فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها0%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 247740
تحميل: 4882

توضيحات:

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247740 / تحميل: 4882
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مَنْ يخالف حكمها(١) ، وهُدّد أمير المؤمنين (عليه السّلام) عند بيعة عثمان بذلك(٢) .

وروي أنّه لما أراد معاوية البيعة ليزيد بولاية العهد وامتنع هؤلاء النفر جمعهم في مكة، وبعد أن سمع منهم ما لم يعجبه قال لهم: فإنّي قد أحببت أن أتقدّم إليكم، إنّه قد أُعذر مَنْ أُنذر. إنّي كنت أخطب فيكم فيقوم إليّ القائم منكم فيكذّبني على رؤوس الناس، فأحمل ذلك وأصفح، وإنّي قائم بمقالة فأقسم بالله لئن ردّ أحدكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف إلى رأسه، فلا يبقينَّ رجل إلّا على نفسه.

ثمّ جمع صاحب حرسه بحضرتهم فقال: أقم على رأس كلّ رجل من هؤلاء رجلين، ومع كلّ واحد سيف، فإن ذهب رجل منهم يردّ عليّ كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفهما.

____________________

١ - المصنف - لابن أبي شيبة ٨/٥٨٢ كتاب المغازي، ما جاء في خلافة عمر بن الخطاب، صحيح ابن حبان ١٥/٣٣٢ كتاب إخباره صلى الله عليه وآله وسلم عن مناقب الصحابة، مناقب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وصف استشهاده (رضي الله عنه)، تاريخ الطبري ٣/٢٩٤ أحداث سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، قصّة الشورى، الكامل في التاريخ ٣/٦٧ أحداث سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، ذكر قصّة الشورى، المصنف - لابن أبي شيبة ٨/٥٨٢ كتاب المغازي، ما جاء في خلافة عثمان وقتله، الإمامة والسياسة ١/٢٦ تولية عمر بن الخطاب الستة الشورى وعهده إليهم، تاريخ المدينة ٣/٩٢٥، كنز العمال ١٢/٦٩٤ ح ٣٦٠٧٦، الطبقات الكبرى ٣/٣٤٢ ذكر استخلاف عمر (رحمه الله)، نهاية الأرب في فنون الأدب ١٩/٢٤٠ ذكر قصّة الشورى، العقد الفريد ٤/٢٥٦ فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، أمر الشورى في خلافة عثمان بن عفان، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً.

٢ - أنساب الأشراف ٦/١٢٨ أمر الشورى وبيعة عثمان (رضي الله عنه)، الإمامة والسياسة ١/٢٧ - ٢٨ ذكر الشورى وبيعة عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، شرح نهج البلاغة ١/١٩٤، نهاية الأرب في فنون الأدب ١٩/٢٤٤ قصّة الشورى.

ونظيره في صحيح البخاري ٨/١٢٣ كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس، السنن الكبرى - للبيهقي ٨/١٤٧ كتاب قتال أهل البغي، باب كيفية البيعة، المصنف - لعبد الرزاق ٥/٤٧٧ كتاب المغازي، حديث أبي لؤلؤة قاتل عمر (رضي الله عنه)، وغيرها من المصادر الكثيرة.

١٢١

ثمّ خرج وخرجوا معه حتى رقى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: إنّ هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم، لا يُبَتّ(١) أمر دونهم، ولا يُقضى إلّا عن مشورتهم، وإنّهم قد رضوا وبايعوا ليزيد، فبايعوا على اسم الله.

فبايع الناس وكانوا يتربّصون بيعة هؤلاء النفر، ثمّ ركب رواحله وانصرف إلى المدينة(٢) .

فلقي الناس أولئك النفر فقالوا لهم: زعمتم أنّكم لا تبايعون، فلِمَ أُرضيتم وأُعطيتم وبايعتم؟ قالوا: والله ما فعلنا. فقالوا: ما منعكم أن تردّوا على الرجل؟ قالوا: كادنا وخفنا القتل(٣) .

كما إنّ ذلك هو المناسب لطلب مروان من الوليد بن عتبة أن يقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) إن لم يبايع وتأنيبه له على ترك قتله(٤) ، ولعزل يزيد الوليد بن عتبة عن المدينة في شهر رمضان بعد خروج الإمام الحسين (عليه السّلام) بقليل(٥) ، بل صرّح في

____________________

١ - بتّ الأمر: أمضاه.

٢ - سمط النجوم العوالي ٣/٤٥.

٣ - الكامل في التاريخ ٣/٥٠٨ - ٥٠٩ أحداث سنة ست وخمسين من الهجرة: ذكر البيعة ليزيد بولاية العهد، واللفظ له، تاريخ خليفة بن خياط/١٦٤ أحداث سنة إحدى وخمسين من الهجرة، أخذ معاوية بن أبي سفيان البيعة لابنه يزيد، تاريخ الإسلام ٤/١٥٢ حوادث سنة إحدى وخمسين من الهجرة، الإمامة والسياسة ١/١٥٣ قدوم معاوية المدينة على هؤلاء القوم وما كان بينهم من المنازعة، سمط النجوم العوالي ٣/٤٥ عهد معاوية لابنه يزيد بالخلافة، وغيرها من المصادر.

٤ - تاريخ الطبري ٤/٢٥١ - ٢٥٢ أحداث سنة ستين من الهجرة، خلافة يزيد بن معاوية، الكامل في التاريخ ٤/١٥ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر بيعة يزيد، البداية والنهاية ٨/١٥٧ أحداث سنة ستين من الهجرة النبوية، يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه، تاريخ الإسلام ٤/١٦٩ حوادث سنة ستين من الهجرة، بيعة يزيد، الفتوح - لابن أعثم ٥/١٤ ذكر الكتاب إلى أهل البيعة بأخذ البيعة، الإمامة والسياسة ١/١٦٥ إباية القوم الممتنعين عن البيعة، وغيرها من المصادر.

٥ - تاريخ ابن خلدون ٣/٢١ عزل الوليد عن المدينة وولاية عمرو بن سعيد، تاريخ الطبري ٤/٢٥٤ أحداث سنة ستين من الهجرة، خلافة يزيد بن معاوية، الكامل في التاريخ ٤/١٨ =

١٢٢

بعض المصادر أنّ سبب عزله امتناعه من تنفيذ أمر يزيد بإرغام الإمام الحسين (عليه السّلام) على البيعة(١) .

