فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها0%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 247758
تحميل: 4882

توضيحات:

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247758 / تحميل: 4882
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المسلم. ونحن حتى الآن أخوة، وعلى دين واحد وملّة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منّا أهل. فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنّا أُمّة وأنتم أُمّة...(١) .

كما إنّ هذه النهضة لم تقف حاجزاً دون تدهور المجتمع الإسلامي دينياً وخلقياً، بشرب الخمور، وظهور الفجور، واستعمال الملاهي، وأكل الحرام، والجرأة على الدماء... إلى غير ذلك.

وعلى ذلك لا بدّ من كون المكاسب الشريفة التي حصل عليها الدين الحنيف بسبب هذه النهضة العظيمة أموراً لا تتنافى مع كلّ ذلك، بل هي من الأهمية بحيث تناسب حجم التضحية، وتهون معها هذه الأمور. وتأتي محاولتنا هذه للتعرّف على تلك المكاسب وتقييمها.

والناظر في تراث أهل البيت (صلوات الله عليهم) يجد منهم التركيز على رفعة مقام الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، وعلى شدّة ظلامته، وفداحة المصاب به، وإبراز الجوانب العاطفية في الواقعة، وعلى عظم الجريمة في نفسها، وشدّة النكير على القائمين بها، وكلّ مَنْ له دخل فيها من قريب أو بعيد، وخبثهم وسوء منقلبهم ونحو ذلك، ممّا يرجع إلى الإنكار عليهم ومحاولة التنفير منهم.

كلّ ذلك مع التأكيد المكثّف على أهمية إحياء الفاجعة، وتحرّي المناسبات للتذكير بها بمختلف الأساليب، من دون تركيز على الجهة التي نحن بصددها.

غاية الأمر أنّه تقدّم عن الإمام الحسين (صلوات الله عليه) ما يدلّ على

____________________

١ - تاريخ الطبري ٤/٣٢٣ - ٣٢٤ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/٦٣ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه)، البداية والنهاية ٨/١٩٤ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة الشأن، وغيرها من المصادر.

١٤١

أنّ نتيجة نهضته وشهادته هي الفتح(١) ، كما تقدّم عن الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) ما يدلّ على أنّ بقاء الصلاة شاهد على انتصار الإمام الحسين (عليه الصلاة والسّلام)(٢) من دون أن يوضحا (عليهما السّلام) منشأ الفتح والشهادة المذكورين.

الزيارات المتضمّنة أنّ الهدف إيضاح معالم الدين

نعم، ورد في إحدى زيارات الإمام الحسين (صلوات الله عليه) المروية عن الإمام الصادق (صلوات الله عليه) قوله عنه (عليه السّلام): «فأعذر في الدعاء، وبذل مهجته فيك؛ ليستنقذ عبادك من الضلالة والجهالة، والعمى والشك والارتياب إلى باب الهدى من الردى»(٣) .

وفي زيارته (عليه السّلام) في يوم الأربعين عن الإمام الصادق (عليه السّلام) أيضاً قال: «فأعذر في الدعاء، ومنح النصح، وبذل مهجته فيك؛ ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة...»(٤) .

وقريب منه ما ورد في زيارته (عليه السّلام) ليلة عيد الفطر، وفي عيد الأضحى(٥) .

وذلك صريح في أنّ الهدف من النهضة الشريفة هو التعريف بالدين على حقيقته، وإيضاح معالمه، ووضوح الحجّة عليه، ورفع الارتياب والحيرة فيه،

____________________

١ - تقدّمت مصادره في/٤٥ - ٤٦.

٢ - تقدّمت مصادره في/٤٦.

٣ - كامل الزيارات/٤٠١، واللفظ له، تهذيب الأحكام ٦/٥٩، المزار للمفيد/١٠٨، وغيرها من المصادر.

٤ - مصباح المتهجد/٧٨٨، واللفظ له، تهذيب الأحكام ٦/١١٣، إقبال الأعمال ٣/١٠٢، وغيرها من المصادر.

٥ - مصباح الزائر/٣٣٢، المزار - لمحمد بن المشهدي/١٦٠، بحار الأنوار ٩٨/٣٥٤.

١٤٢

بغض النظر عن تطبيقه عملياً في الواقع الإسلامي أو عدمه.

وقد يناسب ذلك ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث له مع أُبيّ بن كعب، وأنّه قال له: «إنّ الحسين بن علي في السماء أكبر منه في الأرض؛ فإنّه لمكتوب عن يمين عرش الله: مصباح الهدى، وسفينة النجاة...»(١) .

فإنّ الأئمّة (صلوات الله عليهم) وإن كانوا كلّهم هداة لدين الله تعالى وسفن نجاة الأُمّة، إلّا إنّ تخصيص الإمام الحسين (عليه السّلام) بذلك يناسب تميّزه في هداية الناس، ونجاتهم من هلكة التيه والحيرة والضلال.

