المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 14280%

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428 مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 73

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
تصنيف: الصفحات: 73
المشاهدات: 14158
تحميل: 4096


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 73 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 14158 / تحميل: 4096
الحجم الحجم الحجم
المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

المصيبة الراتبة في مقتل سيد الشهداء 1428

مؤلف:
الناشر: جمعية المعارف الاسلامية الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يتَّقي الأرضَ بيديْهِ، يَحْمِي بهِما جسمَهُ، يحمِي بهِما رأسَهْ، فكيفَ كيفَ ـ باللهِ عليكُمْ ـ، يكونُ سقوطُ الفارسِ إلى الأرضِ؟، وماذا يصنَعُ عندَما تكونُ يداهُ مقطوعتَيْنِ..؟! والرأسُ مضروباً بعَمُودٍ من حديدْ..؟! والعينانِ تُغطِّيهِما الدِماءْ؟ لا. لا تقُلْ غيرَ ذلكَ باللهِ عليكْ. لا يُطِيقُ القلبُ حديثَ السَّهْمِ في العَيْن!

كيفَ ـ وفي مثلِ هذهِ الحالِ يكونُ سقوطُ الفارِسِ عن ظهرِ جوادِهْ؟

كأنّي بأبي الفضلِ العبَّاسِ يردِّدُ في هذهِ اللَّحظاتْ:

يا نفسُ مِنْ بعدِ الحسينِ هوني

وبعدَهُ لا كُنْتِ أنْ تكوني

فانقلَبَ عن ظَهْرِ فرسِهِ وخرَّ إلى الأرضِ صريعاً، فقطَّعَهُ القومُ بأسيافِهِمْ، فنادَى برفيعِ الصوتْ:

«أخي أبا عبدِ اللهِ، عليكَ منِّي السلام»(1) .

فأدركَهُ الحسينُ عليهِ السلام وبهِ رمَقٌ منَ الحياةِ، فلما رآهُ الحسينُ عليهِ السلام (صريعاً) على شطِّ الفراتِ بكى (بكاءً شديداً)(2) ، فأخذَ رأسَهُ الشريفَ ووضَعَهُ في حِجْرِهِ، وجعَلَ يمسَحُ الدَّمَ والتّرابَ عنهُ، ثُمَّ بكى بكاءً عالياً، قائلاً:

«ألآنَ انكسَرَ ظَهْري، وقلَّتْ حيلتي، وشَمِتَ بي عدوِّي»(3) .

ثُمَّ انحنى عليهِ واعتنَقَهُ، وجَعَل يُقبِّلُ مَوْضِعَ السُيوفِ من وجهِهِ

____________________

1- مقتل المقرم، ص269ـ 270.

2- الشيخ ابن نما، مثير الأحزان ـ والسيد ابن طاووس، اللهوف ـ في سياق آخر ولكن حول بكاء الإمام لفقد أبي الفضل عليه السلام.

3- مقتل الحسين عليه السلام، للخوارزمي، ج2، ص34 ـ الفتوح، ج5، ص207.

٦١

ونَحْرِهِ وصَدْرِهْ. وقد ترَكَ الحسينُ عليهِ السلام أخاهُ العبَّاسَ في مَكانِهِ، وقامَ عنْهُ بعدَ أنْ فاضَتْ نفسُهُ الزكيَّةُ، ولمْ يحمِلْهُ إلى الفُسطاطِ الذي كانَ يَحْمِلُ القَتْلى من أهلِ بيتِهِ وأصحابِهِ إليهْ. وعادَ إلى المخيَّمِ فاجتمعَتِ النِّساءُ حولَهُ وجعلْنَ يَبْكِينَ العباسَ عليهِ السلام ويندُبْنَهُ، والحسينُ عليهِ السلام يبكي مَعهُنّ..

