التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 473

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علاء الحسون
تصنيف: الصفحات: 473
المشاهدات: 191375
تحميل: 7432

توضيحات:

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 191375 / تحميل: 7432
الحجم الحجم الحجم
التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المبحث الثاني

معنى الكلام والمتكلّم وأقسام الكلام

معنى الكلام :

الكلام هو ما تألّف من حرفين فصاعداً من الحروف التي يمكن تهجّيها ، إذا وقعت ممن يصح منه الإفادة(١) .

معنى المتكلّم :

المتكلّم هو كلّ من يوجد حروفاً وأصواتاً لتدل على معنى يريد الإخبار بها عنه(٢) .

أقسام الكلام

١ - الكلام اللفظي: واللفظ هو الحرف المشتمل على الصوت.

٢ - الكلام الكتبي : والكتابة هي النقوش الحاكية عن تلك الحروف اللفظية.

٣ - الكلام الفعلي : وهو الفعل الذي يفيد نفس المعنى الذي يفيده الكلام اللفظي.

بيان الكلام الفعلي الإلهي :

يمكن وصف جميع أفعال الله بأنّها من جملة كلام الله من باب التوسّع ؛ لأنّها تكشف عن دلالات ومعان تفيد نفس الأثر الذي يفيده الكلام اللفظي.

____________________

١ - انظر : تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل التوحيد ، مسألة : في كونه تعالى متكلّماً ، ص١٠٦.

غنية النزوع ، ابن زهرة الحلبي : ج ٢ ، الكلام في صفة التكلّم ، ص ٥٩ المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في كونه تعالى متكلّماً ، ص ٢١١. نهج الحق وكشف الصدق ، العلاّمة الحلّي : المسألة الثالثة ، البحث الرابع ، حقيقة الكلام ، ص ٥٤٩.

٢ - انظر : المسائل العكبرية ، الشيخ المفيد : المسألة الحادية عشر ، ص ٤٤.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، تحقيق حول إثبات التكلّم للباري تعالى ، ص ٢٠٨ - ٢٠٩.

٣٢١

مثال ذلك :

وصف الله عيسى بن مريم ب- " الكلمة " ، حيث قال تعالى :( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَ کَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ) [ النساء : ١٧١ ]

وسَمّى الله المسيح بالكلمة ؛ لأنّ المسيح فعله وأثره المعبّر والكاشف عن كمال قدرته تعالى في خلق الإنسان من دون أب.

٣٢٢

المبحث الثالث :اتّصاف الله بصفة المتكلّم

إنّ السبيل لإثبات كونه تعالى متكلّماً هو الدليل النقلي فحسب ، أمّا الدليل العقلي فلا يثبت أكثر من كونه تعالى قادراً على الكلام(١) .

الآيات القرآنية المشيرة إلى اتّصافه تعالى بالمتكلّم :

١ -( وَ مَا کَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُکَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ) [ الشورى : ٥١ ]

٢ -( مِنْهُمْ مَنْ کَلَّمَ اللَّهُ ) [ البقرة : ٢٥٣ ]

٣ -( وَ کَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَکْلِيماً ) [ النساء : ١٦٤ ]

٤ -( وَ لَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَ کَلَّمَهُ رَبُّهُ ) [ الأعراف : ١٤٤ ]

٥ -( وَ لاَ يُکَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) [ آل عمران : ٧٨ ]

____________________

١- انظر : شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : أبواب العدل ، كونه تعالى متكلّماً ، ص ٨٩.

الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد ، الشيخ الطوسي : القسم الأوّل ، الفصل الثاني ، التكلّم ، ص ٦٠.

تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل العدل ، مسألة : في كونه تعالى متكلّماً ، ص ١٠٧.

المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في كونه تعالى متكلّماً ، ص ٢١٢.

كشف الفوائد ، العلاّمة الحلّي : الباب الثاني ، الصفات الثبوتية (٧) : التكلّم ، ص ١٨٩.

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، البحث العاشر : ص ١٧٩.

٣٢٣

المبحث الرابع :حقيقة كلام الله تعالى

كلام الله عبارة عن أصوات وحروف يخلقها الله ليوصل عن طريقها مقصوده إلى المخاطب ، ويسمّى هذا الكلام ب- " الكلام اللفظي "(١) .

مثال ذلك :

قال تعالى :( وكلّم الله موسى تكليماً ) [ النساء : ١٦٤ ]

أي : خلق الله الكلام في الشجرة في البقعة المباركة ليوصل بذلك مقصوده إلى موسىعليه‌السلام .

قال تعالى :( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَکَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‌ ) [ القصص : ٣٠ ]

قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام حول كلام الله تعالى مع موسى وقومه :

( إنّ الله عزّ وجلّ أحدثه [ أحدث الكلام ] في الشجرة ، ثمّ جعله منبعثاً منها )(٢) .

تنبيه :

إضافة الكلام إلى الله تجري مجرى سائر الإضافات التي تقتضي الفعلية(٣) .

____________________

١ - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٧.

المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الأوّل ، المطلب الثالث ، ص ٧٢ ، الباب الحادي عشر : العلاّمة الحلّي : الفصل الثاني ، الصفة السابعة ، ص ٤٣.

نهج الحق وكشف الصدق ، العلاّمة الحلّي : المسألة الثالثة ، البحث الرابع ، ص ٦٠.

٢ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٨ ، ح ٢٤ ، ص ١١٧.

٣ - انظر : تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل العدل ، مسألة في كونه تعالى متكلّماً ، ص ١٠٦.

غنية النزوع ، ابن زهرة الحلبي : ج ٢ ، باب الكلام في التوحيد ، الفصل الخامس ، ص ٥٨.

٣٢٤

ويقال للّه " متكلّم " بعد إيجاده للكلام.

كما يقال له تعالى " رازق " بعد إيجاده للرزق.

وكما يقال له تعالى " منعم " بعد إيجاده للنعمة.

وكما يقال له تعالى " محرّك " بعد إيجاده للحركة.

ما وراء الكلام اللفظي :

وقع الخلاف بين الإمامية والأشاعرة حول الكلام اللفظي : هل هو كلام حقيقة أم يوجد وراءه حقيقة أخرى بحيث يكون الكلام اللفظي تعبيراً عن تلك الحقيقة الكامنة ؟

عقيدة الإمامية :

الكلام اللفظي هو الكلام حقيقة ، ولا يوجد ما وراء الكلام اللفظي سوى العلم والإرادة.

عقيدة الأشاعرة :

الكلام اللفظي ليس الكلام حقيقة ، وإنّما الكلام الحقيقي هو الكلام النفسي ، وهو مغاير للعلم والإرادة.

وسنوضّح لاحقاً كلّ واحدة من هاتين العقيدتين.

توضيح عقيدة الإمامية حول ما وراء الكلام اللفظي :

ينقسم الكلام إلى قسمين :

١ - إخبار : ويتضمّن هذا الإخبار مجموعة تصوّرات وتصديقات.

الف : التصوّرات : عبارة عن " إحضار " الأمور التالية في الذهن :

أوّلاً : الموضوع

ثانياً : المحمول

ثالثاً : النسبة بين الموضوع والمحمول

ب : التصديقات : عبارة عن " الإذعان " بنفس النسبة بين الموضوع والمحمول.

٣٢٥

٢ - إنشاء : وهو يكون على شكل أمر أو نهي أو استفهام أو تمنّي أو ترجّي.

و " الأمر " تعبير عن " إرادة " الشيء.

و " النهي " تعبير عن "كراهة" الشيء.

والاستفهام والتمنّي والترجّي تعبير عمّا يناسبها.

النتيجة :

إذا كان " الكلام " إخباراً ( أي : متضمّن لمجموعة تصوّرات أو تصديقات ) فهو من مقولة " العلم ".

وإذا كان " الكلام " إنشاءً ( أي : متضمّن لمجموعة أوامر ونواهي وغيرها ) فهو من مقولة " الإرادة والكراهة ".

فنستنتج انتفاء وجود شيء وراء الكلام اللفظي سوى " العلم " و " الإرادة والكراهة "(١) .

توضيح عقيدة الأشاعرة حول ما وراء الكلام اللفظي :

ذهب الأشاعرة حول ما وراء الكلام اللفظي إلى إثبات أمر آخر مغاير للعلم والإرادة ، وقاموا بتسميته ب- " الكلام النفسي " ، وقالوا بأنّ " الكلام النفسي " هو الكلام حقيقة ، وإنّما " الكلام اللفظي " وسيلة لإبراز " الكلام النفسي " وتسمية " الكلام اللفظي " بالكلام تسمية مجازية(٢) .

يرد عليه :

لو كان " الكلام النفسي " هو الكلام الحقيقي ، لكان الساكت متكلّم ، ولكن لا يقول أحد بذلك(٣) ، فيثبت : أنّ الكلام الحقيقي هو الكلام اللفظي ، وما يطلق عليه

____________________

١ - انظر : تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، ص ٢٩٠ المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول بأنّ للكلام معنىً ، ص ٢٢٧.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، تحقيق حول إثبات التكلّم للباري تعالى ، ص ٢١٢.

اللوامع الإلهية ، مقداد السيوري : اللامع الثامن ، المرصد الثاني ، الفصل الثاني ، ص ٢٠٣.

٢ - انظر : المواقف ، القاضي الايجي ، بشرح : الشريف الجرجاني : ج ٣ ، الموقف الخامس ، المرصد الرابع ، المقد السابع ، ص ١٣٥ و ١٤٢.

شرح المقاصد ، سعدالدين التفتازاني : ج ٤ ، المقصد الخامس ، الفصل الثالث ، المبحث السادس ، ص ١٤٤.

٣ - انظر : إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، تحقيق حول إثبات التكلّم للباري تعالى ، ص٢١١.

