حياة علي الأكبر (عليه السلام)

حياة علي الأكبر (عليه السلام)0%

حياة علي الأكبر (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 69

حياة علي الأكبر (عليه السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمّد علي عابدين
تصنيف: الصفحات: 69
المشاهدات: 39182
تحميل: 5770

توضيحات:

حياة علي الأكبر (عليه السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 69 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39182 / تحميل: 5770
الحجم الحجم الحجم
حياة علي الأكبر (عليه السلام)

حياة علي الأكبر (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

رثاء الشعراء

كلاّ، إنّ رثاء روّاد الحقائق لا كرثاء الميت العادي الذي يعني رثاؤه ختم حياته ودوره، وإعطاءه اعتباره وكفى، ثمّ إهالة التراب وغلق قبره. إنّ رثاء روّاد الحقائق هو إثراء للقيم والمفاهيم؛ ذلك لأنهم شهداء بكل ما للكلمة من معنى.

فعلي الأكبر إذ يترنّح أرضاً، وأضحى طريح رمال ربى الطفِّ يظلله فسطاط الشهداء إلى جانب الذين صُرّعوا ممّن قد سبقوا عليّاً؛ إذ هو في مرقده المقدس كغيره، كأبيه لم يزل فكراً نيراً، ومثلاً شامخاً سامياً، ومن شأن الفكر والقضية المبدئية أن لا تنالها يد السوء والردى إن نالت الجسم والجسد.

ومحا الردى يا قاتلَ الله الردى

منه هلالَ دجى وغرّة فرقدِ

يا نجعةَ الحيِّين هاشم والندى

وحمى الذمارين العلا والسؤددِ

فلتذهب الدنيا على الدنيا العفا

ما بعد يومك من زمان أرغدِ

كيف ارتقت هممُ الردى لك صعدةً

مطرودة الكعبين لم تتأوّدِ

أفديه من ريحانةٍ ريّانةٍ

جفّت بحرِّ ظما وحرّ مهنّدِ

بكر الذبولُ على نضارة غصنِهِ

إنّ الذبول لآفةِ الغصن الندي

لله بدرٌ من مراق نجيعِه

مزج الحسام لجينه بالعسجدِ

ماءُ الصبا ودم الوريد تجاريا

فيه ولاهبُ قلبه لم يخمدِ

لم أنسه متعمّماً بشبا الضّبا

بين الكماة وبالأسنّة مرتدي

خضبت ولكن من دمٍّ وفراته

فاخضرّ ريحان العذار الأسودِ

٦١

هكذا يرثيه الشيخ العاملي، كما رثاه شيخ آخر بقوله:

يا نفسُ ذوبي أسىً يا قلبُ مت كمداً

يا عينُ سحّي دماً يا أدمعُ انسكبي

هذي المصائبُ لا ما كان في قِدمٍ

لآل يعقوبَ من حزنٍ ومن كربِ

أنى يضاهي ابنَ طه أو يماثله

في الحزن يعقوبُ في بدءٍ وفي عقبِ

إنْ أحدبت ظهره الأحزانُ أو ذهبتْ

عيناه من مدمعٍ والرأس إن يشبِ

فإنّ يوسفَ في الأحياء كان سوىً

إنّ الفراق دهى أحشاه بالعطبِ

هذا ويحضره من ولده فئةٌ

وإنه لنبيٍّ كان وابنَ نبي

فكيف حال ابنِ بنت الوحي حين رأى

شبيه أحمدَ في خلق وفي خطبِ

موزّعاً جسمُه بالبيض منفلقاً

بضربهٍ رأسه ملقى على الكثبِ

هناك نادى على الدنيا العفا وغدا

يكفكف الدمع إذ ينهلّ كالسحبِ

وللسيد إبراهيم الطباطبائي قصيدة منها:

فاستقبلوه وقطّعوا جثمانه

إرباً فإرباً بالسيوف البتّرِ

يلقى السيوف بطلق وجهٍ أزهرِ

كالبدر يشرق في العجاج الأكدرِ(١)

تركت سيوفُ اُميّةٍ جثمانَه

متوزّعاً بين القنا المتكسّرِ

تعدو الجيادُ عليه وهي ضوابحٌ

عقر الهاتيك الجياد الضمّرِ

إننا ننتقي مقاطع أدبيّة شعريّة قصيرة دون أن نطيل.

٦٢

ولم يكن هؤلاء شعراء محترفون للشعر، بل إنّ هذا ما جادت به قرائح علماء وأدباء شغفوا بحب أهل البيت (عليهم السّلام)، واستغرقوا في تصوّر أنشطتهم، والوقوف على أحداثهم وبطولاتهم، وروائع مواقف ثباتهم المبدئي.

