فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها0%

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها مؤلف:
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 672

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم
تصنيف: الصفحات: 672
المشاهدات: 247699
تحميل: 4881

توضيحات:

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 672 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 247699 / تحميل: 4881
الحجم الحجم الحجم
فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

فاجعة الطف أبعادها - ثمراتها - توقيتها

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ومحنهم ومصائبهم التي قد تبلغ حدّ الكوارث.

الرابع : المدّ الإلهي غير المحدود، والكرامات الباهرة، والمعاجز القاهرة التي تأخذ بالأعناق؛ حيث يعطي ذلك حيوية ودفعاً للدعوة باستمرار.

فرض الكيان الشيعي على أرض الواقع

وكانت نتيجة ذلك كلّه أن فرض هذا الكيان المتميّز نفسه على أرض الواقع - رغم المعوّقات الكثيرة، والصراع المرير على طول التاريخ حتى يومنا الحاضر - من دون أن يعتمد على سلطة ينسّق معها وتدعمه، وإن كان قد يستفيد من السلطة في بعض الفترات من دون أن يكون تابعاً لها منصهراً بها، أو تتحكّم فيه وفي توجهاته.

وقد حصل ذلك بفضل جهود الأئمّة من ذرية الإمام الحسين (صلوات الله عليهم) بعد أن أصحروا بإعراضهم عن السلطة، وتفرّغوا لشيعتهم؛ ليكملوا الشوط، ويستثمروا المكاسب العظيمة التي حقّقها الأئمّة الأوّلون (صلوات الله عليهم) والخاصة من شيعتهم في سلوكهم الحكيم، وتضحياتهم الجسيمة.

تحقيق الوعد الإلهي ببقاء جماعة تلتزم الحقّ وتدعو له

كلّ ذلك من أجل قيام طائفة في الأُمّة ظاهرة، تنطق بالحق، وتعمل به، وتدعو له، وتكبح جماح الانحراف، وتنكر عليه.

تحقيقاً للوعد الإلهي الذي يشير إليه قوله (عزّ وجلّ) في محكم كتابه المجيد:( وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) (١) .

وقوله تعالى:( وَإِن تَتَوَلَّوْا

____________________

١ - سورة الأعراف/١٨١.

٥٢١

يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثمّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) (١) ، وقوله سبحانه:( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٢) .

وهو صريح ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: «لا تزال طائفة من أُمّتي ظاهرين على الحقّ، لا يضرّهم مَنْ خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك»(٣) .

وحديث سليمان بن هارون عن الإمام الصادق (صلوات الله عليه) الذي يردّ فيه على بعض الدعوات المنحرفة عن خطّ الإمامية حيث قال (عليه السّلام) عن سيف النبي صلى الله عليه وآله وسلم منكراً دعواهم: «وإنّ صاحبه لمحفوظ محفوظ له. ولا يذهبن يميناً ولا شمالاً؛ فإنّ الأمر واضح. والله لو أنّ أهل الأرض اجتمعوا على أن يحوّلوا هذا الأمر من موضعه الذي وضعه الله ما استطاعوا. ولو أنّ خلق الله كلّهم جميعاً كفروا حتى لا يبقى أحد جاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون هم أهله»(٤) ... إلى غير ذلك ممّا ورد في الكتاب المجيد وعن النبي وأهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين).

كلّ ذلك لإلفات نظر الناس وتنبيههم، وإقامة الحجّة عليهم؛ ليبحثوا عن الحقّ، وينظروا في أدلّته الظاهرة وحججه القاهرة، ولا يقولوا:( إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) (٥) .

____________________

١ - سورة محمد/٣٨.

٢ - سورة التوبة/٣٢.

٣ - صحيح مسلم ٦/٥٢ - ٥٣، واللفظ له، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تزال طائفة من أُمّتي ظاهرين على الحقّ لا يضرّهم مَنْ خالفهم، صحيح البخاري ٨/١٤٩ كتاب الاعتصام بالكتاب والسُنّة، صحيح ابن حبان ١/٢٦١ كتاب العلم، ذكر إثبات النصرة لأصحاب الحديث إلى قيام الساعة، ١٥/٢٤٨ كتاب التاريخ، باب إخباره صلى الله عليه وآله وسلم عمّا يكون في أُمّته من الفتن والحوادث، ذكر البيان بأنّ الفتن إذا وقعت والآيات إذا ظهرت كان في خللها طائفة على الحقّ أبداً، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً.

٤ - بحار الأنوار ٢٦/٢٠٤.

٥ - سورة الأعراف/١٧٢.