٣٢٦

الأشاعرة ب- " الكلام النفسي " فهو مجرّد تصوّرات تدخل في دائرة العلم لا غير ، ولا يطلق صفة " المتكلّم " حقيقة على أحد إلاّ بعد إيجاده للحروف والأصوات في الواقع الخارجي.

دليل الأشاعرة على مغايرة الكلام النفسي للعلم :

إنّ الإنسان قد يُخبر عمّا لا يعلمه أو عمّا يعلم خلافه ،

فنستنتج بأنّ الإخبار عن شيء قد يكون غير العلم به(١) .

يرد عليه :

إنّ العلم لا يشمل التصديق فحسب ، بل يشمل التصوّرات لوحدها أيضاً ، وإخبار الإنسان عمّا لا يعلمه أو عمّا يعلم خلافه هو إخبار عن مجموعة تصوّرات مع وجود نسبة بينها - سواء كانت هذه النسبة صحيحة أو خاطئة - وهذه التصوّرات والنسبة بينها من مقولة العلم.

دليل الأشاعرة على مغايرة الكلام النفسي للإرادة :

الإنسان قد يأمر غيره بما لا يريد.

مثال ذلك :

يأمر الأب ولده بأداء فعل معيّن ، ويكون هدفه من هذا الأمر فقط اختبار ولده هل يطيعه أو لا ؟

فهنا يأمر الأب ابنه بما لا يريد ، وإنّما المقصود هو " اختبار الولد " لا " القيام بالفعل ".

فنستنتج بأنّ الأمر - وهو نوع من أنواع الكلام الإنشائي - قد يكون مغايراً للإرادة(٢) .

____________________

١ - انظر : المواقف ، القاضي الايجي : بشرح الجرجاني : ج ٣ ، الموقف الخامس ، المرصد الرابع ، ص١٣٤.

٢ - انظر : المصدر السابق.

٣٢٧

يرد عليه :

هذا القسم من الأوامر ( الأوامر الاختبارية ) ينشأ من الإرادة أيضاً ، ولكن " الإرادة " في هذه الأوامر لا تتعلّق بالشيء " المأمور به " وإنّما تتعلّق ب- " الاختبار ".

بعبارة أخرى :

الأب الذي يأمر ولده بأداء فعل معيّن ، ويكون قصده من ذلك هو اختبار الولد أيطيعه أم لا؟ فإنّ أمره هذا ناشئ من الإرادة أيضاً.

ولكن هذه " الإرادة " لم تتعلّق بأداء ذلك الفعل المعيّن ،

وإنّما تعلّقت باختبار المأمور ، أي : اختبار الولد ،

فنستنتج بأنّ منشأ الأمر في هذه الحالة أيضاً هو " الإرادة ".

خصائص الكلام النفسي الإلهي عند الأشاعرة(١) :

١ - معنىً قديم قائم بذاته تعالى.

٢ - إنّه واحد في نفسه ليس بخبر ولا أمر ولا نهي و

٣ - لا يدخل فيه ماض ولا حاضر ولا استقبال.

٤ - إنّه غير العبارات ، وحقيقته مغايرة لما له صلة بالأمور المادية.

٥ - الكلام النفسي في الإنسان حادث تبعاً لحدوث ذاته.

والكلام النفسي في الله قديم تبعاً لقدم ذاته.

يرد عليه :

١ - المعنى القائم بالذات لا يقال له كلام حقيقة ، وما يسبق الكلام اللفظي عند الإنسان أيضاً ، فهو عبارة عن العلم بكيفية نظم الكلام أو العزم على الكلام ، وجميع هذه الأمور من مقولة العلم والإرادة(٢) .

____________________

١ - انظر : المواقف ، القاضي الايجي : بشرح : الشريف الجرجاني : ج ٣ ، الموقف الخامس ، المرصد الرابع ، المقصد السابع ، ص ١٣٤ و ١٣٩.

شرح المقاصد ، سعدالدين التفتازاني : ج ٤ ، المقصد الخامس ، الفصل الثالث ، المبحث السادس ، ص ١٤٤ ، ١٤٧ ، ١٤٨ ، ١٦٣.

٢ - انظر : المنقذ من التقليد ، سديد الدين الحمصي : ج ١ ، القول في كونه تعالى متكلّماً ، ص ٢١٥.

٣٢٨

٢ - الكلام النفسي عند الإنسان متتابع ومتوال ، وهو متكوّن من مجموعة تصوّرات ، وأمّا الكلام النفسي الذي ينسبه الأشاعرة إلى الله بالأوصاف التي ذكروها ، فهو أمر لا يمكن تعقّله ، ولا طريق إلى إثباته ، فكيف يصح نسبته إلى الله تعالى(١) ؟ !

____________________

١ - انظر : غنية النزوع ، ابن زهرة الحلبي : ج ٢ ، باب الكلام في التوحيد ، الفصل الخامس ، الكلام في صفة التكلّم ، ص ٦٠.

كشف المراد ، العلاّمة الحلّي : المقصد الثالث ، الفصل الثاني ، المسألة السادسة ، ص ٤٠٣.

