الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء0%

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 236

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد منذر الحكيم
تصنيف: الصفحات: 236
المشاهدات: 142777
تحميل: 5180

توضيحات:

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 236 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142777 / تحميل: 5180
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أعدّها وهيّأها في ذلك الظرف التأريخي في صنع ملحمته الخالدة، فحرّك ضمير الاُمّة، وأعادها لتسلك مسيرة رسالتها، وبعث شخصيّتها العقائدية من جديد، وسلب المشروعية من الحكّام الطّغاة، ومزّق كلّ الأقنعة الخدّاعة التي كانوا قد تستّروا بها، وأوضح الموقف الشّرعي للاُمّة على مدى الأجيال.

ولم يستطع الطّغاة أن يشوّهوا معالم نهضته، كما لم يستطيعوا أن يقفوا بوجه المدّ الثوري الذي أحدثه على مدى العصور، ذلك المدّ الذي أطاح بحكم بني اُميّة وبني العباس ومَنْ حذا حذوهم، فكانت ثورته مصدر إشعاع رسالي لكلّ الاُمم، كما كانت القيم الرساليّة التي طرحها وأكّد عليها محفّزاً ومعياراً لتقييم كلّ الحكومات والأنظمة السّياسية الحاكمة، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.

* * *

٢١

الفصل الثاني: انطباعات عن شخصيّة الإمام الحسين (عليه السّلام)

[ أوّلاً ] مكانة الإمام الحسين (عليه السّلام) في آيات الذكر الحكيم

لم تتّفق كلمة المسلمين في شيء كاتّفاقهم على فضل أهل البيت (عليهم السّلام) وعلوّ مقامهم العلمي والروحي، وانطوائهم على مجموعة الكمالات التي أراد الله للإنسانيّة أن تتحلّى بها.

ويعود هذا الاتّفاق إلى جملة من الاُصول، منها تصريح الذكر الحكيم بالموقع الخاصّ لأهل البيت (عليهم السّلام) من خلال التنصيص على تطهيرهم من الرجس، وأنّهم القربى الذين تجب مودّتهم كأجر للرسالة التي أتحف الله بها الإنسانيّة جمعاء، وأنّهم الأبرار الذين أخلصوا الطاعة لله، وخافوا عذاب الله، وتجلببوا بخشيته فضمن لهم الجّنة والنّجاة من عذابه.

والإمام الحسين (عليه السّلام) هو من أهل البيت (عليهم السّلام) المطهّرين من الرّجس بلا ريب، بل هو ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بنصّ آية المباهلة التي جاءت في حادثة المباهلة مع نصارى نجران.

وقد خلّد القرآن الكريم هذا الحدث بمداليله العميقة في قوله تعالى:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ

٢٢

وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (١) .

وروى جمهور المحدّثين بطرق مستفيضة أنّها نزلت في أهل البيت (عليهم السّلام)، وهم: رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين)، كما صرّحوا على أنّ الأبناء هنا هما الحسنان (عليهما السّلام) بلا ريب.

وتضمّنت هذه الحادثة تصريحاً من الرّسول (صلّى الله عليه وآله) بأنّهم خير أهل الأرض وأكرمهم على الله؛ ولهذا فهو يباهل بهم. واعترف أسقف نجران بذلك أيضاً قائلاً: « أرى وجوهاً لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله »(٢) .

وهكذا دلّت القصة كما دلّت الآية على عظيم منزلتهم وسموّ مكانتهم وأفضليّتهم، وأنّهم أحبّ الخلق إلى الله ورسوله، وأنّهم لا يدانيهم في فضلهم أحد من العالمين.

ولم ينصّ القرآن الكريم على عصمة أحد غير النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من المسلمين سوى أهل البيت (عليهم السّلام) الذين أراد الله أن يطهّرهم من الرجس تطهيراً(٣) .

ولئن اختلف المسلمون في دخول نساء النبيّ في مفهوم أهل البيت (عليهم السّلام) فإنّهم لم يختلفوا قطّ في دخول عليّ والزهراء والحسنَيْن (عليهم السّلام) في ما تقصده الآية المباركة(٤) .

____________________

(١) سورة آل عمران / ٦١.

(٢) نور الأبصار / ١٠٠، وراجع تفسير الجلالين، وروح البيان والكشّاف، والبيضاوي والرازي، وصحيح الترمذي ٢ / ١٦٦، وسنن البيهقي ٧ / ٦٣، وصحيح مسلم / كتاب فضائل الصحابة، ومسند أحمد ١ / ٨٥، ومصابيح السّنة ٢ / ٢٠١.

(٣) كما نصّت على ذلك الآية ٣٣ من سورة الأحزاب.

(٤) راجع التفسير الكبير - للفخر الرازي، وتفسير النيسابوري، وصحيح مسلم ٢ / ٣٣، وخصائص النسائي / ٤، ومسند أحمد ٤ / ١٠٧، وسنن البيهقي ٢ / ١٥٠، ومشكل الآثار ١ / ٣٣٤، ومستدرك الحاكم ٢ / ٤١٦، واُسد الغابة ٥ / ٥٢١.

