العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف: علاء الحسون
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف:

الصفحات: 432
المشاهدات: 186088
تحميل: 7548

توضيحات:

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 186088 / تحميل: 7548
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

العدل عند مذهب

أهل البيت (عليهم السلام)

علاء الحسون

١

٢

العدل عند مذهب

أهل البيت (عليهم السلام)

علاء الحسون

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

٥

٦

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

كلمة المجمع

إنّ تراث أهل البيت(عليهم السلام) الذي اختزنته مدرستهم وحفظه من الضياع أتباعهم يعبّر عن مدرسة جامعة لشتى فروع المعرفة الإسلامية. وقد استطاعت هذه المدرسة أن تربّي النفوس المستعدة للاغتراف من هذا المعين، وتقدّم للاُمة الإسلامية كبار العلماء المحتذين لخُطى أهل البيت(عليهم السلام)الرسالية، مستوعبين إثارات وأسئلة شتى المذاهب والاتجاهات الفكرية من داخل الحاضرة الإسلامية وخارجها، مقدّمين لها أمتن الأجوبة والحلول على مدى القرون المتتالية.

وقد بادر المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام) - منطلقاً من مسؤولياته التي أخذها على عاتقه - للدفاع عن حريم الرسالة وحقائقها التي ضبّب عليها أرباب الفرق والمذاهب وأصحاب الاتجاهات المناوءة للإسلام، مقتفياً خطى أهل البيت(عليهم السلام)وأتباع مدرستهم الرشيدة التي حرصت في الرد على التحديات المستمرة، وحاولت أن تبقى على الدوام في خطّ المواجهة وبالمستوى المطلوب في كلّ عصر.

إنّ التجارب التي تختزنها كتب علماء مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)في هذا المضمار فريدة في نوعها; لأنها ذات رصيد علمي يحتكم إلى العقل والبرهان ويتجنّب الهوى والتعصب المذموم، ويخاطب العلماء والمفكرين من ذوي الاختصاص خطاباً يستسيغه العقل وتتقبله الفطرة السليمة.

وقد حاول المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام)أن يقدم لطلاّب الحقيقة مرحلة جديدة من هذه التجارب الغنيّة من خلال مجموعة من البحوث والمؤلفات التي يقوم بتصنيفها مؤلفون معاصرون من المنتمين لمدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، أو من الذين أنعم الله عليهم بالالتحاق بهذه المدرسة الشريفة، فضلاً عن قيام

٧

المجمع بنشر وتحقيق ما يتوخى فيه الفائدة من مؤلفات علماء الشيعة الأعلام من القدامى أيضاً; لتكون هذه المؤلفات منهلاً عذباً للنفوس الطالبة للحق، لتنفتح على الحقائق التي تقدّمها مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)الرسالية للعالم أجمع، في عصر تتكامل فيه العقول وتتواصل النفوس والأرواح بشكل سريع وفريد.

ونتقدم بالشكر الجزيل لسماحة الشيخ علاء الحسّون لتأليفه هذا الكتاب، ولكل الإخوة الذين ساهموا في إخراجه.

وكلّنا أمل ورجاء بأن نكون قد قدّمنا ما استطعنا من جهد أداءً لبعض ما علينا تجاه رسالة ربّنا العظيم الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه وكفى بالله شهيداً.

المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام)

المعاونية الثقافية

٨

المقدمة

مقدّمة المؤلف:

يمتاز موضوع العدل الإلهي بأهمية فائقة نتيجة تأثيره البالغ في بلورة رؤيتنا حول التعامل الإلهي معنا وتحديده العلاقة فيما بيننا وبين اللّه تعالى، وتركه الآثار الواضحة في مختلف جوانب حياتنا الفردية والاجتماعية.

وقد تعرّض موضوع العدل الإلهي - للأسف الشديد - إلى هجمات مغرضة من قبل بعض السلطات الجائرة التي هيمنت على العالم الإسلامي في العصور السابقة، وقد تركت هذه الهجمات الآثار السيئة في عقول ونفوس المسلمين نتيجة وقوعهم في التفسيرات الخاطئة لكيفية التعامل الإلهي مع الإنسان.