نهج الحقّ وكشف الصدق ، العلاّمة الحلّي : المسألة الثالثة ، البحث الرابع ، ص ٦٠.

٣٢٩

المبحث الخامس :قدم أو حدوث كلام الله تعالى

قال الشيخ المفيد : " إنّ كلام الله مُحدث، وبذلك جاءت الآثار عن آل محمّدعليهم‌السلام ، وعليه إجماع الإمامية"(١) (٢)

أدلة حدوث كلام الله :

١ - كلام الله مركّب من حروف متتالية ، متعاقبة في الوجود بحيث يتقدّم بعضها على بعض ، ويسبق بعضها على بعض ، ويعدم بعضها ببعض ، وكلّ ما هو كذلك فهو حادث ، فنستنتج بأنّ كلامه تعالى حادث(٣) .

٢ - الهدف من الكلام إفادة المخاطب ، ولهذا يكون وجود الكلام قبل وجود المخاطب لغواً وعبثاً.

وقد ورد في كتاب الله خطاباً للأنبياءعليهم‌السلام والعباد ، منها قوله تعالى :

( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْکَ مِنْ رَبِّکَ ) [ المائدة : ٦٨ ]

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ ) [ الأحزاب : ٢ ]

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّکُمُ ) [ البقرة : ٢١ ]

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) [ البقرة : ١٠٤ ]

فلو كان كلام الله تعالى قديماً لم يحسن الخطاب.

____________________

١ - أوائل المقالات ، الشيخ المفيد : رقم ١٩ ، القول في الصفات ، ص ٥٢.

٢ - ذهب المعتزلة أيضاً إلى أنّ حقيقة كلام الله تعالى هو الكلام اللفظي فقط ، وأنّه مُحدث.

انظر : شرح الأصول الخمسة ، القاضي عبدالجبار : الأصل الثاني ، فصل : في القرآن ، ص ٥٢٨.

٣ - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٧.

المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١، القول في كونه تعالى متكلّماً ، ص ٢١٦.

مناهج اليقين ، العلاّمة الحلّي : المنهج الرابع ، البحث الحادي عشر ، ص ١٩٣.

٣٣٠

فنستنتج حدوث كلامه تعالى(١) .

٣ - ورد في كلام الله تعالى إخبار عن الماضي ، من قبيل قوله تعالى :

( إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ ) [ نوح : ١ ]

( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ ) [ النساء : ١٦٢ ]

( لَقَدْ أَهْلَکْنَا الْقُرُونَ ) [ يونس : ١٣ ]

( ضَرَبْنَا لَکُمُ الْأَمْثَالَ ) [ إبراهيم : ٤٥ ]

( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُکَ فِي زَوْجِهَا وَ تَشْتَکِي إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَکُمَا ) [ المجادلة : ١ ]

فلو كان الكلام الإلهي قديماً ، لاستلزم الكذب عليه تعالى ؛ لأنّ الإخبار عن شيء قبل وقوعه كلام غير مطابق للواقع(٢) .

النتيجة :

الكلام مفهوم منتزع من العلاقة بين الله والمخاطب ،

ولهذا فهو من صفات الله الفعلية ،

وبما أنّ أفعال الله كلّها حادثة، فنستنتج بأنّ كلام الله أيضاً حادث.

أضف إلى ذلك :

الفرق بين " صفات الله الذاتية " وبين " صفات الله الفعلية " هو : أنّ الصفات الذاتية

____________________

١ - انظر : تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل العدل ، مسألة : في كونه تعالى متكلّماً ، ص ١٠٧.

تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، مسألة : كلام الله ، ص ٣٠٨.

نهج الحق وكشف الصدق ، العلاّمة الحلّي : المسألة الثالثة ، المبحث الرابع ، حدوث الكلام ، ص ٦٢.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، الدليل على حدوث كلامه تعالى ، ص ٢٢٠.

٢ - انظر : تلخيص المحصل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، مسألة كلام الله ، ص ٣٠٨ الرسالة السعدية ، العلاّمة الحلّي : الفصل الأوّل ، المسألة الرابعة ، البحث الثاني ، ص ٤٦.

إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري : مباحث التوحيد ، الدليل على حدوث كلامه تعالى ، ص ٢٢٠.

اللوامع الإلهية ، مقداد السيوري : اللامع الثامن ، المرصد الثاني ، ص ٢٠٣.

٣٣١

لا يمكن اتّصاف الله بنقيضها ،

فلا يُقال : الله غير عالم ، أو الله غير قادر.

أمّا الصفات الفعلية فهي ممّا يمكن اتّصاف الله بها في حال ، واتّصافه تعالى بنقيضها في حال آخر.

فيقال : خلق الله كذا ولم يخلق كذا ،

ويقال : رزق الله فلان ولم يرزق فلان ،

والكلام مثل الخلق والرزق.

فيُقال : كلّم الله تعالى موسىعليه‌السلام ، ولم يكلّم فرعون.

