العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف: علاء الحسون
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف:

الصفحات: 432
المشاهدات: 168137
تحميل: 5994

توضيحات:

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 168137 / تحميل: 5994
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

المبحث الرابع عشر

الأمر بين الأمرين

١ - قال الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) في جواب مَن سأله عن القدر: "... أ نّه أمر بين أمرين، لا جبر ولا تفويض"(١) .

٢ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): "لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين أمرين"(٢) .

٣ - سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): هل بين الجبر والقدر منزلة ثالثة؟ فقال(عليه السلام): "نعم، أوسع مما بين السماء والأرض"(٣) .

خصائص مقولة "الأمر بين الأمرين":

١ - بلغت الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت(عليهم السلام) في ذم الاتّجاهين الجبري والتفويضي وإثبات الأمر بين الأمرين حدّ التواتر(٤) .

٢ - إنّ مقولة الأمر بين الأمرين مقولة مستقلة وليست تلفيقاً بين نظريتي الجبر والتفويض، ولا يعني الأمر بين الأمرين أنّ الإنسان مجبور في جانب من جوانب أفعاله، ومفوّض إليه الأمر في جانب آخر، لأنّ الجبر في الأفعال التكليفيّة باطل بجميع مراتبه، والتفويض أيضاً باطل بأيّ نحو كان.

٣ - تُقدِّم مقولة "الأمر بين الأمرين" صياغة تجمع بين "العدل الإلهي" و"السلطة

____________________

١- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب١، ح١٠٣، ص٥٧.

٢- الكافي، الشيخ الكليني: ج١، كتاب التوحيد، باب: الجبر والقدر والأمر بين الأمرين، ح١٣، ص١٦٠.

٣- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٥٩، باب نفي الجبر والتفويض، ح٣، ص٣٥٠.

٤- انظر: محاضرات في أصول الفقه، السيّد الخوئي: ٢ / ٧٧، نقلا عن: التوحيد، دروس السيّد كمال الحيدري، بقلم جواد علي كسّار: ٢ / ٨٧.

٢٤١

الربانية"، لأنّ هذه المقولة:

تمنع - من جهة - نسبة الظلم والقبح إلى اللّه تعالى.

وتحفظ - من جهة أُخرى - سلطنة اللّه في دائرة ملكه.

٤ - إنّ هذه المقولة تجمع بين نسبة الفعل إلى اللّه تعالى ونسبته إلى الإنسان، وتحافظ في نفس الوقت على الاختيار الإنساني في إطار يوجِد التوازن بين أصل "العدل الإلهي" وبين أصل "السلطنة الإلهية" من دون أي تفريط لإحدى الجهات على حساب الأخرى.

أهم معاني الأمر بين الأمرين:

المعنى الأوّل:

إنّ أفعال الإنسان تنسب إليه حقيقة، لأ نّه السبب لها، وهي تحت قدرته واختياره، ولكنها من جهة أُخرى داخلة في سلطان اللّه تعالى، لأنّ اللّه تعالى له الهيمنة على قدرة الإنسان، وهو المالك لما ملّكه، والقادر على ما أقدره.

مثال:

١ - إذا أصيبت يد إنسان بالشلل، فلم يقدر على تحريكها بنفسه، فبعث الطبيب عن طريق جهاز كهربائي الحركة في يد هذا الشخص، بحيث أصبح هذا الشخص عند اتّصال يده بذلك الجهاز قادراً على تحريكها بنفسه:

فإنّ حركة يد هذا الشخص ستكون - في هذه الحالة - أمراً بين أمرين.

فهي لا تستند إلى صاحبها بنفسه كلّ الاستناد، لأنّ قدرته بحاجة إلى الاتّصال بالجهاز.

وهي لا تستند إلى الجهاز وحده، لأنّ الحركة إنّما تكون باختيار هذا الشخص وإرادته(١) .

____________________

١- انظر: محاضرات في أصول الفقه، السيّد الخوئي، بقلم: محمّد إسحاق الفياض: ٢/٨٧ - ٨٩. نقلا عن: التوحيد، دروس السيّد كمال الحيدري، بقلم: جواد علي كسّار: ٢/١١١ - ١١٢.

