فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها0%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 247718
تحميل: 4881

توضيحات:

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247718 / تحميل: 4881
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ملحاً أُجاجأً، واستسقاه الخليفة فسقاه عذباً فراتاً(١) .

وخطب أيضاً فقال: قد جئتكم بماء الغادية لا يشبه ماء أُمّ الخنافس، يعني زمزم(٢) .

وكان يقول: والله، لأمير المؤمنين أكرم على الله من أنبيائه(٣) .

وقال: أيّما أكرم عندكم على الرجل، رسوله في حاجته، أو خليفته في أهله؟ يعرض بأنّ هشاماً خير من النبي صلى الله عليه وآله وسلم(٤) .

وكان يقول حين أخذ سعيد بن جبير وطلق بن حبيب بمكة: كأنّكم أنكرتم ما صنعت؟! والله، لو كتب إليّ أمير المؤمنين أن أنقضها حجراً حجراً لفعلت، يعني الكعبة المعظّمة(٥) .

وأمر خالد ببناء بيعة لأُمّه فكُلّم في ذلك. فقال: نعم يبنونه. فلعنهم

____________________

١ - تاريخ الطبري ٥/٢٢٥ أحداث سنة تسع وثمانين من الهجرة، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/٥٣٦ أحداث سنة تسع وثمانين من الهجرة، ذكر ولاية خالد بن عبد الله القسري مكة، البداية والنهاية ٩/٩٢ أحداث سنة تسع وثمانين من الهجرة، تاريخ الإسلام ٦/٣٥ أحداث سنة تسع وثمانين من الهجرة، أخبار مكة ٣/٦٠ ذكر منبر مكة وأوّل من جعله وكيف كانوا يخطبون بمكة قبل أن يتخذ المنبر ومَنْ خطب عليه، الأغاني ٢٢/١٧ في أخبار خالد بن عبد الله، يتطاول على مقام النبوّة، وغيرها من المصادر.

٢ - أنساب الأشراف ٩/٥٨ في أمر خالد بن عبد الله القسري وغيره من ولاة العراق في أيام هشام، واللفظ له، تاريخ دمشق ١٦/١٦١ في ترجمة خالد بن عبد الله بن يزيد، سير أعلام النبلاء ٥/٤٢٩ في ترجمة القسري، بغية الطلب في تاريخ حلب ٧/٣٠٨٥ في ترجمة خالد بن عبد الله بن يزيد، وقريب منه في الروض المعطار في خبر الأقطار ١/٢٩٣ في الكلام عن زمزم.

٣ - الأغاني ٢٢/١٧ في أخبار خالد بن عبد الله، يتطاول على مقام النبوّة.

٤ - الأغاني ٢٢/١٧ - ١٨ في أخبار خالد بن عبد الله، يتطاول على مقام النبوّة، وقريب منه في الكامل في التاريخ ٥/٢٨٠ أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة، ذكر قتل خالد بن عبد الله القسري.

٥ - أنساب الأشراف ٩/٥٩ في أمر خالد بن عبد الله القسري وغيره من ولاة العراق في أيام هشام، واللفظ له، تاريخ دمشق ١٦/١٦١ في ترجمة خالد بن عبد الله بن يزيد، سير أعلام النبلاء ٥/٤٢٩ في ترجمة القسري، بغية الطلب في تاريخ حلب ٧/٣٠٨٥ في ترجمة خالد بن عبد الله بن يزيد، الأغاني ٢٢/١٧ في أخبار خالد بن عبد الله يتطاول على مقام النبوّة، وغيرها من المصادر.

٢٤١

الله إن كان دينها شرّاً من دينكم(١) . واتّخذ كنيسة لأُمّه في قصر الإمارة...، وأمر المؤذّنين أن لا يؤذّنوا حتى يضرب النصارى بنواقيسهم(٢) ... إلى غير ذلك ممّا يدلّ على استخفافه بالدين.

١٨- وذكر ابن عائشة أنّ خالد بن سلمة بن العاص بن هشام المخزومي المعروف بالفأفاء كان ينشد بني مروان الأشعار التي هُجي بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم(٣) .

١٩- وفي حديث جابر الجعفي عن زيد بن علي بن الحسين (عليهم السّلام) في أمر خروجه قال: يا جابر، لا يسعني أن أسكن وقد خولف كتاب الله، وتحوكم إلى الجبت والطاغوت؛ وذلك أنّي شهدت هشاماً ورجل عنده يسبّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقلت للسّاب: ويلك يا كافر! أما إنّي لو تمكّنت منك لاختطفت روحك وعجّلتك إلى النار. فقال لي هشام: مه عن جليسنا يا زيد...(٤) .

٢٠- وكان بنو أُميّة في ملكهم يؤذّنون ويقيمون في صلاة العيد(٥) . وروي أنّ أوّل مَنْ أحدثه منهم معاوية(٦) .

____________________

١ - أنساب الأشراف ٩/٦٠ في أمر خالد بن عبد الله القسري وغيره من ولاة العراق في أيام هشام، ونظيره في الكامل في التاريخ ٥/٢٨٠ أحداث سنة ست وعشرين ومئة من الهجرة، ذكر قتل خالد بن عبد الله القسري.

٢ - أنساب الأشراف ٩/٦٣ في أمر خالد بن عبد الله القسري وغيره من ولاة العراق في أيام هشام، وقريب منه في الأغاني ٢٢/١٤ في أخبار خالد بن عبد الله، يتطاول على مقام النبوّة.

٣ - تهذيب التهذيب ٣/٨٤ في ترجمة خالد بن سلمة بن العاص، العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل/٩٣ باب تعديل الفسّاق.

٤ - مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/١١٣.

٥ - شرح نهج البلاغة ١٥/٢٤٠، المحلّى ٥/٨٢ صلاة العيدين، مسألة ٥٤٣، الاستذكار - لابن عبد البر ٢/٣٧٨ كتاب العيدين، باب العمل في غسل العيدين والنداء فيهما والإقامة، تاريخ الطبري ٦/٢٦ أحداث سنة تسع وعشرين ومئة من الهجرة، الكامل في التاريخ ٥/٣٥٩ أحداث سنة تسع وعشرين ومئة من الهجرة، وغيرها من المصادر.