٥٢٢

تميّز دين الإسلام الحقّ ببقاء دعوته وظهور حجّته

وبذلك تميّز دين الإسلام الحقّ عن بقيّة الأديان حيث ظهرت حجّته، ولم تنطمس معالمه مع طول المدّة، وتعاقب الفتن، وتكالب الأعداء عليه من الداخل والخارج.

وقد سبق في حديث العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهاره، لا يزيغ عنها بعدي إلّا هالك»(١) .

كلّ ذلك لأنّ الإسلام هو الدين الخاتم للأديان، والباقي ما بقيت الدنيا؛ فيجب أن تبقى معالمه واضحة، ودعوته مسموعة، وحجّته معه ظاهرة.

المقارنة بين فترة ما بين المسيح والإسلام ومدّة الغيبة

وذلك هو المبرّر المنطقي والتفسير الطبيعي لطول عصر غيبة الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) مع شدّة الفتن، وتظاهر الزمن، وتكالب الأعداء، وعنف الصراع وشراسته.

بينما كانت المدّة بين رفع النبي عيسى (على نبينا وآله وعليه الصلاة والسّلام) وبعثة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تتجاوز الستة قرون، وقد ضاعت فيها معالم الدين الحقّ الذي جاء به عيسى (عليه السّلام)، وانطمست أعلامه، وانفردت بالساحة دعوة الانحراف والتحريف.

وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى:( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٢) .

____________________

١ - تقدّمت مصادره في/١٥٢.

٢ - سورة المائدة/١٩.

٥٢٣

وعن أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أنّه قال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بعثه حين لا علم قائم، ولا منار ساطع، ولا منهج واضح»(١) .

وقال (عليه السّلام): «أرسله بالدين المشهور، والعلم المأثور...، والناس في فتن انجذم فيها حبل الدين، وتزعزعت سواري اليقين...، فالهدى خامل، والعمى شامل؛ عُصي الرحمن، ونُصر الشيطان، وخُذل الإيمان، فانهارت دعائمه، وتنكرّت معالمه، ودُرست سبله، وعفت شركه...»(٢) .

وقال (عليه السّلام): «إلى أن بعث الله سبحانه محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لإنجاز عدته وتمام نبوّته...، وأهل الأرض يومئذ ملل متفرّقة، وأهواء منتشرة، وطوائف متشتتة؛ بين مشبّه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلى غيره...»(٣) ... إلى غير ذلك.

بينما قال (صلوات الله عليه) عن عصر الغيبة الذي نحن فيه: «اللّهمّ إنّه لا بدّ لك من حجج في أرضك، حجّة بعد حجّة على خلقك؛ يهدونهم إلى دينك، ويعلّمونهم علمك؛ كيلا يتفرّق أتباع أوليائك. ظاهر غير مطاع، أو مكتتم يترّقب. إن غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مبثوث علمهم، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون»(٤) .

وفي حديث المفضل بن عمر عن الإمام الصادق (عليه السّلام) قال: «أقرب ما يكون العباد من الله (جلّ ذكره)، وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجّة الله (عزّ جلّ) ولم يظهر لهم ولم يعلموا مكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجّة الله

____________________

١ - نهج البلاغة ٢/١٧٠.

٢ - نهج البلاغة ١/٢٨ - ٢٩.

٣ - نهج البلاغة ١/٢٤ - ٢٥.

٤ - الكافي ١/٣٣٩، واللفظ له، الغيبة - للنعماني/١٣٧.

٥٢٤

جلّ ذكره، ولا ميثاقه...، وقد علم أنّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون ما غيّب حجّته عنهم طرفة عين...»(١) .

وفي حديثه الآخر: كنت عند أبي عبد الله (عليه السّلام) وعنده في البيت أناس، فظننت أنّه إنّما أراد بذلك غيري، فقال: «أما والله ليغيبنَّ عنكم صاحب هذا الأمر، وليخملنَّ هذا حتى يُقال: مات؟ هلك؟ في أيّ وادٍ سلك؟ ولتُكفأن كما تُكفأ السفينة في أمواج البحر، لا ينجو إلّا مَنْ أخذ الله ميثاقه، وكتب الإيمان في قلبه، وأيّده بروح منه، ولترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أيّ من أيّ». قال: فبكيت. فقال: «ما يبكيك يا أبا عبد الله؟». فقلت: جعلت فداك، كيف لا أبكي وأنت تقول: اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أيّ من أيّ؟! قال وفي مجلسه كوّة تدخل فيها الشمس. فقال: «أبيّنة هذه؟». فقلت: نعم. قال: «أمرنا أبين من هذه الشمس»(٢) . وقريب منه حديثه الآخر(٣) .

