العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 432

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف: علاء الحسون
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف:

الصفحات: 432
المشاهدات: 168471
تحميل: 6000

توضيحات:

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 168471 / تحميل: 6000
الحجم الحجم الحجم
العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

العدل عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

٣٠١

المبحث الرابع

التناسب بين الذنوب والعقاب الأخروي(١)

قد يستشكل البعض بأنّ العقوبة الأُخروية قاسية من حيث الكميّة والكيفية، وطويلة من حيث المدّة بحيث لا يوجد تناسب بينها وبين مخالفة الإنسان لأوامر ونواهي اللّه تعالى، وهذا مما لا ينسجم مع العدل الإلهي.

جواب هذا الإشكال:

إنّ الإجابة على هذا الإشكال تتطلّب بيان أنواع العقوبة التي تنقسم إلى عدّة أنواع.

أنواع العقوبات:

أوّلاً: العقوبة الاعتبارية(٢) :

وهي العقوبة التي تقنّن، ليكون أثرها الردع عن ارتكاب المخالفة، وتكون هذه العقوبة من قبيل العقوبات الجزائية المنتشرة في المجتمعات البشرية والموضوعة بواسطة التقنين الإلهي وغير الإلهي.

فائدة العقوبة الاعتبارية:

الردع عن ارتكاب المخالفة والحيلولة دون تكرارها من قبل صاحب المخالفة أو من قبل غيره.

____________________

١- انظر: العدل الإلهي، مرتضى المطهري، ترجمة محمّد عبد المنعم الخاقاني: الفصل السادس: الجزاء الأخروي، ثلاثة أنواع من المكافأة، ص٢٥٥ - ٢٧٠.

٢- إنّ المقصود من "الاعتبار" في هذا المقام هو أنّ العلاقة بين المخالفة والعقوبة هنا "جعلية"، بحيث يتم الاتّفاق عليها، وليست العلاقة هنا "واقعية" أو "حقيقية".

٣٠٢

التناسب بين المخالفة والعقوبة الاعتبارية:

لا يخفى أنّ الضرورة توجب وجود التناسب بين العقوبة الاعتبارية وبين المخالفة، لأنّ الهدف من هذه العقوبة هو الردع عن ارتكاب المخالفة، وليس الهدف منها التشفّي والانتقام، ولهذا ينبغي أن يراعي المقنّن لهذا النمط من العقوبة جانب التناسب بين المخالفة والعقوبة.

تنبيه:

إنّ العقوبة الاعتبارية الرادعة تكون نافعة في الحياة الدنيوية فقط، وهي غير نافعة في الحياة الأُخروية أبداً، لأنّ الحياة الأُخروية ليست دار عمل حتّى يكون المقصود من معاقبة فاعل القبيح أن لا يرتكب القبيح مرّة أُخرى.

ثانياً: العقوبة السببيّة:

إنّ اللّه تعالى جعل نظام الأسباب في هذا العالم، بحيث يكون لبعض الأُمور والأسباب أثر وضعي يناله الإنسان عند تخطّيه لحدود هذا النظام.

مثال:

١ - إنّ اللّه تعالى خلق النار سبباً للإحراق، والشخص الذي لا يبالي بهذا النظام السببي ويضع يده في النار، فإنّه سيصاب بالأذى، ويكون هذا الأذى عقوبة له إزاء مخالفته لهذا النظام.

٢ - إنّ تناول الإنسان للسم يؤدّي - وفق نظام الأسباب - إلى تسمّمه أو موته، لأنّ التسمّم أو الموت أثر وضعي ونتيجة طبيعية لشرب السمّ، وكلّ من لا يراعي هذا الأمر، فهو لا ينال سوى عقوبة مخالفته لنظام الأسباب.

تنبيه:

إنّ القاعدة الأساسية الحاكمة على العقوبة السببية هي العلّة والمعلول، فالنار وشرب السم علّة، والاحتراق والتسمّم أو الموت معلول لهما، وإذا جاءت العلّة التامّة فإنّ المعلول يأتي تبعاً لها بصورة قاطعة.

