الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء0%

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 236

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد منذر الحكيم
تصنيف: الصفحات: 236
المشاهدات: 142758
تحميل: 5178

توضيحات:

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 236 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 142758 / تحميل: 5178
الحجم الحجم الحجم
الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

الامام الحسين (عليه السلام) سيد الشهداء

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقبل وقوع المعركة أذن لكلّ مَنْ كان قد تبعه من المخلصين في الانصراف عنه قائلاً:(( إنّي لا أعلم أصحاباً أصحّ منكم ولا أعدل، ولا أفضل أهل بيت، فجزاكم الله عنّي خيراً. فهذا الليل قد أقبل، فقوموا واتّخذوه جملاً، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد صاحبه، أو رجل من إخوتي، وتفرّقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم؛ فإنّهم لا يطلبون غيري، ولو أصابوني وقدروا على قتلي لما طلبوكم )) (١) .

والحقّ أنّ مَنْ يطالع كلّ تفاصيل نهضة الإمام الحسين (عليه السّلام) سيجد الصّدق والصّراحة، والجرأة في كلّ قول وفعل في جميع خطوات نهضته المباركة.

[ سابعاً ] عبادته وتقواه (عليه السّلام)

ما انقطع أبو عبد الله الحسين (عليه السّلام) عن الاتّصال بربّه في كلّ لحظاته وسكناته، فقد بقي يجسّد اتّصاله هذا بصيغة العبادة لله، ويوثّق العُرى مع الخالق جلّت قدرته، ويشدّ التضحية بالطاعة الإلهية متفانياً في ذات الله ومن أجله، وقد كانت عبادته ثمرة معرفته الحقيقية بالله تعالى.

وإنّ نظرة واحدة إلى دعائه (عليه السّلام) في يوم عرفة تُبرهن على عمق هذه المعرفة وشدّة العلاقة مع الله تعالى، وننقل مقطعاً من هذا الدعاء العظيم:

قال (عليه السّلام):(( كيف يُستدلّ عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟! أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهِر لك؟! متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدلّ عليك؟! ومتى بعدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟! عميت عين لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً...

إلهي هذا ذُلّي ظاهر بين يديك، وهذا حالي لا يخفى عليك. منك أطلب الوصول

____________________

(١) الفتوح ٥ / ١٠٥، وتأريخ الطبري ٣ / ٣١٥، وأعيان الشيعة ١ / ٦٠٠.

٤١

إليك، وبك استدلّ عليك، فاهدني بنورك إليك، وأقمني بصدق العبودية بين يديك ...

أنت الذي أشرقتَ الأنوار في قلوب أوليائك حتّى عرفوك ووحّدوك، وأنت الذي أزلتَ الأغيار عن قلوب أحبّائك حتّى لم يحبّوا سواك ولم يلجأوا إلى غيرك، أنت المؤنس لهم حيث أوحشتهم العوالم ...

ماذا وَجدَ مَنْ فقدك؟! وما الذي فقد مَنْ وجدك؟! لقد خاب مَنْ رضي دونك بَدلاً، ولقد خسر مَنْ بغى عنك مُتحوّلاً ...

يا مَنْ أذاق أحبّاءه حلاوة المؤانسة فقاموا بين يديه متملّقين، ويا مَنْ ألبس أولياءه ملابس هيبته فقاموا بين يديه مستغفرين )) (١) .

ولقد بدا عليه عظيم خوفه من الله وشدّة مراقبته له حتّى قيل له: ما أعظم خوفك من ربّك! فقال (عليه السّلام):(( لا يأمن يوم القيامة إلاّ مَنْ خاف من الله في الدنيا )) (٢) .

صور من عبادته (عليه السّلام)

إنّ العبادة لأهل بيت النبوّة (عليهم السّلام) هي وجود وحياة، فقد كانت لذّتهم في مناجاتهم لله تعالى، وكانت عبادتهم له متّصلة في الليل والنهار وفي السرّ والعلن، والإمام الحسين (عليه السّلام) - وهو أحد أعمدة هذا البيت الطاهر - كان يقوم بين يدي الجبّار مقام العارف المتيقّن والعالم العابد، فإذا توضّأ تغيّر لونه وارتعدت مفاصله، فقيل له في ذلك فقال (عليه السّلام):(( حقّ لمَنْ وقف بين يدي الجبّار أن يصفرّ لونه وترتعد مفاصله )) (٣) .

