المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 14280%

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428 مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 73

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الصفحات: 73
المشاهدات: 14008
تحميل: 4043


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 73 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14008 / تحميل: 4043
الحجم الحجم الحجم
المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

سلسلة المجالس الحسينية

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء

1428هـ

١

٢

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

ألحمدُ للَّهِ الَّذي مَنَّ علينا بنِعمةِ الموالاةِ لنبيِّهِ وآلِ نبيِّهِ صَلَواتُ اللهِ عليهِمْ، فجعَلَهَمُ الشُموسَ الطالعةَ، والأقمارَ المُنيرةَ، والأنجُمَ الزاهرةَ، وأعلامَ الدِّينِ، وقواعِدَ العلمِ، صالِحاً بعدَ صالحٍ، وصادِقاً بعدَ صادِقٍ، وسبيلاً بعدَ سبيل.

والحمدُ للَّهِ الذي مَنَّ علينا مِنْ بينِهِمْ بسفينةِ النَّجاةِ، ومِصباحِ الهُدى، الإمامِ الحسينِ بْنِ علي عليهما السلام الذي أُمِرْنا بإحياءِ ذِكْرِهِ وإقامةِ أمرِهِ، تعظيماً لحقِّه.

وبعدْ.

سبَقَ للمعهدِ في السنواتِ الماضية أن أصدر نُسخاً مختلفه من المقَاتِلِ الحسينيَّةِ «المصيبةُ الراتبةُ في مَقْتَلِ سيِّدِ الشهداء عليه السلام». ونتيجةَ الملاحظاتِ الواردةِ منَ العلماءِ والخطباء الحسينيين حولَ مادَّةِ المقتل سنوياً، أخذ المعهد على عاتقه مهمة إعادة صياغة المقتل مجدداً، بعد تجميع مختلف الملاحظات، وتحت إشراف أهل الاختصاص.

وقد حرص المعهد، في عملية الإعداد الجديدة، على تحرّي الدقة في النقل، والاعتماد على مصادرَ معتبرة من المقاتل القديمة(1) .

هذا إضافةً إلى تجنّب ذكر بعض العبارات والمعلومات المثيرة للجدل، أو التي لم يصل التحقيقُ التاريخيُّ إلى نتيجة نهائية حولها.

وقد تم ذلك كلُّه في ظل الحرص على السياق التاريخي والترابط بين الوقائع، والمحافظة على المؤثرية والجو العاطفي التفاعلي مع وقائع اليوم العاشر. إضافة إلى ما مر، ورد ذكر المصادر وهوامش المعلومات المقتطعة من المقاتل والتواريخ في أسفل كل صفحة، ليسهل الرجوع إليها عند الحاجة، ولتوثيق المعلومات المدرجة.

٣

وقد تميزت هذه الطبعة - إضافة إلى ما مر - بالتصحيحات اللغوية والنحوية، وإضافة الحركات بشكل يتناسب مع الإلقاء المنبري، من اقتضاء التسكين عند الوقف وغيره من أمور، تسهيلاً لمهمة الخطباء وأهل المنبر العاشورائي.

ختاماً، لا يمكننا القول: إن ما أنجز كان تاماً على المستوى التحقيقي، بل نحتاج دائماً إلى إعادة النظر، وهذا يلزمنا جميعاً بالمشاركة في عملية التقييم وتقديم المقترحات الهادفة والبنّاءة، التي يمكن أن تسهم بإعادة صياغة المقتل الحسيني على قواعد وأسس علمية وتاريخية أكثر دقة وشمولية. لذا يرحب المعهد بكل ملاحظة أو إشارة أو نصيحة تقدم على هذا الطريق، فينتج عنها عمل ينشد الكمال ولا يصل إليه في أي حال.

والله من وراء القصد.

جمعية المعارف الاسلامية الثقافية

٤

٥

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء عليه السلام

مقدمة المجلس

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للَّهِ ربِّ العالمينَ، وأفضَلُ الصلاةِ والسلامِ على نبيِّ الرحمةِ والهدى محمَّدٍ المصطفى وآلِهِ المعصومين، أعلامِ الدينِ وقواعدِ العلمِ، الذينَ قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ فيهِمْ:

( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2) .