٢٤٢

٢ - إذا ملّك المولى عبده مالا ليتصرّف به:

فإذا قلنا: إنّ هذا التمليك لا يوجب أي مالكية للعبد، والمولى باق على مالكيته كما كان، فإنّ ذلك هو القول بالجبر.

وإذا قلنا: إنّ هذا التمليك يبطل ملك المولى، كان قولا بالتفويض.

وإذا قلنا: إنّ العبد يكون مالكاً، ولكن المولى - في نفس الوقت - مالك لجميع ما يملكه العبد، كان ذلك قولا بالأمر بين الأمرين(١) .

المعنى الثاني:

إنّ المقصود من نفي الجبر والتفويض هو نفيهما في التكليف.

ونفي الجبر في التكليف يعني أنّ اللّه تعالى لم يجبر أحداً على الالتزام بالتكاليف.

ونفي التفويض في التكليف يعني أ نّه تعالى لم يفوّض أمر التكليف للعباد، ليستلزم ذلك نفي التكليف، بل جعله أمراً بين أمرين، وهو أنّ الإنسان يمتلك الاختيار في أداء التكاليف الإلهية(٢) .

قال الشيخ المفيد:

"إنّ اللّه تعالى أقدر الخلق على أفعالهم، ومكّنهم من أعمالهم، وحدّ لهم الحدود في ذلك... فلم يكن بتمكينهم من الأعمال مجبراً لهم عليها، ولم يفوّض إليهم الأعمال لمنعهم من أكثرها، ووضع الحدود لهم فيها وأمرهم بحسنها ونهاهم عن قبيحها، فهذا هو الفصل بين الجبر والتفويض"(٣) .

المعنى الثالث:

إنّ لهداية اللّه تعالى وتوفيقاته مدخلا في أفعال العباد وطاعاتهم من غير أن تصل إلى حدّ الإلجاء والاضطرار وسلب القوة.

____________________

١- انظر: الميزان، العلاّمة الطباطبائي: ج١، تفسير سورة البقرة آية ٢٦ - ٢٧، ص١٠٠.

٢- انظر: هداية الأمة إلى معارف الأئمة، محمّد جواد الخراساني: المقصد الرابع: في أفعاله تعالى شأنه، فصل: تفسير الأمر بين الأمرين بما ورد عنهم(عليهم السلام)، ص٦٥٤ - ٦٥٨.

٣- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: فصل: في الفرق بين الجبر والاختيار، ص٤٧.

٢٤٣

كما أنّ لخذلانه تعالى لهم وإيكالهم إلى أنفسهم مدخلا في فعل المعاصي وترك الطاعات من غير أن تصل إلى حدّ الإلجاء والاضطرار، ومن دون صحة نسبة تلك الأفعال إلى اللّه تعالى(١) .

المعنى الرابع:

إنّ المقصود من الأمر بين الأمرين هو تدخّل اللّه تعالى في أفعال العباد بإيجاد بعض مقدماتها، كما هو واقع في أكثر المقدمات الخارجية التي منها تهيئة الأسباب ورفع الموانع، فحينئذ لا يكون العبد مجبوراً على الفعل ولا مفوّضاً إليه بمقدماته(٢) .

أقوال أئمة أهل البيت(عليهم السلام) حول معنى الأمر بين الأمرين:

١ - قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) حول معنى "أمر بين أمرين": "وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به، وترك ما نهوا عنه"(٣) .

٢ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام) حول الأمر بين الأمرين: "مثل ذلك: رجل رأيته على معصية، فنهيته، فلم ينته، فتركته، ففعل تلك المعصية، فليس حيث لم يقبل منك فتركته، كنت أنت الذي أمرته بالمعصية"(٤) .

٣ - سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام): أأجبر اللّه العباد على المعاصي؟

فقال(عليه السلام): " لا ".

فقال السائل: ففوّض إليهم الأمر؟

فقال(عليه السلام): " لا ".

فقال السائل: فماذا؟

فقال الإمام الصادق(عليه السلام): "لطف من ربّك بين ذلك"(٥) .

____________________

١- انظر: بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب٢، ذيل ح١، ص٨٣.

٢- انظر: دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر: ج١، إنّا فاعلون، مناقشة المظفر، ص٤٤٠ - ٤٤١.

٣- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج٥، كتاب العدل والمعاد، أبواب العدل، ب١، ح١٨، ص١٢.

