الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة0%

الشهادة الثالثة مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 420

الشهادة الثالثة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
تصنيف: الصفحات: 420
المشاهدات: 93166
تحميل: 4253

توضيحات:

الشهادة الثالثة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 420 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93166 / تحميل: 4253
الحجم الحجم الحجم
الشهادة الثالثة

الشهادة الثالثة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٣٠١

الطائفةُ الخامسة

اقترانُ الشهادات الثلاث في الزيارات

ما ورد في جملة الزيارات في اقتران الشهادات.

الأولى: ما رواه في كامل الزيارات من زيارة الرضا (عليه السلام) المعروفة وفيها: (وقل حين تدخل: بسم الله وبالله، وعلى ملّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ عليّاً وليّ الله).

الثانية: ما رواه ابن طاووس في الزيارة المعروفة بزيارة آل ياسين قال: وهي المعروفة بالندبة، خَرَجت من الناحية المحفوفة بالقدس إلى أبي جعفر محمد بن عبد الله الحِميري ومنها: (أشهد يا مولاي أنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله لا حبيب إلاّ هو وأهله، وأنّ أمير المؤمنين حجّته...) (1) .

ورواها الطبرسي في الاحتجاج وغيرها من الزيارات العديدة المتضمّنة للشهادات الثلاث فلاحظ.

____________________

(1) مصباح الزائر: الفصل 17 الزيارة الثانية لمولانا صاحب الزمان.

٣٠٢

٣٠٣

الطائفةُ السادسة

إقرارُ الأئمّة عند الولادة بالشهادات الثلاث وكذا بقيّة أهل البيت (عليهم السلام)

الأولى: ما رواه الصدوق (1)، قال: حدّثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي البصري قال: حدّثنا أبو عبد الله عبد السلام بن محمد بن هارون الهاشمي قال: حدّثنا [ محمد بن ] عقبة الشيباني، قال: حدّثنا أبو القاسم الخضر بن أبان عن أبي هدية إبراهيم بن هدية البصري عن أنس بن مالك قال: أتى أبو ذر يوماً إلى مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: ما رأيت كما رأيت البارحة؟ قال: رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ببابه، فخرج ليلاً فأخذَ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) وخرجا إلى البقيع، فما زلتُ أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكّة، فعدلَ إلى قبر أبيه فصلّى عنده ركعتين، فإذا بالقبر قد انشقّ وإذا بعبد الله جالس وهو يقول: (أنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله) فقال له: مَن وليّك يا أبه؟ فقال: وما الولي يا بني؟ فقال: هو هذا علي فقال: وأنّ عليّاً وليي.

قال: فارجع إلى روضتك، ثُمّ عدلَ إلى قبر أمّه آمنة فصنعَ كما صنع عند قبر أبيه، فإذا بالقبر قد انشقّ وإذا هي تقول: (أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك نبي الله ورسوله) فقال لها: مَن وليّك يا أماه؟ فقالت: وما الولاية يا بني؟ قال: هو هذا علي بن أبي طالب فقالت: وأنّ عليّاً وليّي، فقال: ارجعي إلى حفرتك وروضتك،

____________________

(1) معاني الأخبار: باب معنى قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ما أظلّت الخضراء، ولا...)، ص 178.

٣٠٤

فكذّبوه ولبّبوه وقالوا: يا رسول الله كذبَ عليك اليوم. فقال: (وما كان ذلك؟ قالوا: إنّ جُندب حكى عنك كيت وكيت، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ما أظلّت الخضراء، ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر...) الحديث.

أقول: وهذه الرواية تؤيّد ما يُحكى عن بعض الكتب، من تأذين أبو ذر بالشهادات الثلاث بعد حادثة بيعة الغدير، وأنّ جملة من الصحابة اعترضوا عليه وشكوه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأجابهم: (وعلامَ بايعتموني في الغدير).