٢٣

ومن هنا نستطيع أن نفهم السرّ الكامن في وجوب مودّتهم والالتزام بخطّهم، وترجيح حبّهم على حبّ مَنْ سواهم بنصّ الكتاب العزيز(١) .

فإنّ عصمة أهل البيت (عليهم السّلام) أدلّ دليل على أنّ النّجاة في متابعتهم حينما تتشعّب الطّرق وتختلف الأهواء، فمَنْ عصمه الله من الرجس وكان دالاًّ على النّجاة كان متّبعه ناجياً من الغرق.

ونصّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) - كما عن ابن عباس - بأنّ آية المودّة في القربى حينما نزلت وسأله بعض المسلمين عن المقصود من القرابة التي أوجبت على المسلمين طاعتهم بقوله:(( إنّهم عليّ وفاطمة وابناهما )) (٢) .

ولا يتركنا القرآن الحكيم حتّى يبيّن لنا أسباب هذا التفضيل في سورة « الدهر »، التي نزلت لبيان عظمة الواقع النفسي الذي انطوى عليه أهل البيت (عليهم السّلام)، والإخلاص الذي تقترن به طاعتهم وعباداتهم، بقوله تعالى:( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً ) (٣) .

لقد روى جمهور المفسّرين والمحدّثين أنّ هذه السّورة المباركة نزلت في أهل البيت (عليهم السّلام) بعد ما مرض الحسنان، ونذر الإمام صيام ثلاثة أيام شكراً لله إن برئا، فوفوا بنذرهم أيّما وفاء، إنّه وفاءٌ جسَّد أروع أنواع الإيثار حتّى نزل قوله تعالى:( إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً ) (٤) .

فشكر الله

____________________

(١) قال تعالى في سورة الشورى الآية ٢٣ مخاطباً رسوله الكريم:( قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) . وقال في سورة سبأ:( مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) .

(٢) راجع التفسير الكبير، وتفسير الطبري، والدرّ المنثور في تفسير آية المودّة.

(٣) سورة الإنسان / ٩ - ١٢.

(٤) سورة الإنسان / ٥ - ٧.

٢٤

سعيهم على هذا الإيثار والوفاء بما أورثهم في الآخرة، وبما حباهم من الإمامة للمسلمين في الدنيا حتّى يرث الأرض ومَنْ عليها.

[ ثانياً ] مكانة الإمام الحسين (عليه السّلام) لدى خاتم المرسلين (صلّى الله عليه وآله)

لقد خصّ الرّسول الأعظم حفيديه الحسن والحسين (عليهما السّلام) بأوصاف تنبئ عن عظم منزلتهما لديه، فهما:

١ - ريحانتاه من الدنيا، وريحانتاه من هذه الأمّة(١) .

٢ - وهما خير أهل الأرض(٢) .

٣ - وهما سيّدا شباب أهل الجّنة(٣) .

٤ - وهما إمامان قاما أو قعدا(٤) .

٥ - وهما من العترة (أهل البيت) التي لا تفترق عن القرآن إلى يوم القيامة، ولن تضلّ اُمّة تمسّكت بهما(٥) .

٦ - كما أنّهما من أهل البيت الذين يضمنون لراكبي سفينتهم النّجاة من الغرق(٦) .

٧ - وهما ممّن قال عنهم جدّهم:(( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف )) (٧) .

٨ - وقد استفاض الحديث عن مجموعة من أصحاب الرّسول (صلّى الله عليه وآله) أنّهم قد سمعوا مقالته فيما يخصّ الحسنين (عليهما السّلام):(( اللهمّ إنّك تعلم أ نّي اُحبُّهما

____________________

(١) صحيح البخاري ٢ / ١٨٨، وسنن الترمذي / ٥٣٩.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ٦٢.

(٣) سنن ابن ماجة ١ / ٥٦، والترمذي / ٥٣٩.

(٤) المناقب - لابن شهر آشوب ٣ / ١٦٣، نقلاً عن مسند أحمد وجامع الترمذي وسنن ابن ماجة وغيرهم.

(٥) جامع الترمذي / ٥٤١، ومستدرك الحاكم ٣ / ١٠٩.

(٦) حلية الأولياء ٤ / ٣٠٦.

(٧) مستدرك الحاكم ٣ / ١٤٩.

٢٥

فأحبَّهما وأحبّ مَنْ يحبّهما )) (١) .

[ ثالثاً ] مكانة الإمام الحسين (عليه السّلام) لدى معاصريه

١ - قال عمر بن الخطّاب للحسين (عليه السّلام): فإنّما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثمّ أنتم(٢) .

٢ - قال عثمان بن عفان في الحسن والحسين (عليهما السّلام) وعبد الله بن جعفر: فطموا العلم فطماً(٣) ، وحازوا الخير والحكمة(٤) .

٣ - قال أبو هريرة: دخل الحسين بن عليّ وهو معتمّ، فظننت أنّ النبيّ قد بُعث(٥) .

وكان (عليه السّلام) في جنازة فأعيى، وقعد في الطريق، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال له:(( يا أبا هريرة، وأنت تفعل هذا؟ )) . فقال له: دعني، فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم(٦) .

