فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها0%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 247676
تحميل: 4881

توضيحات:

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247676 / تحميل: 4881
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فإنّ قيل: فمن علماء المذهب مَنْ لم يجوّز اللعن على يزيد مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربو على ذلك ويزيد.

قلنا: تحامياً عن أن يرتقي إلى الأعلى فالأعلى كما هو شعار الروافض على ما يُروى في أدعيتهم، ويجري في أنديتهم.

فرأى المعتنون بأمر الدين إلجام العوام بالكلية؛ طريقاً إلى الاقتصاد في الاعتقاد وبحيث لا تزلّ الأقدام على السواء، ولا تضلّ الأفهام بالأهواء، وإلاّ فمَنْ يخفى عليه الجواز والاستحقاق؟! وكيف لا يقع عليه الاتفاق؟!(١) .

كلام الربيع بن نافع الحلبي حول معاوية

وهما بذلك يجريان على سنن أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي حيث يقول: معاوية سترٌ لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه(٢) .

وقد أقرّه على ذلك غير واحد، لكنّهم غفلوا أو تغافلوا عن أنّ مبانيهم ومباني أهل مذهبهم في احترام هؤلاء وتقديسهم، وشرعية خلافتهم لو كانت محكمة الأساس قوّية البرهان، ولم تكن هشّة تنهار بالبحث والتحقيق لما خافوا عليها من طريقة الشيعة وشعارهم، ولما اضطروا من أجل الحفاظ عليها إلى إلجام العوام بالكلية، وإلى تحريم لعن الظالمين وكشف فضائحهم مع وضوح استحقاقهم لهما، ولما يزيد عليهما( قُلْ فَللّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) (٣) .

____________________

١ - شرح المقاصد في علم الكلام ٢/٣٠٦ - ٣٠٧.

٢ - البداية والنهاية ٨/١٤٨ أحداث سنة ستين من الهجرة، ترجمة معاوية، واللفظ له، تاريخ دمشق ٥٩/٢٠٩ في ترجمة معاوية بن صخر أبي سفيان.

٣ - سورة الأنعام/١٤٩.

٤٢١

موقف الغلاة لم يمنع الشيعة من ذكر كرامات أهل البيت (عليهم السّلام)

ولذا نرى الشيعة قد امتحنوا بالغلاة الذين يرتفعون بأئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم) عن مراتبهم التي رتّبهم الله تعالى فيها إلى كونهم أنبياء أو آلهة.

وقد استغل ذلك أعداء الشيعة فجعلوا الغلو والغلاة وسيلة للتشنيع على الشيعة والتشيّع والتشهير بهم من دون إنصاف ولا رحمة.

لكنّ الشيعة - مع شدّة موقفهم من الغلاة، ومباينتهم لهم، وتصريحهم بكفرهم - لم يمنعهم ذلك من التركيز على رفعة مقام أهل البيت (صلوات الله عليهم) وبيان كراماتهم ومعاجزهم، ولم يحذروا أن يجرّهم ذلك للغلو، أو يكون سبباً للتشنيع عليهم.

وذلك لأنّهم على ثقة تامّة من قوّة عقيدتهم بحدودها المباينة للغلو، وقوّة أدلتها بحيث لا يخشون من أن ينجرّوا من ذلك للغلو، أو يلتبس الأمر على جمهورهم بنحو يفقدهم السيطرة عليه.

ولو فرض أن حصل لبعض الناس نحو من الإيهام والالتباس سهل على علماء الشيعة السيطرة على ذلك، وكشف الالتباس، ودفع الشبهة.

كما لا يهمهم تشنيع أعدائهم عليهم بذلك بعد ثقتهم بسلامة عقيدتهم وقوّة أدلتها، وشعورهم بأنّ التهريج والتشنيع أضعف من أن يوهن ذلك، بل هو نتيجة شعور الطرف المقابل بضعفه في مقام الاستدلال والحساب المنطقي.

محاولة كثير من الجمهور الدفاع للظالمين

بل إنّ كثيراً من الجمهور - من حيث يشعرون أو لا يشعرون - قد جرّتهم عقدة الحذر من قوّة التشيّع - نتيجة الظلامات التي وقعت عليه، خصوصاً فاجعة الطفّ - إلى الدفاع عن جماعة من الظالمين لأهل البيت (عليهم السّلام) ولشيعتهم،

٤٢٢

قد أمعنوا في الجريمة، وضجّت الدنيا بفضائحهم بحيث سقطوا عن الاعتبار، وصاروا في مزابل التاريخ، كيزيد بن معاوية وأمثاله حتى قد يبلغ الأمر ببعضهم إلى تبنّي هؤلاء واحترامهم وتبجيلهم.

