اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)0%

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع) مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام
الصفحات: 214

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: المجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
تصنيف: الصفحات: 214
المشاهدات: 58689
تحميل: 6036

توضيحات:

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 214 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 58689 / تحميل: 6036
الحجم الحجم الحجم
اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)

اعلام الهداية - الإمام محمد بن علي الجواد (ع)

مؤلف:
الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (عليهم السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٣ ـ قال الراوي لأبي جعفرعليه‌السلام : يا سيدي إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك، فقال:(وما ينكرون من ذلك قول الله عَزَّ وجَلَّ، لقد قال الله عَزَّ وجَلَّ لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) (١) فو الله ما تبعه إلاّ علي عليه‌السلام وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين) (٢) .

ج ـ علمه:

لابدَّ للإمام من أن يكون واسع العلم والمعرفة، فهو أعلم أهل زمانه، وأدراهم بشؤون الشريعة وأحكام الدين مع الإحاطة بالنواحي السياسية والإدارية وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس. وقد دلّ الإمام الجوادعليه‌السلام بنفسه على ذلك، إذ خاض ـ وهو في سنّه المبكّر ـ في مختلف العلوم، وسأله العلماء والفقهاء عن أعقد المسائل الشرعية والعلمية فأجاب عنها بكل إحاطة ودقة مما أدى ذلك إلى انتشار مذهب أهل البيتعليهم‌السلام وتزايد الإقبال عليه في ذلك العصر وذهب كثير من العلماء إلى القول بالإمامة(٣) .

وقبل أن نشير إلى شيء من علمهعليه‌السلام لابد أن نشير إلى مصادر هذا العلم الربّاني الذي امتاز به أهل البيتعليهم‌السلام .

١ ـ روى المسعودي عن عبد الرحمن بن محمد عن كلثم بن عمران أنه قال: قلت للرضاعليه‌السلام : أنت تحبّ الصبيان فادع الله أن يرزقك ولداً. فقال:(إنّما أُرزق ولداً واحداً وهو يرثني) . فلما ولد أبو جعفر كان طول ليلته يناغيه في مهده، فلمّا طال ذلك على عدّة ليال، قلت: جُعلت فداك قد ولد للناس أولاد قبل هذا فكل هذا

ـــــــــ

(١) يوسف (١٢): ١٠٨.

(٢) أصول الكافي: ١ / ٣١٥.

(٣) حياة الإمام الجواد عليه‌السلام : ٦٦.

٢١

تعوّذه! فقال:(وَيْحَك! ليس هذا عوذة ! إنّما أغرّه بالعلم غرّاً) (١) .

٢ ـ وقد لاحظنا فيما سبق ما ورد من نصوص تاريخية تشهد بتكلمّه وهو في المهد إلى جانب نصوص أخرى تشير إلى أنه قد أُوتي الحكم صبيّاً(٢) .

٣ ـ وجاء أيضاً عن الإمام محمّد الجواد أبي جعفر الثانيعليه‌السلام ، أنه قال:(قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : إن الأوصياء محدّثون يحدّثهم روح القدس ولا يرونه) (٣) .

وروي أيضاً أنه جيء بأبي جعفر الجوادعليه‌السلام إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد استشهاد أبيهعليه‌السلام وهو طفل، وجاء إلى المنبر ورقى منه درجة، ثم نطق فقال:(أنا محمد بن علي الرضا، أنا الجواد، أنا العالم بأنساب الناس في الأصلاب، أنا أعلم بسرائركم وظواهركم، وما أنتم صائرون إليه، عِلمٌ منحنا به من قبل خالق الخلق أجمعين، وبعد فناء السماوات والأرضين، ولو لا تظاهر أهل الباطل، ودولة أهل الضلال، ووثوب أهل الشكّ، لقلت قولاً تعجّب منه الأوّلون والآخرون) .

ثم وضع يده الشريفة على فيه، وقال:(يا محمد اصمت كما صمت آباؤك من قبل) (٤) .

ومن هنا ينبغي أن نعرض بإيجاز إلى بعض ما أُثر عنه من العلوم:

١ ـ التوحيد:

أثيرت في عصر الإمام الجوادعليه‌السلام كثير من الشكوك والأوهام حول قضايا التوحيد وقد أثارها من لا حريجة له في الدين من الحاقدين على الإسلام لزعزعة

ـــــــــ

(١) إثبات الوصية: ٢١٠.

(٢) راجع فقرتي (أ) و (ب) من هذا الفصل.

(٣) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ١٥٩.

(٤) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ١٥٩.