وهاهنا أيضاً في ما رواه الصدوق في معاني الأخبار، كذّبوا أبا ذر وتناوشوه بأيديهم (لببوه)، لمَا حكاه لهم من أنّ حقيقة الشهادة والإقرار، هي باقتران الشهادات الثلاث إلاّ ما خرج بالدليل عن عموم هذا المعنى، كما في الحُكم بظاهر الإسلام، وبعبارة أخرى: إنّ الأصل في كلّ معنى إذ يُحمل على معناه الحقيقي لا التنزيلي الظاهري، وههنا تؤكّد هذه الرواية الحقيقة الشرعيّة في معنى الإقرار بالشهادة، وهذا يُعزِّز تقادم السيرة في الشهادة الثالثة على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فتعضد ما حكاه العامّة عن كدير الضبّي، وما رويناه عن عبد الله بن عبّاس وغيره من الصحابة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أمره بالشهادات الثلاث مقترنة.

الثانية: ما رواه الحافظ البرسي في كتاب مشارق أنوار اليقين قال: ومن أسراره (عليه السلام) أنّه لمّا ولِدَ في البيت الحرام خرّ ساجداً، ثُمّ رفع رأسه فأذّن وأقام وشهد لله بالوحدانيّة، ولمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالرسالة، ولنفسه بالخلافة والولاية...) (1) .

____________________

(1) إثبات الهداة: ج2، ص 465 فصل 22.

٣٠٥

الجهةُ الرابعة

في بيان السيرة الشرعيّة للشهادة الثالثة

وهذه السيرة يمكن الوقوف على حصولها في زمن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عند جملة من الصحابة: كعبد الله بن عبّاس، وعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، وأبي الحمراء، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، وكدير الضبّي، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي.

وقد مرّ في الطوائف العامّة والخاصّة ذِكر جملة الطرق والمصادر عن أولئك الصحابة، وهذا ممّا يُنبأ أنّ البناء على ندبيّة اقتران الشهادات الثلاث، كان متقارب العهد منذ عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حيث قد حرّض عليه في عدّة مواطن، وما رواية الصحابة لهذه الروايات إلاّ عمل وبناء منهم على الاقتران بينها، كما هو المعروف في علم الرجال والدراية أنّ مذهب الراوي يُعرف ممّا يرويه، هذا فضلاً عمّا روتهُ العامّة نفسها من ضمّ كدير الضبّي (1) الشهادة للوصي بالشهادتين، وهو يُنبئ عن سيرة وديدن عملي ممّن كان يشايع أمير المؤمنين، كما تقدّم في المدخل الإشارة إلى أنّ سيرة الطالبيين في حلب، والشام، ومصر هو التأذين بالشهادة الثالثة، عندما حكموا تلك البلاد في أواخر القرن الثالث الهجري وأوائل القرن الرابع حتى أواخره،

____________________

(1) الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: مادّة كدير.

٣٠٦

وقد تقدّم ذلك مفصّلاً وذكرنا المصادر التاريخيّة في ذلك، وكذلك في العَلَويين الذين حكموا اليمامة في القرن الخامس.

وعموماً فهذه السيرة في الأذان في تلك البلدان، قد كانت جارية قبل ولادة الشيخ الصدوق، سواء من الدولة العبيديّة والفاطميّة في الشام ومصر، وكذلك دولة الحمدانيين في شمال العراق والشام، وكذا الدولة البويهيّة في جنوب إيران والعراق وبغداد، فهي سيرة جارية في الغيبة الصغرى وطوال القرن الرابع والخامس، وكانت تلك السيرة متجذّرة بتشدّد كتقيّدهم بالتأذين بفصل حيّ على خير العمل، وقد وقعت مصادمات عديدة بين طائفة الشيعة وأهل سنّة جماعة الخلافة والسلطان على كلّ من الفَصلين في الأذان.

