علي الأكبر ابن الإمام الحسين (عليهما السلام)

علي الأكبر ابن الإمام الحسين (عليهما السلام)0%

علي الأكبر ابن الإمام الحسين (عليهما السلام) مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 82

علي الأكبر ابن الإمام الحسين (عليهما السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علي محمد علي دخيل
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 82
المشاهدات: 13721
تحميل: 5318

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 82 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13721 / تحميل: 5318
الحجم الحجم الحجم
علي الأكبر ابن الإمام الحسين (عليهما السلام)

علي الأكبر ابن الإمام الحسين (عليهما السلام)

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (١) ،( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (٢) .

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ) (٣) ، ( أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) (٤) ،( يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ ) (٥) ،( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ ) (٦) .

فالمؤمنون وإن كانوا في هذه الدنيا في أرغد عيش وأهنأه لا يُقاس بالجنّة ونعيمها، كما إنّ الكافرين وأهل الجحود

____________________

(١) سورة المائدة / ١١٩.

(٢) سورة الحديد / ١٢.

(٣) سورة البروج / ١١.

(٤) سورة آل عمران / ١٣٦.

(٥) سورة التوبة / ٢١.

(٦) سورة الشورى / ٢٢.

٢١

والعصاة مهما كانوا في تعاسة وشقاء في الحياة الدنيا، فهو لا شيء بلحاظ ما أعدّ الله جلّ جلاله لهم من العذاب والهوان.

ومن طريف ما ورد عن الإمام الحسنعليه‌السلام أنّه اغتسل وخرج من داره في بعض الأيام، وعليه حلّة فاخرة، ووفرة ظاهرة، ومحاسن سافرة، بنفحات طيّبات عاطرة، ووجهه يشرق حسناً، ووجهه قد كمل صورة ومعنى، والسعد يلوح على أعطافه، ونضرة النعيم تعرف من أطرافه.

وقد ركب بغلة فارهة غير عسوفة، وسار وقد اكتنفه من حاشيته صفوف، فعرض له شخص من محاويج اليهود، وعليه مسح من جلود، وقد أنهكته العلّة والذلّة، وشمس الظهيرة قد شواه، وهو حامل جرّة ماء على قفاه، فاستوقف الحسنعليه‌السلام فقال: يابن رسول الله، سؤال.

فقال له:(( ما هو ؟ )) .

قال: جدّك يقول:(( الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر )) ، وأنت المؤمن وأنا الكافر، فما أرى الدنيا إلاّ جنّة لك تنعم فيها وأنت مؤمن وتستلذّ بها، وما أراها إلاّ سجناً قد أهلكني حرّها وأجهدني فقرها !

فلمّا سمع الحسنعليه‌السلام كلامه أشرق عليه نور التأييد، واستخرج الجواب من خزانة علمه، وأوضح

٢٢

لليهودي خطأ ظنّه، وخطل زعمه، وقالعليه‌السلام :(( يا شيخ، لو نظرت إلى ما أعدّ الله لي وللمؤمنين في دار الآخرة ممّا لا عين رأت، ولا اُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر لعلمت قبل انتقالي إليه في هذه الحالة في سجن، ولو نظرت إلى ما أعدّ الله لك ولكلّ كافر في الدار الآخرة من سعير جهنّم، ونكال العذاب الأليم المقيم لرأيت قبل مصيرك إليه في جنّة واسعة ونعمة جامعة )) (١) .

وظنّ أهل الكوفة يوم عاشوراء أنّ ابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وحفيد أمير المؤمنينعليه‌السلام مؤثراً الدنيا على ما أعدّ الله لأوليائه من الجنّة ونعيمها، فناداه مناديهم وقد حمل عليهم: إنّ لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

فقالعليه‌السلام : لَقرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أحق أن تُرعى من قرابة يزيد بن معاوية. ثمّ شدّ عليهم(٢) .

( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) (٣) .

____________________

(١) الفصول المهمة / ١٤٠، كشف الغمة.

(٢) سر السلسلة العلوية / ٣٠، والرحم التي أشاروا إليها هي من جهة اُمّ علي الأكبر ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، واُمّها ميمونة بنت أبي سفيان.

(٣) سورة فصلت / ٣٠.