حيث يظهر من هذه النصوص وغيرها ظهور دعوة الحقّ في عصر الغيبة، ووضوح حجّته، وثبات أهل التوفيق وذوي السعادة عليه رغم طول المدّة، وشدّة المحنة، واختلاف الآراء والاجتهادات، وكثرة الشبهات والضلالات والفتن والأهواء.

وهو ما حصل حتى الآن في دعوة التشيّع لأهل البيت (صلوات الله عليهم) رفع الله (عزّ وجلّ) شأنها وأعلى كلمتها.

وكلّما تأخّر الزمن زادت ظهوراً وانتشاراً، وفرضت نفسها على أرض الواقع، وكسبت تعاطف الناس وإعجابهم واحترامهم.

____________________

١ - الكافي ١/٣٣٣، واللفظ له، الغيبة - للنعماني/١٦٥.

٢ - الكافي ١/٣٣٨ - ٣٣٩.

٣ - الكافي ١/٣٣٦.

٥٢٥

بل كثيراً ما اهتدى لنورها ودخل في حوزتها، واستظلّ برايتها مَنْ كتب الله (عزّ وجلّ) له التوفيق والسعادة، ولله أمر هو بالغه، وإليه يرجع الأمر كلّه.

ومن جميع ما سبق يظهر أنّ الأئمّة من ذرية الإمام الحسين (صلوات الله عليهم) قد أتمّوا ما بدأه الأئمّة الأوّلون (عليهم أفضل الصلاة والسّلام) من كبح جماح الانحراف الذي حصل، والعمل لإقامة الحجّة على الدين الحقّ، والمنع من ضياعه على الناس، وانطماس أعلامه وبيناته( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (١) .

فجزاهم الله تعالى جميعاً عن دينه وأهل دينه أفضل جزاء المحسنين، وثبّتنا على ولايتهم، وربط على قلوبنا، وزادنا بصيرة في أمرنا، ويقيناً في ديننا، وتسليماً لربّنا، إنّه أرحم الراحمين، وولي المؤمنين، وهو حسبنا ونِعْمَ الوكيل.

____________________

١ - سورة الأنفال/٤٢.

٥٢٦

الخاتمة

يحسن الحديث فيها حول أمرين يتعلّقان بفاجعة الطفّ وما استتبعته من إيضاح معالم دين الإسلام ووضوح حجّته.

الأوّل: أثر ذلك في تعديل مسار الفكر الديني والإنساني عامّة، وإيضاح الضوابط التي ينبغي أن ينهجها طالب الحقيقة.

الثاني: في أهمّية إحياء الفاجعة، والسعي لتجديدها والتذكير بها، وآليّة ذلك.

وذلك يكون في فصلين:

الفصل الأوّل

في أثر وضوح معالم الإسلام في استقامة

منهج الفكر الإنساني

لا يخفى أنّ كبح جماح انحراف السلطة، والحيلولة دون تحكّمها في الدين، وقيام الحجّة على الدين الحقّ ووضوح معالمه، ونشاط فرقة الإمامية الاثني عشرية المؤكّدة على إمامة أهل البيت (صلوات الله عليهم)، والمتبنّية لثقافتهم الرفيعة، وتعاليمهم المنطقية الموافقة للفطرة السليمة، والمنكرة للظلم والطغيان، وتشويه الحقائق، وتحريف مفاهيم الدين الحنيف؛ نتيجة العوامل المتقدّمة، كلّ ذلك وإن كان بالدرجة الأولى فتحاً مبيناً لدين الإسلام العظيم ورموزه الشامخة،

٥٢٧

إلاّ إنّه في الوقت نفسه نصر للأديان السماوية عامّة، ولرموزها المقدّسة.

دافعت ثقافة الإسلام الحقّ عن الأديان السابقة ونبهت لتحريفه

حيث نبّهت هذه التعاليم الموافقة للفطرة السليمة على تحريف تلك الأديان وتشويه صورة رموزها بفعل الظالمين، وإنّ تلك الأديان - في الحقيقة - منزّهة عمّا نسبته لها يد التحريف من مفاهيم وتعاليم متناقضة أو خرافية أو تافهة أو جائرة؛ لتكون آلة بيد المؤسسات السلطوية والمافيات الإجرامية؛ لتقوية نفوذها وتعزيز مواقعها، ولا يصل إلى جمهور الناس منها إلّا طقوس جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع.

