فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها0%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 245195
تحميل: 4811

توضيحات:

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 245195 / تحميل: 4811
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسّلام على سيّدنا محمد وآله الطيّبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

وبعد، فقد كثر الحديث عن نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) التي انتهت بفاجعة الطفّ عرضاً وتقييماً، وتفجّعاً وافتخاراً، وغير ذلك من شؤون هذه الملحمة الدينية الكبرى.

ولعلّه لم تحظَ واقعة في الإسلام، بل في العالم بمثل ما حظيت به هذه الواقعة من الاهتمام والتقييم في أحاديث وكتابات بلغ كثير منها كتباً كاملة، بل مجلّدات.

وذلك قد يوحي بأنّ الحديث عنها بعد ذلك لا يزيد شيء، بل هو تكرار لأفكار سابقة، واجترار لمفاهيم مطروحة.

ولكنّ الذي يبدو لنا أنّ الأمر ليس كذلك، وأنّ بعض جوانب هذه النهضة المباركة لم يأخذ حظّه المناسب من البحث والتقييم.

بل حيث كانت هذه النهضة المقدّسة - حسب عقيدتنا كمسلمين شيعة إمامية اثني عشرية نستمد تعاليمنا من أئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم) - بأمر من الله تعالى وعهد معهود منه سبحانه، فقد تكون لها من الأهداف والثمرات في علم الله (عزّ وجلّ) ما لم يدركه الناس بعد.

٥

وربما يظهر بمرور الزمن، وفي الوقت المناسب من فوائدها وثمراتها ما هو مغفول عنه الآن. يقول الله سبحانه وتعالى:( وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ) (١) .

وها نحن نضع بين يدي القارئ الكريم كتاب (فاجعة الطفّ) الذي بحثنا فيه جوانب مهمّة من نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) لم تُطرق من قبل، أو لم تأخذ حظّها المناسب من البحث والتقييم.

وقد اخترنا للكتاب هذا العنوان؛ من أجل أنّ أهمية هذه النهضة المباركة، وموقعها المتميز من بين الأحداث في خلوده، وترتّب الثمرات الجليلة عليه، وما أحدثته من هزّة في المجتمع الإسلامي، وتحوّل في نظرته للسلطة، كلّ ذلك إنّما كان بلحاظ وجهها الدامي، وجانبها المفجع، وظُلامتها الصارخة؛ ولذا أكّد أئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم) على هذا الجانب بوجه ملفت للنظر.

عرض موجز لمحتويات الكتاب

نعم، العنوان المذكور قد يوحي في بدو النظر بأنّ الكتاب يتضمّن أحداث الفاجعة، وسرد مفرداته على غرار المقاتل الكثيرة التي أُلفت في هذا المجال، مع أنّ الكتاب أبعد ما يكون عن ذلك. ومن هنا ألحقنا بالعنوان المذكور المفردات التالية:

أبعاده. ثمراته. توقيته.

لنشير بذلك إلى الجوانب المهمّة التي عني بها الكتاب. وقد خصّصنا كلاً منها بمقصد يستوفي الكلام فيه.

وبعدُ انتهى الكتاب بهذا الحجم غير المتوقّع، وبالمادة الغزيرة التي تضمّنها، فالظاهر أنّ الإشارة لمضمونه بهذا الاختزال لا تكفي في إعطاء صورة إجمالية

____________________

(١) سورة البقرة/٢٥٥.

٦

للقارئ عن محتواه؛ لذا كان من المناسب عرض محتوى المقاصد الثلاثة بإيجاز.

فالمقصد الأوّل: الذي هو في أبعاد الفاجعة يتضمّن بيان المفردات المأساوية والمثيرة التي تجمّعت في الفاجعة، وجعلتها في قمّة المآسي الدينية والإنسانية، وبالحجم المناسب لخلوده، ولما ترتب عليها من آثار جليلة.

وتأكيد ذلك بما ظهر من ردود الفعل السريعة لها مع التعرّض لهوله:

أولاً: في المجتمع الإسلامي، حيث أجّجت عواطفهم بنحو أظهرت غضبه على السلطة وبغضه له.