٤ - أخذ عبد الله بن عباس بركاب الحسن والحسين (عليهما السّلام) فعوتب في ذلك، وقيل له: أنت أسنّ منهما. فقال: إنّ هذين ابنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أفليس من سعادتي أن آخذ بركابهما(٧) ؟

وقال له معاوية بعد وفاة الحسن (عليه السّلام): يابن عباس، أصبحت سيّد قومك. فقال: أمّا ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين فلا(٨) .

٥ - قال أنس بن مالك - وكان قد رأى الحسين (عليه السّلام) -: كان أشبههم

____________________

(١) خصائص النسائي / ٢٦.

(٢) الإصابة ١ / ٣٣٣، وقال: سنده صحيح.

(٣) فطموا العلم فطماً: أي قطعوه عن غيرهم قطعاً، وجمعوه لأنفسهم جمعاً.

(٤) الخصال / ١٣٦.

(٥) بحار الأنوار ١٠ / ٨٢.

(٦) تاريخ ابن عساكر ٤ / ٣٢٢.

(٧) تاريخ ابن عساكر ٤ / ٣٢٢.

(٨) حياة الإمام الحسين - للقرشي ٢ / ٥٠٠.

٢٦

برسول الله (صلّى الله عليه وآله)(١) .

٦ - قال زيد بن أرقم لابن زياد حين كان يضرب شفتي الحسين (عليه السّلام): اعل بهذا القضيب، فوالله الذي لا إله غيره، لقد رأيت شفتي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على هاتين الشفتين يُقبّلهما. ثمّ بكى.

فقال له ابن زياد: أبكى الله عينك، فوالله لولا أنّك شيخ قد خرفت لضربت عنقك. فخرج وهو يقول: أنتم يا معشر العرب، العبيد بعد اليوم؛ قتلتم الحسين بن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة! فهو يقتل خياركم ويستبقي شراركم(٢) .

٧ - قال أبو برزة الأسلمي ليزيد حينما رآه ينكث ثغر الحسين (عليه السّلام): أتنكث بقضيبك في ثغر الحسين؟! أما لقد أخذ قضيبك في ثغره مأخذاً لربما رأيت رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) يرشفه! أما إنّك يا يزيد تجيء يوم القيامة وابن زياد شفيعك، ويجيء هذا ومحمّد شفيعه(٣) .

٨ - وحين قال معاوية لعبد الله بن جعفر: أنت سيّد بني هاشم. أجابه قائلاً: سيّد بني هاشم حسن وحسين(٤) .

وكتب إليه: إن هلكت اليوم طُفئ نور الإسلام؛ فإنّك علم المهتدين، ورجاء المؤمنين(٥) .

٩ - سأل رجل عبد الله بن عمر عن دم البعوض يكون في الثوب أفيصلى فيه؟ فقال له: ممّن أنت؟ قال: من أهل العراق. فقال ابن عمر: انظروا إلى هذا، يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول:(( هما ريحانتاي من الدنيا )) (٦) !

____________________

(١) أعيان الشيعة ١ / ٥٦٣.

(٢) اُسد الغابة ٢ / ٢١.

(٣) الحسن والحسين سبطا رسول الله / ١٩٨.

(٤) الحسن بن عليّ - لكامل سليمان / ١٧٣.

(٥) البداية والنهاية ٨ / ١٦٧.

(٦) تاريخ ابن عساكر ٤ / ٣١٤.

٢٧

١٠ - قال محمّد بن الحنفيّة: إنّ الحسين أعلمنا علماً، وأثقلنا حلماً، وأقربنا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رحماً؛ كان إماماً فقيهاً...(١) .

١١ - مرّ الحسين (عليه السّلام) بعمرو بن العاص وهو جالس في ظلّ الكعبة، فقال: هذا أحب أهل الأرض إلى أهل الأرض وإلى أهل السّماء اليوم(٢) .

١٢ - قال عبد الله بن عمرو بن العاص - وقد مرّ عليه الحسين (عليه السّلام) -: مَنْ أحبّ أن ينظر إلى أحبّ أهل الأرض إلى أهل السّماء فلينظر إلى هذا المجتاز(٣) .

١٣ - وحين أشار يزيد على أبيه معاوية أن يكتب للحسين (عليه السّلام) جواباً عن كتاب كتبه له؛ على أن يصغّر فيه الحسين (عليه السّلام)، قال معاوية رادّاً عليه: وما عسيت أن أعيب حسيناً؟! ووالله ما أرى للعيب فيه موضعاً(٤) .

١٤ - قال الوليد بن عتبة بن أبي سفيان (والي المدينة) لمروان بن الحكم لمّا أشار عليه بقتل الحسين (عليه السّلام) إذا لم يبايع: والله يا مروان، ما أُحبّ أنّ لي الدنيا وما فيها وأنّي قتلت الحسين. سبحان الله! أقتل حسيناً إن قال لا اُبايع؟! والله إنّي لأظنّ أنّ مَنْ يقتل الحسين يكون خفيف الميزان يوم القيامة(٥) .

١٥ - لمّا قبض ابن زياد على قيس بن مسهر الصيداوي - رسول الحسين (عليه السّلام) إلى أهل الكوفة - أمره أن يصعد المنبر ويسبّ الحسين وأباه، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّ هذا الحسين بن عليّ، خير خلق الله، وهو ابن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأنا رسوله إليكم، وقد فارقته بالحاجر من بطن ذي الرّمّة فأجيبوه، واسمعوا له وأطيعوا.