٦، المصنّف - لابن أبي شيبة ٢/٧٥ كتاب صلاة العيدين، مَنْ قال ليس في العيدين أذان ولا إقامة، =

٢٤٢

٢١- وقد قدموا الخطبة في صلاة العيد أيضاً. وأوّل مَنْ قام بذلك عثمان(١) ، أو معاوية(٢) ، أو مروان(٣) ، وروي أنّه سبقهم إلى ذلك عمر بن الخطاب(٤) .

٢٢- كما كان بنو أُميّة يبيعون الرجل في الدين يلزمه، وعقوبة على جرم منه، ويرون أنّه يصير رقيقاً. قال ابن أبي رؤبة الدباس في كتاب افتراق هاشم وعبد شمس: كان معن أبو عمير بن معن الكاتب حرّاً مولى لبني العنبر، فبيع في دين عليه فاشتراه أبو سعيد بن زياد بن عمرو العتكي، وباع الحجّاج علي بن بشير بن الماحوز - لكونه قتل رسول المهلّب - على رجل من الأزد(٥) .

____________________

= و٨/٣٢٨ كتاب الأوائل، باب أوّل ما فعل ومن فعله، نيل الأوطار ٣/٣٦٤، عمدة القاريء ٦/٢٨٢، فيض القدير ٥/٢٦٨، سبل السلام ٢/٦٧، تحفة الأحوذي ٣/٦٢، وغيرها من المصادر الكثيرة.

١ - المصنّف - لعبد الرزاق ٣/٢٨٤ كتاب صلاة العيدين، باب أوّل مَنْ خطب ثمّ صلّى، نيل الأوطار ٣/٣٦٢ كتاب العيدين، باب صلاة العيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وما يُقرأ فيه.

٢ - المصنّف - لعبد الرزاق ٣/٢٨٤ كتاب صلاة العيدين، باب أوّل مَنْ خطب ثمّ صلّى، فتح الباري ٢/٣٧٦، نيل الأوطار ٣/٣٦٣ كتاب العيدين، باب صلاة العيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وما يُقرأ فيه، سبل السلام ٢/٦٦ كتاب الصلاة، باب صلاة العيدين، وغيرها من المصادر.

٣ - المصنّف - لعبد الرزاق ٣/٢٨٥ كتاب صلاة العيدين، باب أوّل مَنْ خطب ثمّ صلّى، المصنّف - لابن أبي شيبة ٢/٧٧ كتاب صلاة العيدين، مَنْ رخّص أن يخطب قبل الصلاة، نيل الأوطار ٣/٣٦٣ كتاب العيدين، باب صلاة العيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وما يُقرأ فيه، وغيرها من المصادر.

٤ - فقد روي عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: أوّل مَنْ بدأ بالخطبة قبل الصلاة يوم الفطر عمر بن الخطاب لما رأى الناس ينقصون، فلمّا صلّى حبسهم في الخطبة، المصنّف - لعبد الرزاق ٣/٢٨٣ كتاب صلاة العيدين، باب أوّل مَنْ خطب ثمّ صلّى، وقريب منه في المصنّف - لابن أبي شيبة ٢/٧٧ كتاب صلاة العيدين، مَنْ رخّص أن يخطب قبل الصلاة، وقد نبّه إلى ذلك في نيل الأوطار ٣/٣٦٣ كتاب العيدين، باب صلاة العيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة وما يُقرأ فيه.

٥ - شرح نهج البلاغة ١٥/٢٤٢.

٢٤٣

٢٣- وكانوا يسبون ذراري الخوارج وغيرهم، ويسترقّونهم كما تُسترقّ الكفّار. قال ابن أبي رؤبة الدباس في كتابه المذكور: لما قُتل قريب وزحاف الخارجيان سبى زياد ذراريهم، فأعطى شقيق بن ثور السدوسي إحدى بناتهم، وأعطى عباد بن حصين الأخرى.

وسُبيت بنت لعبيدة بن هلال اليشكري، وبنت لقطري بن فجاءة المازني، فصارت هذه إلى العباس بن الوليد بن عبد الملك، واسمها أُمّ سلمة، فوطئها بملك اليمين على رأيهم، فولدت له المؤمّل ومحمداً وإبراهيم وأحمد وحصيناً بني عباس بن الوليد بن عبد الملك.

وسُبي واصل بن عمرو القن واستُرق، وسُبي سعيد الصغير الحروري واستُرق، وأُمّ يزيد بن عمر بن هبيرة، وكانت من سبي عمان الذين سباهم مجاعة(١) .

وقال ابن أعثم عن واقعة العقر حيث حارب بنو مروان بني المهلّب بقيادة مسلمة بن عبد الملك: ثمّ حلف مسلمة أنّه يبيع نساءهم وأولادهم بيع العبيد والإماء. فقام إليه الجراح بن عبد الله الحكمي، فقال: أصلح الله الأمير، فإنّي قد اشتريتهم منك بمئة ألف درهم؛ تبرئة ليمينك. فقال مسلمة أخزاه الله: قد بعتك إيّاهم. قال: ثمّ استحى مسلمة أن يبيع قوماً أحرار. فقال للجراح: أقلني من بيعتي. قال: قد أقلتك أيّها الأمير، فأعتقهم مسلمة وخلّى سبيلهم، وألحقهم بقومهم بالبصرة(٢) .

ويناسب ذلك من معاوية أمران:

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١٥/٢٤١ - ٢٤٢.

٢ - الفتوح - لابن أعثم ٨/٢٥٧ خلافة يزيد بن عبد الملك، ذكر فتنة يزيد بالبصرة ومبايعة يزيد بن المهلّب.