ولما ورد من أنّ أبا هرم رأى الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وهو في طريقه إلى كربلاء فقال له: يابن النبي، ما الذي أخرجك من المدينة؟! فقال (عليه السّلام): «ويحك يا أبا هرم! شتموا عرضي فصبرت، وطلبوا مالي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت. وأيم الله ليقتلنني...»(٢) .

الثالث: إنّ الإمام الحسين (صلوات الله عليه) لما دخل مكّة واجتمع الناس إليه بلغ يزيد ذلك فكتب إلى ابن عباس: أمّا بعد، فإنّ ابن عمّك حسيناً وعدوّ الله ابن الزبير التويا بيعتي، ولحقا بمكّة مرصدين للفتنة، معرضين أنفسهما للهلكة... وكتب أسفل الكتاب أبياتاً منها قوله:

إنّي لأعلمُ أو ظناً كعالمه

والظنّ يصدق أحياناً فينتظمُ

أن سوفَ يترككم ما تدعون به

قتلى تهاداكم العقبانُ والرخمُ(٣)

____________________

= أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر عزل الوليد عن المدينة وولاية عمر بن سعيد، البداية والنهاية ٨/١٥٨ أحداث سنة ستين من الهجرة النبوية، في ترجمة يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه، وفي الاستيعاب ٣/١٣٨٨ في ترجمة مروان بن الحكم، وتاريخ دمشق ٦٣/٢٠٧ - ٢٠٨ في ترجمة الوليد بن عتبة بن صخر بن حرب، وتاريخ خليفة بن خياط/١٧٤ أحداث سنة ستين من الهجرة، إلّا إنّه لم يحدّد في شهر رمضان، وغيرها من المصادر.

١ - الاستيعاب ٣/١٣٨٨ في ترجمة مروان بن الحكم، البداية والنهاية ٨/١٥٨ أحداث سنة ستين من الهجرة، في ترجمة يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه، مناقب آل أبي طالب - لابن شهرآشوب ٣/٢٤٠.

٢ - الأمالي - للصدوق/٢١٨ المجلس ٣٠، مثير الأحزان/٣٣، اللهوف في قتلى الطفوف/٤٣ - ٤٤، وقريب منه في الفتوح - لابن أعثم ٥/٧٩ ذكر مسير الحسين إلى العراق.

٣ - تذكرة الخواص/٢٣٧ - ٢٣٨ الباب التاسع في ذكر الحسين (عليه السّلام)، واللفظ له، وذكرت جميع الأبيات مع اختلاف في الكتاب في تاريخ دمشق ١٤/٢١١ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، وتهذيب الكمال ٦/٤٢٠ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، والبداية والنهاية ٨/١٧٧ في =

١٢٣

الرابع: ما روي من أنّ يزيد دسّ مع الحاج ثلاثين رجلاً من شياطين بني أُميّة وأمرهم باغتيال الإمام الحسين (عليه السّلام)(١) .

ويناسب ذلك حديث الفرزدق الشاعر قال: حججت بأُمّي، فأنا أسوق بعيرها حين دخلت الحرم في أيام الحجّ - وذلك في سنة ستين - إذ لقيت الحسين بن علي خارجاً من مكّة معه أسيافه وتراسه... فقلت: بأبي أنت وأُمّي يابن رسول الله، ما أعجلك عن الحجّ؟ فقال: «لو لم أعجل لأُخذت...»(٢) . وما سبق من أنّه (عليه السّلام) كان يعتذر عن خروجه بأنّه يخشى أن تُهتك به حرمة الحرم(٣) .

الخامس: بقاء ابن زياد عاملاً ليزيد حتى مات يزيد، بل قال ابن أعثم: لما قُتل الحسين استوسق العراقان جميعاً لعبيد الله بن زياد، وأوصله يزيد بألف ألف درهم جائزة...، ثمّ علا أمره، وارتفع قدره...(٤) .

وقال المسعودي: وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على الشراب، وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد، وذلك بعد قتل الحسين، فأقبل على ساقيه وقال:

أسقني شربةً تروي مشاشي

ثمّ مِل فاسقِ مثلها ابنَ زيادِ

صاحبَ السرِّ والأمانةِ عندي

ولتسديدِ مغنمي وجهادي(٥)

____________________

= أحداث سنة ستين من الهجرة، صفة مخرج الحسين إلى العراق، وغيرها من المصادر.

١ - ينابيع المودّة ٣/٥٩ خروج الحسين من مكة، بحار الأنوار ٤٥/٩٩.

٢ - تاريخ الطبري ٤/٢٩٠ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر الخبر عن مسير الحسين (عليه السّلام) من مكة متوجّهاً إلى الكوفة وما كان من أمره في مسيره، واللفظ له، البداية والنهاية ٨/١٨٠ أحداث سنة ستين من الهجرة، صفة مخرج الحسين إلى العراق، الأمالي - للشجري ١/١٦٦ فضل الحسين بن علي (عليهما السّلام) وذكر مصرعه وسائر أخباره وما يتصل بذلك.

٣ - تقدّمت مصادره في/٣٩.

٤ - الفتوح - لابن أعثم ٥/١٥٦ - ١٥٧ ذكر ما كان بعد مقتل الحسين بن علي (رضي الله عنهما).

٥ - مروج الذهب ٣/٧٨ فسق يزيد وعمّاله وزندقتهم.

١٢٤

السادس: طيش يزيد وعنجهيته حتى فعل بالمدينة المنوّرة في واقعة الحرّة، وفي مكّة المكرّمة في قتاله لابن الزبير ما فعل.

السابع: طلبه من ابن زياد إرسال العائلة الكريمة إلى الشام(١) ، فأرسلها بذلك الوضع المزري(٢) الذي أشارت إلى بعض مآسيه العقيلة زينب الكبرى بقولها في خطبتها في مجلس يزيد: أَمِنَ العدل يابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإمائك، وسوقك بنات رسول الله سبايا؟! قد هتكت ستورهنَّ، وأبديت وجوههنَّ، يحدي بهنَّ من بلد إلى بلد، ويستشرفهنَّ أهل المناهل والمناقل، ويتصفّح وجوههنَّ القريب والبعيد، والدني والشريف...!(٣) . ثمّ تزيين الشام لاستقبالهم(٤) ، وقد أُقيموا على درج باب المسجد حيث يُقام السبي(٥) ، وأُدخلوا على يزيد مربّقين بالحبال(٦) .

____________________

١ - الكامل في التاريخ ٤/٨٤ في أحداث سنة إحدى وستين، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه)، تاريخ الطبري ٤/٣٥٤ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٨١ ح ٢٩٦، اللهوف في قتلى الطفوف/٩٩، وغيرها من المصادر.