٢٢

العقيدة في نفوس المسلمين، ولتشكيكهم في مبادئ دينهم العظيم، وقد أجاب الإمامعليه‌السلام عن تلك الشبهات وفنّدها خير تفنيد، وكان من بينها ما يلي:

١ ـ قال الراوي: (سألت أبا جعفر عن التوحيد فقلتُ: أتوهّم شيئاً. فقال:(نعم، غير معقول ولا محدود، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه، لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يُعقل وخلاف ما يُتصور في الأوهام ؟ إنّما يُتوهم شيء غير معقول ولا محدود) (١) .

٢ ـ وقال الراوي: (سئل أبو جعفر الثانيعليه‌السلام : يجوز أن يقال لله إنه شيء؟ قال:نعم ، يُخرجه من الحدَّين ، حدّ التعطيل وحد التشبيه )(٢) .

٣ ـ قال الراوي: (سألت أبا جعفر محمد بن علي الثانيعليه‌السلام : ما معنى الواحد ؟ فقال:المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانية )(٣) .

٢ ـ تفسير القرآن الكريم وتأويله:

وردت عن الإمام الجوادعليه‌السلام نصوص كثيرة في تفسير وتأويل بعض آيات القرآن الكريم.

فمنها ما ورد عنهعليه‌السلام في تفسير الآيتين المباركتين: ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ... ) إلى قوله تعالى:( ... وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير ) (٤) .

إذ قالعليه‌السلام : ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ) بأن نرفع حكمها .

ـــــــــ

(١) أصول الكافي: ١ / ٦٤.

(٢) أصول الكافي: ١ / ٦٤.

(٣) التوحيد للصدوق: ٨٢.

(٤) البقرة (٢): ١٠٦ ـ ١٠٧.

٢٣

  ( أَوْ نُنْسِهَا ) بأن نرفع رسمها ونزيل عن القلوب حفظها، وعن قلبك يا محمد كما قال الله تعالى : ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ... ) (١) أن ينسيك، فرفع ذكره عن قلبك.

( نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا ) يعني: بخير لكم.

فهذه الثانية أعظم لثوابكم، وأجلّ لصلاحكم من الآية الأولى المنسوخة، أو مثلها من الصلاح لكم، أي إنّا لا ننسخ ولا نبدّل إلاّ وغرضنا في ذلك مصالحكم.

ثم قال:يا محمد ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ، فانه قدير يقدر على النسخ وغيره. ألم تعلم ـ يا محمد ـ أن الله له ملك السماوات والأرض وهو العالم بتدبيرها ومصالحها فهو يدبّركم بعلمه ( وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ ) يلي صلاحكم إذ كان العالم بالمصالح هو الله عَزَّ وجَلَّ دون غيره ولا نصير وما لكم من ناصر ينصركم من مكروه إن أراد الله إنزاله بكم، أو عقاب إن أراد إحلاله بكم) (٢) .

إنّ منهج الاستهداء بالقرآن نفسه لتفسير آياته الكريمة واضح جدّاً في هذا النص.

وفي مجال تأويله لقوله تعالى:( أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٣) . فقد جاء عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني أنّه قال: (قلت لمحمد بن علي بن موسىعليه‌السلام : إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. فقالعليه‌السلام :يا أبا القاسم: ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله عَزَّ وجَلَّ، وهادٍ إلى دين الله،

ـــــــــ

(١) الأعلى (٨٧): ٦ ـ ٧.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ١٦٤.

(٣) البقرة (٢): ١٤٨.

٢٤

ولكن القائم الذي يطهّر الله عَزَّ وجَلَّ به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته وهو سميُّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكنيّه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذلّ له كل صعب (و )يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عَزَّ وجَلَّ: ( أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) . فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عَزَّ وجَلَّ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عَزَّ وجَلَّ . قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيدي وكيف يعلمُ أن الله عَزَّ وجَلَّ قد رضي ؟ قال:يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما )(١) .

٣ ـ الحديث:

روى الإمام الجوادعليه‌السلام طائفة من الأحاديث بسنده عن جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وروى أيضاً عن جدّه الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وعن آبائهعليهم‌السلام وفيما يلي مختارات من ذلك التراث الذي يكشف بثّه من قِبَل الإمامعليه‌السلام عن اهتمامه بنشر حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآبائه الميامين:

١ ـ روىعليه‌السلام بسنده أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:(إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّمها الله وذريّتها على النار) (٢) .

٢ ـ روىعليه‌السلام إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:(المرء مخبوء تحت لسانه) (٣) .

٣ ـ وقالعليه‌السلام : (قام إلى أمير المؤمنين رجل بالبصرة، فقال: أخبرنا عن

ـــــــــ

(١) كمال الدين وتمام النعمة، للصدوق القمي: ٣٧٧ ـ ٣٧٨.

(٢) حياة الإمام محمد الجواد عليه‌السلام : ٧٩ ـ ٨٠.