٦٢

٦٣

شهادة الإمام الحسين عليهِ السلام

(1) ولما رأى الحسينُ عليهِ السلام مَصارِعَ فِتْيانِهِ وأحبَّتِهِ، عَزَمَ على لقاءِ القومِ بمُهجتِهِ ونادى:

«هل منْ ذابٍّ يذُبُّ عن حُرَمِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم؟ هل من مُوحِّدٍ يخافُ اللهَ فينا؟ هل منْ مُغيثٍ يرجُو اللهَ بإغاثتِنا؟ هل من مُعينٍ يرجُو ما عندَ اللهِ في إعانتِنا؟».

فارتفعَتْ أصواتُ النِّساءِ بالعَويلِ، فتقدَّمَ إلى بابِ الخيمةِ وقالَ لزينب عليها السلام:

«ناولِيني ولدِي الصغيرَ حتَّى أُودِّعَهْ».

فأخذَهُ وأومأَ إليهِ ليقبِّلَهُ فرماهُ حَرْملةُ بْنُ الكاهِلِ الأسديُّ بسهمٍ فوقَعَ في نَحْرِهِ فذبَحَهْ.

فقالَ لزينبَ عليها السلام:

«خُذيهْ».

ثُمَّ تلقَّى الدمَ بكفَّيهِ فلمّا امتلأتا، رمَى بالدّمِ نحوَ السماءِ ثُمَّ قالْ:

«هوَّنَ عليَّ ما نَزَلَ بي أنَّهُ بعينِ اللهْ».

قالَ الباقرُ عليهِ السلام:

«فلَمْ يسقُطْ منْ ذلكَ الدَّمِ قَطْرةٌ إلى الأرضْ».

____________________

1- من هنا الى آخر المصرع أعتمد نص السيد ابن طاووس، في اللهوف، إلا ما أشير الى مصدر آخر له، فليلاحظ.

٦٤

قالَ الراوي: ثُمَّ إنَّ الحسينَ دعا الناسَ إلى البِرازِ، فلَمْ يزَلْ يقتُلُ كلَّ مَنْ برَزَ إليهِ حتَّى قتَلَ مَقْتلةً عظيمةً، وهُوَ في ذلكَ يقولْ:

القَتْلُ أَوْلى منْ رُكوبِ العارِ والعارُ أوْلى منْ دُخولِ النار

قالَ بعضُ الرواةِ: فواللهِ، ما رأيتُ (مكثوراً) قطُّ قد قُتلَ وُلْدُهُ وأهلُ بيتِهِ وأصحابُهُ أرْبطَ جأشاً منه، وإنْ كانتْ الرجالُ لَتَشُدُّ عليهِ فيَشُدُّ علَيْها بسيفِهِ، فتنكشِفُ عنهُ انكشافَ المِعْزى إذا شدَّ فيهِ الذئبُ، ولقدْ كانَ يَحْمِلُ فيهِمْ ولقدْ تكمَّلُوا ثلاثينَ ألفاً، فيُهْزَمُونَ بينَ يدَيْهِ كأنَّهُمُ الجَرادُ المنتشِرُ، ثُمَّ يرجِعُ إلى مَرْكَزِهِ وهوَ يقولْ:

«لا حَوْلَ ولاقُوّةَ إلاَّ بالله».

فلمّا رأى ذلكَ شمرُ بنُ ذي الجوشَنِ، استدعى الفُرْسانَ فصارُوا في ظُهُورِ الرَجَّالةِ، وأمَرَ الرُّماةَ أنْ يرْمُوهُ، فرَشَقُوهُ بالسِّهامِ حتّى صارَ جسمُهُ كالقُنْفُذِ مِنْ كَثْرةِ السِّهامِ النابتةِ فيهْ، فأحْجَمَ عنْهُمْ، فوقَفُوا بإزائِهْ(1) .