وجعلَ أجرَ نبيِّهِ محمدٍ صلواتُهُ عليهِ وعليهمْ مودَّتَهُمْ في كتابِهِ، فقال:

( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (3) .

وقال محذّراً من انقلابِ أمّتِهِ عليهِ وعليهم:

( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (4) .

والحمدُ للَّهِ الذي مَنَّ علينا من بينِهِمْ بسفينةِ النجاة، ومِصباحِ

____________________

1- تاريخ الطبري، الإرشاد، مقتل الخوارزمي، مناقب ابن شهر آشوب، اللهوف، أنساب الأشراف، الكامل في التاريخ، تاريخ اليعقوبي، مثير الأحزان، تسلية المجالس، وغيرها.

2- الأحزاب: 33.

3- الشورى: 23.

4- آل عمران: 114.

٦

الهدى، الإمامِ الحسينِ بْنِ عليٍّ عليهُما السلام الذي أجمعَ المسلمون على أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلم، قالَ فيه:

«حسينٌ مني وأنا من حسين».

«حسينٌ سِبْطٌ من الأسباط».

«أحبَّ الله من أحبَّ حسينا».

أعظمَ اللهُ أجورَنا بمُصابِنا بالحسينِ عليهِ السلام، وجعَلَنا وإيَّاكُمْ من الطالبيَن بثارِهِ معَ الإمامِ المهديِّ من آلِ محمَّدٍ(1) صلواتُ اللهِ عليهِ وعليهِمْ.

أعظمَ اللهُ لكُمُ الأجرَ سادتي يا رسولَ اللهِ، ويا أميرَ المؤمنينَ، ويا أبا محمَّدٍ الحسنَ المُجتبى وأهلَ البيتِ جميعاً، وأعظمَ اللهُ لكَ الأجرَ سيِّدي با بقيَّةَ اللهِ في الأرضِينَ صاحبَ العصرِ والزمانِ، بمُصابِ المولى أبي عبدِ اللهِ الحسينِ صلواتُ اللهِ عليهْ.

____________________

1- عن الإمام الباقر عليه السلام، وليلاحظ أن المصادر الواردة هنا، مطابقة لنسخة برنامج المعجم الفقهي، الإصدار الثالث.

٧

من قصيدةٍ لابن حماد عليه الرحمة:

