الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة0%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
تصنيف: الصفحات: 420
المشاهدات: 93246
تحميل: 4258

توضيحات:

الشهادة الثالثة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93246 / تحميل: 4258
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ويَعضد هذا التعبير تعبير الرواية في موضع بعد ذلك: (ولأنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان)، ممّا يلوِّح بأنّ الشهادتين ليستا تمام فقرات ما يدعو إليه الأذان من الإيمان، والذي يؤكّد ذلك التلويح أيضاً: قوله (عليه السلام) مرّة ثالثة أنّه: (فإذا أقرّ العبد بالوحدانيّة، وللرسول بالرسالة، فقد أقرّ بجملة الإيمان)، وتعقيبه ذلك مرةً أخرى: بأنّ أصل الإيمان هو الإقرار بالشهادتين، مع أنّه لو كانت الشهادتان هما كلّ جملة الإيمان لمَا عقّب (عليه السلام) ذلك بقوله: (إنّما أصل الإيمان هو الإقرار بالله وبرسوله)، أي أنّهما مبتدأ الإيمان لإتمام فقرات جملته، فيبدوا بمجموع هذه القرائن أنّ المراد من كون ماهيّة الأذان هو الدعوة إلى التوحيد - والجهار بالإيمان والإعلان بالإسلام - هو كون الأذان دعوة إلى الشهادتين، وإلى الولاية.

وقد روى الصدوق في العِلل وعيون الأخبار عن الرضا (عليه السلام) ما يقرب (1) من ذلك.

خامساً: إنّ قوله (عليه السلام) في بيان ماهيّة الشهادتين في الأذان أنّه: (الإقرار لله بالوحدانيّة، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة، وأنّ طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان،.... فإذا أقرّ العبد لله تعالى بالوحدانيّة، وأقرّ للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرسالة، فقد أقرّ بجملة الأيمان؛ لأنّ أصل الأيمان إنّما هو الإقرار بالله وبرسوله)، وعلّل (عليه السلام) جَعل الشهادتين في الأذان بثلاث عِلل:

1 - بأنّهما قوام الإيمان.

2 - أنّ طاعتهما مقترنتان.

3 - أنّ معرفتهما في ساير الكتب السماويّة.

____________________

(1) الوسائل: أبواب الأذان والإقامة، ب19/15.

١٦١

وهذه العِلل الثلاث متأتّية في الشهادة الثالثة لتقَوّم الإيمان بولايته (عليه السلام) وولده، واقتران طاعتهم ومعرفتهم بطاعة الله ورسوله ومعرفتهما في الآيات القرآنية قال تعالى: ( أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ، وقال تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُه وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) ، وكذلك الشهادة الثالثة مقرونة بالشهادتين في سائر الكتب السماويّة، وفي نشأة العرش والكرسي والسماوات والعديد من الأكوان والعوالم، والتعليل الثالث يُنبّه على وجود الإشارة إلى الشهادة الثالثة في الأذان، في لسان الطوائف الكثيرة المتعرِّضة لاقتران الشهادات في نشأة وخلق الأكوان.

هذا، مع أنّ عنوان الإقرار عنوانٌ قد ورد في بيان ماهيّته اقتران الشهادات الثلاث، كما في الروايات الواردة في تلقين الميّت (2) ، وكما في الإقرار الذي في التشهّد، حيث سيأتي عقد فصل خاص بالتشهّد، وإنّ مؤدّى النصوص الواردة في التشهّد بأنّ ماهيّته هو الإقرار بالعقائد الحقّة، بل إنّ هناك بعض الروايات الخاصّة بالشهادة الثالثة في التشهّد، وكذلك هو مورد فتوى جملة من الأعلام كما سيأتي.

فالإقرار في التشهّد الصلاتي مقرونة فيه الشهادات الثلاث، وكذلك الإقرار الوارد في الطوائف الروائيّة العامّة الآتية؛ فإنّ الإقرار فيها كذلك مقرون بالأمور الثلاث، فالإقرار بحقيقة الإيمان له ماهيّةٌ شرعيّة متقوّمة بالشهادات الثلاث.

____________________

(1) المائدة: 55.

(2) الوسائل: أبواب الاحتضار، باب 37، باب استحضار تلقين المحتضر الإقرار بالأئمّة وتسميتهم بأسمائهم.