٢ - الفتوح - لابن أعثم ٥/١٤٧ ذكر كتاب عبيد الله بن زياد بن معاوية وبعثته إليه برأس الحسين بن علي (رضي الله عنهم)، الكامل في التاريخ ٤/٨٣ في أحداث سنة إحدى وستين، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه)، تاريخ الطبري ٤/٣٥٢ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، الثقات - لابن حبان ٢/٣١٢ - ٣١٣ في ترجمة يزيد بن معاوية، الفصول المهمّة ٢/٨٣١ الفصل الثالث، فصل في ذكر مصرعه ومدّة عمره وإمامته (عليه السّلام)، مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٥٥ - ٥٦، إقبال الأعمال ٣/٨٩، وغيرها من المصادر.

٣ - راجع ملحق رقم ٤.

٤ - مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٦٠.

٥ - الفتوح - لابن أعثم ٥/١٤٩ ذكر كتاب عبيد الله بن زياد بن معاوية وبعثته إليه برأس الحسين بن علي (رضي الله عنهم)، مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٦١، الأمالي - للصدوق/٢٣٠، اللهوف في قتلى الطفوف/١٠٢، الاحتجاج ٢/٣٣، البدء والتاريخ ٦/١٢ مقتل أبي عبد الله الحسين بن علي (رضي الله عنهم).

تاريخ مختصر الدول/١١٠ - ١١١ الدولة التاسعة، يزيد بن معاوية، وغيرها من المصادر.

٦ - ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٨٣ ح ٢٩٧، الكامل في التاريخ ٤/٨٦ في =

١٢٥

الثامن: صلب رأس الإمام الحسين (عليه السّلام)(١) على باب القصر في دمشق ثلاثة أيام(٢) ، ثمّ التشهير به وتسييره في البلدان(٣) .

التاسع: إظهار السرور والشماتة بقتل الإمام الحسين (عليه السّلام)(٤) ، وإنشاده الأبيات السابقة، وقوله: إنّ هذا وإيّانا كما قال الحصين بن الحمام:

أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت

قواضبُ في أيماننا تقطرُ الدما

يُفلّقنَ هاماً من رجالٍ أعزة

علينا وهم كانوا أعقَّ وأظلما(٥)

____________________

= أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه)، أنساب الأشراف ٣/٤١٦ مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام)، العقد الفريد ٤/٣٥٠ فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، مقتل الحسين بن علي، تذكرة الخواص/٢٦٢، الإمامة والسياسة ٢/١٨٥ قدوم من أسر من آل علي على يزيد، وغيرها من المصادر.

١ - تاريخ دمشق ١٦/١٨٠ في ترجمة خالد بن غفران، السيرة الحلبية ٣/١٥٧ في كلامه عن سرية أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٧٣ - ٧٤، الأمالي - للصدوق/٢٣١ المجلس الحادي والثلاثون، وغيرها من المصادر.

٢ - مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٧٥، تاريخ دمشق ٦٩/١٦٠ في ترجمة ريا حاضنة يزيد بن معاوية، سير أعلام النبلاء ٣/٣١٩ في ترجمة الحسين الشهيد، تاريخ الإسلام ٥/١٠٧ في ترجمة الحسين بن علي (رضي الله عنه)، الوافي بالوفيات ١٢/٢٦٤، البداية والنهاية ٨/٢٢٢ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، صفة مقتله مأخوذة من أئمّة الشأن، وغيرها من المصادر.

٣ - أنساب الأشراف ٣/٤١٩ في مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام)، نور الأبصار/١٤٧ فصل اختلفوا في رأس الحسين (رضي الله عنه)، مثير الأحزان/٨٥.

٤ - الثقات - لابن حبان ٢/٣١٣ في ترجمة يزيد بن معاوية، سير أعلام النبلاء ٣/٣٢٠ في ترجمة الحسين الشهيد، البداية والنهاية ٨/٢٠٩ - ٢١١ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن، الأنساب - للسمعاني ٣/٤٧٦ في كلامه عن الشهيد، أنساب الأشراف ٣/٤١٦ مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام)، وغيرها من المصادر.

٥ - الكامل في التاريخ ٤/٨٥ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه)، واللفظ له، الفصول المهمّة ٢/٨٣٤، وقد اقتصر على البيت الثاني في مجمع الزوائد ٩/١٩٣ كتاب المناقب، باب مناقب الحسين بن علي (عليهما السّلام)، والمعجم الكبير ٣/١٠٤ مسند الحسين بن علي، ذكر مولده وصفته، وتاريخ دمشق ٦٢/٨٥ في ترجمة نضلة بن عبيد، و٦٥/٣٩٦ في ترجمة يزيد بن معاوية، و٦٨/٩٥ في ترجمة رجل من خثعم له صحبة، و٧٠/١٤ - ١٥ في ترجمة فاطمة =

١٢٦

العاشر: ردّ العقيلة زينب الكبرى على يزيد في خطبتها المشار إليها آنفاً، وكتاب ابن عباس له(١) المؤكّد لاشتراكه في الجريمة... إلى غير ذلك ممّا لا يبقى معه شك في أمر يزيد بقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) وسروره به بعد حصوله.

محاولة يزيد التنصّل من الجريمة واستنكاره لها

ومع كلّ ذلك فقد تبدّل موقف يزيد حيث نسب له بعض المؤرّخين وأهل الحديث التنصّل من الجريمة، أو الاستنكار لها، وأنّه كان يرضى من طاعة أهل الكوفة بدون ذلك، وأنّه قد حمّل ابن زياد مسؤوليتها(٢) .

وروى غير واحد أنّه قد أُقيم المأتم على الإمام الحسين (صلوات الله عليه) في داره، وشاركت عائلته عائلة الإمام الحسين (عليه السّلام) فيه(٣) .

____________________

= بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، وأسد الغابة ٥/٣٨١ في ترجمة عبد الواحد بن عبد الله القرشي، وتهذيب الكمال ٦/٤٢٨ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً.

١ - المعجم الكبير ١٠/٢٤٢ أحاديث عبد الله بن عباس، ومن مناقب عبد الله بن عباس وأخباره، مجمع الزوائد ٧/٢٥١ كتاب الفتن، باب فيما كان من أمر ابن الزبير، الكامل في التاريخ ٤/١٢٨ في أحداث سنة أربع وستين من الهجرة، ذكر بعض سيرة يزيد وأخباره، تاريخ اليعقوبي ٢/٢٤٨ في مقتل الحسين بن علي، مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٧٨، وغيرها من المصادر.