كما ورد عن الإمام الحسين نفسه (صلوات الله عليه) أنّه ذكر في كلام له طويل دواعي خروجه وتعرّضه للقتل، وقال في آخره: «...( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) »(٢) .

وربما تشير إلى ذلك العقيلة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين (عليهما السّلام) فيما تقدّم من قولها في أواخر خطبتها - في التعقيب على الأبيات التي أنشدها يزيد متشفياً، وهو ينكت ثنايا الإمام الحسين (عليه السّلام) بمخصرته: فكد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك؛ فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تُميت وحينا، ولا تُدرك أمدنا...(٣) .

وذلك يكشف عن أنّ دين الإسلام الخاتم للأديان قد تعرّض بسبب انحراف السلطة لخطر التحريف والتشويه، بحيث تضيع معالمه، ولا يتيسّر الوصول والتعرّف عليه لمَنْ يريد ذلك، كما حصل في الأديان السابقة، وأنّ

____________________

١ - بحار الأنوار ٣٦/٢٠٥، واللفظ له، عيون أخبار الرضا ٢/٦٢، كمال الدين وتمام النعمة/٢٦٥، وغيرها من المصادر.

٢ - اللهوف في قتلى الطفوف/٤٢.

٣ - راجع ملحق رقم ٤.

١٤٣

الإمام الحسين (عليه أفضل الصلاة والسّلام) قد واجه ذلك الخطر، ودفعه بنهضته المقدّسة، وما استتبعها من تضحيات جسام.

أهمية بقاء معالم الدين ووضوح حجّته

ومن الظاهر أنّ ذلك من أهمّ المقاصد الإلهية؛ فإنّ الله (عزّ وجلّ) لا بدّ أن يوضح الدين الحق، ويتم الحجّة عليه؛ ليتيسّر لطالب الحق الوصول إليه، والتمسّك به، و( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (١) .

وقد قال الله (عزّ وجلّ):( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ) (٢) ، وقال تعالى:( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُول ) (٣) ، وقال سبحانه:( لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) (٤) ... إلى غير ذلك.

تميّز الإسلام بما أوجب إيضاح معالمه وبقاء حجّته

وحقيقة الأمر: إنّ ذلك لم يستند لنهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) وحدها، بل هو نتيجة أمرين امتاز بهما دين الإسلام العظيم:

الأوّل: بقاء القرآن المجيد في متناول المسلمين جميعاً، واتّفاقهم عليه، وحفظ الله (عزّ وجلّ) له من الضياع على عامّة الناس، ومن التحريف كما حصل في الكتب السماوية الأخرى.

الثاني: جهود جميع الأئمّة من أهل البيت (صلوات الله عليهم)، فإنّهم لما أُقصوا عن مراتبهم التي رتّبهم الله تعالى فيها، نتيجة انحراف مسار السلطة في

____________________

١ - سورة الأنفال/٤٢.

٢ - سورة التوبة/١١٥.

٣ - سورة الإسراء/١٥.

٤ - سورة النساء/١٦٥.

١٤٤

الإسلام، تعرّض دين الإسلام القويم لخطر التحريف والتشويه والضياع، كما تعرّضت لذلك جميع الأديان؛ فكان مقتضى ائتمان الله تعالى لهم (عليهم السّلام) على الدين، وجعلهم رعاة له أن يتحمّلوا مسؤوليتهم في درء الخطر المذكور.

فجدّوا وجهدوا في إيضاح الدين الحق، وإقامة الحجّة عليه بحيث لا يضيع على طالبه، رغم المعوّقات الكثيرة، والجهود المضادّة من قبل السلطات المتعاقبة وأتباعها.

وقد تظافرت جهودهم (عليهم السّلام) في خطوات متناسقة حقّقت هذا الهدف العظيم على النحو الأكمل، على ما سوف يظهر في محاولتنا هذه إن شاء الله تعالى.

غاية الأمر أنّ لنهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) التي انتهت بفاجعة الطفّ - بأبعادها المتقدّمة - أعظم الأثر في ذلك، على ما سيتضح بعون الله (عزّ وجلّ).

ما يتوقّف عليه بقاء معالم الدين الحق ووضوح حجّته

هذا وقيام الحجّة على الدين الحق ووضوح معالمه مع ما مُني به الإسلام - كسائر الأديان - من الخلاف بين الأُمّة وتفرّقها، وشدّة الخصومة والصراع بينها يتوقف:

أوّلاً: على وجود مرجعية في الدين سليمة في نفسها متّفق عليها بين جميع الأطراف تنهض بإثبات الحق، والاستدلال عليه.

وثانياً: على وجود فرقة ظاهرة تدعو إلى الحق، وتنبّه الغافل؛ لوضوح أنّه مع الغفلة المطلقة لا يكفي وجود الدليل في قيام الحجّة ورفع العذر في حق الجاهل والمخطئ.