(٣) حياة الإمام محمد الجواد عليه‌السلام : ٨٠، عن بحار الأنوار: ١٢/١٠١.

٢٥

الإخوان ؟ فقال:الإخوان صنفان: إخوان الثقة، وإخوان المكاشرة. فأمّا إخوان الثقة ، فهم كالكفّ والجناح والأهل والمال، فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك ويدك وصاف من صافه وعاد من عاداه واكتم سرّه وأعنه واظهر منه الحسن، واعلم أيها السائل أنهم أعزّ من الكبريت الأحمر. وأما إخوان المكاشرة ، فإنك تصيب منهم لذتك، فلا تقطعن ذلك منهم، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان) (١) .

٤ ـ روىعليه‌السلام عن الإمام الصادقعليه‌السلام لما سئل عن الزاهد في الدنيا، قوله:(الذي يترك حلالها مخافة حسابه، ويترك حرامها مخافة عقابه) (٢) .

٥ ـ وروىعليه‌السلام عن الإمام الصادقعليه‌السلام عندما قيل له صف لنا الموت، قولهعليه‌السلام :(للمؤمن كأطيب ريح يشمه فينعس لطيبه، وينقطع التعب والألم كله عنه، وللكافر كلسع الأفاعي ولدغ العقارب أو أشد) (٣) .

٦ ـ وقالعليه‌السلام : مرض رجل من أصحاب الرضاعليه‌السلام فعاده، فقال:كيف تجدك ؟ قال: لقيت الموت بعدك. يريد به ما لقيه من شدة مرضه. فقالعليه‌السلام :كيف لقيته ؟ قال: شديداً أليماً. قال:ما لقيته إنما لقيت ما يبدؤك به ويعرفك بعض حاله، إنما الناس رجلان: مستريح بالموت، ومُستراح منه به، فجدّد الإيمان بالله وبالولاية تكن مستريحاً (٤) .

ـــــــــ

(١) حياة الإمام محمد الجواد عليه‌السلام : ٨١، عن وسائل الشيعة: ٨/٥٨.

(٢) الإمام محمد بن علي الجواد عليه‌السلام ، عبد الزهراء عثمان محمد: ١٠٦ عن معاني الأخبار: ٢٨٧.

(٣) الإمام محمد بن علي الجواد عليه‌السلام ، عبد الزهراء عثمان محمد: ١٠٦ عن معاني الأخبار: ٢٨٧.

(٤) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٨٦.

٢٦

٤ ـ نماذج من فقههعليه‌السلام :

تشكّل الأحاديث التي تُروى عن الإمام أبي جعفر الجوادعليه‌السلام مصدراً خصباً لاستنباط الأحكام الشرعية لدى فقهاء الشيعة الإمامية، لأنها تعبّر عن سنة المعصومين وسنّة المعصوم هي قوله وفعله وتقريره.

وقد أُثرت عنهعليه‌السلام طائفة كبيرة من الأخبار التي دوّنت في موسوعات الفقه والحديث وقد شملت معظم أبواب الفقه نذكر بعض النماذج منها:

الصلاة:

١ ـ قال الراوي: كتبت إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام (في السنجاب والفنك والخزّ، وقلت: جعلت فداك، أحبّ أن لا تجيبني بالتقيّة في ذلك فكتب بخطّه إلي:صلّ فيها )(١) .

واستدل الفقهاء بهذا الخبر ونحوه مما ورد في هذا الموضوع على جواز الصلاة في جلود هذه الحيوانات.

٢ ـ قال الراوي: رأيت أبا جعفرعليه‌السلام صلّى حين زالت الشمس يوم التروية ست ركعات خلف المقام، وعليه نعلاه لم ينزعهما(٢) .

واستدل الفقهاء بهذه الرواية على جواز الصلاة بالنعل الطاهرة المتخذة من الذبيحة المذكّاة.

ـــــــــ

(١) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٨٦. الفنك: حيوان صغير من فصيلة الكلبيات، شبيه بالثعلب، لكن أذنيه كبيرتان، لا يتجاوز طوله أربعين سنتيمتراً بما فيه الذنب، فَرْوته من أحسن الفِراء.

والسمور: حيوان برّي من فصيلة السموريات ورتبة اللواحم، يشبه ابن عرس وأكبر منه، لونه أحمر مائل إلى السواد، تتخذ من جلده فراء ثمينة.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٣٨٩.

٢٧

الزكاة:

وردت عن الإمام الجوادعليه‌السلام عدة أخبار في فروع الزكاة كان من بينها ما يأتي: استدل الفقهاء على جواز إخراج القيمة دون العين فيما تجب فيه الزكاة بما جاء عنهعليه‌السلام في جوابه عن السؤال: (هل يجوز أن أخرج عمّا يجب في الحرث من الحنطة والشعير، وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوي ؟ أم لا يجوز إلاّ أن يخرج من كل شيء ما فيه ؟ فأجابعليه‌السلام :أيّما تيسّر يخرج )(١) .

