التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)0%

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مؤلف:
تصنيف: مكتبة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام
الصفحات: 473

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: علاء الحسون
تصنيف: الصفحات: 473
المشاهدات: 189621
تحميل: 7316

توضيحات:

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 473 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 189621 / تحميل: 7316
الحجم الحجم الحجم
التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

التوحيد عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المبحث الثاني :عجز الحواس عن معرفة الله تعالى

المقدّمة الأولى : الحواس والأدوات التجريبية مختصة بمعرفة ما هو في دائرة عالم المادة فقط.

المقدّمة الثانية : الله تعالى - كما سنثبت - منزّه عن عالم المادة.

النتيجة : لا تستطيع الحواس والأدوات التجريبية أن توصل الإنسان مباشرة إلى معرفة الله تعالى(١) .

أحاديث لأهل البيتعليهم‌السلام حول عجز الحواس عن معرفة الله تعالى :

١ - قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( تعجز الحواس أن تدركه )(٢) .

٢ - قال الإمام الحسينعليه‌السلام : ( لا يدرك بالحواس معروف بالآيات موصوف بالعلامات)(٣) .

٣ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام حول الله تعالى : ( لا يدرك بالحواس فكلّ شيء حسّته الحواس فهو مخلوق )(٤) .

٧ - جاء في حوار جرى بين الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام وأحد الزنادقة حول إثبات وجود الله تعالى :

قال الزنديق : إنّي لا أرى حواسّي الخمس أدركته [ أي : أدركت الله تعالى ] ، وما

____________________

١- تنبيه : إنّ الحواس عاجزة عن إثبات وجود الله تعالى بصورة مباشرة ، ولكن يمكن الاستعانة في هذا المجال بصورة غير مباشرة ، وذلك عن طريق معرفة النظام المهيمن على هذا العالم عن طريق الحواس ، ومن ثمّ الاستنتاج عن طريق العقل بوجود منظّم حكيم وراء هذا النظام الدقيق.

٢- الكافي ، الشيخ الكليني ، ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب جوامع التوحيد ، ح ٣ ، ص ١٣٨.

٣- التوحيد ، الشيخ الصدوق ، باب ٢، ح ٣٥ ، ص ٧٨.

٤- التوحيد ، الشيخ الصدوق ، باب ٢ ، ح ١٧ ، ص ٥٩.

٤١

لم تدركه حواسّي فليس عندي بموجود !

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : ( إنّه لمّا عجزت حواسّك عن إدراك الله أنكرته ، وأنا لمّا عجزت حواسي عن إدراك الله تعالى صدّقت به ).

ثمّ بيّن الإمام الصادقعليه‌السلام ، بأنّ الحواس لا تدرك إلاّ الأشياء المركبّة ، والمركّب من شأنه الاحتياج إلى أجزائه ، وبما أنّ الله تعالى منزّه عن الاحتياج فهو غير مركّب ، فلهذا لا تستطيع الحواس إدراكه(١) .

تنبيه :

ليس من حقّ المتمسّك بالأدوات المعرفية الحسية إنكار وجود الله ، بل غاية ما يسعه - مع لحاظ كثرة المجهولات البشرية - هو الاعتراف بعدم العلم ، والإذعان بعجز الحواس عن إثبات وجود الله تعالى.

ولهذا جاء في حوار جرى بين الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام وأحد الزنادقة :

قال الإمام الصادقعليه‌السلام للزنديق : ( أتعلم أنّ للأرض تحتاً وفوقاً ؟ ! )

الزنديق : نعم.

الإمامعليه‌السلام : ( فدخلت تحتها ؟ ! )

الزنديق : لا.

الإمامعليه‌السلام : ( فما يدريك بما تحتها ؟ ! )

الزنديق : لا أدرى إلاّ أنّي أظّن أن ليس تحتها شيء.

الإمامعليه‌السلام : ( فالظن عجز ما لم تستيقن ).

ثمّ سأل الإمامعليه‌السلام فصعدت السماء ؟ !

الزنديق : لا.

الإمامعليه‌السلام : ( فتدري ما فيها ؟ )

الزنديق : لا.