٤- الكافي، الشيخ الكليني: ج١، كتاب التوحيد، باب: الجبر والقدر والأمر بين الأمرين، ح١٣، ص١٦٠.

٥- المصدر السابق: ح٨، ص١٥٩.

٢٤٤

٤ - قال الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) حول معنى الأمر بين الأمرين:

"إنّ اللّه عزّ وجلّ لم يطع بإكراه، ولم يعص بغلبة، ولم يهمل العباد في ملكه، هو المالك لما ملّكهم والقادر على ما أقدرهم عليه.

فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن اللّه عنها صاداً ولا منها مانعاً.

وإن ائتمروا بمعصيته، فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإن لم يَحُل، وفعلوه، فليس هو الذي أدخلهم فيه"(١) .

٥ - قال الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام):

"لا تقولوا: وكّلهم اللّه إلى أنفسهم، فتوهنوه.

ولا تقولوا: أجبرهم على المعاصي فتظلموه.

ولكن قولوا: الخير بتوفيق اللّه.

والشر بخذلان اللّه.

وكلّ سابق في علم اللّه"(٢) .

٦ - قال الإمام علي بن محمّد الهادي(عليه السلام) حول معنى الأمر بين الأمرين:

"هو الامتحان والاختبار بالاستطاعة التي ملّكنا اللّه وتعبّدنا بها..."(٣) .

____________________

١- التوحيد، الشيخ الصدوق: باب ٥٩: باب نفي الجبر والتفويض، ح٧، ص٣٥١.

٢- الاحتجاج، الطبرسي: ج١، احتجاجه(عليه السلام) في القضاء والقدر، ص٤٩٣.

٣- تحف العقول، الحسن بن علي الحرّاني: ما روى عن الإمام أبي الحسن علي بن محمّد(عليه السلام)، رسالته في الرد على أهل الجبر والتفويض، ص٣٤٥.

٢٤٥

٢٤٦

الفصل الثامن

التكليف

معنى التكليف

متعلّق التكليف

حسن التكليف

وجوب التكليف

غرض التكليف

شروط حسن التكليف

تكليف من لم تتّم عليه الحجّة

التكليف بما لا يطاق

٢٤٧

٢٤٨

المبحث الأوّل

معنى التكليف

معنى التكليف (في اللغة):

التكليف مأخوذ من الكُلفة، وهو عبارة عن الأمر بما فيه المشقّة(١) .

معنى التكليف (في الاصطلاح العقائدي):

التكليف هو بَعْثُ من تجب طاعته - ابتداءً - على ما فيه مشقة بشرط الإعلام(٢) .

توضيح قيود معنى التكليف:

القيد الأوّل: " بعث "

البعث على الفعل هو الحمل عليه والحثّ عليه بالأمر والنهي(٣) .

أقسام البعث(٤) :

أوّلاً: البعث على الفعل، وهو:

____________________

١- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة (كلف).

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الحادية عشر، ص٤٣٧.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع، ص٧١.

٢- انظر: المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: البحث الرابع، المطلب الأوّل، المقام الثاني، ص٩٥.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثاني، البحث الأوّل، ص١١٤.

النافع يوم الحشر: مقداد السيوري: الفصل الرابع، ص٧١.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الرابع، ص٢٤٧.

٣- انظر: النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع، ص٧١.

٤- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، ص٢٥٣ - ٢٥٤.

٢٤٩

١ - الواجب: الفعل الذي يجب فعله.

٢ - الندب: الفعل الذي من الأفضل فعله.

ثانياً: البعث على ترك الفعل، وهو:

١ - المحرّم: الفعل الذي لا يجوز فعله.

٢ - المكروه: الفعل الذي من الأفضل عدم فعله.

تنبيهان:

١ - إنّ التكليف - بصورة عامة - ينبغي أن يكون بعثاً على ما يستحق فعله المدح، من قبيل فعل الواجب والمستحب وترك القبيح، وعلى هذا يخرج المباح، لأنّ فعله أو تركه لا يستحق المدح.

٢ - إنّما ورد في تعريف التكليف كلمة "بعث" ليندرج في هذا التعريف: "الإرادة" و"الأمر" و"الإلزام" و"النهي" و"الإعلام"، فإنّها بأجمعها تشترك في كونها باعثة(١) .

