التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي0%

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 550

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
تصنيف:

الصفحات: 550
المشاهدات: 152852
تحميل: 5796

توضيحات:

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152852 / تحميل: 5796
الحجم الحجم الحجم
التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

مؤلف:
العربية

ومخالفته أيضاً لما ورد من نهي النبيّ عن تغيير من اسمه محمّد بقوله: ‏(‏ ولو حوّل ‏اسمه أُخِذَ منه‏)‏(١) .

بل الحديث صحيح المعنى لكنه لا يفيد المستدل، لأنّ التسمية في الأ يّام الس-بعة الأولى ‏يزيد من أسماء‏ ‏(‏ محمّد ‏)‏ يوم القيامة، وتكون له الآثار الوضعية‏ من البركة‏ وغيرها ‏والتغيير إنما لكي لا يختلط المسمَّون‏ بذلك، وأ مّا الذي ي-ؤخذ منه (لو حَوّل اسمه‏) فإنما ‏ذلك إذا حوّله كراهته للاسم أو إعراضاً عنه.

كلّ ذلك مع الأخذ بنظر الاعتبار بأنّ الرواية مرسلة، لأنّ فيه ( عن بعض أصحابنا ‏عمّن ذكره عن أبي عبدالله )، ونحن لو أردنا الأخذ بالحديث فلابدّ من حمله على جواز ‏كون التغيير إلى الأسماء الحسنة الأخرى والمشتقّة من اسم الباري كعليّ، والحسن، ‏والحسين، لأنّ جميع هذه الأسماء فضيلتها في مرتبة واحدة.

وهنا سؤال آخر يمكن طرحه أيضاً وهو:‏

من الثابت المسلّم عند الفريقين بأنّ اسم خالد وحكم وحكيم وحارث(٢) من الأسماء ‏المنهيّة عند الشارع المقدّس، وقد جاءت بذلك الروايات الصحيحة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والمعصومينعليهم‌السلام ، والآن نتساءل: لماذا نرى عدداً من أصحاب رسول الله ‏والأئمّة وأولادهم، وأولاد أولادهم، وعلماء الأمّة ومحدّثيهم قد تسمّوا بهذه الأسماء، ‏والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة والصحابة والتابعين سكتوا عنهم؟ وماذا يعني هذا ‏الأمر ؟ وكيف يسمّون باسم منهيّ عنه ؟

فكلُّ ما يقال في جواب مثل هذا الأمر يمكن قوله في سبب اقرار الأئمّة التسمية بأسماء ‏الخلفاء!!!‏

____________________

١- الكافي ٦: ١١ ح ٣ وعنه في وسائل الشيعة ٢١: ٣٧٧ ح ٤.

٢- الكافي ٦: ٢٠، ٢١ ح ١٦، التهذيب ٧: ٤٣٩ ح ١٥، ١٧، سنن أبي داود ٤: ٢٨٩ ٧ ذيل الحديث ‏‏٤٩٥٦، قال أبو داود وغير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم ...‏

١٤١

رسول الله وتغييره لاسمي حمزة وجعفر

وهناك شيء آخر لفت انتباهي، وهو ما روي عن سودة بنت مسرح، قالت: كنت ‏فيمن حضر فاطمة رضي ‌الله ‌عنها حين ضربها المخاض في نسوة، فأتانا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: كيف هي ؟ قلت: إنّها لمجهودة يا رسول الله، قال: إذا هي وضعت فلا ‏تسبقيني فيه بشيء، قال: فوضَعَتْ فَسَرُّوهُ(١) ولفّوه في خرقة صفراء، فجاء رسول الله ‏صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: ما فعلت ؟ فقلت: قد وضعت غلاماً وسَرَرْتُهُ ولففته في خرقة، ‏فقال: عصيتني، قلت: أعوذ بالله من معصيته ومن غضب رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ‏قال: فائتني به، فأتيته به فألقى عنه الخرقة الصفراء ولفّه في خرقة بيضاء، وتفل رسول ‏اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في فيه وألبأه بريقه، فجاء عليّرضي‌الله‌عنه فقال: ما سمّيته يا ‏عليّ ؟ قال: سمّيته جعفراً، قال: لا، ولكن حسن وبعده حسين وأنت أبو حسن، وفي ‏رواية: وأنت أبو حسن الخير. رواه الطبراني بإسنادين(٢) .

وفي الذرية الطاهرة للدولابي: حدّثنا أحمد بن يحيى الصوفي، نا يحيى بن حسن بن ‏القزاز، نا عمرو بن ثابت، عن عبدالله بن محمّد بن عقيل، عن محمّد بن الحنفية، عن ‏علي: أ نّه سمّى الحسن بعمّه حمزة وسمّى حسيناً بعمّه جعفر، قال: فدعاني رسول الله ‏صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمّى الأكبر بحسن - بعد حمزة - وسمّى الأصغر بحسين - بعد ‏جعفر -(٣) .‏

وهذا الخبر يدعونا إلى السؤال: لماذا يغيّر رسول الله اسم حمزة وجعفر ؟ ‏

____________________

١- أي: قطعوا سُرَتة.

٢- مجمع الزوائد ٩: ١٧٤ والنصّ منه، المعجم الكبير ٣: ٢٣ ح ٢٥٤٢، ٢٤: ٣١١ ح ٧٨٦، الإصابة ‏‏٧: ٧١٩ ت ١١٣٥٤، كنز العمال ١٣: ٦٥١ ح ٣٧٦٥٥، تاريخ مدينة دمشق ١٣: ١٦٨ - ١٦٩، تهذيب ‏الكمال ٦: ٢٢٢ - ٢٢٣.‏

٣- الذرية الطاهرة النبوية للدولابي: ٩٩، ذخائر العقبى: ١٢٠، تاريخ مدينة دمشق ١٣: ١٧٠، كنز العمال ‏‏٣: ٦٦٠.

١٤٢

وهل هما اسمان بذيئان أو يحملان معنىً عقائدياً باطلاً ؟ في حين أنّك قد وقفت قبل ‏قليل على أنّ اسم حمزة من أحبّ الأسماء إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما يعني هذا ؟

الجواب: لا ليس الأمر كذلك، بل هما اسمان محبوبان ولهما معنى حسن لغة ‏واعتقاداً، وقد افرد النوري في مستدرك وسائل الشيعة باباً باسم ( استحباب التسمية بأحمد ‏والحسن والحسين وجعفر وطالب وعبدالله وحمزة وفاطمة ).