الحج:

واستند الفقهاء في فتاواهم في بعض فروع الحج ومسائله إلى ما أُثر عن الإمام الجوادعليه‌السلام فيها، وفيما يأتي بعض ذلك:

١ ـ استند الفقهاء في استحباب الحج للصبي بما جاء في الرواية التالية: قال الراوي: (سألت أبا جعفر الثانيعليه‌السلام عن الصبي متى يحرم به ؟ قال:إذا أثغر )(٢) .

٢ ـ واتفق فقهاء الإمامية على أنّ حجّ التمتع أفضل أنواع الحج لمن أراد أن يحج حجاً مندوباً، وقد استندوا في ذلك إلى ما ورد عن الإمام الجوادعليه‌السلام وغيره من أئمة العترة الطاهرةعليهم‌السلام ، حيث قال الراوي: (كان أبو جعفرعليه‌السلام يقول:المتمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من المفرد السائق للهدي . وكان يقول:ليس يدخل الحاجّ بشيء أفضل من المتعة (٣) .

ـــــــــ

(١) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣/٤١١.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣/٤٢٦.

(٣) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٤٣٠.

٢٨

٥ ـ فلسفة التشريع وعلل الأحكام:

وكشف الإمام محمد الجوادعليه‌السلام النقاب عن بعض العلل في تشريع بعض الأحكام الشرعيّة، وكان من بينها:

ما سأله محمد بن سليمان عن العلة في جعل عدّة المطلّقة ثلاث حيض أو ثلاثة أشهر، وصارت عدة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً ؟ فأجابه الإمامعليه‌السلام عن ذلك:

(أمّا عدّة المطلّقة ثلاثة قروء فلاستبراء الرحم من الولد، وأما عدّة المتوفى عنها زوجها فإن الله تعالى شرط للنساء شرطاً، وشرط عليهن شرطاً فلم يجابهن فيما شرط لهن، ولم يجر فيما اشترط عليهنّ، أما ما شرط لهن في الإيلاء أربعة أشهر إذ يقول الله عَزَّ وجَلَّ: ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) فلم يجوز لأحد أكثر من أربعة أشهر في الإيلاء لعلمه تبارك اسمه أنه غاية صبر المرأة عن الرجل، وأما ما شرط عليهنّ فإن أمرها أن تعتد إذا مات زوجها أربعة أشهر وعشراً فأخذ منها له عند موته ما أخذ لها منه في حياته عند الإيلاء، قال الله عَزَّ وجَلَّ: ( يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) ولم يذكر العشرة أيام في العدّة إلاّ مع الأربعة أشهر، وعلم أن غاية المرأة الأربعة أشهر في ترك الجماع فمن ثم أوجبه عليها ولها ...) (١)

د ـ عبادته ونسكه:

كان الإمام الجوادعليه‌السلام أعبد أهل زمانه، وأشدهم حبّاً لله عَزَّ وجَلَّ وخوفاً منه، وأخلصهم في طاعته وعبادته، شأنه شأن الأئمة الطاهرين من آبائهعليهم‌السلام

ـــــــــ

(١) حياة الإمام محمّد الجواد عليه‌السلام : ١٠١.

٢٩

الذين عملوا كلّ ما يقرّبهم إلى الله زلفى.

ومن مظاهر عبادة الإمام الجوادعليه‌السلام نشير إلى ما يلي:

١ ـ نوافله:

كانعليه‌السلام كثير النوافل، ويقول المؤرخون إنه: كان يصلّي ركعتين يقرأ في كل ركعة سورة الفاتحة، وسورة الإخلاص سبعين مرة(١) . وإنهعليه‌السلام إذا دخل شهر جديد يصلّي أول يوم منه ركعتين يقرأ في أول ركعة (الحمد) مرة، و(قل هو الله أحد) لكل يوم إلى آخره ـ يعني ثلاثين مرة ـ وفي أول الركعة الأخرى (الحمد) و(إنا أنزلناه) مثل ذلك ويتصدق بما يتسهل، يشتري به سلامة ذلك الشهر كله(٢) .

وجاء في الرواية أنه صام أبو جعفر الثانيعليه‌السلام لمّا كان ببغداد يوم النصف من رجب، ويوم سبع وعشرين منه، وصام معه جميع حشمه، وأمرنا أن نصلّي بالصلاة التي هي اثنتى عشرة ركعة:تقرأ في كل ركعة الحمد وسورة، فإذا فرغت قرأت (الحمد) أربعاً، و (قل هو الله أحد) أربعاً، والمعوّذتين أربعاً، وقلت: (لا إله إلاّ الله والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم) أربعاً، (الله الله ربي لا أُشرك به شيئاً) أربعاً، (لا أُشرك بربّي أحداً) أربعا ً(٣) .