ومن ثُمّ احتملنا فيما تقدّم أنّ موقف الصدوق من طوائف الروايات الواردة في الأذان، يُحتمل فيه تهدئة الموقف تجاه تلك الصدامات الدامية، وأنّه محمول على التقيّة بحكم علاقته بآل بويه (1) ، حيث إنّ عبارة الصدوق في الفقيه هي الأخرى تُنبئ عن وجود سيرة لدى جملة من الشيعة في زمانه كانوا يؤذّنون بها، عاملين بتلك الطوائف من الروايات، وكذلك الحال في الاستفتاء الموجّه للسيّد المرتضى من شيعة جزيرة المبافارقيات؛ فإنّ مؤدّى السؤال لدى السائل أنّ المشروعيّة مفروغ منها عندهم، وإنّما تردّدهم في اللزوم على حذو بقيّة الفصول، هذا مضافاً إلى أنّ عبارة الصدوق في الفقيه، والشيخ الطوسي في التهذيب والمبسوط،

____________________

(1) وقد ذكرنا جملة من الشواهد على هذا الاحتمال من عبارة الصدوق، في الفصل الأوّل عند التعرّض للطوائف الثلاث، مضافاً إلى فتوى الصدوق بالشهادة الثالثة في دعاء التوجّه بعد تكبيرة الإحرام وفي القنوت وفي التسليم.

٣٠٧

ظاهرة في أنّ هذا الطوائف من الروايات متلقّاة من أصول الأصحاب، وذكرنا الشواهد على ذلك في الفصل الأوّل، بل كانت متداولة رواية وعملاً لدى الرواة في الطبقات السابقة زمناً على الشيخ الصدوق، ومن ثُمّ وصَفَ الصدوق سلسلة رواتها بأنّهم متّهمون بالتفويض، بينما لم يطعن عليها بأنّها مقطوعة أو مرسلة أو مرفوعة، ممّا يؤكّد ويدلِّل على اتصال أسانيدها، إلاّ أنّه (قدِّس سرّه) حذفَ الأسانيد في عبارته في الفقيه فصيّر الروايات بالإضافة إلينا مرسلة، لكنّ شهادة الشيخ الطوسي بتعدّدها وكثرتها ووصفه لها بالشذوذ، يؤكّد اتّصال أسانيدها وكونهم من الثقاة، وأنّها غير مقطوعة ولا مرسلة ولا مرفوعة، ويؤكّد هذه الحقيقة إفتاء السيّد المرتضى، وابن برّاج، والشهيد بمضمون هذه الروايات، وكذا ما يقرب من مضمونها المحقّق الحلّي في المعتبر، والعلاّمة في التذكرة والمنتهى كما مرّ.

٣٠٨

٣٠٩

الجهةُ الخامسة

في إثبات الجزئيّة (الندبيّة الخاصّة) بحسب قاعدة التسامح في أدلّة السُنن

وهذه القاعدة وإن اشتهرَ عند متأخّري العصر عدم دلالتها على الاستحباب، بل هي عندهم إرشاد إلى رجاء الاحتياط، إلاّ أنّ الأقوى والأظهر في مفاد روايات القاعدة، هو ما ذهب إليه مشهور الفقهاء من الطبقات المتقدّمة وذلك:

أولاً: لأنّ تحديد الثواب الخاص كما بلغ، يعني الجعل الخاص ولو بسبب الانقياد الخاص في مورد البلوغ، وإلاّ لو كان لا خصوصيّة للقاعدة ولا جَعل خاص في البين، لكان اللازم هو كون الثواب في الانقياد على نمط واحد ووتيرة متّفقة، مع أنّ صريح الصحاح الواردة في القاعدة هو ثبوت الثواب الخاص نفسه الذي بلغهُ كلّ مورد بحسبه.

ثانياً: لو كان الثواب من باب الاحتياط، لكان ثبوت الثواب ليس على الإطلاق، بل فيما لو أصاب الخبر الوارد الواقع، كما هو الشأن دائماً في الاحتياط والوظائف الظاهريّة، مع أنّ صريح الصحاح الواردة في القاعدة هو ثبوت الثواب الخاص، ولو لم يكن كما بلغه أي ولو لم يكن في الواقع مطابقاً لمَا بلغهُ.