قالَ الراوي: ولم يزَلْ عليهِ السلام يقاتِلُهُمْ حتّى حالُوا بينَهُ وبينَ رحْلِهِ فصاحَ عليهِ السلام:

«ويلَكُمْ يا شيعةَ آلِ أبي سفيانْ، إنْ لم يكُنْ لكُمْ دينٌ وكنتُمْ لا تَخافُونَ المَعادَ، فكونُوا أحراراً في دُنياكُمْ هذِهِ وارْجِعوا إلى أحسابِكُمْ إنْ كنتُمْ عُرباً كما تَزْعُمُونْ».

قالَ: فناداهُ شِمْرٌ: ما تقولُ يا ابنَ فاطمةْ؟

____________________

1- هذه الفقرة من الإرشاد للشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه.

٦٥

فقالَ عليهِ السلام إنّي أقولْ:

«أُقاتِلُكُمْ وتُقاتِلُونَني، والنِّساءُ ليسَ عليهِنَّ جُناحٌ، فامنَعُوا عُتَاتَكُمْ وجُهَّالَكُمْ وطُغَاتَكُمْ منَ التعرُّضِ لِحُرَمِي ما دُمْتُ حيّاً».

فقالَ شِمرٌ: لكَ ذلكَ يا ابنَ فاطمةْ.

فقَصَدُوهُ بالحربِ، فجعَلَ يحمِلُ عليهِمْ ويحمِلُونَ عليهِ، وهُوَ في ذلك يطلُبُ شَرْبةً منْ ماءٍ فلا يَجِدُ، حتّى أصابَهُ اثنانِ وسبعُونَ جُرحاً، فوقَفَ يستريحُ ساعةً، وقد ضعُفَ عنِ القِتالْ، فبَيْنا هوَ واقِفٌ، إذْ أتاهُ حَجرٌ فوقَعَ على جبهتِهِ، فأخَذَ الثوبَ ليمْسَحَ الدَّمَ عن جبهتِهِ، فأتاهُ سهْمٌ مَسْمومٌ لهُ ثلاثُ شُعبٍ فوقَعَ على قلبِهْ.

فقالَ عليهِ السلام:

«بسم اللهِ وباللهِ وعلى مِلَّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم».

ثمَّ رفَعَ رأسَهُ إلى السماءِ وقالْ:

«إلهي أنتَ تعلَمُ أنَّهُمْ يقْتُلُونَ رجلاً ليسَ على وجهِ الأرضِ ابْنُ بنتِ نبيٍّ غيرُهْ».

ثُمَّ أخَذَ السّهْمَ فأخْرَجَهُ منْ وَراءِ ظَهْرِهِ، فانبعَثَ الدَّمُ كأنَّهُ ميزابٌ، فضعُفَ عنِ القِتالِ ووقَفَ، فكُلَّما أتاهُ رجلٌ انصرَفَ عنهُ كَراهةَ أنْ يَلْقَى اللهَ بدمِهْ.

حتَّى جاءَهُ رجلٌ من كِندةَ يقالُ لهُ مَالِكُ بنُ النَّسْرِ، فشتَمَ الحسينَ عليهِ السلام وضربَهُ على رأسِهِ الشريفِ بالسَّيفِ فقطَعَ البُرْنُسَ، ووصَلَ السيفُ إلى رأسِهِ فامتلأ البرنُسُ دماً...

فلبثُوا هُنَيْهةً ثمَّ عادوا إليهِ وأحاطُوا بهِ، فخرَجَ عبدُ اللهِ بنُ الحسنِ بنِ عليٍّ عليهِ السلام، وهوَ غلامٌ لمْ يراهِقْ منْ عندِ النّساءِ، يَشْتدُّ حتَّى وقَفَ

٦٦

إلى جنبِ الحسينِ عليهِ السلام فلحقَتْهُ زينب عليها السلام لتَحْبِسَهُ فأبى وامتنعَ امتناعاً شديداً وقالْ:

«لا واللهِ، لا أفارِقُ عمّي».