وحرص (عليه السّلام) على أداء الصّلاة في أحرج المواقف، حتّى وقف يؤدّي

____________________

(١) المنتخب الحسني للأدعية والزيارات / ٩٢٤ - ٩٢٥.

(٢) بحار الأنوار ٤٤ / ١٩٠.

(٣) جامع الأخبار / ٧٦، وراجع إحقاق الحقّ ١١ / ٤٢٢.

٤٢

صلاة الظهر في قمّة الملحمة في اليوم العاشر من المحرّم(١) وجيوش الضلالة تحيط به من كلّ جانب وترميه من كلّ صوب.

وكان (عليه السّلام) يخرج متذلّلاً لله ساعياً إلى بيته الحرام يؤدّي مناسك الحجّ بخشوع وتواضع، حتّى حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً على قدميه(٢) .

وقد اشتهرت بين محدّثي الشيعة ومختلف طبقاتهم مواقفه الخاشعة في عرفات أيّام موسم الحجّ، ومناجاته الطويلة لربّه وهو واقف على قدميه في ميسرة الجبل والناس حوله.

لقد كان (عليه السّلام) كثير البرّ والصدقة، فقد روي أنّه ورث أرضاً وأشياء فتصدّق بها قبل أن يقبضها، وكان يحمل الطعام في غلس الليل إلى مساكين أهل المدينة، لم يبتغ بذلك إلاّ الأجر من الله والتقرب إليه(٣) .

____________________

(١) ينابيع المودّة / ٤١٠، ومقتل الحسين - للخوارزمي ٢ / ١٧.

(٢) سير أعلام النبلاء ٣ / ١٩٣، ومجمع الزوائد ٩ / ٢٠١.

(٣) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) ١ / ١٣٥.

٤٣

٤٤

الباب الثاني

وفيه فصول:

الفصل الأوّل: نشأة الإمام الحسين (عليه السّلام)

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسين (عليه السّلام)

الفصل الثالث: الإمام الحسين (عليه السّلام) من الولادة إلى الإمامة

٤٥

٤٦

الفصل الأول: نشأة الإمام الحسين (عليه السّلام)

هو أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، ثالث أئمّة أهل البيت الطاهرين، وثاني سبطَي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وسيّد شباب أهل الجّنة، وريحانة المصطفى، وأحد الخمسة أصحاب العبا، وسيّد الشهداء، واُمّه فاطمة (عليها السّلام) بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

تأريخ الولادة

أكّد أغلب المؤرّخين أنّه (عليه السّلام) ولد بالمدينة في الثالث من شعبان في السّنة الرابعة من الهجرة(١) .

وثمّة مؤرّخون أشاروا إلى أنّ ولادته (عليه السّلام) كانت في السّنة الثالثة(٢) .

رؤيا اُمّ أيمن

أوّلَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) رؤيا للسيدة اُمّ أيمن - كانت قد فزعت منها حين

____________________

(١) تأريخ ابن عساكر ١٤ / ٣١٣، ومقاتل الطالبيين / ٧٨، ومجمع الزوائد ٩ / ١٩٤، واُسد الغابة ٢ / ١٨، والإرشاد / ١٨.

(٢) اُصول الكافي ١ / ٤٦٣، والاستيعاب المطبوع على هامش الإصابة ١ / ٣٧٧.

٤٧

رأت أنّ بعض أعضائه (صلّى الله عليه وآله) مُلقىً في بيتها - بولادة الحسين (عليه السّلام) الذي سيحلّ في بيتها صغيراً للرضاعة.

فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السّلام) أنّه قال:(( أقبل جيران اُمّ أيمن إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقالوا: يا رسول الله، إنّ اُمّ أيمن لم تنم البارحة من البكاء، لم تزل تبكي حتّى أصبحت. فبعث رسول الله إلى اُمّ أيمن فجاءته، فقال لها: يا اُمّ أيمن، لا أبكى الله عينكِ، إنّ جيرانك أتوني وأخبروني أنّكِ لم تزلي الليل تبكين أجمع، فلا أبكى الله عينكِ، ما الذي أبكاكِ؟

قالت: يا رسول الله، رأيت رؤيا عظيمة شديدة، فلم أزل أبكي الليل أجمع.

فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): فقصّيها على رسول الله؛ فإنّ الله ورسوله أعلم.

فقالت: تعظم عليّ أن أتكلّم بها.

فقال لها: إنّ الرؤيا ليست على ما تُرى، فقصّيها على رسول الله.

