنيّني، وإنّ الهوى بوثائق الشهوة أسرني، فكن أنت النصير لي حتّى تنصرني وتبصرني )).

ط -(( أنتَ الذي أشرقت الأنوار في قلوب أوْليائك حتّى عرفوك ووحَّدوك، وأنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبّائك حتّى لم يحبّوا سِواك ولم يلجأوا إلى غيرك، أنت المُؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم، وأنت الذي هديتهم حيث استبانت لهم المعالم. ماذا وجد مَنْ فقدكَ؟! وما الذي فقد مَنْ وجدك؟! )) .

ي -(( أنت الذي لا إله غيرك، تعرّفت لكلّ شيء فما جهلك شيءٌ، وأنت الذي تعرّفت إليَّ في كلّ شيء فرأيْتُك ظاهراً في كلّ شيء. كيف تخفى وأنت الظاهرُ؟ أم كيف تغيبُ وأنت الرقيبُ الحاضِرُ؟! )) (١) .

في رحاب القرآن الكريم

لقد اعتنى أهل البيت الطاهرون (عليهم السّلام) بالقرآن الكريم اعتناءً وافراً، فعكفوا على تعليمه وتفسيره، وفقه آياته وتطبيقه وصيانته عن أيدي العابثين والمحرّفين، وتجلّت عنايتهم به في سلوكهم وهديهم وكلامهم.

وقد اُثرت عن الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) كلمات جليلة حول التفسير والتأويل والتطبيق، وهي جديرة بالمطالعة والتأمّل نختار نماذج منها:

أ - قال (عليه السّلام):(( كتاب الله (عزّ وجلّ) على أربعة أشياء؛ على العبارة والإشارة، واللطائف والحقائق؛ فالعبارةُ للعوام، والإشارة للخواص، واللطائفُ للأولياء،

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٨٠٣ - ٨٠٦ عن إقبال الأعمال / ٣٣٩.

٢٠٩

والحقائق للأنبياء )) (١) .

ب -(( مَنْ قرأ آيةً من كتاب الله في صلاته قائماً يُكتَب له بكلّ حرف مِئةُ حَسَنَة، فإن قَرَأها في غير صلاة كتب اللهُ له بكلّ حرف عَشْراً، فإن استمَعَ القرآنَ كان له بكلّ حرف حَسَنةٌ، وإن خَتَمَ القرآنَ ليلاً صلّت عليه الملائكة حتّى يُصبِحَ، وإن ختَمَه نهاراً صلّت عليه الحفَظَةُ حتّى يُمسيَ، وكانت له دعوةٌ مستجابَةٌ، وكان خيراً له ممّا بين السّماء والأرضِ )) (٢) .

ج - وعنه (عليه السّلام) في تفسير قوله تعالى:( تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ ) يعني بها(( أرض لم تُكتسب عليها الذنوب، بارزة ليست عليها جبال ولا نبات كما دحاها أوّل مرّة )) (٣) .

د - وسأله رجل عن معنى (كهيعص)، فقال له:(( لو فسّرتُها لك لمشيت على الماء )) (٤) .

هـ - وقال النصرُ بن مالك له: يا أبا عبد الله، حَدِّثني عن قول الله (عزّ وجلّ)( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) .

قال:(( نحن وبنو اُمية اختصمنا في الله (عزّ وجلّ)؛ قلنا: صدق الله، وقالوا: كذب اللهُ. فنحن وإيّاهم الخصمان يوم القيامة )) (٥) .

و - وفي قوله تعالى:( الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ ) ، قال (عليه السّلام):(( هذه فينا أهل البيت )) (٦) .

ز - في قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) ، قال (عليه السّلام):(( إنّ القرابة الّتي أمَرَ اللهُ بصلتها، وعظم حقّها، وجعل الخير فيها قرابتنا أهل البيت

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٥٥١ عن جامع الأخبار / ٤٨.

(٢) المصدر السابق / ٥٥١، عن الكافي ٢ / ٦١١ ح ٣.

(٣) المصدر السابق / ٥٦٠ عن تفسير البرهان ٢ / ٣٢٣.

(٤) المصدر السابق / ٥٦١ عن ينابيع المودّة / ٤٨٤.

(٥) المصدر السابق / ٥٦٣ عن حياة الحسين ٢ / ٢٣٤.