٢٤٤

الأوّل: إنّه في حرب صفين نذر في سبي نساء ربيعة وقتل المقاتلة، فقال في ذلك خالد بن المعمر:

تمنّى ابن حربٍ نذرة في نسائنا

ودونَ الذي ينوي سيوف قواضبِ

ونمنحُ ملكاً أنتَ حاولتَ خلعه

بني هاشم قولُ امرئ غيرُ كاذبِ(١)

الثاني : إنّه بعد التحكيم بعث بسر بن أرطاة مُغيراً على الحرمين واليمن، فأغار على همدان وسبى نساءهم فكنّ أوّل نساء مسبيّات في الإسلام(٢) .

وعن أبي رباب وصاحب له أنّهما سمعا أبا ذرّ (رضي الله عنه) يدعو ويتعوّذ في صلاة صلاها، أطال قيامها وركوعها وسجودها. قال: فسألناه مِمَّ تعوّذت وفيمَ دعوت؟ فقال: تعوّذت بالله من يوم البلاء ويوم العورة. فقلنا: وما ذاك؟ قال: أمّا يوم البلاء فتلتقي فتيان [فئتان] من المسلمين فيقتل بعضهم بعضاً، وأمّا يوم العورة فإنّ نساءً من المسلمات ليسبينّ، فيُكشف عن سوقهنّ، فأيّتهنّ كانت أعظم ساقاً اشتُريت على عظم ساقها؛ فدعوت الله أن لا يدركني هذا الزمان، ولعلّكما تدركانه. قال: فقُتل عثمان، ثمّ أرسل معاوية بسر بن أرطاة إلى اليمن فسبى نساءً مسلمات فأقمنَ في السوق(٣) .

كما يناسب ذلك أيضاً من ابنه يزيد أمران:

____________________

١ - وقعة صفين/٢٩٤.

٢ - الاستيعاب ١/١٦١ في ترجمة بسر بن أرطأة، أسد الغابة ١/١٨٠ في ترجمة بسر بن أرطأة، الوافي بالوفيات ١٠/٨١ في ترجمة بسر بن أرطأة.

٣ - الاستيعاب ١/١٦١ في ترجمة بسر بن أرطأة، واللفظ له، المصنّف - لابن أبي شيبة ٨/٦٧٢ كتاب المغازي، ما ذكر في فتنة الدجّال، الوافي بالوفيات ١٠/٨١ - ٨٢ في ترجمة بسر بن أرطأة، ونحوه مختصراً في تاريخ الإسلام ٥/٣٦٩ في ترجمة بسر بن أبي أرطأة.

٢٤٥

الأوّل : ما جرى منه مع عائلة الإمام الحسين (صلوات الله عليه). فعن فاطمة بنت الإمام الحسين (عليه السّلام) أنّها قالت: لما أُدخلنا على يزيد ساءه ما رأى من سوء حالنا... قالت: فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر، وقال له: يا أمير المؤمنين، هبّ لي هذه الجارية، يعنيني... فارتعدت وفرقت، وظننت أن ذلك يجوز لهم، فأخذت بثياب أُختي وعمّتي زينب. فقالت عمّتي: كذبت والله ولؤمت، ما ذلك لك ولا له. فغضب يزيد وقال: بل أنتِ كذبتِ، إنّ ذلك لي، ولو شئت فعلته. قالت: كلاّ والله ما جعل لك ذلك، إلّا أن تخرج من ملّتنا، وتدين بغير ديننا.

فقال: إيّاي تستقبلين بهذا؟! إنّما خرج من الدين أبوكِ وأخوكِ. قالت زينب: بدين الله ودين أبي وجدّي اهتديت إن كنت مسلماً. فقال: كذبتِ يا عدوّة الله. قالت زينب: أمير مسلّط يشتم ظالماً، ويقهر بسلطانه. اللّهمّ إليك أشكو دون غيرك. فاستحيى يزيد، وندم وسكت مطرقاً.

وعاد الشامي إلى مثل كلامه... فقال له يزيد: اعزب عنّي لعنك الله، ووهب لك حتفاً قاضياً! ويلك لا تقل ذلك؛ فهذه بنت علي وفاطمة، وهم أهل بيت لم يزالوا مبغضين لنا منذ كانوا(١) .

الثاني : ما حصل من قائد جيشه في المدينة المنوّرة بعد واقعة الحرّة حيث

____________________

١ - مقتل الحسين - للخوارزمي ٢/٦٢، واللفظ له، الإرشاد ٢/١٢١، إعلام الورى بأعلام الهدى ١/٤٧٤ - ٤٧٥ الباب الثاني، الفصل الرابع، مثير الأحزان/٨٠، وغيرها من المصادر.

وأُسندت الحادثة لفاطمة بنت أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في الأمالي - للصدوق/٢٣١ المجلس الحادي والثلاثون، وتاريخ الطبري ٤/٣٥٣ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، والكامل في التاريخ ٤/٨٦ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، والبداية والنهاية ٨/٢١١ - ٢١٢ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، وتاريخ دمشق ٦٩/١٧٦ - ١٧٧ في ترجمة زينب الكبرى بنت علي بن أبي طالب، وغيرها من المصادر.

٢٤٦

أخذ الناس بالبيعة على أنّهم عبيد ليزيد(١) .

وقد سبقهم إلى ذلك خالد بن الوليد حيث سبى في أوّل خلافة أبي بكر بني حنيفة قوم مالك بن نويرة بعد أن قتله في قضية مشهورة.

لكنّ ذلك أحدث لغطاً بين المسلمين، فلمّا قدم متمم بن نويرة على أبي بكر يطلب بدم أخيه، ويسأله أن يردّ عليهم سبيهم، ودى أبو بكر مالكاً من بيت المال وأمر بردّ السبي(٢) .

هذا وربما يجد المتتبع كثيراً من مفردات تحكّم الأمويين في الدين وتحريفهم له، ولا يسعنا فعلاً استقصاء ذلك.