والظاهر إنّ لنهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) أعظم الأثر في

١٤٥

كلا هذين الأمرين الدخيلين في قيام الحجّة على الحق ووضوحه، كما يتّضح ممّا يأتي من الحديث عمّا جناه دين الإسلام العظيم من ثمرات هذه النهضة المباركة والملحمة الإلهية المقدّسة.

إذا عرفت هذا فالكلام:

تارة: فيما كسبه الإسلام بكيانه العام.

وأُخرى: فيما كسبه الإسلام الحق المتمثّل بخط أهل البيت (صلوات الله عليهم) الذين جعلهم الله تعالى ورسوله مع الكتاب المجيد مرجعاً للأُمّة يعصمها من الضلال، وهو مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية (رفع الله تعالى شأنهم)، فهنا مطلبان:

١٤٦

المطلب الأوّل

فيما كسبه الإسلام بكيانه العام

تمهيد:

شرع الله (عزّ وجلّ) الأديان جميعاً؛ لتؤدّي دورها في إصلاح البشرية، وتقويم مسيرتها في الفترة الزمنية التي يشرع فيها الدين.

يجب بقاء الدين الحق واضح المعالم ظاهر الحجّة

وحيث كان المشرع للدين هو الله (عزّ وجلّ) الحكيم الأكمل، ذو العلم المطلق، المحيط بكلّ شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء، فمن الطبيعي أن يكون الدين الذي يشرعه في فترة زمنية معينة، ويفرض على عباده الالتزام به في تلك الفترة، واجداً تشريعياً لمقوّمات بقائه، واضح المعالم، مسموع الدعوة، ظاهر الحجّة( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (١) ، بحيث يكون الخروج عنه خروجاً بعد البيان والحجّة، كما قال (عزّ من قائل):( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ) (٢) ؛ لئلاّ يقولوا:( رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ) (٣) .

____________________

١ - سورة الأنفال/٤٢.

٢ - سورة التوبة/١١٥.

٣ - سورة طه/١٣٤.

١٤٧

لا بدّ من رعاية المعصوم للدين

وذلك لا يكون إلّا بأن يكون الأمين على الدين، والمرجع للأُمّة فيه في فترة تشريعه معصوماً لا يزيغ عن الدين، ولا يخطأ فيه، نبيّاً كان أو وصيّاً لنبي.

وعلى ذلك جرت الأديان السماوية فيما روي عن النبي والأئمّة من آله (صلوات الله عليهم أجمعين) مستفيضاً، بل متواتراً.

وروى الجمهور كثيراً من مفردات ذلك في الأديان السابقة(١) ، بل ورد في بعض روايات الجمهور أنّ الله سبحانه وتعالى أوحى إلى آدم (عليه السّلام): «إنّي قد استكملت نبوّتك وأيّامك، فانظر الاسم الأكبر، وميزان علم النبوّة فادفعه إلى ابنك شيث؛ فإنّي لم أكن لأترك الأرض إلّا وفيها عالم يدلّ على طاعتي، وينهى عن معصيتي»(٢) .

وهو عين ما يبتني عليه مذهب الإمامية الاثني عشرية - رفع الله تعالى

____________________

١ - مجمع الزوائد ٩/١١٣ كتاب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، باب فيما أوصى به (رضي الله عنه)، فضائل الصحابة - لابن حنبل ٢/٦١٥ ومن فضائل علي (رضي الله عنه) من حديث أبي بكر بن مالك عن شيوخه غير عبد الله، تاريخ دمشق ٢٣/٢٧١ في ترجمة شيث، ويُقال شيث بن آدم واسمه هبة الله، و٥٠/٩ في ترجمة كالب بن يوقنا بن بارص، و٦١/١٧٥ في ترجمة موسى بن عمران بن يصهر، و٦٢/٢٤١ في ترجمة نوح بن لمك بن متوشلخ، تهذيب الأسماء ١/٢٣٦، مسائل الإمام أحمد ١/١٢ ذكر ترتيب كبار الأنبياء، العظمة ٥/١٦٠٢، ١٦٠٤، المعجم الكبير ٦/٢٢١ في ما رواه أبو سعيد عن سلمان (رضي الله عنه)، تفسير القرطبي ٦/١٤٠، و١٥/١١٥، تفسير البغوي ٢/٣٠ - ٣١، تفسير الطبري ٢/٨٠٨، الدرّ المنثور ١/٣١٤، الطبقات الكبرى ١/٣٧ - ٣٨، ٤٠ ذكر من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأنبياء، تاريخ الطبري ١/١٠٢ - ١٠٣ ذكر ولادة حواء شيث، وص ١٠٧، ١١٠ - ١١١ ذكر وفاة آدم (عليه السّلام)، وص ٣٢٢، ٣٢٤ ذكر أمر بني إسرائيل والقوم الذين كانوا بأمرهم، و٢/٣١ - ٣٢ ذكر نسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر بعض أخبار آبائه وأجداده، الكامل في التاريخ ١/٤٧ ذكر الأحداث التي كانت في عهد آدم (عليه السّلام) في الدنيا، ذكر ولادة شيث، وغيرها من المصادر.

