الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة0%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
تصنيف: الصفحات: 420
المشاهدات: 93203
تحميل: 4256

توضيحات:

الشهادة الثالثة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93203 / تحميل: 4256
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

(وجّهتُ وجهيَ للذي فطرَ السموات والأرض على ملّة إبراهيم، ودين محمّد صلّى الله عليه وآله، ومنهاج علي حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له، وبذلك أُمرتُ وأنا من المسلمين، أعوذُ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم) (1) ، وقال الصدوق في ذيلها: (وإن شئتَ كبّرتَ سبع تكبيرات ولاءً، إلاّ أنّ الذي وصفناه تعبّد، وإنّما جَرَت السنّة في افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات؛ لمَا رواه زرارة...).

ي - ما رواه الطوسي أيضاً في مصباح المتهجّد بنفس (2) اللفظ.

وهناك روايات في دعاء افتتاح الصلاة يؤتى به أيضاً بين الإقامة وتكبيرة الإحرام، ومن هذه الروايات:

2 - ما وردَ في دعاء التوجّه قبل تكبيرة الإحرام:

أ - صحيحة معاوية بن وهب قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا قُمت إلى الصلاة فقل: اللهمّ إنّي أُقدّم إليك محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم بين يدي حاجتي، وأتوجّه به إليك فاجعلني به وجيهاً عندك في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين، واجعل صلاتي به مقبولة، وذنبي به مغفوراً، ودعائي به مستجاباً، إنّك أنت الغفور الرحيم) (3).

____________________

(1) الفقيه: ج1، ص302 - 304، طبعة جماعة المدرّسين.

(2) مصباح المتهجّد: فصل في سياقه الصلوات الإحدى والخمسين ركعة في اليوم والليلة، ص44 مؤسّسة الأعلمي.

(3) أبواب القيام: الباب 15، استحباب الدعاء المأثور عند القيام إلى الصلاة، ح3.

٢٠١

ب - الصحيح إلى علي بن النعمان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: مَن قال هذا القول كان مع محمّد وآل محمّد إذا قام قبل أن يستفتح الصلاة: اللهمّ إنّي أتوجّه إليك بمحمّد وآل محمّد وأُقدّمهم بين يدي صلاتي، وأتقرّبُ بهم إليك فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين، مَننتَ عليّ بمعرفتهم فاختِم لي بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم؛ فإنّها السعادة، اختم لي بها؛ فإنّك على كلّ شيء قدير، ثُمّ تُصلّي، فإذا انصرفتَ قلتَ: اللهمّ اجعلني مع محمّد وآل محمّد في كلّ عافية وبلاء، واجعَلني مع محمّد وآل محمّد في كلّ مثوى ومنقلب، اللهمّ اجعَل محياي محياهم ومماتي مماتهم، واجعَلني معهم في المواطن كلّها، ولا تُفرِّق بيني وبينهم أبداً، إنّك على كلّ شيء قدير) (1).

وقد أفتى بذلك ابن برّاج في المهذّب (2) ، وابن زهرة (3)، والديلمي (4).

اللسانُ الرابع: الروايات الواردة في تشهّد وتسليم الصلاة

ما وردَ في التشهّد وتسليم الصلاة، فقد روى الصدوق في الفقيه (5) في السلام قال: (قل في تشهّدك: (بسم الله وبالله والحمد لله.... وأشهد أنّ ربّي نِعمَ الرب، وأنّ محمّداً نِعمَ الرسول أُرسل، وأشهدُ أنّ ما على الرسول إلاّ البلاغ المبين، السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام على محمّد بن عبد الله خاتم النبيين، السلام على الأئمّة الراشدين المهديين، السلام على جميع أنبياء الله ورسله وملائكته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) ويجزيك في التشهّد الشهادتان.

____________________

(1) أبواب القيام: الباب 15، ح2.

(2) المهذّب: ج1، ص92.

(3) غُنية النزوع: ص83.

(4) المراسم العَلَويّة: 71.

(5) الفقيه: ج1، باب وصف الصلاة من فاتِحتها إلى خاتِمتها، ص319.

٢٠٢

وروى في المقنعة (1) نظير ذلك، وروى في الفقه الرضوي علي بن بابويه قال: (فقل في تشهّدك: (بسم الله وبالله والحمد لله.... أشهدُ أنّك نِعم الربّ، وأنّ محمّداً نِعم الرسول، وأنّ عليّاً نِعم المولى، وأنّ الجنّة حق، والنار حق..... اللهمّ صلِّ على محمّد المصطفى، وعليّ المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين، وعلى الأئمّة الراشدين من آل طه وياسين.

اللهمّ صلِّ على نورك الأنور، وعلى حبلك الأطول، وعلى عروتك الأوثق، وعلى وجهك الأكرم، وعلى جنبك الأوجب، وعلى بابك الأدنى، وعلى مسلك الصراط، وعلى مسلك الهاديين المهديّين الراشدين الفاضلين الطيبين الطاهرين الأخيار الأبرار.... السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيّبين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) (2).