٢ - الكامل في التاريخ ٤/٨٤ - ٨٥، ٨٧ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه)، تاريخ الطبري ٤/٣٥٢ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، الفتوح - لابن أعثم ٥/١٤٨ ذكر كتاب عبيد الله بن زياد بن معاوية وبعثته إليه برأس الحسين بن علي (رضي الله عنهما)، تاريخ دمشق ١٨/٤٤٥ في ترجمة زحر بن قيس الجعفي، أنساب الأشراف ٣/٤١٥ مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام)، الأخبار الطوال/٢٦١ نهاية الحسين، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٨٣ ح ٢٩٧، مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٥٦، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٣ - تاريخ الطبري ٤/٣٥٥ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، البداية والنهاية ٨/٢١٢ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن، أنساب الأشراف ٣/٤١٧ مقتل الحسين بن علي (عليهما السّلام)، سير أعلام النبلاء ٣/٣٠٤ في ترجمة الحسين الشهيد، تذكرة الخواص/٢٦٥، الأمالي - للصدوق/٢٣٠، وغيرها من المصادر.

١٢٧

بل لا إشكال في أنّه أسرع بإرجاع العائلة الثاكلة للمدينة المنوّرة مكرّمة معزّزة، وفسح المجال لها لإقامة المآتم ومراسم العزاء بوجه مهيج للشعور ضدّه على الصعيد العام، وغضّ النظر عن تبعة ذلك عليه.

كما إنّه أوصى مسلم بن عقبة صاحب وقعة الحرّة بالإمام زين العابدين (صلوات الله عليه)(١) ، وأعفاه من البيعة التي طلبها من أهل المدينة(٢) حيث طلب منهم أن يبايعوا على أنّهم عبيد ليزيد(٣) .

____________________

١ - سير أعلام النبلاء ٣/٣٢٠ - ٣٢١ في ترجمة الحسين الشهيد، تاريخ الإسلام ٥/٢١ الطبقة السابعة، حوادث سنة واحد وستين من الهجرة، مقتل الحسين/٢٨ قصّة الحرّة، تاريخ الطبري ٤/٣٧٩ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، البداية والنهاية ٨/٢٣٩ - ٢٤١ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة عن الحديث عن وقعة الحرّة، الفتوح - لابن أعثم ٥/١٨٤ ذكر حرّة واقم وما قُتل فيها من المسلمين، الكامل في التاريخ ٤/١١٩ - ١٢٠ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، ذكر وقعة الحرّة، وغيرها من المصادر.

٢ - تاريخ الطبري ٤/٣٧٩ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، تاريخ الإسلام ٥/٢٨ الطبقة السابعة، حوادث سنة واحد وستين من الهجرة، قصّة الحرّة، الفتوح - لابن أعثم ٥/١٨٤ ذكر حرّة واقم وما قُتل فيها من المسلمين، الكامل في التاريخ ٤/١١١ - ١١٢ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، ذكر وقعة الحرّة، تاريخ اليعقوبي ٢/٢٥١ في مقتل الحسين بن علي، مروج الذهب ٣/٨٠ - ٨١ معركة حرّة واقم، وغيرها من المصادر.

٣ - الإصابة ٦/٢٣٢ في ترجمة مسلم بن عقبة بن رباح، تهذيب التهذيب ١١/٣١٦ في ترجمة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فتح الباري ١٣/٦٠ - ٦١، تاريخ الطبري ٤/٣٧٩ - ٣٨١ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، الكامل في التاريخ ٤/١١٨ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، ذكر وقعة الحرّة، تاريخ الإسلام ٥/٢٩ - ٣٠ الطبقة السابعة، حوادث سنة واحد وستين من الهجرة، قصّة الحرّة، البداية والنهاية ٨/٢٤٣ أحداث ستة ثلاث وستين من الهجرة، الإمامة والسياسة ٢/١٨٧ إخراج بني أُميّة عن المدينة وذكر قتال أهل الحرّة، تاريخ خليفة بن خياط/١٨٣ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، أمر الحرّة، تاريخ دمشق ٥٨/١٠٥ - ١٠٧، ١١٤ في ترجمة مسلم بن عقبة، لسان الميزان ٦/٢٩٣ في ترجمة يزيد بن معاوية، الفتوح - لابن أعثم ٥/١٨٢ ذكر حرّة واقم وما قُتل فيها من المسلمين، تاريخ اليعقوبي ٢/٢٥٠ في مقتل الحسين بن علي، النصائح الكافية/٦٢، معجم البلدان ٢/٢٤٩ في (حرّة واقم)، وغيرها من المصادر الكثيرة.

١٢٨

وكلّ ذلك لا بدّ أن يكون بسبب ردود الفعل المباشرة التي سبق الكلام فيها، والتي تكشف عن شدّة وقع الجريمة في نفوس المسلمين حيث شعر بخسارته في المعركة شعوراً فرض عليه الخروج في معالجة الموقف عن طبيعته في الطيش والعنجهية التي بقيت معه في بقيّة الأحداث التي واجهته بعد فاجعة الطفّ، ومنها ردّه ببشاعة على أهل المدينة في واقعة الحرّة، وعلى ابن الزبير في استحلال الحرم، ورمي مكّة المكرّمة والكعبة المعظّمة بالمنجنيق.

قال ابن الأثير: وقيل: ولما وصل رأس الحسين إلى يزيد حسُنت حال ابن زياد عنده، ووصله وسرّه ما فعل، ثمّ لم يلبث إلّا يسيراً حتى بلغه بغض الناس له، ولعنهم وسبّهم؛ فندم على قتل الحسين، فكان يقول: وما عليّ لو احتملت الأذى وأنزلت الحسين معي في داري، وحكمته فيما يريد، وإن كان عليّ في ذلك وهن في سلطاني... لعن الله ابن مرجانة فإنّه اضطره... فقتله، فبغّضني بقتله إلى المسلمين، وزرع في قلوبهم العداوة، فأبغضني البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين. ما لي ولابن مرجانة، لعنه الله، وغضب عليه؟!(١) .

وقد روى مثل ذلك الطبري وغيره عن أبي عبيدة عن يونس بن حبيب(٢) .

محاولة ابن زياد التنصّل من الجريمة وشعوره بالخطأ

كما يظهر أنّ ابن زياد أيضاً حاول أن يتنصّل من قتل الإمام الحسين (عليه السّلام)، ويُحمّل عمر بن سعد تبعته. قال الطبري: قال هشام: عن عوانة، قال: قال عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد بعد قتله الحسين: يا عمر، أين الكتاب الذي كتبت إليك في قتل الحسين؟ قال: مضيت لأمرك، وضاع الكتاب. قال: لتجيئن به. قال:

____________________

١ - الكامل في التاريخ ٤/٨٧ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه).