وقد روي في أخبار آخر الزمان بأنّ السفياني سيقتل كلّ من سمّي بعليّ والحسن ‏والحسين وجعفر وحمزة، وهو يشير إلى أ نّها رُمُوزٌ علوية عقائدية سياسية مضافاً إلى ‏أنّها أسماء حسنة ولها معاني حسنة، وأنّ رجالها رجال خير وشهداء، اذن لماذا غيّر ‏رسول الله مثل هذه الأسماء ؟ وماذا يعني فعلهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟

الجوابُ هو أنّ هذه الأسماء أسماء حسنة و يجوز التسمية بها، بل التسمية بها مستحبّة ‏حسبما أفرد المحدّث النوري باباً لها في مستدركه، لكنّ الأمر أ نّه لم يكن مثل التسمية ‏بالحسن والحسين، لأنّ اسميهما من الأسماء الربّانية المشتقّة من اسم الباري، وأن هذا ‏التغير خضع لأمر الباري; إذ جاء في تاريخ دمشق بإسناده عن عبدالله بن محمّد بن ‏عقيل: إنّ عليّا لمّا ولد ابنه الأكبر سمّاه بعمّه حمزة، ثمّ ولد ابنه الآخر فسماه بعمّه جعفر، ‏قال: فدعاني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: إنّي قد أُمِرْتُ أن أغيّر اسم هذين، قال: قلت: ‏الله ورسوله أعلم، فسمّاهما حسناً وحسيناً(١) .‏

وفي آخر ذكر المحسن معهما فقال: سميتهم بأسماء ولد هارون شبر وشبير ‏ومشبر(٢) .

____________________

١- تاريخ دمشق ١٤: ١١٧، والخبر في مجمع الزوائد ٨: ٥٢، قال: رواه أحمد وابو يعلى بنحوه والبزار ‏والطبراني، وفيه عبدالله بن محمّد بن عقيل وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح، مسند أحمد ١: ١٥٩ ح ‏‏١٣٧٠.

٢- مسند احمد ١: ٩٨ ح ٧٦٩، مناقب الكوفي ٢: ٢٢١، مستدرك الحاكم ٣: ١٨٠ ح ٤٧٧٣، وفي روايات ‏العامة انّه عليه السلام سمّى أولاده الثلاثة بحرب وهو لا يتفق مع الروايات الاخرى وباعتقادي باطل وبيانه ‏يحتاج إلى وقت آخر.

١٤٣

وفي الذرية الطاهرة للدولابي باسناده عن عمران بن سليمان، قال: الحسن والحسين ‏اسمان من أسماء أهل الجنّة ولم يكونا في الجاهلية(١) .

التسمية بعبدالله عند أهل البيت

من خلال هذا العرض السريع يمكننا أن نجيب عن إشكال آخر مفاده: لماذا لا يسمّي ‏الأئمّة أولادهم - بما قعّدوه من قاعدة من استحباب التسمية - بما عبّد وحمّد، فلا نرى بين ‏أولادهم من اسمه عبدالله، وعبدالرحمن، وعبدالوهّاب ؟

الجواب: إنّ الأئمة جاءت أسماؤهم من قبل الباري، وهي مشتقة من اسمه جلّ وعلا، ‏وبذلك تكون محبوبيتها أعلى وأسمى من باقي الأسماء، بل هي أسماء جعلها الله تعالى لهم ‏خاصّة ثم اطلقت على اخرين، ولأجل ذلك ترى أسماء غالب الطالبين يدور مدار اسم ‏محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين; لأ نّها أسماء مشتقّة من اسم الباري ولها الرصيد ‏الأكبر عندهم، بعدها يأتي دور الأسماء الأخرى، أ مّا دعوى عدم تسمية أئمّة أهل البيت ‏أولادهم بعبدالله فهي دعوى باطلة، لأنّ كثيراً من آل البيت والطالبين سمّوا أولادهم بعبدالله ‏وعبيدالله، حتّى أنا نرى من بين الأئمّة - كالإمام علي والإمام الحسين - من سمّى ولدين ‏أو ثلاثة باسم عبدالله أو عبيدالله.

فِريةٌ في التسمية

هنا نكتة أخرى لابد من توضيحها، وهي: وجود روايات دالّة على رغبة الإمام علي ‏في تسمية أولاده الثلاثة - الحسن والحسين ومحسن - بحرب، وأن يكنَّى هو بأبي حرب، ‏حتى جاء رسول الله وبَدَّلها في المراحل الثلاث، فما يعني هذا ؟ وهل أ نّه أراد بكلامه ‏المعنى الوصفي للكلمة، وحسب تعبير بعض الكتاب ‏

____________________

١- الذرية الطاهرة: ١٠٠ - ١٠١ ح ٩٢.

١٤٤

بأن يرشّح أبناءَه للنزال والبراز وأن يعدّهم شجعاناً مثله، لأنّ الأسماء لها دلالاتها ‏وتأثيراتها على الأفراد ؟

أم أراد منه الاسم العلمي وشخصاً معيَّناً يسمّى بحرب في الجاهلية ؟

فمن هو يا ترى ؟

وهل أن الإمامين الحسن والحسين بحاجة إلى تأثيرات الأسماء عليهما، وهل أن ‏الشجاعة التي ورثها الحسن والحسين من أبيهم وجَدِّهم كانت لخصائصهم الذاتية أم لتأثير ‏الأسماء.

وأن مواقفهم في حرب الجمل وصفين والنهروان خير شاهد على القول الأول لا ‏الثاني، وكذا خروج الإمام الحسين على يزيد وهو الظالم السفاك ؟ واليك الآن بعض تلك ‏الأخبار التي تدّعي هذه الفِرية:‏

ذكر ابن سعد ( ت ٢٣١ ه- ) في طبقاته خبرين أحدهما: حدثنا زهير بن معاوية، عن ‏أبي إسحاق [السبيعي]، قال: لمّا ولد الحسن سمّاه عليٌّ حرباً، قال: وكان يُعجبه أن يُكنَّى ‏أبا حرب، فقال رسول الله: وما سمّيتم ابني ؟ قالوا: حرباً، قال: ما شأن حرب ؟! هو ‏حسن.

فلما وُلِدَ حسين سمّاه عليٌّ حرباً، فقال النبي: ما سميتم ابني ؟ قالوا: حرباً، فقال ‏النبي، ما شأن حرب ؟! بل هو حسين.

فلما ولد الثالث سماه حرباً، فقال رسول الله: ما سميتم ابني ؟ قالوا: حرباً، فقال: ما ‏شأن حرب ؟! هو محسن أو محسّن(١) .