وإنّ تلك الأديان في حقيقتها تحمل مفاهيم سليمة، وتعاليم سامية مطابقة للحكمة والفطرة؛ من أجل إصلاح البشرية عامّة، وتنظيم علاقتها فيما بينها على أفضل وجه، وتقريبها من الله (عزّ وجلّ)، وهدايتها إلى الصراط المستقيم.

تنزيه رموز تلك الأديان عمّا نسبته لهم يد التحريف

كما إنّ رموزها العظام (عليهم السّلام) في غاية الرفعة والجلالة والقدسية والكرامة على الله تعالى، والفناء في ذاته والقرب منه (جلّ شأنه)، وهم معصومون من الزلل، مطهّرون من الرجس.

وإنّهم (عليهم السّلام) قد جدّوا واجتهدوا في أداء رسالاتهم والتبليغ بها، والنصح لأممهم، وحملهم على الطريق الواضح من دون أن تأخذهم في الله لومة لائم.

وهم أيضاً منزّهون عمّا نسبته لهم يد التحريف الظالمة من الرذائل والموبقات ممّا يندى له الجبين، وتأباه كرامة الإنسان، ويهوي به إلى الحضيض.

وببيان آخر: الضوابط والتعاليم العامّة في دين الإسلام العظيم التي

٥٢٨

يتبّناها القرآن المجيد، والسُنّة الشريفة، والثقافة المتميّزة لأهل البيت (صلوات الله عليهم) لا تبتني على الاختصاص بالإسلام، بل على العموم لجميع الأديان السماوية؛ سواء التي وصلت بقاياها لنا، أم التي لم تصل.

لاشتراكها جميعاً في كونها مشرّعة من قبل الله (عزّ وجلّ)، وهو الحكيم المطلق، المحيط بكلّ شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء، والرؤوف بعباده الرحيم بهم، والعالم بما يصلحهم.

ولازم ذلك:

أوّلاً : أن لا يشرّع لهم من الدين إلّا ما يصلح شأنهم ويقرّبهم منه (عزّ وجلّ).

وثانياً : أن لا يأتمن على دينه وعباده إلّا مَنْ هو أهل لهذه الأمانة العظمى في علمه وورعه وعمله؛ ليعرّفهم بدينه، ويبلغهم به، ويحملهم عليه بقوله وسيرته، ويكون قدوة لهم يهتدون بهداه، ويستضيئون بنوره.

وكلّ ما خرج عن ذلك ممّا نُسب لتلك الأديان ورموزها المقدّسة لا بدّ أن يكون بهتاناً وزوراً، وتشويهاً ظالماً حتى لو صدرت نسبة ذلك ممّنْ ينتسب لتلك الأديان ويُعدّ من أتباعها.

كما إنّه ورد عن النبي وآله (صلوات الله عليهم أجمعين) الكثير من مفردات ذلك، وبيان تعاليم تلك الأديان التي تعالج مشاكل البشرية، والتأكيد على رفعة مقام رموزها العظام ونزاهتهم، وجهادهم في سبيل أداء رسالتهم، وما نالهم من الظلم والعدوان من أعداء دعوتهم ومن أممهم.

ولأجل ذلك فالحفاظ على الثقافة الإسلامية الأصيلة - نتيجة العوامل السابقة - كما يكون نصراً للإسلام العظيم يكون انتصاراً لتلك الأديان الشريفة ودفاعاً عنها، وحفاظاً على كرامتها وكرامة رموزها وقدسيتهم.

٥٢٩

تحريف الأديان بنحو مهين

ومن الملفت للنظر أنّه قد حصل بسبب تحريف تلك الأديان من التعدّي على مقام الله (عزّ وجلّ)، وعلى الوسائط بينه وبين خلقه - من الرسل والأوصياء (صلوات الله عليهم) - وعلى تشريعاته القويمة ما ترفضه العقول وتأباه النفوس بفطرته، بل يندى له الجبين وتقشعرّ لهوله الأبدان.

إلاّ إنّ ذلك وحده لا يكفي في وضوح بطلان ذلك وتكذيبه، وظهور الحقيقة، وتنزيه تلك الأديان إذا لم تكن هناك ثقافة سليمة متكاملة ذات قواعد وأصول محكمة متينة، وكان لتلك الثقافة دعوة مسموعة يلجأ إليها طالب الحقيقة.

وبدون ذلك يبقى الإنسان الذي يحترم نفسه، ويعتزّ بعقله، ويستضيء به مذبذباً بين الدعاوى المتناقضة للأديان المختلفة غير الخالية في نفسها عن السلبيات المذكورة حتى قد يرفضها جميعاً ويكفر بها، ويلجأ للثقافة المادية الصرفة، أو يعتنق بعض تلك الأديان بمجرد الانتساب تقليداً للآباء من دون إيمان حقيقي متركز في أعماق النفس ودخائله.