ويـكِ يا عينُ سِحِّي دمعاً سَكوبا

وَيـكَ يـا قـلبُ كُن حزيناً كئيبا

إنّ يـومَ الطُفوفِ لم يُبقِ لي مِنْ

لَـذَّةِ الـعيشِ والـرُقادِ نَـصيبا

يومَ سارت إلى الحسينِ بنو حربٍ

بـجـيشٍ فـنـازَلُوهُ الـحروبا

وحَـمَوْهُ عَـنِ الـفُراتِ فَمَا ذَاقَ

سِـوى الـمَوتِ دُونَـهُ مَشروبا

في رجالٍ باعوا النفوس إلى اللهِ

فـنـالوا بـبـيعها الـمَـرغوبا

لـستُ أنـساهُ حينَ أَيقنَ بالـمَوتِ

دَعَـاهُـمْ فـقامَ فـيهِمْ خَـطيبا

ثــمَّ قـالَ الـحقوا بـأهليكُمُ إذْ

لـيسَ غـيري أنـا لهُمْ مَطلوبا

فـأجابوهُ مـا وَفَـيْناك إنْ نحنُ

تـركـناكَ بـالـطفوفِ غَـريبا

٨

فـبكى ثم قالَ جُوزِيتُمُ الخيرَ

فـما كـانَ سَـعْيُكُم أن يخيبا

وغَـدا للقتالِ في يومِ عَاشورا

فـابتدا طَـعناً وضَرباً مُصيبا

فَكأنّي بصحبِهِ حولَهُ صرْعَى

لـدى كـربلا شـباباً وشيبا

فـكَـأني أراهُ فَـرداً وَحـيداً

ظـامياً بـينَهُمْ يُلاقي الكُروبا

وكـأني أراهُ إذْ خـرَّ مطعوناً

عـلى حُـرِّ وجـهِهِ مَـكبُوبا

وكـأني بمُهْرهِ قاصدَ الفُسطا

طِ يُـبدي تَـحَمْحُماً ونـحيبا

وبـرَزْنَ الـنِساءُ حـتى إذا

أبصَرنَ ظَهرَ الجوادِ مِنهُ سَليبا

صِحْنَ بالويلِ والعَويلِ ويندُبن

حَـيارى قـد شَـققْنَ الجُيوبا

وسـبَّلْنَ الـدُموعَ لـمّا تأمَّلْن

حُـسيناً مِـنَ الـثِيابِ سَليبا

فـكـأنّي بـزينبَ إذْ رأتْـهُ

عَـارياً دامـيَ الجَبينِ تَريبا

٩

أقـبَلَتْ نـحوْ أُخـتِها ثُمَّ قالتْ

ودِّعـيهِ وَدَاعَ مَـنْ لَـنْ يَؤوبا

أُختُ يا أُختُ كيفَ صبرُكِ عَنهُ

وهـوَ كـانَ المؤَمَّلَ المـَحبوبا

ثُـمَّ خـرّتْ عـليهِ تَلثُمُ خَدَّيه

وقـد صَـارَ دمـعُها مَسكوبا

وتُناديهِ يا أخي لو رأت عينَاكَ

حـالي رأيـتَ أَمـراً عـجيبا

يـا هِـلالاً لـمّا اسـتَتَمَّ كمالاً

غـالَهُ خـسفُهُ فـأبدى غُروبَا

مـا تـوَهَّمْتُ يَا شَقيقَ فُؤادي

كــانَ هَـذا مُـقدّراً مَـكتوبا

١٠

١١

يوم عاشوراء

لمّا أصبحَ الحسينُ عليهِ السلام يومَ عاشوراءَ وصلَّى بأصحابهِ صلاةَ الصُبحِ، قامَ خطيباً فيهِمْ، فحَمِدَ اللهَ وأَثْنى عليهِ، ثُمَّ قالْ:

«إنَّ اللهَ تعالى قد أذِنَ في قتلِكُمْ وقتلي في هذا اليوم، فعليكُمْ بالصبَّرِ والقتالْ».

ثُمَّ صفَّهُمْ للحرب وكانوا ـ على روايةٍ ـ اثنينِ وثلاثينَ فارساً وأربعين راجلاً.

فجعلَ زهيرَ بنَ القَيْنِ في الميمنةْ، وحبيبَ بنَ مُظاهِرٍ في الميسرةْ، وَثَبتَ هوَ عليهِ السلام في القلبْ، وأعطَى رايتَهُ العُظمى أخاهُ العباسَ عليهِ السلام، وجعَلُوا البيوتَ في ظُهورِهِمْ، وأمرَ الحسينُ عليهِ السلام بحطَبٍ وقصَبٍ أنْ يُجْعَلَ في خندَقٍ كانوا حَفَروهْ، وأنْ تُضْرَمَ بهِ النارُ فلا يأتيهِمُ العدوُّ من ورائِهِمْ(1) .

وعبَّأَ عمرُ بنُ سعدٍ أصحابَهُ، وكانوا على بعضِ الرِواياتِ ثلاثينَ ألفاً، فجعَلَ عمرَو بنَ الحَجّاجِ في المَيْمَنةِ، وشِمْرَ بنَ ذي الجوشَنِ في الميسَرةْ، وعلى الخَيْلِ عَزْرَةَ بنَ قيسْ، وعلى الرَجَّالةِ شَبَثَ بنَ رِبعيّ، وأعطَى رايتَهُ ذُويداً مولاه(2) .

____________________

1- الطبري، ج3، ص317، بتفاوت يسير.

2- المصدر نفسه.

8- الإرشاد، ج2، ص96، الطبري، ج3، ص317.

9- الطبري، ج3، ص318، الإرشاد، ج2، ص96، أنساب الأشراف، ج3، ص396.

10- الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص97 ـ 99.

11- الطبري، ج3، ص318.

12- الطبري، ج3، ص320، الكامل في التاريخ، ج3، ص288، اليعقوبي، ج2، ص177.