وفي المعجم الكبير للطبراني ( ت ٣٦٠ ه- ) خمسة أسانيد، منها: حدثنا محمّد بن ‏عبدالله الحضرمي، ثنا عبدالله بن عمر بن أبان، ثنا يحيى بن عيسى الرملي التميمي، ثنا ‏الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، قال: قال عليٌّ: كنتُ رجلاً اُحبُّ الحرب، فلما ولد ‏الحسن هممت أن أسمّيه حرباً فسماه رسول الله: الحسن، فلما ‏

____________________

١- ترجمة الإمام الحسن من طبقات ابن سعد: ٣٤ ح ٢٧.

١٤٥

ولد الحسين هممت أن اسميه حرباً فسمّاه رسول الله: الحسين، وقال: إنّي سمّيت ‏ابنيَّ هذين باسم ابنَي هارون شبّراً وشبيراً(١) وفي آخر، سميتهم بولد هارون شبر وشبير ‏ومشبر(٢) .

وفي مجمع الزوائد للهيثمي ( ت ٨٠٧ ه- ): عن علي قال: لما ولد الحسن سميته حرباً ‏وكنت أحب أن أكتني بأبي حرب، فجاء النبي فحنّكه فقال: ما سميتم ابني ؟ فقلنا: حرباً، ‏فقال: هو الحسن.

ثم ولد الحسين فسميته حرباً، فأتى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فحنكه فقال: ما سميتم ‏ابني ؟ فقلنا: حرباً، فقال: هو الحسين.

ثم قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني بنحوه بأسانيد ورجال أحدهما رجال ‏الصحيح(٣) .

وهذه النصوص تدعونا للتأمل فيها، وذلك لوجود الجمل التالية:‏

‏١ - ‏(‏وكان يعجبه أن يكنّى أبا حرب‏)‏ أو ‏(‏كنت رجلاً أحب الحرب‏)‏ أو ‏(‏كنت أحب أن أُكَنَّى ‏بأبي حرب‏)‏.

‏٢ - تكرار الحادثة بعينها في أولاده الثلاث من فاطمة الزهراء: الحسن والحسين ‏ومحسن، مع وقوف الإمام على كراهة النبي تسمية حفيده بحرب ؟

‏٣ - قول رسول الله: ما شأن حرب ؟

فلو أراد الإمامُ المعنى الوصفيَّ فلماذا لا نراه يسمّي الآخَرِين من ولده بحرب بمشتقاته ‏مثل محارب، حريب، وأدوات الحرب وصفاته كالسيف، والصارم، والهيجاء، ‏ومقاتل، ومُنازِل، فالإمام لا يفتقر إلى الشجاعة ولا يحتاج في إخافة العدو إلى اطلاق هذه ‏الأسماء على ولده، فهو كابن عمّه رسول الله كان منصوراً بالرُّعب كرامة من الله، وكان ‏اسمه الإلهي حتفاً للأعداء، وكان ذلك الاسم المبارك ‏

____________________

١- المعجم الكبير للطبراني ٣: ٩٧ ح ٢٧٧٧، تاريخ الإسلام ٥: ٩٤، قال: منقطع.

٢- مسند أحمد ١: ٩٨ ح ٧٦٩، ١: ١١٨ ح ٩٥٣، المعجم الكبير ٣: ٩٦ ح ٢٧٧٣، ٢٧٧٤.

٣- مجمع الزوائد ٨: ٥٢. مسند البزار ٣١٥ ح ٧٤٣، المعجم الكبير ٣: ٩٧ ح ٢٧٧٥.

١٤٦

مذكوراً في كتب السالفين، لذلك كان أمير المؤمنين يخيف أعداءه بقوله: ‏(‏ إنا الذي ‏سمّتني أمّي حيدرة ‏)‏، وكانت مرضعة مرحب اليهودية قد قالت لمرحب: بارز من شئت ‏من الناس إلاّ شخصاً اسمه عليّ ويُدعى حيدره، فلذلك كاع مرحب عن عليّ أوّلاً حتى ‏عَرّه الشيطان بقتال أمير المؤمنين، وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا غضب في ‏الحروب قال: أنا أبو الحسن، ولا يقول: أنا أبو حرب، وكان الإمام الحسينعليه‌السلام ‏إذا كرَّ في كربلاء وهو وحيد قال: أنا الحسين بن علي.

فهذه الأسماء الإلهية ‏(‏ علي ‏)‏ ‏(‏ حيدرة ‏)‏ ‏(‏ الحسن ‏)‏ ‏(‏ الحسين ‏)‏ هي التي ترعب الأعداء ‏لأ نّها تعني انضباب الغضب الإلهي على العدوّ، وهذه الروايات المفتريات تريد ترسيخ ‏مفاهيم الجاهلية حيث كانوا يسمون أبناءهم بالأسماء المرعبة ‏(‏ حرب ‏)‏ ‏(‏ ذيب ‏)‏ ‏(‏ فاتك ‏)‏ ‏لإخافة أعدائهم، وقد غفل هؤلاء الوضاعون عن الفرق بين الإخافة الإلهية ‏(‏ نصرت ‏بالرعب ‏)‏ وبين الإخافة الجاهليه.

نعم، إنّهم نسبوا له هذه الأخبار كي يقولوا بأنّ الإمام علي بن أبي طالب يحبّ الحرب ‏وهو متعطش للدماء - والعياذ بالله - ولأجل ذلك أحب أن يكتني بأبي حرب، في حين أنّ ‏الواقف على سيرة الإمام يعلم بأ نّهعليه‌السلام لا يحبّ الحرب بما هي حرب إلاّ أن يُحِقّ ‏فيها حقّاً أو يبطل باطلاً.

وصحيح أن الإمام قتل صناديد قريش، لكنّ هذا لا يمانع سعته ورحمته عند فتح مكة ‏وما قبلها وبعدها. وإن موقفه من عَمرو بن عبد ودّ العامري وجلوسه على صدره وقيامه ‏من على صدره لمّا بصق في وجهه الكريم، إنّما كان ليبرهن على أ نّهعليه‌السلام صَرَعَ ‏هواه أيضاً كما صرع خصمه(١) ، وأنّ غضبه كان لله فقط لا للنفس، كل هذه المواقف ‏تؤكد بأ نّهعليه‌السلام كان ذابّاً عن الله ورسوله، وداعياً إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، ‏وليس متعطشاً للدماء كما يريد أعداؤه أن يُصوروه، لأ نّه لا يدخل في الحرب إلاّ عند ‏الضرورة ولا يرضى بالغيلة، وهو الذي رسم لنا ‏

____________________

١- مناقب بن شهرآشوب ١: ٣٨١.

١٤٧

حكم البغاة، فهو يدعوهم إلى الرجوع إلى الطريق المستقيم أولاً وبشتّى الطرق ‏والسبل والاحتجاجات فإن لم يقتنعوا تركهم، فإن شهروا السلاح نهاهم، فإن لم يستجيبوا ‏أَبداً أبداً دخل معهم في قتال(١) .