الدفاع عن الظالمين يصبّ في صالح التشيّع

وهم لا يدركون - بسبب هذه العقدة - أنّ هذا الدفاع والتبنّي لا ينفعان هؤلاء المجرمين، ولا يرفعان من شأنهم، ولا يضرّان الشيعة، بل يترتب عليهما أمران لهما أهميتهما في صالح الشيعة والتشيّع:

الأوّل: إنّ المدافعين والمتبنين لهؤلاء قد أسقطوا اعتبار أنفسهم؛ لأنّ هؤلاء الظلمة قد بلغوا من السقوط والجريمة بحيث يبرأ منهم مَنْ يحترم نفسه، ويشعر بكرامتها عليه.

كما إنّ مَنْ يدافع عنهم أو يتبنّاهم يتلوّث بجرائمهم، ويهوي للحضيض معهم. فهو كمَنْ يحاول أن ينتشل شخصاً من مستنقع فيهوي في ذلك المستنقع معه.

الثاني: إنّ ذلك يكشف عن نصب هؤلاء النفر - من المتبنين والمدافعين - لأهل البيت (صلوات الله عليهم)، وإنّه لا داعي لهم للدفاع والتبنّي لهذه النماذج المتميزة في الجريمة، والتي صارت في مزابل التاريخ إلّا بغض أهل البيت (عليهم السّلام).

وكفى الشيعة فخراً أن يهوي خصومهم للحضيض، وأن تنكشف حقيقتهم، وأنّهم في الواقع خصوم لأهل البيت (صلوات الله عليهم) ونواصب لهم، كما يكفي ذلك محفّزاً للشيعة على التمسّك بحقهم والاعتزاز به، وفي قوّة بصيرتهم في أمرهم، وإصرارهم على حقّهم.

فهؤلاء بموقفهم من الشيعة نظير المشركين في موقفهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم

٤٢٣

حيث سلاه الله (عزّ وجلّ) بقوله:( قَدْ نَعْلَمُ أنّه لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فإنّهم لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ) (١) .

مضافاً إلى أن ذلك يستبطن الاعتراف عملياً بارتباط خط الخلافة عند الجمهور بعضه ببعض، بحيث يتحمل السابق تبعة اللاحق، ولا يسهل فصل بعضه عن بعض، كما يؤكد الشيعة على ذلك، تبعاً لأئمتهم (صلوات الله عليهم). والحمد لله رب العالمين.

____________________

١ - سورة الأنعام/٣٣.

٤٢٤

المقام الثالث

في الإعلام والإعلان عن دعوة التشيّع ونشر ثقافته

إنّ فظاعة فاجعة الطفّ حقّقت الأرضية الصالحة لاستثمارها لصالح مذهب التشيّع، وذلك برثاء سيّد الشهداء (عليه الصلاة والسّلام) والتفجّع له، وزيارته والتأكيد على ظلامته.

وانطلق الشيعة من ذلك لبيان ظلامة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، والتأكيد على رفعة مقامهم، وعظيم شأنهم، وعلى جور ظالميهم وخبثهم وسوء منقلبهم، ثمّ الاهتمام بإحياء المناسبات المتعلّقة بأهل البيت جميعاً.

اهتمام الشيعة بإحياء الفاجعة وجميع مناسبات أهل البيت (عليهم السّلام)

وإذا كان أثر فاجعة الطفّ قد خفّ في نفوس عموم المسلمين بمرور الزمن، أو أدرك المخالفون لخطّ أهل البيت ضرورة تناسيها وتجاهلها؛ نتيجة لما سبق، فإنّ الشيعة - وبدفع من أئمّتهم (صلوات الله عليهم) - قد حاولوا التشبّث بها والتركيز عليها، واستثمارها بالنحو المتقدّم، ولم تمضِ مدّة طويلة حتى صار ذلك من سمات الشيعة المميّزة لهم والتي يقوم عليها كيانهم.

ويشدّ من عزائمهم ما ورد عن أئمّتهم (صلوات الله عليهم) من عظيم أجر ذلك وجزيل ثوابه، وما يلمسونه - على طول الخطّ - من المدّ الإلهي والكرامات المتعاقبة التي تزيدهم بصيرة في أمرهم، وتمنحهم قوّة وطاقة على

٤٢٥

المضي فيه، وتحمّل المتاعب والمصاعب في سبيله.

منع الظالمين من إحياء مناسبات أهل البيت (عليهم السّلام)

وقد أثار ذلك حفيظة الظالمين؛ فجدّوا في منعهم والتنكيل بهم، وحفيظة كثير من المخالفين فجدّوا في الإنكار والتشنيع عليهم بمختلف الأساليب.