وثانياً: في السلطة التي قارفت الجريمة نفسها، حيث شعرت بالخيبة والخسران، واضطرت للتراجع عن عنفوانها فيما يخصّ الحدث، والتنصّل من الجريمة في محاولة يائسة.

والمقصد الثاني: الذي هو في ثمرات الفاجعة ومكاسبه، فقد ذكرنا فيه أنّ المكاسب المذكورة على قسمين:

الأوّل: المكاسب الدينية، ولها الموقع الأهم في الحدث، والأوفى بحثاً وتقييماً في هذا الكتاب، وهي ذات جانبين:

١ - مكاسب الإسلام بكيانه العام.

وحيث كانت نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) في ضمن سلسلة جهود أهل البيت (عليهم السّلام) في رعاية الإسلام، والحفاظ على الدين، وإيضاح معالمه، فقد ألزمنا ذلك التعرّض:

أوّلاً: لخطر التحريف الذي تعرّض له دين الإسلام؛ نتيجة انحراف السلطة، وخروجها عن أهل البيت (صلوات الله عليهم). وقد أفضنا في خطوات السلطة المتلاحقة، ومشروعها في التعتيم على الحقائق والتحكّم في

٧

الدين، وفي حجم الخطر لو تُرك الأمر لها، ولم يُكبح جماحها.

وثانياً: لجهود أهل البيت (صلوات الله عليهم) في كبح جماح الانحراف والتحريف.

ولبيان المراحل التي قطعها أهل البيت (عليهم السّلام) في سبيل ذلك استعرضنا جهود أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام) والخاصّة من أصحابه (رضوان الله عليهم) في كشف الحقائق، والتركيز عليه، والإنكار على الانحراف في السلطة، وعلى تحكّمها في الدين وتحريفه، وما جرى مجرى ذلك.

ثمّ تأكيده هو (عليه السّلام) حينما استولى على السلطة، وتأكيدهم معه على حقّه وحق أهل البيت (عليهم السّلام)، واهتمامهم بإحياء دعوة التشيّع التي غرسها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وكانت نتيجة ذلك أن تبنّى هذه الدعوة الحقّة جماعة من ذوي المقام الرفيع في الدين، والأثر المحمود في الإسلام، ومن ذوي التصميم والإصرار، واقتنعوا بها كعقيدة محدّدة المعالم، مدعومة بالأدلّة، مناسبة للفطرة، وبالدعوة لها، ومحاولة التبليغ بها وتعميمها في المجتمع الإسلامي، وبالإنكار على انحراف السلطة وتحريفها للدين، وتعرية الظالمين.

ثمّ استعرضنا جهود السلطة بعد أمير المؤمنين (عليه السّلام) في الوقوف بوجه هذه الدعوة، والقضاء على حملته، والمضي في الانحراف والتحريف، وإسكات أصوات الإنكار عليه وعلى السلطة بالترغيب والترهيب، وإماتة الوازع الديني والضمير الإنساني في الأُمّة.

كلّ ذلك من أجل انفراد السلطة في الساحة، وتنفيذ مشروعها في استغلال قدرات الإسلام المادية والمعنوية، والتحكّم بالدين لصالحها وخدمة أهدافها.

ونبّهنا إلى تفاقم الأمر ببيعة معاوية بولاية العهد من بعده ليزيد، وتحويل الدولة الإسلامية إلى دولة قيصرية أُموية سفيانية ذات أهداف جاهلية.

٨

وإلى أنّ جهود أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) السابقة أصبحت بسبب ذلك في خطر حقيقي.

وهنا جاء دور الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ليقف في وجه السلطة، وليعلن الإنكار عليه، وعدم شرعيته، ويفجّر الموقف بفاجعة الطفّ الدامية التي هزّت ضمير المسلمين، وبغّضت السلطة للناس وأسقطت شرعيتها عندهم.

وكان المكسب المهمّ للدين في ذلك فصله عن السلطة غير المعصومة، وتحرّره من أن تتحكّم فيه، ورجوع المسلمين لواقعهم في الاعتراف بانحصار المرجع في الدين بالكتاب المجيد والسُنّة الشريفة، واتّفاقهم على جملة من معالم الدين التي تحفظ وحدتهم وتذكّرهم بمشتركاتهم.