الإمامعليه‌السلام : ( فأتيت المشرق والمغرب فنظرت ما خلفهما ؟ )

____________________

١- انظر : بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٣ ، كتاب التوحيد ، باب ٥ ، حديث الإهليلجة ، ص ١٥٤.

٤٢

الزنديق : لا.

الإمامعليه‌السلام : ( فعجباً لك ، لم تبلغ المشرق ، ولم تبلغ المغرب ، ولم تنزل تحت الأرض ، ولم تصعد السماء ، ولم تخبر هنالك فتعرف ما خلفهنّ ، وأنت جاحد ما فيهنّ ، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف ؟ ! )

الزنديق : ما كلّمني بهذا أحد غيرك !

الإمامعليه‌السلام : ( فأنت في شكّ من ذلك ، فلعلّ هو أو لعلّ ليس هو ).

الزنديق : ولعلّ ذاك.

الإمامعليه‌السلام : ( أيّها الرجل ليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم ، فلا حجّة للجاهل على العالم.

يا أخا أهل مصر تفهّم عنّي ، فإنّا لا نشك في الله أبداً ، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان ولا يشتبهان ، يذهبان ويرجعان ، قد اضطُرّا ، ليس لهما مكان إلاّ مكانهما ؟

فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلا يرجعان فلِمَ يرجعان ؟ !

وإن لم يكونا مضطرين فلِمَ لا يصير الليل نهاراً والنهار ليلاً ؟ ! اضطرّا والله يا أخا أهل مصر إلى دوامهما ، والذي اضطرهما أحكم منهما وأكبر منهما ).

الزنديق : صدقت.

الإمامعليه‌السلام : ( يا أخا أهل مصر ، الذي تذهبون إليه وتظنّونه بالوهم.

فإن كان الدهر يذهب بهم لِمَ لا يردّهم ؟ !

وإن كان يردهم لم لا يذهب بهم ؟ !

القوم مضطرّون.

يا أخا أهل مصر السماء مرفوعة والأرض موضوعة.

لم لا تسقط السماء على الأرض ؟

ولم لا تنحدر الأرض فوق طاقتها ؟

٤٣

فلا يتماسكان ولا يتماسك من عليهما ).

فآمن الزنديق بوجود الله تعالى، وأقرّ بأنّ الله تعالى هو المدبّر للعالم"(١) .

____________________

١- انظر : التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٤٢ : باب إثبات حدوث العالم ، ح٤ ، ص ٢٨٦ - ٢٨٨.

٤٤

المبحث الثالث :عجز العقل عن معرفة كنه ذات الله تعالى

أدلة ذلك :

١ - لا يعرف العقل الأشياء إلاّ بحدود وجودها.

وبما أنّ الله منزّه عن الحدّ ،

فلهذا يستحيل على العقل معرفة كنه ذات الله تعالى.

٢ - لا يعرف العقل الأشياء إلاّ عن طريق مقايستها مع سائر الأشياء ،

والله تعالى لا يقاس بأحد ؛ لأنّه لا مثيل له ولا شبيه ،

فلهذا يستحيل على العقل معرفة كنه ذات الله تعالى(١) .

٣ - غاية ما يقدر عليه العقل ، هو معرفة الله عن طريق المفاهيم الذهنية ،

وبما أنّ هذه المفاهيم " محدودة " ، والذات الإلهية " غير محدودة ".

فلهذا يعجز العقل عن معرفة كنه الذات الإلهية(٢) .

تتمة :

المفاهيم الذهنية ، وإن كانت عاجزة عن تبيين كنه الذات الإلهية ، ولكنّها قادرة

____________________

١- ولهذا قال الإمام عليعليه‌السلام : " اعرفوا الله بالله ".

الكافي ، الشيخ الكليني : كتاب التوحيد ، باب أنّه لا يعرف إلاّ به ، ح١ ، ص ٨٥.

ومعنى قولهعليه‌السلام : اعرفوا الله بالله ، أي : إنّ الله لا يشبه جسماً ولا روحاً فإذا نُفي عنه الشبهين : شبهُ الأبدان وشبهُ الأرواح ، فقد عرف الله بالله ، وإذا شبّهه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف الله بالله.