ولنتمثل بأبيات أبي تمام حول علي الأكبر (عليه السّلام):

ألا في سبيلِ الله من عطلت له

فجاجُ سبيل الله وانثغر الثغرُ

فتىً كلّما فاضت عيونُ قبيلةٍ

دماً ضحكتْ عنه الأحاديثُ والذكرُ

فتىً دهره شطران فيما ينوبُه

ففي بأسه شطرٌ وفي جوده شطرُ

فتىً مات بين الطعن والضرب ميتةً

تقوم مقام النصر إن فاته النصرُ

وما مات حتّى مات مضربُ سيفِه

من الضرب واعتلّت عليه القنا السمرُ

غداة غدا والحمدُ نسجُ ردائه

فلم ينصرف إلاّ وأكفانه الأجرُ

تردّى ثيابَ الموت حمراً فما دجا

له الليل إلاّ وهي من سندسٍ خضرُ

____________________

(١) لأبي الحسن التهامي أبيات يرثي بها ولده، وهكذا يقول:

يا كوكباً ما كان أقصرَ عمرَه

وكذاك عمرُ كواكبِ الأسحارِ

وهلال أيامٍ مضى لم يستدرْ

بدراً ولم يمهل لوقت سرارِ

عَجِل الخسوف عليه قبل أوانِه

فمحاه قبل مظنّةِ الإبدارِ

فكأنّ قلبي قبره وكأنّه

في طيّه سرٌ من الأسرارِ

فإذا كان يصف ولده بالكوكب والهلال فماذا عساه يصف علياً لو رآه؟! وماذا عسى الشعراء أن يقولوا بعلي؟! أو ما عسى أن يقول أبوه أبياتاً فيه؟!

٦٣

(سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)

لو استحضرنا قصة يوسف ومعاناة يعقوب (عليهما السّلام) لنقابلها بقصة علي الأكبر ومعاناة الحسين (عليهما السّلام) فليس من باب المفاضلة والتفاضل أو المقارنة، وإنّما من باب الحرص على التنبيه وإلفات النظر؛ حيث لا تشابه بين القصّتين إلاّ من حيث طبيعة المردود وأثر المفقود.

فيعقوب النبي (عليه السّلام) لم يبتلِ بما ابتلى به الحسين الوصي (عليه السّلام)، وليس له مشكلة سوى أنه فقد ابنه ولم يستيقن قتله، فعانى ما عاناه حتّى ابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم، وكاد أن يكون حرضاً أو من الهالكين. فليس عنده مشكلة قياساً لما عند الحسين (عليه السّلام) بكربلاء وهو يشهد ريحانته قتيلاً مقطّعاً إرباً إرباً، فيفقده نهائياً وبمحضره. وليس ليعقوب وولده يوسف قضية بقدر ما للحسين ونجله (عليهم السّلام جميعاً) من قضية ذات أبعاد مستقبلية.

ترى هل لنا أن ندرك الثمن الذي قدّمه الإمام الحسين (صلوات الله عليه) من أجلنا نحن، من أجل أن نحيا تحت ظل ديننا العملاق؟ أم هل لنا أن نتفهّم حقيقة مهمّة الحسين (عليه السّلام) بحيث دفع بكلِّ سخاء، وجاد بكلِّ كرم بأعزِّ ما لديه من أجل حياة حرّة لاُمّته الكريمة؟

صحيح أن مقتل ولده قد هدّ من قواه وأحنى ظهره، هو أرزاه فكانت فاجعة رغم أنها متوقعة غير مفاجئة، لكن ذلك ما كان ليغيّر من موقفه الواحد، بل ما كان ليؤثّر سلبياً على قضيته أدنى تأثير؛ لا تردد، لا تراجع أو تبديل، إنها مسألة حدّيّة، وقضية رفض مبدئيّة ليس للفواجع أي طارئ عليها، كيف والاستشهاد إنما هو من باب سموّ التفاني وكمال التضحية!

فالإمام الحسين (عليه السّلام) تملكه قضيته الإلهية الرساليّة، تملك عليه جميع مشاعره وعواطفه وجوارحه؛ ولهذا يجود لنا، لمستقبلنا المرجو، لبقائنا المأمول، بولده علي الأكبر، بل بكل ولده وإخوته، وأبناء عمومته وأصحابه الأحرار؛ فالإسلام أثمن حتّى من نفسه هو بالذات، فمتى نستيقظ ممّا نحن فيه من سبات؟! فهل لنا أن نقف لنتبصّر طريقنا إلى تبنّي قضايانا بنكران ذواتنا، أم هل لآبائنا استعداد بأن يجودوا اليوم بنا؟ سنجود إن شاء الله بأنفسنا وبكل ما لدينا وحتى بآبائنا.

٦٤

لم يرد الإمام (عليه السّلام) أن نبقى نعيش النزاع، أرادنا اُمّة ترنو إلى العز، تأبى الضيم، تسعى للتحرر والسعادة والهناء. علينا إذاً أن نقف على سرِّ دوام وجودنا، نتفكّر، نتأمّل حول سرِّ فداء الحسين (عليه السّلام)، نربط بين الثورة المجيدة للإسلام وبين البقاء المتّصل للمسلمين.

أجل ما إن استشهد علي حتّى حمله الشباب الهاشمي، ثمّ عادوا إلى حيث استشهد ليستشهدوا بعد جهاد باسل، وخلال عطش قاتل؛ لأنهم لم يقاتلوا لكي يبقوا، وإنّما لكي نبقى، لا لكي يبقوا هم، وإنما لكي نبقى نحن، وهذا ما كان في روع كلِّ الشهداء ودونما استثناء، وهو ما كان يحمله في طيّات قلبه ذلك المجاهد الكريم علي الأكبر، فسلام عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حياً...