وقد وقف أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بوجه هذه التيارات المنحرفة التي استهدفت العدل الإلهي وأشاعت مفهوم الجبر بين الناس، واهتم أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) - اقتداءً بسيرة أئمتهم الهداة، واعتماداً على كلماتهم النورانية - بمسألة إصلاح الرؤية الخاطئة حول العدل الإلهي، وأكّدوا على تنزيه اللّه تعالى عما لا يليق بشأنه حتّى أصبح موضوع العدل الإلهي - بمرور الزمان - أصلا من أصول الدين عندهم.

وقد اهتم علماء مذهب أهل البيت(عليهم السلام) - على مرّ العصور - بهذا الموضوع في مصنّفاتهم، وتناولوه من جميع الجوانب، وحاولوا تأسيس الإيمان باللّه على ضوء قواعد معرفية متينة وإشاعة الفهم الصحيح لموضوع العدل الإلهي من أجل صيانة أبناء المجتمع من العقائد الضالّة والاختراقات الفكرية المنحرفة، ولتكون علاقتهم مع ربّهم قائمة على أسس عقائدية مبتنية على أدلة وبراهين ساطعة.

ولكن المشكلة التي نعاني منها - في يومنا هذا - هي أنّ المفاهيم المطروحة حول موضوع العدل الإلهي في كتب هؤلاء العلماء على رغم امتلاكها القيمة العلمية الكبيرة، فإنّها مؤلّفة بلغة زمانها ومدوّنة وفق المناهج السائدة في عصرها.

ولهذا تطلّب الأمر - في مرحلتنا الراهنة - القيام بإعادة صياغة هذه المفاهيم

٩

وتبيينها وفق عرض جديد ومحاولة تطويرها بقدر الإمكان لتكون غذاءً فكرياً مناسباً لمتطلّبات واحتياجات العصر، ولتكون زاداً علمياً منسجماً مع أجواء الساحة العلمية والفكرية المعاصرة.

ولهذا الغرض تمّ تأليف هذا الكتاب، فهو محاولة لعرض المواضيع العقائدية المرتبطة بمفهوم العدل الإلهي بلغة واضحة وسهلة وميسّرة وبعيدة عن الالتواء والتعقيد، وعلى شكل فقرات موجزة وتقسيمات واضحة تساعد القارئ على فهم المواضيع المطروحة بسهولة، وتشوّقه لمتابعة البحث، وتأخذ بيده ليندمج مع التفاصيل من دون تكلّف.

وقد تضمّن هذا الكتاب أهم المواضيع العقائدية المرتبطة بالعدل الإلهي.

وهي حسب ترتيب عرضها في هذا الكتاب:

الفصل الأوّل: العدل في أفعال اللّه تعالى.

الفصل الثاني: الحسن والقبح العقليّان.

الفصل الثالث: وجود الغرض والغاية في أفعال اللّه تعالى.

الفصل الرابع: الشرور والآلام.

الفصل الخامس: العوض.

الفصل السادس: القضاء والقدر.

الفصل السابع: الجبر والتفويض.

الفصل الثامن: التكليف.

الفصل التاسع: الثواب والعقاب.

الفصل العاشر: اللطف.

الفصل الحادى عشر: الأصلح.

الفصل الثاني عشر: الهداية والإضلال.

الفصل الثالث عشر: الأجل.

الفصل الرابع عشر: الرزق.

١٠

وسيشعر القارئ خلال نظرته الأُولى إلى المواضيع المطروحة في هذا الكتاب بأنّ رغبته لمطالعة بعض الفصول أكثر من غيرها، بل قد تكون رغبته في الفصل الواحد متّجهة لبعض المباحث دون غيرها، ولهذا أقول لكلّ من يقع هذا الكتاب بيده: لا يوجد أي داع للمواظبة على مراعاة التسلسل في مطالعة مواضيع هذا الكتاب، بل تستطيع - أيها القارئ العزيز - أن تصفّح هذا الكتاب أو تلاحظ الفهرس فتختار الموضوع المثير لاهتمامك وتقرأ ما تتجه إليه رغبتك.

وفي الختام آمل أن تكون المنهجية الجديدة المتّبعة في هذا الكتاب مؤثّرة في سهولة إلمام القارئ بالمفاهيم الدينية المرتبطة بالعدل الإلهي، كما آمل أن تكون هذه المنهجية المتمثّلة بعرض البحوث على شكل فقرات مقسّمة ومقاطع موجزة نموذجاً لعرض بقية المواضيع العلمية بهذه الطريقة المؤدّية إلى وصول القارئ بسهولة إلى معرفة المفاهيم المطروحة.