٢ - تاريخ الطبري ٤/٣٨٨، ذكر الخبر عمّا كان من أمر عبيد الله بن زياد وأمر أهل البصرة معه بها بعد موت يزيد، سير أعلام النبلاء ٣/٣١٧ في ترجمة الحسين الشهيد.

١٢٩

ضاع. قال: والله لتجيئني به. قال: تُرك والله يُقرأ على عجائز قريش؛ اعتذاراً إليهنَّ بالمدينة. أما والله، لقد نصحتك في حسين نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقّاص كنت قد أدّيت حقّه. قال عثمان بن زياد أخو عبيد الله: صدق والله. والله، لوددت أنّه ليس من بني زياد رجل إلّا وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة وأن حسيناً لم يُقتل. قال: فوالله، ما أنكر ذلك عليه عبيد الله(١) . وقد ذكر ابن الأثير أيضاً حديث عبيد الله بن زياد هذا مع عمر بن سعد من دون أن يذكر السند(٢) .

وقالت مرجانة لابنها عبيد الله بن زياد: يا خبيث! قتلت ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! لا ترى الجنّة أبداً(٣) .

ويبدو شعور يزيد وابن زياد بسوء تبعة قتل الإمام الحسين (عليه السّلام) عليهما ممّا رواه ابن أعثم من أنّ يزيد حين علم إصرار ابن الزبير على الامتناع من بيعته أمهله، وأخذ يتأنّى في أمره، ويقول لأصحابه: ويحكم! إنّي قتلت بالأمس الحسين بن علي وأقتل اليوم عبد الله بن الزبير؟! أخاف أن تشعث عليّ العامّة، ولا يحتمل ذلك لي، ويتنغّص عليّ أمري(٤) .

____________________

١ - تاريخ الطبري ٤/٣٥٧ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، عند الكلام في مقتل الحسين (عليه السّلام)، واللفظ له، ومثله في البداية والنهاية ٨/٢٢٧ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، فصل [بلا عنوان].

٢ - الكامل في التاريخ ٤/٩٣ - ٩٤ في أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه).

٣ - تاريخ دمشق ٣٧/٤٥١ في ترجمة عبيد الله بن زياد، واللفظ له. الكامل في التاريخ ٤/٢٦٥ أحداث سنة سبع وستين من الهجرة، ذكر مقتل ابن زياد، تهذيب التهذيب ٢/٣٠٨ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، تاريخ الإسلام ٥/١٥ الطبقة السابعة، حوادث سنة واحد وستين من الهجرة، مقتل الحسين، البداية والنهاية ٨/٣١٤ أحداث سنة سبع وستين من الهجرة، ترجمة ابن زياد، الوافي بالوفيات ١٢/٢٦٥، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٨٨ ح ٣١١، وغيرها من المصادر.

٤ - الفتوح - لابن أعثم ٥/١٧٤ ابتداء حرب واقم وما قُتل فيها من أولاد المهاجرين والأنصار والعبيد والموالي.

١٣٠

وممّا ذكره غير واحد من أنّ يزيد لما كتب إلى ابن زياد يأمره بغزو ابن الزبير، قال ابن زياد: لا أجمعهما للفاسق أبداً. أقتل ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأغزو البيت؟!(١) .

موقف الحكّام إذا أدركوا سوء عاقبة جرائمهم عليهم

وهذه هي الطريقة التي يجري عليها الحكّام عموماً عندما يشعرون بخطأ مواقفهم، أو يرون ردود فعلها السيئة عليهم؛ حيث يحاولون أن يتنصّلوا منه، ويحمّلوا عمّالهم وأعوانهم تبعتها.

وربما أبعدوهم وعزلوهم، بل قد يعاقبونهم أو يقيدون منهم ويقتصّون؛ إمعاناً في التنصّل ممّا قاموا به.

لكنّ الذي يبدو أنّ شكر يزيد في نفسه لابن زياد على جريمته، وامتنانه منه، جعله يتريّث في ذلك؛ حيث لم يظهر منه تبدّل في موقفه من ابن زياد حتى مات.

موقف معاوية ممّا فعله بسر بن أرطاة

وبالمناسبة ذكر ابن أبي الحديد ما فعله بسر بن أرطاة في غارته بأمر معاوية على الحرمين وبلاد الحجاز عامّة ونجد واليمن، وقتله ابني عبيد الله بن العباس وهما صبيان، ثمّ قال:

وروى أبو الحسن المدائني قال: اجتمع عبيد الله بن العباس وبسر بن أرطاة يوماً عند معاوية بعد صلح الحسن (عليه السّلام)، فقال له ابن عباس: أنت أمرت

____________________

١ - تاريخ الطبري ٤/٣٧١ في أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، واللفظ له، البداية والنهاية ٨/٢٣٩ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة عن الحديث عن وقعة الحرّة، الكامل في التاريخ ٤/١١١ - ١١٢ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، ذكر وقعة الحرّة، وقريب منه في الأمالي - للشجري ١/١٦٤ الحديث الثامن، فضل الحسين بن علي (عليهما السّلام) وذكر مصرعه وسائر أخباره وما يتصل بذلك.

١٣١

اللعين السيء الفدْم(١) أن يقتل ابني؟ فقال: ما أمرته بذلك. ولوددت أنّه لم يكن قتلهم. فغضب بسر، ونزع سيفه فألقاه، وقال لمعاوية: اقبض سيفك؛ قلدتنيه وأمرتني أن أخبط به الناس ففعلت، حتى إذا بلغت ما أردت قلت: لم أهوَ ولم آمر؟! فقال: خذ سيفك، فلعمري، إنّك ضعيف مائق حين تُلقي السيف بين يدي رجل من بني عبد مناف قد قتلت أمس ابنيه. فقال له عبيد الله بن العباس: أتحسبني يا معاوية قاتلاً بسراً بأحد ابني؟! هو أحقر وألأم من ذلك، ولكنّي والله لا أرى لي مقنعاً ولا أدرك ثأراً إلّا أن أُصيب بهما يزيد وعبد الله. فتبسّم معاوية وقال: وما ذنب معاوية وابني معاوية؟! والله، ما علمت ولا أمرت، ولا رضيت ولا هويت، واحتملها منه لشرفه وسؤدده(٢) .