فأَهْوى بحرُ بنُ كعب - وقِيلَ حَرْملةُ بنُ الكاهِلِ ـ على الحسينِ عليهِ السلام بالسيفِ. فقالَ لَهُ الغلامْ:

«ويلَكَ يا ابنَ الخبيثةِ، أتْقتُلُ عمّي؟».

فضربَهُ بالسَّيفِ فاتَّقى الغلامُ بيدِهِ فأَطنَّها إلى الجلدِ، فإذا هِيَ مُعلَّقةٌ فنادى الغلامُ:

«يا أمّاه...».

فأخذَهُ الحسينُ عليهِ السلام وضمَّهُ إليهِ وقالْ:

«يا ابنَ أخي، إصبِرْ على ما نَزَلَ بكَ واحتسِبْ في ذلكَ الخيرَ، فإنَّ اللهَ يُلحِقُكَ بآبائِكَ الصالحين».

قالَ فرَماهُ حرملةُ بنُ الكاهِلِ بسهمٍ فذَبَحَهُ وهوَ في حِجْرِ عمِّهِ الحسينِ عليهِ السلام.

ثُمَّ إنَّ شمرَ بنَ ذي الجوشَنِ حمَلَ على فُسطاطِ الحسينِ عليهِ السلام فطعنَهُ بالرُّمحِ ثُمَّ قالَ: علَيَّ بالنارِ أُحرِقُهُ على مَنْ فيهْ.

فقالَ الحسينُ عليهِ السلام:

«يا ابنَ ذي الجوشَنْ، أنتَ الداعي بالنارِ لِتُحْرِقَ على أهلي، أحْرَقَكَ اللهُ بالنار».

قالَ: ولما أُثْخِنَ الحسينُ عليهِ السلام بالجراحِ (...) طعَنَهُ صالحُ بنُ وَهَبٍ المُرِّيُّ على خاصرتِهِ طَعْنةً، فسقَطَ الحسينُ عليهِ السلام إلى الأرضِ على خدِّهِ الأيمنِ وهوَ يقولْ:

٦٧

«بسمِ اللهِ وباللهِ وعلى مِلَّةِ رسولِ الله».

ثمَّ قامَ عليهِ السلام وحمَلُوا عليهِ من كلِّ جانِبْ، فضرَبَهُ زُرعَةُ بنُ شريكٍ على كتِفِهِ اليُسرى، وضرَبَ الحسينُ عليهِ السلام زُرْعَةَ فصرَعَهْ، وضرَبَهُ آخرُ على عاتِقِهِ المقدَّسِ بالسَّيفِ ضربةً كبا عليهِ السلام بها لوجهِهْ، وكانَ قدْ أعيا وجعَلَ ينوءُ ويَكُبُّ، فطعَنَهُ سِنانُ بنُ أَنَسٍ النخعيُّ في تُرْقُوَتِهِ، ثُمَّ انتزَعَ الرُّمحَ فطَعَنهُ في بواني صَدْرِهِ، ثُمَّ رماهُ سِنانٌ أيضاً بسهمٍ فوقَعَ السهمُ في نحرِهِ فسقَطَ عليهِ السلام وجلَسَ قاعداً.

فنزَعَ السَّهْمَ من نحرِهِ وقرَنَ كفَّيْهِ جميعاً، فكلَّما امتلأتا منْ دِمائِهِ خضَّبَ بهِما رأسَهُ ولِحيَتُهُ وهو يقولْ:

«هكذا ألقَى اللهَ مُخَضَّباً بدمِي مَغْصُوباً علَيَّ حقّي».