علاء الحسّون

١١

١٢

الفصل الأوّل

العدل في أفعال اللّه تعالى

معنى العدل

أدلة عدم فعله تعالى للقبيح

مناقشة رأي الأشاعرة حول فعله تعالى للقبيح

قدرة اللّه تعالى على فعل القبيح

عدم فعله تعالى للظلم

١٣

١٤

المبحث الأوّل

معنى العدل

معنى العدل (في اللغة):

ورد في "لسان العرب": العَدْل: ما قام في النفوس أ نّه مستقيم، وهو ضدّ الجور.

والعدل في أسماء اللّه تعالى يعني الحكم بالحق. والعدل في الناس يعني المرضي قوله وحُكمه(١) .

تنبيه:

"العَدْل" من أسماء اللّه تعالى، وهو مصدر أُقيم مقام الاسم، والمقصود منه المبالغة في وصفه تعالى بأ نّه عادل، أي: كثير العدل(٢) .

معنى العدل (في الاصطلاح العقائدي):

العدل يعني تنزيه اللّه تعالى عن فعل القبيح والإخلال بالواجب(٣) .

معنى التنزيه:

التنزيه يعني البُعد، ويُقال: اللّه منزّه عن القبيح، أي: بعيد عنه(٤) .

____________________

١- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (عدل).

٢- انظر: مجمع البحرين، فخر الدين الطريحي: ٣/١٣٣.

٣- انظر: النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد: الفصل الثاني، ص٣٢.

شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: أبواب العدل، ص ٨٣.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث الخامس، ص١١١.

نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، مبحث أنّ اللّه تعالى لا يفعل القبيح، ص٨٥.

شرح الأصول الخمسة، القاضي عبد الجبار: الأصل الثاني، الفصل الثاني، ص ٣٠١.

٤- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (نزه).

١٥

معنى الفعل القبيح:

الفعل القبيح هو الفعل الذي يستحق فاعله الذم، ويستحق تاركه المدح(١) .

معنى الفعل الواجب:

الفعل الواجب هو الفعل الذي يستحق فاعله المدح، ويستحق تاركه الذم(٢) (٣) .

معنى الوجوب على اللّه تعالى:

إنّ قولنا "الوجوب على اللّه تعالى" لا يعني أ نّه تعالى محكوم بأوامر غيره، بل يعني أنّنا نكتشف عن طريق التدبّر في صفاته تعالى أ نّه حكيم، وتقتضي حكمته أن يفعل كذا، لأنّ عدم فعله له يؤدّي إلى الإخلال بحكمته(٤) .

الآيات القرآنية المتضمّنة لمعنى الوجوب على اللّه تعالى:

١ -( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) [الأنعام: ٥٤]

أي: أوجب اللّه تعالى على نفسه الرحمة(٥) .

٢ -( وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) [النحل: ٩]

أي: يجب على اللّه تعالى بيان الطريق المستقيم للعباد(٦) .

٣ -( إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى ) [الليل: ١٢]

أي: يجب علينا بمقتضى العدل أن نهدي العباد إلى الحقّ ببعث الرسل ونصب الدلائل(٧) .

٤ -( وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرى ) [النجم: ٤٧]

____________________

١ و ٢) انظر المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في العدل، ص١٥٢.

الاعتماد، مقداد السيوري: الركن الثاني، ص ٧٥.

٣- ينبغي تقييد المدح والذم في هذا المجال بمرتبة خاصة لئلاّ يشمل المستحب.

انظر: صراط الحقّ، محمّد آصف المحسني: ج٢، المقصد الخامس، القاعدة الاُولى، ص ١٦٧.

٤- للمزيد راجع: تلخيص المحصّل، نصير الدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثالث، ص٣٤٢.

٥- انظر: الميزان، محمّد حسين الطباطبائي: ج٧، تفسير آية ١٢ و ٥٤ من سورة الأنعام، ص ٢٧ و ١٠٥.

٦- انظر: تفسير القرآن الكريم، عبد اللّه شبّر: تفسير آية ٩ من سورة النحل.

٧- انظر: المصدر السابق: تفسير آية ١٢ من سورة الليل.

