الإمامة الإلهية الجزء ٤

الإمامة الإلهية0%

الإمامة الإلهية مؤلف:
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 320

الإمامة الإلهية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: آية الله الشيخ محمد سند (حفظه الله)
المحقق: محمد بحر العلوم
تصنيف: الصفحات: 320
المشاهدات: 84184
تحميل: 5029


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 4
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 320 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 84184 / تحميل: 5029
الحجم الحجم الحجم
الإمامة الإلهية

الإمامة الإلهية الجزء 4

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الإمامة الإلهيَّة

١

٢

الإمامة الإلهية

بحوث سماحة الأستاذ آية الله الشيخ محمد السَّند

الجزء الرابع

تأليف

الشيخ قيصر التميمي

٣

٤

تقديم:

بسم الله الرحمن الرحيم

إنّ أحد أبواب عبادة اللَّه تعالى - نظير الصلاة والصوم والدعاء والذكر ونحوها من أنواع وأجناس وأصناف العبادات - هو التوسُّل إليه تعالى بأصفيائه وبالذين أخلصهم بقرباه.

فإن التوسّل إليه بهم، نحو زلفى وقربى إليه تعالى، فإن المتوسِّل يعطف بزمام قلبه إلى وجه اللَّه تعالى، وإن كان ( سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ * قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ * وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ

٥

وَهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ ) (1) .

فإن القبلة ليست إلاّ وسيلة للتوجّه بها إليه تعالى ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ) (2) .

( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَاْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَاْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) (3) .

فالقبلة ليست هي المعبود وإنما هي وجهة يتوجّه بها إليه تعالى، ومن ذلك صار آدم صفيُّ اللَّه قبلةً للملائكة ومسجودهم للَّه تعالى في قوله تعالى: ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ ) (4) ، ومن ذلك صارت بيوت موسى كليم اللَّه تعالى قبلة لبني إسرائيل في صلاتهم للَّه تعالى ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاة وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) (5) ، ومن ذلك قوله تعالى: ( إِذْ قَالَ يُوسُفُ ِلأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ) (6) ، ( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ

____________________

(1) البقرة: 142 - 148.

(2) البقرة: 177.

(3) البقرة: 189.

(4) البقرة: 34.

(5) يونس: 87.

(6) يوسف: 4.

٦

ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ) (1) .

( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْم ٍيُؤْمِنُونَ ) (2) .

وقد روى النسائي والترمذي في حديث الأعرابي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله علّمه قول: (يا محمّد، إني توجّهت بك إلى اللَّه) (3) .

وروى الترمذي وابن ماجة حديث عثمان بن حُنيف: أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: ادع اللَّه أن يعافيني، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إن شئت صبرت؛ فهو خير لك، وإن شئت دعوت)، قال: فادعه. فأمره أن يتوضأ ويدعو بهذا الدعاء: (اللهمّ إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجَّهت بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها، اللهمّ شفّعه فيّ). ورواه النسائي وصححه البيهقي، وزاد: فقام وقد أبصر (4) .

ومن ذلك يتبيَّن أن التوجّه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والاستشفاع به والاستعانة به إليه تعالى وتقديمه بين يدي الحاجة إليه تعالى وتوسيطه، هي عناوين موازية للتوسُّل به صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اللَّه تعالى، وقد قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ

____________________

(1) يوسف: 99 - 100.

(2) يوسف: 111.

(3) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب 118، سنن ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب 189، حديث 1385.

(4) سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب 119، حديث 3578، وسنن ابن ماجة، كتاب إقامة الصلاة، باب 189، حديث 1385.

٧

الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (1) ، وقال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) (2) .

فأمَر بابتغاء الوسيلة إليه تعالى، وقد عيّن تلك الوسيلة وهي التوجّه في الاستغفار والتوبة والأوبة بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن استغفار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتشفُّعه دخيل في توبة اللَّه تعالى عليهم ورحمته لهم.

وقال تعالى: ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكّيِهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (3) فجعل دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم دخيل في حصول السكينة والإيمان والطهارة لهم، وقوله تعالى: ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ) (4) ، وهذا نظير ما قاله تعالى في قصّة إخوة يوسف عليه‌السلام : ( قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) (5) ، وقوله تعالى: ( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (6) ، وقوله تعالى في شأن قوم موسى عليه‌السلام : ( فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ ) (7) ، وقوله تعالى في شأن قوم فرعون مع النبيّ موسى عليه‌السلام : ( وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ

____________________

(1) المائدة: 35.

(2) النساء: 64.

(3) التوبة: 103.

(4) محمد: 19.

(5) يوسف: 92 - 91.