قالت: رأيت في ليلتي هذه كأنّ بعض أعضائك مُلقىً في بيتي!

فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): نامت عينكِ يا اُمّ أيمن، تلد فاطمة الحسين فتربّينه وتُلبنيه (١) ، فيكون بعض أعضائي في بيتك )) (٢) .

الوليد المبارك

ووضعت سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السّلام) وليدها العظيم، وزفّت البشرى إلى الرّسول (صلّى الله عليه وآله)، فأسرع إلى دار عليّ والزهراء (عليهما السّلام)، فقال لأسماء بنت عميس:(( يا أسماء، هاتي ابني )) .

فحملته إليه وقد لُفّ في خرقة بيضاء، فاستبشر النبي (صلّى الله عليه وآله) وضمّه إليه، وأذّن في اُذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثمّ وضعه في حجره وبكى، فقالت أسماء: فداك أبي واُمّي! ممّ بكاؤك؟!

قال (صلّى الله عليه وآله):(( من ابني هذا )) .

قالت: إنّه ولد الساعة.

قال (صلّى الله عليه وآله):(( يا أسماء،

____________________

(١) أي: تسقينه اللبن.

(٢) بحار الأنوار ٤٣ / ٢٤٢.

٤٨

تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي... )) (١) .

ثمّ إنّ الرّسول (صلّى الله عليه وآله) قال لعليّ (عليه السّلام):(( أيّ شيء سمّيت ابني؟ )) .

فأجابه عليّ (عليه السّلام):(( ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله )) .

وهنا نزل الوحي على حبيب الله محمّد (صلّى الله عليه وآله) حاملاً اسم الوليد من الله تعالى، وبعد أن تلقّى الرّسول أمر الله بتسمية وليده الميمون، التفت إلى عليّ (عليه السّلام) قائلاً:(( سمّه حسيناً )) .

وفي اليوم السابع أسرع الرّسول (صلّى الله عليه وآله) إلى بيت الزهراء (عليها السّلام) فعقّ عن سبطه الحسين كبشاً، وأمر بحلق رأسه والتصدّق بزنة شعره فضّة، كما أمر بختنه(٢) .

وهكذا أجرى للحسين السبط ما أجرى لأخيه الحسن السبط من مراسم.

اهتمام النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بالحسين (عليه السّلام)

لقد تضافرت النصوص الواردة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بشأن الحسين (عليه السّلام) وهي تبرز المكانة الرفيعة التي يمثّلها في دنيا الرسالة والاُمّة.

ونختار هنا عدّة نماذج منها للوقوف على عظيم منزلته:

١ - روى سلمان أنّه سمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول في الحسن والحسين (عليهما السّلام):(( اللهمّ إنّي اُحبّهما فأَحِبَّهما، واُحبّ مَنْ أحبّهما )) (٣) .

٢ -(( مَنْ أحبّ الحسن والحسين أحببته، ومن أحببته أحبّه الله، ومن أحبّه الله (عزّ وجلّ) أدخله الجّنة، ومن أبغضهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله خلَّده في النار )) (٤) .

____________________

(١) إعلام الورى بأعلام الهدى ١ / ٤٢٧.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٥، إعلام الورى ١ / ٤٢٧.

(٣) الإرشاد ٢ / ٢٨.

(٤) الإرشاد ٢ / ٢٨.

٤٩

٣ -(( إنّ ابنيَّ هذين ريحانتاي من الدنيا )) (١) .

٤ - رُوي عن ابن مسعود أنّه قال: كان النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يصلّي فجاء الحسن والحسين (عليهما السّلام) فارتدفاه، فلمّا رفع رأسه أخذهما أخذاً رفيقاً، فلمّا عاد عادا، فلمّا انصرف أجلس هذا على فخذه الأيمن وهذا على فخذه الأيسر، ثمّ قال:(( مَنْ أحبّني فَلْيُحبّ هذين )) (٢) .

٥ -(( حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله مَنْ أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط )) (٣) .

٦ -(( الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما، واُمّهما أفضل نساء أهل الأرض )) (٤) .

٧ -(( الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجّنة )) (٥) .

٨ - عن برّة ابنة اُميّة الخزاعي أنّها قالت: لمّا حملت فاطمة (عليها السّلام) بالحسن خرج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في بعض وجوهه، فقال لها:(( إنّكِ ستلدين غلاماً قد هنّأني به جبرئيل، فلا ترضعيه حتّى أصير إليكِ )) .