ـــــــــ

(١) حياة الإمام محمّد الجواد عليه‌السلام : ٦٧.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٢٠.

(٣) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٢٢.

٣٠

ـ حجه:

وكان الإمامعليه‌السلام كثير الحج، وقد جاء في الرواية: (رأيت أبا جعفر الثانيعليه‌السلام في سنة خمس عشرة ومائتين ودّع البيت بعد ارتفاع الشمس، وطاف بالبيت يستلم الركن اليماني في كل شوط، فلمّا كان الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسح بيده ثم مسح وجهه بيده، ثم أتى المقام، فصلّى خلفه ركعتين ثم خرج إلى دبر الكعبة إلى الملتزم، فالتزم البيت، ثم وقف عليه طويلاً يدعو، ثم خرج من باب الحناطين.

قال الراوي: فرأيته في سنة (٢١٩ هـ) ودّع البيت ليلاً، يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كل شوط، فلمّا كان في الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريباً من الركن اليماني وفوق الحجر المستطيل... ثم أتى الحجر فقبّله ومسحه وخرج إلى المقام فصلّى خلفه ثم مضى ولم يعد إلى البيت، وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط وبعضهم ثمانية)(١) .

٣ ـ أذكار الإمام وأدعيته ومناجاته:

وهنا نورد بعضاً من أذكار الإمام وأدعيته ومناجاته التي كان يناجي بها ربّه الأعلى كأحد مظاهر التسبيح والتمجيد في محراب عبادته لله جلّ جلاله:

من أدعيتهعليه‌السلام في حال القنوت:

(اللهم أنت الأول بلا أولية معدودة، والآخر بلا آخرية محدودة، أنشأتنا لا لعلّة اقتساراً، واخترعتنا لا لحاجة اقتداراً، وابتدعتنا بحكمتك اختياراً، وبلوتنا بأمرك ونهيك اختباراً، وأيدتنا بالآلات، ومنحتنا بالأدوات، وكلّفتنا الطاقة، وجشمتنا الطاعة، فأمرت

ـــــــــ

(١) حياة الإمام محمد الجواد عليه‌السلام : ٦٨.

٣١

تخييراً ونهيت تحذيراً، وخوّلت كثيراً، وسألت يسيراً، فعصي أمرك فحلُمت، وجهل قدرك فتكرّمت ...) (١) .

من أدعيته إذا انصرف من الصلاة:

(رضيت بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن كتاباً، وبمحمد نبياً، وبعليٍّ ولياً، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والحجة بن الحسن بن علي، أئمة.

اللهم وليّك الحجة فاحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، وامدد له في عمره، واجعله القائم بأمرك، المنتصر لدينك وأره ما يحبّ وتقرّ به عينه في نفسه وفي ذرّيته وأهله وماله وفي شيعته وفي عدوه، وأرهم منه ما يحب وتقرّ به عينه، واشف به صدورنا وصدور قوم مؤمنين) (٢) .

من دعائهعليه‌السلام عند الصباح والمساء لقضاء الحوائج:

قال الراوي: كتبت إلى أبي جعفر الثانيعليه‌السلام أسأله أن يعلّمني دعاء، فكتب إليَّ:(تقول إذا أصبحت وأمسيت: الله الله الله، ربي الرحمن الرحيم، لا أشرك به شيئاً وإن زدت على ذلك فهو خير، ثم تدعو بما بدا لك في حاجتك، فهو لكل شيء بإذن الله تعالى، يفعل الله ما يشاء (٣) .

ـــــــــ

(١) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢١٢.

(٢) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢١٤ ـ ٢١٥.

(٣) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢١٨.

٣٢

هـ ـ معجزاته وكراماتهعليه‌السلام :

ورغم أنّ الإمام الجوادعليه‌السلام كان معجزة بذاته، حيث تصدى لإمامة المسلمين وهو صبي لم يبلغ السابعة من عمره، فإنّ الله جّل جلاله أجرى على يديه كرامات أخرى في مناسبات عديدة لكي يتم بها الحجة على العباد ويقطع بها ألسنة المعاندين وتطمئن بسببها قلوب الموالين.

وإليك بعض مصاديقها(١) :

١ ـ قال أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري: (دخلت على أبي جعفر الثانيعليه‌السلام ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت عليّ فاغتممت لذلك، فتناول إحداهنّ وقال:هذه رقعة ريّان بن شبيب ثم تناول الثانية فقال:هذه رقعة محمد بن حمزة وتناول الثالثة، وقال:هذه رقعة فلان فبهتّ، فنظر إليَّ وتبسّمعليه‌السلام .