١٦٢

الروايةُ الثانية: مصحّح محمّد بن أبي عمير، أنّه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن (حيّ على خير العمل)، لِمَ تُركت من الأذان؟ قال: (تريد العلّة الظاهرة أو الباطنة؟ قلتُ: أريدهما جميعاً، فقال: أمّا العلّة الظاهرة؛ فلئلاّ يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة، وأمّا الباطنة؛ فإنّ خير العمل الولاية، فأراد من أمْر بترك حيّ على خير العمل من الأذان، أن لا يقع حثٌ عليها ودعاء إليها) (1).

وهذه المصحّحة نصٌ في تضمّن ماهيّة الأذان الدعاء إلى الولاية والحثُ عليها، وأنّ ذلك جزء الأذان، فالأذان الذي هو إعلام ودعاء، ليس هو دعاء للشهادتين فقط، بل هو دعاء للشهادات الثلاث بنص هذه المصحّحة، فتُضمّ هذه المصحّحة إلى المعتبرة السابقة الدالّة على أنّ ماهيّة الأذان دعاءٌ للتوحيد، وجهارٌ بالإيمان، وإعلان بالإسلام، فالتوحيد هو التكبير والتهليل في الأذان، وإعلان الإسلام هو الشهادتان، وجهار الإيمان هو الفصول الأخرى الدالّة على الولاية، سواء الشهادة الثالثة في الطوائف الثلاث المتقدّمة، أو فصل (حيّ على خير العمل) كما في هذه المصحّحة.

الروايةُ الثالثة: روى الصدوق فقال: حدّثنا على بن عبد الله الورّاق، وعلي بن محمد بن الحسن القزويني، قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري قال: حدّثنا العباس بن سعيد الأزرق، قال: حدّثنا أبو نصر، عن عيسى بن مهران، عن يحيى بن الحسن بن عبد الوهّاب، عن محمد بن مروان، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

____________________

(1) الوسائل: أبواب الأذان والإقامة، باب 19، ح16.

١٦٣

(أتدري ما تفسير (حيّ على خير العمل) قلتُ: لا، قال: دعاكَ إلى البِر، أتدري بِرُّ مَن؟ قلتُ: لا، قال: دَعاك إلى بِرّ فاطمة وولدها (عليهم السلام)) (1) ، ورواه أيضاً مُسنداً في كتابه العِلل (2) ، وروى ذلك الصدوق مُرسلاً في المعاني أيضاً في ذيل الخبر الأوّل من الباب الذي عقده في معنى حروف الأذان والإقامة، حيث قال في ذيل ذلك الخبر: قال مصنّف هذا الكتاب: إنّما تركَ الراوي لهذا الحديث ذِكر (حيّ على خير العمل) للتقيّة.

وقد رويَ في خبر آخر، أنّ الصادق (عليه السلام) سُئل عن معنى (حيّ على خير العمل) فقال: (خيرُ العمل الولاية)، وفي خبرٍ آخر (خيرُ العمل برّ فاطمة وولدها (عليهم السلام)) (3) .

وقد أشار إلى هاتين الروايتين السيّد ابن طاووس في فلاح السائل (4)، وقد ذُكر نظير ذلك في كتاب التوحيد (5) في ذيل نفس الخبر، وهذه الرواية أيضاً نصّ في كون ماهيّة الأذان متضمّنة الدعاء إلى الولاية.

الروايةُ الرابعة: وروى الصدوق مُرسلاً في الفقيه قال: وكان ابن النبّاح يقول في أذانه: حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل، فإذا رآه علي قال: (مرحباً بالقائلين عدلاً، وبالصلاة مرحباً وأهلاً) (6) .

____________________

(1) معاني الأخبار: ص42.

(2) عِلل الشرائع: ج2، ص368، باب 89، ح5.

(3) معاني الأخبار: ص41، طبعة جامعة المدرّسين، قم.

(4) فلاح السائل: ص148، ص150.

(5) التوحيد: ص41، طبعة قم، جامعة المدرّسين.

(6) أبواب الأذان والإقامة: باب 19، ح1.

١٦٤

قال المجلسي: (وكان ابن النبّاح) وهو مؤذِّن أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول إلى قوله: (عدلاً)، أي حقّاً وصواباً، كما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأذن الله تعالى: (بالصلاة مرحباً وأهلاً)، يعني: هُم لأن تُقبل صلواتهم لا مَن يتركه، أجمع الأصحاب على قول (حيّ على خير العمل) مرّتين بعد (حيّ على الفلاح)؛ للأخبار المتواترة عن النبي والأئمّة صلوات الله عليهم.