ثمّ لعن

____________________

(١) بحار الأنوار ١٠ / ١٤٠.

(٢) تأريخ ابن عسساكر ٤ / ٣٢٢.

(٣) بحار الأنوار ١٠ / ٨٣.

(٤) أعيان الشيعة ١ / ٥٨٣.

(٥) البداية والنهاية ٨ / ١٤٧.

٢٨

عبيد الله بن زياد وأباه، واستغفر لعليّ والحسين (عليهما السّلام)؛ فأمر به ابن زياد فأُلقي من رأس القصر فتقطّع(١) .

١٦ - من خطبة ليزيد بن مسعود النهشلي (رحمه الله): وهذا الحسين بن عليّ ابن رسول الله (عليه السّلام)، ذو الشّرف الأصيل، والرأي الأثيل، له فضل لا يُوصف، وعلم لا يُنزف، وهو أولى بهذا الأمر؛ لسابقته وسنّه، وقدمه وقرابته؛ يعطف على الصغير، ويحنو على الكبير، فأكرم به راعي رعيّة، وإمام قومٍ وجبت لله به الحجّة، وبلغت به الموعظة(٢) .

١٧ - قال عبد الله بن الحرّ الجعفي: ما رأيت أحداً قطّ أحسن ولا أملأ للعين من الحسين(٣) .

١٨ - قال إبراهيم النخعي: لو كنت فيمَنْ قاتل الحسين ثمّ اُدخلت الجّنة لاستحييت أن أنظر إلى وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)(٤) .

[ رابعاً ] الإمام الحسين (عليه السّلام) عبر القرون والأجيال

١ - قال الربيع بن خيثم لبعض مَنْ شهد قتل الحسين (عليه السّلام): والله لقد قتلتم صفوة لو أدركهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لقبّل أفواههم، وأجلسهم في حجره(٥) .

٢ - قال ابن سيرين: لم تبكِ السّماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلاّ على الحسين (عليه السّلام)، ولما قُتل اسودّت السّماء، وظهرت الكواكب نهاراً حتّى رُؤيت الجوزاء عند العصر، وسقط التراب الأحمر، ومكثت السّماء سبعة أيام بلياليها كأنّها علقة(٦) .

____________________

(١) المصدر السابق ١٨ / ١٦٨.

(٢) أعيان الشيعة ١ / ٥٩٠.

(٣) أعيان الشيعة ٤ / ق ١ / ١١٨.

(٤) الإصابة ١ / ٣٣٥.

(٥) بحار الأنوار ١٠ / ٧٩.

(٦) تأريخ ابن عساكر ٤ / ٣٣٩.

٢٩

٣ - قال علي جلال الحسيني: السيّد الزكي الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه السّلام) ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وريحانته، وابن أمير المؤمنين عليّ (كرّم الله وجهه)، وشأن بيت النبوّة له أشرف نسب وأكمل نفس، جمع الفضائل ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال؛ من علوّ الهمّة، ومنتهى الشجاعة، وأقصى غاية الجود، وأسرار العلم، وفصاحة اللسان، ونصرة الحقّ، والنهي عن المنكر، وجهاد الظلم، والتواضع عن عزّ، والعدل، والصبر، والحلم، والعفاف، والمروءة، والورع وغيرها.

واختصّ بسلامة الفطرة، وجمال الخلقة، ورجاحة العقل، وقوّة الجسم، وأضاف إلى هذه المحامد كثرة العبادة وأفعال الخير، كالصلاة والحج والجهاد في سبيل الله والإحسان. وكان إذا أقام بالمدينة أو غيرها مفيداً بعلمه، مرشداً بعمله، مهذّباً بكريم أخلاقه، ومؤدّباً ببليغ بيانه، سخيّاً بماله، متواضعاً للفقراء، مُعَظّماً عند الخلفاء، موصِلاً للصدقة على الأيتام والمساكين، منتصفاً للمظلومين، مشتغلاً بعبادته، مشى من المدينة على قدميه إلى مكّة حاجّاً خمساً وعشرين مرّة....

كان الحسين في وقته علم المهتدين ونور الأرض، فأخبار حياته فيها هدىً للمسترشدين بأنوار محاسنه المقتفين آثار فضله(١) .

٤ - قال محمّد رضا المصري: هو ابن بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وعلم المهتدين، ورجاء المؤمنين(٢) .

٥ - قال عمر رضا كحالة: الحسين بن عليّ، وهو سيّد أهل العراق فقهاً وحالاً، وجوداً وبذلاً(٣) .

____________________

(١) راجع كتابه « الحسين » (عليه السّلام) ١ / ٦. وراجع أيضاً مجمع الزوائد ٩/٢٠١، وبحار الأنوار ٤٤ / ١٩٣.

(٢) الحسن والحسين سبطا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) / ٧٥.

(٣) أعلام النساء ١ / ٢٨.