٢ - العظمة ٥/١٦٠٢.

١٤٨

شأنهم - من أنّ الأرض لا تخلو من إمام وحجّة، تبعاً لما استفاض - بل تواتر - عن النبي والأئمّة من آله (صلوات الله عليهم أجمعين)(١) : «ما اختلفت أُمّة بعد نبيّها إلّا غلب أهل باطلها أهل حقّها».

إلاّ إنّ الأديان جميعاً قد ابتُليت بالاختلاف بعد أنبيائها. ومن الطبيعي - إذا لم تتدخّل العناية الإلهية بوجه خاص - أن يكون الظاهر في آخر الأمر هو الباطل، وتكون الغلبة والسلطة له:

أوّلاً: لأنّ مبدئية صاحب الحقّ المعصوم تجعله يحمل الناس على مرّ الحقّ، ولا يُهادن فيه، وذلك يصعب على أكثر الناس، كما قال الإمام الحسين (صلوات الله عليه): «الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديانون»(٢) . وحينئذٍ يخذلونه ويتفرّقون عنه، بل كثيراً ما يتحزّبون ضدّه.

وثانياً: لأنّ مبدئية المعصوم تمنعه من سلوك الطرق الملتوية وغير المشروعة، والمنافية للمبادئ الإنسانية السامية في صراعه مع الباطل. وهي

____________________

١ - تذكرة الحفاظ ١/١٢ في ترجمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، حلية الأولياء ١/٨٠ في ترجمة علي بن أبي طالب، تذكرة الحفّاظ ٢٤/٢٢١ في ترجمة كميل بن زياد بن نهيك، كنز العمّال ١٠/٢٦٣ - ٢٦٤ ح ٢٩٣٩١، تاريخ دمشق ١٤/١٨ في ترجمة الحسين بن أحمد بن سلمة، و٥٠/٢٥٤ في ترجمة كميل بن زياد بن نهيك، المناقب للخوارزمي/٣٦٦ الفصل الرابع والعشرون في بيان شيء من جوامع كلمه وبوالغ حكمه، ينابيع المودّة ١/٨٩، جواهر المطالب ١/٣٠٣، وغيرها من المصادر.

وأمّا المصادر الشيعية: فقد رويت في نهج البلاغة ٤/٣٧ - ٣٨، والمحاسن ١/٣٨، وبصائر الدرجات/٥٧، والإمامة والتبصرة/٢٦، والكافي ١/١٧٨ - ١٧٩، والخصال - للصدوق/٤٧٩، وكمال الدين وتمام النعمة/٢٢٢، ٣١٩، ٤٠٩، ٤٤٥، ٥١١، وكفاية الأثر/١٦٤، ٢٩٦، وبحار الأنوار ٢٣/١ - ٦٥، وغيرها من المصادر.

٢ - تقدّمت مصادره في/٣٦.

١٤٩

نقطة ضعف مادية فيه، كثيراً ما يستغلّها الطرف المبطل في الصراع، ويقوى بسببها، فيغلب المحق ويظهر عليه.

وإلى ذلك يشير أمير المؤمنين (عليه السّلام) في قوله: «قد يرى الحوّل القلّب وجه الحيلة، ودونه مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها مَنْ لا حريجة له في الدين»(١) .

ولعلّه لذا ورد أنّه ما اختلفت أُمّة بعد نبيّها إلّا غلب أهل باطلها أهل حقّها(٢) .

استغلال السلطة المنحرفة الدعوة ومبادئها لصالحها

ونتيجة لذلك يستولي أهل الباطل، ويتّخذون الدين ذريعة لخدمة مصالحهم وسلطانهم، ولتبرير نزواتهم، وإشباع شهواتهم، ولو بتحريفه عن حقيقته والخروج عن حدوده؛ لأنّ لهم القوّة والسطوة، وبيدهم التثقيف والدعاية والإعلام.

ومن ثمّ كان منشأ التحريف في الدين غالباً هو تحكّم غير المعصوم فيه من سلطان مبطل، أو مؤسسة منسّقة مع السلطان المذكور، بل ذلك هو منشأ التحريف في جميع الدعوات والأنظمة التي تتبنّاه

____________________

١ - نهج البلاغة ١/٩٢، واللفظ له، ربيع الأبرار ٤/٣٤٢ باب الوفاء وحسن العهد ورعاية الذمم، التذكرة الحمدونية ٣/١ الباب السابع في الوفاء والمحافظة والأمانة والغدر والملل والخيانة.