ثالثاً: أنّ هذه الروايات حيث إنّها في صدد الوعد في ثبوت الثواب على كلّ تقدير، فهي في صدد الحثّ والتحضيض والبعث والتحريك، وهو معنى الأمر الشرعي والطلب الندبي.

٣١٠

رابعاً: أنّ الانقياد بنفسه طاعة عندما يكون مضافاً إلى الرسول والأئمّة (عليهم السلام)؛ لأنّ حُسنه العقلي ذاتي وإن لم يكن هناك في البين حسن ذاتي في الفعل، وحسن الانقياد بدرجاته عن النيّة والعزم والشوق، وحركة الجوانح والجوارح كلّها تنصبغ وتتلوّن بحسن الانقياد، فالفعل في نفسه وإن لم يكن راجحاً في نفسه، إلاّ أنّه يطرأ عليه عنوان الانقياد فيجعلهُ راجحاً بسبب هذا الطرو، نظير ما ذُكر في قبح التجرّي، وامتداد هذا العنوان من الجوانح إلى الجوارح وتلوّن الفعل به، وملخّص هذا الوجه: أنّه مدرك عقلي لقاعدة التسامح في أدلّة السُنن، مستقل ومُعاضد لاستظهار المشهور من الروايات، هذا ملخّص كبرى إفادة قاعدة التسامح في أدلّة السُنن الندب الشرعي الخاص.

أمّا انطباقها على المقام، فبلحاظ الطوائف الروائيّة الثلاث التي رواها الصدوق في الفقيه، هذا إن لم تتم سنداً بعدما مرّ من إفتاء جملة من المتقدّمين بمضمونها، ونفى الشيخ الإثم عن العامل بها وإن خطّئه اجتهاداً، وقد تقدّم ما فيه الكفاية في المدخل، وفي الفصل الأوّل من الشواهد للوثوق بصدورها.

أمّا الخدشة في ذلك - لدعوى الوضع في الخبر أو الشذوذ ممّن نقلَ منه الخبر، وأنّه على ذلك لا مجرى لقاعدة التسامح - فمدفوعة لوجوه:

أولاً: أنّ الناقل وهو الصدوق قد تقدّم عدم جزمه بالوضع؛ وإنّما جَعَل مَن يروي مثل هذه الأحاديث متّهم بالغلو لا متيقّن الغلو، وأنّ الغلو عند الصدوق (قدِّس سرّه) والقمّيَين حدّه معروف الخدشة، وأنّ الشهادة الثالثة ليس فيها ما يدلّ على الغلو،

٣١١

بل قد استفاضت الروايات لرجحان إتيانها مطلقاً في كلّ مورد يتشهّد بالأولتين، وإنّ الشيخ الطوسي نفى الإثم عن العامل به ممّا يظهر منه اعتبار سندها، بل يظهر منه الإفتاء بجواز العمل بها، كما مرّ قرائن وشواهد من كلامه دالّة على ذلك، وإن أَشكلَ في حجيّتها باعتبار الشذوذ في المضمون بسبب خلو بقيّة روايات الأذان عنها، وكذا العلاّمة والشهيد في البيان، وأنّ القاضي ابن برّاج قد أفتى ببعض مضمونها، وأنّ الشذوذ في المصطلح الأشهر هو الخبر المعتبر غير المعمول به لانفراد متنه عن بقيّة متون الروايات، وأنّ الشذوذ - على ماله من معنى مصطلح - لا يتنافى مع جريان قاعدة التسامح بعدما كان غاية ما يصنعه الشذوذ إسقاط الخبر عن الحجيّة لا الجزم بالوضع، وبعدما كان مقتضى العمل به بتوسط القاعدة بعد جريانها لا يحافظ على مضمون الخبر الشاذ، الدالّ على الجزئيّة في الماهيّة الأوليّة بل بعنوان الجزئيّة الندبيّة، سواء فسّرنا الجزء المندوب بمعنى العوارض الفرديّة على الطبيعة، أو صوّرنا الجزء المندوب بمعنى المطلوب الندبي في ظرف المطلوب والمتعلّق الأصلي وهو الطبيعة.