قال: وأعطاني أبو جعفر ثلاثمئة دينار في صرّة وأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمّه، وقال:أما أنه سيقول لك دلّني على حريف يشتري لي بها متاعاً فدلّه عليه .

قال: فأتيته بالدنانير فقال لي:(يا أبا هاشم دلّني على حريف يشتري لي بها متاعاً) . ففعلت.

قال أبو هاشم: وكلّمني جمّال أن أُكلّمه ليدخله في بعض أموره، فدخلت عليه لأكلمه فوجدته يأكل مع جماعة فلم يمكنني كلامه، فقال:يا أبا هاشم: كُل ، ووضع بين يديّ ثم قال ـ ابتداءً منه من غير مسألة ـ:يا غلام ، انظر الجمّال الذي أتانا به أبو هاشم فضمّه إليك ).

ـــــــــ

(١) نقلنا هذه المصاديق عن إعلام الورى بأعلام الهدى: ٩٧ ـ ١٠٠، ومستدرك عوالم العلوم: ٢٣/٢١٨.

٣٣

٢ ـ قال أبو هاشم: ودخلت معه ذات يوم بستاناً فقلت له: جعلت فداك، إني مولع بأكل الطين، فادع الله لي، فسكت ثم قال لي بعد أيام ابتداءً منه ـ: (يا أبا هاشم، قد أذهب الله عنك أكل الطين) .

قال أبو هاشم: فما شيء أبغض إليَّ منه.

٣ ـ قال علي بن أسباط : خرج عليّ أبو جعفر حدثان موت أبيه فنظرت إلى قدّه لأصف قامته لأصحابنا فقعد، ثم قال:(يا عليّ، إن الله تعالى احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة فقال: ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً ) ) (١) .

٤ ـ قال الراوي: (مضى أبو الحسن الرضاعليه‌السلام ولي عليه أربعة آلاف درهم، لم يكن يعرفها غيري وغيره، فأرسل إليَّ أبو جعفرعليه‌السلام :(إذا كان في غد فائتني) . فأتيته من الغد، فقال لي:مضى أبو الحسن ولك عليه أربعة آلاف درهم ؟ . فقلت: نعم فرفع المصلّى الذي كان تحته، فإذا تحته دنانير فدفعها إليَّ، وكان قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم).

٥ ـ قال الراوي: (كنت بالمدينة، وكنت اختلف إلى أبي جعفرعليه‌السلام وأبو الحسنعليه‌السلام بخراسان، وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلّمون عليه، فدعا يوماً الجارية، فقال:قولي لهم: يتهيأون للمأتم .

فلمّا تفرّقوا قالوا: ألا سألناه مأتم مَن ؟

فلمّا كان من الغد فعل مثل ذلك، فقالوا: مأتم مَن ؟

قال: مأتم خير مَن على ظهرها .

ـــــــــ

(١) مريم (١٩): ١٢.

٣٤

فأتانا خبر أبي الحسن) الرضاعليه‌السلام (بعد ذلك بأيّام، فإذا هو قد مات في ذلك اليوم).

٦ ـ قال الراوي: كتب إليّ أبو جعفرعليه‌السلام :(احملوا إليَّ الخمس، فإني لستُ آخذه منكم سوى عامي هذا) . فقبضعليه‌السلام في تلك السنة.

و ـ من مكارم أخلاقه الاجتماعية.

لقد كان الإمام الجوادعليه‌السلام شاباً في مقتبل العمر، وكان المأمون يغدق عليه الأموال الوافرة وقد بلغت مليون درهم. وكانت الحقوق الشرعية ترد إليه من الطائفة الشيعية التي كانت تعتقد بإمامته بالإضافة إلى الأوقاف التي كانت في قم وغيرها إلاّ أنّه لم يكن ينفق شيئاً منها في أموره الخاصّة وإنّما كان ينفقها على الفقراء والمعوزين والمحرومين.. وقد رآه الحسين المكاري في بغداد، وكان محاطاً بهالة من التعظيم والتكريم من قِبل الأوساط الرسمية والشعبية فظنّ أن الإمامعليه‌السلام سوف لا يرجع إلى وطنه يثرب بل يقيم في بغداد راتعاً في النعم والترف، وعرف الإمام قصده، فانعطف عليه وقال له:(يا حسين، خبز الشعير، وملح الجريش في حرم جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحب إليَّ ممّا تراني فيه ..) (١) .

إنّه لم يكن من طلاب تلك المظاهر التي كانت تضفيها الدولة، وإنّما كان كآبائه الذين طلّقوا الدنيا، واتّجهوا صوب الله تعالى لا يبغون عنه بديلاً.

ـــــــــ

(١) إثبات الهداة: ٦ / ١٨٥.