١٢

ولمّا نظرَ الحسينُ عليهِ السلام إلى جمعِهِمْ كأنَّهُمُ السيلُ المنحَدِرُ، رفَعَ يديهِ بالدعاءِ قائلاً:

«أللَّهُمَ أنتَ ثِقتي في كلِّ كَرْبْ، ورَجائي في كلِّ شدَّةْ، وأنتَ لي في كلِّ أمرٍ نزَلَ بي ثِقةٌ وعُدَّةْ، كمْ منْ همٍّ يَضْعُفُ فيهِ الفؤادُ، وتقِلُّ فيهِ الحِيلةُ، ويَخْذُلُ فيهِ الصديقْ، ويَشْمَتُ فيهِ العدُوْ، أنزلْتُهُ بكَ، وشكَوْتُهُ إليكْ، رَغْبةً مِنّي إليكَ عمَّنْ سِواكْ، ففرَّجْتَهُ وكشفتَهْ، فأنتَ وَلِيُّ كلِّ نِعمةْ، وصاحبُ كلِّ حسنةْ، ومنتهَى كلِّ رغبةْ»(1) .

وأقْبلَ القومُ يَجُولُونَ حولَ مُعَسْكرِ الحسينِ عليهِ السلام وينظُرونَ إلى النّارِ تضطرِمُ في الخندَقْ، فنادى شمرُ بنُ ذي الجَوشنِ بأعلى صوتِهْ: يا حسينْ، تعجَّلْتَ بالنارِ في الدنيا قبلَ يومِ القِيامةْ.

فرفعَ الحسينُ عليهِ السلام رأسَهُ قائلاً:

«مَنْ هذا؟ كأنّه شِمرُ بنُ ذي الجَوْشَنْ؟».

فقالوا: نعم.

فقالَ عليهِ السلام:

«.. أنتَ أَوْلى بها صَلِيّاً».

فقالَ لهُ مسلمُ بنُ عَوْسَجةْ: يا ابنَ رسولِ اللهْ، جُعِلْتُ فِداكْ، وقالَ له: ألا أرميه بسهم؟، فمنعه الحسين عليهِ السلام: «لا تَرْمِهِ، فإنّي أكرَهُ أنْ

____________________

1- الإرشاد، ج2، ص96، الطبري، ج3، ص317.

9- الطبري، ج3، ص318، الإرشاد، ج2، ص96، أنساب الأشراف، ج3، ص396.

10- الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص97 ـ 99.

11- الطبري، ج3، ص318.

12- الطبري، ج3، ص320، الكامل في التاريخ، ج3، ص288، اليعقوبي، ج2، ص177.

١٣

أبدأَهُمْ بقِتالْ».

وجاءَ رجلٌ منْ بَني تميمٍ يُقالُ لهُ عبدُ اللهِ بنَ حَوْزةْ، حتَّى وقَفَ حِيالَ الحسينِ عليهِ السلام، فقالَ لهْ: أبشِرْ يا حسينُ بالنار!

فقال عليهِ السلام:

«بل أُقدِمُ على ربٍّ رحيمٍ وشفيعٍ مُطاعْ».

ثُمَّ قالَ: مَنْ هذا؟

قالوا: إبِنُ حوزةْ.

قالَ عليهِ السلام:

«حازَهُ اللهُ إلى النارْ».

فاضطربَتْ فرَسُهُ في جَدْوَلٍ، فعلقَتْ رِجْلُهُ بالرِّكابِ، ووقَعَ رأسُهُ في الأرْضِ، ونفَرتْ بهِ الفرَسْ(1) ، وعجَّلَ اللهُ بروحِهِ إلى النارْ.

____________________

1- الطبري، ج3، ص318، الإرشاد، ج2، ص96، أنساب الأشراف، ج3، ص396.

10- الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص97 ـ 99.

11- الطبري، ج3، ص318.

12- الطبري، ج3، ص320، الكامل في التاريخ، ج3، ص288، اليعقوبي، ج2، ص177.