القيد الثاني: " من تجب طاعته "

يدخل بهذا القيد من تجب طاعته من قبيل اللّه تعالى والنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام(عليه السلام)والوالدين والسيّد والمنعم، ويخرج من لا تجب طاعته، لأنّ بَعث غير واجب الطاعة لا يسمّى تكليفاً(٢) .

القيد الثالث: " الابتداء "

يكون التكليف بهذا القيد محصوراً بطاعة اللّه تعالى فقط، لأنّ البعث الإلهي هو البعث الوحيد الذي يكون من جهة الابتداء، وغيره تابع له.

ولهذا لا تسمّى أوامر ونواهي النبي والإمام ومن تجب طاعتهم من العباد تكليفاً، لأنّ طاعتهم متفرّعة عن طاعة اللّه تعالى، فلا يعتبر بعثهم على ما أمر به اللّه تعالى

____________________

١- انظر: إشراق اللاهوت، عميد الدين العبيدلي، المقصد العاشر، المسألة الأُولى، ص٣٧٩.

٢- انظر: إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، تعريف التكليف، ص٢٧١.

إشراق اللاهوت، عميد الدين العُبيدلي: المقصد العاشر، المسألة الأولى، ص٣٧٩.

٢٥٠

تكليفاً(١) .

مثال:

لا يسمّى بعث وأمر الوالد ولده على الصلاة تكليفاً لسبق بعثه تعالى وأمره بها، وإنّما يقال للوالد: "أمر ولده بها"، ولا يقال: "هذا تكليف من الأب لولده"(٢) .

القيد الرابع: " المشقّة "

يتمّ بهذا القيد الاحتراز عما لا مشقة فيه، لأنّ ما لا مشقة فيه لا يسمّى تكليفاً(٣) .

تنبيهات:

١ - ورد قيد "المشقّة" في تعريف التكليف، لأنّ التكليف مأخوذ من الكلفة - وهي المشقّة - فلابدّ من اعتبارها(٤) .

٢ - ليس المراد من المشقّة العسر الذي يؤدّي إلى نفي الحكم، بل المراد ما يوجب الزحمة، ويحتاج فعله إلى مؤونة(٥) .

٣ - قد استشكل البعض بأنّ جملة مما تشتهيه النفس من قبيل النكاح وتناول الطعام يقع في دائرة التكليف، وهو ليس فيه مشقة، فكيف أصبحت المشقّة من لوازم التكليف؟

الجواب: إنّ المشقة الموجودة في هذا المقام عبارة عن اقتصار النفس على النكاح والطعام الحلال وترك الحرام، وردع النفس عن تلبية الهوى واتّباع

____________________

١- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثاني، البحث الأوّل، ص١١٤.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع، ص٧١ - ٧٢.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، تعريف التكليف، ص٢٧١.

اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع التاسع، المقصد الرابع، النوع الأوّل، المبحث الأوّل، ص٢٢٢.

٢- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الرابع، ص٢٤٧.

٣- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثاني، ص١١٤.

٤- انظر: إشراق اللاهوت، عميد الدين العُبيدلي: المقصد العاشر، المسألة الأولى، ص٣٧٩.

٥- انظر: بداية المعارف، محسن الخرازي: ج١، عقيدتنا في التكليف، ص١٤٤.

٢٥١

الشهوات.

القيد الخامس: " الإعلام "

يشترط في التكليف إعلام المُكلَّف ما كُلِّف به، لأنّ البعث الفاقد للإعلام لا يسمّى تكليفاً(١) .

بعبارة أُخرى:

إنّ التكليف لا يكون تكليفاً لأحد إلاّ بعد إعلامه بما كُلِّف به(٢) .

وإنّ المكلَّف لا يكون مكلّفاً إلاّ بعد إعلامه بما يُطلب منه(٣) .

تنبيهان:

١ - إنّ "اشتراط الإعلام" لا يرتبط بحقيقة التكليف، بل يعتبر شرطاً من شروط القيام بالتكليف(٤) .

٢ - إنّ اللّه تعالى يعلم العباد بتكاليفهم عن طريق:

أوّلاً: تكميل عقولهم، ليمكنهم الاستدلال بها.