٢ - مجمع الزوائد ١/١٥٧ كتاب العلم، باب في الاختلاف، واللفظ له، المعجم الأوسط ٧/٣٧٠، فيض القدير ٥/٤١٥، حلية الأولياء ٤/٣١٣، تذكرة الحفاظ ١/٨٧ في ترجمة الشعبي، سير أعلام النبلاء ٤/٣١١ في ترجمة الشعبي، تاريخ الإسلام ٧/١٣١ في ترجمة عامر بن شرحبيل الشعبي، ذكر من اسمه شعبة/٦٨، كنز العمال ١/١٨٣ ح ٩٢٩، الجامع الصغير - للسيوطي ٢/٤٨١ ح ٧٧٩٩، وقعة صفين/٢٢٤، ينابيع المودّة ٢/٨٠، وغيرها من المصادر.

١٥٠

الجهات المتنفّذة والقوى الحاكمة؛ حيث تتّخذ منها أداة لتقوية نفوذها، وتركيز حكمها وسلطانها، ولو على حساب الأسس التي تقوم تلك الدعوات والأنظمة والتعاليم التي تتبناها.

كما يتضح ذلك بأدنى نظرة في واقع الأنظمة والدعوات التي تبنّتها الدول والحكومات عبر التاريخ الطويل وحتى عصرنا الحاضر؛ حيث لا نجد دعوة حقّ أو باطل قامت على أساسها دولة في ظلّ غير المعصوم بقيت محافظة على أصالتها ونقائها، وعلى تعاليمها ومفاهيمها التي أُسست عليها.

لكنّ الله (عزّ وجلّ) قد أخذ على نفسه أن يتمّ الحجّة على الحقّ كما سبق، بل هو اللازم عليه بمقتضى عدله وحكمته؛ أوّلاً: لقبح العقاب بلا بيان، وثانياً: لعدم تحقّق حكمة جعل الدين وإلزام الناس به إلّا بوصوله وقيام الحجّة عليه.

غلبة الباطل لا توجب ضياع الدين الحقّ وخفاء حجّته

وحينئذ لا بدّ من كون غلبة الباطل وتسلّطه بنحو لا يمنع من قيام الحجّة على بطلان دعوته، وصحّة دعوة الحقّ؛ بحيث تنبّه الغافل لذلك، وتقطع عذر الجاهل.

كما لا بدّ أن تبقى الدعوة المحقّة التي يرعاها المرجع المعصوم شاخصة ناطقة؛ بحيث لو طلبها مَنْ شاء من أهل ذلك الدين وغيرهم، ونظر في حجّتها بموضوعية تامّة، بعيداً عن التعصّب والعناد، لوصل إليها.

ونتيجة لذلك لا بدّ من كون الخلاف للحقّ، والخروج عنه ليس لقصور في بيانه وخفاء فيه، بل عن تقصير من الخارج بعد البيّنة، وقيام الحجّة الكافية على الحقّ.

كما قال الله تعالى:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ

١٥١

وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاس فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) (١) .

وقال سبحانه:( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ) (٢) .

وقال (عزّ وجلّ):( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (٣) .

وقال تعالى:( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ) (٤) .

وفي حديث العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلّا هالك»(٥) ... إلى غير ذلك.

____________________

١ - سورة البقرة/٢١٣.

٢ - سورة آل عمران/١٩.

٣ - سورة آل عمران/١٠٥.

٤ - سورة طه/١٣٤.

٥ - مسند أحمد ٤/١٢٦ حديث العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واللفظ له، تفسير القرطبي ٧/١٣٨ - ١٣٩. سنن ابن ماجة ١/١٦ باب اتّباع الخلفاء الراشدين المهديين، المستدرك على الصحيحين ١/٩٦ كتاب العلم، السنة - لابن أبي عاصم ١/١٩، ٢٦ - ٢٧، المعجم الكبير ١٨/٢٤٧ في ما رواه عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية، وص ٢٥٧ في ما رواه حبير بن نفير عن العرباض، مسند الشاميين ٣/١٧٣، الترغيب والترهيب - للمنذري ١/٤٧، مصباح الزجاجة ١/٥ كتاب اتّباع السُنّة، وغيرها من المصادر الكثيرة.

هكذا روي الحديث في هذه المصادر. لكن رواه الشيخ الجليل الحسن بن أبي الحسن الديلمي كما بلي: «قال العرباض بن ساربة: وعظنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) موعظة ذرفت العيون، ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ قال: لقد تركتكم على الحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ بعدها إلا هالك. ومن يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بما عرفتم من سنتي بعدي، وسنة الخلفاء الراشدين =

١٥٢

لا ملزم بوضوح معالم الدين بعد نسخه

نعم، إنّما يلزم على الله (عزّ وجلّ) إبقاء الحجّة ووضوح معالم الحقّ في الدين الذي يقع الاختلاف فيه مادام ذلك الدين مشروعاً نافذاً على الناس، بحيث يجب عليهم التديّن به، والعمل بأحكامه.