٢٤- ومن شواهد تعتيمهم على الحقائق وتشويهها وقلبها ما روي من أنّ عمر بن عبد العزيز كان يلعن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، فسمعه معلّمه مرّة فقال له: متى علمت أنّ الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم؟! فقال له عمر: وهل كان علي من أهل بدر؟ قال: ويحك! وهل كانت بدر كلّها إلّا له؟!(٣) .

____________________

١ - تقدّمت مصادره في/١٢٦.

٢ - الكامل في التاريخ ٢/٣٥٩ أحداث سنة إحدى عشرة من الهجرة، ذكر مالك بن نويرة، إمتاع الأسماع ١٤/٢٤٠، تاريخ دمشق ١٦/٢٥٧ في ترجمة خالد بن الوليد، تاريخ الإسلام ١/٣٧ مقتل مالك بن نويرة، وص ٣٧٧ في ترجمة خالد بن الوليد، الإصابة ٥/٥٦٠ في ترجمة مالك بن نويرة، تاريخ الطبري ٢/٥٠٣ أحداث السنة الحادية عشرة من الهجرة، ذكر البطاح وخبره، شرح نهج البلاغة ١٧/٢٠٦ - ٢٠٧، سير أعلام النبلاء ١/٣٧٧ في ترجمة خالد بن الوليد، وغيرها من المصادر الكثيرة.

وقريب منه في أسد الغابة ٤/٢٩٦ في ترجمة مالك بن نويرة، وتاريخ خليفة بن خياط/٦٨ أحداث سنة إحدى عشر من الهجرة، الردّة، وتاريخ دمشق ١٦/٢٥٦ في ترجمة خالد بن الوليد، وغيرها من المصادر.

٣ - شرح نهج البلاغة ٤/٥٨ - ٥٩، وقد ذكر مختصراً في تاريخ دمشق ٤٥/١٣٦ في ترجمة عمر بن عبد العزيز، وسير أعلام النبلاء ٥/١١٧ في ترجمة عمر بن عبد العزيز، وتاريخ الإسلام =

٢٤٧

٢٥- وحين حضرت وفود الأنصار بباب معاوية، وخرج إليهم حاجبه سعد أبو درّة، قال له: استأذن لنا. فدخل، وقال لمعاوية: الأنصار بالباب. وكان عنده عمرو بن العاص فضاق بهذا اللقب الذي عرفوا به نتيجة جهودهم العظيمة في نصر الإسلام، وثبت لهم في الكتاب المجيد والسنة الشريفة، وقال لمعاوية: ما هذا اللقب الذي جعلوه نسباً؟! أرددهم إلى نسبهم.

فقال معاوية: إنّ علينا في ذلك شناعة. قال: وما في ذلك؟! إنّما هي كلمة مكان كلمة، ولا مردّ له. فقال له معاوية: اخرج فنادِ: مَنْ بالباب من ولد عمرو بن عامر فليدخل. فخرج فنادى بذلك، فدخل مَنْ كان هناك منهم سوى الأنصار. فقال له: اخرج فنادِ: مَنْ كان ههنا من الأوس والخزرج فليدخل. فخرج فنادى ذلك. فوثب النعمان بن بشير فأنشأ يقول:

يا سعدُ لا تُعِدِ الدعاءَ فما لنا

نسبٌ نجيبُ به سوى الأنصارِ

نسبٌ تخيّرهُ الإلهُ لقومنا

أثقِل به نسباً على الكفّارِ

إنّ الذينَ ثووا ببدرٍ منكم

يومَ القليبِ هم وقودُ النارِ

وقام مغضباً فانصرف. فبعث معاوية فردّه وترضّاه، وقضى حوائجه وحوائج مَنْ حضر معه من الأنصار(١) .

٢٦- ومرّ سليمان بن عبد الملك بالمدينة - وهو ولي عهد - فأمر أبان بن عثمان أن يكتب له سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومغازيه، فقال أبان: هي عندي قد أخذتها مصحّحة ممّن أثق به. فأمر بنسخه، وألقى فيها إلى عشرة من الكتاب فكتبوها في رق، فلمّا صارت إليه نظر، فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين، وذكر الأنصار

____________________

= ٧/١٨٨ في ترجمة عمر بن عبد العزيز، والوافي بالوفيات ٢٢/٣١٢ في ترجمة عمر بن عبد العزيز، والبداية والنهاية ٩/٢١٨ أحداث سنة إحدى ومئة من الهجرة، في ترجمة عمر بن عبد العزيز، والسيرة الحلبية ٢/٤٧٠، وغيرها من المصادر.

١ - الأغاني ١٦/٤٨ أخبار النعمان بن بشير ونسبه، الأنصار خير ألقاب أهل المدينة.

٢٤٨

في بدر، فقال: ما كنت أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل. فإمّا أن يكون أهل بيتي غمصوا عليهم، وإمّا أن يكونوا ليس هكذا...، ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتى أذكره لأمير المؤمنين، لعلّه يخالفه؟! فأمر بذلك الكتاب فخُرّق.

ولما رجع إلى أبيه أخبره، فقال عبد الملك: وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل؟! تريد أن تُعرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها؟! قال سليمان: فلذلك يا أمير المؤمنين أمرت بتخريق ما كنت نسخته... فصوّب رأيه(١) .

٢٧- وقال إسماعيل بن عياش: سمعت حريز بن عثمان يقول: هذا الذي يرويه الناس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لعلي: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» حق، ولكن أخطأ السامع. قلت: فما هو؟ قال: إنّما هو أنت منّي بمنزلة قارون من موسى. قلت: عمّن ترويه؟ قال: سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر(٢) .

٢٨- وحكى الأزدي في الضعفاء أنّ حريزاً هذا روى أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد أن يركب بغلته جاء علي بن أبي طالب فحلّ حزام البغلة؛ ليقع النبي صلى الله عليه وآله وسلم(٣) .

٢٩- وعن أبي يحيى السكري قال: دخلت مسجد دمشق فرأيت في مسجدها خلقاً، فقلت: هذا بلد قد دخله جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

____________________

١ - الموفقيات/٣٣١ - ٣٣٣ خبر أبان بن عثمان يكتب سير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومغازيه.