١٤

١٥

خطبة الحسين عليهِ السلام الأولى

ثّم دعا الحسينُ عليهِ السلام براحلتِهِ فركِبَها، وتقدَّمَ نحوَ القومِ ونادى بأعلى صوتٍ يُسمِعُ جلَّهم:

«أيُّها الناسْ، إسمعوا قولي ولا تعجَلُوا حتى أعِظَكُمْ بما يحِقُّ لكُمْ عليّ، وحتّى أُعْذَرَ إليكُمْ، فإنْ أعطيتُموني النَّصفَ كنتُمْ بذلكَ أسعدْ، وإنْ لم تُعطوني النَّصفَ من أنفسِكُمْ فأجمعِوا رأْيَكُمْ ثمّ لا يكُنْ أمرُكُمْ عليكُمْ غُمّةً. ثُمَّ اقضُوا إليَّ ولا تُنْظِرونْ، إنَّ وليِّيَ اللهُ الذي نزَّلَ الكتابَ وهو يتولَّى الصالحين».

ثم حمِدَ اللهَ وأثنى عليه وذكَرَهُ بما هو أهلُهُ وصلَّى على النبيِّ وآلهِ وعلى الملائكةِ والأنبياء عليهِم السلام.

ثم قال عليهِ السلام:

«أيها الناسْ: فانسِبوُني فانظُروا مَنْ أنا؟ ثُّمَ ارْجِعوا إلى أنفسِكُمْ وعاتِبوها، فانظُروا هلْ يصلُحُ لكُمْ قتلي وانتهاكُ حرمتي؟! ألستُ ابنَ بنتِ نبيِّكُمْ، وابنَ وصيِّهِ وابنِ عمِّهِ وأوَّلِ المؤمنِينَ المصدِّقِ لرسولِ اللهِ بما جاءَ بهِ من عندِ ربِّهْ؟ أوليسَ حمزةُ سيّدُ الشهداءِ عمّي؟ أوليسَ جعفرٌ الطيّارُ في الجنَّةِ بجناحَيْنِ عمّي؟ أولَمْ يبلُغْكُمْ ما قالَ رسولُ اللهِ لي ولأخي: هذانِ سيِّدا شبابِ أهلِ الجنَّةْ؟

١٦

فإن صدَّقتموني بما أقولُ وهوَ الحَقُّ، فواللهِ ما تعمَّدْتُ كَذِباً منذُ علمْتُ أنَّ اللهَ يمقُتُ عليْهِ أهلَهْ، وإنْ كذَّبتُمُوني فإنَّ فيكُمْ منْ إنْ سأَلتُموهُ عن ذلكَ أخبرَكُمْ. سلُوا جابرَ بنَ عبدِ اللهِ الأنصاريْ، وأبا سعيدٍ الخِدْريّ، وسهلَ بنَ سعدٍ الساعدي، وزيدَ بنَ أرقَمْ، وأَنَسَ بنَ مالكْ، يُخْبِرُوكُمْ أنّهم سمعُوا هذهِ المقالةَ من رسولِ اللهِ الي ولأخي، أما في هذا حاجزٌ لكُمْ عن سفكِ دمي؟!».

فقالَ لهُ شمرُ بنُ ذي الجوشن: أنا أعبُدُ اللهَ على حرفٍ إن كنت أدري ما تقول!

فقالَ لهُ حبيبُ بنُ مُظاهِرْ:

«واللهِ، إنّي لأَراكَ تعبُدُ اللهَ على سبعينَ حرْفاً! وأنا أشهَدُ أنَّكَ صادقٌ، ما تدري ما يقولْ، قد طبَعَ اللهُ على قلبِكْ».

ثمّ قال لهم الحسين عليهِ السلام:

«فإن كنتم في شكٍّ من هذا! أفتشُكُّونَ أنّي ابنُ بنتِ نبيِّكم! فواللهِ ما بينَ المشرقِ والمغربِ ابنُ بنتِ نبيٍّ غيري فيكُمْ ولا في غيرِكُمْ. ويحَكُمْ! أتطلبونني بقتيلٍ منكم قتلتُهْ! أو مالٍ لكمُ استهلكتُهُ! أو بقِصاصِ جراحة!؟».

فأخذوا لا يكلِّمونه. فنادى عليهِ السلام:

«يا شَبَثَ بن ربعي، يا حجّارَ بنَ أبجَرْ، يا قيسَ بنَ الأشعث، يا يزيدَ بنَ الحارث، ألم تكتُبوا إليَّ أنْ قد أينعَتِ الثِّمارُ واخْضَرَّ

١٧

الجَنابْ، وإنّما تُقْدِمُ على جندٍ لك مُجنَّدة؟!».