أمّا إذا انتهى أمده، ونُسخ بدين جديد - يجب على الناس التدين به، والعمل بأحكامه - فلا ملزم ببقاء الحجّة الواضحة على دعوة الحقّ في الدين المنسوخ، ولا محذور في ضياع معالمه.

بل لا أثر عملي لظهور دعوة الحقّ في الدين المنسوخ ووضوح حجّته بعد عدم وجوب اعتناقه، والتدين به، ولا محذور في انفراد دعوة الباطل من ذلك الدين في الساحة؛ إذ يكفي في تحقّق حكمة جعل الدين، ودفع محذور العقاب بلا بيان، سماع دعوة الدين الجديد الناسخ - الذي يجب التديّن به واتّباعه - ووضوح معالمه، وقيام الحجّة عليه، كما هو ظاهر.

كون الإسلام خاتم الأديان يستلزم بقاء معالمه ووضوح حجّته

وبذلك يظهر اختلاف دين الإسلام العظيم عن بقيّة الأديان؛ إذ حيث كان هو الدين الخاتم الذي ليس بعده دين، والذي يجب على الناس اعتناقه والتديّن به مادام الإنسان يعمر الأرض، فلا بدّ من بقاء دعوة الحقّ فيه مسموعة الصوت، ظاهرة الحجّة ما بقيت الدنيا.

وهو ما حصل بتسديد الله (عزّ وجلّ) ورعايته، وبجهود وتضحيات أهل

____________________

= من أهل بيتي، فعضوا عليهم بالنواجذ، وأطيعوا الحق ولو كان صاحبه عبداً حبشياً، فإن المؤمن كالجمل الآلوف حيثما قيد استقاد». إرشاد القلوب ج: ١ ص: ٣٧ الباب الخامس: في التخويف والترهيب.

١٥٣

البيت (صلوات الله عليهم) الذين ائتمنهم تعالى على دينه، وجعلهم - مع كتابه المجيد - مرجعاً للأُمّة فيه، وما استتبع ذلك من جهود وتضحيات شيعتهم ومواليهم الذين آمنوا بقيادتهم، وتفاعلوا معهم دينياً وعاطفياً.

وكان لنهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، وتضحياته الجسيمة أعظم الأثر في ذلك، كما نرجو إيضاحه في حديثنا هذا بعون من الله تعالى وتوفيقه وتسديده.

هذا وسوف يتّضح إن شاء الله تعالى أنّ الخطر الذي تصدى الإمام الحسين (عليه السّلام) لدفعه لم ينشأ من استيلاء الأمويين على الحكم، أو استيلاء يزيد عليه خاصة، غاية الأمر أن يكون الخطر قد تفاقم بذلك، أو أنّ الفرصة قد سنحت للتصدّي لذلك الخطر، ولم تسنح قبل ذلك.

وكيف كان فالحديث:

أوّلاً: في اتّجاه مسيرة الإسلام بعد الانحراف عن خطّ أهل البيت (صلوات الله عليهم)، واستيلاء غيرهم على السلطة، وما من شأنه أن يترتّب على الانحراف المذكور لو لم يكبح جماحه.

وثانياً: في جهود أهل البيت (صلوات الله عليهم) في كبح جماح الانحراف من أجل خدمة دعوة الإسلام بكيانه العام. فالكلام في مبحثين:

١٥٤

المبحث الأوّل

فيما من شأنه أن يترتّب على انحراف مسار

السلطة في الإسلام لو لم يكبح جماحها

من الطبيعي أن يجري الله (عزّ وجلّ) في دين الإسلام القويم تشريعاً على سنن الأديان السابقة، فلا يتركه بعد ارتحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للرفيق الأعلى عرضة للاختلاف والاجتهادات المتضاربة، بل يوكله للمعصومين الذين يؤمن عليهم الخطأ والاختلاف.

بل هو أولى من الأديان السابقة بذلك بعد أن كان هو الدين الخاتم الذي لا ينتظر أن يشرّع بعده دين ونبوّة تصحّح الأخطاء والخلافات التي تحصل بين معتنقيه، كما تصدّى هو لتصحيح الأخطاء والخلافات التي حصلت بين معتنقي الأديان السابقة عليه.

قال الله (عزّ وجلّ):( تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (١) .

وقال تعالى:( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) (٢) .

____________________

١ - سورة النحل/٦٣ - ٦٤.

٢ - سورة النمل/٧٦ - ٧٧.

١٥٥

وقال سبحانه:( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (١) ... إلى غير ذلك.

وقد كان المعصومون الذين أوكل الله تعالى دينه العظيم إليهم، وجعلهم مرجعاً للأُمّة فيه، هم الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السّلام)، أوّلهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم إمام العصر والزمان الحجّة بن الحسن المهدي المنتظر (صلوات الله عليهم أجمعين).

ولسنا الآن بصدد إثبات ذلك، بل هو موكول لعلم الكلام، وكتب العقائد الكثيرة، ومنها كتابنا (أصول العقيدة).