فالإسلام يدعو إلى السلام، وعليُّ إمامُ السلام، وقد غيّر رسول الله مَن سمى حرباً ‏بالسلم، وجاء عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تسمّوا بأسماء الأنبياء وأحبُّ الأسماء إلى الله ‏عبدالله، وعبدالرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة(٢) ، وفي روايات ‏أهل البيت وغيرهم ‏(‏ نعم الأسماء عبدالله وعبدالرحمان الأسماء المعبدة وشرها همام ‏والحارث واكره مبارك ثم بشير ثم ميمون ‏)‏(٣) وفي آخر ( وشر الأسماء ضرار ومرة ‏وحرب وظالم )(٤) .

نعم، إنّهم حاربوا علياً بالسنان واللسان، ولعنوه من على المنابر، ووضعوا أحاديث ‏على لسانه، وافتروا عليه بأنه خطب ابنة أبي جهل عدّو الله وعدو رسوله، إلى غيرها من ‏عشرات الأشياء، ومما أفتروا عليه هو هذه الفرية ‏(‏ الحربية ‏)‏، ولعلّ واضعها أراد أن ‏يقول أنّ الإمام أمير المؤمنين أراد من حرب الاسمَ العلميّ لشخص مخصوص لا القتال، ‏وهو جدّ معاوية: حرب بن أمية، والد أبي سفيان، أرادهاعليه‌السلام ثلاثاً حبّاً لأبي ‏سفيان !! مع أ نّهعليه‌السلام هو الواقف على منافرة رسول الله وبغضه لهذا الاسم.

____________________

١- انظر مغني المحتاج ٤: ١٢٣، وفيه عن الشافعي قال: أُخِذتْ السيرة في قتال المشركين من النبي حكي، ‏وفي قتال المرتدين من أبي بكر وفي قتال البغاة من علي رضي الله تعالى عنه. وفي حاشية الجمل ٥: ١١٣، ‏قوله أخذ المسلمون السيرة الخ.

٢- سنن أبي داود ٤: ٢٨٧، المعجم الكبير ٢٢: ٢٨٠، سنن البيهقي ٩: ٣٠٦.

٣- سنن أبي داود ٤: ٢٨٧ ح ٤٩٥٠، مسند أحمد ٤: ٣٤٥ ح ١٩٠٥٤، المعجم الكبير ٢٣: ٣٨٠ ح ٩٤٩ ‏الجعفريات: ٢٠٥، نوادر الراوندي: ١٠٥ ح ٧٥، وعنه في بحار الأنوار ١٠١: ١٣٠ ح ٢٢.

٤- الخصال: ٢٥٠ ح ١١٨، وعنه في مستدرك الوسائل ٢١: ٣٩٩ ح ٥، وانظر الجامع في الحديث لابن ‏وهب ١: ٩٠ ح ٤٦.

١٤٨

قالوا بهذا: كي يقولوا بأنّ الإمام علي بن أبي طالب كان يحبّ والد أبي سفيان - صخر ‏بن حرب - ونباهته وعقله، ولأجله أراد أن يُسمّي وُلدَه باسمه، كما أراد من قبل أن ‏يصاهر أبا جهل المشرك !!‏

كلّ هذا وضعوه لمّا أعجزتهم الحِيل أن يَرَوْا في عليٍّ مَطْعَناً، فرووا من المختلفات ‏مطاعَن.

فكيف يعقل ذلك وهو العالم بمبغوضيّة هذا الاسم عند رسول الله، وأ نّهصلى‌الله‌عليه‌وآله غَيَّر هذا الاسم من على أشخاص كثيرين، فهل يُعقل أن يُحبَ الإمام الاكتناء بأبي ‏حرب، الذي هو عدو الله ورسوله، فالأمويون كانوا يريدون من عملهم ذلك عدة اُمور.

أحدها: القول بعدم إطاعة الإمام علي لرسول الله، وعمله بما لا يرضى الرسول لأ نّه ‏سمّى ابنَه الحسين بحرب، رغَم عدم ارتياح الرسول سابقاً لتسمية الإمام الحسن بهذا ‏الاسم، وهكذا تكراره في تسمية محسن، وعليه فالإمام علي كغيره من الصحابة قد يخالف ‏رسول الله فيما لا يحبهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ثانيها: إنّ الإمام علي بن أبي طالب كان يحب سفك الدماء و إزهاق الارواح - والعياذ ‏بالله - والحَرْبَ بما هي حرب.

ثالثها: إنّ قوله ‏(‏ ما شأن حرب ‏)‏ قد يكون فيه أشارة إلى اعتراض الرسول على الإمام ‏علي، وقوله له: كيف تحبّ حرباً يا أبا الحسن ؟ ألَمْ تعلم بأ نّه ابن أمّية ووالد أبي سفيان ‏رأس الكفر والنفاق، وأخُ أم جميل زوجة أبي لهب حمالة الحطب، فهم أرادوا بهذا العمل ‏الرفع بضِبع جدّهم ( حرب بن أمية ) والقول بأن الإمام علي بن أبي طالب كان يحبّ أن ‏يتكنّى به، في حين أنّ الواقف على نصوص الإمام يعرف سقم هذا الادعاء، لأ نّه هو ‏القائل لمعاوية - حفيد حرب -: ‏(‏ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبدالمطلب، ولا أبو سفيان ‏كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق، ولا المحّق كالمبطل، ولا ‏المؤمن كالمُدغِل، ‏

١٤٩

ولبئس الخلف خلفاً يتبع سلفاً هوى في نار جهنم‏)‏(١) ، وقد قال أبو طالب:‏

قديماً أبوهُمْ كانَ عبداً لجدّنا بني أَمَة شهلاءَ جاشَ بِها البحرُ

لقد سفهوا أحلامَهُم في محمَّد فكانُوا كجعر بئسَ ما ظفطت جعر(٢)

رابعها: إنهم بهذه الأخبار ارادوا أن يُضيّعوا الكنية التي وضعها رسول الله عليه، ‏والتي كان يحبها الإمام علي، وهي كنية ( أبي تراب )، ثم السعي لتحريف معناها الجميل ‏إلى ما هو مشين، حتى نسبوا إليه الفرقة الترابية(٣) ، وقد طال بهم التطبيل بأن يرجعوا ‏سبب ورود هذه الكنية عن رسول الله فيه لكونه أغضب السيّدة فاطمة الزهراء بأقدامه من ‏الزواج من بنت أبي جهل، وبذلك ليخرجوا الإمام من دائرة الإيمان وليجعلوه غير صالح ‏للإمامة كما يقولون، لقوله تعالى( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوَاْ لاَ تَتَولَّوْاْ قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ ‏عَلَيْهِمْ ) ، أو ليُساووه بفُلان وعلاّن من حيث اللياقة وعدم اللياقة للإمامة والخلافة.