قالت: فدخلت على فاطمة حين ولدت الحسن (عليه السّلام)، وله ثلاث ما أرضعته، فقلت لها: أعطينيه حتّى اُرضعه.

فقالت:(( كلاّ )) .

ثمّ أدركتها رقّة الاُمهات فأرضعته، فلمّا جاء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قال لها:(( ماذا صنعتِ؟ )) .

قالت:(( أدركني عليه رقّة الاُمهات فأرضعته )) .

فقال:(( أبى الله (عزّ وجلّ) إلاّ ما أراد )) .

فلمّا حملت بالحسين (عليه السّلام) قال لها:(( يا فاطمة، إنّكِ ستلدين غلاماً قد هنّأني به

____________________

(١) الإرشاد ٢ / ٢٨، وصحيح البخاري ٢ / ١٨٨، وسنن الترمذي ٥ / ٦١٥ ح ٣٧٧٠.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ / ١٦٦، وكفاية الطالب / ٤٢٢، وإعلام الورى ١ / ٤٣٢.

(٣) بحار الأنوار ٤٣ / ٢٦١، ومسند أحمد ٤ / ١٧٢، وصحيح الترمذي ٥ / ٦٥٨ ح٣٧٧٥.

(٤) بحار الأنوار ٤٣ / ٢٦١، وعيون أخبار الرضا ٢ / ٦٢.

(٥) سنن ابن ماجة ١ / ٥٦، والترمذي ٥ / ٦١٤ ح٣٧٦٨، وبحار الأنوار ٤٣ / ٢٦٥.

٥٠

جبرئيل فلا ترضعيه حتّى أجيء إليكِ ولو أقمت شهراً )) .

قالت:(( أفعل ذلك )) .

وخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في بعض وجوهه، فولدت فاطمة الحسين (عليه السّلام)، فما أرضعته حتّى جاء رسول الله، فقال لها:(( ماذا صنعت؟ )) .

قالت:(( ما أرضعته )) .

فأخذه فجعل لسانه في فمه، فجعل الحسين يمصّ حتّى قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله):(( إيهاً حسين! إيهاً حسين! )) . ثمّ قال:(( أبى الله إلاّ ما يريد، هي فيك وفي ولدك )) (١) ، يعني الإمامة.

٩ - إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كان جالساً فأقبل الحسن والحسين (عليهما السّلام)، فلمّا رآهما النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قام لهما واستبطأ بلوغهما إليه، فاستقبلهما وحملهما على كتفيه، وقال:(( نعم المطيّ مطيّكما، ونعم الراكبان أنتما، وأبوكما خير منكما )) (٢) .

كنيته وألقابه

أمّا كنيته فهي: أبو عبد الله.

وأمّا ألقابه فهي: الرشيد، والوفي، والطيّب، والسيّد، والزكيّ، والمبارك، والتابع لمرضاة الله، والدليل على ذات الله، والسبط. وأشهرها رتبةً ما لقّبه به جدّه (صلّى الله عليه وآله) في قوله عنه وعن أخيه:(( إنّهما سيّدا شباب أهل الجّنة )) .

وكذلك السبط؛ لقوله (صلّى الله عليه وآله):(( حسين سبط من الأسباط )) (٣) .

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٣ / ٢٥٤، وراجع المناقب ٣ / ٥٠.

(٢) بحار الأنوار ٤٣ / ٢٨٥ - ٢٨٦، راجع ذخائر العقبى / ١٣٠.

(٣) أعيان الشيعة ١ / ٥٧٩.

٥١

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام الحسين (عليه السّلام)

تنقسم حياة كلّ إمام من الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) إلى قسمين متميّزين:

الأوّل: من الولادة إلى حين استلامه لمقاليد الإمامة والولاية المناطة إليه من الله، والمنصوص عليها على لسان رسوله والأئمّة (عليهم السّلام) أنفسهم.

والثاني: يبدأ من يوم تصدّيه لإدارة اُمور المسلمين والمؤمنين إلى يوم استشهاده.

وقد يشتمل كلّ قسم على عدّة مراحل حسب طبيعة الظروف والأحداث التي تميّز كلّ مرحلة.

ونحن ندرس الفترة الاُولى بجميع مراحلها وأهمّ أحداثها - وهي فترة الولادة حتّى الإمامة - في الفصل الثالث من الباب الثاني، بينما ندرس الفترة الثانية بمراحلها المختلفة بشكل تفصيلي في الباب الثالث.

