المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 14280%

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428 مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 73

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الصفحات: 73
المشاهدات: 14156
تحميل: 4096


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 73 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14156 / تحميل: 4096
الحجم الحجم الحجم
المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ثُمَّ التفتَ إلى الحسينِ عليهِ السلام، فقالَ لهْ:

«أَوفَّيْتُ يا ابنَ رسولِ اللهْ؟».

فقالَ الإمامُ عليهِ السلام:

«نعمْ، أنتَ أمامي في الجنَّة».

ثُمَّ قَضى نحبَهُ رِضوانُ اللهِ عليهِ، فوُجِدَ بهِ ثلاثَةَ عشَرَ سَهْماً سوَى ما بهِ منْ ضَرْبِ السيوفِ وطَعْنِ الرِماحْ(1) .

____________________

1- السيد، اللهوف، ص66.

٤١

٤٢

الحملة الثانية

ثمَّ قالَ عليهِ السلام لبقيَّةِ أصحابِهْ:

«يا كِرامْ، هذهِ الجنَّةُ فُتحَتْ أبوابُها واتَّصلَتْ أنهارُها وأينعَتْ ثِمارُها، وهذا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم والشهداءُ الذينَ قُتلِوا في سبيلِ اللهِ يتوقَّعُونَ قدومَكُمْ، ويتباشَرُونَ بكُمْ، فحامُوا عن دينِ اللهِ ودينِ نبيِّهِ، وذُبُّوا عن حُرَمِ رسولِ الله».

وجعلَ أصحابُ الحسينِ عليهِ السلام يسارِعونَ إلى القِتالِ بينَ يديهِ(1) ، وكانوا كما قِيلَ فيهِمْ:

قومٌ إذا نُودُوا لدفع مُلِمَّةٍ والخيلُ بينَ مُدعَّسٍ ومُكَرْدَسِ(2)

لبِسُوا القلوبَ على الدروعِ كأنَّهُمْ يتهافتُونَ إلى ذَهابِ الأنفُسِ(3)

وكانَ كلُّ مَنْ أرادَ القِتالَ يأتي إلى الحسينِ عليهِ السلام يودِّعُهُ، ويقولْ:

«السلامُ عليكَ با ابنَ رسولِ اللهْ».

فيجيبُهُ الحسينُ عليهِ السلام:

____________________

1- مقتل المقرم، ص245، نقلاً عن أسرار الشهادة.

2- مدعس: مضغوط، ضُيِّق عليه الخناق، ومكردس: يلوذ بغيره محتمياً من الخطر.

3- اللهوف، 66 ـ 67.

٤٣

«وعليكَ السلامُ، ونحنُ خلفَكْ، ويقرأْ:( فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ) »(1) .

أَفْدِي قرابينَ الإلهِ مجزَّرينَ كالأضاحي على الفُراتِ

خيرُ الهدايةِ أنْ يكونَ الهَدْيُ مِنَ الهُداةِ

من بعدِ ما قَضَوُا الصلاةَ قضَوْا فِداءً للصلاةِ(2)

واستأذنَ الصحابيُّ الجليلُ أَنَسُ بنُ الحارِثِ الكاهليُّ الإمامَ الحسينَ عليهِ السلام بالمبارَزةِ فأذِنَ لهُ، فنزَلَ إلى الميدانِ شادّاً وسَطَهُ بالعِمامةِ، رافعاً حاجبَيْهِ بالعِصَابةِ لِكِبَرِ سِنِّه، فلمّا رآهُ الحسينُ عليهِ السلام بهذهِ الهيئةِ، بكى، وقالَ لهْ:

«شكَرَ اللهُ لكَ يا شيخْ».

وكانَ هذا الصحابيُّ ممَّنْ سمعَ حديثَ رسولِ اللهِِ صلى الله عليهِ وآلهِ وسلم، عن شهادةِ الحسينِ عليهِ السلام، والحثِّ على نصرتِهْ، وقد قاتَلَ رضوانُ اللهِ عليهِ قتالَ الأبطالِ حتَّى نالَ الفوزَ بالشهادة(3) .