وقد اعتمدَ رواية علي بن بابويه النراقي في المستند سواء في صيغة التشهّد أو صيغة الصلاة منه، وكذا صيغة السلام، فلاحظ ما ذكره في المستند (3) .

وكذلك اعتمد الميرزا النوري رواية علي بن بابويه في المستدرك (4) ، ولم يرد عليها بشيء.

____________________

(1) المقنعة: ص96، طبعة قم.

(2) فقه الرضا: ص108.

(3) مستند الشيعة: ج5، ص334 - 336.

(4) مستدرك الوسائل: أبواب التشهّد، باب 2، ج5، ص6.

٢٠٣

وفي موثّقة (1) أبي بصير وغيرها - حيث أفتى بمضمونها المشهور، كما أشار إلى ذلك النراقي في المستند (2) - حيث ورد فيها: (اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، وبارِك على محمّد وعلى آل محمّد، وسلِّم على محمّد وعلى آل محمّد، وترحّم على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد).

والتقابل بين آل محمّد وآل إبراهيم إشارة إلى الاصطفاء، ونيل عهد الإمامة المشار إليه في الآيات (3) الكريمة، وقد تقدّم في الطائفة الأولى بعض الصِحاح، كصحيح الحَلَبي الذي استظهرَ منه النراقي أنّه وارد في التشهّد في الصلاة على النبيّ وآله، وذَكر أسمائهم بالتفصيل، وقد اعتمدَ في الفتوى كما مرّ.

اللسانُ الخامس: الروايات الواردة في قنوت صلاة العيد

ما ورد في دعاء قنوت صلاة العيد، ممّا رواه الشيخ في التهذيب عن بشير بن سعيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (تقول في دعاء العيدين بين كلّ تكبيرتين: الله ربّي أبداً، والإسلام ديني أبداً، ومحمّد نبيّي أبداً، والقرآن كتابي أبداً، والكعبة قبلتي أبداً، وعلي وليّي أبداً، والأوصياء أئمّتي أبداً، وتُسميّهم إلى آخرهم، ولا أحد إلاّ الله) (4).

____________________

(1) الوسائل: أبواب التشهّد، باب 3، ح2.

(2) مستند الشيعة: ج5، ص334- 336.

(3) آل عمران: آية 33 - 34، البقرة: 124 - 128، إبراهيم: 37 - 4.

(4) أبواب صلاة العيد: الباب 26، ح4.

٢٠٤

أقول: يَعضد مضمون هذه الرواية، ما ورد في صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما، قال: سألتهُ عن الكلام الذي يتكلّم به فيما بين التكبيرتين في العيد قال: (ما شئتَ من الكلام الحسن) (1).

فإنّه يدلّ على أنّه ليس في قنوت العيدين شيء مؤقّت، معتضداً بما في صحيح أبي الصباح وغيره، من ذِكر مُجمل العقائد الحقّة من دون الاقتصار على الشهادتين فقط.

____________________

(1) أبواب صلاة العيد: الباب 26، ح1.

٢٠٥

الطائفةُ الثامنة

الرواياتُ العامّة لاستحباب اقتران الشهادات الثلاث

وهي على طوائف عديدة جدّاً متكاثرة بعدد كبير، سيأتي استعراضها في الفصل الثاني في طوائف الروايات العامّة؛ لبيان الوجه الثاني والثالث في الشهادة الثالثة في الأذان، وهو: بيان الندبيّة الخاصّة أو العامّة، وتلك الطوائف من الروايات وإن كانت محطّ الدلالة فيها ابتداءً هو رجحان الاقتران بين الشهادات الثلاث، ومن ثُمّ تُصاغ فذلكة دلالتها للندبيّة الخاصّة أو العامّة، إلاّ أنّه - بضميمة جملة من القرائن الأخرى - يمكن صياغة فَذلكة الدلالة فيها، بتقريبٍ يجعلها من الطوائف الخاصّة الدالّة على الشهادة الثالثة في الأذان.

والذي يَعنينا في المقام ليس استعراض متون تلك الروايات؛ فإنّها آتية إنشاء الله في الفصل الثاني، بل المهمّ في المقام هو بيان فذلكة دلالتها، مع القرائن في صياغة الدلالة الخاصّة لها على الشهادة الثالثة في الأذان، بعد الفراغ من مفادها الأوّلي من كونها دالّة على رجحان الاقتران بين الشهادات الثلاث، والفراغ من كون الاقتران متعلّقاً للطلب الشرعي الأكيد، والذي سيأتي بيانه في الفصل اللاحق.