انظر : المصدر أعلاه ( بتصرّف يسير ) ، والتوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٤١ ، ح ٥ ، ص ٢٨١.

٢- للمزيد راجع : قواعد المرام ، ميثم البحراني : القاعدة الرابعة ، الركن الثاني ، البحث التاسع ، ص ٧٥ - ٧٦.

٤٥

على تبيين الذات الإلهية بصورة إجمالية ، ومثال هذا التصوّر الإجمالي كمن يحس بحركة وراء جدار ، فيحكم بوجود شيء وراء ذلك الجدار.

أحاديث لأهل البيتعليهم‌السلام حول عجز العقل عن معرفة كنه ذات الله تعالى :

١ - قال الإمام عليعليه‌السلام : ( لا تحيط به الأفكار ، ولا تقدّره العقول ، ولا تقع عليه الأوهام ، فكلّ ما قدّره عقل أو عرف له مثل فهو محدود )(١) .

٢ - قال الإمام الحسن بن عليعليهما‌السلام : ( لا تدرك العقول وأوهامها ، ولا الفكر وخطراتها ، ولا الألباب وأذهانها صفته )(٢) .

٣ - قال الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام : ( إنّ الله تبارك وتعالى أجلّ وأعظم من أن تحيط بصفته العقول )(٣) .

٤ - قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( أخطأ من اكتنهه )(٤) .

النهي عن التفكير في ذات الله تعالى

عجز العقل عن معرفة كنه ذات الله ، هو الذي أدّى إلى تأكيد أهل البيتعليهم‌السلام على التحذير من التفكير في ذات الله عزّ وجلّ ، ومن هذه الأحاديث الشريفة :

١ - قال الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام : ( اذكروا من عظمة الله ما شئتم ولا تذكروا ذاته... )(٥) .

٢ - قال الإمام الباقرعليه‌السلام : ( تكلّموا في خلق الله ، ولا تكلّموا في الله ، فإنّ الكلام في الله لا يزيد صاحبه إلاّ تحيّراً )(٦) .

٣ - قال الإمام الباقرعليه‌السلام : ( دعوا التفكير في الله، فإنّ التفكير في الله لا يزيد إلاّ تيهاً )(٧) .

____________________

١- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٢ ، ح ٣٤ ، ص ٧٦ - ٧٧.

٢- المصدر السابق ، ح ٥ ، ص ٤٦.

٣- المصدر السابق ، ح ٣٠ ، ص ٧٣.

٤- المصدر السابق ، ح٢ ، ص ٣٨.

٥- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٦٧ ، ح ٣ ، ص ٤٤١.

٦- الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، باب النهي عن الكلام في الكيفية ، ح ١ ، ص٩٢.

٧- التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٦٧ ، ح ١٣ ، ص ٤٤٣.

٤٦

٤ - قال الإمام الباقرعليه‌السلام : ( إيّاكم والتفكّر في الله ، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه )(١) .

٥ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( من نظر في الله كيف هو هلك )(٢) .

____________________

١ - الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، باب النهي عن الكلام في الكيفية ، ح ٧ ، ص٩٣.

٢ - بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٣ ، باب ٩ ، ح ٢٤ ، ص ٢٦٤.

٤٧

المبحث الرابع :كيفية معرفة الله تعالى

جعل الله تعالى لنفسه بعض الصفات والأسماء ، ليتعرّف العباد بها عليه(١) ، كما أنّه تعالى منح العقل البشري القدرة على معرفته بصورة إجمالية ، وإضافة إلى ذلك ، فإنّ في ما بيّنه الأنبياء والأوصياء في هذا الخصوص الكفاية لمعرفة الله.

مراحل معرفة الله تعالى :

المرحلة الأولى : المعرفة الذهنية

وهي ، أن يتعرّف الإنسان على الله عن طريق المفاهيم الذهنية ، سواء كانت هذه المفاهيم حصيلة الجهود العقلية أو كانت مما أرشد إليها الأنبياء والأوصياء.