٢٣

الشهادة

وطلع فجر اليوم العاشر من المحرّم، فصلّى الحسينعليه‌السلام بأصحابه صلاة الصبح، ثمّ خطبهم قائلاً:(( إنّ الله قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر )) (١) .

ثمّ عبّأهم للحرب، فجعل على الميمنة زهير بن القين البجلي، وعلى المسيرة حبيب بن مظاهر الأسدي، وثبتعليه‌السلام وأهل بيته في القلب، وأعطى رايته أخاه العباس بن أمير المؤمنينعليه‌السلام . ثمّ تقدّم خطيباً في أهل الكوفة، فعن الضحّاك المشرقي: فوالله، ما سمعت متكلّماً قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه(٢) ! كما خطب بعض أصحابه (رضوان الله عليهم).

والتحق الحرّ الرياحي وآخرون بالحسينعليه‌السلام بعد أن وضحت لهم معالم الحقّ والرشاد، وخاف ابن سعد أن يفلت من يده الزمام، فتقدّم نحو عسكر الحسينعليه‌السلام ورمى بسهم وقال: اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل مَنْ رمى. ثمّ رمى الناس، فلم يبقَ من أصحاب الحسينعليه‌السلام أحد إلاّ أصابه من سهامهم، فقالعليه‌السلام لأصحابه:(( قوموا

____________________

(١) كامل الزيارات / ٧٣.

(٢) تاريخ الطبري ٦ / ٢٤٢.

٢٤

رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه؛ فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم )) .

فحمل أصحابه حملة واحدة، واقتتلوا ساعة، فما انجلت الغبرة إلاّ عن خمسين صريعاً(١) . ثمّ أخذوا يحملون فرادى ومجموعات صغيرة حتى استشهدوا عن آخرهم (رضوان الله عليهم أجمعين).

وتقدّم الهاشميّون يودّع بعضهم البعض، وأوّل مَنْ تقدّم منهم للحرب أبو الحسن علي الأكبرعليه‌السلام ، فلمّا رآه الحسينعليه‌السلام رفع شيبته نحو السماء وقال:(( اللّهمّ اشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه. اللّهمّ فامنعهم بركات الأرض، وإن متّعتهم ففرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضِ الولاة عنهم أبداً؛ فأنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدوا علينا يُقاتلونا ويقتلونا )) .

ثمّ صاح الحسينعليه‌السلام بعمر بن سعد:(( ما لك ؟! قطع الله رحمك، ولا بارك لك في أمرك، وسلّط عليك مَنْ يذبحك على فراشك (٢) كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله )) .

ثمّ رفع صوته وقرأ:(( إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام - للمقرّم / ٢٩٢.

(٢) وقد استجاب الله جلّ جلاله دعاء سيد الشهداءعليه‌السلام ؛ فقد أرسل إليه المختار (رضوان الله عليه) مَنْ قتله على فراشه.

٢٥

عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) (١) .

ثمّ حمل علي بن الحسينعليه‌السلام وهو يقول:

أنا عليُّ بنُ الحسين بنِ علي

نحن وبيتِ الله أولى بالنبي

واللهِ لا يحكم فينا ابن الدعي

أطـعنكم بالرمح حتى ينثني

أضربكم بالسيف حتى يلتوي

ضربَ غلامٍ هاشميٍّ علوي

فلم يزل يُقاتل حتى ضجّ أهل الكوفة لكثرة مَنْ قُتل منهم، حتى روي أنّه قتل على عطشه مئة وعشرين رجلاً، ثمّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة، فقال: يا أبه، العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة ماء من سبيل أتقوّى بها على الأعداء ؟

فبكى الحسينعليه‌السلام وقال:(( يا بُني، عزّ على محمّد وعلى عليّ وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك، وتستغيث بهم فلا يغيثونك. يا بُني، هات لسانك )) . فأخذ لسانه فمصّه، ودفع إليه خاتمه وقال له:(( خذ هذا الخاتم في فيك، وارجع إلى قتال عدوّك؛ فإنّي أرجو أن لا تُمسي حتّى يسقيك جدّك

____________________

(١) سورة آل عمران / ٣٣ – ٣٤.

٢٦

بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً )) .