(٦) المصدر السابق / ٥٦٤ عن بحار الأنوار ٢٤ / ١٦٦.

٢١٠

الذين أوجب حقَّنا على كلّ مسلم )) (١) .

ح - وفسّر النعمة في قوله تعالى:( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) (( بما أنعم الله على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من دينهِ )) (٢) .

ط - وفسّر الصَمَد بقوله:(( إنّ الله قد فَسَّرَهُ بقوله: ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) )) (٣) .

ي - وقال:(( الصمد: الذي لا جوف له. والصمد: الذي قد انتهى سؤدده. والصمد: الذي لا يأكل ولا يشرب. والصمد: الذي لا ينام. والصمد: الدائم الذي لم يزل ولا يزال )) (٤) .

ك - وروي أنّ عبد الرحمن السلمي علّم ولد الحسين (عليه السّلام) سورة الحمد، فلمّا قرأها على أبيه أعطاه (عليه السّلام) ألف دينار، وألف حُلّة، وحشا فاه دُرّاً، فقيل له في ذلك، فقال (عليه السّلام):(( وأين يقع هذا من عطائه؟ )) ، يعني بذلك تعليمه القرآن(٥) .

في رحاب السُنّة النبويّة المباركة

لقد عاصر الحسين جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وعاش في كنف الوحي والرسالة، وارتضع من ثدي الإيمان، فحمل هموم الرسالة الخاتمة كاُمّه وأبيه وأخيه، وعلم أنّ سنة الرّسول وسيرته هي المصدر الثاني للإشعاع الرسالي، وأيقن بضرورة الاهتمام بهما، وضرورة الوقوف أمام مؤامرات التحريف والتضييع، ومنع التدوين التي تزعّمها جملة من كبار الصّحابة، وكيف واجهوا

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٥٦٥ عن بحار الأنوار ٢٣ / ٢٥١ ح ٣٧.

(٢) المصدر السابق / ٥٦٧ عن المحاسن ١ / ٣٤٤ ح ١١.

(٣) المصدر السابق / ٥٦٨ عن التوحيد / ٩٠ ح ٥، ثمّ نقل تفسيرها بشكل تفصيلي فراجع.

(٤) المصدر السابق / ٥٦٩ عن معادن الحكمة ٢ / ٥١.

(٥) المصدر السابق / ٨٢٧ عن بحار الأنوار ٤٤ / ١٩١.

٢١١

جدّه بكلّ صلف؛ حذراً من انكشاف الحقائق التي تحول دون وصولهم للسّلطة، أو تعكّر عليهم صفوها.

ومن هنا نجد الحسين (عليه السّلام) يقف بكلّ شجاعة أمام هذا التآمر على الدين، ويُضحّي بأغلى ما لديه من أجل إحياء شريعة جدّه سيّد المرسلين، محقّقاً شهادة جدّه الخالدة في حقّه:(( حسين منّي وأنا من حسين )) ،(( ألا وإنّ الحسين مصباح الهدى وسفينة النّجاة )) .

وهكذا نجد في تراثه الرائع اعتناءه البليغ بنقل السّيرة النبويّة الشّريفة، والتحديث بسنّته والعمل بها وإحيائها، ولو بلغ مستوى الثورة على مَنْ يتسلّح بها لمسخها وتشويهها(*) .

قال (صلوات الله عليه):

١ -(( كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أحسن ما خلق اللهُ خلْقاً )) (١) .

٢ - وروى الحسين (عليه السّلام) - كأخيه الحسن (عليه السّلام) - وصفاً دقيقاً للرسول (صلّى الله عليه وآله)، وهديه في سيرته مع نفسه وأهل بيته وأصحابه، ومجلسه وجلسائه، أخذاه من أبيهما علي (عليه السّلام) وهو الذي ربّاه الرّسول (صلّى الله عليه وآله) منذ نعومة أظفاره حتّى التحاقه بالرفيق الأعلى. ونشير إلى مقطع من هذه السّيرة:

قال الحسين (عليه السّلام):(( فسألته عن سكوت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقال: كان سكوته على أربع؛ على الحلم والحذر، والتقدير والتفكّر؛ فأمّا التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين النّاس؛ وأمّا تفكّره ففيما يبقى أو يفنى. وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزّه، وجُمع له الحذر في أربع؛ أخذه بالحَسَن ليُقتدى به، وتركه القبيح ليُنتهى عنه، واجتهاده الرأي في صلاح اُمّته، والقيام في ما جُمع له من خير

____________________

(*) هكذا وردت هذه العبارة الأخيرة من المقطع الأخير هنا، ولم يتضح المراد منها، ولعلها كانت ضمن جملة في مكان آخر ولكنها جاءت هنا سهواً أثناء النسخ.(موقع معهد الإمامين الحسنين)

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٥٧١، عن كنز العمّال ٧ / ٢١٧.