وينبغي أن نعرف أنّ الفترة الاُولى من حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) كانت ذات أربع مراحل هي:

١ - حياته في عهد جدّه (صلّى الله عليه وآله)، وهي من السّنة (٤) إلى (١٠) هجرية.

٢ - حياته في عهد الخلفاء الثلاثة، وهي من السّنة (١١) إلى (٣٥) هجرية.

٥٢

٣ - حياته في عهد الدولة العلوية المباركة، أي منذ البيعة مع أبيه إلى يوم استشهاده (صلوات الله عليه)، وهي من السّنة (٣٥) إلى (٤٠) هجرية.

٤ - حياته في عهد أخيه الحسن المجتبى (عليه السّلام) وهي عشر سنوات تقريباً، أي من أواخر شهر رمضان سنة (٤٠) هجرية إلى بداية أو نهاية صفر سنة (٥٠) هجرية حيث استشهد الحسن (عليه السّلام)، وتصدّى هو للأمر من بعده.

وأمّا الفترة الثانية من حياته وهي التي تبدأ بعد استشهاد أخيه (عليه السّلام) وتنتهي باستشهاده بأرض الطفّ يوم عاشوراء سنة ( ٦١ ) هجرية، فهي ذات مرحلتين متميّزتين:

١ - المرحلة الاُولى: مدّة حياته خلال حكم معاوية، حيث بقي (صلوات الله عليه) ملتزماً بالهدنة التي عُقدت مع معاوية بالرغم من تخلّف معاوية عن كلّ الشّروط التي اشتُرطت عليه من قبل الإمام الحسن (عليه السّلام)، وقد جسّد تمرّده على كلّ شروط الصلح بإيعاز السمّ الفاتك إلى الإمام الحسن (عليه السّلام)؛ ليتخلّص من رقيب مناهض، ويزيل الموانع عن ترشيح ولده الفاسق يزيد.

٢ - المرحلة الثانية: وتبدأ بفرض معاوية ابنه يزيد حاكماً متحكّماً في رقاب المسلمين بعد موت أبيه، وسعيه لأخذ البيعة من الحسين (عليه السّلام) للقضاء على المعارضة التي كان قد عرف جذورها أيام أبيه.

ومن هنا تبدأ نهضته التي كانت بركاناً تحت الرماد، فانفجرت بانفجار الفسق والفجور وظهورهما على مسرح القيادة وجهاز الحكم، فبدأ حركته من المدينة إلى مكّة ثمّ إلى العراق، وتوّج صبره وجهاده بدمائه الطاهرة ودماء أهل بيته وأصحابه الأصفياء التي قدّمها في سبيل الله تعالى.

٥٣

الفصل الثالث: الإمام الحسين (عليه السّلام) من الولادة إلى الإمامة

الإمام الحسين (عليه السّلام) في عهد الرّسول (صلّى الله عليه وآله)

في حياة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والرسالة الإسلاميّة مساحة واسعة لبيت عليّ وفاطمة وأبنائهما (عليهم السّلام)، ومعاني ودلالات عميقة؛ حيث إنّه البيت الذي سيحتضن الرسالة، ويتحمّل عبء الخلافة، ومسؤولية صيانة الدين والاُمّة.

وكان لا بدّ لهذا البيت أن ينال القسط الأوفى، والحظّ الأوفر من فيض حبّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ورعايته واُبوّته، فلم يدّخر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وسعاً أن يروّي شجرته المباركة في بيت عليّ (عليه السّلام)، ويتعهّدها صباح مساء مُبيّناً أنّ مصير الاُمّة مرهون بسلامة هذا البيت وطاعة أهله، كما يتجلّى ذلك في قوله (صلّى الله عليه وآله):(( إنّ علياً راية الهدى بعدي، وإمام أوليائي، ونور مَنْ أطاعني )) (١) .

وحين أشرقت الدنيا بولادة الحسين (عليه السّلام) ؛ أخذ مكانته السّامية في قلب النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وموضعه الرفيع في حياة الرسالة.

____________________

(١) حلية الأولياء ١ / ٦٧، ونظم درر السّمطين / ١١٤، وتاريخ ابن عساكر ٢ / ١٨٩ ح ٦٨٠، ومقتل الخوارزمي ١ / ٤٣، وجامع الجوامع - للسيوطي ٦ / ٣٩٦، ومنتخب الكنز ٦ / ٩٥٣ ح٢٥٣٩، والفصول المهمّة - لابن الصباغ / ١٠٧، وتاريخ الخلفاء - للسيوطي / ١٧٣، ومجمع الزوائد ٩ / ١٣٥، وكنز العمّال ٥ / ١٥٣، وصحيح الترمذي ٥ / ٣٢٨ ح٣٨٧٤، واُسد الغابة ٢ / ١٢.