المرحلة الثانية : المعرفة القلبية

وهي ، أن يلتزم الإنسان بتقوى الله والمجاهدة في سبيله ، وفق ما جاءت به الشريعة الحقّة ، ليصل بعد ذلك إلى نوع من الشهود الباطني والقلبي الذي يتعرّف به على الله من دون توسّط المفاهيم الذهنية.

قال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقَاناً ) [ الأنفال : ٢٩ ]

أي : يجعل في قلوبكم نوراً تفرّقون به بين الحق والباطل ، وبهذا النور يهتدي الإنسان إلى معرفة ربّه.

تنبيه :

المرحلة الذهنية لمعرفة الله ، عبارة عن معرفة الله بالعقل عن طريق خلقه.

____________________

١ - للمزيد راجع الفصل الثالث ، المبحث الأوّل من هذا الكتاب.

٤٨

ولهذا قال الإمام عليعليه‌السلام مشيراً إلى هذه المرحلة من معرفة الله : ( الحمد لله المتجلّي لخلقه بخلقه )(١) .

ولكن إذا بلغ الإنسان في معرفته لله إلى المرحلة القلبية ، فإنّه سيستغني عن المعرفة الذهنية ، وتكون المعرفة القلبية هي الأساس في معرفته لله تعالى.

ولهذا قال الإمام الحسينعليه‌السلام مشيراً إلى هذه المرحلة الرفيعة من معرفة الله تعالى : ( كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك ، حتّى يكون هو المظهر لك ؟ ! متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدل عليك ؟ ! ومتى بعدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك ؟ ! عميت عين لا تراك ، ولا تزال عليها رقيباً )(٢) .

____________________

١ - نهج البلاغة ، الشريف الرضي : خطبة ١٠٨ ، ص ٢٠٠.

٢ - بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٦٧ ، باب ٤ ، ذيل ح ٧ ، ص١٤٢.

٤٩

الفصل الثالث :صفات اللّه تعالى

معرفة الله عن طريق صفاته

توقيفية صفات الله تعالى

أقسام صفات الله تعالى

خصائص صفات الله التنزيهيّة

خصائص صفات الله الثبوتية

صفات الله الذاتية عين الذات أو زائدة عن الذات

٥٠

٥١

المبحث الأوّل :معرفة الله عن طريق صفاته

الغاية من معرفة صفات الله هي معرفة الله ؛ لأنّ الصفات عبارة عن سُبُل للتعبير عن الله وبيان ذاته المقدّسة.

أدلة إمكان معرفة صفات الله تعالى(١) :

١ - جعل الله تعالى " صفاته " سبيلاً ليتعرّف العباد عليه ، فلو كانت معرفة صفات الله غير ممكنة ، لم يبق للعبد سبيلاً لمعرفة ربّه ، فتنسد أبواب عبودية الله تعالى ؛ لأنّ العبودية لا يمكن القيام بها إلاّ بعد معرفة المعبود.

٢ - ذكر الله تعالى صفاته في كتابه وسنّة نبيه ، لكي يتدبّر فيها العباد بعقولهم ،

فلو كانت معرفة صفات الله أمراً غير ممكن ، لكان ذكر هذه الصفات في القرآن والسنّة ، والتحريض على التدبّر فيها لغواً يتنزّه عنه تعالى.

٣ - ما لا يمكن معرفته هو الذات الإلهية ، والنهي الذي ورد في بعض الأحاديث واقع على هذه المعرفة ، لا على معرفة الصفات التي هي مفاهيم منتزعة من الذات.

مدى معرفته تعالى عن طريق معرفة صفاته :

القول بأنّ صفات الله هي السبيل لمعرفة الله ، لا يعني أنّ هذه الصفات قادرة على بيان كنه وحقيقة الذات الإلهية ، بل هذه الصفات مفاهيم وُضِعت لترشد العباد - بمقدار وسعها المحدود - إلى معرفة الله الإجمالية وما هو " محدود " لا يمكنه الكشف الكامل عما هو " غير محدود ".

____________________

١ - انظر : مفاهيم القرآن ، جعفر سبحاني : ٦ / ٩.