لو تمّ تحريف الإسلام لضاعت معالم الحقّ على البشرية

ونتيجة لذلك فلو فُتح المجال لتحريف الإسلام الخاتم للأديان، ولم يكبح جماحه؛ نتيجة العوامل المتقدّمة، لضاعت المعالم ولم يبقَ بيد الناس حقيقة مقدّسة تقبلها العقول، وتركن إليها النفوس، وتأخذ بمجامع القلوب، وتتفاعل بها من أجل خيرها وصلاحها.

ولبقي المجتمع الإنساني في حيرة وضياع بين الثقافات الدينية المحرّفة - المملوءة بالأساطير والخرافات والسلبيات، التي تأباها النفوس وترفضها العقول، كما سبق - والثقافة المادية الجافة التي تأباها الفطرة السليمة، والتي

٥٣٠

تسير بالمجتمع نحو الدمار الشامل في الأخلاق والمثل.

وحتى في مقوّمات نمو المجتمع الإنساني وبقائه في المعمورة؛ لاهتمام الثقافة المادية بحرية الفرد، وفسحها المجال لتمتّعه باللذة من أقرب طرقها من دون تركيز على بناء المجتمع، وتنظيم علاقة بعضه ببعض على أسس رصينة.

وقد كان لكبح جماح التحريف في الإسلام، وظهور دعوة الحقّ فيه أعظم الأثر في وضوح كثير من الحقائق في حق الله (عزّ وجلّ) وحق ملائكته وأنبيائه (صلوات الله عليهم) وتشريعاته القويمة، وظهور تشويهها في الأديان الأخرى، وحتى في بعض تراث المسلمين المشوّه.

ومن هنا كان لفاجعة الطفّ وغيرها من خطوات أهل البيت (عليهم السّلام) السابقة وجهودهم التي حدّت من محاولات التحريف لدين الإسلام العظيم، الفضل على الفكر الإنساني عامّة في وضوح منهجه وتعديل مساره.

ظهور السلبيات التي أفرزها التحريف

ويتضح ذلك بملاحظة أمر له أهميته، وهو أنّ الغرض المباشر من إقحام التراث المشوّه في الأديان - بما في ذلك دين الإسلام العظيم - هو تقبّل أتباعها له وإيمانهم به، وهو لا يكون إلّا لوجود الأرضية الصالحة لذلك بسبب اختلاط الأمر على الناس، وعدم وضوح معالم الحقّ من الباطل لهم. فوجود التراث المذكور في الأديان يكشف عن تحقّق تلك الأرضية حين إقحامه.

ولو أنّ الإسلام جرى على سنن الأديان السابقة، وتمّ للخطّ المخالف لأهل البيت (صلوات الله عليهم) ما أرادوا، ولم يكبح جماح الانحراف والتحريف نتيجة ما سبق، لبقيت هذه الأرضية ولتقبّل أهل كلّ دين تراثهم على ما هو عليه من التشويه، ولم يتوجهوا للسلبيات؛ لتشابه الأديان في ذلك

٥٣١

كواقع قائم، ولبقي الأمر مختلطاً على الناس.

بينما نرى الآن أنّ ما يحمله التشوّه - من خرافات أو ظلم للحقيقة لا يتناسب مع حقيّة تلك الأديان، أو تنافي كمال الله (عزّ وجلّ) المشرع له، أو قدسية الوسائط بينه وبين خلقه من الأنبياء والأوصياء (صلوات الله عليهم) - قد صار سمة عار على تلك الأديان وعلى المنتسبين إليه.

بحيث يكون مثاراً للنقد، بل الهجوم من طرف الخصوم، وسبباً لإحراج المنتسبين لتلك الأديان حتى قد يضطرون لتأويلها والخروج عن ظاهرها إن وجدوا لذلك سبيلاً، أو للفّ والدوران، وإشغال الخصوم بأمور جانبية تهرّباً من الجواب.

وربما يتهرّبون من فتح باب الحوار، أو يغلقونه بعد فتحه؛ لشعورهم بالعجز عن الدفاع والاستمرار في حلبة الجدال والصراع.

بل كثيراً ما يحاول حملة تلك الأديان والمعنيون بها صرف أتباع دينهم عن النظر في تراثه والاطلاع عليه والتدبّر فيه، أو منعهم عن فتح باب الحوار مع الآخرين والاطلاع على تراثهم والتعرّف على وجهة نظرهم، حذراً من أن يُصاب أتباع ذلك الدين بصدمة تزعزع عقيدتهم، وتجعلهم يبحثون عن البديل له.