٥٤

وبعين الخبير البصير، والمعصوم المسدّد من السّماء وجد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في الوليد الجديد وريثاً للرسالة بعد حين، ثائراً في الاُمّة بعد زيغ وسكون، مُصلحاً في الدين بعد انحراف واندثار، مُحيياً للسنّة بعد تضييع وإنكار، فراح النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يهيّئه ويعدّه لحمل الرسالة الكبرى مستعيناً في ذلك بعواطفه وساعات يومه، وبهديه وعلّمه ؛ إذ عمّا قليل سيضطلع بمهام الإمامة في الرسالة الخاتمة بأمر الله تعالى.

فها هو (صلّى الله عليه وآله) يقول:(( الحسن والحسين ابناي، مَنْ أحبّهما أحبّني، ومَنْ أحبّني أحبّه الله، ومَنْ أحبّه الله أدخله الجّنة، ومَنْ أبغضهما أبغضني، ومَنْ أبغضني أبغضه الله، ومَنْ أبغضه الله أدخله النّار )) (١) .

وهل الحبّ إلاّ مقدّمة الطاعة وقبول الولاية! بل هما بعينهما في المآل.

لقد كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يتألّم لبكائه، ويتفقّده في يقظته ونومه، يوصي اُمّه الطاهرة فاطمة (صلوات الله عليها) أن تغمر ولده المبارك بكلّ مشاعر الحنان والرفق(٢) .

حتّى إذا درج الحسين (عليه السّلام) صبيّاً يتحرّك شرع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يُلفت نظر النّاس إليه، ويهيّئ الأجواء لأن تقبل الاُمّة وصاية ابن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) عليها، فكم تأنّى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في سجوده والحسين يعلو ظهره (صلّى الله عليه وآله)؛ ليظهر للاُمّة حبّه له، وكذا مكانته، وكم سارع النبيّ يقطع خطبته ليلقف ابنه القادم نحوه متعثّراً فيرفعه معه على منبره(٣) ؟ كلّ ذلك ليدلّ على منزلته ودوره الخطير في مستقبل الاُمّة.

وحين قدم وفد نصارى نجران يحاجج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في دعوته إلى

____________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ / ١٦٦، وتأريخ ابن عساكر / ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام)، وإعلام الورى ١ / ٤٣٢.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ٢٠١، وسير أعلام النبلاء ٣ / ١٩١، وذخائر العقبى / ١٤٣.

(٣) مسند أحمد ٥ / ٣٥٤، وإعلام الورى ١ / ٤٣٣، وكنز العمال ٧ / ١٦٨، وصحيح الترمذي ٥ / ٦١٦ ح٣٧٧٤.

٥٥

الإسلام وعقيدة التوحيد الخالص، وامتنع عن قبولها رغم وضوح الحق أمر الله تعالى بالمباهلة؛ فخرج النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إليهم ومعه خير أهل الأرض تقوىً وصلاحاً، وأعزّهم على الله مكانةً ومنزلةً؛ عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام)، ليباهل بهم أهل الكفر والشرك وانحراف المعتقد، ومُدَلّلاً بذلك - في نفس الوقت - على أنّهم أهل بيت النبوّة، وبهم تقوم الرسالة الإسلاميّة، فعطاؤهم من أجل العقيدة لا ينضب(١) .

وما كان من النصارى إذ رأوا وجوهاً مشرقة، وطافحة بنور التوحيد والعصمة إلاّ أن تراجعوا عن المباهلة، وقبلوا بأن يعطوا الجزية عنيد وهم صاغرون.

لقد كانت هذه الفترة القصيرة التي عاشها الحسين (عليه السّلام) مع جدّه (صلّى الله عليه وآله) من أهمّ الفترات وأروعها في تأريخ الإسلام كلّه، فقد وطّد الرّسول (صلّى الله عليه وآله) فيها أركان دولته المباركة، وأقامها على أساس العلم والإيمان، وهزم جيوش الشرك، وهدم قواعد الإلحاد، وأخذت الانتصارات الرائعة تترى على الرّسول (صلّى الله عليه وآله) وأصحابه الأوفياء؛ حيث أخذ النّاس يدخلون في دين الله أفواجاً.