فرجع علي بن الحسين إلى القتال، وحمل وهو يقول:

الحرب قد بانت لها حقائقْ

وظهرت من بعدها مصادقْ

والله ربّ العرش لا نفارقْ

جموعكم أو تُغمد البوارقْ

وجعل يُقاتل حتى قتل تمام المئتين، ثمّ ضربه منقذ بن مرّة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها، وضربه الناس بأسيافهم؛ فاعتنق الفرس فحمله إلى عسكر عدوّه فقطّعوه بأسيافهم إرباً إرباً، فلمّا بلغت روحه التراقي نادى بأعلى صوته: يا أبتاه، هذا جدّي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً، وهو يقول لك:(( العجل؛ فإنّ لك كأساً مذخورة )) .

فصاح الحسينعليه‌السلام :(( قتل الله قوماً قتلوك يا بُني، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله ! على الدنيا بعدك العفا )) (١) .

____________________

(١) مقتل الحسينعليه‌السلام - للخوارزمي ٢ / ٣١.

٢٧

مرقدهعليه‌السلام

وفي اليوم الحادي عشر من المحرّم دفن عمر بن سعد قتلاه وترك الحسينعليه‌السلام وأهل بيته وأنصاره تصهرهم الشمس، وفي اليوم الثالث عشر جاء بنو أسد لدفن الأجساد الطاهرة، وقبل أن يُباشروا مهمّتهم جاء الإمام زين العابدينعليه‌السلام من الكوفة للمهمّة نفسها، وأخذ يعاونهم في عملهم.

فدفن أباه الحسينعليه‌السلام في قبر مستقل، كما دفن جميع الشهداء في قبر واحد - عدا حبيب بن مظاهر - كما دفن عمّه العباسعليه‌السلام على العلقمي حيث مصرعه، ودفن أخاه علياً عند رجلي أبيهعليه‌السلام . وسبق لنا القول إنّ الإمامعليه‌السلام يعمل وفقاً لتعاليم السماء، ويتصرّف حسبما يؤمر به.

وتكشف الأيام بعض هذا السرّ، فإذا بضريحه الطاهر يطوف به المسلمون من جميع أقطار المعمورة، متوسّلين به إلى الله سبحانه في قضاء حوائجهم، وكشف كربهم، وطلب المغفرة منه سبحانه وتعالى بشفاعته، كما بقي هذا الأثر الرفيع شاهد عدل على ظلم الأولين وعتوّهم.

٢٨

ويقول الشيخ جعفر الشوشتري (رحمه الله): وملاحظة انكسار القلب عند النظر إلى قبره وقبر والده عند رجليه كما في الرواية(١) .

____________________

(١) الخصائص الحسينية / ٧، والرواية التي أشار الشيخ إليها عن الصادقعليه‌السلام .

٢٩

كلمات الأئمّةعليهم‌السلام

في هذا الفصل تتبيّن عظمة الشهيد، فكلّ مؤلّف مهما كان من الورع والتقوى والضبط ربّما يجنح به القلم فيطنب مادحاً فوق الاستحقاق، أو يقدح ذاماً بأكثر من المطلوب، ولكنَّ الأئمّة (صلوات الله وسلامه عليهم) منزّهون عن ذلك، فلا يستهويهم حبّ فيمدحون، ولا يستفزّهم بغض فيذمّون، بل كلامهم المعيار الحقيقي لتقييم الشخص.

وبين يديك بعض كلماتهم (صلوات الله عليهم) في الشهيد الأكبرعليه‌السلام ، وبيان منزلته الرفيعة، ومقامه السامي عند الله والرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١ - قال الإمام الحسينعليه‌السلام وقد وقف على مصرعه:(( قتل الله قوماً قتلوك، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ! )) . وانهملت عيناه بالدموع، ثمّ قال:(( على الدنيا بعدك العفا )) (١) .

٢ - قال الإمام الصادقعليه‌السلام في زيارته:(( السّلام عليك يابن رسول الله، السّلام عليك يابن

____________________

(١) الإرشاد / ٢٣٩.

٣٠

أمير المؤمنين، السّلام عليك يابن الحسين، السّلام عليك يابن خديجة الكبرى وفاطمة الزهراء، صلّى الله عليك - ثلاثاً -لعن الله مَنْ قتلك - ثلاثاً -أنا إلى الله منهم بريء )) (١) .