٥٢

أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام في هذا المجال :

١ - قال الإمام محمّد بن علي الجوادعليه‌السلام : ( الأسماء والصفات مخلوقات )(١) .

٢ - قال الإمام عليعليه‌السلام : ( لا وصف يحيط به )(٢) .

٣ - قال الإمام عليعليه‌السلام : ( الله أجلّ من أن يدرك الواصفون قدر صفته التي هو موصوف بها ، وإنّما يصفه الواصفون على قدرهم ، لا على قدر عظمته وجلاله ، تعالى الله عن أن يدرك الواصفون صفته علواً كبيراً )(٣) .

٤ - قال الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليهما‌السلام : ( إنّ الله أعلا وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته )(٤) .

ومن هذا المنطلق ذهب بعض علمائنا الأعلام إلى القول بأنّه :

ليس المقصود من نسبة الصفات إلى الله فهم كنه وحقيقة الذات الإلهية ؛ لأنّ هذا الفهم غير ممكن.

بل المقصود من نسبة الصفات إلى الله فهم هذه الحقيقة ، بأنّه تعالى منزّه عن الاتّصاف بضدّ هذه الصفات.

مثال ذلك :

" العلم " ، صفة من صفات الله ، ويفهم الإنسان من هذه الصفة معنى معيّناً ، ولكن الإنسان من المستحيل أن يعرف كنه وحقيقة معنى " علم الله ".

فإذا قيل : ما هو معنى كنه وحقيقة " العلم " الذي تصفون به الله ؟

فالجواب الصحيح : المقصود من " العلم " في هذا المقام : " نفي الضدّ " ، أي : " نفي الجهل ".

____________________

١ - الكافي ، الشيخ الكليني ، ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب معاني الأسماء واشتقاقها ، ح ٧ ، ص ١١٦.

٢ - التوحيد ، الشيخ الصدوق ، ب ٢ ، ح ٢٦ ، ص ٦٩.

٣ - المصدر السابق : باب ٣٤، ح ١، ص ٢٣٣.

٤ - الكافي : الشيخ الصدوق : ج ١، كتاب التوحيد ، باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى ، ح ١ ، ص ١٠٠.

٥٣

بعبارة أخرى :

ما يكشف لنا مفهوم " العلم " عن كنه ذات الله ، أنّه منزّه عن الجهل ،

وإلاّ فمن المستحيل للعقل البشري معرفة كنه وحقيقة علم الله تعالى.

أقوال العلماء في هذا المجال :

١ - قال الشيخ الصدوق :

" كلّما وصفنا الله تعالى من صفات ذاته ، فإنّما نريد بكلّ صفة منها نفي ضدّها عنه عزّ وجلّ"(١) .

٢ - قال المحقّق السيوري :

" ليس من المعقول لنا من صفاته إلاّ السلوب "(٢) .

٣ - قال العلاّمة المجلسي :

" [ يجب ] نفي تعقّل كنه ذاته وصفاته تعالى لمّا كان علمه تعالى غير متصوّر لنا بالكنه ، وأنّا لمّا رأينا الجهل فينا نقصاً نفيناه عنه ، فكأنّا لم نتصوّر من علمه تعالى إلاّ عدم الجهل ، فإثباتنا العلم له تعالى إنّما يرجع إلى نفي الجهل ، لأنّا لم نتصوّر علمه تعالى إلاّ بهذا الوجه "(٣) .

٤ - قال السيّد عبدالله شبر :

" المقصود من الصفات الثبوتية نفي أضدادها ، إذ صفاته تعالى لا كيفية لها ولا سبيل إلى إدراكها "(٤) .

تنبيه :

القول بنفي الضدّ عند تفسير صفات الله الثبوتية والكمالية ، لا يعني نفي هذه الصفات عنه تعالى ، وإنّما هو ناظر إلى أمر تعقّل وإدراك هذه الصفات الإلهية.

____________________

١ - الاعتقادات في دين الإمامية ، الشيخ الصدوق : باب الاعتقاد في صفات الذات وصفات الأفعال ، ص٧.

٢ - الباب الحادي عشر ، للعلاّمة الحلّي ، شرح : مقداد السيورى : الفصل الثالث ، ص ٤٩.