وذلك يكشف عن اهتزاز تلك الأرضية، وأنّ معالم الحقّ والباطل أخذت موقعها المناسب من مرتكزات الناس، وصارت من الوضوح بحيث يتسالم عليها الكلّ، وقامت الثوابت التي يرجع إليها في مقام البحث والاستدلال.

كلّ ذلك بسبب كبح جماح الانحراف في الإسلام نتيجة الجهود المتقدّمة. ولا أقلّ من أنّ لذلك تأثيره المهم من هذه الجهة.

ولا نعني بذلك أنّ الناس قد اهتدت للدين الحقّ، ورفضت الأديان المحرّفة؛ إذ لازالت الحواجز عن ذلك قائمة من تقليد، أو تعصّب أو مصالح

٥٣٢

مادية، أو عدم الاهتمام بمعرفة الحقيقة... إلى غير ذلك من العوامل.

بل كلّ ما حصل هو وضوح معالم الحقّ بحيث جعل أهل الأديان المحرّفة يدركون سلبيات أديانهم، ويضيقون به على خلاف ما كان عليه أسلافهم.

أمّا الاهتداء للدين الحقّ فيبقى منوطاً بأسبابه، وأهمّها النظرة الموضوعية في الأدلّة والحجج، والشجاعة في تخطّي الحواجز، والاهتمام بالوصول للحقيقة، مع التوفيق والتسديد الإلهي. و( الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ) (١) .

____________________

١ - سورة الأعراف/٤٣.

٥٣٣

٥٣٤

الفصل الثاني

في إحياء فاجعة الطفّ

قد تبيّن في غير موضع ممّا سبق أهمية إحياء فاجعة الطفّ، وجميع مناسبات أهل البيت (صلوات الله عليهم) بمختلف الوجوه؛ من زيارة مراقدهم الشريفة، وتعاهد مشاهدهم الكريمة وعمارتها، وإقامة المجالس المذكرة في مناسبات أحزانهم وأفراحهم، والقيام بمظاهر الحزن والأسى، أو مظاهر الفرح والسرور بالنحو الذي يتناسب مع الحدث، وقول الشعر فيهم (عليهم السّلام)... إلى غير ذلك.

ولاسيما مع تأكيد الأئمّة (صلوات الله عليهم) على ذلك بوجه مذهل لا يدع مجالاً لقائل، ولا عذراً لمعتذر كما يظهر بالرجوع لتراثهم الرفيع.

والذي يهمّنا هنا هو التنبيه لأمور تتعلّق بإحياء هذه المناسبات كنّا قد تعرّضنا لها في مناسبات مختلفة بنحو متفرّق، ويحسن بنا هنا جمعها، وربما أضفنا هنا ما لم نتعرّض له سابقاً.

اختلاف الناس في مظاهر التعبير عن شعورهم إزاء الأحداث

الأمر الأوّل: إنّ الناس تختلف في مظاهر تعبيرها عن عواطفها نحو الأحداث المتعلّقة بأهل البيت (صلوات الله عليهم)، ومناسبات أفراحهم وأحزانهم، فلكلّ فئة من الناس مظهر وطريقة في التعبير تتناسب مع مداركها وأحاسيسها وبيئاتها وخصوصياتها المزاجية، ولو حملت على طريقة أخرى لم

٥٣٥

تتأثّر به، أو لم تتفاعل معها كتفاعلها مع ما تألفه.

فاللازم أن تُترك لكلّ فئة الحرية في أن تختار لنفسها الطريقة التي تناسبها في التعبير عن شعورها وعواطفها ما لم يتجاوز الحدّ المشروع.

إذ لو حرمت منه، وحملت على طريقة أُخرى لم تتجاوب معها، أو لم تتفاعل بها ذلك التفاعل، وخبت جذوة العاطفة فيها تدريجاً بمرور الزمن، وخسرنا طاقاتها في إبراز شعورها وعاطفتها نحو الحدث.

أهمية السواد الأعظم في حمل الدعوة والحفاظ عليها

كما إنّ الأحداث والتجارب من أعماق التاريخ حتى يومنا الحاضر قد أثبتت أنّ الذين يحملون لواء دعوة الحقّ وعناءه، ويستطيعون الاستمرار بها - عبر المعوّقات والمشاكل والمتاعب والمخاطر - هم جمهور المؤمنين وكثرتهم الكاثرة، وسوادهم الأعظم.