وفي غمرة هذه الانتصارات فوجئت الاُمّة بالمصاب الجلل حين توفّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فخيّم الأسى العميق على المسلمين وبخاصة على أهل بيته (عليهم السّلام) الذين أضنتهم المأساة، ولسعتهم حرارة المصيبة بغياب شخص النبيّ (صلّى الله عليه وآله).

____________________

(١) مسند أحمد ١ / ١٨٥، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل باب فضائل علي ٢ / ٣٦٠، وصحيح الترمذي ٤ / ٢٩٣ ح٥ ٢٠٨، والمستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥٠.

٥٦

ميراث النبيّ (صلّى الله عليه وآله) لسبطيه (عليهما السّلام)

ولمّا علمت سيّدة نساء العالمين أنّ لقاء أبيها بربّه (عزّ وجلّ) قريب أتت بابنيها الحسن والحسين (عليهما السّلام) فقالت:(( يا رسول الله، هذان ابناك فورّثهما شيئاً )) .

فقال (صلّى الله عليه وآله):(( أمّا الحسن فإنّ له هيبتي وسؤددي، وأمّا الحسين فإنّ له شجاعتي وجودي )) (١) .

وصيّة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بالسّبطين (عليهما السّلام)

ووصّى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الإمام عليّاً برعاية سبطيه، وكان ذلك قبل موته بثلاثة أيام، فقد قال له:(( سلام الله عليك أبا الريحانتين، اُوصيك بريحانتيَّ من الدنيا، فعن قليل ينهدّ ركناك، والله خليفتي عليك )) .

فلمّا قبض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال عليّ (عليه السّلام):(( هذا أحد ركنيَّ الذي قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) )) . فلمّا ماتت فاطمة (عليها السّلام) قال عليّ:(( هذا الركن الثاني الذي قال لي رسول الله )) (٢) .

لوعة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) على الحسين (عليه السّلام)

حضر الإمام الحسين (عليه السّلام) عند جدّه الرّسول (صلّى الله عليه وآله) حينما كان يعاني آلام المرض ويقترب من لحظات الاحتضار، فلمّا رآه ضمّه إلى صدره وجعل يقول:(( ما لي وليزيد! لا بارك الله فيه )) . ثمّ غشي عليه طويلاً، فلمّا أفاق أخذ يوسع الحسين تقبيلاً وعيناه تفيضان بالدموع، وهو يقول:(( أما إنّ لي ولقاتلك موقفاً بين يدي الله (عزّ وجلّ) )) (٣) .

وفي اللحظات الأخيرة من عمره الشريف (صلّى الله عليه وآله) ألقى السّبطان (عليهما السّلام) بأنفسهما عليه وهما يذرفان الدموع والنبيّ (صلّى الله عليه وآله) يوسعهما تقبيلاً، فأراد أبوهما أمير المؤمنين (عليه السّلام) أن ينحّيهما عنه فأبى (صلّى الله عليه وآله) وقال له:(( دعهما يتزوّدا

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٣ / ٢٦٣، ومناقب آل أبي طالب ٢ / ٤٦٥، ونظم درر السّمطين / ٢١٢.

(٢) بحار الأنوار ٤٣ / ٢٦٢.

(٣) حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) - باقر شريف القرشي ١ / ٢١٨، نقلاً عن مثير الأحزان.

٥٧

منّي وأتزوّد منهما، فستصيبهما بعدي إثرة )) (١) .

ثمّ التفت (صلّى الله عليه وآله) إلى عوّاده فقال لهم:(( قد خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فالمضيّع لكتاب الله كالمضيّع لسنّتي، والمضيّع لسنّتي كالمضيّع لعترتي، إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )) (٢) .

____________________

(١) مقتل الحسين - للخوارزمي ١ / ١١٤.

(٢) المصدر السابق.

٥٨

الإمام الحسين (عليه السّلام) في عهد الخلفاء

الحسين (عليه السّلام) في عهد أبي بكر

لقد كان أهل البيت (عليهم السّلام) بما فيهم الحسن والحسين (عليهما السّلام) مفجوعين بوفاة الرّسول (صلّى الله عليه وآله)، وألم المأساة يهيمن على قلوبهم وهم مشغولون بجهاز أعظم نبيّ عرفه التاريخ الإنساني، إذ توجّهت إليهم صدمةٌ اُخرى ضاعفت آلامهم، وبدّدت آمالهم التي غرسها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في نفوسهم ونفوس الاُمّة.