أمّا تقريب فَذلكة الدلالة الخاصّة مع القرائن فهي على نحوين:

الأوّل: أنّ هذه الطوائف بمجموعها مؤدّاها: أنّ التشهّد والإقرار حقيقة شرعيّة في الشهادات الثلاث مقترنة - مضافاً إلى أنّ الأصل في الأشياء وجودها الحقيقي الواقعي لا الظاهري التنزيلي - والحال في التشهّد كذلك؛

٢٠٦

فإنّ عموم حقيقته ذلك إلاّ ما استثنيَ في مورد الدخول في الإسلام الظاهري من الاكتفاء بالشهادتين، وإنّ هذا الاقتران في معنى الإقرار بالشهادة قد صدرَ في جملة من الموارد، أبانها وأبلغها النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لجملة من الصحابة، وعلى ذلك فتكون تلك الطوائف مفسِّرة لعنوان التشهّد والشهادة المأخوذ في الأذان، بل وكذلك في التشهّد المأتي به في وسط الصلاة.

الثاني: أنّ الحثّ الشديد على الاقتران بين الشهادات الثلاث في مواطن متعدّدة عام لكلّ حال، وأهمّ تلك الأحوال: هو الأذان؛ لأنّه وجهَ العبادة ومحورها، كما يشهد لذلك استحباب اقتران الصلاة على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلّما ذَكره ذاكر، وأبرز تلك الأحوال: هو الأذان، كما دلّ على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: (وصلِّ على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلّما ذكرتهُ، أو ذَكره ذاكر في أذان أو غيره) (1)، وكما في الصحيحة إلى صفوان بن يحيى عن الحسين بن يزيد (زيد)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ما من قوم اجتمعوا في مجلس فلم يذكروا اسم الله عزّ وجل، ولم يصلّوا على نبيّهم، إلاّ كان ذلك المجلس حسرةً ووبالاً عليهم) (2) .

ولا ريبَ أنّ مكان الإقامة هو مجلس يشمله هذا العموم، وبهذا التقريب يُقرّب مفاد موثّق أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (ما اجتمعَ قوم في مجلس لم يذكروا الله عزّ وجل ولم يذكرونا، إلاّ كان ذلك المجلس حسرةً عليهم يوم القيامة، ثُمّ قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إنّ ذِكرنا من ذِكر الله، وذِكر عدوّنا من ذِكر الشيطان) (3) .

____________________

(1) أبواب الأذان والإقامة: الباب 42، الحديث 1.

(2) أبواب الذكر: الباب 3، ح2.

(3) أبواب الذكر: 3، حديث 3.

٢٠٧

وهذا الموثّق في الدلالة يُبرز اقتران ذِكرهم بذكر الله في المجالس، وأبرزها الأذان كما في صحيح زرارة المتقدّم.

ومن القرائن التي يُفهم منها اللحن والإيماء إلى ذِكرها في الأذان والإقامة: أنّه يُفهم من تلك الطوائف أنّ السُنّة الإلهيّة في دوام مقارنة الولاية، وإمرة أمير المؤمنين بالتهليل والرسالة في كلّ المواطن البالغة الشرف والمنزلة: كخلق العرش، والكرسي، واللوح، والقلم، والسماوات، والأرض، والبحار، والجبال، وأبواب الجنّة، وعلى الصراط، والمسألة في القبر، وعند الميزان، ونشر الكتب، وأخذ العهد والإقرار من النبيّين والمرسلين بثلاثة أمور، أي: الشهادات الثلاث، والدعاء والتوسّل في المِحن والابتلاءات حتّى من الأنبياء وأولي العزم، ونَدب عامّة المكلّفين إلى ذلك.

وكذا ميثاق الفطرة التي فطرَ الناس عليها بخلقهم عليها وعالَم الذرّ، وأخْذَ الرسول الإقرار بالشهادة الثالثة مقترنة بالشهادتين في مواطن متعدّدة من المسلمين، كغدير خُم وغيره، وكلّ ذلك يشهد بالسنّة الإلهيّة في اقتران الشهادات الثلاث في الموارد الشعاريّة، فهذا اللسان المؤكِّد على هذه السُنّة الإلهيّة الراسخة، بضميمة حكومة التقيّة على ظروف صدور النص، بحيث يخشى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من البوح بأصل الإمامة في واقعة الغدير كمنصب إلهي، فضلاً عن التصريح بها في الأذان والإقامة على الظاهر المكشوف، مع توصيتهم شيعتهم بالتقيّة، ومن ثُمّ ورد في بعض الروايات في الشهادة الثالثة في الأذان - التي أشار إليها الصدوق والشيخ - ذِكر الولاية سرّاً في النفس عند الأذان، كما أفتى بذلك ابن برّاج في المهذّب، والشهيد في الذكرى كما مرّ.

٢٠٨

فيتحصّل: أنّ التأكيد في السُنّة الإلهيّة في اقتران الشهادات الثلاث تعريض بذكرها، بالخصوص في مثل شعيرة الأذان والإقامة، بل إنّ في بعضها ذَكر أنموذج منه مشتمل على ندب تكرار الشهادة الثالثة بعد تكرار الشهادتين، وعلى أن يكون تكرارها بعد الفراغ من تكرارهما، كما هو الحال في صورة فصول الأذان، وهذا التماثل في الصورة تعريض في إتيانهما في الأذان، ومثل ذلك التعبير في جملة منها بالنداء في الشهادات الثلاث، والنداء هو معنى الأذان بلفظ مرادف لغةً.