حيث إنّهم - بسبب كثرتهم - لا يسهل القضاء عليهم من قِبَل أعداء تلك الدعوة، ولا تجميد فعالياتهم وإيقاف مدّهم، ولا يتيسّر تبديل مفاهيمهم بالإغراء والتضليل.

ولاسيما أنّ مناسبات أهل البيت (صلوات الله عليهم) في أفراحهم وأحزانهم قد أخذت موقعها في نفوس عموم المؤمنين، وتجذّرت في أعماقهم؛ نتيجة انشدادهم لأهل البيت (عليهم السّلام) ولاءً وتقديساً كما ذكرناه سابقاً.

موقع الخاصة من الدعوة

أمّا الخاصة من المؤمنين - كرجال الدين والمثقّفين، وأهل المال، وذوي المقام الاجتماعي الرفيع - فهم وإن كان لهم موقعهم المهمّ في دعوة الحقّ، بل هم

٥٣٦

أوسمة فخر تتزيّن به، وفيهم الهداة لأتباعها في مسيرتهم، والحصون الواقية للدعوة الشريفة نفسها من التحريف والتشويه، والقوى الداعمة لها مادياً ومعنوياً، إلّا إنّهم لا يستطيعون لوحدهم الوقوف أمام الهجمة المعادية؛ بسبب قلّتهم وتميّزهم.

بل يسهل على الأعداء الحدّ من فعالياتهم، والمنع من تأثيرهم؛ إمّا بتصفيتهم جسدياً، أو تطويقهم وتجميد فعالياتهم بالسجن أو التخويف أو نحوهم، أو صرفهم بالترغيب والترهيب عن خدمة دعوة الحقّ، بل قد يحاولون حملهم على الوقوف ضدّها.

ولا يحمي الدعوة الشريفة إلّا الجمهور والسواد الأعظم الذين يحملون لواءها؛ فهم الحصن الحصين لها، والدرع التي تقيها من كيد الأعداء كما سبق.

بل إنّهم - بسبب كثرتهم وإصرارهم - قد يحمون الخاصة من ذوي المقام المتميّز في الدعوة؛ لأنّ في التنكيل بهم جرحاً لشعور الجمهور، ومثاراً لسخطهم قد يحسب له الخصم حسابه، ويخشى عاقبته.

أهمية فعاليات الجمهور في إحياء المناسبات الدينية

ونتيجة لِما سبق يجب تمكين جمهور الناس والسواد الأعظم من الطريقة التي يختارونها في التعبير عن شعورهم في المناسبات الدينية المختلفة، بل تشجيعهم على ذلك بمختلف الوسائل؛ لتتجذر في أعماقهم، وتنتشر بينهم من أجل أن يؤدّوا دورهم الرسالي على أرض الواقع باستمرار وإصرار.

وليكونوا ذخراً في الأزمات، وأمام الضغوط التي تضطر الخاصة للوقوف مكتوفي الأيدي لا يستطيعون حتى الإشارة والتلميح بما يختلج في صدورهم، بل قد يضطرون أو يختار بعضهم - نتيجة المغريات - تثبيط العزائم

٥٣٧

وإضعاف الهمم.

بينما نرى السواد الأعظم إذا اقتنعوا بإحياء المناسبات، وتجذّر ذلك في أعماقهم فهم أقدر على التمسّك بعاداتهم والاستمرار عليها؛ لأنّهم أبعد عن الضغوط، وأقدر على التخلّص منها أو الالتفاف عليها، ولنا في تجربة العراق القريبة أعظم العبر.

ويزيد في أهمية فعاليات الجمهور والسواد الأعظم أنّ كثرتهم، وسعة رقعة تواجدهم، واختيارهم في التعبير عن شعورهم الطريقة الأكثر إلفاتاً للحدث والأقوى وقعاً في التنبيه له، كلّ ذلك يجعل ممارساتهم سبباً في تبدّل جوّ المجتمع الذي يعيشون فيه، وتحويل صورته لصالح الحدث بنحو يدعو الجاهل، وينبّه الغافل، ويشدّ في اندفاع العامل، ويزيده ثباتاً وإصراراً وعزماً وتصميماً.

وبذلك تترك الممارسات المذكورة بصماتها في المجتمع وتجعله يعيش الحدث، ويتفاعل معه حتى يكون جزءاً من كيانه.

على الخاصة دعم الجمهور في إحياء المناسبات بطريقتهم

وإذا كانت الخاصة لا تستطيع المشاركة في هذه الممارسات عند الأزمات، بل قد لا تستطيع الإعلان عن شرعيتها فضلاً عن التشجيع عليها؛ للأسباب السابقة، فإنّها تستطيع ذلك كلّه عند انفراج الأزمة، وإطلاق الحريات.