٢١٢

الدنيا والآخرة ) )) (١) .

٣ - وروى أيضاً أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أصبح وهو مهموم، فقيل له: ما لَكَ يا رسول الله؟ فقال:(( إنّي رأيت في المنام كأنّ بني اُميّة يتعاورون منبري هذا )). فقيل: يا رسول الله، لا تهتم؛ فإنّها دُنيا تنالهُمُ. فأنزل الله: ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ... ) (٢) .

٤ - وروى أيضاًأنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كان إذا أكل طعاماً يقول: (( اللهمّ بارك لنا فيه، وارزقنا خيراً منه ))، وإذا أكل لَبَناً أو شَرِبَه يقول:(( اللهمّ بارك لنا فيه وارزقنا منه )) (٣) .

وكان يرفع يديه إذا ابتهل ودعا يفصل بينهما كما يَستَطْعِمُ المسكينُ(٤) .

٥ - وسُئل عن الأذان وما يقول النّاس فيه، قال:(( الوحي ينزل على نبيّكم وتزعمون أنّه أخَذَ الأذانَ عن عبد الله بن زيد؟! بل سمعت أبي عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) يقول: أهبَطَ الله (عزّ وجلّ) ملكاً حين عُرِج برسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأذّن مثنى مثنى، وأقامَ مثنى مثنى، ثمّ قال له جبرئيل: يا محمّد، هكذا أذان الصلاة )) (٥) .

٦ - وروى أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعث مع عليّ (عليه السّلام) ثلاثين فرساً في غزاة السلاسل، فقال:(( يا عليّ، أتلو عليك آيةً في نفقة الخيل: ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً ) .يا علي، هي النفقة على الخيل ينفق الرجلُ سّراً وعلانيةً )) (٦) .

وقد نقل (عليه السّلام) حوادث عصر الرّسول (صلّى الله عليه وآله) ممّا رآه مباشرة، أو سمعه

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السّلام) / ٥٧١ - ٥٧٥ عن مجمع الزوائد ٨ / ٢٧٤، ومعاني الأخبار / ٧٩.

(٢)المصدر السابق / ٥٧٥ عن الغدير ٨ / ٢٤٨.

(٣) المصدر السابق / ٥٧٨ عن عيون أخبار الرضا ٢ / ٤٢.

(٤) المصدر السابق عن بحار الأنوار ١٦ / ٢٨٧.

(٥) المصدر السابق / ٦٨٣ عن مستدرك الوسائل ٤ / ١٧.

(٦) موسوعة كلمات الإمام الحسين (عليه السّلام) / ٧١٠ عن مستدرك الوسائل ٨ / ٢٠٣.

٢١٣

عن اُمّه أو أبيه، وهما المعصومان من الزلل والمعتمدان في النقل(١) .

في رحاب أهل البيت (عليهم السّلام)

لقد دلّ حديث الثقلين - المتواتر والمقبول لدى عامّة المسلمين - على أنّ خلود الإسلام رهن الأخذ بركنين مُتلازمين وهما؛ القرآن الكريم وعترة النبيّ المختار (صلوات الله عليهم أجمعين)؛ فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا الحوض على النبيّ (صلّى الله عليه وآله). فلا بدّ للمسلمين من التمسّك بهما ليصونوا أنفسهم عن الضلال في كلّ عصر وزمان.

ومن هنا جهد أعداء الإسلام القدامى على التفريق بين هذين الركنين ؛ تارةً بدعوى تحريف القرآن لفظاً أو معنىً، واُخرى بالمنع عن تفسيره أو تطبيقه، وثالثةً بانتقاص العترة، ورابعةً بعزلهم عن ممارسة دورهم السّياسي والاجتماعي التثقيفي، وخامسةً بطرح البديل عنهم ورفع شعار الاستغناء عنهم وعن علمهم ودرايتهم.