ثُمَّ تقدَّمَ زهيرُ بنُ القَيْنِ ـ وكانَ سبَبُ التحاقِهِ بالحسينِ عليهِ السلام، ما سمِعَهُ منَ الصحابيِّ الجليلِ سلمانَ الفارسيِّ(4) عن كربلاءْ ـ واستأذنَ بالقِتالِ، ووضَعَ يدَهُ على مَنْكِبِ الحسينِ عليهِ السلام وهوَ يقولْ:

____________________

1- مقتل الخوارزمي.

2- للشيخ محمد طاهر آل راضي، مقتل المقرم، ص266.

3- مناقب ابن شهر آشوب، ج4، ص102.

4- وقيل: سمع زهير ذلك من سلمان بن ربيعة الباهلي، والأول أرجح.

٤٤

أقدِمْ فُدِيتَ هادياً مَهْديَّاً

فاليومَ تَلْقَى جدَّكَ النبيّا

وحَسَناً والمرُتضَى عليَّا

وذا الجناحيْنِ الفتى الكَمِيّا

وأسَدَ اللهِ الشهيدَ الحيّا(1)

ثُمَّ برَزَ وهوَ يرتجِزُ ويقولْ:

أنا زهيرٌ وأنا ابْنُ القَيْنِ

أَذُودُهُمْ بالسيفِ عنْ حسين

وانبرَى يقاتِلُ لم يُرَ مثلُهُ ولم يُسمَعْ بشِبْهِهْ، وكانَ يحمِلُ على القومُ وهوَ يقولْ:

إنَّ حسيناً أحدُ السبطَيْنِ

من عِترةِ البرِّ التقيِّ الزَّيْنِ

أضرِبُكُمْ ولا أرى من شَيْنِ

يا ليتَ نفسي قُسِمَتْ نصفَيْنِ

وقاتلَ قتالاً شديداً حتى استُشْهِدْ.

فقالَ الحسينُ عليهِ السلام:

«لا يُبْعِدَنَّكَ اللهُ يا زهيرْ، ولعَنَ اللهُ قاتلِيك!»(2) .

وكانَ بُريرُ بنُ خضيرٍ الهَمَدانيُّ منْ خواصِّ أميرِ المؤمنين عليهِ السلام، ناسِكاً، من شُيوخِ القُرّاءِ، ولهُ كتابٌ يَرْويهِ عن عليٍّ عليهِ السلام(3) ، وقدْ

____________________

1- الطبري، ج3، ص328.

2- الخوارزمي، ج2، ص24.

3- المامقامي، تنقيح المقال.

٤٥

توجَّهَ منَ الكوفةِ إلى مكَّةَ والتحقَ فيها بالحسينِ عليهِ السلام فبرَزَ إلى الميدانِ وهوَ يقولْ:

«إِقترِبوا منِّي يا قتَلَةَ المؤمنينْ، إِقترِبُوا منِّي يا قتلَةَ أولادِ البدْريّين، اقتربُوا منّي يا قتلَةَ أولادِ رسولِ ربِّ العالمينَ وذُرّيَّتِهِ الباقينْ».

فقاتلَ حتّى استُشْهِدَ رضوانُ اللهِ عليهْ(49) .

واشتدَّ القتالُ والتحمَ وكثُرَ القتلُ والجراحُ في أصحابِ أبي عبدِ اللهِ الحسينِ عليهِ السلام.

وتقدَّمَ حنظلةُ بنُ أسعدَ الشَّبامِيُّ بينَ يدَيْ الحسينِ عليهِ السلام فنادى أهلَ الكوفةْ:

«يا قومُ، إنّي أخافُ عليكُمْ مثلَ يومِ الأحزابْ، يا قومُ، إنّي أخافُ عليكُمْ يومَ التنادْ، يا قومُ، لا تقتلُوا حُسَيْناً فيُسْحِتَكُمُ اللهُ بعذابٍ وقد خابَ منِ افترَى».

ثمَّ تقدَّمَ فقاتلَ حتَّى قُتِلَ رحمه الله(50) .

وتقدَّمَ بعدَهُ شَوْذَبٌ مولى شاكرٍ فقالْ:

«السلامُ عليكَ يا أبا عبدِ اللهِ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهْ، أستودِعُكَ اللهَ وأسترْعِيكْ».

ثمَّ قاتلَ حتى قُتِلَ رحمه الله(51) .