ورُوِيَ عنهُ عليهِ السلام أنَّهُ قالْ:

«اللهُمَّ أنتَ متعالي المكانِ، عظيمُ الجبَرُوتِ، شديدُ المِحالِ، غنيٌّ عنِ الخلائِقِ، عريضُ الكِبرياءِ، قادرٌ على ما تشاءُ، قريبُ الرحمةِ، صادقُ الوعدِ، سابغُ النّعمةِ، حَسَنُ البلاءِ، قريبٌ إذا دُعِيتَ، مُحِيطٌ بما خلَقْتَ، قابلُ التوبةِ لمن تابَ إليكَ، قادرٌ على ما أردتَ، تُدْرِكُ ما طلَبْتَ، شَكورٌ إذا شُكِرْتَ، ذَكُورٌ إذا ذُكِرْت، أدعوكَ محتاجاً وأرغَبُ إليكَ فقيراً، وأفزَعُ إليك خائفاً، وأبكِي مَكْروباً، وأستعينُ بكَ ضعيفاً وأتوكّلُ عليكَ كافياً.

أللّهُمَّ احكُمْ بينَنا وبينَ قومِنا، فإنَّهُمْ غرُّونا وخذَلونا، وغدرُوا بنا وقتَلُونا، ونحنُ عِترةُ نبيِّك، ووُلْدُ حبيبِكَ محمَّدٍ الذي اصطفيتَهُ بالرِّسالةِ وائتمَنْتَهُ على الوحْيِ، فاجعلْ لنا من أمرِنا فرَجاً ومَخْرَجاً يا أرحمَ الراحمينْ... صَبْراً على قضائِكَ يا ربّ، لا إلهَ

٦٨

سواكْ، يا غِياثَ المستغيثينْ، ما لي ربٌّ سِواكَ ولا معبودٌ غيرُكَ، صبراً على حُكْمِكَ، يا غِياثَ مَنْ لا غِياثَ له، يا دائماً لا نَفادَ لهْ، يا مُحْيِيَ الموتى، يا قائِماً على كلِّ نفسٍ بما كَسَبَتْ، أُحكُمْ بيني وبينَهُمْ وأنتَ خيرُ الحاكمين».

قالَ الراوي: كنتُ واقفاً معَ أصحابِ عُمَرَ بنِ سعدٍ إذْ صرَخَ صارخٌ: أبشِرْ أيُّها الأميرُ فهذا شمرٌ قتَلَ الحسينْ، قالَ فخرَجْتُ بينَ الصفَّيْنِ فوقَفْتُ عليهِ وإنَّهُ لَيجُودُ بنفسِهْ، فواللهِ، ما رأيتُ قَطُّ قتيلاً مُضَمَّخاً بدمِهِ أحسنَ منهُ ولا أنوَرَ وجهاً، ولقَدْ شغَلَني نورُ وجهِهِ وجَمالُ هيئتِهِ عنِ الفكرةِ في قتلِهْ، فاستسقى في تلك الحالِ ماءً فسمِعْتُ رجلاً يقولْ: واللهِ لا تذوقُ الماءَ حتَّى ترِدَ الحاميةَ فتشرَبَ من حميمِها.

فسمِعْتُهُ يقولْ:

«يا ويلَكَ أنا لا أرِدُ الحاميةَ ولا أشرَبُ مِنْ حميمِها، بلْ أرِدُ على جدِّي رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسكُنُ معَهُ في دارِهِ في مَقْعَدِ صِدْقٍ عندَ مليكٍ مُقْتدرٍ، وأشرَبُ من ماءٍ غيرِ آسِنٍ، وأشكُو إليهِ ما ارتكبْتُمْ منّي وفعلتُمْ بي».

قالَ: فغضِبُوا بأجمَعِهِمْ، حتّى كأنّ اللهَ لمْ يجعَلْ في قلبِ واحدٍ منهُمْ منَ الرحمةِ شيئاً.

وجلَسَ شمرٌ على صدرِ الحسينِ عليهِ السلام وقبَضَ على لحيتِهِ وضرَبَهُ بسيفِهِ اثنتَيْ عشْرةَ ضربةً ثمَّ حزَّ رأسَهُ(1) المقدَّسَ المعظَّمْ.