والأئمّة المعصومون المأمونون - على سلامة الرسالة الإسلاميّة بنص من الوحي الإلهي - كثّفوا جهودهم، وركّزوا جهادهم على صيانة هذين الأساسين من أيدي العابثين وإن كلّفهم ذلك أنفسهم وأموالهم، بل كلّ ما يملكون تقديمه فداءً للرسالة المحمّدية.

ونشير إلى جملة من النصوص المأثورة عن الحسين بن عليّ (عليهما السّلام) في هذا الصدد:

١ - لمّا قضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مناسكه من حجة الوداع ركب راحلته وأنشأ يقول:(( لا يدخل الجّنة إلاّ مَنْ كان مُسلماً )) . فقام إليه أبو ذرّ الغفاري (رحمه الله) فقال: يا رسول الله، وما الإسلام؟ فقال (صلّى الله عليه وآله):(( الإسلام عريان، ولباسه التقوى،

____________________

(١) راجع موسوعة كلمات الإمام الحسين، وتتبع ما نقله عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

٢١٤

وزينته الحياء، وملاكه الورع، وكماله الدين، وثمرته العمل، ولكلّ شيء أساس، وأساس الإسلام حبنّا أهل البيت )) (١) .

٢ - وجاء عنه (عليه السّلام) أنّه قال:(( مَنْ أحبّنا كان منّا أهل البيت )) . واستدلّ على ذلك بقوله تعالى - تقريراً لقول العبد الصالح-:( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) (٢) . وواضح أنّ مَنْ أحبّهم فسوف يتّبعهم، ومَنْ تبعهم كان منهم.

٣ - وقال (عليه السّلام):(( أحِبّونا حُبَّ الإسلام؛ فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: لا ترفعوني فوق حقّي ؛ فإنّ الله تعالى اتخّذني عبداً قبل أن يتخّذني رسولاً )) (٣) .

٤ - وقال (عليه السّلام)(*) : ما كُنّا نعرفُ المنافقين على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلاّ ببغضهم عليّاً وولده (عليهم السّلام)(٤) .

٥ - وروي أنّ المنذر بن الجارود مرّ بالحسين (عليه السّلام) فقال: كيف أصبحت - جعلني الله فداك - يابن رسول الله؟ فقال (عليه السّلام):(( أصبَحَتْ العربُ تعتدّ على العَجَم بأنّ محمّداً منها، وأصَبَحَتْ العَجَمُ مُقِرَّةً لها بذلك، وأصبَحْنا وأصبَحَتْ قريشٌ يعرفون فضلَنا ولا يَرَوْنَ ذلكَ لنا، ومن البلاء على هذِهِ الاُمّةِ أنّا إذا دعوناهُم لم يُجيبونا، وإذا تركناهم لم يهتدوا بغيرِنا )) (٥) .

بشائر الحسين (عليه السّلام) بالمهدي (عليه السّلام) ودولته

تراكمت البشائر النبويّة حول غيبة الإمام المهدي المنتظر وظهوره، وخصائص دولته وأوصافه ونسبه الشّريف، كما توضّح الصّحاح والمسانيد

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٥٨٢ عن أمالي الطوسي ١ / ٨٢.

(٢) المصدر السابق / ٥٨٢ عن نزهة الناظر وتنبيه الخاطر / ٨٥.

(٣) المصدر السابق عن مجمع الزوائد ٩ / ٢١.

(*) هكذا ورد، والصحيح أنه قد ورد على لسان الإمام (عليه السّلام) عن جابر بن عبد الله، وليس هو من قول الإمام (عليه السّلام) مباشرة.(موقع معهد الإمامين الحسنين)

(٤) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٥٨٥ عن عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) ٢ / ٧٢.

(٥) المصدر السابق / ٥٨٦ عن نزهة الناظر / ٨٥.

٢١٥

هذه الحقيقة في أبواب الملاحم والفتن، وأشراط السّاعة وغيرها.

واعتنى الأئمّة من أهل البيت (عليهم السّلام) بهذه القضية اعتناءً لا يقلّ عن عناية الرّسول الخاتم (صلّى الله عليه وآله)، واستمراراً للخطّ الذي اختطّه، والمنهج الذي سلكه في التمهيد لدولة الحقّ التي تتكفّل تحقيق آمال الأنبياء والأوصياء جميعاً وعلى مدى التاريخ.