الآيات القرآنية الدالة على حدوث كلام الله :

١ -( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِکْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ‌ ) [ الأنبياء : ٢ ]

٢ -( وَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِکْرٍ مِنَ الرَّحْمٰنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ کَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ‌ ) [ الشعراء : ٥]

والذكر هو القرآن(١) ، والمحدث بمعنى الجديد ، أي : إنّ القرآن أتاهم بعد الإنجيل.

وتبيّن هاتين الآيتين بصراحة بأنّ القرآن ( كلام الله تعالى ) مُحدث(٢) .

٣ -( وَ لَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْکَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَکَ بِهِ عَلَيْنَا وَکِيلاً ) [ الإسراء : ٨٦ ]

فلو كان القرآن - وهو كلام الله - قديماً ، لم يصح وصفه بالإذهاب والزوال.

٤ -( وَ إِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلاَئِکَةِ ) [ البقرة : ٣٠ ]

و " إذ " ظرف زمان ، والمختص بزمان معيّن مُحدَث ، فنستنتج بأنّ قول الله المذكور في هذه الآية مُحدث.

____________________

١ - قال تعالى( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‌ ) [ الحجر : ٩ ] أي : إنّا نزّلنا القرآن.

٢ - انظر : النكت الاعتقادية ، الشيخ المفيد : الفصل الأوّل ، ص ٢٧.

شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب ما يجب اعتقاده في أبواب العدل ، كونه تعالى متكلّماً ، ص ٩١.

٣٣٢

٥ -( وَ مِنْ قَبْلِهِ کِتَابُ مُوسَى ) [ هود : ١٧ ]

وما كان قبله شيء لا يكون قديماً(١) ، وهذه الآية تصرّح بأنّ كلام الله في الإنجيل قبل كلام الله في القرآن ، والقبلية والبعدية من علامات الحدوث ، فنستنتج بأنّ كلام الله حادث(٢) .

بصورة عامة :

وصف الله كلامه في القرآن الكريم بالنزول(٣) والتفريق(٤) والجمع(٥) والقراءة ( ٨) والترتيل(٦) والجعل(٧) والناسخ والمنسوخ(٨) و(٩) .

وجميع هذه الأمور من صفات الأشياء الحادثة ، فنستنتج بأنّ كلام الله حادث.

أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام حول حدوث كلام الله :

١ - قال الإمام عليعليه‌السلام : ( يقول [ تعالى ] لما أراد كونه " كن " فيكون ، لا بصوت يَقرَع ، ولا بنداء يُسمع ، وإنّما كلامه سبحانه فعلٌ منه ، أنشأه ومثّله ، لم يكن من قبل ذلك كائناً ، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً )(١٠) .

٢ - سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : لم يزل الله متكلّماً ؟ فقالعليه‌السلام : ( إنّ

____________________

١ - المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي ، ج ١ ، القول في كونه تعالى متكلّماً ، ص ٢١٦.

٢ - المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في كونه تعالى متكلّماً ، ص ٢١٦.

٣ -( نَزَّلْنَا عَلَيْکَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً ) [ الإنسان : ٢٣ ]

٤ -( وَ قُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُکْثٍ ) [ الإسراء : ١٠٦ ]

٥ - ( ٨)( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ ‌* فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ‌ ) [ القيامة : ١٦ - ١٨ ].

٦ -( وَ رَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ) [ الفرقان : ٣٢ ]

٧ -( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ) [ الزخرف : ٣ ]

٨ -( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) [ البقرة : ١٠٦ ]

٩ - انظر : شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب ما يجب اعتقاده في أبواب العدل ، ص ٩١ ، كتاب الخلاف ، الشيخ الطوسي : ج ٦ ، كتاب الإيمان ، مسألة ١٢ ، ص ١٢٢.

تلخيص المحصّل ، نصيرالدين الطوسي : الركن الثالث ، القسم الثاني ، مسألة : كلام الله قديم ، ص ٣٠٨.

المنقذ من التقليد ، سديدالدين الحمصي : ج ١ ، القول في كونه تعالى متكلّماً ، ص ٢١٦.

١٠ - نهج البلاغة ، الشريف الرضي : خطبة ١٨٦ ، ص ٣٦٨.

٣٣٣

الكلام صفة مُحدَثة ليست بأزلية ، كان الله عزّ وجلّ ولا متكلّم )(١) .

٣ - سئل الإمام الصادقعليه‌السلام أيضاً : لم يزل [ تعالى ] متكلّماً ؟ فقالعليه‌السلام : ( الكلام مُحدَث ، كان الله عزّ وجلّ وليس بمتكلّم ، ثمّ أحدث الكلام )(٢) .

٤ - قال الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام حول تكلّم الله عزّ وجلّ مع النبي موسىعليه‌السلام في طور سيناء حيث سمع قومه كلام الله تعالى :

( إنّ الله عزّ وجلّ أحدثه [ أي : أحدث كلامه تعالى ] في الشجرة ، ثمّ جعله منبعثاً منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه )(٣) .