٢ - مكاسب التشيع بخصوصيته.

تارة: من حيثية الاستدلال والبرهان، وقوّة الحجّة بسبب الفاجعة.

وأُخرى: في الجانب العاطفي، حيث فاز التشيّع بشرف التضحية في أعظم ملحمة دينية تُأجج العواطف وتُثير المشاعر.

وثالثة: في الإعلام، وبيان حقيقة التشيّع والدعوة له، ونشر ثقافته الأصيلة المناسبة للفطرة في مختلف جهات المعرفة.

الثاني: في العبر التي تستخلّص من الفاجعة من أجل أن ينتفع بها ذوو الرشد.

وقد اقتصرنا منها على أمرين:

أوّلهما: سلامة آلية التحرّك والعمل، والحفاظ فيها على المبادئ الدينية والإنسانية السامية.

ثانيهما: ظهور واقع الناس، ومدى استجابتهم لدعوى الحق، والثبات

٩

عليه، والوقوف عند تعاليمه، ممّا يكشف عن تعذّر الإصلاح التام، وإقامة حكم إسلامي بنحو كامل، وإنّه يتعيّن الاكتفاء بالإصلاح النسبي حسب المقدور من دون أن ينافي ذلك شمولية الإسلام في نفسه، وكمال تشريعه الرفيع.

أمّا المقصد الثالث: فقد تحدّثنا فيه عن توقيت النهضة المباركة التي انتهت بالفاجعة، والظروف المناسبة التي هيّأت للإمام الحسين (صلوات الله عليه) القيام بها دون بقيّة الأئمّة ممّن سبقه ولحقه، مع أنّ وظيفتهم (صلوات الله عليهم) بأجمعهم هي رعاية الدين والجهاد في سبيل صلاحه وحمايته.

وقد أوضحنا في المقصد المذكور عدم سنوح الفرصة المناسبة لتفجير الموقف إلّا في عهد الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، وفي ذلك المنعطف التاريخي من مسيرة الإسلام خاصة دون ما قبله وما بعده.

وقد استعرضنا من أجل ذلك:

أوّلاً: موقف أمير المؤمنين (عليه أفضل الصّلاة والسّلام)، وظرفه الحرج الذي ألزمه بالمسالمة والسكوت.

وثانياً: موقف الإمام الحسن (صلوات الله عليه) الذي اضطر فيه لمهادنة معاوية، وثمرات ذلك لصالح الإسلام عموماً ودعوة التشيع خاصّة.

وثالثاً: موقف الأئمّة من ذريّة الحسين (صلوات الله عليهم). حيث كفتهم فاجعة الطفّ مؤنة السعي لإسقاط شرعيّة السلطة، وتحرير الدين منه، واستغنوا بالفاجعة المذكورة عن مواجهة السلطة والاحتكاك به.

وكيف أنّهم (عليهم السّلام) استثمروا جهود الأئمّة الأوّلين (صلوات الله عليهم) - وفي قمّتها تلك الفاجعة - لصالح الدين، وتفرّغوا لبناء الكيان الشيعي بمميّزاته الحالية - في العقيدة والبنية والممارسات - بالنحو الذي ضمن له الاستمرار والبقاء، والتوسّع والانتشار، وفرض احترامه على الآخرين.

١٠

كما قدّمنا هذا الكتاب بمقدّمة أوضحنا فيها أنّ التخطيط لفاجعة الطفّ كان إلهي، وقد علم به الإمام الحسين (صلوات الله عليه) مسبقاً، وأقدم على التضحية في سبيل الله تعالى عالماً بالنتائج، وأنّه بذلك تتجلّى رفعة مقامه، وعظمة موقفه، وفناؤه في ذات الله (عزّ وجلّ).

أمّا الخاتمة التي ختمنا بها هذا الكتاب فهي تتضمّن:

أوّلاً: بيان أنّ لجهود أهل البيت (صلوات الله عليهم) - وفي قمّتها فاجعة الطفّ - في كبح جماح الانحراف، وإيضاح معالم الدين الفضل على جميع الأديان السماوية في التنبيه على رفعتها وسلامتها ممّا نسبته لها يد التحريف، بل لها الفضل في استقامة مسار الفكر الإنساني، وإيضاح المعالم العامّة لمنهج التفكير السليم.