ولأهمية أمر الإمامة في الدين فقد أكّد الكتاب المجيد والسُنّة النبويّة الشريفة على أمور:

وجوب معرفة الإمام والإذعان بإمامته

الأوّل: وجوب معرفة الإمام والبيعة له؛ فقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «مَنْ مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»(٢) ، أو: «مَنْ مات بغير إمام مات ميتة جاهلية»(٣) ، أو: «مَنْ مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة

____________________

١ - سورة المائدة/١٥.

٢ - كمال الدين وتمام النعمة/٤٠٩، كفاية الأثر/٢٩٦، إعلام الورى بأعلام الهدى ٢/٢٥٣، ينابيع المودّة ٣/٣٧٢، الجواهر المضية في طبقات الحنفية ٢/٤٥٧، وغيرها من المصادر.

٣ - مسند أحمد ٤/٩٦ حديث معاوية بن أبي سفيان، حلية الأولياء ٣/٢٢٤ في ترجمة زيد بن أسلم، المعجم الكبير ١٩/٣٨٨ في ما رواه شريح بن عبيد عن معاوية، مسند الشاميين ٢/٤٣٧ ما انتهى إلينا من مسند ضمضم بن زرعة، ما رواه ضمضم عن شريح بن عبيد، مجمع الزوائد ٥/٢١٨ كتاب الخلافة، باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمّة والنهي عن قتالهم، مسند أبي داود الطيالسي/٢٥٩ ما رواه أبو سلمة عن ابن عمر، كنز العمّال ١/١٠٣ ح ٤٦٤، و٦/٦٥ ح ١٤٨٦٣، علل الدارقطني ٧/٦٣ من حديث الصحابة عن معاوية (رضي الله عنه)، وغيرها من المصادر.

١٥٦

جاهلية»(١) ، أو نحو ذلك.

وجوب طاعة الإمام وموالاته والنصيحة له

الثاني: وجوب الطاعة لأولياء أمور المسلمين وأئمّتهم، وموالاتهم والنصيحة لهم. قال الله (عزّ وجلّ):( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (٢) .

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته في مسجد الخيف: «ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمّة المسلمين، واللزوم لجماعتهم؛ فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم...»(٣) ... إلى غير ذلك ممّا يفوق حدّ الإحصاء.

____________________

١ - صحيح مسلم ٦/٢٢ كتاب الإمارة، باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن، السنن الكبرى ٨/١٥٦ كتاب قتال أهل البغي، جماع أبواب الرعاة، باب الترغيب في لزوم الجماعة والتشديد على من نزع يده من الطاعة، مجمع الزوائد ٥/٢١٨ كتاب الخلافة، باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمّة والنهي عن قتالهم، السُنّة - لابن أبي عاصم/٤٨٩ ح ١٠٥٧، وص ٥٠٠ ح ١٠٨١، المعجم الكبير ١٩/٣٣٤ في ما رواه ذكوان أبو صالح السمان عن معاوية، فتح الباري ١٣/٥، كنز العمّال ٦/٥٢ ح ١٤٨١٠، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٢ - سورة النساء/٥٩.

٣ - الكافي ١/٤٠٣، واللفظ له، سنن الترمذي ٥/٣٤ كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، باب ما جاء في الحثّ على تبليغ السماع، سنن ابن ماجة ١/٨٤ باب من بلغ علم، المستدرك على الصحيحين ١/٨٧ كتاب العلم، مسند أحمد ٤/٨٢ في حديث جبير بن مطعم، صحيح ابن حبان ١/٢٧٠ كتاب العلم، باب الزجر عن كتبة المرء السنن مخافة أن يتكل عليها دون الحفظ لها، ذكر رحمة الله (جلّ وعلا) من بلغ الأُمّة حديثاً صحيحاً عنه، مجمع الزوائد ١/١٣٧ - ١٣٩ كتاب العلم، باب في سماع الحديث وتبليغه، الأحاديث المختارة ٦/٣٠٨ في ما رواه عقبة بن وساج عن أنس، سنن الدارمي ١/٧٥ باب الاقتداء بالعلماء، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً.

١٥٧

لزوم جماعة المسلمين والمؤمنين وحرمة التفرّق

الثالث: لزوم جماعة الأئمّة التي هي جماعة المؤمنين، واتّباع سبيلهم، والنهي عن الاختلاف والتفرّق، قال الله تعالى:( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ) (١) .

وقال (عزّ وجلّ):( وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (٢) .

وقال سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) (٣) .

وكذا ما سبق من خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد الخيف، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»(٤) .

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «أنا آمركم بخمس، الله أمرني بهنّ: بالجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله؛ فإنّه مَنْ خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلى أن يرجع...»(٥) ... إلى غير ذلك.

____________________

١ - سورة آل عمران/١٠٣.

٢ - سورة آل عمران/١٠٥.