وقد جرى الخلف على سنن السلف، كما قال الشاعر:

نبني كما كانت أوائلنا

تبني ونفعلُ مثلَ ما فعلوا

وعلى كلّ حال فالذي يظهر بعد ملاحظة الأحداث والتدبّر فيها أنّ الجريمة بأبعادها الواقعية والعاطفية قد أخذت موقعها في نفوس المسلمين، وصارت صرخة في ضمائرهم تُرعب الظالمين.

وإلاّ فمن غير الطبيعي أن يتراجع هذان الجبّاران المستهتران مع ما هما عليه من الطيش والعنجهية بهذه السرعة من دون أن يظهر أي وهن في قواهما المادية، أو التخلّي منهما عن سياسة العنف والعنجهية في معالجة المشاكل الطارئة.

وقد صدق مَنْ قال: ما رأيتُ واقعةً كواقعةِ الطفّ عضّ فيها المنتصرُ

____________________

١ - قال في لسان العرب: الفدم من الناس: العيي عن الحجة والكلام، مع ثقل ورخاوة وقلّة فهم. وهو أيضاً الغليظ السمين الأحمق الجافي.

٢ - شرح نهج البلاغة ٢/١٧ - ١٨، وقريب منه في أنساب الأشراف ٣/٢١٦ غارة بسر بن أرطاة القرشي.

١٣٢

أناملهُ ندماً.

ويبدو أنّ مقام أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وفداحة مصيبتهم وآثارها السلبية على أعدائهم قد فرض نفسه على أرض الواقع حتى اضطر للاعتراف به أعداؤهم.

موقف عبد الملك بن مروان من الفاجعة

فمروان بن الحكم من ألدّ أعدائهم حتى إنّه كان من المحرّضين على قتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه)(١) ، وأظهر الشماتة بقتله.حتى إنه قال حينما رأى رأس الإمام الحسين (عليه السلام):

ضرب الدوسر فيهم ضربة

أثبتت أوتاد ملك فاستقر

وقال:

يا حبذا بردك في اليدين

ولونك الأحمر في الخدين(٢)

لكن ابنه عبد الملك كتب إلى الحجاج حينما كان عاملاً له على الحجاز: «جنبني دماء آل بني أبي طالب. فإني رأيت بني حرب لما قتلوا الحسين نزع الله ملكهم»(٣) .

____________________

١- تقدمت مصادره ص: ١٢٢.

٢ - تذكرة الخواص ص: ٢٦٦ الباب التاسع في ذكر حمل الرأس إلى يزيد: ذكر الحسين (عليه السلام).

١ - المحاسن والمساوئ - للبيهقي/٤٠ مساوئ من عادى علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، واللفظ له، أنساب الأشراف ٧/٢٣٣ ما قيل في عبد الملك وأخباره بعد مقتل ابن الزبير، مروج الذهب ٣/١٧٦ ذكر أيام الوليد بن عبد الملك في رسالة أخرى من عبد الملك إلى الحجّاج، العقد الفريد ٤/٣٥٢ فرش كتاب العسجدة الثانية، تسمية مَنْ قُتل مع الحسين بن علي (رضي الله عنهما) من أهل بيته ومَنْ أُسر منهم/٣٦٦ ولاية عبد الملك بن مروان، الفصول المهمّة ٢/٨٦٣ الفصل الرابع في ذكر علي بن الحسين (عليهما السّلام)، ينابيع المودّة ٣/١٠٧، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٩٢ ح ٣٢٩، سبل الهدى والرشاد ١١/٧٨، تاريخ اليعقوبي ٢/٣٠٤ وفاة علي بن =

١٣٣

مع وضوح أنّ يزيد لم يقتصر على واقعة الطفّ، بل أعقبها بواقعة الحرّة بفظاعتها وبشاعتها، وبهتك حرمة الحرم ورمي الكعبة المعظّمة بالمنجنيق؛ فنسبة عبد الملك انخذال بني حرب لخصوص واقعة الطفّ شاهد بما ذكرنا.

إدراك الوليد بن عتبة سوء أثر الجريمة على الأمويين

بل يظهر أن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان قد أدرك ذلك من أوّل الأمر، فهو لم يستجب ليزيد حينما أمره بقتل الإمام الحسين (عليه السّلام) إن لم يبايع. ولما عتب عليه مروان بن الحكم في ذلك لم يعتبه، بل أصرّ على موقفه، وقد بادر يزيد فعزله عن ولاية المدينة المنوّرة كما سبق(١) .

ولمّا سار الحسين (عليه السّلام) إلى الكوفة كتب الوليد إلى ابن زياد: أمّا بعد، فإنّ الحسين بن علي قد توجّه إلى العراق، وهو ابن فاطمة، وفاطمة بنت رسول الله، فاحذر يابن زياد أن تأتي إليه بسوء، فتهيج على نفسك وقومك في هذه الدنيا ما لا يسدّه شيء، ولا تنساه الخاصّة والعامّة أبداً مادامت الدنيا(٢) .

وربما نُسب هذا الكتاب لمروان بن الحكم(٣) ، لكنّ نفسية مروان ومواقفه قبل قتل الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وبعده لا تناسب ذلك.

وكيف كان فالكتاب المذكور يكشف عن إدراك كاتبه مسبقاً لشدّة بشاعة

____________________

= الحسين، جواهر المطالب ٢/٢٧٨ الباب الخامس والسبعون، تسمية مَنْ قتل مع الحسين (عليه السّلام) وأهل بيته ومَنْ أُسر منهم.

١ - تقدّمت مصادره في/١٢٠ - ١٢١.

٢ - بحار الأنوار ٤٤/٣٦٨، واللفظ له، مقتل الحسين - للخوارزمي ١/٢٢١ الفصل الحادي عشر، الفتوح - لابن أعثم ٥/٧٨ ذكر مسير الحسين إلى العراق، إلّا أنّ فيه بدل (أن تأتي إليه بسوء فتهيج) (أن تبعث إليه رسولاً فتفتح).

٣ - تاريخ دمشق ١٤/٢١٢ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، تهذيب الكمال ٦/٤٢٢ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، ترجمة الإمام الحسين من طبقات ابن سعد/٦٢ ح ٢٨٣.

١٣٤

الجريمة وأثرها السلبي على السلطة الغاشمة وبني أُميّة عامّة.