فاللازم قيامها بذلك حينئذ من أجل رفع معنويات الجمهور، وإشعارهم بأهمّية موقعهم وموقفهم في إحياء المناسبات المذكورة، وتأكيد شرعية ذلك كلّه، وشكرهم عليه.

وبذلك تسدّ الطريق على مَنْ يحاول أن يفتّ في عضد الجمهور في ممارساتهم، ويحطّ من قدرهم، ويصمهم أو يشنّع عليهم بالجهل في قيامهم

٥٣٨

بتلك الممارسات؛ من أجل تهوين أمرها، أو التنفير عنها، والحدّ من اتساعها وانتشارها.

ولاسيما أنّ هذه الممارسات لاتزال مدعومة بالمدّ الإلهي، والكرامات الباهرة، والمعاجز الخارقة التي يلمسها الناس بأيديهم ويعيشونها في واقعهم باستمرار؛ حيث يكشف ذلك عن حبّ الله (عزّ وجلّ) لها، وشكره للقائمين بها وتشجيعهم عليها.

بل لذلك أعظم الأثر في تمسّك الناس بها وإصرارهم عليها، واستمرارهم فيها رغم المعوّقات الكثيرة، والمقاومات العنيفة المادية والمعنوية على مدى الزمن.

أهمّية الممارسات الصارخة

الأمر الثاني: إنّ للممارسات الصارخة التي تلفت الأنظار، والتي يقوم بها كثير من جمهور الشيعة وعامتهم، ويتحمّلون عناءها وجهدها، أعظم الأثر في إحياء فاجعة الطفّ وانتشارها على الصعيد العام؛ لأنّها الأحرى بإظهار عواطف الجمهور نحو الفاجعة، وتفاعلهم بها، وتجذّرها في أعماقهم، واستنكارهم للظلم الذي تعرّض له الإمام الحسين وأهل البيت (صلوات الله عليهم) عموماً، كما تعرّض له شيعتهم تبعاً لهم على امتداد التاريخ.

كما إنّ هذه الممارسات هي الأحرى بإلفات نظر الآخرين وتنبيههم للحدث، وحملهم على السؤال والاستفسار عن حقيقته، والتعرّف على خصوصياته وتفاصيله، ثمّ التجاوب مع الشيعة واحترام شعورهم، والتفاعل معهم أو مشاركتهم في آخر الأمر، بل الدخول في حوزتهم والانتماء لخطّهم في ظلّ ولاية أهل البيت (صلوات الله عليهم).

٥٣٩

وها نحن نرى هذه الأيام أثر هذه الممارسات في إلفات نظر العالم، وتوجيه وسائل الإعلام المختلفة نحو الفاجعة في مواسمها المشهودة.

وذلك يفسّر ما سبق في حديث معاوية بن وهب من دعاء الإمام الصادق (عليه السّلام) لزوّار الإمام الحسين (صلوات الله عليه)، وقوله: «اللّهمّ إنّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا، خلافاً منهم على مَنْ خالفنا؛ فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تتقلّب على حضرة أبي عبد الله (عليه السّلام)، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا...»(١) .

نعم، لا بدّ أن ينضمّ إلى تلك الممارسات بعض الممارسات الهادئة، كقراءة المقتل الفجيع، ومجالس العزاء الشارحة لظروف الفاجعة وأهدافها، والكتب أو النشرات المتحدّثة عنها بإسهاب أو إيجاز، كلّ على اختلاف الظروف والمناسبات.

كلّ ذلك من أجل التثقيف العام، والتعريف بالحدث، والتذكير به، واستيعاب مفرداته ومقارناته التي تزيد في وقعه، والتفاعل به.

الكلام في تطوير طرق إحياء المناسبات

الأمر الثالث: قد يظنّ الظانّ أنّ تطوّر الأوضاع في العالم المعاصر يلزم بتطوير وسائل الدعوة للمبدأ وكيفية إحياء هذه المناسبات، وتبديلها بما يتلاءم مع واقع العصر وينسجم معها.

لكنّنا في الوقت الذي نحبّذ فيه إيجاد وسائل تناسب التطوّر المذكور، نرى أنّ ذلك يجب أن يكون مصاحباً لهذه الشعائر بواقعها المعهود المألوف لا بدلاً عنها.

فإنّ هذه الشعائر والممارسات حينما وجدت في غابر الزمان وجدت غريبة

____________________

١ - تقدّم في/٤٩٨ - ٤٩٩.

٥٤٠