وروي من طرق العامّة سهل بن حنيف وعبد الله بن عمر، وروى ابن عمر أنّه سمعَ أبا محذورة ينادي (بحيّ على خير العمل) في أذانه عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال ابن الجنيد: شاهدنا عليه آل الرسول، وعليه العمل بطبرستان، واليمن، والكوفة ونواحيها، وبعض بغداد، وقال ابن أبي عبيد منهم: إنّما أسقطَ (حيّ على خير العمل) مَن نهى عن المتعتين، وإنّه نهى عن ذلك كلّه في مقام واحد.

وذَكر العامّة: أنّ عمر رأى تركهُ ليُرغّب الناس في الجهاد، ورووا عن عكرمة إنّه قال: قلتُ لابن عبّاس أخبرني لأيّ شي حُذف من الأذان (حيّ على خير العمل)؟ قال: أراد عمر بذلك ألاّ يتّكل الناس على الصلاة ويَدَعوا الجهاد، فلذلك حَذفها من الأذان، رواه الصدوق بإسناده عنهم عن عكرمة.

وروي عن أبي الحسن (عليه السلام) أنّ تفسيرها الباطن الولاية، وعن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه: (برُّ فاطمة وولدها (عليهم السلام)، وتَركها العامّة ظاهراً وباطناً ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) ، وليس هذا أوّل قارورة كُسرت في الإسلام (1).

____________________

(1) روضة المتّقين: ج2، ص37 - 38.

١٦٥

وقال المجلسي الثاني في ذيل معتبرة الفضل بن شاذان المتقدّمة - الرواية الأولى المتقدّمة في هذه الطائفة - عند قوله (عليه السلام) في تفسير (حيّ على الفلاح)، و(حيّ على خير العمل) أنّها (حثٌ على البر) قال: لعلّه إشارة إلى أنّ الفلاح يشمل غير الصلاة من البر أيضاً، أو إشارة إلى ما في بطن الفلاح وخير العمل وسرّهما من برِّ فاطمة، وولاية الأئمّة من ذريّتهما وبعلّها صلوات الله عليهم كما مرّ) (1).

وقال المجلسي في ذيل الحديث الطويل، الذي رواه الصدوق في معاني فصول الأذان والذي ذيّله الصدوق: بأنّ تَرك الراوي (حيّ على خير العمل) للتقيّة، وبأنّه رويَ عن الصادق (عليه السلام)، بأنّ معنى حيّ على خير العمل (الولاية)، وفي خبرٍ آخر (خير العمل برّ فاطمة وولدها)، قال: وتركُ تفسير (حيّ على خير العمل) يمكن أن يكون لترك المؤذِّن هذا الفصل؛ لأنّه (عليه السلام) كان يفسِّر ما يقوله المؤذِّن، وتأويل خير العمل بالولاية لا ينافي كونه من فصول أذان الله؛ لأنّها من أعظم شرائط صحّتها وقبولها) (2).

وفي المناقب لابن شهر آشوب (3) ، أنّه سُئل الصادق (عليه السلام) عن معنى (حيّ على خير العمل) فقال: (خيرُ العمل برُّ فاطمة وولدها)، وفي خبر آخر (الولاية)،

____________________

(1) البحار: ج84، ص146، باب الأذان والإقامة، باب 35، ح39.

(2) البحار: ج84، باب 35 من أبواب الأذان والإقامة، ذيل ح4.

(3) مناقب ابن شهرآشوب: ج3، ص36.

١٦٦

ونَقلَ شِعر الصاحب:

حُبّ عليّ لي أمل

ومَلجئي من الوَجل

إن لم يكن لي من عَمل

فحبّه خيرُ العمل

ثُمّ إنّ قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن النبّاح بأنّه من القائلين عدلاً، هو الآخر يفيد بأنّ الأذان لا يقتصر على الدعاء إلى الصلاة، بل فيه دعاءٌ إلى قول العدل وهو القول بالولاية، فيؤكّد ما تقدّم في الروايات من هذه الطائفة من أنّ فصل (حيّ على خير العمل) دعاء للولاية.