وقال الإمام الصادقعليه‌السلام في زيارة له اُخرى:(( سلام الله وسلام ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته، صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك، وعترة آبائك الأخيار الأبرار الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً )) (٢) .

وقالعليه‌السلام في زيارة اُخرى:(( السّلام عليك يابن رسول الله ورحمة الله وبركاته، وابن خليفة رسول الله، وابن بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته، مضاعفة كلّما طلعت شمس أو غربت. السّلام عليك وعلى روحك وبدنك، بأبي أنت واُمّي من مذبوح ومقتول من غير جرم ! بأبي أنت واُمّي دمك المرتقى به إلى حبيب الله ! بأبي أنت وأُمي من مقدّم بين يدي أبيك يحتسبك ويبكي عليك، محترقاً عليك قلبه، ويرفع دمك بكفّه إلى عنان السماء لا يرجع منه قطرة، ولا تسكن من أبيك عليك زفرة.

____________________

(١) كامل الزيارات / ٢٠٠.

(٢) كامل الزيارات / ٢٠٤.

٣١

ودّعك للفراق، فمكانكما عند الله مع آبائك الماضين، ومع اُمّهاتك في الجنان منعّمين. أبرأ إلى الله ممّن قتلك وذبحك )) .

ثمّ انكب على القبر وضع يديك عليه وقل:(( سلام الله وسلام ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته، صلّى الله عليك وعلى عترتك وأهل بيتك، وآبائك وأبنائك واُمّهاتك الأخيار الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

السّلام عليك يابن رسول الله، وابن أمير المؤمنين، وابن الحسين بن علي ورحمة الله وبركاته، لعن الله قاتلك، ولعن الله مَنْ استخفّ بحقّكم وقتلكم، لعن الله مَنْ بقي منهم ومَنْ مضى، نفسي فداؤكم ولمضجعكم، صلّى الله عليك وسلّم تسليماً كثيراً )) .

ثمّ ضع خدّك على القبر وقل:(( صلّى الله عليك يا أبا الحسن - ثلاثاً -بأبي أنت واُمّي، أتيتك زائراً وافداً عائذاً ممّا جنيت على نفسي، واحتطبت على ظهري، أسأل الله وليّك وليّي أن يجعل حظّي من زيارتك عتق رقبتي من النار )) (١) .

____________________

(١) كامل الزيارات / ٢٤٠.

٣٢

وقال أيضاً في زيارة اُخرى:(( السّلام عليك يا وليّ الله وابن وليّه، السّلام عليك يا حبيب الله وابن حبيبه، السّلام عليك يا خليل الله وابن خليله، عشت سعيداً، ومتَّ فقداً، وقتلت مظلوماً، يا شهيد ابن الشهيد عليك من الله السّلام )) (١) .

وقال الإمام المهديعليه‌السلام في زيارة الناحية:(( السّلام عليك يا أوّل قتيل من نسل خير سليل، من سلالة إبراهيم الخليل، صلّى الله عليك وعلى أبيك )) (٢) .

____________________

(١) المزار الكبير (مخطوط).

(٢) الإقبال / ٤٤.

٣٣

موكب الشعراء

وعلي الأكبرعليه‌السلام يتلو الأئمّة (صلوات الله وسلامه عليهم) في الفضائل والمكارم، ولا يقصر عنهم إلاّ في الإمامة التي خصّهم بها الله سبحانه وتعالى من بين خلقه؛ لنا على ذلك شواهد كثيرة مرّ عليك بعضها.

وليس هذا وحده هو الموجب لرثائهعليه‌السلام ، بل إنّ في ندبته مواساة لسيد الشهداءعليه‌السلام في مصابه بشبله، كما إنّ رثاءهعليه‌السلام شجب لعمل العتاة لظالمين، ونصرة لأئمّة الحقّ (صلوات الله عليهم أجمعين)، وتعرّض لدخول الجنّة لما ورد في الحديث.