وقفةٌ مع كاشف الغطاء (قدِّس سرّه)

قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه (1): (وليس من الأذان قول: أشهدُ أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّ محمّداً وآله خير البريّة، وأنّ عليّاً أمير المؤمنين حقّاً مرّتين مرّتين؛ لأنّه من وَضع المفوِّضة (لَعنهم الله) على ما قاله الصدوق، ولمَا في النهاية، وما روي من أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّ محمّداً وآله خير البشر أو البريّة، من شواذ الأخبار لا يُعمل عليه، وما في المبسوط، وحكى قوله وقول المنتهى، ثُمّ قال: (ثُمّ إنّ خروجه من الأذان، من المقطوع به لإجماع الإماميّة من غير نكير، حتّى لم يذكره ذاكر بكتاب ولا فاه به أحد من قُدماء الأصحاب؛ ولأنّه وضِع لشعائر الإسلام دون الإيمان، ولذا تُرك فيه ذِكر باقي الأئمّة (عليهم السلام)؛

____________________

(1) كشف الغطاء: الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ج3، ص143 - 145، طبعة مكتب الإعلام الإسلامي، فرع مشهد.

٢٠٩

ولأنّ أمير المؤمنين حين نزوله كان رعيّة للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلا يُذكر على المنابر؛ ولأنّ ثبوت الوجوب للصلاة المأمور بها موقوف على التوحيد والنبوّة فقط، على أنّه لو كان ظاهراً في مبدأ الإسلام، لكان في مبدأ النبوّة من الفترة ما كان الختام، ومَن حاول جعله من شعائر الإيمان، فألزمَ به لذلك يلزم ذِكر الأئمّة (عليهم السلام)، وقد أُمرَ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مكرّراً من الله في نصبه للخلافة، والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يستعفي حذراً من المنافقين حتّى جاءه التشديد من ربّ العالمين؛ ولأنّه لو كان من فصول الأذان لنُقل بالتواتر في هذا الزمان، ولم يُخف على أحد من آحاد نوع الإنسان؛ وإنّما هو من وَضع المفوّضة الكفار المستوجبين الخلود في النار.

ولعلّ المفوّضة أرادوا أنّ الله تعالى فوّض الخلق إلى علي (عليه السلام) فساعَده على الخلق، فكان وليّاً ومُعيناً فمَن أتى بذلك قاصداً به التأذين، فقد شرّعَ في الدين، ومَن قصده جزءاً من الأذان في الابتداء بطل أذانه بتمامه، وكذا كلّما انضمّ إليه في القصد صحّ ما عداه، ومَن قَصد ذِكر أمير المؤمنين (عليه السلام) لإظهار شأنه، أو لمجرّد رجحانه لذاته، أو مع ذِكر ربّ العالمين، أو ذِكر سيّد المرسلين، كما روي ذلك فيه وفي باقي الأئمّة، أو الردّ على المخالفين وإرغام أنوف المعاندين، أُثيبَ على ذلك، لكنّ صفة الولاية ليس لها مزيد شرفيّة لكثرة معانيها، فلا امتياز لها إلاّ مع قرينة إرادة معنى التصرّف والتسلّط فيها، كالاقتران مع الله ورسوله والأئمّة في الآية الكريمة ونحوه؛ لأنّ جميع المؤمنين أولياء الله، فلو بدّل بالخليفة بلا فصل - أو بقول أمير المؤمنين، أو يقول حجّة الله تعالى، أو يقول أفضل الخلق بعد رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونحوها - كان أولى وأبعد عن توهّم الأعوام (العامّة) أنّه من فصول الأذان.

٢١٠

ثُمّ قول: وأنّ عليّاً وليّ الله مع ترك لفظ أشهد، أبعد عن الشبهة، ولو قيل بعد ذِكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): صلّى الله على محمّد سيّد المرسلين، وخليفته بلا فصل عليّ وليّ الله أمير المؤمنين، لكانَ بعيداً عن الإيهام وأجمع لصفات التعظيم والاحترام، ثُمّ الذي أنكرهُ المنافقون يوم الغدير ومَلأ من الحسد قلوبهم، النصّ من النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليه بإمرة المؤمنين، وعن الصادق (عليه السلام): (مَن قال لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، فليقل علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، ويجري في وصفه في الإقامة نحو ما جرى في الأذان)).

أقول: في كلامه (قدِّس سرّه) عدّة مواضع للنظر:

الأوّل: قوله: (إنّه - أي الأذان - وضِع لشعائر الإسلام دون الإيمان، ولذا تُرك فيه ذِكر باقي الأئمّة (عليهم السلام)).