٣٥

١ ـ السخاء:

كان الإمام أبو جعفرعليه‌السلام من أندى الناس كفّاً وأكثرهم سخاءً، وقد لُقِّب بالجود لكثرة كرمه ومعروفه وإحسانه إلى النّاس وقد ذكر المؤرّخون قصصاً كثيرة من كرمه.

منها: ما روى المؤرّخون من أنّ أحمد بن حديد قد خرج مع جماعة من أصحابه إلى الحجّ، فهجم عليهم جماعة من السرّاق ونهبوا ما عندهم من أموال ومتاع، ولما انتهوا إلى يثرب انطلق أحمد إلى الإمام محمّد الجواد وأخبره بما جرى عليهم فأمرعليه‌السلام له بكسوة وأعطاه دنانير ليفرقها على جماعته، وكانت بقدر ما نهب منهم(١) .

وبهذا أنقذهم الإمام من المحنة وردّ لهم ما سلب منهم بسخاء وافر.

واشتهر أنّ كرم الإمام ومعروفه قد شمل حتى الحيوانات، فقد روى محمّد بن الوليد الكرماني أنّه قال: أكلت بين يدي أبي جعفر الثانيعليه‌السلام حتى إذا فرغت ورفع الخوان ذهب الغلام ليرفع ما وقع من فتات الطعام فقالعليه‌السلام له:(ما كان في الصحراء فدعه ولو فخذ شاة، وما كان في البيت فتتبعه والقطه) (٢) .

لقد أمرهعليه‌السلام بترك الطعام الذي في الصحراء ليتناوله الطير وسائر الحيوانات التي ليس عندها طعام.

ـــــــــ

(١) الوافي بالوفيات: ٤ / ١٠٥، بحار الأنوار: ١٢ / ١٠٩.

(٢) وسائل الشيعة: ٦ / ٤٩٩.

٣٦

٢ ـ الإحسان إلى الناس:

أمّا الإحسان إلى الناس والبرّ بهم فإنّه من سجايا الإمام الجواد ومن أبرز صفاته، وقد سجل التاريخ قصصاً كثيرة من إحسانه منها:

ما رواه أحمد بن زكريا الصيدلاني عن رجل من بني حنيفة من أهالي بست وسجستان(١) قال: رافقت أبا جعفر في السنة التي حجّ فيها في أوّل خلافة المعتصم فقلت له: وأنا على المائدة: إنّ والينا ـ جعلت فداك ـ يتولاكم أهل البيت (و) يحبّكم ، وعليَّ في ديوانه خراج، فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليه بالإحسان إليّ، فقالعليه‌السلام :لا أعرفه ، فقلت: جعلت فداك إنّه على ما قلت من محبيّكم أهل البيتعليهم‌السلام ، وكتابك ينفعني واستجاب له الإمام فكتب إليه بعد البسملة:(أمّا بعد: فإنّ موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلاً، وإنّ ما لك من عملك إلاّ ما أحسنت فيه، فاحسن إلى إخوانك واعلم أنّ الله عَزَّ وجَلَّ سائلك عن مثاقيل الذرة والخردل..) (٢) .

ولما ورد إلى سجستان عرف الوالي وهو الحسين بن عبد الله النيسابوري أن الإمام قد أرسل إليه رسالة فاستقبله من مسافة فرسخين، وأخذ الكتاب فقبّله،

ـــــــــ

(١) قال محمّد بن بحر الرهني: سجستان: إحدى بلدان المشرق، لم تزل لفاحاً على الضيم ممتنعة من الهضم منفردة بمحاسن، متوحَدة بمآثر لم تعرف لغيرها من البلدان، ما في الدنيا سوقة أصحّ منهم معاملة، ولا أقلّ منهم مخاتلة، وأضاف في تعداد مآثرها أنّه لُعن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام على منابر الشرق والغرب، ولم يلعن على منابرها إلاّ مرّة، وامتنعوا على بني أمية حتى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم أحد.. وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على منبرهم، وهو يلعن على منابر الحرمين مكّة والمدينة؟ ـ معجم البلدان: ٣ / ١٩٠ ـ ١٩١.

(٢) بحار الأنوار: ٥٠ / ٨٦.

٣٧

واعتبر ذلك شرفاً له، وسأله عن حاجته فأخبره بها، فقال له: لا تؤدِّ لي خراجاً ما دام لي عمل، ثمّ سأله عن عياله فأخبره بعددهم فأمر له ولهم بصلة، وظلّ الرجل لا يؤدّي الخراج ما دام الوالي حيّاً، كما إنّه لم يقطع صلته عنه(١) كلّ ذلك ببركة الإمام ولطفه.