وفي صحيح أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) أنّه قال: (إنّ بلالاً كان عبداً صالحاً، فقال لا أؤذّن لأحدٍ بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَتركَ يومئذٍ حيّ على خير العمل) (1).

وقال المجلسي الأوّل في شرح الفقيه في ذيل هذه الرواية: (أنّه روى العامّة: أنّ عمر كان يباحث (يجادل) مع رسول الله في ترك حيّ على خير العمل، ويجيبه بأنّها من وحي الله، وليست منّي وبيدي، حتّى قال عمر: ثلاث كُنّ في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنا أُحرّمهنّ وأُعاقِب عليهنّ: متعة النساء، ومتعة الحج، وقول (حيّ على خير العمل) رواه العامّة في صحاحهم) (2).

الروايةُ الخامسة: وهي على ألسُن:

منها: ما رواه فرات الكوفي في تفسيره، فعن علي بن عتاب مُعنعناً عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت:

____________________

(1) الوسائل: أبواب الأذان والإقامة، الباب 19، الحديث 11.

(2) روضة المتقين: ج2، ص227 - 228.

١٦٧

(قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لمّا عُرجَ بي إلى السماء صرتُ إلى سدرة المنتهى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأبصرتهُ بقلبي، ولم أرهُ بعيني، فسمعتُ أذاناً مثنى مثنى، وإقامة وتراً وتراً، فسمعتُ منادياً ينادي: يا ملائكتي وسكّان سماواتي وأرضي، وحَملة عرشي، اشهَدوا أنّي لا إله إلاّ أنا، وحدي لا شريك لي، قالوا: شهدنا وأقررنا، قال: اشهدوا يا ملائكتي، وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي، أنّ محمّداً عبدي ورسولي، قالوا: شَهدنا وأقررنا، قال: اشهدوا يا ملائكتي، وسكّان سماواتي وأرضي وحملة عرشي، أنّ عليّاً ولييّ ووليّ رسولي، ووليّ المؤمنين بعد رسولي، قالوا: شهدنا وأقررنا...) (1) الحديث.

ورواه عن علي بن عتاب في ذيل سورة الأحزاب، ورواه في ذيل سورة النجم قال: حدّثنا جعفر بن محمد مُعنعناً عن عبّاد بن صهيب، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن فاطمة بنت محمد (عليهم السلام) قالت: (قال رسول الله....) (2).

ولا يخفى أنّ لفقرات الحديث شواهد كثيرة في روايات المعراج، كما أشار إلى ذلك المصحّح لطبعة التفسير الأخيرة (3).

وتقريب دلالة الرواية: أنّها دالّة بوضوح على الارتباط بين حقيقة الأذان والإقامة وبين الشهادات الثلاث، هذا لو جعلنا قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الرواية: (فسمعتُ منادياً ينادي...) نداءً بعد نداء الأذان، لا أنّ الفاء في (فسمعتُ) تفسيريّة لفصول وفقرات الأذان والإقامة، إذ على تقدير كونها تفسيريّة يكون مضمون الرواية نصّاً في المطلوب،

____________________

(1) تفسير فرات الكوفي في ذيل سورة الأحزاب: آية 72.

(2) تفسير فرات الكوفي في ذيل سورة النجم: آية 9.

(3) تفسير فرات، طبعة وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران.

١٦٨

ويَعضد هذا التقدير: تماثل وتكرار التعبير بكلمة (فسمعتُ)، حيث قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (فسمعتُ أذاناً مثنىً مثنى، وإقامةً وتراً وتراً، فسمعتُ منادياً ينادي)، وأمّا على التقدير الأوّل بأن يكون النداء بالشهادات الثلاث الذي سمعه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو عقب الأذان متّصلاً، به وأيضاً هو دال على المطلوب؛ لأنّه يبيّن الصلة والارتباط الوثيق بين ماهيّة الأذان والإقامة، لاسيّما وأنّ ذلك الأذان والإقامة - كما في جملة من روايات المعراج - قد أتى بهما لإتيانه الصلاة في المعراج، فيكون النداء في الشهادات الثلاث متخلِّلاً بين الإقامة وتكبيرة الإحرام، وقد مرّت الروايات المعتبرة في هذه الطائفة أنّ من أجزاء حقيقة الأذان الشهادة بأصول الإيمان.