ففيه:

أ - إنّه قد تقدّم في مصحّح الفضل بن شاذان فيما ذُكر من عِلل الأذان عن الرضا (عليه السلام) أنّه قال: (إنّما أُمرَ الناس بالأذان لعِلل كثيرة... ويكون المؤذِّن... مُقرّاً له بالتوحيد، تجاهراً بالإيمان، مُعلناً بالإسلام... وجَعل بعد التكبير الشهادتان؛ لأنّ أوّل الإيمان هو التوحيد والإقرار لله بالوحدانية، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة... ولأنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادتان؛... لأنّ أصل الإيمان إنّما هو الإقرار بالله ورسوله) (1) .

ففي هذا المصحّح: تصريح بأنّ الأذان نداء وشعار للإيمان أيضاً، لا خصوص ظاهر الإسلام، كما أنّ التعبير المتكرِّر فيها بأنّ الشهادتين أوّل وأصل الإيمان، صريح في إرادة معنى الإيمان المقابل لظاهر الإسلام،

____________________

(1) أبواب الأذان والإقامة: باب 17، ح 14.

٢١١

وبالتالي فيندرج فيه الشهادة الثالثة بعد كون الأذان جهراً بالإيمان، ونظيره مصحّح محمّد بن سنان عن الرضا (عليه السلام) - في حديث -: (لأنّ التهليل إقرار لله تعالى بالتوحيد، وخلع الأنداد من دون الله، وهو أوّل الإيمان وأعظم من التسبيح والتحميد).

وأيضاً ما رويَ في العِلل عن محمّد بن أبي عمير، أنّه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن حيّ على خير العمل لِمَ تُركت من الأذان؟ قال: (تريد العلّة الظاهرة أو الباطنة؟ قلت: أريدهما جميعاً، فقال: أمّا العلّة الظاهرة فلئلاّ يدع الناس الجهاد اتّكالاً على الصلاة، وأمّا الباطنة؛ فإنّ خير العمل الولاية، فأرادَ من أمْر بترك حيّ على خير العمل من الأذان أن لا يقع حثٌ عليها ودعاء إليها) (1) .

وهذه المصحّحة صريحة أيضاً في أنّ الأذان دعاءً ونداءً للولاية والإيمان.

ب - إنّه قد تقدّم (2) أنّ كمال الدين، وشرط الإخلاص، وشرط التهليل، وشرط الشهادتين: هو الإقرار بالشهادة الثالثة وكما في قوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (3).

ج - إنّ ذِكر أمير المؤمنين مفتاح ذِكر الأئمّة (عليهم السلام)، كما أنّ في جملة من روايات الفريقين والآيات الدالّة على ولاية أهل البيت، اقتُصر فيها على أمير المؤمنين لا من باب الحصر؛ وإنّما هو رمز لأهل البيت الإثنى عشر.

الثاني: قوله: (ولأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) حين نزوله كان رعيةً للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلا يُذكر على المنابر).

____________________

(1) أبواب الأذان والإقامة: الباب 19، ح 16.

(2) في طوائف الروايات العامّة.

(3) المائدة: 3.

٢١٢

ففيه: كونه رعيةً للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا ينافي ذلك، أليس قد جاءت الآيات: ( أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وقوله تعالى: ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ الله وَرَسُوله وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، وغيرها من الآيات التي مفادها ولايته (عليه السلام) ووجه ذلك: أنّ الخطاب هو للأمّة في طول طاعة وولاية الله ورسوله.

الثالث: قوله (قدِّس سرّه): (ولأنّ ثبوت الوجوب للصلاة المأمور بها موقوف على التوحيد والنبوّة فقط).

ففيه: أنّ ذلك مبنيّ على عدم تكليف الكفار بالفروع، وإلاّ فلا توقّف للتكليف في الفروع على الشهادتين، مضافاً إلى أنّ صحّة الصلاة عند المشهور أو قبولها مبنيّ على الولاية كما هو مقتضى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) .

الرابع: قوله (قدِّس سرّه): (إنّه لو كان ظاهراً في مبدأ الإسلام، لكان في مبدأ النبوّة من الفترة ما كان في الختام - إلى أن قال - ولأنّه لو كان من فصول الأذان، لنُقل بالتواتر في هذا الزمان ولم يُخف الخ).

ففيه: أنّه قد اعترف بممانعة المنافقين والحاسدين عن تنصيبه (صلوات الله عليه وآله) له (عليه السلام) في عدّة مواطن ومواقف، وهو السبب في عدم الأمر بها في الأذان، لاسيّما وأنّه يؤتى به في اليوم خمس مرّات، ومع ذلك لم يسلم الأذان كغيره من سُنن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من قِبَل الثلاثة وبني أميّة، كما قد حَذفوا منه حيّ على خير العمل، فقد قال ابن الجنيد: (رويَ عن سهل بن حنيف، وعبد الله بن عمر، والباقر، والصادق (عليهما السلام) أنّهم كانوا يؤذِّنون بـ (حيّ على خير العمل).