٥ - قال الإمام الكاظمعليه‌السلام : ( الكلام غير المتكلّم وكلّ شيء سواه مخلوق )(٤) .

٦ - قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وكلّ كتاب أُنزل ، كان كلام الله ، أنزله للعالمين نوراً وهدى ، وهي كلّها مُحدَثة ، وهي غير الله ، حيث يقول :( أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِکْراً ) [ طه : ١١٣ ] وقال :( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِکْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ‌ ) [ الأنبياء : ٢ ] والله أحدث الكتب كلّها التي أنزلها )(٥) .

موقف أهل البيتعليهم‌السلام من فتنة القول بقدم القرآن :

مرّ العالم الإسلامي في القرن الثالث بمحنة شديدة حول مسألة كون القرآن قديماً أو حادثاً ، وبعبارة أخرى مخلوقاً أو غير مخلوق ، ثمّ اتّخذت هذه المسألة طابعاً غير علمي ، واستغلّها البعض لتكفير مخالفيهم وسفك دمائهم.

ولهذا نجد أنّ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام منعوا أصحابهم في هذه الفترة من الخوض في هذه المسألة ، واكتفوا في بياناتهم حول هذه المسألة بأنّ القرآن كلام الله عزّ وجلّ ، ومن هذا الأحاديث :

١ - سئل الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام : يابن رسول الله ما تقول في القرآن ،

____________________

١ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ١١ ، ح ١ ، ص ١٣٥.

٢ - الأمالي ، الشيخ الطوسي : المجلس السادس ، ح ٢٨٢ / ٣٤ ، ص ١٦٨.

٣ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٨ ، ح ٢٤ ، ص ١١٨.

٤ - الكافي ، الشيخ الكليني : كتاب التوحيد ، باب النهي عن الجسم والصورة ، ح ٧ ، ص ١٠٦.

٥ - الاحتجاج ، الشيخ الطبرسي : احتجاجات الإمام الرضاعليه‌السلام ، رقم : ٢٨٥ ، احتجاجهعليه‌السلام على أبي قرّة المحدّث ، ص ٣٧٤.

٣٣٤

فقد اختلف فيه من قِبَلنا ، فقال قوم : إنّه مخلوق ، وقال قوم : إنّه غير مخلوق ؟

فقالعليه‌السلام : ( أمّا إنّي لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكنّي أقول : إنّه كلام الله )(١) .

٢ - سئل الإمام الرضاعليه‌السلام أيضاً : ما تقول في القرآن ؟ فقالعليه‌السلام : ( كلام الله لا تتجاوزوه )(٢) .

وبعد انقضاء فترة الفتنة بيّن أئمة أهل البيتعليهم‌السلام موقفهم ، وصرّحوا بحدوث القرآن - كما مرّ ذكرها - ونجد بوادر التصريح في الحديث الشريف التالي :

كتب الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام إلى بعض شيعته ببغداد :

( نحن نرى أنّ الجدال في القرآن بدعة وليس الخالق إلاّ الله عزّ وجلّ وما سواه مخلوق )(٣) .

أي : كلام الله غير الله تعالى ، وكلّ ما هو غير الله فهو مُحدَث ، فكلام الله مُحدَث.

تنبيه :

الأفضل الاجتناب عن وصف القرآن بصفة " المخلوق " ؛ لأنّ " المخلوق " يأتي بعض الأحيان في اللغة العربية بمعنى " المكذوب " و " المضاف إلى غير قائله " ويُقال : هذه قصيدة مخلوقة ، أي : مكذوبة على صاحبها أو مضافة إلى غير قائلها.

ومنه قوله تعالى :( إِنْ هٰذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ‌ ) [ ص : ٧ ] أي : كذب.

ولهذا ينبغي الامتناع من وصف القرآن بوصف " المخلوق " فيما لو كان موهماً للمعنى السلبي ، ويلزم - في هذه الحالة - الاقتصار على وصف القرآن بصفة " الحدوث "(٤) .

____________________

١ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٣٠ : باب القرآن ما هو ؟ ح ٥ ، ص ٢١٩.

٢ - المصدر السابق : ح ٢ ، ص ٢١٨.

٣ - المصدر السابق : ح ٤ ، ص ٢١٨.

٤ - انظر : التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٣٠ ، ذيل ح ٦ ، ص ٢٢٠.

شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى : باب ما يجب اعتقاده في أبواب العدل ، ص ٩١.

تقريب المعارف ، أبو الصلاح الحلبي : مسائل العدل ، مسألة : في كونه تعالى متكلّماً ، ص ١٠٨.

كتاب الخلاف ، الشيخ الطوسي : ج ٦ ، كتاب الإيمان ، مسألة ١٢ ، ص١٢٠ غنية النزوع ، ابن زهرة الحلبي : ج ٢ ، الفصل الخامس ، الكلام في صفة التكلّم ، ص ٦٤.