(6) يوسف: 98 - 97.

(7) البقرة: 61

٨

عِنْدَكَ ) (1) ، وقوله تعالى في شأن النبيّ عيسى عليه‌السلام : ( اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجيِهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) (2) ، وقوله تعالى في شأن النبيّ موسى عليه‌السلام : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ) (3) .

والوجيه في اللغة هو ذو الحظوة والقرب ممَّا يتوجّه به إلى اللَّه تعالى ويتوسّل به إليه.

وقال اللَّه تعالى: ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) (4) ، المفسَّر بمقام الوسيلة والشفاعة كما في الدعاء المأثور: (اللهمّ ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آتِ محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، وارزقني شفاعته يوم القيامة).

ومن ذلك ينجلي أن الإيمان بمقام الشفاعة له صلى‌الله‌عليه‌وآله يلازم الإيمان بالتوسُّل؛ لأن التوسّل به صلى‌الله‌عليه‌وآله ينطوي على تشفّعه بقضاء الحاجة لديه تعالى، فالاعتقاد بالشفاعة دليل رجحان التوسّل ( لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ) (5) ، ( لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ) (6) ، فإذْنه تعالى في الشفاعة متطابق مع أمره تعالى ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (7) ، أي بالتوسّل إليه تعالى بالوسائل الشافعة

____________________

(1) الأعراف: 134.

(2) آل عمران: 45.

(3) الأحزاب: 69.

(4) الضحى: 5.

(5) الأنبياء: 28.

(6) مريم: 87.

(7) المائدة: 35.

٩

لديه، فالتوسّل والاستشفاع به صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اللَّه هو دعاؤه تعالى، والوسائل التي أذن تعالى أن يدعى بها هي أبواب لدعوته جلَّ وعلا؛ لا دعوة من دونه.

وروى الحاكم في مستدركه أن آدم لمَّا اقترف الخطيئة قال: (يا ربي، أسألك بحق محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا غفرت لي، فقال: يا آدم كيف عرفت؟ قال: لأنك لمَّا خلقتني نظرت إلى العرش، فوجدت مكتوباً فيه: لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه، فرأيت اسمه مقروناً مع اسمك، فعرفته أحبّ الخلق إليك) (1) .

وروى البخاري، عن أنس أن عمر بن الخطاب كان إذا أقحط الناس استسقى بالعباس فقال: اللهم إنا نتوسَّل إليك بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسَّل إليك بعمّ نبيك، ونستشفع إليك بشيبته، فسُقوا. (2)

وروى أحمد بن حنبل أن عائشة قال لها مسروق: سألتك بصاحب هذا القبر ما الذي سمعت من رسول اللَّه؟ - يعني في حق الخوارج - قالت: سمعته يقول: (إنهم شرّ الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم عند اللَّه وسيلة). (3)

وروى في كنز العمال عن عليّ عليه‌السلام أن يهودياً جاء إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقام بين يديه وجعل يحدّ النظر إليه، فقال: (يا يهودي ما حاجتك؟ ) فقال: أنت أفضل أم موسى؟ فقال له: (إنه يُكره للعبد أن يزكِّي نفسه، ولكن قال اللَّه تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )(4)، إن آدم لمَّا أصابته خطيئته التي تاب منها كانت توبته: (اللهمّ إني

____________________

(1) مستدرك الحاكم، ج2، ص615.

(2) صحيح البخاري، كتاب الاستسقاء، باب3، كتاب فضائل النبي، باب11.

(3) مسند أحمد بن حنبل ج1، ص140، ورواه في سنن الدارمي، كتاب الجهاد، باب39، وفي سنن ابن ماجة، المقدِّمة، باب14، حديث 170.

(4) الضحى: 11.

١٠

أسألك بمحمد وآل محمد لمّا غفرت لي، فغفر له) (1) ؛ ويشير صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى قوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (2) .

وقد أطلق القرآن الكلمة على المقرَّبين عنده تعالى كما في قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) (3) ، وقال تعالى: ( أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ ) (4) .

وكيف لا يكون آل محمد عليه‌السلام وسائل الدعاء إلى اللَّه تعالى وقد حباهم اللَّه تعالى بالزلفى، واجتباهم وحظاهم بأنعمه الخاصة، وجعلهم السبيل إليه تعالى؟! فقال: ( قُلْ لَا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (5) ، وقال: ( قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ ) (6) ، وقال: ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً ) (7) .

فمودّتهم سبيل إليه، وهم الوسيله للتوجّه إليه تعالى، وقد أبان قربهم إليه من بين الأمة ومزيد عنايته بهم؛ حيث قال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً ) (8) .