ثُمَّ برَزَ إلى الميدانِ عابِسُ بنُ أبي شَبيبٍ الشاكريُّ فسلَّمَ على

____________________

1- تسلية المجالس، ج2، ص283، البحار، ج45، ص15.

2- الطبري، ج3، ص328 ـ 329، اللهوف، ص164.

3- الإرشاد، ج2، ص 105.

٤٦

الحسينِ عليهِ السلام وقالْ:

«يا أبا عبدِ اللهْ: واللهِ، ما أمسَى على وَجْهِ الأرضِ قريبٌ ولا بعيدٌ أعزُّ عليَّ ولا أحبُّ إليَّ منكْ، ولو قدِرْتُ على أنْ أدفعَ عنكَ الضَّيْمَ أو القتلَ بشيءٍ أعزَّ علَيَّ منْ نفسي ودمِي لَفعَلْتْ، السلامُ عليكَ يا أبا عبدِ اللهْ، أشهدُ أنّي على هَداكَ وهدى أبيكْ».

ثمَّ مضى بالسيفِ نحوَهُمْ، فقاتلَ حتّى استُشهِدْ(1) .

بـأبي مـن شَـرُوا لـقاءَ حسينٍ

بــفـراقِ الـنـفوسِ والأرواحِ

وقـفُوا يَـدْرأونَ سُـمْرَ العوالي

عـنـهُ والـنَّبْلَ وَقْـفَةَ الأشـباحِ

فَـوَقوْهُ بـيضَ الظُّبا بالنحورِ الـ

بـيضِ والـنَّبْلَ بالوجوهِ الصبِّاحِ

أدركـوا بـالحسينِ أكـبرَ عـيدٍ

فغدَوْا في مِنى الطفوفِ أضاحي(2)

____________________

1- الطبري، والمجلسي، البحار، 45 ـ 29.

2- للمقدس السيد رضا الهندي.

٤٧

مصرع علي الأكبر عليهِ السلام

ولما لمْ يبقَ معَ الحسينِ عليهِ السلام إلاَّ أهلُ بيتِهِ خاصَّةً، تقدَّمَ عليٌّ الأكبرُ بنُ الحسينِ عليهِما السلام وكانَ منْ أصْبَحِ الناسِ وَجْهاً وأحسنِهِمْ خُلُقاً فاستأذنَ أباهُ في القِتالِ فأذِنَ لَهْ، ثُمَّ نظَرَ إليهِ نظْرةَ آيِسٍ منهُ وأرخى عليهِ السلام عينَيْهِ وبكَى(1) ، محترِقاً قلبُهُ، مُظْهِراً حزنَهُ إلى اللهِ تعالَى، (ورفَعَ سبَّابتَيْهِ نحوَ السماءِ وقال)(2) :

«اللهمَّ اشهَدْ على هؤلاءِ، فقَدْ برَزَ إليهِمْ أشْبَهُ الناسِ خَلْقاً وخُلُقاً ومَنْطِقاً برسولِكَ محمَّدِا، وكنا إذا اشتقْنا إلى رؤيةِ نبيِّكَ نظَرْنا إليهْ، اللهمَّ امنعْ عنهم بركاتِ الأرضِ، وفرِّقْهُمْ تفريقاً، ومزِّقْهُمْ تمزيقاً، واجعَلْهُمْ طرائقَ قِدَداً ولا تُرْضِ الولاةَ عنْهُمْ أبداً، فإنَّهُمْ دعَوْنا لِيَنْصُرُونا فعَدَوْا علينا يُقاتِلُوننا».

وصاحَ عليهِ السلام بعُمرَ بنِ سعدْ:

«ما لكَ يا ابنَ سعدْ، قطَعَ اللهُ رحِمَكَ كما قطَعْتَ رَحِمي(3) ، ولم تحفَظْ قرابتي من رسولِ اللهْ».

ثمَّ رفَعَ الحسينُ عليهِ السلام صوتَهُ وتلا قولَهُ تعالى:

____________________

1- السيد ابن طاوس، اللهوف.

2- السيد الأمين، لواعج الأشجان، ص169، وليلاحظ أن في مقتل الخوارزمي، 2 ـ 34 (شيبته) بدل سبابتيه، وفي البحار 45 ـ 42 (سبابته).

3- السيد ابن طاوس، اللهوف.

٤٨

( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِين َذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (1) .