ثانياً: إرسال الرسل وإنزال الكتب السماوية إليهم(٥) .

____________________

١- انظر: تكملة شوارق الإلهام، محمّد المحمدي الجيلاني: المقصد ٣، الفصل ٣، المسألة ١١، ص٥٥.

٢- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثاني، البحث الأوّل، ص١١٤.

٣- انظر: إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل،تعريف التكليف، ص٢٧١.

٤- انظر: اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع ٩، المقصد ٤، النوع ١، المبحث ١، ص٢٢٢.

٥- انظر: إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، تعريف التكليف، ص٢٧١.

٢٥٢

المبحث الثاني

متعلّق التكليف(١)

ينقسم متعلّق التكليف إلى علم وظن وعمل:

أوّلاً: علم، وهو ينقسم نتيجة لحاظ مصدر العلم إلى:

١ - عقلي.

٢ - شرعي.

٣ - عقلي شرعي.

توضيح ذلك:

١ - عقلي: وهو أن يكون متعلّق التكليف علماً يتمّ الحصول عليه عن طريق النظر والاستدلال ونحوها مما يستقل العقل بحكمه.

مثال: التكليف بمعرفة اللّه تعالى وصفاته.

٢ - شرعي: وهو أن يكون متعلّق التكليف علماً يتمّ الحصول عليه عن طريق الشرع، لأ نّه يكون مما لا يستقل العقل بدركه.

مثال: التكليف بمعرفة الأُمور الشرعية، أي: العلم بالواجبات والمحرّمات

____________________

١- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثاني، البحث الخامس، ص١١٧.

تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، ص٢٠٤.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، المطلب الأوّل، المقام الثاني، ص٩٦.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، ص٢٥٤.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الرابع، ص٢٥٠ - ٢٥١.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع، ص٧٣.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، ص٢٧٥ - ٢٧٦.

اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع التاسع، المقصد الرابع، النوع الأوّل، المبحث الأوّل، ص٢٢٢.

٢٥٣

والمستحبات، والمكروهات والمباحات التي يعلم الإنسان بها عن طريق الشرع.

ومنه أيضاً العلم بوجود الملائكة وتفاصيل البرزخ والمعاد وكلّ الاُمور الغيبية.

٣ - عقلي شرعي: وهو أن يكون متعلّق التكليف علماً يتمّ الحصول عليه عن طريق العقل والشرع.

مثال: التكليف بمعرفة وحدانية اللّه تعالى.

ثانياً: ظن، وهو أن يكون متعلّق التكليف ظناً أقيم الدليل على اعتباره.

مثال:

التكليف - في بعض الموارد - بظواهر الكتاب والأخبار الآحاد والبيّنة

ونحوها.

ثالثاً: عمل، وهو ينقسم إلى:

١ - عقلي: وهو أن يكون متعلّق التكليف عملا يأمر العقل به أو ينهى عنه.

مثال:

وجوب شكر المنعم والإنصاف والإحسان وبرّ الوالدين وردّ الوديعة.

٢ - شرعي: وهو أن يكون متعلّق التكليف عملا يأمر الشرع به أو ينهى عنه.

مثال:

فعل العبادات كالصلاة والزكاة والصوم والحجّ والجهاد وغيرها من الأعمال الشرعية.

٢٥٤

المبحث الثالث

حسن التكليف

دليل حسن التكليف:

إنّ التكليف من فعل اللّه سبحانه وتعالى، ولا شكّ في حُسن جميع أفعاله تعالى(١) .

وجه حسن التكليف:

إنّ التكليف حسن، لأ نّه يشتمل على مصلحة، وهذه المصلحة هي التعريض لنفع عظيم لا يمكن الحصول عليه إلاّ عن طريق التكليف، وهذا النفع هو الثواب(٢) .

____________________

١- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: فصل: في حسن تكليف اللّه تعالى...، ص١٣٥.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثاني، البحث الثاني، ص١١٥.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظرالثاني، البحث الرابع، المطلب الأوّل، المقام الأوّل، ص٩٣.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، كون التكليف حسن، ص٢٧٢.

اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع التاسع، المقصد الرابع، النوع الأوّل، المبحث الثالث، ص٢٢٣.

٢- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: أبواب العدل، حسن التكليف...، ص١٠٠ - ١٠١.