وذلك وإن كان قد يعيقهم عن بعض ما يريدون في الفترات المتعاقبة، إلّا إنّه يتجلّى لهم به ظلامة أهل البيت (صلوات الله عليهم) على طول الخطّ، وظلامة شيعتهم تبعاً لهم.

حتى قال الشاعر تعريضاً بمواقف المتوكّل العباسي حينما هدم قبر الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، ومنع الناس من زيارته، واشتدّ في ذلك:

تاللهِ إن كانت أمية قد أتت

قتلَ ابنَ بنتِ نبيّها مظلوما

فلقد أتاهُ بنو أبيهِ بمثله

هذا لعمركَ قبرهُ مهدوما

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا

في قتلهِ فتتبّعوهُ رميما(١)

وقد جرى الخلف على سنن السلف وإن اختلفت الأساليب والصور، والمبرّرات والحجج.

أثر المنع المذكور على موقف الشيعة

وبذلك يتأكّد ولاء الشيعة لأهل البيت (صلوات الله عليهم)، وإصرارهم على إحياء أمرهم، وصاروا يستسهلون المصاعب، ويتحمّلون المصائب في سبيل ذلك؛ تعاطفاً معهم (عليهم السّلام)، وأداءً لعظيم حقّهم عليهم.

____________________

١ - وفيات الأعيان ٣/٣٦٥ في ترجمة البسامي الشاعر، واللفظ له، تاريخ الإسلام ١٧/١٩ أحداث سنة خمس وثلاثين ومئتين من الهجرة، هدم قبر الحسين، البداية والنهاية ١١/١٤٣ أحداث سنة أربع وثلاثمئة، وغيرها من المصادر.

٤٢٦

كما يتجلّى لهم أهمية هذه الممارسات والشعائر في تثبيت وجودهم، وتأكيد هويتهم، وإغاظة عدوهم، فيزيدهم ذلك تمسّكاً به، وإصراراً عليه؛ كردّ فعل لمواقف أعدائهم معهم، وظلامتهم لهم.

وبمرور الزمن وتعاقب المحن، واستمرار الصراع وتفاقمه صارت هذه الشعائر جزءاً من كيان الشيعة وتجذّرت في أعماقهم، وأخذت شجرتها تنمو وتورق وتخفق بظلالها عليهم.

وكان لها أعظم الأثر لصالح دعوتهم في أمور:

أثر إحياء المناسبات المذكورة في حيوية الشيعة ونشاطهم

الأوّل : حيويتهم ونشاطهم؛ لأنّ فعالياتهم وممارساتهم في إحيائها نشيطة جدّاً، وملفتة للنظر كما هو ظاهر للعيان.

مضافاً إلى ما أشرنا إليه آنفاً من أنّها فتحت الباب لإحياء جميع مناسبات أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وهي كثيرة جدّاً على مدار السُنّة وذلك يجعل جمهور الشيعة في عطاء مستمر، وحركة دائمة، والحركة دليل الحياة كما قيل.

أثر هذا الإحياء في جمع شمل الشيعة وتقوية روابطهم

الثاني : جمع شملهم وتماسكهم، وتثبيت وحدتهم، وتقوية روابطهم حيث يذكّرهم ذلك بمشتركاتهم الجامعة بينهم؛ من موالاة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وموالاة أوليائهم، ومعاداة أعدائهم، وما يتفرّع على ذلك من أحزان وأفراح يقومون بإحيائها بتعاون ودعم مشترك.

وإنّ الأموال التي تُنفق في سبيل ذلك من الكثرة بحدّ يلفت النظر؛ سواءً كانت مشاريع ثابتة - كالحسينيات والأوقاف ونحوها - أم نفقات مصروفة

٤٢٧

لسدّ الحاجيات المتجدّدة، كالإطعام والاستضافة وسائر الخدمات، ومكافآت الخطباء والذاكرين وغيره.

ويقوم بذلك جمهور الشيعة وخاصّتهم حسبما يتيسّر لكلّ أحد ويقتنع به بكامل الاختيار، بل الرغبة، وقد يصل الأمر إلى الإصرار؛ نتيجة الالتزام الشرعي - بسبب النذر -، أو وفاءً بالوعد والالتزام النفسي، أو جرياً على العادة المستحكمة... إلى غير ذلك.

ومن الطبيعي أن يكون ذلك كلّه سبباً في إثارة العواطف وتبادلها بين أفرادهم وجماعاتهم، وتخفيف حدّة الخلاف بينهم؛ بسبب وحدة المصيبة والسعي والهدف، والشعور بشرف الروابط وسموّها.