قد يقال: كيف تقولون بهذا والخبر موجود في كتاب ( عيون اخبار ‏الرضا )(٤) و ( صحيفة الإمام الرضا(٥) ) ؟

____________________

١- نهج البلاغة: ٣٧٤ - ٣٧٥، من كتاب لهعليه‌السلام إلى معاوية، رقم ١٧. وانظر شرح نهج البلاغة ‏‏١٥: ١١٧ - ١٢٠.

٢- شرح نهج البلاغة ١٥: ٢٣٤، سيرة ابن إسحاق ٢: ١٣٤.

٣- الأغاني ١٧: ١٥٣، تاريخ الطبري ٣: ٢٢٨، خزانة الأدب ٤: ٢٩٠، اللباب في تهذيب الأنساب ‏‏١: ٢١٠، وفي تهذيب الكمال ٢٤: ٦٨ ان حوشب قال للحجاج عن قيس بن عباد: انه ترابي يلعن عثمان وفي ‏الكافي ٨: ٨٠ ح ٣٦، عن سعيد بن يسار قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: الحمد لله صارت فرقة ‏مرجئة وصارت فرقة حرورية وصارت فرقة قدرية وسميتم الترابية وشيعة علي ...‏

٤- عيون اخبار الرضا ١: ٢٨ ح ٥.

٥- صحيفة الرضاعليه‌السلام : ٢٤٠ ح ١٤٦.

١٥٠

الجواب: إنَّ منهج المحدثين يختلف عن منهج الفقهاء والمتكلمين، فالمحدثون يروون ‏الأحاديث دون النظر إلى ما يعارضها، ولاجل ذلك ترى بين مشايخ المحدث من يخالفه ‏في المذهب، والشيخ الصدوق لا يبتعد عن هذا المنهج، فهناك مشايخ للصدوق من ‏العامّة، فقد تكون هذه الأخبار تسربت من المصادر السُّنية إلى الكتب الشيعية، إذ إن ‏أسماء بنت عميس لم تكن بالمدينة حتى تكون القابلة لفاطمة الزهراء - كما ورد في خبر ‏عيون الأخبار - لأ نّها كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب بالحبشة، وأن جعفراً لم يرجع ‏إلى المدينة إلاّ بعد فتح خيبر في السنة السابعة من الهجرة، وأن ولادة الإمام الحسن حسب ‏غالب النصوص كانت في السنة الثالثة، وولادة الحسين في السنة الرابعة للهجرة، وهو ‏كاف لتضعيف الخبر، وهناك نصوص كثيرة نسبت ما يرتبط بسلامة وسلمى اُخْتَي أسماء ‏- إلى أسماء بنت عميس، لا أرى ضرورة للخوض فيها.

مضافاً إلى ذلك أنّ الخبر مرويٌّ في المعجم الكبير(١) عن سودة بنت مسرح، وهو ‏الذي فيه: سميته جعفراً، وهو الأقرب إلى الصواب، لأ نّهعليه‌السلام أراد أن يسمّي ‏ابنه الاول باسم أخيه جعفر شهيد مُؤْتة، والحسين باسم عمّه حمزة شهيد أُحُد.

أهل البيت وقريش

ستقف بعد قليل على دور قريش بقبائلها وطوائفها في التنصّل عن أوامر رسول الله ‏واتّباع سياسة خاصة بها، مخالفين بذلك ما جاء به رسول الله في كثير من الأحيان، ‏وعملهم هذا هو الذي دعا الأمويين أن يزيدوا في التجرُّؤ على القيَم ويوسّعوا دائرة حرب ‏الأسماء، فسمّوا بئر زمزم ب- ‏(‏ أم الخنافس ‏)‏ أو ‏(‏ أم الجعلان ‏)‏، وأبدلوا اسم مدينة الرسول ‏‏( طيبة ) ب- ( الخبيثة )، وسمّوا الإمام محمّد بن علي الباقر ‏

____________________

١- المعجم الكبير ٢٤: ٣١١ ح ٧٨٦، مجمع الزوائد ٩: ١٧٤ - ١٧٥، كنز العمال ١٣: ٢٨٠ ح ٣٧٦٥٥، ‏رواه ابن منده، وأبو نعيم (كر) ورجاله ثقات.

١٥١

للعلم بالبقرة، وغيّروا كنية أبي تراب من معناها الحسن إلى المعنى السيّء، واعتبروا ‏الطواف ببيت عبدالملك بن مروان خيراً من الطواف باعواد ورمِّة خربة، ويعنون بذلك ‏قبرَ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

نعم، كان هذا هو منهج قريش - وخصوصاً الأمويين منهم - في التعامل مع المقدّسات ‏ومنها الأسماء المحترمة للمعصومين، لكنّ أهل البيت رغم خلافهم المبدئي مع الخلفاء لم ‏يكونوا يتجاوزون الحدود، ولم يعيّروا الآخرين بكلمات خشنة إلاّ في المواطن التي يرون ‏فيها ذلك ضرورياً، فلا ترى الإمام الحسنعليه‌السلام يقول لأبي بكر - لما اعتلى منبر ‏رسول الله - ما قالته هوازن وغيرها(١) لأبي بكر، واكتفى بالقول: انزل عن منبر ‏أبي(٢) ، ومثله جاء عن الإمام الحسين مع عمر في أول خلافته(٣) .

وهكذا الحال بالنسبة إلى علي بن الحسين، فإنّه بعد واقعة الطف - وفي الشام بالتحديد ‏- طلب من يزيد أن يصعد المنبر بقوله: يا يزيد ائذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد فأبى ‏يزيد، فقال الناس: يا أمير المؤمنين، ائذن له ليصعد فلعلّنا نسمع منه شيئاً.

فقال لهم: إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان، فقالوا: ‏وما قدر ما يُحسن هذا ؟

فلم يزالوا به، فأذِن له بالصعود، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:‏

أ يّها الناس، أُعطينا سِتّاً وفُضّلنا بسبع، أُعطينا العلم والحلم وفُضّلنا بأنّ منّا ‏

____________________

١- حيث وسموه ب- ‏(‏ أبي الفصيل ‏)‏ و ‏(‏ ذي الخلال ‏)‏ كما سيأتي في صفحة ٤٤٣ إلى ٤٥٥.

٢- مناقب بن شهرآشوب ٣: ٢٠١، شرح النهج ٦: ٤٣، تاريخ دمشق ٣٠: ١٤٨، الرياض النضرة ‏‏٢: ١٤٨، كنز العمال ٥: ٢٤٦ ح ١٤٠٨٤، ابن سعد.