ويَدعم مضمون هذه الرواية، جملة من روايات المعراج التي تضمّنت أنّه أذّن وأقام له جبرائيل، وصلّى بالأنبياء والمرسلين والملائكة، وأنّه كان النداء أيضاً هو بالشهادات الثلاث:

منها: ما روى الكليني في الصحيح الأعلائي عن ابن أُذينة، عن أبي عبد الله في حديث المعراج: (إنّ جبرئيل أذّن فقال: أشهدُ أنّ محمّداً رسول الله، فاجتمعت الملائكة فقالت: مَرحباً بالحاشر، ومرحباً بالناشر، ومرحباً بالأوّل ومرحباً بالآخر، محمّد خير النبيين، وعليٌّ خير الوصيّين) (1).

ولا يخفى أنّ الأذان في وضع اللغة في الأصل: هو بمعنى النداء والإعلام، كما مرّ في المدخل - فقد روى الحرّ العاملي في كتابه إثبات الهداة في الباب العاشر (2) قال: ومن كتاب الحسن بن علي بن عمّار بإسناد بَتَرهُ عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (رأيتُ ليلة أُسريَ بي في السماء الرابعة ديكاً ينادي: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ أمير المؤمنين وليّ الله) (3).

____________________

(1) الكافي: ج3، ص484، إثبات الهداة: ج، ص15.

(2) الفصل 46، الحديث 526.

(3) إثبات الهداة: ج2، ص285، ح1526.

١٦٩

ومنها: ما روى الصدوق بإسناد متّصل عن ابن عباس في عِلل الشرائع في حديث، قال: (دَخلَت عائشة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو يُقبّل فاطمة، فقالت: أتحبّها يا رسول الله؟ قال: (أمَا والله، لو علمتِ حُبّي لها لازددتِ لها حُبّاً، إنّه لمّا عُرج بي إلى السماء الرابعة أذّن جبرئيل، وأقام ميكائيل، ثُمّ قيل لي: ادنوا يا محمّد، فقلت: أتقدّم وأنت بحضرتي يا جبرائيل؟ قال: نعم، إنّ الله عزّ وجل فضّل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقرّبين، وفضّلك أنت خاصّة فدنوتُ فصلّيت بأهل السماء الرابعة) (1).

وهاتان الروايتان تدلاّن على أنّ الأذان والإقامة في المعراج، كانتا في نفس الموطن من المعراج الذي سمعَ فيه النبيّ النداء للشهادات الثلاث، وروايات المعراج حافلة بأنّ بدء التشريع للأذان والصلاة كان في المعراج.

ومنها: ما ذكرهُ الحرّ العاملي أيضاً بسند: (إنّ الله خَلق مَلكين يكنفان العرش، وأمَرَهما بشهادتين فَشهدا، ثُمّ قال لهما: اشهدا أنّ عليّاً أمير المؤمنين فَشهدا) (2).

ومنها: ما روى الصدوق بسند (3) عن الأصبغ بن نباتة قال: جاء ابن الكوّاء إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، والله إنّ في كتاب الله لآية قد أفسَدت عليّ قلبي وشكّكتَني في ديني،

____________________

(1) عِلل الشرائع: ص183، البحار: ج18، ص350، ح61.

(2) إثبات الهداة: ج2، ص193، الفصل 75 الباب العاشر.

(3) حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورقة، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن أبي الحسن الشعيري، عن سعد بن طريق، عن الأصبغ بن نباتة.

١٧٠

فقال له عليٌّ (عليه السلام): (ثَكلتك أُمّك وعدِمتك وما تلِك الآية؟ قال: قول الله تعالى: ( وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): يا بن الكوّاء، إنّ الله تبارك وتعالى خَلق الملائكة في صورٍ شتّى، إلاّ أنّ لله تبارك وتعالى مَلكاً في صورة ديك أبحّ أشهبَ، براثنه في الأرض السابعة السفلى مثنى تحت العرش، له جناحان: جناح في المشرق، وجناح في المغرب، واحدٌ من نار، وآخر من ثلج، فإذا حضرَ وقت الصلاة قام على براثنه، ثُمّ رفعَ عُنقه من تحت العرش، ثُمّ صفّق بجناحيه كما تُصفّق الدُّيوك في منازلكم، فلا الذي من النار يُذيب الثلج، ولا الذي من الثلج يُطفي النار، فينادي أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمّداً سيّد النبيّين، وأنّ وصيّه سيّد الوصيين، وأنّ الله سُبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح، قال: فتخفق الديكة بأجنحتها في منازلكم فتجيبه عن قوله وهو تعالى: ( وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ) من الديكة في الأرض) (1).