٢١٣

وفي حديث ابن عمر، أنّه سمعَ أبا محذورة ينادي بـ (حيّ على خير العمل) في أذانه عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعليه شاهَدنا آل الرسول، وعليه العمل بطبرستان، واليمن، والكوفة ونواحيها، وبعض بغداد) (1) .

وقال الصدوق في الفقيه (2) ، قال الصادق (عليه السلام): (كان اسم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الأذان، وأوّل مَن حَذفه ابن أروى).

وحديث الدار (3) رواه الفريقان عند نزول قوله تعالى: ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ، وهو حديث نَصب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليّاً (عليه السلام) أخاً، ووارثاً، ووزيراً، ووصياً، وخليفةً في بدء النبوّة، دال على نصبه (عليه السلام) منذ مبدأ الإسلام، ثُمّ إنّنا قد ذكرنا في المدخل في مبدأ السيرة على التأذين، أنّ بِدءها عند الصحابة، ثُمّ من بعدها عند رواة الأئمّة، وسيأتي في الفصل اللاحق استعراض لتلك السيرة.

الخامس: قوله (قدِّس سرّه): (ولعلّ المفوّضة أرادوا أنّ الله تعالى فوّض الخلق إلى علي (عليه السلام)، فَساعَده على الخلق، فكان وليّاً ومُعيناً).

ففيه: إنّ دعوى إرادة ذلك المعنى عند الرواة لروايات جزئيّة الشهادة الثالثة في الأذان، تحكّم بارد، وإلاّ لكان القارئ للآيات الناصّة على ولايته منهم بالتفويض أيضاً، وهذا توجيه عليل؛ لمَا ذَكرنا من احتمال التقيّة في كلام الصدوق، ولذلك شواهد قد تقدّمت.

السادس: قوله (قدِّس سرّه): (لكنّ صفة الولاية ليس لها مزيد شرفيّة؛ لكثرة معانيها...).

____________________

(1) الذكرى: ج3، طبعة مؤسّسة أهل البيت.

(2) الفقيه: ج1، ص 195، ح 913.

(3) البحار: ج18، ص 178.

٢١٤

ففيه: إنّ المروي المشار إليه في كلامَي الصدوق، والشيخ، والفاضلين، والشهيد، ليس خصوص ذلك، بل بالإمرة للمؤمنين أيضاً، مضافاً إلى أنّ الولاية بقول مطلق تعني المتابعة المطلقة بأيّ معنى فُسّرت، لازم الإطلاق في كلّ تلك المعاني، هو السلطة والطاعة والإمامة، كما هو الحال في آيات الولاية المشار إليها.

السابع: إنّ قوله: (إنّ خروجه من الأذان من المقطوع به لإجماع الإماميّة من غير نكير، حتّى لم يذكره ذاكر بكتاب، ولا فاهَ به أحد من قُدماء الأصحاب).

ففيه: إنّ ما زَعمهُ (قدِّس سرّه) بسبب عدم وقوفه مليّاً بتدبّر، وعدم استقصاء لكلّ كلمات المتقدّمين، فقد عرفتَ فتوى السيّد المرتضى في المبافارقيات، وابن برّاج في المهذّب، والشهيد في الذكرى بذلك، بل عرفتَ بالتدقيق فتوى الشيخ في المبسوط، بمضمون روايات الجزئيّة بعين لفظ فتواه بروايات اختلاف عدد فصول الأذان، مضافاً إلى اعتراف الشيخ والصدوق - كما مرّ تفسير كلامهما - برواية طبقات الرواة لهذه الروايات، ممّا يعني تبنّيهم لمضمونها، كما هو ديدن الرواة للرواية إذا رووها من دون ردّ لها ولا تعقيب، وكذلك يظهر ذلك من العلاّمة والشهيد، وأنّ فتاوى القدماء هو دعم للسيرة المعاصرة لهم من الشيعة، الذين كانوا في اصطدام حادّ مع جماعة سنّة الخلافة في بغداد وغيرها من المُدن الإسلاميّة في البلدان.

٢١٥

الجهةُ الثانية

البحثُ في مقتضى قاعدة شرطيّة الولاية والإيمان

في صحّة الأعمال والعبادات لشرطيّة الشهادة الثالثة في الأذان.

أمّا مفاد القاعدة فالبيان الأوّل في تقريرها: فهو أنّ إتيان العبادات لابدّ في صحّته من شرطيّة اعتناق ولاية أهل البيت، وأنّ مَن لا يعرف الإمام منهم (عليهم السلام)؛ فإنّما يعرف ويعبد غير الله، كما في معتبرة (1) جابر عن أبي جعفر (عليه السلام)، وأنّه لا حجّ ولا صوم إلاّ للموالي لهم (عليهم السلام)، كما في جملة من الروايات (2) .