وبين أيدينا مجموعة كبيرة من الشعر في رثائهعليه‌السلام ، وبعضها من غرر الشعر وجيّده نسجّل منها:

١ - قال أبو الحسن التهامي:

يا كوكباً ما كان أقصرَ عمرَه

وكذا تكون كواكبُ الأسحارِ

وهلالُ أيامٍ مضى لم يستدر

بدراً ولم يُمهل لوقت سرارِ

٣٤

عـجل الخسوفُ عليه قبل أوانه

فـمحاه قـبل مـظنّة الإبـدارِ

فـكـأنَّ قـلبي قـبرُه وكـأنه

فـي طـيِّه سـرٌّ من الأسرارِ

جـاورتُ أعـدائي وجاور ربّه

شـتان بـين جـوارِه وجواري

هيهات قد علقتك أشراكُ الردى

وأبـاد عـمرَك قـاطعُ الأعمارِ

ولـقد جـريتَ كما جريتُ لغاية

فـبلغتها وأبـوك في المضمارِ

واُخفِّض الزفراتِ وهي صواعدٌ

واُكفكفُ العبراتِ وهي جوارِ(١)

٢ - قال المرحوم السيد إبراهيم الطباطبائي:

قـف بي على ذاك الضريحِ الأنورِ

بـتـفجّعٍ لـنوى عـلي الأكـبرِ

وضـع الـشفاه عليهِ وانشق تربة

نـفحت بـطيبِ شـذى نسيم العنبرِ

٣٥

طـوبى لـها مـن بـقعةٍ خُـلديةٍ

عـبقت لـزائرها بـمسكٍ أذفـرِ

وابـكِ وخـصَّ أبـاهُ عنه معزّياً

بـتـفـجّعٍ وتـلـدّدٍ وتـحـسّرِ

لـلهِ قـبرٌ ضـمّ مـنهُ ضـريحه

مـكـنونَ لـؤلؤهِ بـعقدٍ جـوهرِ

مـولىً تـطاولتِ الصفوفُ برمسهِ

شـرفاً على هامِ السهى والمشتري

مـولىً عـلى الدنيا العفا من بعدهِ

قـالَ الـحسينُ لـهُ بـقلبٍ مسعرِ

أفـديه مـن شـبلٍ لأحمد قد حوى

سـمةَ الـنبيِّ لـهُ وسـطوةَ حيدرِ

إن قـالَ قـيلٌ لا مـراً هـو جدّه

أو صـالَ قـيلَ أبوهُ ساقي الكوثرِ

لـم يـحو عمراً غيرَ أربعَ عشرة

وا حـرّ قـلبي لـلصغيرِ الأكـبرِ

يـختالُ بين الخيلِ حشرَ مضاضةٍ

حـصداً ويسحبُ فضلَ ذيلِ سنورِ

الـمصدر الـفرسان وهي نواكصٌ

مـا بـينَ شـبهِ مـكوّرٍ ومـكوَّرِ

٣٦

غـيران غـير مـقطّر عن مهره

ولـكم بـهِ قـد داس شأو مقصّرِ

حـدث وإن سـيمَ الـهوان فأكبر

مـتـنمّر لـلـحادثِ الـمـتنمّرِ

وأغـرّ تـحسبهُ الـعدى لـحبائهِ

غـرّاً ويـطعنُ طـعن غير مغرّرِ

لـم يـثنهِ الـطعنُ الدراك بصدرهِ

ولـكادَ يـثني الطعنَ صدرُ الأشقرِ

قـرمٌ يـردّ الـجيشَ وهو عرمرمٌ

ويـفلُّ صـفَ الـجحفلِ المتجمهرِ

لـلـهِ من قـمرٍ أبـي لـعلوّه

ويـهوي إلـى الغبرا بوجهٍ مزهرِ

فـانصاعَ مـعتنقاً هـنالك مـهرهُ

والـقـومُ بـين مـهلهلٍ ومـكبّرِ

لـم أنـسَ إذ ولّـى الجوادُ مبادراً

يـنحو الـعداةِ بـهِ لـذاك العسكرِ

فـاسـتقبلوهُ وقـطّـعوا جـثمانهُ

إرباً فـإرباً بـالسيوفِ الـبتّرِ

يـلقى الـسيوفَ بطلقِ وجهٍ أزهرِ

كـالبدرِ يشرقُ في العجاجِ الأكدرِ