ثُمَّ حمَلَ عليُّ بنُ الحسينِ عليهِما السلام على القومِ، وهو يقولْ:

أنا عليُّ بْنُ الحسينِ بْنِ علي

نحنُ وبيتُ اللهِ أوْلى بالنبي

تاللهِ لا يحكُمُ فينا ابنُ الدَّعي

أطعنُكُمْ بالرُّمحِ حتى ينثني

أضرِبُكُمْ بالسيفِ أحمي عن أبي

ضرْبَ غُلامٍ هاشميٍّ علوي

فلَمْ يزَلْ يقاتلُ حتَّى ضجَّ الناسُ منْ كَثْرةِ مَنْ قتَلَ منهُمْ (...).

ثُمَّ رَجَعَ إلى أبيهِ وقدْ أصابتْهُ جراحاتٌ كثيرةٌ فقالْ:

«يا أبهْ! ألْعطشُ قد قتَلني وثِقْلُ الحديدِ أجْهَدَني، فهلْ إلى شُربةٍ ماء منْ سبيلٌ أتقوَّى بها على الأعداءْ؟».

فبكَى الحسينُ عليهِ السلام ودفَعَ إليهِ خاتَمَهُ وقالْ:

«خُذْ هذا الخاتَمَ في فيكَ وارجِعْ إلى قِتالِ عدوِّكَ، فإنّي أرجُو أنَّكَ لا تُمْسي حتَّى يَسْقِيَكَ جدُّكَ بكأسِهِ الأوفى شَرْبةً لا تظمأُ بعدَها أبداً»(2) .

فرجَعَ إلى موقِفِ النِّزالِ وقاتلَ أعظمَ القِتالِ(3) ، فاعترضَهُ مُرَّةُ بْنُ منقِذٍ فطَعَنهُ فصُرِعَ، واحتواهُ القومُ فأثخَنُوهُ طَعْنَا، فنادى بأعلى صوتِهْ:

____________________

1- مقتل الخوارزمي، 2 ـ 35.

2- الخوارزمي، وقريب منه اللهوف.

3- السيد، اللهوف، 67.

٤٩

«يا أبتاه! هذا جدِّي رسولُ اللهِ قد سقاني بكأسِهِ الأوفَى شَرْبةً لا أظمأُ بعدَها أبداً، وهوَ يقولُ لكْ: ألعَجَلَ! فإنَّ لكَ كأساً مَذْخورْة»(1) .

فصاحَ الحسينُ عليهِ السلام:

«وا ولداه...».

وأقبل عليهِ السلام إلى ولدِهِ، وكانَ في طريقِهِ يلهَجُ بذِكْرِهِ ويُكْثِرُ من قولِهْ:

«ولدي علِيّ.. ولدي علي».

حتَّى وصَلَ إليهِ، فأرخَى رِجلَيْهِ معاً منَ الرِّكابِ، ورمَى بنفسِهِ على جسَدِ ولدِهِ، وأخَذَ رأسَهُ فوضَعَهُ في حِجْرِهِ، وجعَلَ يمسَحُ الدَّمَ والترابَ عن وجهِهْ، وانكَبَّ عليهِ واضِعاً خدَّهُ على خدِّهِ، وجعَلَ يقولْ:

«قتَلَ اللهُ قوماً قتلُوكَ يا بُنَيّ! ما أجرأَهُمْ على اللهِ وعلى انتهاكِ حُرمةِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم».

وانهملَتْ عيناهُ بالدموعِ ثُمَّ قالْ:

«على الدنيا بعدَكَ العفا»(2) .

فخرجَتْ زينبُ بنتُ عليٍّ عليهِ السلام مُسْرِعةً وخلفَها النساءُ والأطفالُ، وهِيَ تُنادِي:

«وا حبيباهْ، يا ثَمَرةَ فؤاداهْ، وا ولداهْ، وا مُهْجةَ قلباهْ».

فجاءَتْ وانكبَّتْ عليهِ، فبكَى الحسينُ عليهِ السلام رَحْمةً لبكائِها، وقالَ:

«إنَّا للَّهِ وإنَّا إليهِ راجعون...».

وقامَ وأخذَ بيَدِها وردَّها إلى الفُسطاطِ، وطلَبَ إلى فتيانِهِ منْ بني

____________________

1- الإرشاد، ج2، ص106 ـ 107، الطبري، ج3، ص330، الخوارزمي، ج2، ص34 ـ 36.