وفي صحيح بُريد بن معاوية العِجلي أنّ: (كلّ عملٍ عمله وهو في حال نَصبه وضلالته، ليس عليه قضاؤه، إذا منَّ الله عليه وعرّفه بالولاية فإنّه يؤجر عليه، إلاّ الزكاة فإنّه يعيدها؛ لأنّه وَضعها في غير موضعها) (3).

فهي من الشرائط العامّة في صحّة العبادات، كما ذهب إلى ذلك المشهور شهرةً عظيمة، بل إنّ بعض مُتأخّري العصر المُحتملين لكون الولاية شرط قبول الأعمال، لم يُسوّغوا نيابة غير المؤمن في الحجّ وقضاء الصلاة والصيام وغيرها مِن العبادات عن المؤمن،

____________________

(1) أبواب مُقدّمة العبادات: باب 29، حديث 6.

(2) نفس الباب من أبواب مُقدّمة العبادات.

(3) أبواب مُقدّمة العبادات: باب 31، ح1.

٢١٦

بل في خصوص المقام في مُوثّق عمّار الساباطي، عن أبي عبد الله (عليه السلام): (قال سُئل عن الأذان هل يجوز أنْ يكون من غير عارف؟ قال: (لا يستقيم الأذان، ولا يجوز أنْ يؤذِّن به إلاّ رجلٌ مُسلمٌ عارف، فإن عَلم الأذان وأذّن به ولم يكن عارفاً، لم يُجزِ أذانه، ولا إقامته، ولا يُقتدى به) (1).

أقوالُ العُلماء:

قال العلاّمة الحلّي في المُنتهى (2) بعد أنْ أوردَ هذا الموثّق: (وهذا حُكمٌ مُتّفق عليه بين أهل العِلم، مع أنّ الغلام غير البالغ يُجتزأ بأذانه، ذهب إليه العُلماء أجمع كما في المنتهى أيضاً، ودلّت عليه النصوص كما في صحيحة (3) عبد الله بن سنان.

وقال في الدروس: (ويُعتدّ بأذان المُميّز لا غيره، وبأذان الفاسق خلافاً لابن جُنيد، لا بأذان المُخالف) (4).

أقول: فمضافاً إلى ما تقدّم مِن روايات الأصحاب، أنّ الولاية لعليّ (عليه السلام) والأئمّة شرطٌ في صحّة الأذان، كما هو الحال في سائر العبادات، والنصّ المُتقدّم آنفاً صريحٌ في نفي الصحّة وعدم الاعتداد، والتولّي مِن سنخ النيّة؛ وذلك لكونه فعلاً قلبيّاً، والنيّة - كما هو مُحرّر في بحث التعبُّدي والتوصُّلي في مباحث الأصول - هي روح العبادة، وبمنزلة الصورة والفصل كمادّة العبادة وجسمها،

____________________

(1) أبواب الأذان والإقامة: باب 26، ح1.

(2) مُنتهى المطلب: ج4، ص395.

(3) أبواب الأذان والإقامة: باب 32، ح1.

(4) الدروس: ج1، ص164.

٢١٧

فهي التي تُنوّع الفعل وتُصيّره عبادة وطاعة لله، وذلك يقتضي أنّ الإقرار بالتكبير والتشهّد بالشهادتين، الذين هما طبيعتان مأخوذتان كجزء في رتبة سابقة على ماهيّة الأذان، وهاتان الطبيعتان لا تتحقّق طبيعتهما كعبادة ذاتيّة في رتبة سابقة على طبيعة الأذان، إلاّ بالاقتران بولاية علي وولده والتولّي له (عليه السلام)، وكما يتقوّم بعقد القلب يتقوّم بالإقرار اللساني، وبالتالي يتبيّن أنّ عباديّة الشهادتين في الأذان مأخوذة فيها الاقتران بالشهادة الثالثة.

وببيان ثانٍ: إنّ التصريح والإيجاد والإنشاء للشرط في ضمن المشروط، ليس يخلّ بصحّة المشروط، بل يزيده صحّةً وتماميّة، نظير التلفظ بالنيّة؛ فإنّه إبراز للشرط وتأكيد في وجوده الدخيل في صحّة المشروط، ومقتضى وفاق الأصحاب على شرطيّة الولاية في صحّة الأذان وعباديّته: هو مشروعيّة التصريح به مع المشروط، ولك أن تقول: إنّ الأذان متكوّن من أجزاء متعدّدة فيها التكبير والتهليل والإقرار بالشهادتين، وهُنّ عبادات قد أُخذت الولاية في صحّتها، والموجِد للولاية حدوثاً وبقاءً وتأكيداً هو: الإقرار بالولاية وبالتالي يقترن مع الشهادتين.

إن قلتَ:

1- إنّ غاية هذا الوجه شرطيّة الشهادة الثالثة لا جزئيّتها.

2- إنّ الولاية عند جماعة من متأخّري العصر، شرط في القبول لا شرط في الصحّة.