الذخيرة، الشريف المرتضى: باب الكلام في التكليف، فصل في بيان العرض بالتكليف، ص١٠٨.

تقريب المعارف، أبو صلاح الحلبي: مسائل العدل، مسألة في التكليف، ص١١٢.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الثالث، حسن التكليف، ص١٠٩.

غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج٢، فصل في التكليف وما يتعلّق به، ص١٠٦.

تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، ص٢٠٢.

تلخيص المحصل، نصير الدين الطوسي: الركن الثالث، القسم الثالث، ص٣٤٥.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة الحادية عشر، ص٤٣٧.

كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث، الفصل الأوّل، حسن التكليف، ص٢٥٤.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل، ص٧٤.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: الكلام في التكليف و...، ص٢٤١.

٢٥٥

معنى التعريض:

إنّ التعريض في التكليف هو جعل المُكلَّف بحيث يتمكّن من الوصول إلى الثواب الذي عُرِّض له(١) .

ويكون التعريض للشيء في حكم إيصاله(٢) .

تنبيهات:

١ - لا يمكن القول بأنّ التكليف حسن لكونه شكراً للمنعم، لأنّ "الشكر" لا يشترط فيه المشقّة، ولكن "التكليف" فيه مشقّة(٣) .

٢ - لا يشترط في التكليف المراضاة بين المُكلِّف (وهو اللّه تعالى) وبين المكلَّف (وهو الإنسان أو غيره من المكلَّفين)، لأنّ مقدار النفع الذي أعدّه اللّه تعالى لمن يلتزم بالتكليف يبلغ حدّاً يكون الممتنع عنه سفيهاً عند العقلاء، ولهذا لا يشترط المراضاة في هذا المجال(٤) .

٣ - إنّ حسن التكليف عام يشمل المؤمن والكافر، لأنّ فائدة التكليف هي التعريض للثواب وإراءة طريق السعادة، وهذه الفائدة ثابتة في حقّ الكافركماهي ثابتة في حقّ المؤمن، وإنّ المؤمن والكافر متساويان في التعريض للثواب والنفع، إلاّ أنّ خسران الكافر من سوء اختياره(٥) .

____________________

١- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: باب الكلام في التكليف، ص١٠٨.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الثالث، حسن التكليف، ص١٠٩.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، كون التكليف حسن، ص٢٧٣.

٢- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: أبواب العدل، حسن التكليف، ص١٠١.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الثالث: ص١٠٩.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، الكلام في التكليف و...، ص٢٤١.

٣- انظر: تكملة شوارق الإلهام، محمّد المحمدي الجيلاني: المقصد ٣، الفصل ٣، المسألة ١١، ص٥٥.

٤- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، الكلام في التكليف و...، ص٢٤٢.

٥- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: باب الكلام في التكليف، فصل في حسن تكليف اللّه، ص١٢٩.

تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، مسألة في التكليف، ص١١٦.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الثالث: الكلام في التكليف، حسن تكليف الكافر، ص١٢٣.

تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي، المقصد الثالث، الفصل الثالث، ص٢٠٤.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، المطلب الأوّل، ص٩٤.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، الكلام في التكليف و...، ص٢٤٣ و٢٤٧.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الرابع، ص٢٥٠.

اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع التاسع، المقصد الرابع، النوع الأوّل، المبحث الرابع، ص٢٢٤.

٢٥٦

بعبارة أُخرى:

إنّ صيرورة التكليف وبالٌ ومفسدةٌ على الكافر ناشئة من اختياره، لا من نفس التكليف.

مثال:

لو أنّ طبيباً:

أخبر شخصاً بما يضرّه ويفني حياته، وأمره بالاجتناب عنه.

وأخبره بما ينفعه ويبقي حياته، وأمره بتناوله أو فعله.

فإنّ هذا الطبيب سيكون محسناً في حقّ هذا الشخص.

فإذا خالف هذا الشخص أوامر الطبيب، وفعل عكس ما أمره، ثمّ تضرّر أو هلك،فإنّ الطبيب لا يكون مسيئاً في حقّه، بل يكون هذا الشخص هو السبب في إلحاق الضرر والهلاك بنفسه نتيجة سوء اختياره ومخالفته لأوامر الطبيب(١) .