٣- أمالي الطوسي: ٧٠٣ ح ٧، مناقب الكوفي: ٢٥٦ ح ٧٢٢، معرفة الثقات ١: ٣٠١ ح ٣١٠، تهذيب ‏الكمال ٦: ٤٠٤، تاريخ بغداد ١: ١٤١، أخبار المدينة ٢: ١١، الاصابة ٢: ٧٧، المطالب العالية ‏‏١٥: ٧٦٠، تاريخ الخلفاء: ١٤٣، قال: اسناده صحيح.

١٥٢

النبيّ المختار محمّد، ومنّا الصدّيق، ومنّا الطيّار، ومنا أسد الله وأسد الرسول، ومنّا ‏سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسيّدا شباب أهل الجنة، فمَن ‏عَرَفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني أنبأتُه بحسبي ونسبي: أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن ‏زمزم والصفا أنا ابن من حُمِلَ على البراق في الهوا، أنا ابن من أسري به من المسجد ‏الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان من أسرى، أنا ابن من بَلَغ به جبرئيل إلى سِدرة ‏المنتهى، أنا ابن مَن دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة ‏السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمّد المصطفى ...‏

انظر إلى نص الإمام، فهو يشير إلى الإسراء والمعراج وما جاء فيه من حقائق، ثم ‏يعرّجعليه‌السلام على تحريفات القوم لأشياء كثيرة، مؤكّداً بأنّ الصدّيق هو لقب لجده ‏علي بن أبي طالب لا ما يقولونه بأنه لقب لأبي بكر، وأنّ لقب أسد الله وأسد رسوله خاصّ ‏بحمزة، و إنّ لقب الطيّار مختص بجعفر، وأنّ فاطمة هي سيدة نساء العالمين لا غيرها، ‏وأ نّهعليه‌السلام ابن رسول الله الذي أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ‏وعُرِج به حتى بلغ سدرة المنتهى، وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله الذي صلّى بملائكة السماء.

فالإمام بكلماته هذه أراد التسامي عن الخلاف الشخصي، مذكّراً بمقامهم ومنزلتهم من ‏رسول الله، لكنّ يزيد خاف أن يذكر الإمام السجاد فضائح يزيد ومعاو ية وآل أبي سفيان، ‏لتصوّره بأنّ الإمام سيستغِلّ المنبرَ بصعوده، لأنّ المنبر آنذاك كان أعلى ميدان إعلامي ‏للمسلمين، فخاف أن يذكر الإمامُ أموراً لا يحبّ يزيد ذكَرها، لكنّ الإمام كان أسمى من ‏ذلك وأرفع، فلم يذكرعليه‌السلام صريحاً مساوئ أبي سفيان ولا معاوية ولا هند، ولا ‏ميسون، وما كان منهم من سوء شخصيّ، ونزول حسبي أو نسبي.

وعليه، فالتسمية باسم مّا أو عدمه شيء، وذكر هذه الأمور شيءٌ آخر.

نحن لا نريد أن ننكر وجود اسم عمر وعثمان أو كنية أبي بكر بين ولد الإمام ‏

١٥٣

علي، أو ولد الإمام الحسن، أو ولد الإمام الحسين - و إن لم يثبت ذلك بدليل عن ‏الأخير - أو الإمام علي بن الحسين، لكننا ننكر أن يكون ذلك دالاًّ على المحبة.

موّكدين على أنّ التسمية بعثمان قد توقّفت بعد تسمية الإمام علي وأخيه عقيل ابنيهما ‏بهذا الاسم، فلا نرى اسم عثمان بعد ذلك في ولد جعفر بن أبي طالب، أو في ولد عقيل، ‏وحتى في ولد علي في العصور اللاحقة - إلاّ ما ذكرنا - وبذلك فقد انقطع اسم عثمان في ‏ولد الإمام علي من بعد الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام إلى الإمام الحجة.

ومثل ذلك كان الأمر بالنسبة إلى التسمية بأبي بكر، فقد توقف الطالبيون عن التسمية ‏بأسمه بعد الإمام علي والإمام الحسن وعبدالله بن جعفر، فلم يكن في الطالبيين من سمّي ‏بأبي بكر، إلاّ ابن واحد للإمام الحسن(١) - وقيل بأ نّه كان للإمام الحسين مثله وهو لم ‏يثبت - وولد لعبدالله بن جعفر(٢) .

مؤكدين بأ نّا لم نقف على من سمّي بأبي بكر في ولد الأئمّة المعصومين بعد الإمام ‏الحسن المجتبىعليه‌السلام أي من بعد سنة خمسين للهجرة إلى زمان ابن عنبة المتوفى ‏‏٨٢٨ صاحب ( عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب )، أي أنّ التسمية بأبي بكر وعثمان ‏قد انقرضت أيضاً عند الأئمة التسع المعصومين الباقين.

وأيضاً انقرض هذان الاسمان عند غالب الطالبيّين - من بني عقيل وبني جعفر - فلم ‏أقف في مشجّراتهم عليهما، أي أنّ التسمية ب- - عثمان، أبوبكر - وضعت لفترة قليلة ‏وانتهت بانتهاء العهد الأموي، فلا نرى لها وجوداً في العصر العباسي.

أ مّا اسم عمر فقد بقي متداولاً لمدّة أطول، لكنه هو الآخر انحسر وجوده بين ولد ‏الأئمّة المعصومين من بعد الإمام زين العابدين.

____________________

١- قال الموضح النسابة بأن أبو بكر هو كنية لعبدالله بن الحسن. وانا احتمل ذلك أيضاً في ولد الإمام علي، ‏وعبدالله بن جعفر.

٢- قيل أ نّه كنية لمحمد بن جعفر بن أبي طالب وأ نّه ليس باسم.

١٥٤

فلم يسمِّ الإمام الباقر، ولا الإمام الصادق، ولا الإمام الكاظم، ولا الإمام الرضا، ولا ‏الإمام الجواد ولا الإمام الهادي، ولا الإمام العسكريعليه‌السلام بأسماء الخلفاء الثلاثة. ‏وذلك لاتّضاح أصول النهجين في عهد الصادِقَيْنعليهما‌السلام ثم من بعدهم، غير ‏منكرين وجود حالات استثنائية تدعوهم إلى التقية.