٣ - سورة الأنعام/١٥٩.

٤ - صحيح البخاري ١/٣٨ كتاب العلم، باب الإنصات للعلماء، و٢/١٩١ - ١٩٢ كتاب الحجّ، باب الخطبة أيام منى، و٥/١٢٦ كتاب المغازي، باب حجّة الوداع، و٧/١١٢ كتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرجل ويلك، و٨/١٦ كتاب الحدود، باب الحدود كفّارة، وص ٣٦ كتاب الديات، وص ٩١ كتاب الفتن، باب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، صحيح مسلم ١/٥٨ كتاب الإيمان، باب لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، و٥/١٠٨ كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، وغيرهما من المصادر الكثيرة جدّاً.

٥ - مسند أحمد ٤/٢٠٢ حديث الحارث الأشعري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واللفظ له، و٥/٣٤٤ حديث أبي مالك الأشعري، سنن الترمذي ٤/٢٢٦ أبواب الأمثال عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، باب ما جاء مثل الصلاة والصيام والصدقة، المستدرك على الصحيحين ١/١١٧ كتاب العلم، الحديث الرابع فيما =

١٥٨

وقد أجمع الجمهور على حرمة الخروج على الإمام العادل - فضلاً عن المعصوم - وأنّ الخارج عليه باغٍ يجب على المسلمين قتاله حتى يفيء للطاعة.

قال الله (عزّ وجلّ):( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ ) (١) .

أهمية هذه الأمور في نظم أمر الدين والمسلمين

وبالتأكيد على هذه الأمور يُقطع الطريق تشريعياً على مَنْ يحاول زرع الأشواك في طريق الإمام المعصوم وإتعابه، وعلى مَنْ يتوهّم أو يختلق المبرّرات لمخالفة أمره، فضلاً عن الخروج عليه والانحياز عن جماعته.

وهو أمر ضروري في مسيرة دولة الحقّ؛ لأنّ الدولة لا تقوم إلّا بالطاعة المطلقة، إذ كثيراً ما يخفى على الرعية وجه الحكمة في موقف الإمام المعصوم من الأحداث. نظير ما حدث للمسلمين مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية وغيره.

فإذا فتح باب الاجتهاد والخلاف على الإمام عاقه ذلك عن أداء وظيفته، وتيسّر للمنحرفين والنفعيين اختلاق المبرّرات لمخالفته والخروج عليه، كما هو ظاهر، وقد حاولنا توضيح ذلك عند الاستدلال على وجوب عصمة الإمام من كتابنا (أصول العقيدة).

____________________

= يدلّ على أن إجماع العلماء حجّة، السنن الكبرى - للبيهقي ٨/١٥٧ كتاب قتال أهل البغي، باب الترغيب في لزوم الجماعة والتشديد على من نزع يده من الطاعة، صحيح ابن خزيمة ٣/١٩٦ كتاب الصيام، باب ذكر تمثيل الصائم في طيب ريحه بطيب ريح المسك إذ هو أطيب الطيب، مجمع الزوائد ٥/٢١٧ كتاب الخلافة، باب لزوم الجماعة وطاعة الأئمّة والنهي عن قتالهم، المصّنف - لعبد الرزاق ٣/١٥٧ كتاب الصلاة، باب تزيين المساجد والممر في المسجد، المصنّف - لابن أبي شيبة ٧/٢٢٧ كتاب الإيمان والرؤية، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً.

١ - سورة الحجرات/٩.

١٥٩

طاعة الإمام المعصوم مأمونة العاقبة على الدين والمسلمين

كما إنّ الطاعة المذكورة مأمونة العاقبة على الدين والمسلمين بعد فرض عصمة الإمام، وكونه مسدّداً من قبل الله (عزّ وجلّ).

كما قالت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه) في بيان حال الأُمّة لو وليها أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام): «وتالله، لو مالوا عن المحجّة اللائحة، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة، لردّهم إليها وحملهم عليها، ولسار بهم سيراً سجحاً لا يكلم حشاشه، ولا يكِلّ سائره، ولا يمُلّ راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً روياً تطفح ضفتاه، ولا يترنق جانباه، ولأصدرهم بطاناً، ونصح لهم سراً وإعلاناً»(١) .

طاعة الإمام ولزوم جماعته مدعاة للطفّ الإلهي

بل الطاعة المذكورة مدعاة للطفّ الإلهي والفيض الربّاني على الأُمّة بعد أن اجتمعت على طاعة الله (عزّ وجلّ)، وانضمّت تحت راية عدله التي رفعها له. كما قال الله (عزّ وجلّ):( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ) (٢) .

وقال سبحانه تعالى:( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ) (٣) .

وقال سلمان الفارسي: لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت

____________________

١ - راجع ملحق رقم ٢.

٢ - سورة الأعراف/٩٦.

٣ - سورة المائدة/٦٥ - ٦٦.

١٦٠