٣٠٣

التناسب بين المخالفة والعقوبة السببية:

إنّ العقوبة السببية التي ينالها الإنسان نتيجة تجاوزه لنظام الأسباب ليست عقوبة اعتبارية وقانونية حتّى يقال لابدّ من مراعاة التناسب بين المخالفة والعقوبة، بل إنّ لهذه العقوبة أثراً وضعياً يعمل وفق نظام الأسباب الذي جعله اللّه تعالى في هذا العالم.

بعبارة أُخرى:

إنّ مسألة التناسب بين المخالفة والعقوبة تتعلّق بالعقوبة الاعتبارية التي تكون فيها العلاقة بين المخالفة والعقوبة علاقة اعتبارية واتّفاقية.

وأمّا إذاكانت العلاقة بين المخالفة والعقوبة علاقة واقعية، فلا يكون مجال للحديث عن مسألة التناسب بين المخالفة والعقوبة، لأنّ العقوبة فيها تكون نتيجة لازمة للعمل.

مثال:

١ - إنّ من الخطأ أن يقال حول من يشرب السم فيموت: إنّ هذا المسكين قد ارتكب مخالفة لمدّة خمس دقائق، فلماذا عوقب بهذا العقاب القاسي الذي أدّى إلى موته؟

٢ - إذا قيل لشخص: لا تلق بنفسك من قمّة الجبل وإلاّ سيكون جزاؤك الموت، فإنّه لا يحق له الاعتراض قائلا: ما هو التناسب بين معاندتي وهذا الجزاء الشاق.

٣ - إنّ غفلة السائق لحظة واحدة قد تؤدّي به إلى أضرار فادحة تدوم مدّة العمر، والعمل هنا يتمّ فترة وجيزة ولكن العقوبة تكون دائمية، ومع هذا لا يصح القول بأنّ العقوبة لماذا لا تناسب المخالفة في هذا المجال؟

ثالثاً: العقوبة التكوينية:

ترتبط العقوبة الأخروية بالذنوب ارتباطاً تكوينياً، وهذا الارتباط أقوى من العقوبة التي ذكرناها في القسم السابق، بحيث لا تكون فيه الصلة بين المخالفة والعقوبة مثل العقوبة الاعتبارية ولا مثل العقوبة السببية، وإنّما تكون الصلة بينهما

٣٠٤

صلة "الاتّحاد".

معنى ذلك:

إنّ الثواب الذي يجده المحسن في الآخرة عبارة عن تجسيم لأعماله الحسنة التي قام بها في الدنيا.

وإنّ العقاب الذي يجده المسيء في الآخرة عبارة عن تجسيم لأعماله السيئة التي ارتكبها في الدنيا.

الشواهد القرآنية:

١ -( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْس ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ) [آل عمران: ٣٠]

٢ -( وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) [الكهف: ٤٩]

٣ -( يَوْمَئِذ يَصْدُرُ النّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّة خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّة شَرًّا يَرَهُ ) [الزلزلة: ٦ - ٨]

٤ -( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) [النساء: ١٠] أي: إنّ الذين يأكلون مال اليتيم ظلماً، فهم - في الواقع - يأكلون ناراً، ولكنهم لا يدركون هذه الحقيقة في هذه الدنيا، وبمجرّد انتقالهم إلى عالم الآخرة سيجدون النار في بطونهم.

٥ -( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَد... ) [الحشر: ١٨]أي: سيحصد الإنسان في الآخرة ما زرعه لنفسه في الدنيا، ولهذا ينبغي أن يكون الإنسان حذراً فيما يقدّمه لآخرته.

النتيجة:

إنّ الجزاء الذي يحصل عليه الإنسان في الآخرة تجسيم لأعماله التي قام بها في الدنيا، وإنّ النعيم والعذاب في الآخرة هما نفس العمل الصالح والسيء الذي قام به الإنسان في الدنيا.