ومنها: ما روى الصدوق بسند (2) آخر متصل إلى ابن عبّاس، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قريب من مضمون هذه الرواية أيضاً.

____________________

(1) التوحيد: باب 38، الحديث 10، ص81 طبعة جماعة المدرّسين، ورواه القمّي في تفسيره، في تفسير الآية الكريمة: ( وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ) .

(2) التوحيد: باب 38، حديث 4، ص279.

١٧١

أقول: والسند الأوّل للصدوق قابلٌ للاعتبار، كما لا يخفى على الممارس، ومفادها يدعم رواية تفسير فرات الكوفي من صلة هذا النداء بالشهادات الثلاث في الأذان، وأنّ هذا النداء السماوي بالشهادات الثلاث مع الأذان لأوقات الصلاة لم يكن في ليلة معراج النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاصّة، بل هو مستمر ما دام يقام الأذان للصلاة إلى يوم القيامة.

كما أنّ تصدّيهم (عليهم السلام) لبيان ذلك في جملة من الروايات: هو لأجل بيان هذه الصلة بين الأذان والشهادات الثلاث؛ لأنّ الأصل الأوّلي في كلام المعصومين هو البيان الشرعي والمعنى التشريعي، لا الإخبار التكويني المحض، كما هو مطرّد في جملة روايات المعراج وغيرها.

ويُعزِّز ويَدعم كون ذلك النداء من المَلَك السماوي أذاناً، للإعلام والإشعار بوقت الصلاة ودخوله بضميمة ما تقدّم، وروي بطرق معتبرة في التعويل لاستعلام دخول الوقت على الديكة، وذلك عند وجود العلّة المانعة عن تبيّن دخول الصلاة أو مطلقاً، كما قال بأحد التقديرين كلّ من:

علي (1) بن بابويه في فقه الرضا، والصدوق (2) في الفقيه، والشهيد (3) في الذكرى، والمحقّق (4) الثاني في جامع المقاصد، والأردبيلي (5) في مجمع الفائدة،

____________________

(1) فقه الرضا: ص137.

(2) الفقيه: ج1، ص144.

(3) الذكرى: ص128.

(4) جامع المقاصد: ج2، ص29.

(5) مجمع الفائدة والبرهان: ج2، ص53.

١٧٢

والبرهان والسبزواري (1) في الذخيرة، وصاحب (2) الحدائق، والنراقي (3) في المستند، وصاحب (4) الجواهر، وآقا رضا (5) الهمداني في مصباح الفقيه، والنائيني (6) في تقريرات الكاظمي، وجملة من أعلام العصر (7).

بل نسبوا ذلك إلى المشهور، وذكروا أنّ هذه الروايات هي مُستند المشهور للقول بحجيّة مطلق الظن؛ لاستعلام الوقت عند العجز عن تحصيل العلم في ذلك، بل ذَهب بعض مَن تقدّم إلى حجيّة هذه العلامة حتّى مع القدرة على تحصيل العلم، إذا توفّر الشرط المذكور في الروايات من تجاوبها وصياح ثلاث منها ولاءً، كصحيح أبي عبد الله الغرّاء (سليم) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال له رجلٌ من أصحابنا ربّما اشتبهَ الوقت علينا في يوم الغيم فقال: (تَعرف هذه الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها: الديَكة؟ فقلتُ: نعم، قال: إذا ارتفعت أصواتها وتجاوبَت، فقد زالت الشمس، أو قال: فصلّّه) (8) .

ومثله معتبرة الحسين بن المختار، قال: قلتُ للصادق (عليه السلام): إنّي مؤذِّن، فإذا كان يوم غيم لم أعرف الوقت؟ فقال: (إذا صاحَ الديك ثلاث أصوات ولاءً، فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة) (9).

____________________

(1) الذخيرة: ص209.

(2) الحدائق: ج6، ص 203.

(3) المستند: ج4، ص97.

(4) الجواهر: ج7، ص72، ص106، ص272، ص269.

(5) مصباح الفقيه: ج1، ص71.

(6) كتاب الصلاة: ج1، ص134.