ثُم لا يخفى أن التوسّل والاستشفاع بالمقرَّبين إلى الباري تعالى هو من

____________________

(1) كنز العمال، ج11، ص455.

(2) البقرة: 37.

(3) آل عمران: 45.

(4) آل عمران: 39.

(5) الشورى: 23.

(6) سبأ: 47.

(7) الفرقان: 57.

(8) الأحزاب: 33

١١

آداب الدعاء والتوجّه إلى الحضرة الإلهية؛ فإننا كما نتوجّه بجسمنا في الصلاة إلى المسجد الحرام والكعبة بقصد التوجّه الحقيقي بقلوبنا إلى اللَّه تعالى، فليست الكعبة إلّا وسيلة للتوجه إليه تعالى، ومن شرائط عبادته تعالى، فهذا يفصح عن دور الوسيلة والوسائل في التوجّه والدعاء، مع أن الشأن ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ) ، لكن ذلك لا ينفي خصيصة المسجد الحرام والكعبة المشرّفة؛ ألا ترى أن الباري تعالى جعل آدم عليه‌السلام قبلة لسجود الملائكة مع كون السجود هو للَّه تعالى، ولم يُقبل من إبليس اللعين السجود للَّه تعالى من دون أن يتّخذ آدم قبلة يتّجه بها إليه تعالى، وكرّر تعالى هذه الواقعة في سبع سور قرآنية؛ كل ذلك لأجل أن يبيِّن تعالى أن من آداب عبادته تعالى ودعائه التوجّه إليه بأوليائه المقرَّبين، وأن هذا الأدب اللازم هو نمط من التعظيم للَّه تعالى كما هو الشأن في الكعبة المشرّفة والبيت الحرام؛ فقد جعل تعالى لهما حرمة وتقديس، وجعل حرمتهما وتعظيمهما من حرمته وتعظيمه، وقال تعالى: ( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (1) .

ولا يخفى على الفطن اللبيب أن مقتضى قوله تعالى: ( قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ * قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

____________________

(1) الحج: 32.

١٢

وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ * وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ) (1) .

وقوله تعالى: ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنََما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (2) .

إن فعله تعالى وخلقته وجهُه وآيتُه تعالى، فإن مخلوقية ما في الشرق وما في الغرب؛ أي ما في الكون أجمع، آيات تتَّجه بالمتدبّر فيها إلى اللَّه تعالى، فهي وجهه تعالى، والقبلة ما يقابل عند الاتجاه، وتولية الوجه جهة القبلة المقابلة بما هي رمز لوجهه تعالى، فكأنَّا نستقبل بتولية وجوهنا تجاه القبلة وجهه تعالى؛ إذ الاستقبال والمقابلة إنما تحصل بتوجّه المستقبِل (بالكسر) بوجهه تجاه وجه المستقبَل (بالفتح)، فآياته الكبرى سبحانه وجهه تعالى، وكذلك كلماته التامَّات هي آياته، وهي وجهة له تعالى يتَّجه بها إليه، كما مرّ أن النبيّ عيسى عليه‌السلام كلمته وآيته ( إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجيِهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) (3) ، كما وصف بذلك النبيّ موسى عليه‌السلام : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا

____________________

(1) البقرة: 148 - 142.

(2) البقرة: 115.

(3) آل عمران: 45.

١٣

وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ) (1) . فوجهه تعالى ليس ما يذهب إليه المجسِّمة الزائغة عن التوحيد من إثبات الجسم والأعضاء(تعالى اللَّه عن ما يقوله الظالمون علواً كبيراً)، بل هو آيات خلقته التامة الدالة على عظمته وكماله.

وإن التوجّه إلى أشرف مخلوقاته هو تولية لشطر الوجه نحو وجهه الكريم. وفي رواية الصدوق في أماليه في قصّة الشاب النبّاش للقبور، حيث كان يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها واقفاً على باب رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأُدخل فسلّم، فردّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثُم قال: (ما يبكيك يا شاب؟) قال: كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوباً إن أخذني اللَّه عزَّ وجلَّ ببعضها أدخلني نار جهنم، ولا أراني إلّا سيأخذني بها ولا يغفر لي أبداً، فأخذ رسول اللَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يسائله عن نوع معصيته، هل هي الشرك أو قتل النفس أو غيرها، إلى أن أقرّ الشاب بجنايته، فتنفّر نبي الرحمة من فظاعة جرمه، فذهب الشاب إلى جبال المدينة وتعبّد فيها، ولبس المسوخ، وغلّ يديه جميعاً إلى عنقه، ونادى: يا ربّ، هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول، يا رب، أنت الذي تعرفني، وزلّ مني ما تعلم يا سيدي، يا رب، إني أصبحت من النادمين، وأتيت نبيّك تائباً فطردني وزادني خوفاً، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تخيِّب رجائي سيدي، ولا تبطل دعائي، ولا تقنطني من رحمتك، فلم يزل يقول ذلك أربعين يوماً وليلة، وتبكي له السباع والوحوش، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله آية في توبته: ( الَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ) (2)

____________________

(1) الأحزاب: 69.