٣ - بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي : ج ٤ ، أبواب أسمائه تعالى ، باب ١ ، ذيل ح ١ ، ص ١٥٧.

٤ - حق اليقين ، عبدالله شبر : كتاب التوحيد ، الفصل الثالث ، ص ٤١.

٥٤

المبحث الثاني :توقيفية صفات الله تعالى

لا يجوز توصيف الله إلاّ بما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه أو عن طريق حججه من خلفاء نبيّه ، وبهذا تطابقت الأخبار عن آل محمّدعليهم‌السلام وهو مذهب الإمامية(١) .

أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام حول توقيفية صفات الله تعالى :

١ - قال الإمام عليعليه‌السلام : ( ما دلّك القرآن عليه من صفته [ عزّ وجلّ ] فاتّبعه ، ليوصل بينك وبين معرفته ، وأتمّ به ، واستضىء بنور هدايته

وما دلّك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه ، ولا في سنّة الرسول وأئمة الهدى أثره ، فكِل علمه إلى الله عزّ وجلّ ، فإنّ ذلك منتهى حقّ الله عليك )(٢) .

٢ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( إنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله جلّ وعزّ ولا تعدوا القرآن فتضلّوا بعد البيان )(٣) .

٣ - قال الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام : ( صفوه [ عزّ وجلّ ] بما وصف به نفسه ، وكفّوا عمّا سوى ذلك )(٤) .

٤ - قال الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام لأحد أصحابه : ( لا تتجاوز في

____________________

١ - انظر : أوائل المقالات ، الشيخ المفيد : القول ١٩ : القول في الصفات ، ص ٥٣.

٢ - التوحيد ، الشيخ الصدوق ، باب ٢ ، ح ١٣ ، ص ٥٥.

٣ - الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى ، ح ١ ، ص ١٠٠.

٤ - الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى ، ح ٦، ص ١٠٢.

٥٥

التوحيد ما ذكره الله تعالى في كتابه فتهلك )(١) .

٥ - قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( إنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه ، وأنّى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه ، والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحدّه ، والأبصار عن الإحاطة به ، جلّ عمّا وصفه الواصفون ، وتعالى عمّا ينعته الناعتون )(٢) .

٦ - قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك اللّهم لا أصفك إلاّ بما وصفت به نفسك )(٣) .

٧ - قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : لأحد أصحابه حول توصيف الله تعالى : ( لا تجاوز ما في القرآن )(٤) .

٨ - قال الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام : ( من وصف الله بخلاف ما وصف به نفسه فقد أعظم الفرية على الله )(٥) .

صحّة توصيف الله تعالى بأ نّه شيء :

١ - سئل الإمام محمّد بن علي الباقرعليه‌السلام : أيجوز أن يقال : إنّ الله عزّ وجلّ شيء ؟

قالعليه‌السلام : ( نعم يخرجه عن الحدّين حدّ التعطيل وحدّ التشبيه )(٦) .

٢ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام حول الله تعالى : ( هو شيء بخلاف الأشياء ، أرجع بقولي : " شيء " إلى إثبات معنى وأنّه شيء بحقيقة الشيئية ، غير أنّه لا جسم ولا صورة )(٧) .

____________________

١ - التوحيد ، الشيخ الصدوق : باب ٣ ، ح ٣٢ ، ص ٧٤.

٢ - المصدر السابق : باب ٢ ، ح ١٨ ، ص ٦٠.

٣ - الكافي ، الشيخ الكليني : ج ١ ، كتاب التوحيد ، باب النهي عن الصفة بغير ما وصف به نفسه تعالى ، ح ٣ ، ص ١٠١.

٤ - المصدر السابق ، ح ٧ ، ص ١٠٢.

٥ - بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : ج ٤ ، كتاب التوحيد ، باب ٥ ، ح ٣١ ، ص ٥٣.

٦ - التوحيد ، الشيخ الصدوق ، باب ٧ ، ح ١ ، ص ١٠١ - ١٠٢.

٧ - الكافي ، الشيخ الكليني ، ج ١ ، باب إطلاق القول بأنّه شيء ، ح ٦ ، ص ٨٣.