(7) كتاب الصوم: تقريرات السيّد الخوئي، ج1، ص397، خَلل الصلاة للسيّد الخميني: ص102، كتاب الصلاة للمحقِّق الداماد بقلم المؤمن: ص214.

(8) الوسائل: أبواب المواقيت، الباب 14، ح5.

(9) أبواب المواقيت: باب 14، ح1.

١٧٣

بل إنّ كاشف الغطاء (1) قد استفاد جملةً من الأحكام من هذه الروايات: كاستحباب الإيقاظ للصلاة، وكرامة المحافظة على أوقات الصلاة، وغيرها من الأحكام.

ثُمّ إنّ فيما تقدّم من روايات - من إضافة سبّوح قدوس في نداء المَلَك لأوقات الصلاة عند أذان وإقامة صلاة النبي في المعراج، وغيرها من الثناء والتمجيد للباري تعالى - لا ينافي كونه من فصول الأذان؛ لأنّه كلحوق الصلاة على النبي وآله بعد الشهادة الثانية في الأذان والإقامة.

السادسة: ما رواه الفضل بن شاذان بإسناده إلى المقداد بن الأسود الكندي قال: كنّا مع سيّدنا رسول الله وهو متعلِّق بأستار الكعبة وهو يقول: (اللهمّ اعضُدني، واشدُد أزري، واشرَح صدري، وارفَع ذكري، فَنزل عليه جبرئيل (عليه السلام) وقال: اقرأ يا محمّد، قال: وما أقرأ؟ قال: اقرأ ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) مع عليّ بن أبي طالب صهرك)، فَقرأها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأثبتها عبد الله بن مسعود في مصحفه، فأسقطها عثمان بن عفّان حين وحّد المصاحف) (2).

____________________

(1) كشف الغطاء: ج1، ص7، ص5، ص33، ج2، ص39.

(2) الفضائل لابن شاذان: ص151.

١٧٤

أقول: لقد أراد ابن مسعود من خلال إثباتها في مصحفه أنّه مشتمل على التنزيل والتأويل، وعلى هذا تكون دلالة الرواية كالنص في رفع ذِكر النبي ورفع ذِكر الوصي، وقد ورد في روايات الفريقين أنّ تفسير ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) هو جَعل اسمه الشريف في الأذان، فتكون الرواية كالنصّ في جَعل الشهادة الثالثة في الأذان، وقد روى هذه الرواية ابن شهر آشوب في المناقب (1) باختلاف يسير بالألفاظ، وبنفس الإسناد إلى المقداد بن الأسود الكندي.

وروى أيضاً عن عبد السلام بن صالح عن الرضا (عليه السلام) : ( ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) يا محمّد، ألم نجعل عليّاً وصيّك؟ ( وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ ) بقتل مقاتلة الكفار وأهل التأويل بعليّ بن أبي طالب ( وَرَفَعْنَا لَكَ ) بذلك ( ذِكْرَكَ ) أي رَفْعَنا مع ذِكرك يا محمّد له رُتبة) (2) ، وقد رويت روايات كثيرة أنّ معنى ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) تَذكر إذا ذُكِرتَ وهو قول الناس: أشهدُ أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله.

____________________

(1) المناقب لابن شهرآشوب: ج2، ص67.

(2) المناقب لابن شهرآشوب: ج3، ص23.

١٧٥

الطائفةُ الخامسة

الروايات المتضمّنة لحكاية الأذان

مطابقة لمَا يسمعهُ من المؤذِّن في كلّ شيء

وقد تضمّنت في صورة الحكاية الشهادة الثالثة، أمّا مسألة مطابقة حكاية الأذان لمَا يسمعه من المؤذِّن فهو متّفق عليه فتوىً ونصّاً، وبضميمة ما ورد في روايات حكاية الأذان من الشهادة الثالثة يتمّ المطلوب، باعتبار التلازم بين الحكاية والمحكي، أمّا بيان ذلك تفصيلاً فَعَبر نقطتين:

1 - بيان لزوم مطابقة الحكاية مع ما يسمعه من الأذان نصّاً وفتوى.

أمّا النص:

أ - صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا سَمعَ المؤذِّن يؤذِّن، قال مثل ما يقوله في كلّ شيء) (1) .

ب - صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال له: (يا محمّد بن مسلم، لا تَدعنّ ذِكر الله تعالى على كلّ حال، ولو سمعتَ المنادي ينادي بالأذان وأنتَ على الخَلاء، فاذكُر الله عزّ وجل وقل كما يقول المؤذِّن) (2).