سلام عليه وعلى عصبة الأنصار الذين سبقوه، وثلةِ الهاشميِّين الذين لحقوه، وسلام على من ختم قائمة الشهداء قائدهم السبط العظيم، اُولئك الذين خلدوا بالفكر، بالقضية، بالمهام القدسيّة، وبمراقدهم المشرّفة التي تهوى إليها القلوب والأفئدة،( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) (١) ،( سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) (٢) ،( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (٣) . صدق الله العلي العظيم

____________________

(١) سورة النور / ٣٦.

(٢) سورة الرعد / ٢٤.

(٣) سورة القصص / ٨٣.

٦٥

نهاية المطاف

( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاُوْلِي الأَلْبَابِ ) (١)

فنحن إذاً - والحال هذه - إن لم نعتبر ونسترشد ونستنر منهم، من خطوات رجالهم ونسائهم أهل البيت، نكن قد ظلمنا أنفسنا، ولم نظلم عدونا، بل أسعدناه فقرّت عينه بنا.

مشكلتنا الاُم أننا لم نتوفّق إلى أن نتمثّل آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أهل بيت التحرير، كما لم نستلهم معاني القرآن بآياته التي قد طالما نلوكها بألسنتنا. ولقد أكد القرآن المجيد حقيقة،( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (٢) .

ومع هذا التأكيد بأن الله اشترى، وأنه تعهد بالشراء والعطاء نلمس أن هناك من لا يريد أن يبيع، ولربما كان هذا ممّن يدّعي الدين والإيمان! لا يريد أن يبيع رغم أنه ممّن يتلو آيات الشراء الإلهي، ويرتّل آيات القرآن، ويقرأ أو يتسمع لآيات البطولة في كربلاء وغير كربلاء. إنه ليفصل بين الآيات النظرية في المصحف الكريم وبين الآيات العمليّة في الساحة الكربلائيّة. لا يريد أن يبيع، ولا أفهم كيف يحب المرء منا أن يربح وهو يتمنّع من المبيع؟!

الحق على أصحاب الأقلام والمنابر والمساجد الذين لم يتجشّموا عناء الحديث عن سبيل سلوك السوق التجاريّة الرابحة ليعلّموا الناس كيف يربحون؛ وذلك بأن يدلّوهم على كيفية الممارسات التجاريّة الناجحة الرابحة. فلا بدّ لكي يبيع الناس، ويبيع المسلم والمسلمة ما عندهما أن نعلّمهما التجارة الرابحة في السوق الإسلاميّة الواسعة الرحبة، وإلاّ غشّهم وخدعهم بعضُ السماسرة.

وإلى أن نلتقي ببحث حول التجارة نرجو أن نوفق بحول الله وبإذنه، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (٣) . ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) (٤) .

____________________

(١) سورة يوسف / ١١١.

(٢) سورة التوبة / ١١١.

(٣) سورة الصف / ١٠ - ١١.

(٤) سورة يوسف / ١٠٨.

٦٦

والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين

٦٧

الفهرس

مقدّمة ٣

القسم الأوّل: علي الأكبر في شخصيّته الفذّة ٥

في ذروة المجد. ٥

الهاشميّون. ٥

والده ٧

والدته السيدة ليلى الثقفيّة ٩

أبو مرة عروة بن مسعود الثقفي. ١٠

الفصل الثاني: علي الأكبر ١٥

ميلاده المجيد. ١٥

نشأته وترعرعه ١٦

تربيته ١٧

أوصافه وصفاته ١٩

الفصل الثالث: شخصيته، واعتراف معاوية ٢٣

أشواق أهل المدينة المنورة ٢٣

اعتراف معاوية ٢٦

الفصل الرابع:الأحداث التي عاصرها على الأكبر ٣٠

ما قبل العهد الاُموي. ٣٠

في عهد بني اُميّة ٣٢

الفصل الخامس: الصلابة والبأس الشديد. ٣٤

في مسيرة الركب التاريخيّة ٣٤

علي يرابط في كربلاء مع المرابطين. ٣٧

على مصارع الأنصار، ومصرع الحرِّ الرياحي. ٣٨

الفصل السادس: السبق للجهاد ٤٠

المبادرة الفورية ٤٠

٦٨

الاستئذان للنزال. ٤٢

محاولة اُمويّة لاستمالته ٤٤

الفصل السابع: المجاهد العنيد. ٤٧

الجولة الاُولى. ٤٧

العودة المؤقتة ٤٩

الجولة الثانية ٥١

الانتقام ٥٣

الفصل الثامن: الشهيد. ٥٥

المنتقمون. ٥٥

الإمام الحسين (عليه السّلام) مع أشلاء الشهيد. ٥٦

آثار المصرع. ٥٩

رثاء الشعراء ٦١

(سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) ٦٤

نهاية المطاف.. ٦٦

٦٩