نعم، قد تشاهدون التسمية بعمر - بالخصوص - في نسل عليعليه‌السلام من غير ‏المعصومين، وعند بعض الطالبيين من بني عقيل أو جعفر، وغالب من تسمّى بعمر في ‏تلك الأزمان كانوا إمّا من ولد عمر الأطرف ابن أمير المؤمنين، أو من ولد عمر الأشرف ‏ابن علي زين العابدين، أو من ولد الإمام الحسن المجتبى، أو من ولد زيد الشهيد، فلا ‏ترى ذلك في ولد الإمام الباقر، أو عبدالله الباهر، أو الحسين الأصغر، أو علي الأصغر ‏إلاّ نادراً.

وحتى أن المسمَّين باسم عمر في ولد الإمام الحسن، أو زيد، أو العمرين - الأطرف ‏والأشرف - لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد، وهذا العدد كاف للحد من تطرف ‏المتشددين، وأيضاً هو خير دليل على كذب مدّعيات ابن تيمية الذي يقول بأن الشيعة لا ‏تسمّي بأسماء الثلاثة، فإنّ هذه التسميات و إن كانت لا شيءَ إذا ما قورنت بالنسبة إلى ‏عشرات الأسماء المتداولة الأخرى مثل: علي، الحسن، الحسين، إبراهيم، سليمان، ‏زيد، يحيى، فإنّها كافية للدلالة على وجود التسمية عندهم في القرون الأولى، وان ‏الحساسية مع الأسماء تنامت مع تنامي الظلم ضد الشيعة والمضادة مع نهج علي وآله، ‏ولو راجعت ( عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ) لابن عنبة المتوفى ٨٢٨ ه- لوافقتنا ‏فيما قلناه خصوصاً إلى ذلك الزمان. فإن أسماء المخالفين موجودة في نسل علي لكن ليس ‏بالقدر الموجود عندهم من الأسماء الجميلة للأنبياء وأهل بيت رسول الله، مؤكدين بأن ‏تسميات الطالبين وفي العصور المتأخّرة - وبعد عصر الأئمّة، وحتى في ولد غير الأئمّة - ‏ليست بحجّة شرعيّة.

إذن نحن لا نريد أن نقول بأنّ التسمية بعمر وعثمان وعائشة لم تكن موجودة ‏

١٥٥

بتاتاً، أو أنها جميعاً قد زُجّت ووضعت في كتب الرجال والأنساب والتاريخ من قبل ‏الآخرين أمويين كانوا أم عباسيين، لكنّ كلامنا هذا لا يمانع من القول بتحريفهم كنية بعض ‏الأشخاص وجعلها اسماً لهم، أو إبدالهم كلمة ( عمرو ) إلى ( عُمَر ) أو اطلاق كنية ( أبي ‏حفص ) على مُطلق مَن اسمه عمر كما هو المشاهد في إحدى كُنّى عمر الأطرف(١) .

فأبو بكر انقلب من كونه كنية لابن الإمام علي من ليلى النهشلية إلى اسم.

وكذا بالنسبة لابن الإمام الحسن المجتبى، قال الموضح النسابة: وعبدالله بن الحسن ‏هو أبوبكر(٢) .

فالأمو يون غيّروا هذه الكنية وجعلوها اسماً له، وقد فات ذلك على بعض النسّابة ‏الشيعة، فنقلوا تلك الأقوال وحكوها على أنّها أسماء لا كُنّى.‏

وعليه فالتسمية بتلك الأسماء لا تضرّ بفكرنا وعقيدتنا كما يتصوّره الخصم، فلا نرى ‏ضيراً من الإيمان بوجودها والتسمية بها، فإنّ أئمّتنا أمرونا بالصلاة خلف العامة(٣) ‏حفاظاً على الصف الإسلامي، فكيف يمنعوننا من التسمية باسم عمر وأبي بكر وعثمان ‏التي هي أقلُّ شأناً بأضعاف مضاعفة من الصلاة، التي إن قبلت قبل ما سواها و إن رُدّتُ ‏ردّ ما سواها.

على أنّ هناك أمراً آخر، وهو أ نّه ليس هناك ولا دليل واحد على أنّ هذه ‏

____________________

١- في المجدي: ١٩٧ قال الموضح: وعمر المكنى ابا القاسم وقال ابن خداع: بل يكنى ابا حفص.

٢- المجدي: ١٩٨، وفي عمدة الطالب: ٦٨ قال الموضح النسابة: عبدالله هو أبوبكر.

٣- الكافي ٣: ٣٨٠ ح ٦ وفيه عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: من صلى معهم في الصف الأول كان كمّن ‏صلى خلف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال البحراني في الحدائق الناظرة ١١: ٧١ رواه الكافي في الصحيح ‏أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، ورواه الصدوق بسنده عن حماد بن عثمان عنهعليه‌السلام ‏في من لا يحضره الفقيه ١: ٣٨٢ ح ١١٢٥، والشيخ الطوسي بسنده عن إسحاق بن عمار عنهعليه‌السلام في ‏التهذيب ٣: ٢٧٧ ح ١٢٩، إلاّ أن فيه: فإن المصلي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله.

١٥٦

التسميات قد وضعت من قبل الأئمّة، فقد تكون الأمهات وضعن تلك الأسماء لكونها ‏من أسماء آبائهنّ أو أجدادهنّ أو غيرهم من أقربائهنّ، والأئمّة قبلوا بها.

وقد يكُنَّ سمّينَ أبناءهنّ بلحاظ اللغة وحسن معناها اللغوي، وسكت الأئمّة.

وقد يَكُنَّ سمّين بتلك الأسماء دون لحاظ خصوص أسماء الظالمين وسكت عنها ‏الأئمّةعليهم‌السلام ، وليس هناك ولا نصّ واحد يثبت أنّ تلك الأسماء كانت ملحوظاً فيها ‏أسماء الخلفاء وأتباعهم بما هم هم وسكت عليها الأئمّةعليهم‌السلام .

ولو فرضنا ذلك جَدَلا فالقبول بها ممكن إخماداً للفتنة، أو لعدم توسيع رقعة الخلاف، ‏أو قل احتراماً لعائلة زوجته الموالية للخلفاء.‏

وعليه فالتسمية بنظرهمعليهم‌السلام ليست من المسائل التعبدية التوقيفية التي ‏لا يجوز الزيادة والنقصان فيها - بالطبع في غير المعصومين - بل هي من الأمور الجائزة ‏التي يمكن تجاوزها، وخصوصاً لو لوحظ في الأمر مصلحة أهمّ كما نحن فيه.