موقف معاوية المسبق من الجريمة

ولعلّ ذلك هو الذي دعا معاوية إلى أن يوصي يزيد بالإمام الحسين (عليه السّلام) فيما رواه جماعة(١) . ففي رواية الطبري أنّه قال له: وأمّا الحسين بن علي فإنّ أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه، فإن خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه؛ فإنّ له رحماً ماسّة، وحقّاً عظيماً(٢) .

وإلاّ فمعاوية قد قتل الإمام الحسن (صلوات الله عليه) بالسمّ(٣) ، وشمت بموته(٤) ، مع أنّ الإمام الحسن (عليه السّلام) يشارك الإمام الحسين (عليه السّلام) في الرحم والحقّ،

____________________

١ - الكامل في التاريخ ٤/٦ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر وفاة معاوية بن أبي سفيان، البداية والنهاية ٨/١٢٣ في أحداث سنة ستين من الهجرة النبويّة، تاريخ ابن خلدون ٣/١٨ وفاة معاوية، الأخبار الطوال/٢٢٦ موت معاوية، وغيرها من المصادر.

٢ - تاريخ الطبري ٤/٢٣٨ في أحداث سنة ستين من الهجرة.

٣ - الاستيعاب ١/٣٨٩ - ٣٩٠ في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب، تاريخ دمشق ١٣/٢٨٤ في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب، تهذيب الكمال ٦/٢٥٢ في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب، سير أعلام النبلاء ٣/٢٧٤ في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب، البداية والنهاية ٨/٤٧ في أحداث سنة تسع وأربعين من الهجرة، في ذكر الحسن بن علي بن أبي طالب، مقتل الحسين - للخوارزمي ١/١٣٦ الفصل السادس، تذكرة الخواص/٢١١ الباب الثامن في ذكر الحسن (عليه السّلام)، ذكر وفاته (عليه السّلام)، شرح نهج البلاغة ١٦/١١، عيون الأنباء في طبقات الأطباء/١٧٤، الإرشاد ٢/١٦، مناقب آل أبي طالب - لابن شهرآشوب ٣/٢٠٢، وغيرها من المصادر.

٤ - الإمامة والسياسة ١/١٤٢ موت الحسن بن علي (رضي الله عنهما)، العقد الفريد ٤/٣٣١ فرش كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأخبارهم، خلافة الحسن بن علي، مقتل الحسين - للخوارزمي ١/١٤٠ الفصل السادس، تاريخ الخميس ٢/٢٩٤ ذكر وصية الحسن لأخيه الحسين (رضي الله عنهما)، وفيات الأعيان ٢/٦٦ - ٦٧ في ترجمة الحسن بن علي بن أبي طالب، مروج الذهب ٣/٩ أثر موت الحسن (رضي الله عنه) على معاوية، تذكرة الخواص/٢١٤ الباب الثامن في ذكر الحسن (عليه السّلام)، ذكر وفاته (عليه السّلام)، حياة الحيوان/١٠٨ في (الأوز)، الأمالي - للمرتضى ١/٢٠٠ المجلس التاسع عشر، مناقب آل =

١٣٥

إن لم يزد عليه في معايير الحقّ عندهم.

على أنّ ابن عساكر روى ما يناسب إقرار معاوية ليزيد فيما حصل منه مع الإمام الحسين (عليه السّلام)، حيث ذكر أنّه قال له: انظر حسين بن علي بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنّه أحبّ الناس إلى الناس، فصل رحمه، وارفق به يصلح لك أمره، فإنّ يك منه شيء فإنّي أرجو أن يكفيكه الله بمَنْ قتل أباه، وخذل أخاه(١) .

إذ من الظاهر أنّ أهل الكوفة لا يكفونه أمر الإمام الحسين (صلوات الله عليه) إذا لم يأمرهم يزيد بذلك، ويستعين على تحقيقه بالترغيب والترهيب، فلو لم يكن معاوية راضياً به لم يكتفِ بتنبيه يزيد لموقفهم.

ويشبه ذلك ما رواه بعضهم في موقفه من أهل المدينة المنوّرة حيث ورد أنّه قال ليزيد: إنّ لك من أهل المدينة يوم، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة؛ فإنّه رجل قد عرفت نصيحته(٢) .

____________________

= أبي طالب - لابن شهرآشوب ٣/٢٠٣، وغيرها من المصادر.

١ - تاريخ دمشق ١٤/٢٠٦ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، واللفظ له، تهذيب الكمال ٦/٤١٤ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، تاريخ الإسلام ٥/٧ الطبقة السابعة، حوادث سنة واحد وستين من الهجرة، مقتل الحسين، البداية والنهاية ٨/١٧٥ أحداث سنة ستين من الهجرة، صفة مخرج الحسين إلى العراق، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٥٥ ح ٢٨٣، وغيرها من المصادر.

٢ - تاريخ الطبري ٤/٣٨٠ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/١١٢ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، ذكر وقعة الحرّة، البداية والنهاية ٨/٢٤٢ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، تاريخ خليفة بن خياط/١٨٢ أحداث سنة ثلاث وستين من الهجرة، أمر الحرّة، تاريخ دمشق ٥٨/١٠٤ في ترجمة مسلم بن عقبة بن رياح، فتح الباري ١٣/٦٠، وغيرها من المصادر.

١٣٦

المقصد الثاني

في ثمرات فاجعة الطفّ وفوائدها

والكلام.. تارة: فيما جناه دين الإسلام العظيم من ثمرات النهضة المباركة التي انتهت بالفاجعة.

وأُخرى: في العِبَر التي تستخلص من هذه النهضة الشريفة؛ لينتفع بها المعتبرون، ولاسيما الذين يهتمّون بالصالح العام.

وذلك في فصلين:

الفصل الأوّل

فيما جناه الدين من ثمرات فاجعة الطفّ

وهذا هو المنظور الأوّل للإمام الحسين (صلوات الله عليه)، وهو الذي يرتفع به إلى منزلة القدّيسين، وبه صار ثار الله (عزّ وجلّ)(١) .

الهدف الأوّل للإمام الحسين (عليه السّلام)

فإنّه (صلوات الله عليه) مهما تمتّع به من مؤهّلات ومثالية هي مدعاة للفخر والاعتزاز، ودليل على سموّ الذات - كإباء الضيم، وقوّة الإرادة، ووحدة

____________________

١ - تقدّمت مصادره في/٩١.

١٣٧

الموقف، والشجاعة، والصبر، والسخاء، والشرف، وغير ذلك - فهو فوق كلّ ذلك عبد لله (عزّ وجلّ)، فانٍ في ذاته تعالى، وصاحب رسالة قد حمّله الله سبحانه إيّاه، وائتمنه عليها.