وقد كثرت النصوص الواصلة إلينا عن أبي الأئمّة التسعة من ولد الحسين (عليه السّلام). فروى عن جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وعن أبيه أمير المؤمنين (عليه السّلام) مجموعة فريدة من التصريحات المهمّة بشأن المهدي (عليه السّلام)، نختار نماذج منها:

١ - قال (عليه السّلام):(( دخلت على جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأجلسني على فخذه، وقال لي: إنّ الله اختار من صُلبك يا حسين تسعة أئمّة تاسعهم قائمهم، وكلّهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء )) (١) .

٢ - وسأله شعيب بن أبي حمزة قائلاً: أنت صاحبُ هذا الأمر؟ فأجابه:(( لا )) . فقال له: فمَنْ هو؟ فأجاب (عليه السّلام):(( الذي يملؤها عدلاً كما مُلئِت جَوْراً، على فترة من الأئمّة تأتي كما إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بُعِث على فترة من الرسل )) (٢) .

٣ - وقال (عليه السّلام):(( لصاحب هذا الأمر غيبتان؛ إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم: مات، وبعضهم: قُتِل، وبعضهم: ذهب، ولا يطّلعُ على موضعه أحدٌ مِن وليّ ولا غيرهِ إلاّ المولى الذي يلي أمره )) (٣) .

٤ - وقال (عليه السّلام):(( لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوَّلَ الله (عزّ وجلّ) ذلك اليوم

____________________

(١) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٦٥٩ عن ينابيع المودّة / ٥٩٠.

(٢) المصدر السابق / ٦٦٠ عن عقد الدرر / ١٥٨.

(٣) موسوعة كلمات الإمام الحسين عن عقد الدرر / ١٣٤.

٢١٦

حتى يخرجَ رجلٌ من ولدي فيملأها عدلاً وقسطاً كما مُلئِت جوراً وظُلماً، كذلك سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول )) (١) .

٥ - وقال (عليه السّلام):(( للمهدي خمسُ علامات؛ السفياني، واليماني، والصيحةُ من السّماء، والخسفُ بالبيداء، وقتل النفسِ الزكيّة )) (٢) .

٦ - وقال (عليه السّلام) أيضاً:(( لو قام المهديّ لأنكره النّاس ؛ لأنّه يرجع إليهم شابّاً موفّقاً، وإنّ من أعظم البليّة أن يخرج إليهم صاحبُهم شابّاً وهم يحسبونَه شيخاً كبيراً )) (٣) .

٧ - وقال (عليه السّلام):(( في التاسع من ولدي سُنّة من يوسف، وسنّة من موسى بن عمران (عليه السّلام)، وهو قائمنا أهل البيت، يُصلح الله تبارك وتعالى أمرَه في ليلة واحدة )) (٤) .

٨ - وقال (عليه السّلام):(( إذا خرج المهدي (عليه السّلام) لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلاّ السّيف، وما يستعجلون بخروج المهديّ؟ والله ما لباسُه إلاّ الغليظُ، ولا طعامه إلاّ الشعيرُ، وما هو إلاّ السّيفُ، والموتُ تحت ظِلِّ السّيْفِ )) (٥) .

في رحاب العقيدة والكلام

ونختار من هذه البحوث نماذج ممّا وصلنا عن أبي الشّهداء الحسين بن عليّ (عليهما السّلام).

١ - وممّا قاله عن توحيد الله سبحانه:((... ولا يقدّر الواصِفون كنه عظمته، ولا يخطر على القلوبِ مبلَغَ جبروته ؛ لأنّه ليس له في الأشياء عديل، ولا تدركه العلماء بألبابها، ولا أهل التفكير بتفكيرهم إلاّ بالتحقيق إيقاناً بالغيبِ ؛ لأنّه لا يوصَفُ بشيء من صفات

____________________

(١) المصدر السابق / ٦٦١ عن كمال الدين / ٣١٧.

(٢) المصدر السابق / ٦٦٢ عن عقد الدرر / ١١١.

(٣) المصدر السابق / ٦٦٥ عن عقد الدرر / ٤١.

(٤) المصدر السابق عن كمال الدين / ٣١٧.

(٥) المصدر السابق / ٦٦٣ عن عقد الدرر / ٢٢٨.