2- الطبري، ج3، ص330، مقتل المقرم، ص260.

٥٠

هاشمٍ وقالَ لهُمْ:

«إِحْمِلُوا أخاكُمْ».

فحملُوهُ منْ مَصْرَعِهِ، وجاؤوا بهِ إلى الفُسطاطِ الذي يُقاتِلُونَ أمامَهْ(1) .

____________________

1- الطبري، ج4، ص339، والشيخ المفيد، الإرشاد.

٥١

٥٢

مقاتل آل عقيل عليهم السلام

ثُمَّ برَزَ أبناءُ عقيلِ بنِ أبي طالِبٍ، وأبناءُ مُسْلمٍ وأبناءُ جعفرِ بنِ عقيلٍ وجعَلُوا يقاتلونَ قتالاً شديداً والحسينُ عليهِ السلام يقولُ لهُمْ:

«صَبْراً على الموتِ يا بَنِي عمومتي، لا رأيتُمْ هواناً بعدَ هذا اليومْ».

فجعلُوا يَسْتَبْسلِونَ في الدِّفاعِ عنِ ابنِ رسولِ اللهِ حتى استُشْهِدُوا رحِمَهُمُ الله(1) .

____________________

1- إبصار العين، ص90 ـ 91.

٥٣

القاسم بن الحسن عليهِ السلام

وتقدَّمَ القاسمُ بنُ الإمامِ الحسنِ عليهِما السلام، يستأذُنِ عمَّهُ للقتالْ وكأنَّ الإمامَ الحسَنَ عليهِ السلام أبى إلاَّ أنْ يكونَ حاضراً في كربلاءَ بخمسةٍ من أولادِهِ، وهوَ القائلْ: «لا يومَ كيومِكَ يا أبا عبدِ الله» فخرَجَ القاسمُ وهُوَ يرتجُزِ ويقولْ:

إنْ تُنْكِروني فأنا فَرْعُ الحسَنْ

سِبْطِ النبيِّ المصطفى والمؤتمَن

هذا حسينٌ كالأسيرِ الـمُرْتهَنْ

بينَ أناسٍ لا سُقُوا صَوْبَ المزُنْ(1)

وفيما كانَ يجُولُ في المَيْدانِ ويصُولُ، انقطعَ شِسْعُ نعلِهِ، فانحنى ليُصْلِحَهْ.

قالَ من شهِدَ الواقعةْ: فقالَ لي عمرُو بنُ سعدٍ بنِ نفيلٍ الأزْدِيّ: واللهِ، لأَشُدَّنَّ عليهْ. فقْلُت لهُ: سبحانَ اللهِ، وما تُرِيدُ إلى ذلكْ؟ يكفيكَ قتلَهُ هؤلاءِ الذينَ تَراهُمْ قدِ احتَوَشُوهْ، فقالَ: واللهِ، لأشُدَّنَّ علَيْهْ. فما ولَّى حتَّى ضرَبَ رأسَهُ بالسيفِ، فوقَعَ الغلامُ لوجهِهِ، فصاحْ:

«يا عمَّاه!».

____________________

1- نقل هذه الأبيات ابن شهر آشوب منسوبة إلى عبد الله بن الحسن عليه السلام.

٥٤

فجَلّى الحسينُ عليهِ السلام كما يجلِّي الصقرُ، وانجلَتِ الغَبَرَةُ، فإذا بالحسينِ عليهِ السلام قائمٌ على رأسِ الغُلامِ والغلامُ يفْحَصُ برجلَيْهِ، والحسينُ عليهِ السلام يقولْ:

«بُعْداً لقومٍ قتلوكَ ومَنْ خصْمُهُمْ يومَ القيامةِ فيكَ جدُّكْ».

ثُمَّ قالَ:

«عزَّ - واللهِ - على عمِّكَ أنْ تَدْعُوَهُ فلا يُجيبَكْ، أو يُجيبَكَ ثُمَّ لا يَنْفعَكَ، صوتٌ واللهِ كثُرَ واترُهُ وقلَّ ناصرُهُ»(1) .