٣٠٥

تنبيه:

إنّ القول بتجسيم أعمال الإنسان لا يعني حصر النعيم والعذاب الأخروي في هذا المجال وإنكار جنة ونار منفصلتين عن وجود الإنسان وعمله، لأنّ النصوص الدينية تبيّن بوضوح بأنّ لكلٍّ من الجنة والنار وجودين مستقلين يرد إليهما الإنسان حسب أعماله.

التناسب بين المخالفة والعقوبة التكوينية:

إنّ العقوبة التكوينية التي يجدها الإنسان في الآخرة لها علاقة تكوينية بالمخالفة التي ارتكبها في الدنيا، وهذه العقوبة عبارة عن حضور نفس المخالفة يوم القيامة، فلهذا لا يوجد مجال للبحث حول التناسب وعدمه في هذا النمط من العقوبات التي هي عين المخالفة وتجسيم لها.

الغرض الإلهي من العقاب الأخروي:

تبيّن مما ذكرناه في مبحث التناسب بين المخالفة والعقاب الأُخروي، أنّ السؤال حول الغرض الإلهي من العقاب الأُخروي غير صحيح، لأنّ العذاب الأُخروي أثر وضعي للأعمال القبيحة التي ارتكبها الإنسان في الدنيا، وهو عبارة عن حضور نفس العمل القبيح يوم القيامة.

بعبارة أُخرى:

إنّ العقوبة الأُخروية تجسيم للذنوب والمعاصي التي ارتكبها الإنسان في الدنيا، وهذه العقوبة نظير احتراق يد من يضع يده في النار فتحترق، فكما لا يصح السؤال عن غرض هذا الاحتراق، فإنّه لا يصح السؤال عن غرض العقاب الأُخروي، وقد قال تعالى:( وَما كَانَ الله ليظَلمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) [العنكبوت: ٤٠].

٣٠٦

المبحث الخامس

مناقشة رأي الأشاعرة حول الثواب والعقاب

يرى الأشاعرة بأنّ الثواب والعقاب من أفعال اللّه عزّ وجلّ، واللّه تعالى يفعل بعباده ما يشاء، فإن شاء أثابهم، وإن شاء عاقبهم.

أقوال بعض علماء أهل السنة:

قال الفضل بن روزبهان: "مذهب الأشاعرة... أ نّه [تعالى] لو عذّب عباده بأنواع العذاب من غير صدور الذنب عنهم يجوز له ذلك... فالعباد كلّهم ملك للّه تعالى، وله التصرّف فيهم كيف يشاء"(١) .

قال القاضي عضد الدين الإيجي: "الثواب فضل وعد به، فيفي به من غير وجوب"(٢) .

قال سعد الدين التفتازاني في كتابه شرح المقاصد: "لا يجب على اللّه تعالى شيء، لا ثواب على الطاعة ولا العقاب على المعصية"(٣) .

قال أبو حامد الغزالي: "ندّعي أ نّه تعالى إذا كلّف العباد فأطاعوه، لم يجب عليه الثواب، بل إن شاء أثابهم، وإن شاء عاقبهم، وإن شاء أعدمهم ولم يحشرهم، ولا

____________________

١- دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر: ج١، المسألة ٣، المبحث ١١، المطلب ٧، مناقشة الفضل، ص٤٢٢.

٢- المواقف، عضد الدين الإيجي: ج٣، الموقف ٦، المرصد ٢، المقصد ٦، ص٤٩٧.

ثم علّل المؤلف سب ضرورة وفائه تعالى بالثواب وإن لم تبلغ هذه الضرورة حدّ الوجوب قائلا: "لأنّ الخلف في الوعد نقص، تعالى اللّه عنه".

٣- شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني: ج٥، المقصد ٦، الفصل ٢، المبحث ٩، ص١٢٧.

ولا يخفى أن ما أنكره سعد الدين التفتازاني هو الوجوب، ولكنه ذكر: "إلاّ أنّ الخلف في الوعد نقص لا يجوز أن ينسب إلى اللّه تعالى، فيثيب المطيع البته إنجازاً لوعده..." شرح المقاصد: ٥/١٢٦.