٢١٧

المخلوقين وهو الواحد الصمدُ، ما تُصُوِّر في الأوهامِ فَهُوَ خلافُه... يوجِدُ المفقودَ ويُفقِدُ الموْجُودَ، ولا تجتمع لغيره الصفتانِ في وقت، يصيب الفكرُ منه الإيمانَ به موجوداً، ووجودَ الإيمانِ لا وجودَ صِفَة، به توصف الصّفاتُ لا بها يوصَفُ، وبه تُعرَفُ المعارِفُ لا بها يُعرَف، فذلك الله، لا سَميَّ لَهُ، سبحانه! ليس كمثلِهِ شيء، وهو السّميعُ البصيرُ )) (١) .

وممّا قاله أيضاً لابن الأزرق:(( أصف إلهي بما وصف به نفسَه، وأُعرِّفُه بما عرّف به نفسَه. لا يُدْرَك بالحواس، ولا يُقاس بالنّاسِ، فهو قريبٌ غير ملتصِق، وبعيدٌ غير مُتَقَصّ (تقص)، يُوَحَّدُ ولا يُبَعَّضُ، مَعروف بالآيات، موصوف بالعلاماتِ، لا إله إلاّ هو الكبير المتعالُ )) (٢) .

٢ - وخرج على أصحابه فقال:(( أيّها النّاس، إنّ اللهَ (جَلَّ ذكرهُ) ما خَلَقَ العباد إلاّ ليعرفوهُ، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنَوْا بعبادته عن عبادة ما سواهُ )) . ثمّ سأله رجل عن معرفة الله فقال: معرفةُ أهل كلّ زمان إمامَهُم الذي يجب عليهم طاعَتُه»(٣) .

٣ - وتكلّم عن ملاك التكليف قائلاً:(( ما أخَذَ الله طاقة أحد إلاّ وضع عنه طاعتَه، ولا أخذ قدرته إلاّ وضع عنهُ كُلْفَتَه )) (٤) .

٤ - وكتب للحسن بن أبي الحسن البصري جواباً عن سؤاله حول القدر:(( إنّه مَنْ لم يؤمن بالقدر خيرِه وشرِّه فقد كفر، ومَنْ حمل المعاصي على الله (عزّ وجلّ) فقد افترى على الله افتراءً عظيماً. إنّ الله تبارك وتعالى لا يُطاع بإكراه، ولا يُعصى بغَلَبَة، ولا يُهملُ العبادَ في الهلكة، لكنّه المالك لما ملّكهم، والقادرُ لما عليه أقدَرَهُم، فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن الله صادّاً عنها مُبطِئاً، وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يمن عليهم فيحولَ بينهَم وبين ما ائتمروا به فعل، وإن لم يفعل فليس هو حَمَلَهم عليها قسراً ولا كلّفهم جبراً، بل بتمكينهِ إيّاهم بعد إعذاره وإنذاره لهم واحتجاجه عليهم طوّقَهُم ومكّنهم، وجعل لهم السبيل إلى أخذ ما إليه

____________________

(١) موسوعة كلمة الإمام الحسين / ٥٣٠ عن تحف العقول / ١٧٣.

(٢) المصدر السابق / ٥٣٣ عن التوحيد / ٧٩.

(٣) المصدر السابق / ٥٤٠ عن علل الشّرايع / ٩.

(٤) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٥٤٢ عن تحف العقول / ١٧٥.

٢١٨

دعاهم، وترك ما عنه نهاهم )) (١) .

٥ - واشتملت أدعيته (عليه السّلام) على دُرر باهرة في التوحيد والمعرفة والهداية الإلهية، ولاسيما دعاء العشرات المرويّ عنه(٢) ، ودعاء عرفة الذي عُرِف به ؛ لِما يسطع به من معارف زاخرة وعلوم جمّة، بل هو دورة عقائدية كاملة. وإليك مطلعه:

(( الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانعٌ، ولا كصنعه صنعُ صانِع، وهو الجوادُ الواسِعُ. فَطَر أجناسَ البدائعِ، وأتقنَ بحكمتِهِ الصنائعَ. لا تخفى عليه الطلائعُ، ولا تضيع عنده الودائعُ. أتى بالكتابِ الجامعِ، و (بشرع السّلام) النور السّاطعِ، وهو للخليقة صانعٌ، وهو المستعانُ على الفجائِع )) (٣) .