قالَ الشيخُ الصَدوقْ: «... ولم يُرْفَعْ ببيتِ المقدِسِ(2) - في ذلك اليوم -

____________________

1- مقتل الخوارزمي، ج2، ص39 - 42 - الإرشاد، ج2، ص111-112.

2- وللقدس مع سيد الشهداء عليه السلام حديث في يوم العاشر، ولعل السبب في أن المعركة الأبرز للطالب بدم المقتول بكربلاء ستكون في روابي بيت المقدس، وقد تحدث بذلك الصديق والعدو.

٦٩

حجرٌ عنْ وجهِ الأرضِ إلاّ وُجِدَ تحتَهُ دمٌ عبيطٌ، وأبصَرَ الناسُ الشمسَ على الحِيطانِ كأنَّها الملاحِفُ المـُعَصْفَرَةْ»(1) . وقالَ عبدُ الملِكِ بنُ مَرْوانَ للزَّهْرِيِّ: أيُّ رجلٍ أنتَ إنْ أخبرْتَني أيُّ علامةٍ كانتْ يومَ قُتِلَ الحسينُ بنُ عليٍّ عليهما السلام؟ قالَ: لم يُرفَعْ ذلكَ اليومَ حَصاةٌ ببيتِ المقدِسِ، إلاّ وُجِدَ تحتَها دمٌ عبيط(2) .

وأمّا ما جرَى بعدَ شهادةِ السِبْطِ الغريبْ؟

فلم تكتفِ الأحقادُ البدريَّةُ والخيبريَّةُ والحُنَيْنيَّةُ وغيرُها بكلِّ ما تقدَّم.

قالَ الراوي: ثمَّ نادى عمرُ بنُ سعدٍ في أصحابِهِ مَنْ ينتدِبُ للحسينِ عليهِ السلام فيُواطِئُ الخيلَ ظهرَهُ وصدرَهُ، فانتدَبَ منْهُمْ عشَرَةْ. فداسُوا الحسينَ عليهِ السلام بحوافِرِ خيلِهِمْ حتّى رضُّوا صدْرَهُ وظهرَهْ.

وأيُّ شهيدٍ أصْلَتِ الشمسُ جسمَهُ

ومَـشْهَدُها مـن أصـلِهِ متولِّدُ

وأيُّ ذبـيحٍ داسَتِ الخيلُ صدرَهُ

وفـرسانُها مـن ذِكْـرِهِ تتمجَّد

ألـمْ تـكُ تدري أنَّ روحَ محمَّدٍ

كـقرآنِهِ فـي سِـبْطِهِ متجسِّد

فـلو عَلِمَتْ تلكَ الخيولُ كأهلِها

بـأنَّ الذي تحتَ السنابكِ أحمدُ

____________________

1- الشيخ الصدوق، الأمالي، ص232، مصححاً على ما أورده: القاضي النعمان، شرح الأخبار، 2-477 والهيثمي، مجمع الزوائد، 9 - 196 - والطيراني، المعجم الكبير، 3 - 112 و 119. وإبن عساكر، تاريخ دمشق، 14 - 299. والمري تهذيب الكمال، 6 - 434 والذهبي، سير أعلام النبلاء، 3- 314. وابن حجر، تهذيب التهذيب، 2 - 305.

2- الشيخ إبن نما، مثير الأحزان، ص63.

٧٠

سيدي يا صاحبَ الزَّمانِ: عظَّمَ اللهُ سيِّدي لكَ الأجرْ.