3- إنّ الشرط هو الولاية القلبيّة لا الإقرار اللساني، وغاية كون الإقرار باللسان من مقوّمات الولاية هو جواز التلفّظ لا استحبابه، كما هو الحال بالتلفّظ بالنيّة.

٢١٨

قلتُ:

أمّا الأوّل: لا ضيرَ في الشرطيّة بعد كونها نحو دخالة للشيء في ضمن المركّب، وبالتالي يكون الشرط جزءاً عقليّاً.

وأمّا الثاني: فلا ضيرَ في كونها شرط القبول أيضاً؛ لأنّه لا يقل عن شرط الكمال كالأجزاء المستحبّة، بل هو شرط مُلزم وإن لم يكن شرط صحّة بمقتضى لزوم الولاية، مع أنّ الصحيح هو ما عليه المشهور من كون الولاية شرطاً في الصحّة؛ لأنّ الصحّة تُلازم أدنى درجات القبول، فمعَ نفي طبيعة القبول بجميع أفرادها تنتفي الصحّة، وتفصيل الكلام في ذلك حرّرناه في مسألة (اشتراط إيمان النائب في الحج) (1)، مضافاً إلى خصوص الأدلّة في المقام الدالّة على شرطيّة الإيمان في صحّة الأذان.

وأمّا الثالث: فالتلفّظ بالنيّة قد ثبتَ رجحانه في أعمال الحج بالنصّ الخاص (2) ، وكذا في النيابة في الحج، وقد استفاد جماعة من ذلك رجحان التلفّظ بها في بقيّة العبادات، لاسيّما وأنّه موجِب لتأكيد حضور النيّة واستحضار الداعي، والجواز في العبادات لا ينفك عن الرجحان العام وإن لم يكن خاص، بل في المقام أنّ التلفّظ بالشهادة الثالثة سببٌ لإنشاء الولاية التي هي شرط، وإن كان بنحو التأكيد بقاءً بعد الفراغ عن الاكتفاء بحدوثه ولو مرّة، إلاّ أنّ الأفراد المتكرّرة منه مؤكِّدة لبقاء الوجود للولاية، كما هو الحال في تكرّر الإقرار بالشهادتين، فتحصّل وجه مستقل عن النصوص الخاصّة والعامّة لبيان دخالة الشهادة الثالثة في الأذان، بحسب مقتضى القاعدة بعد شرطيّة الولاية في صحّة الأذان لكون الإقرار بها مقوِّم لها.

____________________

(1) لاحظ سند العروة: كتاب الحج، ج1، ص235.

(2) الوسائل: أبواب الإحرام، باب 16 - 17.

٢١٩

وببيان ثالث: بعد اتّفاق المشهور على أنّ التلفّظ بالشهادة الثالثة من أحكام الإيمان، وأنّ دخالة سببيّتها للإيمان كدخالة سببيّة الشهادتين في الإسلام، هذا بضميمة ما ذهبَ إليه مشهور علماء الإماميّة: من أنّ الولاية والإيمان شرط في صحّة العبادات والثواب على سائر الأعمال، وهو شرط في قبولها، كما مالَ إليه جملة من متأخّري العصر.

ومقتضى النقطتين المتقدّمتين: كون الشهادة الثالثة شرطاً وضعيّاً في الأذان والإقامة كعملٍ عباديٍّ، إمّا شرط صحّةٍ أي: شرط وضعي لزومي في صحّتهما على قول المشهور، وإمّا شرط في القبول أي: شرط وضعيٌّ كماليٌّ فيهما، وهذا الشرط لابدّ في تحقّقه من الإقرار باللسان، وهو التلفّظ بالقول بالشهادة الثالثة، ومن ثَمّ عبّر الفقهاء عن الشهادة الثالثة في الأذان بأنّها من أحكام الإيمان أي سببٌ للإيمان، ولو في ضمن الأفراد المكرّرة المتلاحقة من الإقرار بالولاية، كما هو الحال في التهليل والإقرار بالرسالة كوِردٍ متكرّر بالنسبة للإسلام.

وحيث يكون الإيمان والولاية شرط وضعيٌّ ولزوميّ في الصحّة، أو كماليٌّ في الصحّة، كما هو طبيعة شرائط القبول، إذ هي دخيلةٌ في كمال الملاك والمصلحة المترتّبة، وهو معنى الشرط المستحبّ الوضعي والندبي في ماهيّة العمل، أي لابدّ أن يكون شرط القبول المقارن للعمل منسجماً وملائماً لماهيّته، كما هو مقرّر في المركّبات الاعتباريّة، فلابدّ أن يكون شرطاً وضعيّاً ندبيّاً، فضلاً عن امتناع كونه مانعاً عن الصحّة، هذا لو كانت الولاية شرط القبول.

وأمّا لو كانت شرط صحّة، فاشتراط الشهادة الثالثة - التي هي موجِب وسبب للولاية في العبادة، كالأذان والصلاة - أوضح وأبيَن.

٢٢٠