٣٣٥

ولهذا نجد بأنّ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام امتنعوا بعض الأحيان من وصف القرآن بصفة " المخلوق " ، منها :

١ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( القرآن كلام الله محدَث ، غير مخلوق ، وغير أزلي مع الله تعالى ذكره ، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ،

كان الله عزّ وجلّ ولا شيء غير الله معروف ولا مجهول ،

كان عزّ وجلّ ولا متكلّم ولا مريد ، ولا متحرّك ولا فاعل ،

جلّ وعزّ ربّنا ، فجميع هذه الصفات مُحدَثة ، عند حدوث الفعل منه ،

جلّ وعزّ ربّنا ، والقرآن كلام الله غير مخلوق )(١) .

٢ - سُئل الإمام الرضاعليه‌السلام : يابن رسول الله ، أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق ؟ فقالعليه‌السلام : ( ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله عزّ وجلّ )(٢) .

عقيدة الأشاعرة حول قدم كلام الله تعالى :

يعتقد الأشاعرة بوجود :

١ - كلام لفظي

٢ - كلام نفسي

والكلام النفسي ، هو الكلام الحقيقي.

وأمّا الكلام اللفظي فلا يعدّ كلاماً حقيقة ، وإنّما هو وسيلة للإشارة إلى الكلام النفسي.

وكلام الله النفسي كلام قديم وقائم بذات الله(٣) .

____________________

١ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٣٠: باب القرآن ما هو ؟ ، ح ٧ ، ص ٢٢١.

٢ - المصدر السابق ، ح ١ ، ص ٢١٨.

٣ - انظر : المواقف ، القاضي الايجي ، بشرح الشريف الجرجاني : ج ٣ ، الموقف الخامس ، المرصد الرابع ، المقصد السابع ، ص ١٣٥ ، ١٤٢.

شرح المقاصد ، سعدالدين التفتازاني : ج ٤ ، المقصد الخامس ، الفصل الثالث ، المبحث السادس ، ص ١٤٤.

٣٣٦

أدلة الأشاعرة على إثبات قدم كلام الله ( الأدلة العقيلة )

الدليل الأوّل :

كلامه تعالى صفة لله ،

وكلّ ما هو صفة لله فهو قديم ،

فنستنتج بأنّ كلامه تعالى قديم(١) .

يرد عليه :

ليس كلّ ما هو صفة لله فهو قديم ،

بل صفات الله تنقسم إلى قسمين : ذاتية وفعلية.

والصفات الفعلية ليست قديمة ، و " الكلام " من صفات الله الفعلية.

فلهذا نستنتج بأنّ كلام الله غير قديم ، بل حادث.

الدليل الثاني :

يجب اتّصاف الحي بصفة الكلام ، وإلاّ اتّصف بضدّها ،

وضدّ الكلام هو الخرس والسكوت ، وهما نقص.

والنقص على الله محال ، فيلزم ثبوت أنّه تعالى لم يزل متكلّماً(٢) .

يرد عليه :

الهدف من الكلام إفادة الآخرين ، ولا معنى للكلام من دون وجود مخاطب ، والنقص على الله أن نقول بأنّه يتكلّم ولا يوجد مخاطب !

والاتّصاف بالسكوت والخرس من مختصّات من يحتاج في كلامه إلى آلة ، ولكنّ الله منزّه في كلامه عن هذه الأدوات ، بل كلامه نوع من أنواع أفعاله(٣) .

____________________

١ - انظر : كتاب المواقف ، القاضي الايجي ، بشرح الشريف الجرجاني : ج ٣ ، الموقف الخامس ، المرصد الرابع ، المقصد السابع ، ص ١٣٣.

٢ - الإبانة عن أصول الديانة ، أبو الحسن الأشعري : باب : الكلام في أنّ القرآن كلام الله غير مخلوق ، ص٣٢.

٣ - انظر : غنية النزوع ، ابن زهرة الحلبي : ج ٢ ، الكلام في كونه تعالى متكلّماً ، ص ٦١.

٣٣٧

أدلة الأشاعرة على إثبات قدم كلام الله ( الأدلة القرآنية ) :

الدليل الأوّل :

قال تعالى :( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْ‌ءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ کُنْ فَيَکُونُ‌ ) [ النحل : ٤٠ ]

فلو كان القرآن ( وهو كلام الله ) مُحدثاً ، لوجب أن يكون هذا القرآن مخاطباً بلفظة " كن " ولو كان الله قائلاً لكلامه " كن " لكان قبل كلّ كلامه كلام.

وهذا يوجب أحد أمرين :

أوّلاً : أن يقع كلّ كلام بكلام آخر إلى ما لا نهاية ،

فيستلزم هذا الأمر التسلسل ، وهو باطل.

ثانياً : أن يقع كلّ كلام بكلام آخر إلى أن نصل إلى كلمة قديمة.

فيثبت أن كلام الله تعالى قديم(١) .

يرد عليه :

ليس المقصود من " القول " - في هذا المقام - المخاطبة اللفظية بكلمة " كن " ، ليصح التقسيم المذكور في الدليل أعلاه ؛ لأنّه لا معنى لتوجيه القول والخطاب للمعدوم.