٣ ـ المواساة للناس:

وواسى الإمام الجوادعليه‌السلام الناس في البأساء والضرّاء، فقد ذكروا: أنه قد جرت على إبراهيم بن محمّد الهمداني مظلمة من قِبل الوالي، فكتب إلى الإمام الجوادعليه‌السلام يخبره بما جرى عليه، فتألّم الإمام وأجابه بهذه الرسالة:(عجّل الله نصرتك على من ظلمك، وكفاك مؤنته، وابشر بنصر الله عاجلاً إن شاء الله، وبالآخرة آجلاً، وأكثر من حمد الله..) (٢) .

ومن مواساته للناس: تعازيه للمنكوبين والمفجوعين، فقد بعث رسالة إلى رجل قد فجع بفقد ولده، وقد جاء فيها بعد البسملة:(ذكرت مصيبتك بعليّ ابنك، وذكرت أنّه كان أحبّ ولدك إليك، وكذلك الله عَزَّ وجَلَّ إنّما يأخذ من الولد وغيره أزكى ما عند أهله، ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة، فأعظم الله أجرك، وأحسن عزاك، وربط على قلبك، إنّه قدير، وعجّل الله عليك بالخلف، وأرجو أن يكون الله قد فعل إن شاء الله...) (٣) .

ـــــــــ

(١) بحار الأنوار: ١٢ / ١٢٩.

(٢) بحار الأنوار: ١٢ / ١٢٦.

(٣) وسائل الشيعة: ٢ / ٨٧٤.

٣٨

وأعربت هذه الرسالة الرقيقة عن مدى تعاطف الإمام مع الناس، ومواساته لهم في البأساء والضرّاء.

ومن مواساته للناس: أنّ رجلاً من شيعته كتب إليه يشكو ما ألمَّ به من الحزن والأسى لفقد ولده، فأجابه الإمامعليه‌السلام برسالة تعزية جاء فيها:(أما علمت أنّ الله عَزَّ وجَلَّ يختار من مال المؤمن، ومن ولده أنفسَه ليؤجره على ذلك..) (١) .

لقد شارك الناس في البأساء والضرّاء، وواساهم في مصائبهم ومحنهم، ومدَّ يد المعونة إلى فقرائهم وضعفائهم، وبهذا البرّ والإحسان احتلّ القلوب وملك العواطف وأخلص له الناس وأحبّوه كأعظم ما يكون الإخلاص والحبّ .

لقد كان الإمام الجوادعليه‌السلام يمثل أروع صور الفضيلة والكمال في الأرض، فلم ير الناس في عصره من يضارعه في علمه وتقواه وورعه، وشدّة تحرّجه في الدين، فقد كان نسخة لا ثاني لها في فضائله ومآثره التي هي السرّ في إمامته.

لقد أعجبت الأوساط الإسلامية بالإمام الجوادعليه‌السلام لما عرفوا مواهبه، وملكاته العلمية التي لا تحدّ، وهي ممّا زادت الشيعة إيماناً ويقيناً بصحّة ما تذهب إليه وتعتقد به من أنّ الإمام لا بدّ أن يكون أعلم أهل زمانه وأفضلهم واتقاهم(٢) .

ـــــــــ

(١) وسائل الشيعة: ٢ / ٨٩٣.

(٢) راجع حياة الإمام محمد الجوادعليه‌السلام : ٧٠ ـ ٧٥.

٣٩

الباب الثاني: وفيه فصول:

الفصل الأول: نشأة الإمام محمّد الجوادعليه‌السلام .

الفصل الثاني: مراحل حياة الإمام محمد الجوادعليه‌السلام .

الفصل الثالث: الإمام الجواد في ظل أبيهعليهما‌السلام .

الفصل الأول: نشأة الإمام محمّد الجوادعليه‌السلام

١ ـ نسبه: الإمام محمد الجوادعليه‌السلام من الأسرة النبوية وهي أجلّ وأسمى الأسر التي عرفتها البشرية، فهو ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام علي السجاد ابن الإمام الحسين سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن الإمام علي بن أبي طالبعليهم‌السلام .

٢ ـ أمه: هي من أهل بيت مارية القبطية، نوبيّة مريسية، أمها: سبيكة أو ريحانة أو درّة، وسمّاها الرضاعليه‌السلام خيزران وصفها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنها خيرة الإماء الطيبة. وقال العسكريعليه‌السلام :(خُلقت طاهرة مطهّرة وهي أم ولد تكنّى بأم الجواد، وأم الحسن، وكانت أفضل نساء زمانها) (١) .

٣ ـ ولادته: ولدعليه‌السلام في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومئة لسبع عشر ليلة مضت من الشهر وقيل: للنصف منه ليلة الجمعة(٢) وكانت ولادته في المدينة. وغمرت الإمام الرضاعليه‌السلام موجات من الفرح والسرور بوليده المبارك،

ـــــــــ

(١) مستدرك عوالم العلوم: ٢٣ / ٢٠.

(٢) إعلام الورى بأعلام الهدى: ٢ / ٩١.

٤٠