ونردِّدُ معَ عمَّتِكَ مولاتِنا زينبَ عليها السلام (عندَ الوَداعِ)، لما نظَرَتِ النِّسوةُ إلى مصرَعِهِ الشريفِ، تندُبُ الحسينَ عليهِ السلام وتنادي بصوتٍ حزين وقلبٍ كئيب:

«يا محمَّداه، صلّى عليكَ ملائكةُ السماء، هذا حسينٌ مرمَّلٌ بالدّماء، مقطَّعُ الأعضاء، وبناتُكَ سبايا، إلى اللهِ المشتكَى وإلى محمَّدٍ المصطفى وإلى عليٍّ المرتضى وإلى فاطمةَ الزهراءِ وإلى حمزةَ سيِّدِ الشهداءْ، يا محمَّداه، هذا حسينٌ بالعراءِ، تَسْفِي عليهِ الصَّبا، قتيلُ أولادِ البغايا، وا حزناه، وا كرْباه، اليومَ ماتَ جدِّي رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، يا أصحابَ محمَّداه، هؤلاءِ ذريَّةُ المصطفى يُساقُونَ سَوْقَ السبايا».

وفي رواية:

«يا محمَّداه، بناتُكَ سبايا وذريَّتُكَ مقتَّلةٌ تَسْفِي عليهِمْ ريحُ الصَّبا، وهذا حسينٌ مَحْزوزُ الرأسِ مِنَ القفا مسلوبُ العِمامةِ والرِّداءْ، بأبي مَنْ أضحَى عسكرُهُ في يومَ الاثنيْنِ نَهْبا، بأبي مَنْ فُسطاطُهُ مقطَّعُ العُرى، بأبي مَنْ لا غائبٌ فيُرتجَى ولا جريحٌ فيُداوى، بأبي مَنْ نفسي لهُ الفِداءْ، بأبي المهمومُ حتّى قضَى، بأبي العطشانُ حتّى مضى، بأبي مَنْ شيبتُهُ تقطُرُ بالدِّماء، بأبي مَنْ جدُّهُ محمّدٌ المصطفى، بأبي مَنْ جدُّهُ رسولُ إلهِ السماء، بأبي مَنْ هو سِبْطُ نبيِّ الهدى، بأبي محمَّدٌ المصطفى، بأبي خديجةُ الكبرى،

٧١

بأبي عليٌّ المرتضى، بأبي فاطمةُ الزهراءُ سيدةُ نساءِ العالمين، بأبي مَنْ رُدَّتْ لَهُ الشمْسُ وصلّى».

قالَ الراوي: فأبكَتْ واللهِ كلَّ عدوٍّ وصديق. ثُمَّ إنَّ سُكَينةَ اعتنقَتْ جسَدَ أبيها الحسينِ عليهِ السلام فاجتمعَتْ عِدَّةٌ منَ الأعرابِ حتَّى جَرُّوها عنهْ.

يا صاحبَ الأمرِ أدرِكْنا فليسَ لنا

وردٌ هـنيٌّ ولا عـيشٌ لنا رغَدُ

فانهَضْ فَدَتْكَ بقايا أنفُسٍ ظَفِرَتْ

بـها الـنوائبُ حتّى خانَها الجَلَدُ

طالَتْ علَيْنا ليالي الانتظارِ فهَلْ

يا ابنَ الزكيِّ لليلِ الانتظارِ غَدُ؟!

٧٢

الفهرس

المقدمة3

مقدمة المجلس 6

من قصيدةٍ لابن حماد عليه الرحمة:8

يوم عاشوراء12

خطبة الحسين عليهِ السلام الأولى 16

خطبة زهير بن القين 20

خطبة بُرَير بن خُضَير 23

خطبة الحسين عليه السلام الثانية25

موقف الحر الرياحي 28

بداية الحرب 33

الحملة الأولى 35

صلاة الظهيرة38

الحملة الثانية43

مصرع علي الأكبر عليهِ السلام48

مقاتل آل عقيل عليهم السلام53

القاسم بن الحسن عليهِ السلام54

مقاتل إخوة العباس عليهِ السلام56

شهادة العباس عليهِ السلام57

شهادة الإمام الحسين عليهِ السلام64

٧٣