٣٠٧

يبالي لو غفر لجميع الكافرين وعاقب جميع المؤمنين!"(١) .

يرد عليه:

ناقشنا هذا الرأي في الفصول السابقة، وملخّص ما يمكن الإشارة إليه في هذا المقام:

١ - إنّ اللّه تعالى يفعل ما يشاء، ولكن لا يخفى بأنّ اللّه تعالى حكيم وعادل، وهو لا يشاء جَزافاً وعبثاً، وإنّما تكون مشيئته وفق حكمته وعدله، ولهذا لا يصدر من اللّه تعالى أي ظلم أو فعل قبيح.

٢ - إنّ ملكية الشيء لا تعني امتلاك المالك حقّ التصرّف بها على خلاف موازين الحكمة والعدل.

ولهذا نجد العقلاء يذمّون من يتلف أمواله بلا سبب عقلائي، مع علمهم بمالكيته لتلك الأموال.

واللّه تعالى على رغم كونه مالكاً لكلّ شيء وقادراً على كلّ شيء، ولكنه مع ذلك حكيم، وإنّ حكمته تمنعه من فعل القبيح.

ولهذا قال تعالى:( وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْم وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ) [هود: ١١٧].

____________________

١- الاقتصاد في الاعتقاد، أبو حامد الغزالي: القطب الثالث، الدعوى الخامسة، ص١١٦.

٣٠٨

٣٠٩

الفصل العاشر

اللطف

معنى اللطف

أقسام اللطف

وجوب اللطف

أثر اللطف

تنبيهات حول اللطف

اللطف والمفسدة

الإشارة إلى اللطف الإلهي في القرآن الكريم

مناقشة رأي الأشاعرة حول اللطف الإلهي

٣١٠

٣١١

المبحث الأوّل

معنى اللطف

معنى اللطف (في اللغة)(١)

إنّ للّطف في الصعيد اللغوي عدّة معاني، منها: الرفق واللين والدنو.

فيقال: لطف به، أي: رفق به.

وألطف اللّه بالعبد، أي: أرفق به، وأوصل إليه ما ينفعه برفق، ووفّقه وعصمه، فهو لطيف.

ومن معاني اللطف في اللغة أيضاً: الدقّة والظرافة، فهو ضدّ الضخامة والكثافة.

والاسم: اللطافة.

فيقال: لطف الشيء، أي: صغر ودقّ.

ولطف اللّه بهذا المعنى، أي: دقّته وظرافته في خلق الأشياء.

معنى اللطف (في الاصطلاح العقائدي):

اللطف: مايدعو المكلَّف إلى فعل الطاعة وترك المعصية بحيث يجعله أقرب إلى امتثال أوامر اللّه تعالى وأبعد عن ارتكاب نواهيه(٢) .

____________________

١- انظر: أقرب الموارد، المصباح المنير، المعجم الوسيط، المنجد في اللغة: مادة (لطف).

٢- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: باب: الكلام في اللطف، ص١٨٦.

الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الرابع، ص١٣٠.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في اللطف و...، ص٢٩٧.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثالث، ص١١٧.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الخامس، ص٢٥٣.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة (١٢)، ص٤٤٤.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، تحقيق حول قاعدة اللطف، ص٢٧٦.

اللوامع الالهية، مقداد السيوري: اللامع التاسع، المقصد الرابع، النوع الثاني، ص٢٢٧.

٣١٢

الشرط الأساس في اللطف (بمعناه العقائدي)

إنّ الشرط الأساس في اللطف: أن لا يبلغ حدّ القهر والإلجاء، بل يكون المكلَّف مع وجود هذا اللطف مختاراً في فعل الطاعة وترك المعصية(١)(٢) .

دليل ذلك:

إنّ "الاختيار" هو الشرط الأساس للتكليف، وبما أنّ بلوغ اللطف حدّ القهر والإلجاء ينافي الاختيار، فلهذا يشترط أن لا يبلغ اللطف حدّاً ينافي الاختيار(٣) .

تنبيه:

إنّ الهدف الأساس من اللطف هو:

١ - تقوية الدواعي إلى فعل الخير.