هذا، وقد جمعَ الفاضل المحقّق السيّد عبد الرزاق المقرّم (قدِّس سرّه)، في رسالته التي ألّفها في الشهادة الثالثة وغيره ممّن تطرّق إلى المسألة، ما يربو على المائة من فتاوى الفقهاء من عهد المجلسين (قدِّس سرّهما) إلى يومنا الحاضر باستحبابها في الأذان والإقامة من دون قصد الجزئيّة، بل ذهب صاحب المستمسك إلى احتمال الوجوب من جهة صيرورته شعيرة إيمانيّة من دون قصد الجزئيّة قال: (لا بأس بالإتيان بالشهادة بالولاية بقصد الاستحباب المطلق؛ لمَا في خبر الاحتجاج... بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الإيمان ورمز إلى التشيّع، فيكون من هذه الجهة راجحاً شرعاً، بل قد يكون واجباً لكن لا بعنوان الجزئيّة من الأذان) (1) .

____________________

(1) مستمسك العروة الوثقى: ج5، ص545.

٣١٢

ثانياً: ضعف منشأ تضعيف الصدوق لروايات الشهادة الثالثة، كما تقدّم مفصّلاً في الفصل الأوّل.

ثالثاً: أنّ الروايات المزبورة حيث قد وصِفت بالشذوذ وعدم العمل، وهما وصفان يتعارف ويصطلح إطلاقهما على الروايات المعتبرة من حيث السند، كما تقدّم ذلك مفصّلاً في التذييلين المُلحقين بالفصل الأوّل، ومرّ فيهما عمل وفتوى جملة من الأكابر بأخبار شاذّة في أبواب فقهيّة عديدة فلاحظ، فكيف بالعمل بالشاذ من باب قاعدة التسامح، وتقدّم أنّ ابن برّاج وغيره قد عمل وأفتى ببعض مضمونها، فالوسوسة في العمل بقاعدة التسامح في ما وصف بالشذوذ غفلة صناعيّة واضحة.

الرابع: إنّ بعض الشيعة في زمان الصدوق (قدِّس سرّه) كان يؤذِّن ويقيم بالشهادة الثالثة، كما تقدّم ذِكر ذلك، وهذا يظهر أيضاً من كلام الشيخ في المبسوط والنهاية، كما لا يخفى لمَن أمعنَ التدبّر، وكذا من فتوى الشريف المرتضى في مسائل المباقارقيات، وكذا الظاهر من كلام ابن برّاج في المهذّب والشهيدين، وصرّح المجلسي الأوّل بأنّ ذلك عمل الشيعة في قديم الزمان وحديثه، وقد ذكرَ ذلك في السيرة بشكل مفصّل.

الخامس: ذهاب جماعة من القدماء إلى عدم الحرمة والإثم بذكرها في الأذان والإقامة، كالشيخ في المبسوط، بل إنّ نظرَ الشيخ في ذلك إلى مَن ذكرها بقصد الجزئيّة كما لا يخفى،

٣١٣

والظاهر أنّ حكمهُ بعدم الحرمة لإمكان استناد الفاعل إلى تلك الروايات، وإن لم يجزم هو (قدِّس سرّه) بها، لكن قد مرّ استظهار فتواه بجواز العمل بمضمونها بقرائن من كلامه في المبسوط، فلاحظ ما مرّ في الفصل الأوّل، كما يظهر ذلك من الشهيد في البيان، وكذا العلاّمة في المنتهى.