قالَ الراوي: ثُمَّ احتملَهُ، فكأنّي أنظُرُ إلى رِجلَيْ الغلامِ يخُطّانِ في الأرضِ وقدْ وضَعَ الحسينُ عليهِ السلام صدرَهُ على صدرِهِ، قالَ: فقلتُ في نفسي: ما يصنَعُ بهِ؟ فجاءَ بهِ حتَّى ألقاهُ معَ ابنِهِ عليِّ بنِ الحسينِ وقَتْلى قدْ قُتِلَتْ حولَهُ منْ أهلِ بيتِهِ، فسألْتُ عنِ الغُلامِ، فقِيلَ: هوَ القاسِمُ بنُ الحسَنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ عليهِم السلام(2) .

وقدْ رُوِيَ أنَّ الشهداءَ في كربلاءَ منْ أولادِ الإمامِ الحسنِ بنِ عليٍّ عليهِما السلام، ثلاثةٌ غيرُ القاسِمِ، وقد جُرِحَ منْهُمْ خامِسٌ، وقُطِعَتْ يدُهُ، وهُوَ الحسَنُ المثنَّى رِضوانُ اللهِ عليهِمْ أجمعِينْ.

ما ذنبُ أهلِ البيتِ حتَّى منْهُمُ أفنَوْا ربوعَه

تَركُوهُمُ شتَّى مَصارِعُهُمْ وأجْمعُها فظيعه(3) .

____________________

1- الإرشاد، ج2، ص80پ، تاريخ الطبري، ج3، ص331.

2- الطبري، 4 ـ 341 ـ 342.

3- السيد الحلي رحمه الله.

٥٥

مقاتل إخوة العباس عليهِ السلام

ثُمَّ إنَّ أبا الفضلِ العبَّاسَ عليهِ السلام، قالَ لإخوتِهِ منْ أبيهِ وأمِّهِ أمِّ البنينَ ـ وهُمْ عبدُ اللهِ وجعفرٌ وعُثمانُ(1) ـ سَمِيُّ الصحابيِّ الجليلِ عُثْمانَ بنِ مظعون(2) :

«تقدَّمُوا حتَّى أراكُمْ قد نصحْتُمْ للَّهِ ولرسولِهْ(3) ، تقدَّموا، بنفسي أنتُمْ، فحامُوا عن سيِّدِكُمْ حتى (تُقْتَلُوا) دونَهْ».

فتقدَّمُوا جميعاً. فصارُوا أمامَ الحسينِ عليهِ السلام، يَقُونَهُ بوُجوهِهِمْ ونُحُورِهِمْ(4) .

فكانَ أوَّلَ مَنْ برَزَ منهُمْ عبدُ اللهِ بنُ أميرِ المؤمنينْ عليهِ السلام، وقاتَلَ قِتالاً شديداً(5) ، حتّى استُشْهِدَ، ثُمَّ برَزَ بعدَهُ جعفرٌ، ثُمَّ عثمانُ (وجدُّوا في القتالِ حتَّى قُتِلوا)(6) رضِيَ اللهُ عنْهُمْ أجمعِينْ.

____________________

1- الشيخ ابن نما، مثير الأحزان، ص50.

2- السيد الخوئي، معجم رجال الحديث، 12 ـ 139، من زيارة الناحية.

3- الشيخ المفيد، الإرشاد، والشيخ ابن نما، ص50.

4- الدينوري، الأخبار الطوال، ص257، بتصرف (حتى تموتوا).

5- الشيخ المفيد، الإرشاد.

6- الشيخ ابن نما، ص51.

٥٦

شهادة العباس عليهِ السلام

كانَ أبو الفضلِ العبَّاسُ عليهِ السلام لأخيهِ الحسينِ عليهِ السلام كما كانَ جدُّه أبو طالبٍ وأبوهُ عليٌّ عليهِ السلام للنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم. وكما عَرضَتْ قريشٌ الأمانَ على المولى أبي طالبٍ، ليُسْلِمَ محمّداً المصطفَى صلى الله عليه وآله وسلم، فقدْ عَرَضَ الشِّمرُ موفَداً منِ ابنِ زيادٍ الأمانَ في اليومِ التاسعِ منْ محرَّمٍ على العبّاسِ وإخوتِهِ، ليَتْرُكُوا الحسينَ عليهِ السلام، فكانَ جوابُهُمْ جميعاً:

«لعنَكَ اللهُ ولعَنَ أمانَكْ، أتُؤْمِنُنا، وابنُ رسولِ اللهِ لا أمانَ لهْ؟»(1) .