٣٧

تـركت سـيوفُ أمـيّةٍ جـثمانَهُ

مـتـوزّعاً بـين الـقنا الـمتكسّرِ

تـعدو الـجيادُ عليهِ وهي ضوابحٌ

عـقر لـهاتيك الـجياد الـضمّرِ

أبكيكَ أبيضَ تطفو في بحرِ الردى

والـخيلُ تـرسبُ بالنجيعِ الأحمرِ

أبـكـيكَ أبـلجَ يـستهلُّ بـطلعةٍ

غرّاءَ مـسفرة بـصبحٍ مـسفرِ

أبـكيكَ بـالمسترسلاتِ الـمعصرا

ت دماً على طولِ المدى والأعصرِ

أبـكيكَ مـا انهلّت سواجمُ عبرتي

ووددت لو أجرت دموعيَ محجري

مَـنْ مـبلغ الزهراءَ بضعةَ أحمدٍ

أنّ ابـن بـضعتها لقىً في العثيرِ

مَـنْ مـبلغ الـزهرا بنجلِ سليلها

شـلواً عـلى الـبوغا بوجهٍ أنورِ

مَـنْ مـبلغ الـزهرا بنجلِ سليلها

نـهبَ الـسيوفِ بـمسمعٍ وبمنظرِ(١)

____________________

(١) شعراء الغري ١ / ١٢٣.

٣٨

٣ - قال المرحوم الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (طاب ثراه):

هـو الوجدُ يذكيهِ الجوى في الجوانحِ

فـيجري بـمنهلِ الـدموعِ السوافحِ

لآلِ عـلـيٍّ يـوم سـيموا بـفادحٍ

لهُ عـقـمت اُمُّ الـرزايا الفوادحِ

فـساروا سـراعاً لـلمنايا مـوارحا

تـهـبُّ بـجردٍ لـلطعانِ مـوارحِ

أهـابـوا إلـيها سـيّداً بـعدَ سـيّدٍ

وخـفّوا إلـيها صـالحاً إثـرَ صالحِ

وأبـدوا لـحرّ الـطعنِ حرَّ محاسنٍ

وسـمنَ بـني حربٍٍ بخزي المقائحِ

فـمَنْ يـفع لـفّ الـكهورِ بـمثلها

ومَـنْ جـذعٍ أدمـى قروحَ القوارحِ

وذي نـجدةٍ يـستقبلُ الـخيلَ أعزلاً

فـيفتكُ فـيها رمـحهُ فـتكَ رامـحِ

إذا أظـلمت من عجّها حومةُ الوغى

رمـاها مـحيّاهُ بـضوءِ الـمصابحِ

وأشـبـههم خـلقاً وخُـلقاً ومـنطقاً

بـأحمدَ فـي غـرِّ الـثنا والـمدايحِ

٣٩

وكـانوا إذا اشـتاقوا لـوجهِ مـحمّدٍ

عـنوا لـمحيّاًً مـنهُ بـالشبهِ واضحِ

فـلهفي لـبدرٍ مـن مـحيّاهُ ساطعٌ

ولـكن بـبحرٍ مـن دمِ النحرِ سابحِ

يـموجُ بـماءِ الـحسنِ مـاءُ شبابهِ

ويـوري الظما جمراًً وراءَ الجوانحِ

تـمـيسُ عـلى أعـطافهِ وفـراتهُ

فـقل سـود أعـلامِ القنا المتطاوحِ

إذا نـشرتها هـبّة الـعزم لـم تجد

سـوى لـفّ راياتِ الكماةِ الجحاجحِ

ومـا بـلغَ الـعشرينَ ريعانُ عمرهِ

وألـقى المئينَ البهمَ فوقَ الصحاصحِ

أجال الوغى جولَ الرحى وانكفى إلى

أبـيهِ بـقلبٍ عـن سنا الجمرِ قادحِ

دعـاهُ بـصوتٍ يصدعُ الصمَّ شجوهُ

ويـفجعُ حـتّى الساجعاتِ الصوادحِ

دعـاهُ أبـي هـل من سبيلٍ لشربةٍ

تـعينُ عـلى ضربِ العدى والتكافحِ

جـهدتُ بـأثقالِ الـحديدِ وكـضّني

ضـماي بـحرِّ الـهاجراتِ البوارِحِ

٤٠