٢ - تهذيب التهذيب ٢/٢٠٩ في ترجمة حريز بن عثمان، واللفظ له، تهذيب الكمال ٥/٥٧٧ في ترجمة حريز بن عثمان، تاريخ بغداد ٨/٢٦٢ في ترجمة حريز بن عثمان، تاريخ دمشق ١٢/٣٤٩ في ترجمة حريز بن عثمان، تاريخ الإسلام ١٠/١٢٢ في ترجمة حريز بن عثمان، النصائح الكافية/١١٧، وغيرها من المصادر.

٣ - تهذيب التهذيب ٢/٢٠٩ - ٢١٠ في ترجمة حريز بن عثمان، واللفظ له، الضعفاء والمتروكين - لابن الجوزي ١/١٩٧ في ترجمة حريز بن عثمان، النصائح الكافية/١١٧، وغيرها من المصادر.

٢٤٩

وعليهم، وملت إلى حلقة في المسجد في صدرها شيخ جالس فجلست إليه، فسأله رجل ممّن بين يديه، فقال: يا أبا المهلّب، مَنْ علي بن أبي طالب؟! قال: خنّاق، كان بالعراق، اجتمعت إليه جميعة فقصد أمير المؤمنين يحاربه فنصره الله عليه.

قال: فاستعظمت ذلك وقمت، فرأيت في جانب المسجد شيخاً يصلّي إلى سارية، حسن السمت والصلاة والهيئة، فقعدت إليه، فقلت له: يا شيخ، أنا رجل من أهل العراق، جلست إلى تلك الحلقة، وقصصت عليه القصّة. فقال لي: في هذا المسجد عجائب، بلغني أنّ بعضهم يطعن على أبي محمد حجّاج بن يوسف، فعلي بن أبي طالب مَنْ هو؟!(١) .

٣٠- وعن معمر أنّه قال: دخلت مسجد حمص، فإذا أنا بقوم لهم رواء فظننت بهم الخير؛ فجلست إليهم، فإذا هم ينتقصون علي بن أبي طالب ويقعون فيه، فقمت من عندهم فإذا شيخ يصلّي ظننت به خير؛ فجلست إليه. فلمّا حسّ بي جلس وسلّم، فقلت له: يا عبد الله، ما ترى هؤلاء القوم يشتمون علي بن أبي طالب وينتقصونه؟! وجعلت أحدّثه بمناقب علي بن أبي طالب، وأنّه زوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو الحسن والحسين، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال: يا عبد الله، ما لقي الناس من الناس، لو أنّ أحداً نجا من الناس لنجا منهم أبو محمد (رحمه الله)، هو ذا يُشتم ويُنتقص. قلت: ومَنْ أبو محمد؟! قال: الحجّاج بن يوسف (رحمه الله). وجعل يبكي. فقمت عنه، وقلت: لا أستحلّ أن أبيت به؛ فخرجت من يومي(٢) .

٣١- ولما سقطت الدولة الأموية أرسل عبد الله بن علي مشيخة من أهل الشام لأبي العباس السفّاح، فحلفوا له أنّهم لا يعرفون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قرابة غير

____________________

١ - تاريخ دمشق ١/٣٦٥ باب ذكر ما ورد في ذم أهل الشام وبيان بطلانه عند ذوي الأفهام.

٢ - تاريخ دمشق ١/٣٦٦ باب ذكر ما ورد في ذم أهل الشام وبيان بطلانه عند ذوي الأفهام.

٢٥٠

بني أُميّة(١) .

٣٢- ومن ذلك رفعهم من شأن الخلفاء، وأن الله عز وجل لا يحاسبهم على أعمالهم ولا يؤاخذهم بها.

مثل ما يأتي في حديث أبي عبيد الله، قال: «دخلت على أبي جعفر المنصور يوماً، فقال: إني أريد أن أسألك عن شيء، فاحلف بالله أنك تصدقني... فحلفت، فقال: ما قولك في خلفاء بني أمية؟ فقلت: وما عسيت أن أقول فيهم. إنه من كان منهم لله مطيعاً، وبكتابه عاملاً، ولسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم متبعاً، فإنه إمام يجب طاعته ومناصحته، ومن منهم على غير ذلك فلا. فقال: جئت بها - والذي نفسي بيده - عراقية. هكذا أدركت أشياخك من أهل الشام يقولون؟ قلت: لا، أدركتهم يقولون: إن الخليفة إذا استخلف غفر الله له ما مضى من ذنوبه. فقال لي المنصور: إي والله، وما تأخر من ذنوبه...»(٢) .

وفي حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: «لما توفي عمر بن عبد العزيز وولي يزيد بن عبد الملك قال: سيروا بسيرة عمر. قال: فأتي بأربعين شيخاً فشهدوا له ما على الخلفاء حساب ولا عذاب»(٣) .

وأمّا وضع الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره في عهدهم فهو أشهر من أن يحتاج إلى بيان، ويأتي التعرّض لطرف منه في المقام الثاني من المبحث الثاني إن شاء الله تعالى.

____________________

١ - سير أعلام النبلاء ٦/٧٩ في ترجمة السفّاح، وفيات الأعيان ٦/١٠١ - ١٠٢ في ترجمة هلال بن المحسن الصابئ، شرح نهج البلاغة ٧/١٥٩، وغيرها من المصادر.

٢- يأتي الحديث بتمامه مع مصادره في ص: ٣٣٤ - ٣٣٥.

٣- تاريخ مدينة دمشق ج: ٦٥ ص: ٣٠٤ في ترجمة يزيد بن عبد الملك بن مروان، واللفظ له. تاريخ الإسلام ج: ٧ ص: ٢٨٠ في ترجمة يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم. تاريخ الخلفاء ص: ٢٤٦ في ترجمة يزيد بن عبد الملك بن مروان. وغيرها من المصادر.