إنها صدمة مصادرة الخلافة وتنحية الإمام علي (عليه السّلام) عن مسرح القيادة، ومصادرة المنصب الذي نصّبه فيه الرّسول (صلّى الله عليه وآله) بأمر الله تعالى.

وكانت هذه الصدمة العنيفة بداية لمُسلسل القلق والاضطهاد الذي فرضه الخطّ الحاكم بعد الرّسول (صلّى الله عليه وآله) على أهل بيت الرّسول (صلّى الله عليه وآله) ؛ لتحقيق العزل التام، والإبعاد الكامل لهم عن موقع القيادة بعد الرّسول (صلّى الله عليه وآله).

لوعة شهادة الزهراء (عليها السّلام)

كان لوفاة الرّسول (صلّى الله عليه وآله) وقع مؤلم في روح الإمام الحسين الطاهرة، وهو لم يكن بعد قد أنهى ربيعه الثامن.

وما هي إلاّ مدّة قصيرة وإذا بالحسين (عليه السّلام) يُفجع باستشهاد اُمّه فاطمة بنت رسول الله بتلك الصورة المأساوية، بعد أن ظلّت تعاني من الظلم والقهر، وألم اغتصاب حقّها طوال الأيام التي عاشتها بعد أبيها (صلّى الله عليه وآله)، فكانت تنعكس معاناتها في روحه اللطيفة ؛ إذ كان كلّما نظر إلى اُمّه بعد وفاة أبيها شاهدها باكيةً، محزونة القلب، منكسرة الخاطر.

وقد روي: أنّها (سلام الله عليها) ما زالت بعد أبيها معصّبة الرأس، ناحلة

٥٩

الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة، وتقول لولديها:(( أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّةً بعد مرّة؟ أين أبوكما الذي كان أشدّ النّاس شفقةً عليكما، فلا يدعكما تمشيان على الأرض؟ ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً، ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما )) (١) .

وروي أن الزهراء (عليها السّلام) بعد وفاة أبيها (صلّى الله عليه وآله) كانت تصطحب الحسنين معها إلى البقيع، حيث تظلّ تبكي إلى المساء، فيأتي أمير المؤمنين (عليه السّلام) فيعود بهم إلى البيت.

ونقل الرواة عن أسماء بنت عميس قصّة استشهادها مفصّلاً، وقد جاء فيها أنّ الحسن والحسين (عليهما السّلام) دخلا البيت بُعَيد وفاة اُمّهما، فقالا:(( يا أسماء، ما يُنيم اُمّنا في هذه الساعة؟! )) .

قالت: يا ابني رسول الله، ليست اُمّكما نائمة، بل فارقت روحها الدنيا.

فوقع عليها الحسن يقبّلها مرةً ويقول:(( يا اُمّاه، كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني )) .

قالت: وأقبل الحسين يقبّل رجلها ويقول:(( يا اُمّاه، أنا ابنك الحسين، كلّميني قبل أن يتصدّع قلبي فأموت )) .

قالت لهما أسماء: يا ابني رسول الله، انطلقا إلى أبيكما علي فأخبراه بموت اُمّكما.

فخرجا حتّى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء، فابتدرهما جميع الصحابة، فقالوا: ما يبكيكما يا ابني رسول الله؟ لا أبكى الله أعينكما(٢) .

وجاء في نصّ آخر: أنّه بعد أن فرغ أمير المؤمنين (عليه السّلام) من تغسيل الزهراء (عليها السّلام) نادى:(( يا اُمّ كلثوم، يا زينب، يا سكينة (٣) ، يا فضّة، يا حسن، يا حسين، هلمّوا تزوّدوا من اُمّكم، فهذا الفراق، واللقاء الجّنة )) .

فأقبل الحسن والحسين (عليهما السّلام) وهما

____________________

(١) بحار الأنوار ٤٣ / ١٨١.

(٢) المصدر السابق / ١٨٦.

(٣) لم نجد في جلِّ مصادر التاريخ مَن يذكر أنّ للزهراء (عليها السّلام) بنتاً اسمها سكينة كي تدخل في مجموع مَن ناداهم الإمام (عليه السّلام)، وأمّا بالنسبة إلى فضة الخادمة فيمكن حمل كلام أمير المؤمنين (عليه السّلام) لها على المجاز، أي أنها بمثابة البنت للزهراء (عليها السّلام)، أو من باب إطلاق الكلِّ وإرادة الجزء.(موقع معهد الإمامين الحسنَين)

٦٠