وذهب الشهيد الثاني في الروضة إلى ذلك مع عدم قصد الجزئيّة، ويَستظهر ذلك مع عدم قصد الجزئيّة من كلّ مَن عبّر عنها أنّها من أحكام الإيمان لا من أجزاء الأذان، كما تقدّم حيث إنّه دالّ على رجحانها في نفسها تلو الشهادتين، إذ المجموع يتمّ به الإيمان، فمقتضى تلك العبائر استحباب الإتيان بها لا بقصد الجزئيّة، كما في الصلوات على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد الشهادة الثانية.

السادس: أنّ منشأ الإعراض الحاصل من أكثر القدماء عن الفتوى بها، هو العمل بصحيحة زرارة، وأبي بكر الحضرمي، وكليب الاسدي، المشار إليها في كلام الصدوق (قدِّس سرّه)، حيث لم يذكر فيها ذلك بل الحصر في عدد مخصوص، مع أنّ روايات فصول الأذان والإقامة مختلفة جدّاً وبكثرة في عدد الفصول، بل حتّى الصحيح المزبور قد جُعل فيه عدد فصولهما متّحد، فلا يصلح الصحيح ليكون منشأ للإعراض وإن كان متيناً بالإضافة إلى غيره، ولعلّه بلحاظ الفصول الواجبة في الصحّة لا المستحبّة.

السابع: أنّه من المطمئنّ به أو المقطوع كما تقدّم، أنّ تلك الروايات مرويّة في أصول أصحابنا، وإلاّ لمّا تعرّض له الصدوق، لعدم وضع كتاب مَن لا يحضره الفقيه للمقابلة مع روايات وكتب الفِرق المنحرفة الغالية المفوّضة،

٣١٤

ولا ذلك دأبه، وإلاّ لمَا اقتصر على ذلك الموضع، بل لشوهدَ منه في أبواب أخر.

الثامن: أنّه لو سلِّم الطعن بكذب الراوي، فهو لا يمنع من احتمال الصدق الموجِب لاحتمال المطلوبيّة، كما ذَكر ذلك غير واحد من الأساطين.

٣١٥

الفصلُ الثالث

في إثبات شعاريّة الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة

وفيه جهتان:

الأولى: شعاريّة الشهادة الثالثة

الثانية: أقوال نادرة في حكمها

٣١٦

٣١٧

الجهةُ الأولى

شعاريّة الشهادة الثالثة للإيمان في الأذان والإقامة، وبيان كبرى قاعدة الشعائر وصغراها في المقام

الأقوالُ في الشعاريّة

قد ذهبَ إلى شعاريّة الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة أكثر المتأخّرين ومتأخّريهم، وهو كونها من شعائر الإيمان، وهو ما أشار إليه كثير من الأصحاب في عبائرهم بأنّها من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان، حيث صرّحوا بعدم الحرج في إتيانها لا بقصد الجزئيّة كالشهيد الأوّل (1) في الدروس، والثاني في الروضة (2) ، وصاحب الرياض (3) ، ولذلك حملَ المجلسي الأوّل في الروضة العبارة المزبورة منهم على رجحان ذكرها من دون قصد الجزئيّة.

أذانُ الإعلام (الشعيرة الإلهيّة) واجب كفائي

وقال الشيخ البهائي في الحبل المتين (في تفسير قوله (عليه السلام): (ولكنّها معصية - أي ترك نوافل الظهر -) والضمير يعود إلى ما دلّ عليه الكلام السابق،

____________________

(1) الدروس: ج1، ص162 طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي.

(2) الروضة البهيّة: في بحث الأذان.

(3) رياض المسائل: ج1، ص 151.

٣١٨

أي أنّ هذه الخصلة معصية، ولعلّ إطلاق المعصية عليها للمبالغة وتغليظ الكراهة، أو أنّ ترك النوافل بالمرّة معصية حقيقة لمَا فيه من التهاون، كما قال الأصحاب من أنّه لو أصرّ أهل البلد على ترك الأذان قوتلوا، وكذا لو أصرّ الحجّاج على ترك زيارة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وما في آخر الحديث التاسع من قوله: (ولكن يُعذَّب على ترك السُنّة) محمول على هذا) (1).