وقد عُرِفَ العبّاسُ عليهِ السلام في كربلاءَ بالسقَّاءِ، لِكَثْرةِ تردُّدِهِ إلى الماءِ ليُوصِلَهُ إلى مخيَّمِ سيِّدِ الشهداءِ عليهِ السلام، وفي اليومِ العاشرِ منَ المحرَّمِ، بقِيَ العباسُ بنُ عليٍّ قائماً أمامَ الحسينِ عليهِ السلام يقاتِلُ دونَهُ، ويَمِيلُ معَهُ حيثُ مالْ(2) . ولمّا استُشْهِدَ إِخوةُ العبَّاسِ عليهِم السلام، ورآهُمْ صرعَى على وجهِ الصعيدِ، لم يستطِعْ صبراً، فجاءَ إلى أخيهِ الحسينِ عليهِ السلام يستأذِنُهُ القِتالَ، فبكَى الحسينُ عليهِ السلام بكاءً شديداً، وقال:

«يا أخي، أنتَ صاحبُ لوائي، وإذا مضيتَ تفرَّقَ عسكري».

فلم يأذَنْ له.

____________________

1- الشيخ المفيد، الإرشاد، والطبري، 4 ـ 315.

2- الدينوري، الأخبار الطوال، 257.

٥٧

فقالَ العباسُ عليهِ السلام:

«قد ضاقَ صَدْري وسئِمْتُ منَ الحياةِ، وأريدُ أنْ أطلُبَ ثأري من هؤلاءِ المُنافقِينْ».

فقالَ الحسينُ عليهِ السلام:

«فاطلُبْ لهؤلاءِ الأطفالِ قليلاً منَ الماء».

فذهَبَ العباسُ عليهِ السلام إلى عسكَرِ عُمَرَ بنِ سعدٍ ووعَظَهُمْ وحذَّرَهُمْ فلم ينفعْهُمْ، فرجَعَ إلى أخيهِ فأخبرَهْ، (وسمعَ أبو الفضلِ عليهِ السلام الأطفالَ ينادُون:

«العطَشَ العطشَ». فخرَجَ يطلُبُ الماءَ ليوصِلَهُ إليهِمْ)(1) .

وركِبَ فرَسَهُ وأخذَ رمحَهُ وسيفَهُ والقِربةَ، فأحاطَ بهِ الذينَ كانوا مُوكَلِينَ بالفُراتِ، وأخَذُوا يرْمُونَهُ بالنَّبالِ، فلَمْ يعبَأْ بجَمْعِهِمْ، ولا راعتْهُ كثْرَتُهُمْ. فكشَفَهُمْ عن وجهِهِ، ودخَلَ الفراتَ مطمئنّاً غيرَ هيَّاب لذلكَ الجَمْعِ الغفيرْ.

ثُمَّ اغتَرفَ منَ الماءِ غُرْفةً وأدناها من فمِهِ ليشرَبَ، فتذكَّرَ عطَشَ أخيهِ الحسينِ عليهِ السلام وعَطاشى أهلِ بيتِهِ وأطفالِهِ عليهِم السلام، فرمى الماءَ منْ يدِهِ وقالْ:

يا نفسُ من بعدِ الحسينِ هوني

وبعدَهُ لا كنتِ أن تكوني

هذا حسينٌ وارِدُ المـَنُونِ

وتشربينَ بارِدَ المعِينِ

____________________

1- البحار، ج5ط، ص41 ـ 45.

٥٨

تاللهِ ما هذا فِعَالُ ديني

ولا فِعَالُ صادقِ اليقين

ثُمَّ ملأَ القِرْبةَ وحمَلَها على كتِفِهِ اليُمنى، وركِبَ جوادَهُ، وتوجَّهَ نحوَ الخِيامِ مُسْرِعاً ليوصِلَ الماءَ إلى عَطاشى أهلِ البْيْتْ عليهِم السلام، فأخذُوا عليهِ الطريقَ، وتكاثَرُوا عليهِ وأحاطُوا بهِ من كلِّ جانبْ.