١٦

أي: يجب على اللّه تعالى أن يجعل داراً أُخرى إضافة إلى دار الدنيا ليقع فيها الجزاء والانتصاف(١) .

دليل عدم إخلاله تعالى بالواجب:

إنّ اللّه تعالى لا يخل بالواجب، لأنّ الإخلال به قبيح(٢) . وسنبيّن لاحقاً أدلة عدم فعله تعالى للقبيح.

معنى العدل الإلهي في أحاديث أئمة أهل البيت(عليهم السلام):

١ - قال الإمام علي(عليه السلام): "العدل أن لا تتهمه"(٣) .

٢ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "أمّا العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه"(٤) .

تنبيهات:

١ - إنّ "العدل" من صفات اللّه "الفعلية"، وليس من صفاته "الذاتية"(٥) ، لأنّ "العدل" عبارة عن تنزيه اللّه تعالى عن فعل القبيح والإخلال بالواجب، وهذا الأمر منتزع من مقام الفعل.

____________________

١- انظر: مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج٩، تفسير آية ٤٧ من سورة النجم، ص ٢٧٦.

٢- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الأوّل، البحث الخامس، ص ١١١.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، الفصل الخامس، البحث الثالث، ص٢٦٠.

الاعتماد، مقداد السيوري: الركن الثاني، ص ٧٥

٣- نهج البلاغة، الشريف الرضي: باب المختار من حكم أمير المؤمنين (عليه السلام)، الحكمة ٤٧٠، ص٧٥٥.

٤- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٥، ح١، ص٩٣.

٥- الفرق بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية:

الصفات الذاتية الصفات الفعلية

منتزعة من الذات الإلهية منتزعة من الأفعال الإلهية

قديمة بقدم الذات الإلهية حادثة بحدوث الأفعال الإلهية

لا يصح سلبها عنه تعالى أبداً يصلح سلبها عنه تعالى في بعض الأحيان

فلا يقال: اللّه غير عالم وغير قادر في فيقال: اللّه لا يخلق ولا يرزق في

بعض الأحيان بعض الأحيان

انظر: الكافي، الشيخ الكليني: ج١، كتاب التوحيد، باب صفات الذات، ص ١١١.

١٧

٢ - إنّ العدل الإلهي صفة لكيفية تعامل اللّه تعالى مع الكون بما فيه الإنسان، ولهذا اكتسبت هذه الصفة أهمية خاصة وموقعاً مميّزاً، لأنّ بها يتمّ تحديد نوعية موقف تعامل اللّه عزّ وجلّ مع الإنسان.

٣ - إنّ "العدل الإلهي" لا يتنافى مع "حرّية اللّه في أفعاله".

وليس "العدل" قيداً لأفعال اللّه عزّ وجلّ.

لأنّ "الحرية الإلهية" منزّهة عن النقص والظلم والقبائح.

ولا يفعل اللّه تعالى إلاّ الحسن.

ولا يضع الأُمور إلاّ في مواضعها اللائقة بها.

ولهذا لا يكون بين "حرية اللّه في أفعاله" و"العدل الإلهي" أيّ تضاد أو تناف.

الفرق بين "العدل" و "المساواة":

إنّ "المساواة" تعني مراعاة التساوي بين طرفين أو بين عدّة أطراف.

ولكن "العدل" يعني إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه.

والفرق بينهما:

إنّ أموراً من قبيل: "مراعاة الاستحقاق" و"أخذ الأولويات بنظر الاعتبار" و"إعطاء كلّ كائن نصيبه بموجب ما يستحق":

تُشترط في "العدل".

ولكنها لا تُشترط في "المساواة".

مثال:

لايعني مراعاة العدل بين تلاميذ الصف الواحد أن يُعطى الجميع درجات متساوية.

ولا يعني مراعاة العدل بين العمّال والموظفين أن يُعطى الجميع أُجوراً متساوية.

بل يعني مراعاة العدل في هذا المقام:

إعطاء كلّ تلميذ الدرجة التي تستحقها معلوماته ولياقته العلمية.

١٨

وإعطاء كلّ عامل أُجرته بحسب أهمية العمل الذي يقوم به.