٣٠

٦ - قال عبد الله العلايلي: جاء في أخبار الحسين: أنّه كان صورة احتبكت ظلالها من أشكال جدّه العظيم، فأفاض النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إشعاعة غامرة من حبّه، وأشياء نفسه؛ ليتمّ له أيضاً من وراء الصّورة معناها فتكون حقيقة من بعد كما كانت من قبل، إنسانيّة ارتقت إلى نبوّة(( أنا من حسين )) ، ونبوّة هبطت إلى إنسانيّة(( حسين منّي )) ، فسلام عليه يوم ولِد(١) .

٧ - قال عبّاس محمود العقّاد: مثل للنّاس في حلّة من النور تخشع لها الأبصار، وباء بالفخر الذي لا فخر مثله في تواريخ بني الإنسان، غير مستثنى منهم عربي ولا عجمي، وقديم وحديث؛ فليس في العالم اُسرة أنجبت من الشهداء مَنْ أنجبتهم اُسرة الحسين عدّة وقدرة وذكرة، وحسبه أنّه وحده في تأريخ هذه الدنيا الشهيد ابن الشهيد أبو الشهداء في مئات السّنين(٢) .

٨ - قال عمر أبو النصر: هذه قصّة اُسرة من قريش، حملت لواء التضحية والاستشهاد والبطولة من مشرق الأرض إلى مغربها. قصة ألّف فصولها شباب ما عاشوا كما عاش النّاس، ولا ماتوا كما مات النّاس؛ ذلك أنّ الله شرّف هذه الجماعة من خلقه بأن جعل النبوّة والوحي والإلهام في منازلها، وزاد ندى فلم يشأ لها حظّ الرجل العادي من عبادة، وإنّما أرادها للتشريد والاستشهاد، وأرادها للمثل العليا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكتب لها أن تتزعّم لواء التقوى والصّلاح إلى آخر ما يكون من ذرّيتها(٣) .

٩ - قال عبد الحفيظ أبو السّعود: عنوان النضال الحرّ، والجهاد المستميت، والاستشهاد في سبيل المبدأ والعقيدة، وعدم الخضوع لجور

____________________

(١) تاريخ الحسين (عليه السّلام) / ٢٢٦.

(٢) أبو الشهداء الحسين بن عليّ (عليهما السّلام) / ١٥٠، طبعة النجف، مطبعة الغري الحديثة.

(٣) آل محمّد في كربلاء / ٣٠.

٣١

السّلطان وبغي الحاكمين(١) .

١٠ - قال أحمد حسن لطفي: إنّ الموت الذي كان ينشده فيها كان يُمثّل في نظره مثلاً أروع من كلّ مثل الحياة؛ لأنّه الطريق إلى الله الذي منه المبتدأ وإليه المنتهى، ولأنّه السّبيل إلى الانتصار وإلى الخلود، فهو أعظم بطل ينتصر بالموت على الموت(٢) .

____________________

(١) سبطا رسول الله الحسن والحسين / ١٨٨.

(٢) الشهيد الخالد الحسين بن عليّ / ٤٧.

٣٢

الفصل الثالث: مظاهر من شخصية الإمام الحسين (عليه السّلام)

ولد الإمام الحسين بن عليّ (عليهما السّلام) في بيت كان محطّ الملائكة ومهبط التنزيل، في بقعة طاهرة تتصل بالسّماء طوال يومها بلا انقطاع، وتتناغم مع أنفاسه آيات القرآن التي تُتلى آناء الليل والنهار، وترعرع بين شخصيّات مقدّسة تجلّلت بآيات الله، ونهل من نمير الرسالة عذب الارتباط مع الخالق، وصاغ لبنات شخصيته نبي الرحمة (صلّى الله عليه وآله) بفيض مكارم أخلاقه وعظمة روحه.

فكان الحسين (عليه السّلام) صورة لمحمّد (صلّى الله عليه وآله) في اُمتّه، يتحرّك فيها على هدى القرآن، ويتحدّث بفكر الرسالة، ويسير على خُطى جدّه العظيم ليبيّن مكارم الأخلاق، ويرعى للاُمّة شؤونها، ولا يغفل عن هدايتها ونصحها ونصرتها.

جاعلاً من نفسه المقدّسة اُنموذجاً حيّاً لما أرادته الرسالة والرسول؛ فكان (عليه السّلام) نور هدىً للضالّين، وسلسبيلاً عذباً للراغبين، وعماداً يستند إليه المؤمنون، وحجّة يركن إليها الصّالحون، وفيصل حقّ إذ يتخاصم المسلمون، وسيف عدل يغضب لله ويثور من أجل الله، وحين نهض كان بيده مشعل الرسالة الذي حمله جدّه النبي (صلّى الله عليه وآله) يدافع عن دينه ورسالته العظيمة.

ومن الإمعان في شخصيّة الإمام الحسين (عليه السّلام) الفذّة نتلمّس المظاهر التالية:

٣٣

[ أوّلاً ] تواضعه (عليه السّلام)

جُبل أبو عبد الله الحسين (عليه السّلام) على التواضع ومجافاة الأنانية، وهو صاحب النّسب الرفيع، والشّرف العالي، والمنزلة الخصيصة لدى الرّسول(صلّى الله عليه وآله)، فكان (عليه السّلام) يعيش في الاُمّة لا يأنف من فقيرها، ولا يترفّع على ضعيفها، ولا يتكبّر على أحد فيها.