أثر الإحياء المذكور في تثبيت هوية الشيعة

الثالث : تثبيت هويتهم في تولّي أهل البيت (صلوات الله عليهم) ومَنْ والاهم، والبراءة من أعدائهم وظالميهم وأتباعهم كما تطفح بذلك الزيارات الواردة عن الأئمّة (صلوات الله عليهم) التي يتلونها، وتعجّ به مجالس العزاء والأفراح التي يقيمونها بمختلف صورها، وأشعار المدح والرثاء التي يكثرون من إنشائها وإنشادها. وقد أشار إلى ذلك سعد الدين التفتازاني في كلامه المتقدّم في المقام الثاني(١) .

نشر الثقافة العامّة والدينية بسبب الإحياء المذكور

الرابع : تثقيف جمهورهم بالثقافة العامّة، والثقافة الدينية والمذهبية الخاصّة وتعميقها فيهم، فإنّ إحياء تلك المناسبات وإن كان الهدف منه بالدرجة الأولى

____________________

(١) تقدم في ص: ٤٢٠.

٤٢٨

هو عرض الجانب العاطفي الذي يخصّ المناسبة التي يراد إحياؤها وما يناسب ذلك، إلّا إنّه كثيراً ما تكون منبراً للثقافة العامّة، والثقافة الدينية والمذهبية خاصة.

وبذلك أمكن نشر الثقافة الدينية والشيعية نسبياً بين جمهور الشيعة بعد أن كان التثقيف العام في غالب الدول والمناطق التي يتواجد فيها الشيعة غير شيعي، بل هو على الطرف النقيض للثقافة الشيعية.

وربما كان جمهور الشيعة وعوامهم أثقف نسبياً من جمهور وعوام غيرهم ببركة تلك المناسبات الشريفة، ولما سبق من اهتمام علماء الجمهور بإبعاد جمهورهم عن تراثهم، لما فيه من الثغرات المنبهة لحق التشيّع.

تأثير إحياء تلك المناسبات في إصلاح الشيعة نسبياً

كما قد تكون المناسبات المذكورة سبباً في تأثر جمهور الشيعة نسبياً بأخلاق أهل البيت (صلوات الله عليهم) الرفيعة؛ في الصدق والأمانة، وسجاحة الخلق ولين الجانب، وغير ذلك من الصفات الحميدة.

فإنّ الشيعة - كأفراد - وإن لم يخلوا عن سلبيات كثيرة في هذا الجانب، إلّا إنّه بمقارنتهم مع غيرهم قد يبدو الفرق واضحاً؛ نتيجة نشر ثقافة أهل البيت (صلوات الله عليهم) عند إحياء المناسبات المذكورة حيث تترك آثارها في أنفسهم وبصماتها في سلوكهم، ويتفاعلون بها نسبياً.

وقد أشار إلى بعض جوانب ذلك ابن أبي الحديد حيث قال في ترجمته لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه): وأمّا سجاحة الأخلاق، وبشر الوجه، وطلاقة المحيّى والتبسّم فهو المضروب به المثل فيه حتى عابه بذلك أعداؤه. قال عمرو بن العاص لأهل الشام: إنّه ذو دعابة شديدة....

وعمرو بن العاص إنّما أخذها عن عمر بن الخطاب؛ لقوله لما عزم على

٤٢٩

استخلافه: لله أبوك، لولا دعابة فيك. إلّا إنّ عمر اقتصر عليه، وعمرو زاد فيها وسمجه.

قال صعصعة بن صوحان وغيره من شيعته وأصحابه: كان فينا كأحدنا، لين جانب، وشدّة تواضع، وسهولة قياد. وكنّا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه....

وقد بقي هذا الخلق متوارثاً متناقلاً في محبيه وأوليائه إلى الآن، كما بقي الجفاء والخشونة والوعورة في الجانب الآخر. ومَنْ له أدنى معرفة بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك(١) .

إيصال مفاهيم التشيّع بإحياء تلك المناسبات

الخامس: رفع رايتهم وإسماع دعوتهم لغيرهم؛ لأنّ تميّزهم بإحياء تلك المناسبات، ومواظبتهم على رفع شعائر الحبّ والولاء فيه، وتأكيدهم على ظلامة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، واستثارتهم للعواطف بمناسبة ذلك يلفت أنظار الآخرين إليهم، ويحملهم على الاحتكاك بهم، والتعرّف على ما عندهم، ولاسيّما أنّ إحياء هذه المناسبات يكون غالباً بنحو مثير وملفت للنظر.