وإنّما المقصود من " القول " هنا هو : الأمر التكويني المعبّر عن تعلّق الإرادة القطعية بإيجاد الشيء(٢) .

وتستهدف هذه الآية بيان :

أوّلاً : إذا أراد الله شيئاً ، فسيتحقّق هذا الشيء مباشرة من دون امتناع.

ثانياً : لا يحتاج الله في إيجاده لشيء إلى سبب يوجد له ما أراده أو يساعده في إيجاده أو يدفع عنه مانعاً(٣) .

____________________

١ - انظر : الإبانة ، أبو الحسن الأشعري : باب الكلام في أنّ القرآن كلام الله غير مخلوق ، ص ٣١ - ٣٢ و ص ٣٧.

٢ - للمزيد راجع : التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي : تفسير آية ١١٨ من سورة البقرة ، ص ٤٣٢ - ٤٣٣.

٣ - انظر : غنية النزوع ، ابن زهرة الحلبي : ج ٢ ، الكلام في كونه تعالى متكلّماً ، ص ٦٣ ، المنقذ من التقليد ، سديد الدين الحمصي : ج١ ، القول في كونه تعالى متكلّماً ص٢١٨.

٣٣٨

ولهذا قال الإمام عليعليه‌السلام :

( يقول [ تعالى ] لما أراد كونه " كن " فيكون ، لا بصوت يقرع ، ولا بنداء يسمع ، وإنّما كلامه سبحانه فعل منه ، أنشأه ومثّله ، لم يكن من قبل ذلك كائناً )(١) .

الدليل الثاني للأشاعرة على قدم كلام الله :

قال تعالى :( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبَارَکَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ‌ ) [ الأعراف : ٥٤ ]

كلمة " الخلق " في هذه الآية تشمل جميع ما خلق الله ، وكلمة " الأمر " في هذه الآية تدل على وجود شيء غير ما خلق الله ، فيثبت بذلك وجود شيء - وهو أمر الله - غير مخلوق وغير حادث ، وأمر الله هو كلامه.

فيثبت بأنّ كلام الله غير حادث ، أي : قديم(٢) .

يرد عليه :

أوّلاً :

ليس " الأمر " في هذه الآية بمعنى " كلام الله "

بل " الأمر " في هذه الآية بمعنى التصرّف والتدبير للنظام المهيمن على العالم.

ففي قوله تعالى :( لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ ) [ الأعراف : ٥٤ ] : " الخلق " بمعنى إيجاد ذوات أشياء العالم ،

و " الأمر " بمعنى التصرّف في هذا الخلق ، وتدبير النظام الحاكم على أشياء العالم(٣) .

قرائن تفسير " الأمر " بمعنى تدبير النظام :

قال تعالى في نفس هذه الآية :( وَ النُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ

____________________

١ - نهج البلاغة ، الشريف الرضي : خطبة ١٨٦ ، ص ٣٦٨.

٢ - انظر : الإبانة عن أصول الديانة ، أبو الحسن الأشعري : باب الكلام في أنّ القرآن كلام الله غير مخلوق ، ص٣١.

٣ - انظر : التبيان في تفسير القرآن ، الشيخ الطوسي : ج ٤ ، تفسير آية ٥٤ ، من سورة الأعراف ، ص ٤٢٣.

٣٣٩

وَ الْأَمْرُ ) [ الأعراف : ٥٤ ]

أي : والنجوم مسخّرات بتصرّفه تعالى وتدبيره.

ومن القرائن الأخرى الدالة على أنّ كلمة " الأمر " الواردة بعد كلمة " الخلق " ، تعني " تدبير الأمر " ، هو أنّ عبارة " تدبير الأمر " وردت بعد كلمة " الخلق " أو معنى " الخلق " في الآيتين التاليتين :

١ - قوله تعالى :( إِنَّ رَبَّکُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ) [ يونس : ٣ ]

٢ - قوله تعالى :( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ کُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ... ) [ الرعد : ٢ ]

الهدف من ذكر " الأمر " بعد " الخلق " :

يستهدف قوله تعالى :( أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ ) [ الأعراف : ٥٤ ] بيان أنّه تعالى بعد خلقه للعالم لم يترك تفويض تدبير نظامه لغيره ، بل كما يقوم الله بخلق هذا العالم ، فإنّه أيضاً يتولّى أمر تدبير نظامه والتصرّف في شؤونه.

وليس في هذه الآية أدنى إشارة أو قرينة على أنّ المقصود من الأمر هو الكلام الإلهي.

ثانياً :

لو سلّمنا بأنّ " الأمر " يعني " كلام الله " ، فإنّ إفراده عن الخلق لا يعني أنّه غير مخلوق ، بل يفيد هذا الإفراد تعظيم شأنه فحسب.

مثال ذلك :

قوله تعالى:( قل مَنْ کَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَ مَلاَئِکَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيکَالَ... ) [ البقرة : ٩٨ ]

فإفراد ذكر جبريل وميكال من الملائكة لا يدل أنّهما خارجان عن دائرة

٣٤٠