فقال له قيسُ بنُ الأشعث: ما ندري ما تقول! ولكن إِنَزِلْ على حُكْمِ بني عمِّك، فإنّهم لا يُرونَكَ إلا ما تحب!(1) .

فقال له الحسينُ عليهِ السلام:

«أنت أخو أخيك، أتريدُ أن يطلبَكَ بنو هاشمٍ بأكثرَ من دمِ مسلمِ بنِ عقيلْ، لا واللهِ، لا أُعطيهِمْ بيدي إعطاءَ الذليلِ ولا أُقِرُّ إقرارَ العبيد. عبادَ اللهِ، إنيّ عُذْتُ بربّي وربِّكُمْ أنْ ترجُمونْ، أعوذُ بربِّي وربِّكُمْ من كلِّ متكبِّرٍ لا يؤمنُ بيومِ الحساب».

ثُمَّ إنَّهُ أناخَ راحلتَهُ وأمرَ عُقبةَ بنَ سَمعانَ فعَقلَها، وأقبلوا يزحفونَ نحوَه(2) .

____________________

1- الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص97 ـ 99.

2- الطبري، ج3، ص318.

12- الطبري، ج3، ص320، الكامل في التاريخ، ج3، ص288، اليعقوبي، ج2، ص177.

١٨

١٩

خطبة زهير بن القين(1)

ثم أقبل بعض أصحاب الحسين عليه السلام وخطبوا في القوم ومنهم زهير بن القين فسبوه واثنوا على عبيد الله بن زياد ورماه شمر بسهم فقال له أبو

قالَ الراوي: فخرَجَ إلينا زهيرُ بنُ القَيْنِ على فرَسٍ له ذُنوبْ، شاكٍ في السلاحِ فقالْ:

«يا أهلَ الكوفةِ، نَذارِ لكُمْ من عذابِ اللهِ نَذارِ، إنَّ حقاً على المسلمِ نصيحةُ أخيهِ المسلِمْ، ونحنُ حتَّى الآنَ إخوةٌ وعلى دينٍ واحدٍ وملَّةٍ واحدةٍ ما لمْ يقَعْ بينَنا وبينَكُمُ السيفُ، وأنتُمْ للنصيحةِ مِنَّا أهلْ، فإذا وقعَ السيفُ انقطعَتِ العِصمةُ وكنَّا أمّةً وأنتُمْ أمّةْ. إنَّ اللهَ قدِ ابتلانا وإيَّاكُمْ بذُريَّةِ نبيِّهِ محمّدٍ لينظُرَ ما نحنُ وأنتُمْ عاملونْ، إنَّا ندْعُوكُمْ إلى نصرِهِمْ وخِذْلانِ الطاغيةِ عُبَيدِ اللهِ بْنِ زيادْ، فإنَّكُمْ لا تُدْرِكُونَ مِنْهما إلاَّ سُوءَ عُمْرِ سُلطانِهما كلِّهْ، لَيُسَمِّلانِ أعينَكُمْ، ويُقطِّعانِ أيديَكُمْ وأرجُلَكُمْ، ويُمثِّلانِ بكُمْ، ويَرْفَعانِكُمْ على جُذوعِ النَّخْلِ، ويقْتُلانِ أماثِلَكُمْ وقُرَّاءَكُمْ أمثالَ حُجْرٍ بنِ عَدِيٍّ وأصحابِهِ وهانِئ بنِ عُرْوةَ وأشباهِهْ».

فَسبُّوهُ، وأثْنَوْا على عُبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ ودعَوْا لهُ، وقالُوا: واللهِ، لا نَبْرَحُ حتَّى نقتلَ صاحبَكَ ومَنْ معَهُ أوْ نَبْعَثَ بهِ وبأصحابِهِ إلى الأميرِ عُبيدِ اللهِ سِلْماً.

فقالَ لهُمْ زهيرْ:

«عِبادَ اللهِ إنَّ وُلْدَ فاطمةَ رضوانُ اللهِ علَيْها أحقُّ بالوُدِّ والنَّصْرِ

____________________

1- الطبري، ج3، ص320، الكامل في التاريخ، ج3، ص288، اليعقوبي، ج2، ص177.

٢٠