____________________

(1) أبواب الأذان والإقامة: الباب 45، الحديث 1.

(2) أبواب الأذان والإقامة: باب 45، ح2.

١٧٦

ومثلها رواية سليمان بن المقبل المديني، عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) (1) ، وكذلك رواية أبي بصير (2).

2 - أمّا الروايات المتضمّنة للشهادة الثالثة في الحكاية فهي:

أ - ما رواه الشيخ الطوسي مُرسلاً في المبسوط قال: وروي أنّه إذا سمعَ المؤذِّن يقول: (أشهدُ أن لا إله إلاّ الله) أن يقول: (وأنا أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبدُ الله ورسوله، رضيتُ بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّد صلّى الله عليه وآله رسولاً، وبالأئمّة الطاهرين أئمّة، ويُصلّي على النبي وآله) (3) ، وهذه الرواية من الشيخ في المبسوط يُعزِّز اعتماد الشيخ للطوائف الثلاث التي رواها الصدوق في الفقيه، كما اعتمدها ابن برّاج في فتواه.

ب - ما رواه العلاّمة مُرسلاً في التذكرة حيث قال: روي أنّه يُستحب إذا سمعَ المؤذن يقول: (أشهدُ أن لا إله إلاّ الله) أن يقول: (وأنا أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، رضيتُ بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّد رسولاً، وبالأئمّة الطاهرين أئمّة، ثُمّ يُصلّي على النبيّ وآله)، وأفتى بذلك في المنتهى أيضاً.

وفي المُعتبر اعتمدَ المحقِّق رواية المبسوط حيث قال: (قال الشيخ الطوسي في المبسوط: مَن كان خارج الصلاة قطعَ كلامه وحكى قول المؤذِّن، وكذا لو كان يقرأ القرآن قَطع وقال كقوله؛ لأنّ الخبر على عمومه، وقال في المبسوط أيضاً: روي إذا قال المؤذِّن....) (4) ، ثُمّ حكى ما تقدّم من قول المبسوط في حكاية الأذان المتضمّن للشهادة الثالثة.

____________________

(1) أبواب أحكام الخلوة: الباب 8، حديث 3.

(2) أبواب أحكام الخلوة: الباب 8، حديث 2.

(3) المبسوط: ج1، ص144، ص145 طبعة جماعة المدرّسين.

(4) المعتبر: ج2، ص 146 الطبعة القديمة.

١٧٧

وبمجموع النقطتين وطائفتي الروايات فيهما يتبيّن: أنّ تَرك الشهادة الثالثة في أغلب روايات الأذان هو للتقيّة، وأنّ الطائفتين من الروايات في النقطتين يشيران بنحو التعريض إلى ذلك.

كما يتبيّن تعزيز ما مرّ استظهاره من فتوى الشيخ الطوسي في المبسوط، حول الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة أنّه قائل بالجواز.

١٧٨

١٧٩

الطائفةُ السادسة

الرواياتُ المتضمّنة لتطابق التشهّد في الأذان والتشهّد في الصلاة

وقد تضمّن التشهّد الثاني ورود بعض النصوص في الشهادة الثالثة فيه، أما تطابق ماهيّة التشهّد في الأذان والصلاة فقد دلّت عليه معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) قال: (وإنّما جَعل التشهّد بعد الركعتين؛ لأنّه كما قدّم قبل الركوع والسجود من الأذان والدعاء والقراءة، فكذلك أيضاً أخّر بعدها التشهّد والتحيّة والدعاء) (1).

وأمّا ما دلّ على تضمّن التشهّد في الصلاة للشهادة الثالثة فهو على نمطين:

الأوّل:

ما دلّ على أنّ التشهّد ليس مؤقّتاً بمقدار وكيفيّات خاصّة من جانب الكثرة، بل يجزي منه كلّما هو حق من الاعتقادات، وهذا العنوان بعمومه شامل لمَا كمُل الدين به ورَضي الربّ به الإسلام ديناً، وسيأتي استعراضها مفصّلاً في المبحث الثاني الذي سيُعقد لمشروعيّة الشهادة الثالثة في الصلاة.

____________________

(1) الوسائل: أبواب التشهّد، الباب 3، ح6.

١٨٠