٢ - تقوية الصوارف عن فعل الشر.

ولهذا يكون اللطف بمثابة:

١ - التشجيع على فعل الخير، وإزاحة العقبات أمام الإنسان، ليكون أقرب إلى فعل الطاعة.

٢ - التنفير من فعل الشر، وجعل العقبات أمام الإنسان، ليكون أبعد عن فعل المعصية.

____________________

١- انظر: كتب المنقذ من التقليد، قواعد المرام، مناهج اليقين، إرشاد الطالبين واللوامع الإلهية المذكورة في المصدر السابق.

٢- يخرج بهذا القيد "القدرة" و"الآلات" المطلوبة لأداء التكليف.

لأنّ المكلَّف لا يستطيع أداء التكليف من دون "القدرة" و"الآلات"، ولكنه يستطيع أداء التكليف من دون "اللطف".

ويعود السبب إلى أنّ "اللطف" مجرّد "تحفيز" و"بعث" وليس له أي أثر في الصعيد الخارجي.

انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، المبحث الخامس، ص٢٥٢.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري، مباحث العدل، تحقيق حول قاعدة اللطف، ص٢٧٧.

٣- انظر: كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة (١٢)، ص٤٤٤.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، تحقيق حول قاعدة اللطف، ص٢٧٧.

٣١٣

الصلة بين "اللطف" وبين "التوفيق" و"العصمة"(١) :

إنّ اللطف هو ما يبعث ويحفّز المكلَّف على فعل الطاعة ويزجره عن فعل المعصية: وفي هذه الحالة:

١ - إذا استجاب الإنسان لهذا البعث والتحفيز، واختار فعل الطاعة:

فسيطلق على هذا "اللطف" اسم "التوفيق".

لأنّ الإنسان استطاع في ظلّ هذا اللطف أن ينال التوفيق في فعل الطاعة.

٢ - إذا استجاب الإنسان لهذا البعث والتحفيز، وترك فعل المعصية:

فسيطلق على هذا "اللطف" اسم "العصمة".

لأنّ الإنسان استطاع في ظلّ هذا اللطف أن يعصم نفسه من فعل المعصية.

توضيح ذلك:

١ - يُقال: "وفّق اللّه فلاناً على فعل الطاعة".

أي: هيّأ اللّه له ما يبعثه ويحفّزه على فعل الطاعة، فاستجاب هذا الشخص باختياره لهذا البعث والتحفيز، وانتفع مما هيّأ اللّه تعالى له من أسباب، حتّى تمكّن بذلك أن يكون فعله موافقاً لطاعة اللّه تعالى.

٢ - يقال: "عصم اللّه فلاناً من فعل المعصية".

أي: هيّأ اللّه له ما يبعثه ويحفّزه على ترك المعصية، فاستجاب هذا الشخص باختياره لهذا البعث والتحفيز، وانتفع مما هيّأ اللّه تعالى له من أسباب، حتّى تمكّن بذلك أن يعصم نفسه ويمنعها من فعل المعصية.

____________________

١- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: باب الكلام في اللطف، ص١٨٦.

المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: ج١، القول في اللطف و...، ص٣٠٦.

إرشاد الطالبين،العلاّمة الحلّي: مباحث العدل، تحقيق حول قاعدة اللطف، ص٢٧٧.

٣١٤

المبحث الثاني

أقسام اللطف

ينقسم اللطف باعتبار فاعله إلى(١) :

١ - ما يكون من فعل اللّه تعالى.

٢ - ما يكون من فعل المكلَّف في حقّ نفسه.

٣ - ما يكون من فعل المكلَّف في حقّ غيره.

أمثلة ذلك:

أولاً: أمثلة اللطف الذي يكون من فعل اللّه تعالى:

١ - بعث الأنبياء ونصب الحجج ودعمهم بالمعاجز والكرامات وغيرها مما تجعل المكلَّفين أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية.

٢ - جعل الشريعة سمحاء بعيدة عن التعقيد أو الغموض.