وكثيراً ما يكون ذلك سبباً لهداية الآخرين وتقبّلهم لدعوتهم ودخولهم في حوزتهم؛ لتفاعلهم بتلك المناسبات بنحو يكون محفّزاً لسماع أدلّة الشيعة والنظر في حجّتهم، ثمّ الاستجابة لهم؛ لما ذكرناه في المقام الأوّل من قوّة أدلّة الشيعة، وموافقة دعوتهم للمنطق السليم، ولاسيما أنّها قد تدعم بالمدّ الإلهي، وظهور الكرامات الباهرة التي تأخذ بالأعناق.

والظاهر أنّ انتشار التشيّع في كثير من بقاع المعمورة، وظهور دعوته

____________________

١ - شرح نهج البلاغة ١/٢٥ - ٢٦.

٤٣٠

وتوسّعها بمرور الزمن إنّما كانت بسبب إحياء فاجعة الطفّ، وإصرار الشيعة على ذلك، والانفتاح منها على بقيّة مناسبات أهل البيت (صلوات الله عليهم) وعلى ثقافتهم؛ فإنّهم لا يملكون من القوى المادية ما ينهض بهذا العبء الثقيل، ويحقّق هذه النتائج الرائعة.

خلود دعوة التشيّع بإحياء هذه المناسبات

السادس: إنّ دعوة التشيّع (أعزها الله تعالى) وإن تعهد الله (عزّ وجلّ) ببقائها ظاهرة مسموعة الصوت؛ لتقوم بها الحجّة على الناس، إلّا إنّ الظاهر أنّ لفاجعة الطفّ أعظم الأثر في بقائها رغم الضغوط الكثيرة التي تعرّضت لها.

وذلك لأنّ تفاعل الجمهور بالفاجعة واهتمامهم بإحيائها لا يتوقّف على دفع الخاصة لهم - كرجال الدين أو غيرهم - وتشجيعهم إيّاهم؛ ليسهل على العدو القضاء عليها بتحجيم دور الخاصة، بالترغيب والترهيب، وصنوف التنكيل حتى التصفية الجسدية كما حصل ذلك قديماً وحديثاً.

بل هي قد أخذت موقعها من نفوس الجمهور على اختلاف طبقاتهم، وتجذّرت في أعماقهم بحيث يهتمون بإحيائها بأنفسهم، ويندفعون لذلك بطبعهم، وكأنّها جزء من كيانهم.

ولا تزيدهم الضغوط في اتجاه منعه، أو التخفيف منه إلّا إصراراً وتمسّكاً حيث يرون فيها تعدّياً على حقّهم الذي يؤمنون به، وتحدّياً لهم كأمّة، وتجاهلاً لشخصيتهم، وجرحاً لشعورهم وعواطفهم، ونيلاً من كرامتهم.

ولو اضطرتهم الضغوط للتوقّف عن الإعلان بممارساتهم في إحيائها فلا يؤثّر ذلك على موقعها من نفوسهم، وتفاعلهم بها، بل يزيدهم ذلك تعلّقاً

٤٣١

بها، وانشداداً لها، ونقمة على الظالمين مع الإصرار على إحيائها سرّاً بما يتيسّر، ويضحّون في سبيل ذلك بالغالي والنفيس.

وحيث لا يتيسّر القضاء على الجمهور لكثرتهم، تبقى الجذوة كامنة في نفوسهم، والعواطف محتدمة حتى إذا سنحت الفرصة تدفّق المخزون العاطفي فكان النشاط مضاعفاً، والفعاليات مكثفة؛ تعويضاً عمّا سبق، وتحدّياً للظالمين؛ ولذا كان مصير الضغوط عبر التاريخ الفشل الذريع والخيبة الخاسرة.

ولمّا كان إحياء هذه المناسبة الشريفة بمختلف وجوهها رمزاً للتشيّع، وسبباً في رسوخ قدمه وتماسكه وتثبيت هويته - كما سبق - كان لاستمرار جمهور الشيعة فيها، وإصرارهم عليها بالوجه المذكور أعظم الأثر في بقاء التشيّع والحفاظ عليه، بل قد يكون هو الدرع الواقي له، والقلعة الحصينة التي تعصمه.

فاجعة الطفّ نقطة تحول مهمة في صالح التشيّع

وقد ظهر من جميع ما سبق أنّ نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) التي ختمت بفاجعة الطفّ صارت نقطة تحوّل مهمة في مذهب التشيّع؛ حيث صار لها أعظم الأثر في قوّته، ورسوخ قدمه وبقائه، ووضوح حجّته وسماع دعوته، وتوسّعه بمرور الزمن رغم الضغوط الكثيرة، والصراع العنيف، ويأتي في الفصل الثالث من المقصد الثالث ما ينفع في المقام إن شاء الله تعالى.