٢٥١

ولا ينبغي أن يستُغرب شيء من ذلك بعد فتح هذا الباب من اليوم الأوّل كما سبق، وبعد النظر لواقع الحكّام واهتماماتهم، والقياس على بقيّة الأديان السماوية الحقّة التي انطمست معالمها وتاريخها الصحيح نتيجة تحكّم السلطة فيها، أو تحكّم المؤسسات التي تنسّق مع السلطة.

هذا ما تيسّر لنا التعرّض له في بيان ما من شأنه أن يترتّب على انحراف أمر السلطة في الإسلام لو لم تكن هناك معارضة، وجهود تقف في وجه الانحراف وتكبح جماحه.

والظاهر أنا لم نعطِ الموضوع حقّه، ولم نستوفِ ما حصل، وبمزيد من الفحص تتّضح كثير من الشواهد والمؤيّدات لما سبق، ومن الله (عزّ وجلّ) نستمدّ العون والتوفيق.

٢٥٢

المبحث الثاني

في جهود أهل البيت عليهم السلام في كبح جماح الانحراف

وما كسبه الإسلام بكيانه العام من ذلك

والكلام تارة: في جهود أمير المؤمنين الإمام علي (صلوات الله عليه) وجهود الخاصّة من الصحابة والتابعين الذين كانوا معه.

وأُخرى: في مواجهة معاوية لجهود أمير المؤمنين (عليه السّلام) بعد استيلائه على السلطة بعد مقتل أمير المؤمنين (عليه أفضل الصلاة والسّلام)، وصلح الإمام الحسن (عليه السّلام) معه.

وثالثة: في نهضة الإمام الحسين (عليه السّلام) التي خُتمت بفاجعة الطفّ، وأثرها في الإسلام بكيانه العام.

فهنا مقامات ثلاثة:

٢٥٣

المقام الأوّل

في جهود أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)

وجهود الخاصّة من الصحابة

والتابعين الذين كانوا معه

أشرنا آنفاً إلى أنّ قيام السلطة بعد انحرافها عن خطّ أهل البيت بالفتوح الكبرى، وما استتبعها من الغنائم العظيمة كان هو السبب في نشر الإسلام بواقعه المنحرف.

كما إنّ له أعظم الأثر في احترام الإسلام المذكور، واحترام رموزه في نفوس عامّة المسلمين، خصوصاً بعد ما سبق من التحجير على السُنّة النبويّة، ومنع الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلّا بما يتناسب مع نهج السلطة وتوجّهاته، ولو بوضع الأحاديث، والكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصالحها.

إلاّ إنّ الانحراف لما ابتنى على عدم نظام للسلطة؛ فقد صارت السلطة معرضة لأن تكون مطمعاً لكلّ أحد من قريش قبيلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم - التي ابتنى الانحراف الفاتح على اختصاص حقّ الخلافة بها من دون فرق بين قبائلها - مهما كان حال الشخص ومقامه في الإسلام.

وقد روي عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) أنّه قال لما بويع أبو بكر: كرديد نكرديد. أما والله، لقد فعلتم فعلة أطمعتم فيها الطلقاء ولعناء رسول الله(١) .

____________________

١ - الإيضاح/٤٥٧ - ٤٥٨.

٢٥٤

تخوّف عمر بن الخطاب من أطماع قريش

كما إنّ شدّة عمر بن الخطاب وضيق بعض الصحابة من ذلك - على ما سبق في حديث طلحة وغيره(١) - جعلته يخشى من محاولة قريش التخلّص منه، أو الخروج عليه حتى إنّه لما طُعن لم يبرئ الصحابة من التآمر عليه، بل سألهم فقال: عن ملأ منكم ومشورة كان هذا الذي أصابني؟ فتبرؤوا من ذلك وحلفوا(٢) .

وقد أدرك أنّ عامّة المسلمين المنتشرين في أقطار الأرض ما داموا في سكرة الفتوح والغنائم والانتصارات فهم في غفلة عن كلّ تغيير، بل هم يستنكرون ذلك لما للسلطة ورموزها من الاحترام في نفوسهم.

تحجير عمر على كبار الصحابة

ومن أجل إبقائهم على غفلتهم رأى أنّ اللازم الحجر على كبار الصحابة وذوي الشأن منهم وحبسهم في المدينة المنوّرة، وجعلهم تحت سيطرته بحيث لا يخرج منهم خارج عنها إلّا تحت رقابة مشدّدة؛ من أجل الالتزام بتعاليمه والسير على خطّه، ولا أقل من عدم الخروج عنه وزرع بذور الخلاف والانشقاق.

لأنّ صحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقدمهم في الإسلام، واشتراكهم في حروبه الأولى تجعل لهم حرمة في نفوس عامّة المسلمين قد يستغلّونها من أجل كشف

____________________

١ - تقدّم في/١٧٥ وما بعده.

٢ - المصنّف - لعبد الرزاق ١٠/٣٥٧ كتاب أهل الكتابين، باب هل يدخل المشرك الحرم، المصنّف - لابن أبي شيبة ٨/٥٨١ - ٥٨٢ كتاب المغازي، ما جاء في خلافة عمر بن الخطاب، الاستيعاب ٣/١١٥٣ - ١١٥٤ في ترجمة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، الطبقات الكبرى ٣/٣٤٨ ذكر استخلاف عمر (رحمه الله)، تاريخ دمشق ٤٤/٤٢٠ في ترجمة عمر بن الخطاب، تاريخ المدينة ٣/٩٠٤ دعاء عمر عند طعنه، شرح نهج البلاغة ١٢/١٨٧، وغيرها من المصادر.

٢٥٥

الحقيقة، وإيضاح واقع الإسلام الحقّ، أو من أجل تثبيت مراكز قوّة ونفوذ لهم في مقابل السلطة؛ لتحقيق أطماعهم الشخصية، أو نحو ذلك ممّا قد يؤدّي إلى تعدّد الاتجاهات داخل الكيان الإسلامي، وظهور الخلافات أو حصول الشقاق.