٣ - الوعد والوعيد واستخدام اسلوب الترغيب والترهيب من أجل إثارة رغبة المكلَّف إلى فعل الطاعة وإثارة الرهبة إزاء فعل المعصية.

٤ - التدخّل الإلهي لإزالة العوائق والحواجز الموجودة في طريق الطاعة وجعل الموانع في طريق المعصية.

____________________

١- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: القسم الثاني، الفصل الرابع، ص١٣٢.

المنقذ من التقليد، سديدالدين الحمصي: ج١، القول في اللطف و...، ص٣٠٤.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثالث، ص١١٨.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة (١٢)، ص٤٤٥.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الخامس، ص٢٥٤.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، تحقيق حول قاعدة اللطف، ص٢٧٦.

اللوامع الالهية، مقداد السيوري: اللامع التاسع، المقصد الرابع، النوع الثاني، ص٢٢٧.

٣١٥

٥ - الآلام التي جعلها اللّه تعالى في بعض الأحيان وسيلة لاستيقاظ الغافلين وعودتهم إلى الإيمان بعد الابتعاد عنه.

الثاني: أمثلة اللطف الذي يكون من فعل المكلَّف في حقّ نفسه:

١ - تعلّم الأحكام الشرعية وغيرها من الأمور التي يبيّنها اللّه تعالى للمكلَّفين، ليكونوا أقرب إلى امتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه.

٢ - توفير الإنسان لنفسه الأرضية والأجواء المناسبة التي تحفّزه على فعل الطاعة وترك المعصية.

الثالث: أمثلة اللطف الذي يكون من فعل المكلَّف في حقّ غيره:

١ - تبليغ الأنبياء للرسالة الإلهية، وبذلهم المزيد من الجهد من أجل دعوة الناس إلى الهداية وسبيل الحقّ.

٢ - قيام بعض الناس بمهمّة تلقّي العلوم والمعارف الإلهية من أجل توعية الناس ورفع مستواهم الديني، وهذه المهمّة هي الملقاة على عاتق العلماء والدعاة.

٣ - فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أوجبها اللّه تعالى على جميع المكلَّفين، ليكونوا في ظلّها أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية.

٤ - المبادرة إلى أي عمل يؤدّي إلى توفير الأجواء المناسبة لامتثال الأوامر الإلهية والابتعاد عن نواهيه، من قبيل: بناء الأماكن التي تقرّب العباد إلى اللّه تعالى، أو دعم المشاريع التي تهيّىء الأرضية لفعل الطاعات وترك المعاصي.

٣١٦

المبحث الثالث

وجوب اللطف

إنّ حكمة اللّه تعالى وجوده وكرمه تقتضي منه اللطف بالعباد.

دليل وجوب اللطف:

إنّ غرض اللّه تعالى من تكليف العباد هو أن يبلغوا الكمال عن طريق فعل الطاعة وترك المعصية.

فإذا كان هناك شيء يؤدّي فعله إلى:

١ - أن يختار المكلَّف فعل الطاعة ويترك فعل المعصية.

٢ - أن يكون المكلَّف أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية.

فإنّ الحكمة الإلهية تقتضي فعل ذلك الشيء.

لأنّ عدم فعله يستلزم نقض الغرض من تكليف العباد.

ونقض الغرض قبيح ومناف للحكمة.

واللّه تعالى منزّه عن ذلك.

فنستنتج بأنّ الحكمة الإلهية تقتضي فعل اللطف(١) .

____________________

١- انظر: الذخيرة، الشريف المرتضى: باب الكلام في اللطف، ص١٩٤.

شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى: حقيقة اللطف ووجوبه، ص١٠٧.

المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، المطلب الأوّل، ص١٠٢.

قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثالث، ص١١٨.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة (١٢)، ص٤٤٤.

مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، البحث الخامس، ص٢٥٣.

إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: مباحث العدل، تحقيق حول قاعدة اللطف، ص٢٧٦ - ٢٨٨.

اللوامع الالهية، مقداد السيوري: اللامع التاسع، المقصد الرابع، النوع الثاني، ص٢٢٧.