قال عزّ من قائل:( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كلّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَ... ) (١) .

وهو المناسب لحجم التضحية التي أقدم عليها الإمام الحسين (صلوات الله عليه) صابراً محتسباً، راضياً بقضاء الله تعالى وقدره، مستجيباً لأمره، واثقاً

____________________

١ - سورة إبراهيم/٢٤ - ٢٥.

٤٣٢

بتسديده ونصره.

وبذلك يتّضح وجه قوله (صلوات الله عليه) في كتابه المتقدّم: «أمّا بعد فإنّ مَنْ لحق بي استشهد، ومَنْ لم يلحق بي لم يدرك الفتح»(١) .

فجزاه الله تعالى عن الدين وأهله أفضل جزاء المحسنين، وصلّى الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الميامين الذين استشهدوا معه، والذين سمعوا الداعي فأجابوه، ووثقوا بالقائد فاتّبعوه، ولم تأخذهم في الله لومة لائم، ولا عاقهم عن أداء واجبهم عائق مهما بلغ.

و( الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ ) (٢) ، وله الشكر أبداً دائماً سرمداً، ونسأله أن يثبّتنا بالقول الثابت في الدنيا وفي الآخرة، ويزيدنا إيماناً وتسليماً إنّه أرحم الراحمين، وولي المؤمنين، وهو حسبنا ونعم الوكيل. نعم المولى ونعم النصير.

____________________

١ - تقدّمت مصادره في/٤٦.

٢ - سورة الأعراف/٤٣.

٤٣٣

٤٣٤

الفصل الثاني

في العبر التي تستخلص من فاجعة الطفّ

ويحسن التعرّض لها هنا من أجل أن يسترشد بها الناس عامّة، والذين يحاولون الإصلاح خاصّة.

والكلام هنا في مقامين:

المقام الأوّل

في آليّة العمل

إنّ الناظر في نهضة الإمام الحسين (صلوات الله عليه) يرى بوضوح الحفاظ في هذه النهضة المباركة على المبادئ الشريفة والمثل السامية، ووضوح الهدف، والبعد عن اللف والدوران كما يظهر من كثير ممّا تقدّم وغيره.

سلامة آليّة العمل وشرفه

١- فالإمام الحسين (صلوات الله عليه) يعلن من يومه الأوّل في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية المتقدّمة أنّ هدفه الإصلاح في الأُمّة والسير بسيرة جدّه وأبيه (صلوات الله عليهما وآلهما)(١) ، وإن كانت هذه السيرة لا تعجب الكثيرين على ما أشرنا إليه آنفاً.

____________________

١ - تقدّم في/٤١٢.

٤٣٥

٢- كما إنّه يعلن فيها عن أنّ موقفه ممّن يردّ عليه ذلك هو الصبر وانتظار حكم الله تعالى من دون أن يهدّد بالعنف والانتقام منه، أو يلجأ للشتم والتهريج والتشنيع(١) .

٣- ويعلن في كتابه إلى بني هاشم أنّ مصير مَنْ يتبعه الشهادة؛ ليكونوا على بصيرة من أمرهم من دون أن يلوّح لهم بأمل النجاح العسكري من أجل حثّهم على الالتحاق به ونصره(٢) .

٤- وبنحو ذلك يعلن في خطبته في مكة المكرّمة المتقدّمة عندما عزم على الخروج إلى العراق حيث أعلن (عليه السّلام) أنّه سوف يُقتل، وأنّه لا بدّ لمَنْ يتبعه أن يكون باذلاً في أهل البيت (صلوات الله عليهم) مهجته، موطّناً على لقاء الله (عزّ وجلّ) نفسه(٣) .

٥- ولما أرسل (صلوات الله عليه) مسلم بن عقيل (عليه السّلام) إلى الكوفة لم يمنه النصر، بل قال له: «إنّي موجّهك إلى أهل الكوفة، وسيقضي الله في أمرك ما يحبّ ويرضى، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء...»(٤) .

٦- وحينما بلغه (عليه السّلام) في الطريق مقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر، وخذلان أهل الكوفة له، خطب مَنْ معه وأعلمهم بذلك، وأذن لهم بالانصراف.

فانصرف عنه كثير ممّن تبعه في الطريق؛ لظنّهم أنّه يأتي بلداً أطاعه أهله،

____________________

١ - تقدّم في/٤١٢.

٢ - تقدّم في/٤٦.

٣ - تقدّم في/٢٧.

٤ - مقتل الحسين - للخوارزمي ١/١٩٦ في مقتل مسلم بن عقيل، واللفظ له، الفتوح - لابن أعثم ٥/٣٦ ذكر كتاب الحسين بن علي إلى أهل الكوفة.