٥٦

٣ - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام : ( كلّ ما وقع عليه اسم شيء ما خلا الله تعالى فهو مخلوق )(١) .

____________________

١ - المصدر السابق ، ح ٥ ، ص ٨٣.

٥٧

المبحث الثالث:أقسام صفات الله تعالى

١ - الصفات السلبية ( الجلالية ) ( التنزيهية ) :

وهي الصفات التي يجب سلبها عن الله تعالى ؛ لأنّها صفات نقص ولا تليق بالله تعالى ، من قبيل : الاحتياج ، التركيب ، والتجسيم.

٢ - الصفات الثبوتية ( الجمالية ) ( الكمالية ) :

وهي الصفات الثابتة لله تعالى ، والمثبتة له كلّ وصف يعدّ كمالاً له تعالى.

وتنقسم صفات الله الثبوتية إلى قسمين(١) :

١ - الصفات الذاتية :

وهي الصفات التي يكون ثبوتها لله تعالى ، من خلال لحاظ الذات الإلهية فقط ، ومن دون لحاظ أي شيء آخر.

مثال ذلك : الحياة ، العلم ، القدرة.

٢ - الصفات الفعلية :

وهي الصفات التي يكون ثبوتها لله تعالى ، من خلال لحاظ الأفعال الإلهية.

أي : هي الصفات التي يتّصف بها الله من خلال الأفعال الصادرة عنه.

مثال ذلك : الخالق ، الرازق ، الغافر.

وتنقسم صفات الله الذاتية إلى قسمين :

١ - حقيقية محضة :

____________________

١ - انظر : تصحيح اعتقادات الإمامية ، الشيخ المفيد : صفات الله ، فصل في صفات الذات وصفات الأفعال ، ص ٤١.

٥٨

وهي الصفات الذاتية التي لا يعتبر في ثبوتها لله لحاظ أيّ شيء.

ومثالها صفة الحياة.

٢ - حقيقية ذات إضافة :

وهي الصفات الذاتية التي لا يعتبر في ثبوتها لله لحاظ أيّ شيء ، ولكنّها تتطلّب في تأثيرها الخارجي لحاظ أمر إضافي.

ومثالها صفة القدرة والعلم حيث لا يتحقّق أثرهما إلاّ بوجود مقدور ومعلوم.

٥٩

المبحث الرابع :خصائص صفات الله التنزيهيّة

صفات الله التنزيهيّة عبارة عن الصفات التي يجب تنزيه الله عنها ؛ لأنّها صفات نقص ولا تليق بالله عزّ وجلّ.

خصائص الصفات السلبية :

١ - وجه إطلاق كلمة " السلب " على هذه الصفات ، هو باعتبار لزوم سلبها عن الذات الإلهية.

٢ - الصفات التنزيهيّة مهما تعدّدت وتنوّعت فإنّ مرجعها واحد ، وهو تنزيه اللّه عن الفقر والاحتياج.

٣ - إنّ السبب الأساس الدال على نفي الصفات التنزيهيّة عنه تعالى ، هو استحالة اتّصافه تعالى بهذه الصفات ؛ لأنّه تعالى كامل ولا سبيل للنقص إليه.

لهذا تتلخّص الصفات التنزيهيّة في عبارة واحدة ، وهي :

" إنّ ذات الله تعالى منزّهة عن النقص من جميع الجهات ".

٤ - تنقسم الصفات التنزيهيّة إلى قسمين :

أوّلاً : ما لفظه لفظ الإثبات ومعناه النفي وهو :

الف - وصفه تعالى بصفة " الغني " التي تعني أنّه ليس بمحتاج.

ب - وصفه تعالى بصفة " الواحد " التي تعني أنّه لا ثاني له في وجوب الوجود.

ثانياً : ما لفظه ومعناه النفي ، من قبيل نفي التركيب ، الجسمانية ، التشبيه ، والمكان و... عنه تعالى(١) .

____________________

١ - انظر: المسلك في أصول الدين ، المحقّق الحلّي : النظر الأوّل ، المطلب الثالث : ص ٥٤ - ٥٦.

٦٠