وثانياً: بيان كثير ممّا يتعلّق بإحياء فاجعة الطفّ ومناسبات أهل البيت (صلوات الله عليهم) في أفراحهم وأحزانهم، وجميع المناسبات الدينية الشريفة.

ونأمل أن تتمّ للقارئ بهذا العرض الموجز صورة إجمالية عمّا تضمّنه هذا الكتاب.

ونسأل الله (عزّ وجلّ) أن يجعله مورد نفع لطالبي الحقيقة والباحثين عنه، ومنه سبحانه نستمدّ التوفيق والتسديد، إنّه ولي الأمور، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

١١

١٢

المقدّمة

يشيع بين أهل الحديث من الفريقين والمؤرّخين عامّة عرض حادثة الطفّ الفجيعة والحديث عنه.

ولهم في ذلك اتّجاهان:

نظرية أنّ التخطيط لواقعة الطفّ بَشريّ

أوّلهما: أنّ التخطيط لها كان بشري، وأنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) قد خطّط للنهضة وفق قناعاته وحساباته الماديّة؛ من أجل الاستيلاء على السلطة، وكان لمزاجيّته في التعامل مع الأحداث، وموقفه الحدّي الانفعالي من خصومه عامّة، ومن يزيد خاصّة، أعظم الأثر في ذلك.

بل قد يظهر من بعضهم أنّ ذلك قد أفقده النظرة الموضوعيّة في تقييم الظروف المحيطة به، والموازنة بين القوى التي له والتي عليه، وأنّه قد اغترّ بمواعيد مَنْ كتب له من أهل الكوفة، أو انخدع بنصيحة ابن الزبير له بالخروج(١) ، ليخلو له الحجاز.

وعلى كلّ حال فهو (عليه السّلام) عند أهل هذا الاتجاه قد حاول بخروجه تنفيذ مخطّطه في الاستيلاء على السلطة، إلّا أنّه لم يتسنَّ له ما أراد؛ لخطئه في تقييم

____________________

١ - تاريخ دمشق ١٤/٢٣٩ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، تهذيب الكمال ٦/٤٤٠ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٨٦ ح ٢٩٩.

١٣

الأوضاع التي عاشها، ولحزم خصومه وصرامتهم، وخيانة مَنْ دعاه وتعهّد بنصره من أهل الكوفة، حتى انتهى الأمر إلى قتله وقتل مَنْ معه، والإجهاز على مشروعه، كما توقّع ذلك كثير من أهل الرأي والمعرفة، وقد نصحه كثير منهم - من أجل ذلك - بعدم الخروج.

وهذا هو الذي يظهر من كثير ممّن تعرّض لنهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) من الجمهور.

نظرية أنّ التخطيط للواقعة إلهي

ثانيهما: أنّ التخطيط لها إلهي، وأنّ الله سبحانه وتعالى قد عهد للإمام الحسين (صلوات الله عليه)، وأمره - عن طريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتنفيذ مشروع ينتهي باستشهاده واستشهاد مَنْ معه، وجميع ما حدث من مآسٍ وفجائع.

وكان له (عليه السّلام) بما يمتلك من مؤهّلات ذاتية وشخصية الدور المتميّز في تنفيذ المشروع المذكور وفاعليته، وتحقيق أهدافه السامية.

كلّ ذلك لمصالح عظمى تناسب حجم التضحية وأهميتها قد علم الله (عزّ وجلّ) بها. وربما ظهر لنا بعضها.

وقد نجح (صلوات الله عليه) في مشروعه، وحقّق ما أراد، وتكلّل سعيه بالنجاح والفلاح، وكان عاقبته الفتح المبين.