٣١٧

مثال ذلك:

إذا دعا أحد الأشخاص غيره إلى ضيافته.

وكان غرض صاحب الدعوة أن يأتي ذلك الشخص المدعو إلى هذه الضيافة.

وعلم صاحب الدعوة بأنّ المدعو لا يأتيه إلاّ إذا استعمل معه أسلوباً معيّناً.

فإذا لم يستعمل صاحب الدعوة هذا الأسلوب مع المدعو.

فإنّه سيكون ناقضاً لغرضه(١) .

تنبيه:

ذهب الشيخ المفيد إلى أنّ وجوب اللطف على اللّه تعالى يكون من جهة اقتضاء جوده وكرمه.

وليس هذا الوجوب من جهة اقتضاء عدله تعالى.

ولهذا فإنّ امتناع اللّه تعالى عن اللطف لا يكون ظلماً.

وإنّما يكون منافياً للجود والكرم الإلهي(٢) .

____________________

١- انظر: قواعد المرام، ميثم البحراني: القاعدة الخامسة، الركن الثالث، ص١١٨.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة (١٢)، ص٤٤٥.

اللوامع الالهية، مقداد السيوري: اللامع التاسع، المقصد الرابع، النوع الثاني، ص٢٢٧.

٢- انظر: أوائل المقالات، الشيخ المفيد: القول: ٢٨، القول في اللطف والأصلح، ص٥٩.

٣١٨

المبحث الرابع

أثر اللطف

ليس اللطف الإلهي علّة تامّة تجبر المكلَّفين على فعل الطاعة وترك المعصية.

بل اللطف عبارة عن "بعث" و"تحفيز" فقط.

فإذا لم يستجب بعض المكلّفين لهذا اللطف.

فإنّهم سيحرمون أنفسهم من هذا اللطف نتيجةً لسوء اختيارهم(١) .

تفريعات ذلك:

أولاً: إنّ عدم تأثير اللطف الإلهي على الكافر لا يعني:

"عدم وجود هذا اللطف بذريعة أنّه لو كان لترك أثره"

لأنّ اللطف الإلهي مجرّد "بعث" و"تحفيز" منه تعالى بحيث يجعل المكلَّف أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد عن فعل المعصية.

وليس اللطف الإلهي إرادة حتمية منه تعالى ليترك أثره على المكلّف بصورة قهرية.

ثانياً: إنّ عدم تأثير اللطف الإلهي على الكافر لا يعني:

"عجز اللّه عن هداية الكافر".

لأ نّه تعالى شاء أن يكون الإنسان مختاراً في أفعاله العبادية.

واللطف الإلهي - في الواقع - مجرّد "بعث" و"تحفيز" منه تعالى بحيث يكون

____________________

١- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: المنهج السادس، المبحث الخامس، ص٢٥٤.

كشف المراد، العلاّمة الحلّي: المقصد الثالث، الفصل الثالث، المسألة (١٢)، ص٤٤٦.

٣١٩

الإنسان معه أقرب إلى امتثال أوامر اللّه تعالى والانتهاء عن نواهيه.

وليس اللطف الإلهي إرادة حتمية وتكوينية منه تعالى ليكون عدم تأثيره دالاً على العجز الإلهي.

ثالثاً: لو كان اللطف الإلهي أمراً يجبر الإنسان على الإيمان ولو كان كافراً، فإنّ الكفّار سيحتجّون على اللّه تعالى بأنّهم لم يؤمنوا لأنّه تعالى حرمهم من لطفه.

ويكون بذلك للكفّار حجّة على اللّه تعالى.

ولكن الأمر ليس كذلك، وإنّما الحجّة البالغة للّه تعالى.

واللطف عبارة عن "باعث" و"محفّز" فقط.

ويبقى الإنسان هو المسؤول عن أفعاله الاختيارية(١) .

____________________

١- انظر: مجمع البيان، الشيخ الطبرسي: ج٣، تفسير آية ١٦٥ من سورة النساء ص٢١٨.

٣٢٠