تنبيه:

إنّ الحكمة في جعل اللّه الاختلاف والفوارق بين الناس وعدم المساواة بينهم في إعطاء المواهب والنعم هو لأ نّه تعالى جعل الحياة الدنيا داراً للبلاء والاختبار، فخلق نظاماً يؤدّي إلى رفع بعض الناس فوق البعض الآخر، ليبلوهم أيّهم أحسن عملا، وليرى مستوى صبرهم وشكرهم ومدى نجاحهم في الاختبار الإلهي.

لماذا اعتبر العدل أصلا من أصول مذهب التشيّع؟

الدليل الأوّل:

بالعدل يتمّ التوحيد، ومن دون إثبات العدل لا يمكن إثبات النبوّة والإمامة والمعاد(١) .

قال العلاّمة الحلّي:

"اعلم أنّ هذا الأصل [العدل] عظيم تبتني عليه القواعد الإسلامية، بل الأحكام الدينية مطلقاً، وبدونه لا يتمّ شيء من الأديان"(٢) .

توضيح ذلك:

١ - الصلة بين "العدل" و"النبوّة":

إنّ العدل الإلهي هو الذي يقتضي:

أوّلا: إرسال اللّه الأنبياء بالهدى ودين الحقّ.

ثانياً: وثوق الناس بهؤلاء الأنبياء، واطمئنانهم بأنّ هؤلاء هم الذين أرسلهم اللّه وسدّدهم بالمعاجز، وأنّ هدفهم الخير والصلاح لهم.

ولولا العدل الإلهي لأمكن القول:

____________________

١- انظر: حقّ اليقين، عبد اللّه شبّر: كتاب العدل، الفصل الأوّل، ص ٨٣.

٢- نهج الحقّ، العلاّمة الحلّي: المسألة الثالثة، المبحث الحادي عشر، ص ٧٢.

١٩

أوّلا: قد لا يرسل اللّه تعالى أحداً من رسله إلى العباد، فيترك الناس لشأنهم، ثمّ يفعل بهم كيفما يشاء، فيبطل أصل النبوّة.

ثانياً: قد يسدّد اللّه تعالى الكذّابين والدجّالين بالمعجزة، أو يرسل رسلا من أجل إغواء العباد وإلقائهم في التهلكة، فلا يمكن بعد ذلك الوثوق بالأنبياء.

٢ - الصلة بين "العدل" و "الإمامة":

إنّ العدل الإلهي هو الذي يقتضي اصطفاء اللّه تعالى الأئمة والأوصياء بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) للحفاظ على ما جاء به الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والتصدّي من بعده للقيام بالمسؤوليات التي كانت على عاتقه(صلى الله عليه وآله وسلم) ما عدا النبوّة.

ولولا العدل الإلهي لجاز له تعالى أن يترك الأُمة من بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) سُدى، ويتركهم يتخبّطون في الضلال من دون وجود أحد يرشدهم إلى الحقّ والصواب.

٣ - الصلة بين "العدل" و "المعاد":

إنّ الاعتقاد بالعدل الإلهي هو الذي يستلزم الاطمئنان بالوعد الإلهي وتحقّق المعاد وإثابته تعالى للمحسن وعقوبته للمسيء في دار الآخرة.

ولولا ثبوت العدل الإلهي لم يمكن الوثوق بوعد اللّه تعالى، ولأمكن القول بأ نّه تعالى قد يلغي المعاد أو يقيمه ولكنه يتصرّف بالعباد كيفما يشاء، فيلقي الأنبياء في نار جهنم ويدخل الطغاة والمجرمين في جنّة النعيم! فيبطل بذلك أصل "المعاد".

الدليل الثاني:

إنّ الأشاعرة فسّروا "العدل الإلهي" بصورة تؤدّي إلى نفيه، فوقف أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام) بقوة أمام هذا التفسير، ودافعوا عن "العدل الإلهي" بحيث عُرفوا بالعدلية، واعتبر "العدل الإلهي" أصلا من أصول مذهبهم(١) .

____________________

١- اشتهر الخلاف حول مسألة العدل الإلهي بين المسلمين من بداية القرن الثاني للهجرة، واستمر هذا الخلاف بحيث أصبحت هذه المسألة علامة بارزة على أنّ المعتقد بها:

"شيعي" إذا كان من أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

"معتزلي" إذا كان من أتباع مذهب أهل السنة.

٢٠