وهذا بخلاف حديثي الإسلام والمنافقين على ما تقدّم توضيحه عند التعرّض للخطوات التي قامت بها السلطة من أجل تثبيت شرعيتها.

وقد تقدّم منه أنّه لما سُئل عن توليته المؤلّفة قلوبهم والطلقاء وأبناءهم، وترك أمير المؤمنين (عليه السّلام) والعباس والزبير وطلحة، قال: أمّا علي فأنبه من ذلك، وأمّا هؤلاء النفر من قريش فإنّي أخاف أن ينتشروا في البلاد، فيكثروا فيها الفساد(١) .

وعن قيس بن حازم قال: جاء الزبير إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في الغزو، فقال عمر: اجلس في بيتك، فقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: فردّد ذلك عليه، فقال له عمر في الثالثة أو التي تليها: اقعد في بيتك. فوالله، إنّي لأجد بطرف المدينة منك ومن أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم(٢) .

وفي رواية أخرى: فانطلق الزبير وهو يتذمّر. فقال عمر: مَنْ يعذرني من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لولا أنّي أمسك بفمٍ هذا الشغب لأهلك أُمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم(٣) .

وفي رواية ابن عساكر: مَنْ يعذرني من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم لولا أنّي أمسك بفمي هذا الشِعب لأهدموا أُمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم(٤) .

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ٩/٢٩ - ٣٠.

٢ - المستدرك على الصحيحين ٣/١٢٠ كتاب معرفة الصحابة، ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ممّا لم يخرجاه، واللفظ له، عون المعبود ١١/٢٤٦ - ٢٤٧، كنز العمّال ١١/٢٦٧ ح ٣١٤٧٦.

٣ - تاريخ بغداد ٧/٤٦٤ في ترجمة الحسن بن يزيد بن ماجة بن محمد القزويني.

٤ - تاريخ دمشق ١٨/٤٠٣ في ترجمة الزبير بن العوام.

٢٥٦

قال اليعقوبي: واستأذن قوم من قريش عمر في الخروج للجهاد، فقال: قد تقدّم لكم مع رسول الله. قال: إنّي آخذ بحلاقيم قريش على أفواه هذه الحرّة، لا تخرجوا فتسللوا بالناس يميناً وشمالاً. قال عبد الرحمن بن عوف: فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، ولِمَ تَمنعنا من الجهاد؟ فقال: لأن أسكت عنك فلا أجيبك خير لك من أن أُجيبك. ثمّ اندفع يحدّث عن أبي بكر حتى قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها، فمَنْ عاد لمثلها فاقتلوه(١) .

وعن الشعبي أنّه قال: لم يمت عمر (رضي الله عنه) حتى ملّته قريش، وقد كان حصرهم بالمدينة فامتنع عليهم، وقال: إنّ أخوف ما أخاف على هذه الأُمّة انتشاركم في البلاد. فإن كان الرجل يستأذنه في الغزو - وهو ممّن حبس في المدينة من المهاجرين ولم يكن فعل ذلك بغيرهم من أهل مكة - فيقول: قد كان لك في غزوك مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يبلغك، وخير لك من الغزو اليوم أن لا ترى الدنيا ولا تراك، فلمّا ولي عثمان خلّى عنهم فاضطربوا في البلاد، وانقطع إليهم الناس(٢) .

قال محمد بن طلحة: فكان ذلك أوّل وهن دخل على الإسلام، وأوّل فتنة كانت في العامّة ليس إلّا ذلك(٣) .

____________________

١ - تاريخ اليعقوبي ٢/١٥٧ - ١٥٨ في أيام عمر بن الخطاب.

٢ - تاريخ الطبري ٣/٤٢٦ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ذكر بعض سير عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، واللفظ له، الكامل في التاريخ ٣/١٨٠ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ذكر بعض سيرة عثمان، تاريخ دمشق ٣٩/٣٠٢ - ٣٠٣ في ترجمة عثمان بن عفان، كنز العمّال ١٤/٧٦ ح ٣٧٩٧٨، شرح نهج البلاغة ١١/١٢ - ١٣، وغيرها من المصادر.

٣ - تاريخ الطبري ٣/٤٢٦ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ذكر بعض سير عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، واللفظ له، كنز العمّال ١٤/٧٦ ح ٣٧٩٧٨، تاريخ دمشق ٣٩/٣٠٢ في ترجمة عثمان بن عفان، وغيرها من المصادر.

٢٥٧

توقّف أهل البيت (عليهم السّلام) عن تنبيه عامّة المسلمين لحقّهم في الخلافة

ونتيجة لجميع ما سبق لا بدّ أن يتوقّف أهل البيت (صلوات الله عليهم) والخاصّة من شيعتهم عن تنبيه عامّة الناس لحقّهم (عليهم السّلام) في الخلافة، ولحصول التشويه والتحريف في كثير من الحقائق الدينية؛ لعدم حصول الأرضية المناسبة لذلك، ويقتصر نشاطهم على الخاصّة من أجل إعدادهم للعمل في الوقت المناسب.

ولاسيما أنّ أخلاقياتهم ومثلهم واهتمامهم بفرض احترامهم على المسلمين قد تمنعهم من أن يُعرف عنهم أنّهم السبب في شقّ كلمة المسلمين، وزرع بذور الخلاف والشقاق بينهم، وكانوا يرون أنّ الأنسب لهم أن تظهر أسباب الخلاف والشقاق والفتنة من غيرهم، وهو ما يتوقّع حصوله في القريب العاجل بسبب تداعيات الانحراف الذي حصل في السلطة.

إحساس عمر بأنّ الاستقرار على وشك النهاية

وكان عمر بن الخطاب قد أدرك ذلك، وعرف أنّ زمان الاستقرار على وشك النهاية. قال ابن أبي الحديد: وروى أبو جعفر الطبري في تاريخه، قال: كان عمر قد حجّر على أعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان إلّا بإذن وأجل، فشَكَوه، فبلغه، فقام فخطب فقال: ألا إنّي قد سننت الإسلام سنّ البعير، يبدأ فيكون جذع، ثمّ ثني، ثمّ يكون رباعي، ثمّ سديس، ثمّ بازل. ألا فهل ينتظر بالبازل إلّا النقصان.