وأنّ مَنْ أشار عليه بعدم الخروج قد خفي عليهم وجه الحكمة، كما خفي على المسلمين وجه الحكمة في صلح الحديبية؛ فاستنكروه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكما خفي على كثير من أصحاب الإمام الحسن (صلوات الله عليه) وغيرهم وجه الحكمة في صلحه لمعاوية؛ فأنكروا عليه... إلى غير ذلك من الأمور الغيبية التي قد يخفى وجهها. والناس أعداء ما جهلوا، بل قد يكونون معذورين لجهلهم.

١٤

ونحن الشيعة حيث إنّنا نؤمن بعصمة الإمام الحسين وسائر الأئمّة (صلوات الله عليهم) لا بدّ من أن نتبنّى التفسير الثاني للنهضة المباركة، ولجميع ما صدر من الأئمّة (صلوات الله عليهم) في التعامل مع الأحداث.

تأكيد النصوص على أنّ التخطيط لفاجعة الطفّ إلهي

ومع ذلك فنصوصنا مستفيضة عن النبي والأئمّة (صلوات الله عليهم أجمعين) بما يؤكّد التفسير المذكور.

نكتفي منها بصحيح ضريس الكناسي عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السّلام) قال: قال له حمران: جُعلت فداك! أرأيت ما كان من أمر علي والحسن والحسين (عليهم السّلام)، وخروجهم وقيامهم بدين الله (عزّ وجلّ)، وما أُصيبوا من قتل الطواغيت إيّاهم والظفر بهم حتى قُتلوا وغُلبوا؟

فقال أبو جعفر (عليه السّلام): «يا حمران، إنّ الله تبارك وتعالى [قد] كان قدّر ذلك عليهم وقضاه، وأمضاه وحتمه، ثمّ أجراه؛ فبتقدّم علم ذلك إليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام علي والحسن والحسين (عليهم السّلام)، وبعلم صمت مَنْ صمت منّا»(١) .

وحديث العمري عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) قال: «إنّ الله (عزّ وجلّ) أنزل على نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً قبل وفاته، فقال: يا محمّد هذه وصيتك إلى النُجَبَة من أهلك... فدفعه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين (عليه السّلام) وأمره أن يفكّ خاتماً منه ويعمل بما فيه، ففكّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) خاتم وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى ابنه الحسن (عليه السّلام) ففكّ خاتماً منه وعمل بما فيه، ثمّ دفعه إلى الحسين (عليه السّلام) ففكّ خاتماً فوجد فيه: أن اخرج بقومٍ إلى الشهادة، فلا شهادة لهم إلّا معك، واشترِ نفسك لله (عزّ وجلّ)؛ ففعل، ثمّ دفعه إلى عليّ بن الحسين (عليهم السّلام)...»(٢) .

____________________

١ - الكافي ١/٢٦٢.

٢ - الكافي ١/٢٨٠.

١٥

الشواهد المؤكّدة لكون التخطيط للفاجعة إلهي

بل نحن نرى أنّ التفسير الأوّل ظلمٌ لسيّد الشهداء (صلوات الله عليه)، واستهوان بنهضته المقدّسة؛ وهو يبتني على تجاهل كثير من الحقائق الثابتة تاريخياً، كما يظهر ممّا يأتي إن شاء الله.

إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت بالفاجعة قبل وقوعها

وليس ذلك من أجل اعتقادنا بعصمة الإمام الحسين (عليه السّلام)، ولا من أجل الأحاديث التي أشرنا إليها، بل لأنّه قد استفاض الحديث، بل تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وأهل البيت (عليهم السّلام) بمقتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، كما استفاض الحديث عن الإمام الحسين (عليه السّلام) نفسه بذلك.

ويتّضح ذلك بالرجوع لمصادر الحديث والتاريخ الكثيرة، ويأتي منّا ذكر كثير من ذلك.

توقّع الناس للفاجعة قبل وقوعها

بل يبدو أنّ ذلك قد شاع وعُرف بين الناس قبل حصوله؛ فقد روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب في المسلمين، وأخبرهم بقتل الحسين (عليه السّلام) فضجّ الناس بالبكاء، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أتبكون ولا تنصرونه؟!...»(١) .