في رحاب الأخلاق والتربية الروحية

١ - سُئل عن خير الدنيا والآخرة فكتب (عليه السّلام):(( بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعدُ، فإنّه مَنْ طلب رضى الله بسخط النّاس كفاه الله اُمور النّاس، ومَنْ طلب رضى النّاس بسخط الله وكلّه الله إلى النّاس. والسّلام )) (٤) .

٢ - بيّن (عليه السّلام) أقسام العبادة، ودرجات العُبّاد، قائلاً:(( إنّ قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادةُ العبيد، وإنّ قوماً عبدوا اللهَ شُكراً فتلك عبادةُ الأحرار، وهي أفضل العبادة )) (٥) .

٣ - قال (عليه السّلام) عن آثار العبادة الحقيقية:(( مَنْ عَبَدَ الله حقَّ عبادته آتاه الله فوق

____________________

(١) المصدر السابق / ٥٤٠ - ٥٤١ عن معادن الحكمة ٢ / ٤٥.

(٢) البلد الأمين - للكفعمي / ٢٤.

(٣) موسوعة كلمات الإمام الحسين / ٧٩٣ - ٨٠٦ عن إقبال الأعمال / ٣٣٩.

(٤) أمالي الصدوق / ١٦٧.

(٥) تحف العقول / ١٧٥.

٢١٩

أمانيه وكفايتهِ )) (١) .

٤ - سُئل عن معنى الأدب فقال:(( هو أن تخرج من بيتك فلا تَلقى أحداً إلاّ رأيت له الفضلَ عليك )) (٢) .

٥ - قال الإمام الحسين (عليه السّلام):(( مالُك إن يكن لك كنتَ له فلا تبقِ عليه ؛ فإنّه لا يُبقي عليك، وكلُه قبل أن يأكلك )) (٣) .

في رحاب مواعظه الجليلة

١ - كتب إليه رجل: عِظني بحرفين. فكتب إليه:(( مَنْ حاوَل أمراً بمعصية الله تعالى كانَ أفْوَتَ لما يَرجو، وأسْرَعَ لمجي ما يحذَرُ )) (٤) .

٢ - وجاءه رجل فقال له: أنا رجل عاصٍ ولا أصبر عن المعصية، فعظني بموعظة.

فقال (عليه السّلام):(( افعل خمسةَ أشياءَ واذنب ما شئتَ؛ فأوّل ذلك: لا تأكل رزقَ اللهِ واذنب ما شئِتَ. والثاني: اخرج من ولاية الله واذنِب ما شئت. والثالث: اطلُبْ موضِعاً لا يراكَ اللهُ واذنب ما شِئتَ. والرابع: إذا جاء ملَكُ الموتِ ليقبِضَ روحَكَ فادفَعْهُ عن نفسِكَ واذنب ما شئتَ. والخامِسُ: إذا أدخَلَكَ مالكُ النارَ فلا تدخُلْ في النارِ واذنِب ما شئتَ )) (٥) .

٣ - وممّا جاء عنه (عليه السّلام) في الموعظة:(( يابن آدمَ، تفكَّرْ وقل: أينَ ملوكُ الدنيا وأربابُها الذين عَمّروا واحتفَروا أنهارها، وغَرَسوا أشجارها، ومدّنوا مدائِنَها، فارقوها وهم كارهون، وورثها قوم آخرون، ونحن بهم عمّا قليل لاحقونَ.

يابن آدم، اذكر مصرعك، وفي قبرك مضجعَك، وموقفَك بين يَدَي اللهِ تشهَدُ جوارحُكَ عليكَ يوم تَزِلُّ فيه الأقدامُ، وتبلغُ القلوبُ الحناجِرَ، وتبيضّ وجوهٌ وتسوَدُّ وجوهٌ، وتبدو السرائرُ، ويوضَعُ الميزانُ القِسط.

يابن آدمَ، اذكُر مصارعَ آبائك وأبنائك، كيف كانوا، وحيثُ حَلّوا، وكأنّك عن قليل قد حَلَلْتَ

____________________

(١) بحار الأنوار ٧١ / ١٨٤.

(٢) ديوان الإمام الحسين / ١٩٩.

(٣) بحار الأنوار ٧١ / ٣٥٧.

(٤) الكافي ٢ / ٣٧٣.

(٥) بحار الأنوار ٧٨ / ١٢٦.

٢٢٠