يقتدي بجدّه العظيم المبعوث رحمةً للعالمين، يبتغي بذلك رضا الله وتربية الاُمّة، وقد نُقلت عنه (عليه السّلام) مواقف كثيرة تعامل فيها مع سائر المسلمين بكلّ تواضع، مظهراً سماحة الرسالة ولطف شخصيّته الكريمة، ومن ذلك:

إنّه (عليه السّلام) قد مرّ بمساكين وهم يأكلون كسراً (خبزاً يابساً) على كساء، فسلّم عليهم، فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم، وقال:(( لولا أنّه صدقة لأكلت معكم )) . ثمّ قال:(( قوموا إلى منزلي )) ، فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.

وروي: أنّه (عليه السّلام) مرّ بمساكين يأكلون في الصُّفَة، فقالوا: الغداء. فقال (عليه السّلام):(( إنّ الله لا يُحبّ المتكبّرين )) . فجلس وتغدّى معهم، ثمّ قال لهم:(( قد أجبتكم فأجيبوني )) . قالوا: نعم. فمضى بهم إلى منزله وقال لزوجته:(( أخرجي ما كنتِ تدّخرين )) (١) .

[ ثانياً ] حلمه وعفوه (عليه السّلام)

تأدّب الحسين السّبط (عليه السّلام) بآداب النبوّة، وحمل روح جدّه الرّسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) يوم عفا عمّن حاربه ووقف ضد الرسالة الإسلاميّة، لقد كان قلبه يتّسع لكلّ النّاس، وكان حريصاً على هدايتهم متغاضياً في هذا السبيل عن إساءة جاهلهم، يحدوه رضى الله تعالى، يقرّب المذنبين ويطمئنهم، ويزرع

____________________

(١) أعيان الشيعة ١ / ٥٨٠، تأريخ ابن عساكر - ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) ح ١٩٦، وتفسير البرهان ٢ / ٣٦٣.

٣٤

فيهم الأمل برحمة الله، فكان لا يردّ على مسيء إساءة، بل يحنو عليه ويرشده إلى طريق الحقّ وينقذه من الضلال.

فقد روي عنه (عليه السّلام) أنّه قال:(( لو شتمني رجل في هذه الاُذن - وأومأ إلى اليمنى -واعتذر لي في اليسرى لقبلت ذلك منه؛ وذلك أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) حدّثني أنّه سمع جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: لا يرد الحوض مَنْ لم يقبل العذر من محقّ أو مبطل )) (١) .

كما روي أنّ غلاماً له جنا جنايةً كانت توجب العقاب، فأمر بتأديبه، فانبرى العبد قائلاً: يا مولاي، والكاظمين الغيظ. فقال (عليه السّلام):(( خلّوا عنه )) . فقال: يا مولاي، والعافين عن النّاس. فقال (عليه السّلام):(( قد عفوت عنك )) . قال: يا مولاي، والله يحبّ المحسنين. فقال (عليه السّلام):(( أنت حرّ لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك )) (٢) .

[ ثالثاً ] جوده وكرمه (عليه السّلام)

وبنفس كبيرة كان الإمام الحسين بن علي (عليهما السّلام) يعين الفقراء والمحتاجين، ويحنو على الأرامل والأيتام، ويثلج قلوب الوافدين عليه، ويقضي حوائج السّائلين من دون أن يجعلهم يشعرون بذلّ المسألة، ويصل رحمه دون انقطاع، ولم يصله مال إلاّ فرّقه وأنفقه، وهذه سجيّة الجواد وشنشنة الكريم وسمة ذي السّماحة.

فكان يحمل في دجى الليل البهيم جراباً مملوءاً طعاماً ونقوداً إلى منازل الأرامل واليتامى حتّى شهد له بهذا الكرم معاوية بن أبي سفيان، وذلك حين بعث لعدّة شخصيات بهدايا، فقال متنبّئاً: أمّا الحسين فيبدأ بأيتام مَنْ قُتل مع

____________________

(١) إحقاق الحقّ ١١ / ٤٣١.

(٢) كشف الغمّة ٢ / ٣١، والفصول المهمّة - لابن الصبّاغ / ١٦٨ مع اختلاف يسير، وأعيان الشيعة ٤ / ٥٣.

٣٥

أبيه بصفّين، فإن بقي شيء نحر به الجزور وسقى به اللبن(١) .

وفي موقف مفعم باللّطف والإنسانيّة والحنان جعل العتق ردّاً للتحية، فقد روى عن أنس أنّه قال: كنت عند الحسين فدخلت عليه جارية بيدها طاقة ريحان فحيّته بها، فقال لها:(( أنتِ حرّة لوجه الله تعالى )) .

وانبهر أنس وقال: جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟! فقال (عليه السّلام):(( كذا أدّبنا الله، قال تبارك وتعالى: ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) ،وكان أحسن منها عتقها )) (٢) .

ومن كرمه وعفوه أنّه وقف (عليه السّلام) ليقضي دين اُسامة بن زيد، وليفرّج عن همّه الذي كان قد اعتراه وهو في مرضه(٣) ، رغم أنّ اُسامة كان قد وقف في الصفّ المناوئ لأبيه أمير المؤمنين (عليه السّلام).