٤٣٦

فكره (صلوات الله عليه) أن يسيروا معه إلّا على علم بما يقدمون عليه(١) .

٧- ولما طلبوا من سفيره مسلم بن عقيل أن يغتال ابن زياد حينما جاء لزيارة شريك في دار هاني بن عروة لم يفعل ما أرادوا منه، ولما سُئل عن ذلك كان في جملة عذره حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال فيه: «إنّ الإيمان قيد الفتك»(٢) .

٨- وفي شراف أمر الإمام الحسين (صلوات الله عليه) فتيانه أن يستكثروا من الماء، وسقى به جيش الحرّ بن يزيد الرياحي تفضّلاً منه عليهم؛ لتحلّيه بمكارم الأخلاق مع أنّهم في صف أعدائه، وقد جاؤوا ليأخذوه ومَنْ معه أسرى إلى ابن زياد؛ ليمضي حكمه فيهم(٣) .

٩- ولما منعه الحرّ من النزول في نينوى أو الغاضرية أو شفية قال زهير بن القين (رضوان الله تعالى عليه) للإمام الحسين (عليه السّلام): إنّه لا يكون والله بعد ما ترون إلّا ما هو أشدّ منه يابن رسول الله، وإنّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال مَنْ يأتينا من بعدهم؛ فلعمري، ليأتينا من بعد مَنْ ترى ما لا قِبَل لنا به. فقال له الإمام الحسين (صلوات الله عليه): «ما كنت لأبدأهم بالقتال»(٤) .

وذلك منه (عليه السّلام) غاية في التنزّه عن البغي والعدوان، أو عن أن يتّهم بشيء

____________________

١ - مقتل الحسين - للخوارزمي ١/٢٢٩ واللفظ له، الكامل في التاريخ ٤/٤٣ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر مسير الحسين إلى الكوفة، تاريخ الطبري ٤/٣٠١ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، الفصول المهمة ٢/٨٠٦ - ٨٠٧ الفصل الثالث، فصل في ذكر مخرجه (عليه السّلام)، وقريب منه في البداية والنهاية ٨/١٨٢ أحداث سنة ستين من الهجرة، صفة مخرج الحسين إلى العراق، وغيرها من المصادر.

٢ - مقاتل الطالبيين/٦٥ مقتل الحسين بن علي (عليه السّلام)، تاريخ الطبري ٤/٢٧١ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام)، الكامل في التاريخ ٤/٢٧ أحداث سنة ستين من الهجرة، ذكر الخبر عن مراسلة الكوفيين الحسين (عليه السّلام).

٣ - تقدّمت مصادره في/٣١.

٤ - تقدّمت مصادره في/٣٤.

٤٣٧

من ذلك تحريفاً للواقع، وتشويهاً للحقيقة، وتهريجاً عليه.

١٠- ومثله ما ورد من أنّ أصحاب الإمام الحسين (عليه السّلام) لما أشعلوا النار في الحطب في الخندق الذي حفروه حولهم عندما حوصروا، نادى الشمر: يا حسين، استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة.

فقال مسلم بن عوسجة (رضوان الله عليه) للإمام الحسين (عليه السّلام): يابن رسول الله جعلت فداك، ألا أرميه بسهم؟ فإنّه قد أمكنني، وليس يسقط سهم. فالفاسق من أعظم الجبّارين.

فقال له الإمام الحسين (صلوات الله عليه): «لا ترمه؛ فإنّي أكره أن أبدأهم»(١) .

١١- ولما حوصر (عليه السّلام) وهُدّد بالمناجزة والقتال، خطب أصحابه ليلة العاشر من المحرّم وقال في جملة ما قال: «أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا أخير من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي خيراً. ألا وإنّي لأظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، وإنّي قد أذنت لكم جميعاً فانطلقوا في حِلّ ليس عليكم منّي ذمام. هذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي. فجزاكم الله جميعاً خيراً. ثمّ تفرّقوا في البلاد في سوادكم ومدائنكم حتى يفرّج الله؛ فإنّ القوم يطلبونني، ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري»(٢) .

كلّ ذلك من أجل أن يكون موقف أصحابه معه عن قناعة تامّة غير مشوبة بإحراج أو حياء أو نحو ذلك ممّا قد يستغلّه المصلحيون، خصوصاً في مثل هذه الظروف الحرجة؛ حيث قد يسلكون فيها الطرق الملتوية ويتشبّثون بالذرائع الواهية في محاولة تكثير الأعوان، وضمان نصرتهم له.

____________________

١ - تاريخ الطبري ٤/٣٢٢ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة.