وروى الطبراني بسنده عن عائشة حديثاً طويلاً يتضمّن إخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها بقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) بالطفّ، وفيه: ثمّ خرج إلى أصحابه - فيهم علي وأبو بكر وعمر وحذيفة وعمّار وأبو ذرّ (رضي الله عنهم) - وهو يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟!

فقال: «أخبرني جبرئيل أنّ ابني الحسين يُقتل بعدي بأرض الطفّ، وجاءني

____________________

١ - مقتل الحسين - للخوارزمي ١/١٦٤ الفصل الثامن، واللفظ له، الفتوح - لابن أعثم ٤/٣٢٨ ابتداء أخبار مقتل مسلم بن عقيل والحسين بن علي وولده، بحار الأنوار ٤٤/٢٤٨.

١٦

بهذه التربة، وأخبرني أنّ فيها مضجعه»(١) .

وعن ابن عباس أنه ذكر خطبة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) في ذلك وقال: "ثم نزل عن المنبر، ولم يبق أحد من المهاجرين والأنصار إلا وتيقن بأن الحسين مقتول"(٢) .

كما أسند غير واحد عن ابن عباس أنّه قال: ما كنّا نشكّ وأهل البيت متوافرون أنّ الحسين بن علي يُقتل بالطفّ(٣) .

وقال الشيخ المفيد: وروى عبد الله بن شريك قال: كنت أسمع أصحاب علي (عليه السّلام) إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون: هذا قاتل الحسين بن علي (عليه السّلام)، وذلك قبل قتله بزمان(٤) .

وروي أنّ عمر بن سعد قال للإمام الحسين (صلوات الله عليه): «إنّ قوماً من السفهاء يزعمون أنّي أقتلك». فقال له الإمام الحسين (عليه السّلام): «ليسوا بسفهاء، ولكنّهم حلماء. ثمّ قال: والله إنّه ليقرّ بعيني أنّك لا تأكل برّ العراق بعدي إلّا قليلاً»(٥) .

____________________

١ - المعجم الكبير ٣/١٠٧ مسند الحسين بن علي، ذكر مولده وصفته ح٢٨١٤، مجمع الزوائد ٩/١٨٨ كتاب المناقب: باب مناقب الحسين بن علي (عليهم السّلام)، كنز العمال ١٢/١٢٣ ح٣٤٢٩٩، فيض القدير ١/٢٦٦. وغيرها من المصادر.

٢ - مقتل الحسين - للخوارزمي ١/١٦٤ - ١٦٥ الفصل الثامن، واللفظ له، الفتوح - لابن أعثم ٤/٣٢٨ - ٣٣٠ ابتداء أخبار مقتل مسلم بن عقيل والحسين بن علي وولده.

٣ - المستدرك على الصحيحين ٣/١٧٩ كتاب معرفة الصحابة، أوّل فضائل أبي عبد الله الحسين بن علي الشهيد (رضي الله عنهم)، السلسلة الصحيحة ٣/٢٤٥ ح ١١٧١، مقتل الحسين - للخوارزمي ١/١٦٠ الفصل الثامن، إمتاع الأسماع - للمقريزي ١٢/٣٢٨، و١٤/١٤٥، وغيرها من المصادر.

٤ - الإرشاد ٢/١٣١ - ١٣٢، بحار الأنوار ٤٤/٢٦٣، ومثله في كشف الغمّة ٢/٢١٨ ولكن فيه (أصحاب محمد) بدل (أصحاب علي).

٥ - تاريخ دمشق ٤٥/٤٨ في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقّاص، واللفظ له، تهذيب الكمال ٢١/٣٥٩ في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقاص، تهذيب التهذيب ٧/٣٦٩ في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقّاص، تاريخ الإسلام - للذهبي ٥/١٩٥ في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقّاص، وغيرها من المصادر.

١٧

وقال ابن الأثير: قال عبد الله بن شريك: أدركت أصحاب الأردية المعلّمة، وأصحاب البرانس السود من أصحاب السواري إذا مرّ بهم عمر بن سعد قالوا: هذا قاتل الحسين، وذلك قبل أن يقتله(١) .

وروي أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال لعمر بن سعد: «كيف أنت إذا قمت مقاماً تخيّر فيه بين الجنّة والنار، فتختار النار؟!»(٢) .