ووقف ذات مرّة سائل على باب الحسين (عليه السّلام) وأنشد قائلاً:

لم يخب الآن مَنْ رجاك ومَن

حرّك من دون بابك الحلقهْ

أنت جوادٌ وأنت معتمدٌ

أبوك قد كان قاتل الفسقهْ

فأسرع إليه الإمام الحسين (عليه السّلام) وما أن وجد أثر الفاقة عليه حتّى نادى بقنبر، وقال متسائلاً:(( ما تبقّى من نفقتنا؟ )) .

قال: مئتا درهم أمرتني بتفرقتها في أهل بيتك.

فقال (عليه السّلام):(( هاتها فقد أتى مَنْ هو أحقّ بها منهم )) .

فأخذها ودفعها إلى السائل معتذراً منه، وأنشد قائلاً:

(( خذها فإنّي إليك معتذرٌ

واعلم بأنّي عليك ذو شفقهْ

لو كان في سيرنا الغداة عصاً

أمست سمانا عليك مندفقهْ

لكنّ ريب الزمان ذو غِيرٍ

والكفّ منّي قليلة النفقهْ ))

____________________

(١) حياة الإمام الحسين ١ / ١٢٨ عن عيون الأخبار.

(٢) كشف الغمّة ٢ / ٣١، والفصول المهمّة / ١٦٧.

(٣) بحار الأنوار ٤٤ / ١٨٩، ومناقب آل أبي طالب ٤ / ٦٥.

٣٦

فأخذها الأعرابي شاكراً وهو يدعو له (عليه السّلام) بالخير، وأنشد مادحاً:

مطهّرون نقيّات جيوبهمُ

تجري الصلاةُ عليهم أينما ذكروا

وأنتمُ أنتمُ الأعلون عندكمُ

علمُ الكتاب وما جاءت به السورُ

مَنْ لم يكن علويّاً حين تنسبُه

فما له في جميع النّاس مفتخرُ (١)

[ رابعاً ] شجاعته (عليه السّلام)

إنّ المرء ليعجز عن الوصف والقول حين يطالع صفحة الشّجاعة من شخصية الإمام الحسين (عليه السّلام) ؛ فإنّه ورثها عن آبائه وتربّى عليها ونشأ فيها، فهو من معدنها وأصلها، وهو الشّجاع في قول الحقّ والمستبسل للدفاع عنه، فقد ورث ذلك عن جدّه العظيم محمّد (صلّى الله عليه وآله) الذي وقف أمام أعتا قوّة مشركة حتّى انتصر عليها بالعقيدة والإيمان والجهاد في سبيل الله تعالى.

ووقف مع أبيه أمير المؤمنين (عليه السّلام) يُعيد الإسلام حاكماً، وينهض بالاُمّة في طريق دعوتها الخالصة، يُصارع قوى الضلال والانحراف بالقول والفعل وقوّة السّلاح؛ ليعيد الحقّ إلى نصّابه.

ووقف مع أخيه الإمام الحسن (عليه السّلام) موقف الأبطال المضحّين من أجل سلامة الاُمّة، ونجاة الصّفوة المؤمنة المتمسّكة بنهج الرسالة الإسلاميّة.

ووقف صامداً حين تقاعست جماهير المسلمين عن نصرة دينها أمام جبروت معاوية وضلاله، وأزلامه والتيار الذي قاده لتشويه الدين القويم، ولم يخشَ كلّ التهديدات، ولا ما كان يلوح في الاُفق من نهاية مأساوية نتيجة الخروج لطلب الإصلاح، وإحياء رسالة جدّه النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، والوقوف في وجه الظلم والفساد، فخرج وهو مسلّم لأمر الله وساع لابتغاء مرضاته،

____________________

(١) تأريخ ابن عساكر ٤ / ٣٢٣، ومناقب آل أبي طالب ٤ / ٦٥.

٣٧

وها هو (عليه السّلام) يردُّ على الحرّ بن يزيد الرياحي حين قال له: اُذكّرك الله في نفسك؛ فإنّي أشهد لئن قاتلت لتُقتلنّ، ولئن قوتلت لتهلكنّ.

فقال له الإمام أبو عبد الله (عليه السّلام):(( أبالموت تخوّفني؟! وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟! ما أدري ما أقول لك، ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه:

سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى

إذا ما نوى خيراً وجاهد مسلما

وواسى رجالاً صالحين بنفسه

وخالف مثبوراً وفارق مجرما

فإنْ عشت لم أندم وإنْ متّ لم اُلَم

كفى بك ذلاً أن تعيش وتُرغما )) (١)

ووقف (عليه السّلام) يوم الطفّ موقفاً حيّر به الألباب وأذهل به العقول، فلم ينكسر أمام جليل المصاب حتّى عندما بقي وحيداً، فقد كان طوداً شامخاً لا يدنو منه العدوّ هيبةً وخوفاً رغم جراحاته الكثيرة حتّى شهد له عدوّه بذلك، فقد قال حميد بن مسلم: فوالله، ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً منه؛ إن كانت الرجّالة لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فيكشفهم عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا اشتدّ عليها الذئب(٢) .