٢ - الكامل في التاريخ ٤/٥٧ - ٥٨ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة، ذكر مقتل الحسين (رضي الله عنه)، واللفظ له، تاريخ الطبري ٤/٣١٧ أحداث سنة إحدى وستين من الهجرة.

٤٣٨

١٢- ومثل ذلك ما عن الأسود بن قيس العبدي قال: قيل لمحمد بن بشير الحضرمي: قد أُسر ابنك بثغر الرّي. قال: عند الله أحتسبه ونفسي. ما كنت أحبّ أن يؤسر، ولا أن أبقى بعده. فسمع قوله الحسين (عليه السّلام)، فقال له: «رحمك الله. أنت في حلّ من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك». قال: أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك. قال: «فاعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه»، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار(١) ... إلى غير ذلك ممّا يجده الناظر في تاريخ هذه النهضة المقدّسة ممّا يشهد بالتزام المبادئ والدين والخلق الرفيع فيها.

وهو الذي جرى عليه أئمّة أهل البيت (صلوات الله عليهم) في جميع مواقفهم ونشاطاتهم، وعُرف عنهم، وكان سبباً في فرض احترامهم على العدو والصديق، بل تقديسهم لهم.

على مدّعي الإصلاح التزام سلامة آليّة العمل

فاللازم على مدّعي الإصلاح التمسّك بذلك، والحفاظ عليه.

أوّلاً : لأنّ ذلك هو اللازم في نفسه، لشرف تلك المبادئ، وسمو تلك المثل.

وثانياً : لتكون الوسيلة مناسبة للهدف؛ حيث يكشف ذلك عن صدق مدّعي الإصلاح في دعواه، وسلامة هدفه وغايته.

وأمّا ما قد يُدّعى من أنّ ذلك قد يُعيق عملية الإصلاح؛ حيث قد يستغل الطرف الآخر ذلك من أجل الالتفاف على المصلح، والقضاء على مشروعه كما حصل كثيراً.

____________________

١ - تاريخ دمشق ١٤/١٨٢ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، واللفظ له، تهذيب الكمال ٦/٤٠٧ في ترجمة الحسين بن علي بن أبي طالب، ترجمة الإمام الحسين (عليه السّلام) من طبقات ابن سعد/٧١ ح ٢٩٢.

٤٣٩

فهو مرفوض أوّلاً؛ لأنّ التخلّي عن مشروع الإصلاح والالتزام بتعذّره، أو الاكتفاء منه بالقليل الممكن مع الحفاظ على المبادئ المذكورة أهون بكثير من الخروج في وسيلة الإصلاح عن الدين والمبادئ الشريفة والمثل السامية، كما قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): «لا أرى إصلاحكم بفساد نفسي»(١) .

وثانياً : لأنّ الحفاظ في الأوقات الحرجة على الدين والمبادئ الشريفة هو بنفسه إصلاح للمجتمع على الأمد البعيد؛ لأنّه يذكر بالدين والمبادئ المذكورة، وينّبه إلى أهميته، وإلى أنّ هذه المبادئ عملية قابلة للتطبيق، ولا يتخلّى عنها أهلها مهما كلّفتهم من تضحيات، وليست هي فرضيات صرفة، أو شعارات برّاقة لإقناع الناس واصطياد الأتباع.

وذلك في حقيقته حثّ عملي عليها يوجب تركزها في النفوس، وله أعظم الأثر في إصلاح المجتمع ورفع مستواه الخلقي.

لا يتابع مدّعي الإصلاح مع عدم سلامة آليّة العمل

ويترتب على ما ذكرنا أنّه لا ينبغي لعموم الناس التجاوب مع مدّعي الإصلاح إذا لم يلتزم بالمبادئ والمثل، وسوّغ لنفسه الخروج عليها.

لأنّ ذلك يكشف إمّا عن كذبه في دعوى الإصلاح، أو عن ضعفه أمام المغريات والمبرّرات المزعومة بنحو لا يؤمَن عليه من الانحراف في نهاية المطاف، فيكون التعاون معه تغريراً وتفريطاً لا يُعذر صاحبه فيه.

والحذر ثمّ الحذر من أن تجرّ شدّة الانفعال من الفساد، والرغبة العارمة في الإصلاح إلى مواقف انفعالية عاطفية يفقد الإنسان بها رشده، فيتخلّى في سبيل

____________________

١ - أنساب الأشراف ٣/٢١٥ غارة بسر بن أبي أرطاة القرشي، الإرشاد ١/٢٧٣، الأمالي - للمفيد/٢٠٧، بحار الأنوار ٣٤/١٤.

٤٤٠