(2) آل عمران: 135.

١٤

ويقول عزّ وجلّ: (أتاك عبدي - يا محمد - تائباً فطردته، فأين يذهب؟ وإلى مَن يقصد؟ ومَن يسأل أن يغفر له ذنباً غيري؟) ثُم قال عزّ وجلّ: ( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ) (1) .

فجعل الباري الإتيان إلى نبيه وقصده إتيان إلى بابه تعالى وقصد إليه، ومِن ثَم قال تعالى في آية أخرى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ) (2)

اللهمّ إنّا نسألك ونتوجّه إليك بنبيك نبي الرحمة، وإمام الهدى، وآله المطهّرين الذين أذهبت عنهم الرجس، وافترضت علينا مودَّتهم في كتابك، صلواتك عليه وآله، يا رسول اللَّه، يا رسول اللَّه، إنّا توجّهنا واستشفعنا بكم إلى اللَّه، فاشفعوا لنا عند اللَّه، فإنكم وسيلتنا إلى اللَّه، وبحبّكم نرجو النجاة، فكونوا عند اللَّه رجانا.

عشّ آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله / 1426 هـ

محمَّد سنَّد                 

____________________

(1) آل عمران: 136 - 135.

(2) النساء: 64.

١٥

١٦

المقدِّمة

الحمد للَّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطيِّبين الطَّاهرين.

إن هذا الكتاب يعدّ محاولة جادّة لدراسة عقيدة التوسّل ونظرية التوسيط، التي كانت ولا زالت مثار جدل ديني وبشري دائر بين ثنائية القبول والجحود.

والذي يطالع المسيرة التاريخية لهذه المسألة جيّداً يجد أن الفكر البشري - الذي خاض صراعاً مريراً بين قوى الشرّ المتمثِّلة بالطغاة والجبابرة المستكبرين وبين قوى الخير التي قاد مسيرتها الأنبياء والأوصياء المصلحين - آمن واعتقد بكافَّة أطيافه ومكوناته بضرورة التوسّل، وهكذا اتخذت البشرية لنفسها وسائط تربطها بربّها العلي العظيم، الذي لا يمكن الارتباط به ارتباطاً جسمانياً حسّياً ولا مواجهته مواجهة نفسية أو عقلية لعلوّه وعظمته تبارك وتعالى، ولكن - وللأسف - نرى أن القرآن الكريم بعد أن أرّخ تلك الملحمة صرّح بأن البشرية حادت عن طريق الصواب عندما حكّمت إرادتها على الإرادة الإلهية والسلطان الإلهي، فأخطأت الأفراد والمصاديق الحقيقية لمتعلّق تلك العقيدة الفطرية، حيث آمنت - تحكيماً لسلطانها - بوسائل ووسائط موهومة اقترحتها من لدن ذاتها، محكّمة في ذلك هواها على سلطان الربّ وإرادته.

١٧

قال تعالى: ( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ) النجم: 23.

وفي الوقت ذاته نجد أن الآيات القرآنية - كما سيتَّضح في فصول الكتاب - أكّدت ودعت وألزمت الخلق باتخاذ الوسائط الإلهية والآيات البيِّنات والعلامات الشارعات والحجج الباسقات التي نصبها اللَّه عزَّ وجلَّ لمخلوقاته وأمرهم بالتمسّك والتوسّل والتوجُّه بها واللُّوذ واللجوء إليها والارتماء في أحضانها وحضرتها المشرَّفة؛ من أجل التوصّل إلى بصيص عظمة اللَّه تعالى ونيل القرب منه وقبول وتحقّق العقيدة الصحيحة وارتفاعها بالعمل وتفتّح أبواب السماء لها بالآيات والحجج.

ولكن مع ذلك كلّه يُلاحظ أن كلاماً من هنا وهناك قد يطلقه بعض مَن لم يدرك حقيقة الأمر؛ تقنيعاً لجحوده وتشويهاً لعقيدة التوسّل، حيث نجد أن أفراداً عندما جحدوا تلك العقيدة حاولوا أن يلصقوا تهمة الشرك وعبادة غير اللَّه تعالى بالمسلمين الذين آمنوا بعقيدة التوسّل وتعاطوا الوسائط وتوجّهوا إلى اللَّه تعالى بآياته وحججه الكبرى في عقيدتهم ودعائهم وعباداتهم.