وقد تحمّل (عليه السّلام) مسؤولية حفظها ورعايتها وخدمتها، فيلزمه النظر فيما يصلحها، وبذل كلّ إمكانيّاته ومؤهّلاته في سبيل ذلك، ولها الأولوية عنده على كلّ شيء.

ولذا نرى ذلك الشخص الأبي، والذي وقف من يزيد ذلك الموقف الصلب - مع علمه بأنّه يؤدّي إلى تلك التضحيات الجسيمة - قد صبر عشرين عاماً على مضض، ولم يحرّك ساكناً مع معاوية مع إنّه قد نقض العهد، وتجاوز الحدود، وانتهك حرمته (عليه السّلام)، وحرمة أهل بيته وشيعته، وحرمة الدين الذي كان (صلوات الله عليه) مسؤولاً عنه وعن رعايته.

كلّ ذلك لأنّ مصلحة دين الإسلام العظيم الذي كان الإمام الحسين (صلوات الله عليه) مسؤولاً عنه قد فرضت عليه في كلّ ظرف الموقف المناسب له مهما كلّفه من متاعب ومصائب ومآسٍ وفجائع.

فنحن نقدّس الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، ونشيد بموقفه في حفظ الدين قبل أن نشيد بإبائه للضيم وشجاعته، وصبره وصلابة موقفه وتضحيته الكبرى نتيجة ذلك، بل لا نشيد بهذه الأمور منه (عليه السّلام) إلّا من أجل أنّها صارت وسيلة لخدمة قضيته، وأداء منه لأمانته إزاء الدين التي تحمّلها (عليه السّلام) بإخلاص.

وهكذا الحال في جميع الأئمّة من أهل البيت (صلوات الله عليهم) وإن اختلفت المواقف تبعاً لاختلاف الظروف، فمواقفهم جميعاً (صلوات الله عليهم) ليست كيفية، ولا مزاجية، ولا انفعالية، بل هي مواقف حكيمة - بتسديد من الله (عزّ وجلّ) - لخدمة القضية الكبرى، وقياماً بمقتضى الأمانة التي حُمّلوها

١٣٨

إزاء الدين، قد يظهر لنا وجه الحكمة في بعضه، وقد يخفى علينا في بعضه.

ونعود للحديث عمّا كسبه الدين الحنيف من نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، فنقول:

بعدما سبق من أنّ نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) كانت بأمر من الله تعالى، وبتسديد منه، فلا بدّ أن يكون الهدف منها مصلحة للدين - الذي هو أهم شيء عند الله (عزّ وجلّ) - تناسب حجم التضحية.

ومن ثمّ كان ذلك هو المتسالم عليه عند شيعة أهل البيت (أعز الله دعوتهم) حتى قال شاعرهم بعد أن تعرّض لتحلّل يزيد واستهتاره:

وأصبحَ الدينُ منه يشتكي سقما

وما إلى أحدٍ غيرَ الحسينِ شكا

فما رأى السبطُ للدينِ الحنيفِ شفا

إلّا إذا دمهُ في نصرهِ سفكا

وما رأينا عليلاً لا شفاءَ له

إلّا بنفسِ مداويه إذا هلكا

بقتلهِ فاحَ للإسلامِ نشرُ هدى

فكلّما ذكرتهُ المسلمونَ ذكى

وقد تضمّنت زياراته (صلوات الله عليه)، وزيارات أصحابه (عليهم السّلام) معه التي وردت عن الأئمّة (صلوات الله عليهم) ما يناسب ذلك، حيث تكرّر فيها التعبير بأنّهم أنصار الله (عزّ وجلّ) وأنصار دينه ورسوله، ووضوح ذلك يُغني عن إطالة الكلام فيه.

والذي يهمّنا هنا هو التعرّف على طبيعة الخدمة التي أداها الإمام الحسين (صلوات الله عليه) للدين الحنيف، وتشخيص الخطر الذي دفعه (عليه السّلام) عنه بنهضته المباركة وتضحياته الجسيمة.

فإنّ من الظاهر أنّ النهضة المباركة لم تمنع من استمرار العمل على نظام ولاية العهد في الخلافة من دون مراعاة أهلية المعهود له، واستمر ما سنّه معاوية في دول الإسلام المتعاقبة حتى تمّ إلغاء الخلافة في العصور القريبة.

١٣٩

وإذا كان كثير من المسلمين قد استنكروا على معاوية - في وقته - فتح هذا الباب، فإنّهم قد سكتوا عمّن بعده، وتأقلموا مع النظام المذكور كأمر واقع، بل أقرّ فقهاء الجمهور الخلافة المبتنية عليه، كما أقرّوا خلافة الأوّلين.

كما إنّ النهضة الشريفة قد جرّأت الأمويين على الدماء، كما توقّع الإمام الحسين (عليه السّلام) نفسه وبعض مَنْ نصحه بعدم الخروج على ما تقدّم(١) ، وجرى على ذلك من بعدهم من الحكّام في الدول المتعاقبة.

ومن الظاهر أيضاً أنّ النهضة الشريفة لم تخفّف من غلواء السلطات المتعاقبة باسم الإسلام في الظلم والطغيان، والأثرة والتعدّي، وانتهاك الحرمات العظام، والخروج عن أحكام الله (عزّ وجلّ) في مختلف المجالات.

وكذلك لم تمنع هذه النهضة من اختلاف المسلمين وتفرّقهم وتناحرهم، وانتهاكهم للحرمات، وتدهور أوضاعهم وتسافلها حتى انتهى بهم الأمر على ما هم عليه اليوم من الوهن والهوان.

كما إنّ من القريب جدّاً أنّه لو ابتُلي المسلمون بعد ذلك بمثل واقعة الطفّ في الظروف والمقارنات وانتهاك الحرمات لم يخرجوا منها بأحسن ممّا خرجوا في الواقعة المذكورة، بل قد يزيدون عليها إجراماً وبشاعة.

بل تسببت فاجعة الطفّ التي خُتمت بها هذه النهضة عن ردود فعل ومضاعفات زادت في عمق الخلاف بين شيعة أهل البيت والجمهور، وأُريقت بسببها أنهار من الدماء، وانتُهكت كثير من الحرمات.

وإلى ذلك يشير زهير بن القين (رضي الله عنه) في خطبته قُبيل المعركة حيث قال: يا أهل الكوفة، نذارِ لكم من عذاب الله نذارِ. إنّ حقّاً على المسلم نصيحة أخيه

____________________

١ - تقدّمت مصادره في/٦٤.

١٤٠