وقال العلاّمة في منتهى المطلب: (ذهبَ بعض أصحاب الشافعي إلى وجوب الأذان والإقامة كفاية، وذهب مالك إلى وجوبه في مساجد الجماعة التي يُجمع فيها للصلاة، وذهب أحمد بن حنبل إلى وجوب الأذان على أهل المصر، واستدلّوا ببعض الروايات (2) بأنّه من شعائر الإسلام فأشبهَ الجهاد، وناقَشهُ العلاّمة بالفرق بين الأصل وهو الإسلام وبين الفرع وهو الأذان: بأنّ الأصل وضِعَ للدخول في الدين وهو من أهم الواجبات، فكان الطريق إليه واجباً، والأذان وضِعَ للدخول في الجماعة وهي غير واجبة، فالأَولَى بالوسيلة أن لا تكون واجبة) (3) .

وقال في التذكرة (مسألة: لا يجوز الاستيجار على الأذان وشبهه من شعائر الإسلام غير المفروضة... إلى أن قال: وللشافعيّة في الأجر على الشعائر غير المفروضة في الأذان تفريعاً على الأصحّ عندهم ثلاثة أوجه،

____________________

(1) الحبل المتين للشيخ البهائي: ص133- 134 الطبعة القديمة (بصيرتي).

(2) مصادر أهل سنّة الجماعة والخلافة (المغني: ج1، ص 461، المجموع: ج3، ص 81 المدوّنة الكبرى: ج1، ص 61، بداية المجتهد: ج1، ص 107، عمدة القارئ: ج5، ص 104، نيل الأوطار: ج2، ص 10).

(3) منتهى المطلب: ج4، ص 411 طبعة جماعة المدرّسين.

٣١٩

فإن جوّزوه فثلاثة أوجه في أنّ المؤذّن يأخذ الأجرة: أحدهما أنّه يأخذ على رعاية المواقيت، والثاني على رفع الصوت، والثالث على الحيّعلتين فإنّهما ليستا من الأذان، والأصحّ عندهم وجه رابع أنّه يأخذ على الأذان بجميع صفاته، ولا يبعد استحقاق الأجرة على ذكر الله، كما لا يبعد استحقاقها على تعليم القرآن إن اشتمل على تعلّم القرآن) (1).

أقول: ويستفاد من كلام العلاّمة وأقوال المذاهب الأخرى، أنّ الأذان تنطبق عليه عدّة طبايع مندوبة، فمضافاً إلى خصوصيّة الأذان تنطبق عليه أيضاً الطبيعة العامّة لشعائر الإسلام، فيندرج في قاعدة تعظيم الشعائر كما تنطبق عليه طبيعة ذِكر الله المندوب، ولعلّه باللحاظ الثالث تخرج الحيّعلات عن بقيّة الفصول، إذ ليس هي بذكر.

ومن ثُمّ لم يسوِّغ الشيخ الطوسي في المبسوط حكايتهنّ عند سماع الأذان لمَن كان في أثناء الصلاة، وقال: إنّهنّ من كلام الآدمي وإن كنّ مستحبّات من حيثيّة أذان الإعلام، وبالتالي فطبيعة الأذان قد اجتمعَ فيها عدّة طبايع شرعيّة، ولكلّ منها حكم يستحبّ عليها دون الطبيعة الأخرى، كما هو واضح من أمثلة الأحكام الآنفة، ومن ثُمّ يتبيّن تعدّد وجه مشروعيّة الشهادة الثالثة في الأذان تصل إلى ثلاثة وجوه أو أكثر، ومن تلك الوجوه جهة الشعيرة والشعائر الإيمانيّة.

وقال السيّد المرتضى في رسائله (المسألة الثالثة عشر: [ وجوب (حيّ على خير العمل) في الأذان ].

استعمال (حيّ على خير العمل) في الأذان، وأنّ تركهُ كترك شيء من ألفاظ الأذان.

____________________

(1) التذكرة: فصل الأذان والإقامة.

٣٢٠