ثمّ تفاقم الأمر حتى بلغ الحال ببعضهم أن حكم بكفر طوائف من المسلمين واستحلّ دماءهم لتوسّلهم وتوجّههم واستجارتهم بأنبياء اللَّه ورسله وخلفائه في الأرض.

واستمرت مسيرة الانحراف المقنّعة بشعارات التكفير حتى اتخذت لنفسها أثواباً جديدة تتناسب ومتطلَّبات العصر؛ حيث وصفوا عقيدة التوسّل بالتسوّل والاستجداء، وقالوا: إن التوسّل بالأنبياء والرسل والأوصياء صنمية

١٨

وغلوّ في الأشخاص، وقد تناسوا أن هذه مقالة إبليس عندما أبى واستكبر بنفسه عن السجود إلى خليفة اللَّه وجعْله واسطة في نيل رضا الربّ عزّ وجل، وأصبح بذلك مذموماً مدحوراً مطروداً عن ساحة الرحمة الإلهية.

خطّة البحث:

لا يخفى على القارئ الكريم أن هذا الكتاب هو مجموع الأبحاث التي ألقاها على جمع من طلبة العلْم سماحة الأستاذ المحقّق آية اللَّه الشيخ محمّد السند، حيث قام بتسليط الضوء على عقيدة التوسّل وبيان مساحتها ودائرتها ومنزلتها ودورها في منظومة العقيدة الإسلامية على ضوء البيانات القرآنية المعتضدة بالعقل والسنّة النبويّة ومنهاج أهل البيت عليهم‌السلام .

وقد وفّقني اللَّه تعالى لتقرير هذه الأبحاث القيّمة فجاءت على أربعة فصول وخاتمة.

أمَّا الفصل الأول، فقد تركّز البحث فيه على بيان حقيقة التوسّل في اللغة والاصطلاح، ثم إعطاء التصورات الصحيحة حول عقيدة التوسّل ودور الوسائط والوسائل والتوجّه إليها والتوسّل بها في العقيدة التوحيدية، وبعد ذلك تمّ التعرّض للأدلّة العقلية والتحليلية والتاريخية التي تنصّ على ضرورة التوسّل بحسب الدائرة الكونية والأدبيات الدينية وتأريخ الأديان وأعراف العقلاء وشرعيَّاتهم.

وأمَّا الفصل الثاني، فقد تمحور البحث فيه على الأدلّة والآيات القرآنية التي نصّت على التشريع الإلهي لعقيدة التوسّل، حيث ميّزت الآيات القرآنية الوسائط والوسائل المستنكرة عن غيرها، وأن الشرك بالتوجّه إلى الوسيلة

١٩

المقترحة والمخترعة من سلطان العبد ذاته، وأن التوحيد التامّ بالتوسّل والتوجّه إلى آيات اللَّه وحججه التي أمر العباد باتخاذها وسيلة، والإعراض عن هذه الوسائط والاستكبار والصدّ عنها غلق لأبواب السماء وحبط للأعمال وطرد وإبعاد عن رحمة اللَّه تعالى.

وأمَّا الفصل الثالث، فقد تمّ التعرّض فيه إلى ضرورة وشرطية ولا بدّية التوسّل في صحة العقيدة وسائر العبادات، وكذا شرط في نيل المقامات الإلهية والمنح الربّانية، واستدلَّينا على ذلك بالآيات الصريحة التي تنصّ على أن التوسّل والتوجّه بالحجج الإلهية ليس أمراً راجحاً؛ بيد العبد فعله أو تركه، بل هو أمر حتمي وضروري لابدّ منه، ومن دونه تكون أبواب السماء مقفلة بوجه العقيدة والعبادة ونيل المقامات ودرجات القرب.

وفي الفصل الرابع: تم التعرّض لأهم الشبهات التي ذُكرت حول التوسّل مع الإجابة عنها.

وأمَّا في الخاتمة، فقد ذكرنا بعض الروايات التي وردت في مجامع أهل سنة الجماعة، التي تنصّ على مشروعية التوسّل وضرورته، وكذا ذكرنا بعض كلمات أعلام السنّة حول التوسّل.

وختماً أتوجّه إلى اللَّه عزّ وجلّ بنبيه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرين أن يحفظ شيخنا الأستاذ، وأن يتقبّل منه ومنّا هذه البضاعة إنه نعم المولى ونعم النصير.

الشيخ قيصر التميمي

25/ ذي القعدة/ 1426

٢٠