وقال العريان بن الهيثم: كان أبي يتبدّى، فينزل قريباً من الموضع الذي كان فيه معركة الحسين. فكنّا لا نبدو إلّا وجدنا رجلاً من بني أسد هناك، فقال له: إنّي أراك ملازماً هذا المكان؟!

قال: بلغني أنّ حسيناً يُقتل هاهنا؛ فأنا أخرج لعلّي أصادفه فأُقتل معه.

فلمّا قُتل الحسين قال أبي: انطلقوا ننظر هل الأسدي فيمَنْ قُتل؟ وأتينا المعركة فطوّفنا فإذا الأسدي مقتول(٣) .

كما استفاض الحديث عن النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) وخواصّ أصحابهم - تبعاً لهم - عن انتقام الله (عزّ وجلّ) من قتلته من بعده.

فعن ابن عباس أنّه قال: «أوحى الله إلى نبيّكم صلى الله عليه وآله وسلم أنّي قتلت بيحيى سبعين ألفاً، وإنّي قاتل بابن ابنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً»(٤) . ويأتي من الإمام الحسين

____________________

١ - الكامل في التاريخ ٤/٢٤٢ ذكر مقتل عمر بن سعد وغيره ممّن شهد قتل الحسين من أحداث سنة ٦٦ هـ، واللفظ له، ومثله في تاريخ دمشق ٤٥/٤٩ في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقّاص، وتهذيب الكمال ٢١/٣٥٩ في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقّاص.

٢ - تاريخ دمشق ٤٥/٤٩ في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقّاص، تهذيب الكمال ٢١/٣٥٩ في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقّاص، تاريخ الإسلام - للذهبي ٥/١٩٥ في ترجمة عمر بن سعد بن أبي وقّاص، الكامل في التاريخ ٤/٢٤٢ ذكر مقتل عمر بن سعد وغيره ممّنْ شهد قتل الحسين من أحداث سنة ٦٦ هـ، كنز العمال ١٣/٦٧٤ ح ٣٧٧٢٣.

٣ - تاريخ دمشق ١٤/٢١٦ - ٢١٧ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، واللفظ له. ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٥٠ ح ٢٨١، بغية الطلب في تاريخ حلب ٦/٢٦١٩.

٤ - المستدرك على الصحيحين ٢/٢٩٠ كتاب التفسير، تفسير سورة آل عمران، واللفظ له، وص ٥٩٢ كتاب تواريخ المتقدّمين من الأنبياء والمرسلين، ذكر يحيى بن زكريا نبي الله (عليهما السّلام)، ج: ٣ =

١٨

(صلوات الله عليه) التأكيد على ذلك.

الإخبار بنهضة المختار

وقال ميثم التمّار (رضوان الله عليه) - وهو من خواصّ أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) وحملة سرّه - للمختار بن أبي عبيدة الثقفي وهما في حبس ابن زياد قبل قتل الإمام الحسين (عليه السّلام): إنّك تفلت، وتخرج ثائراً بدم الحسين (عليه السّلام)، فتقتل هذا الجبّار الذي نحن في سجنه، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخديه(١) .

بل يبدو أنّ المختار قد أخذ منه، أو من غيره من أصحاب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أموراً وتفاصيل أكثر من ذلك؛ فقد قال ابن العرق مولى ثقيف:

«أقبلت من الحجاز حتى إذا كنت بالبسيطة من وراء واقصة استقبلت المختار بن أبي عبيدة خارجاً يريد الحجاز حين خلى سبيله ابن زياد، فلمّا استقبلته رحبّت به وعطفت إليه، فلمّا رأيت شَترَ عينه استرجعت له، وقلت له - بعدما توجّعت له -: ما بال عينك صرف الله عنك السوء؟ قال: خَبَط عيني ابن الزانية بالقضيب خبطة صارت إلى ما ترى. فقلت له: ما له شلّت أنامله؟ فقال المختار:

____________________

= /١٧٨ كتاب معرفة الصحابة (رضي الله عنهم)، فضائل الحسين بن علي (رضي الله عنهم)، وقال الحاكم بعد ذكر الحديث: هذا حديث صحيح الإسناد لم يخرجاه، سير أعلام النبلاء ٤/٣٤٢ في ترجمة سعيد بن جبير، قال الذهبي بعد ذكر الحديث: هذا حديث نظيف الإسناد منكر اللفظ، تاريخ دمشق ١٤/٢٢٥ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، وج ٦٤/٢١٦ في ترجمة يحيى بن سليمان بن نشوي، تهذيب الكمال ٦/٤٣١ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي، تاريخ بغداد ١/١٥٢ في ذكر سيدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين (عليهما السّلام)، فيض القدير ١/٢٦٥، تفسير القرطبي ١٠/٢١٩، الدرّ المنثور ٤/٢٦٤، كنز العمال ١٢/١٢٧ ح ٣٤٣٢٠، وغيرها من المصادر الكثيرة.

١ - شرح نهج البلاغة ٢/٢٩٣، واللفظ له، الإرشاد ١/٣٢٤، بحار الأنوار ٤٥/٣٥٣، وقريب منه في الإصابة ٦/٢٥٠ في ترجمة ميثم التمار الأسدي.

١٩

قتلني الله إن لم أقطع أنامله وأباجله(١) وأعضاءه إرباً إرباً».

قال: فعجّبت لمقالته، فقلت له: ما علمك بذلك رحمك الله؟! فقال لي: ما أقول لك فاحفظه عنّي حتى ترى مصداقه... يابن العرق، إنّ الفتنة قد أرعدت وأبرقت، وكأنّي قد انبعثت، فوطئت في خطامه، فإذا رأيتَ ذلك وسمعتَ به بمكان قد ظهرت فيه، فقيل: إنّ المختار في عصائبه من المسلمين يطلب بدم المظلوم الشهيد، المقتول بالطفّ سيّد المسلمين وابن سيّدها الحسين بن علي، فوربّك لأقتلنَّ بقتله عدّة القتلى التي قُتلت على دم يحيى بن زكريا (عليه السّلام).

قال: فقلت له: سبحان الله! وهذه أعجوبة مع الأحدوثة الأولى.

فقال: هو ما أقول لك، فاحفظه عنّي حتى ترى مصداقه.

ثمّ حرّك راحلته فمضى....

قال ابن العرق: فوالله، ما متّ حتى رأيت كلّ ما قاله(٢) ... إلى غير ذلك ممّا ورد عنه(٣) .

ولم يقتصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت (عليهم السّلام) على الإخبار بأصل الحدث، بل زادوا على ذلك بأمرين:

____________________

١ - الأباجل جمع الأبجل: وهو عرق غليظ في الرجل أو في اليد.

٢ - تاريخ الطبري ٤/٤٤٢ - ٤٤٣ أحداث سنة خمس وستين من الهجرة، مقدم المختار بن أبي عبيدة الكوفة، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/١٦٩ - ١٧٠ أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، ذكر قدوم المختار الكوفة، الفتوح - لابن أعثم ٥/١٦٧ - ١٦٨ ذكر هرب المختار من ابن زياد وما كان من بيعته لعبد الله بن الزبير، وذكره مختصراًً باختلاف يسير في بحار الأنوار ٤٥/٣٥٣ - ٣٥٤، ونظير ذلك ما نقله الخوارزمي عن محمد بن إسحق صاحب السيرة من حديث المختار مع صقعب بن زهير في واقصة، مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/١٧٨ - ١٨٠ الفصل الخامس عشر في بيان انتقام المختار من قاتلي الحسين (عليه السّلام).

٣ - تاريخ الطبري ٤/٤٤٤ - ٤٥١ أحداث سنة خمس وستين من الهجرة، ذكر قدوم المختار الكوفة. وص ٤٧١ ما كان من أمر التوّابين وشخوصهم للطلب بدم الحسين بن علي إلى عبيد الله بن زياد، تاريخ اليعقوبي ٢/٢٥٨ أيام مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير، الكامل في التاريخ ٤/١٧٠ - ١٧١، و١٧٣ ذكر قدوم المختار الكوفة، وص ١٨٦ ذكر مسير التوّابين وقتلهم.

٢٠