____________________

١- انظر: الفوائد البهية، محمّد العاملي: ج١، الفصل الأوّل، الباب الخامس، الأمر الرابع، ص٣١١.

٢٥٧

المبحث الرابع

وجوب التكليف من اللّه تعالى للعباد

اتّفقت العدلية على وجوب التكليف من اللّه تعالى للعباد(١) .

تنبيه:

لا يخفى بأنّ وجوب التكليف على اللّه تعالى لا يعني فرض الوجوب عليه تعالى من غيره، بل يعني: أنّ الحكمة الإلهية تقتضي ذلك(٢) .

أدلة وجوب التكليف من اللّه تعالى للعباد:

١ - إنّ العباد يجهلون الكثير:

مما يعود عليهم بالنفع والصلاح.

ومما يعود عليهم بالضرر والخسران.

ولهذا تقتضي رحمة اللّه تعالى ولطفه أن:

يبيّن اللّه تعالى للعباد ما فيه النفع والصلاح لهم، ويرشدهم إلى طرق الخير والسعادة، ويأمرهم باتّباعها.

ويبيّن اللّه تعالى للعباد ما فيه الضرر والخسران لهم، ويزجرهم عن طريق الشرّ والشقاء، وينهاهم عن اتّباعها.

وهذا هو التكليف.

٢ - إنّ اللّه تعالى هو الذي خلق الشهوات والميل إلى القبيح في العباد، فلو لم يكلّفهم، فإنّه تعالى سيكون عابثاً أو مغرياً لهم بالقبيح، وذلك لا يجوز عليه

____________________

١- انظر: كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي: الباب الثالث، الفصل الأوّل، حسن التكليف، ص٢٥٤.

٢- انظر: إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، كون التكليف حسن، ص٢٧٤.

٢٥٨

تعالى(١) .

٣ - إنّ الغرض الإلهي من خلق العباد هو أن يصلوا إلى الكمال.

ويعتبر التكليف هو السبيل الوحيد الذي يصل به العباد إلى هذا الغرض الإلهي.

فلولا هذا التكليف لانتقض الغرض الإلهي.

ولا يخفى أنّ نقض الغرض قبيح.

ولهذا تقتضي الحكمة الإلهية لزوم تكليف العباد.

تنبيه:

إنّ العلم باستحقاق المدح على الفعل الحسن لا يكفي لبعث العباد على هذا الفعل.

وإنّ العلم باستحقاق الذم على الفعل القبيح لا يكفي لزجر العباد عن فعل القبيح.

ولهذا لا يكون المدح والذم بديلا عن التكليف.

بعبارة أُخرى:

إنّ الكثير من العباد لا يعبؤون بالمدح والذم، فيرجّحون شهواتهم على مدح وذم العقلاء، ولاسيما مع حصول الدواعي الحسّية التي تكون في أغلب الأحيان قاهرة للدواعي العقلية.

ولهذا لا يمكن القول بأنّ المدح داعي والذم زاجر ولا حاجة إلى التكليف، بل التكليف هو السبيل الوحيد لتحفيز العباد على الفعل الحسن، وزجرهم عن الفعل

____________________

١- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: باب الكلام في التكليف، فصل: في بيان الغرض، ص١١٠.

تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي: مسائل العدل، في الغرض من التكليف، ص١١٩.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الثالث: في الكلام في التكليف، ص١١١ - ١١٢.

غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي: ج٢، فصل في التكليف وما يتعلّق به، ص١٠٦.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثاني، البحث الثالث، ص١١٥.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الرابع، مسألة: التكليف واجب، ص٢٤٩.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع، في العدل، ص٧٣.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، كون التكليف واجب على الباري تعالى، ص٢٧٣.

٢٥٩

القبيح(١) .

____________________

١- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثاني، البحث الثالث، ص١١٦.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الرابع، مسألة: التكليف واجب، ص٢٤٩.

النافع يوم الحشر، مقداد السيوري: الفصل الرابع: في العدل، ص٧٤.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، كون التكليف واجب على الباري تعالى، ص٢٧٤.

اللوامع الإلهية، مقداد السيوري: اللامع التاسع، المقصد الرابع، النوع الأوّل، المبحث الثالث، ص٢٢٤.

٢٦٠