ألا وإنّ الإسلام قد صار بازلاً، وإنّ قريشاً يريدون أن يتّخذوا مال الله معونات على ما في أنفسهم. ألا إنّ في قريش مَنْ يضمر الفرقة، ويروم خلع الربقة. أما وابن الخطاب حيّ فلا، إنّي قائم دون شعب الحرّة، آخذ بحلاقيم

٢٥٨

قريش وحُجَزها أن يتهافتوا في النار(١) . ولعلّ ذلك هو المنشأ لما سبق من شكّه في الصحابة، واحتماله تآمرهم عليه لما طُعن.

تنبؤ الصديقة الزهراء (عليها السّلام) باضطراب أوضاع المسلمين

وهو ما توقّعته الصديقة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليه) للأُمّة في مبدأ انحراف مسار السلطة وخروجها عن موضعها الذي جعلها الله (عزّ وجلّ) فيه، حيث قالت (عليها السّلام) في ختام خطبتها الصغيرة:

«أما لعمري، لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثمّ احتلبوا ملأ القعب دماً عبيطاً، وزعافاً مبيداً. هنالك( يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ) ، ويعرف البطالون غبّ ما أسس الأوّلون، ثمّ طيبوا عن دنياكم أنفساً، واطمئنوا للفتنة جأشاً، وابشروا بسيف صارم، وسطوة معتدٍ غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً...»(٢) .

مجمل الأوضاع في أوائل عهد عثمان

وأخيراً انتهى عهد عمر وجاء عهد عثمان، وعامّة المسلمين بعد في غفلتهم، قد غلبت عليهم سكرة الفتوح والغنائم، وتوسّع رقعة الإسلام، ودخول الناس فيه أفواجاً، وما استتبع ذلك من تمجيد الحكّام الذين حصلت الفتوح على عهدهم، وظهرت الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والألقاب

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١١/١٢، وقريب منه في تاريخ الطبري ٣/٤٢٦ أحداث سنة خمس وثلاثين من الهجرة، ذكر بعض سير عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وتاريخ دمشق ٣٩/٣٠٢ في ترجمة عثمان بن عفان، وكنز العمّال ١٤/٧٥ ح ٣٧٩٧٧، وغيرها من المصادر إلّا أنّه قد حُذفت منها: إنّ في قريش مَنْ يضمر الفرقة، ويروم خلع الربقة.

٢ - راجع ملحق رقم ٢.

٢٥٩

المنتحلة التي ترفع من شأنهم، على ما سبق.

غفلة العامّة عن ابتناء بيعة عثمان على الانحراف

وقد أذهلهم ذلك كلّه عن تمادي السلطة في الانحراف عن الخطّ السليم في الإسلام؛ نتيجة المخالفات الكثيرة، ومنها ما تمّت على أساسه بيعة عثمان، وهو أخذ سيرة أبي بكر وعمر شرطاً في البيعة يُضاف إلى موافقة كتاب الله (عزّ وجلّ) وسُنّة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وجعلها في مرتبة واحدة؛ من أجل إقصاء أمير المؤمنين (عليه السّلام) الذي يعلم الخاصّة الذين بيدهم الحلّ والعقد ومَنْ سار في خطّهم أنّه كما قال له عمر: أما والله، لئن وليتهم لتحملنّهم على الحقّ الواضح والمحجّة البيضاء(١) ، وكما قال عنه لابن عباس: ولئن وليهم ليأخذنّهم بمرّ الحقّ لا يجدون عنده رخصة...(٢) . وفي حديث عبد الرحمن بن عبد القاري في حوار بين عمر وبين رجل من الأنصار: ثمّ قال عمر للأنصاري: مَنْ ترى الناس يقولون يكون الخليفة بعدي؟ قال: فعدّد رجالاً من المهاجرين، ولم يسمِّ عليّاً. فقال عمر: فما لهم من أبي الحسن؟ فوالله إنّه لأحراهم إن كان عليهم أن يقيمهم على طريقة من الحقّ(٣) .

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١/١٨٦، واللفظ له، ويوجد هذا المعنى بألفاظ مختلفة في شرح نهج البلاغة ٦/٣٢٧، و١٢/٥٢، ٢٥٩ - ٢٦٠، والمستدرك على الصحيحين ٣/٩٥ كتاب معرفة الصحابة، ومن مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، والاستيعاب ٣/١١٣٠ في ترجمة علي بن أبي طالب، والمصنّف - لعبد الرزاق ٥/٤٤٦ - ٤٤٧ كتاب المغازي، بيعة أبي بكر (رضي الله عنه) في سقيفة بني ساعدة، والطبقات الكبرى ٣/٣٤٢ في ترجمة عمر، ذكر استخلاف عمر (رحمه الله)، والأدب المفرد/١٢٨ البغي، وكنز العمّال ٥/٧٣٤ ح ١٤٢٥٤، وص ٧٣٦ ح ١٤٢٥٨، وص ٧٣٦ - ٧٣٧ ح ١٣٢٦٠، وغيرها من المصادر الكثيرة.

٢ - تاريخ اليعقوبي ٢/١٥٩ أيام عمر بن الخطاب.

٣ - المصنّف - لعبد الرزاق ٥/٤٤٦ كتاب المغازي، بيعة أبي بكر (رضي الله تعالى عنه) في سقيفة بني ساعدة، واللفظ له، الأدب المفرد - للبخاري/١٢٨ البغي، كنز العمّال ٥/٧٣٦ - ٧٣٧ ح ١٤٢٦٠، وغيرها من المصادر، وقريب منه في أنساب الأشراف ٣/١٤ - ١٥ بيعة علي بن أبي طالب (عليه السّلام).

٢٦٠