[ خامساً ] إباؤه (عليه السّلام)

لقد تجلّت صورة الثائر المسلم بأبهى صورها وأكملها في إباء الإمام الحسين (عليه السّلام) ورفضه للصبر على الحيف والسّكوت على الظلم، فسنّ بذلك للأجيال اللاحقة سنّة الإباء والتضحية من أجل العقيدة وفي سبيلها، حين وقف ذلك الموقف الرسالي العظيم يهزّ الاُمّة ويشجّعها أن لا تموت هواناً

____________________

(١) تأريخ الطبري ٤ / ٢٥٤، والكامل في التأريخ ٣ / ٢٧٠.

(٢) أعلام الورى ١ / ٤٦٨، وتأريخ الطبري ٥ / ٥٤٠.

٣٨

وذلاً، رافضاً بيعة الطليق ابن الطليق يزيد بن معاوية قائلاً:(( إنّ مثلي لا يبايع مثله )) .

وها هو يصرّح لأخيه محمّد بن الحنفيّة مجسّداً ذلك الإباء بقوله (عليه السّلام):(( يا أخي، والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية )) (١) .

ورغم أنّ الشيطان كان قد استحكم على ضمائر النّاس فأماتها حتّى رضيت بالهوان، لكن الإمام الحسين (عليه السّلام) وقف صارخاً بوجه جحافل الشرّ والظلم من جيوش الردّة الاُموية قائلاً:(( والله، لا اُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ إقرار العبيد، إنّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون )) (٢) .

لقد كانت كلمات الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السّلام) تعبّر عن أسمى مواقف أصحاب المبادئ والقيم وحملة الرسالات، كما تنمّ عن عزّته واعتداده بالنفس، فقد قال (عليه السّلام):(( ألا وإنّ الدعيَّ ابن الدعيَّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلة! يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، واُنوف حميّة، ونفوس أبيّة من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام )) (٣) .

وهكذا علّم الإمام الحسين (عليه السّلام) البشرية كيف يكون الإباء في المواقف، وكيف تكون التضحية من أجل الرسالة.

[ سادساً ] الصراحة والجرأة في الإصحار بالحقّ

لقد كانت نهضة الإمام الحسين (عليه السّلام) وثورته بركاناً تفجّر في تأريخ

____________________

(١) الفتوح - لابن أعثم ٥ / ٢٣، ومقتل الحسين - للخوارزمي ١ / ١٨٨، وبحار الأنوار ٤٤ / ٣٢٩.

(٢) مقتل الحسين - للمقرّم / ٢٨٠، وتأريخ الطبري ٤ / ٣٣٠، وإعلام الورى ١ / ٤٥٩، وأعيان الشيعة ١ / ٦٠٢.

(٣) أعيان الشيعة ١ / ٦٠٣، والاحتجاج ٢ / ٢٤، ومقتل الحسين (عليه السّلام) - للخوارزمي ٢ / ٦.

٣٩

الرسالة الإسلاميّة، وزلزالاً صاخباً أيقظ ضمير المتقاعسين عن نصرة الحقّ، والكلمة الطيبة التي دعت كلّ الثائرين والمخلصين للعقيدة والرسالة الإسلاميّة إلى مواصلة المسيرة في بناء المجتمع الصالح وفق ما أراده الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله).

وقد نهج الإمام الحسين (عليه السّلام) منهج الصراحة والمكاشفة، موضّحاً للاُمّة الخلل والزيغ والطريق الصحيح، فها هو بكلّ جرأة يقف أمام الطّاغية يحذّره ويمنعه عن التمادي في الغيّ والفساد... فهذه كتبه (عليه السّلام) إلى معاوية واضحة لا لبس فيها ينذره ويحذّر من الاستمرار في ظلمه، ويكشف للاُمّة مدى ضلالته وفساده(١) .

وبكلّ صراحة وقوّة رفض البيعة ليزيد بن معاوية، وقال - موضّحاً للوليد ابن عتبة حين كان والياً ليزيد -:(( إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، بنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد فاسق فاجر، شارب للخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله )) (٢) .

وكانت صراحته ساطعة مع أصحابه ومَنْ أعلن عن نصرته، ففي أثناء المسير باتّجاه الكوفة وصله نبأ استشهاد مسلم بن عقيل وخذلان النّاس له، فقال (عليه السّلام) للذين اتّبعوه طلباً للعافية:(( قد خذلنا شيعتنا، فمَنْ أحبّ منكم الانصراف فلينصرف غير حرج، ليس عليه ذمام )) (٣) .

فتفرّق عنه ذوو الأطماع وضعاف اليقين، وبقيت معه الصفوة الخيّرة من أهل بيته وأصحابه، ولم يخادع ولم يداهن في الوقت الذي كان يعزّ فيه الناصر.

____________________

(١) الإمامة والسياسة ١ / ١٨٩ و ١٩٥.

(٢) الفتوح ٥ / ١٤، ومقتل الحسين - للخوارزمي ١ / ١٨٤، وبحار الأنوار ٤٤ / ٣٢٥.

(٣) الإرشاد ٢ / ٧٥، وتأريخ الطبري ٣ / ٣٠٣، والبداية والنهاية ٨ / ١٨٢، وبحار الأنوار ٤٤ / ٣٧٤.

٤٠