فجَعَلَ يَصُولُ في أوساطِهِمْ ويضرِبُ فيهِمْ بسيفِهِ، فحمَلُوا عليهِ وحمَلَ هوَ عليهِمْ (ففرَّقَهُمْ)(1) وأخذُوا يَهْرُبونَ من بينِ يدَيْهِ، فكَمَنَ لهُ زيدُ بنُ الرقَّادِ الجهينيُّ مِنْ وَراءِ نخلةٍ فضرَبَهُ على يمينِهِ بالسيفِ فبَراها.

فأخذَ العبّاسُ السيفَ بشِمالِهِ، وضَمَّ اللّواءَ إلى صدرِهِ، وحمَلَ القِربةَ على كتِفِهِ اليُسرى، وحمَلَ عليهِمْ وهُوَ يرتجِزْ:

واللهِ إنْ قطعْتُمُ يميني

إني أحامي أبداً عن ديني

وعن إمامٍ صادقِ اليقين

نجلِ النبيِّ الطاهرِ الأمين

وقاتَلَ حتّى ضعُفَ عنِ القِتالِ، فضرَبَهُ حكيمُ بنُ الطُفَيْلِ على شِمالِهِ فقطَعَها منَ الزَّندْ، فوقَعَ السيفُ منْ يدِ العبّاسِ عليهِ السلام، وأخذَ القِربَة بأسنانِهِ، (عظَّمَ اللهُ لكَ الأجرَ سيّدي يا رسولَ الله، هذا أبو الفضلِ قادمٌ إليكَ مخضباً بدمِهِ، مَقْطوعَ اليدين) ولما رأى أبو الفضلِ أنَّ ساعةَ اللّقاءِ بالمصطفى الحبيبِ قد حانَتْ، قالَ عليهِ السلام:

____________________

1- هذه الكلمة وردت في المناقب (الأصل) بعد الرجز الأول لأبي الفضل عليه السلام، بعد (يوم الملتقى) فليلاحظ.

٥٩

يا نفسُ لا تخشَيْ منَ الكفّارِ

وأبْشِرِي برحمةِ الجبار

مــعَ النبيِّ السيِّدِ المختار

قد قطعوا ببَغْيِهِمْ يساري

فأصـْلِهـِمْ يـا ربِّ حـرَّ النـار

وجعَلَ يسرِعُ لعلَّهُ يوصِلُ الماءَ إلى المخيَّمْ. فلمّا نظرَ ابْنُ سعدٍ إلى شدّةِ اهتمامِ العباسِ عليهِ السلام بالقِربةِ صاحَ بالقومِ: ويلَكُمْ، أُرْشُقُوا القِربةَ بالنَّبْلِ، فواللهِ، إنْ شرِبَ الحسينُ من هذا الماءِ أفناكُمْ عنْ آخرِكُمْ.

فقطَعُوا عليهِ طريقَهُ، وازدحَمُوا عليهِ، وأتتْهُ السِّهامُ كالمطرِ من كلِّ جانِبٍ، فأصابَ القِرْبةَ سهمٌ فأُريقَ ماؤُها، وجاءَ سهْمٌ فأصابَ صدرَهُ، وسهمٌ آخرُ أصابَ إحدى عينيْهِ، فأطْفَأها، وجمَدَتِ الدِّماءُ على عينِهِ الأخرى، فلم يُبْصِرْ بها (فضرَبَهُ ملعونٌ بعَمُودٍ من حديدْ)(1) .

عظَّمَ اللهُ لكَ الأجرَ سيِّدي يا أميرَ المؤمنين، عظَّمَ اللهُ لكِ الأجرَ سيِّدتي يا زهراء، عظَّمَ اللهُ لكَ الأجرَ سيِّدي يا أبا محمَّدٍ الإمامَ الحسنَ المُجتبَى.

عظَّمَ اللهُ لكَ الأجرَ سيِّدي يا حسين...!

أيُّها الموالونْ: أيُّها المحمّديُّونَ الحسينيُّونَ: باللهِ عليكُمْ، كيفَ هو سُقوطُ الفارِسِ عن ظهرِ جوادِهْ؟ إنَّ الفارِسَ عندَما يسقُطُ إلى الأرضِ

____________________

1- مناقب آل أبي طالب ج4، ص108 ـ البلاذري ج3، ص406.

٦٠