فقبول الإمام بتسمية ابنه بعمر أو أبي بكر أو عثمان أو عائشة دليل واضح على أنّ ‏الأئمّةعليهم‌السلام فوق الميول والاتّجاهات من حيث إنّ الأهم عندهم هو اللّبّ دون ‏القشور، و إنّ الخلاف لا يدعوهم إلى محاربة الأسماء بما هي أسماء، فالمعصوم يعنيه ‏عمل الأشخاص لا أسماؤهم - كما كانت تفعله بنو أمية مع مخالفيهم - وقتلهم لكل من تسمّى ‏بعلي، وخصوصاً المكنّى بأبي الحسن منهم. أي أن الأئمّة أثبتوا حسن نياتهم، ولكنّ ‏الآخرين قتلوا المؤمنين على الهوية.

وعليه فما يدّعونه على المعصوم في وضع الأسماء يجب إثباته بنص وإلاّ فستبقى ‏الدعاوي دعاوي بلا أدلّة.

نعم، إنّ الناس أحرار في التسميات شريطةَ أن لا يكون ما يسمّون به اسماً قبيحاً ينافي ‏المفاهيم الدينية، فالناس لا يجب عليهم أن يلحظوا حين التسمية من

١٥٧

تسمّى به إلاّ أن يصير ذلك الاسم رمزاً غالباً أو منحصراً(١) للشر والباطل، إذ أنّ ‏الرمز تارة يكون رمزاً للخير وأخرى رمزاً للشر، فإذا كان رمزاً للخير والعمل الصالح ‏فيستحبّ التسمية باسمه كمحمد وعلي والحسن والحسين، أمّا لو كان رمزاً - غالباً أو ‏منحصراً - للشرّ والقتل والظلم والإبادة فلا يجوز التسمية باسمه.

وعليه فالتسمية بيزيد لغةً جائزة، بشرط أن لا تكون حبّاً بيزيد بن معاوية، أما لو ‏سمّى ابنه ‏(‏ يزيدَ ‏)‏ إيماناً به وتخليداً لذكره وقبولاً بفعله في قتل الحسين وسبي المدينة ‏واستباحته للأعراض وهدم الكعبة فهو منهيٌّ عنه شرعاً.

وكذا الحال بالنسبة إلى التسمية بأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة، فإن كان حبّاً ‏لأعمالهم وأفعالهم ورضاهم بالهجوم على بيت الزهراء وغصب فدك فهو منهيٌّ عنه، أ مّا ‏لو سمّي بها لكونها أسماءً عربيّة فلا مانع من ذلك. إذن دواعي التسميات من الأمور ‏القلبيّة والتي لا يطّلع عليها إلاّ علاّم الغيوب.

وبعد هذا العرض السريع نقول - وعلى نحو الاحتمال والتخمين والالزام -: إنّ هدف ‏عمر بن الخطاب من تسمية ابن الإمام علي من الصهباء التغلبية ( بعمر ) هو محاولة محو ‏صفحات الماضي من أذهان الناس وما جرى بينه وبين آل البيتعليهم‌السلام ، فهو نوع ‏مداجاة أراد بها غَسل دَرَن هجومه على بيت الزهراء(٢) و إسقاطه ولدها محسناً(٣) ، فإنّه ‏بهذه التسمية أراد محو هذه الأمور، وفي الوقت نفسه جعل نفسه الرمز والأسطورة والقائد ‏الضرورة، لأنّ قبول الإمام علي تسمية ابنه باسم ( عمر ) يعني الخضوع والتسليم ‏والقبول بالأمر الواقع.

بلى، إنّ فكرة جعل عمر رمزاً كانت تخامر ابن الخطاب منذ عهد رسول الله، ولنا ‏شواهد عديدة عليه، وإنّ عملية طلب تسمية ابن الإمام علي هي إحدى تلك ‏

____________________

١- الرمز الغالب كفرعون، فإنه اسم لكل ملك من ملوك مصر، لكنّه غلب على فرعون الظالم المعهود، ‏والرمز المنحصر كإبليس فإنه اسم يرمز للشيطان الرجيم حَصْراً.

٢- كتاب سليم بن قيس: ١٤٩، الاختصاص: ١٨٥.

٣- الهداية الكبرى: ١٧٨، دلائل الإمامة: ١٣٤، الاحتجاج ١: ١٠٩.

١٥٨

المفردات في هذا الإطار; إذ ليس من المعتاد - لا في الجاهلية ولا في الإسلام - أن ‏يطلب شخص من آخر أن يجعل أمر تسمية ابنه إليه إلاّ أن يكون هناك هدف مهمٌ يرجوه ؟ ‏فما هو ذلك الهدف إذن ؟ هل هو التعتيم على صفحات الماضي ؟

أم للدلالة على الصداقة والمحبة بين الآل والصحابة ؟

بل كيف يصير رمزاً عند أنصاره وأعدائه معاً، هل بهذه الطريقة ؟! أم ...‏

بل ماذا يعني أن يهب عمر بن الخطاب غلامه ( موركاً ) لهذا الطفل ؟ وهل أن الطفل ‏الجديد بحاجة إلى مورك، أم أن والده الإمام علي بحاجة إليه ؟ بل لماذا تخفى شخصية ‏مورك في تاريخ الإسلام بعد هذا الطلب من قبل عمر ولا نراه حاضراً بجنب عمر ابن ‏علي في مواقفه، بل يُكتَفى عنه بالقول: ( اعتقه عمر بن علي ) ؟

بل لماذا لا نشاهد عمر بن علي موجوداً مع إخوانه: الحسن، الحسين، العباس، ‏محمّد بن الحنفية في واقعة الجمل وصفين والنهروان ؟ مع علمنا - حسب النصوص ‏التاريخية - بأنّه كان أكبر من أبي الفضل العباسعليه‌السلام سنّاً. فلماذا كان أبو الفضل ‏في تلك المعارك ولم يكن هو(١) .

ولا أدري هل إنّ هديّة عمر لِسَميِّه - أو بالأحرى والد سَميِّه: عليّ بن أبي طالب - ‏أتت ضمن سياسة الترغيب والترهيب والجزرة والعصا ؟ أم إنّها كانت هدية بريئة ؟ وهل ‏حقاً ان الإمام قبل هديته ؟

بل لماذا يتكرّر المشهد نفسه بين معاوية وعبدالله بن جعفر بن أبي طالب في تسمية ‏ابنه بمعاوية؟

ونحوه بين يزيد وبين معاوية بن عبدالله بن جعفر، و إعطاءه مبلغاً على تسمية ولده ‏بيزيد ؟

وهل إنّ معاو ية و يزيد اقتفيا أثر عمر بن الخطاب في التسميات ؟ أم إنّ الأمر ‏

____________________

١- لنا وقفه مع عمر الأطرف في صفحة ٣٤٨ نبحث فيه عن هذه المسائل.

١٥٩

جاء عفويّاً ؟ وهل الصلة القلبية بين الأشخاص توجد بالصلة المادية فقط أم يجب ‏دمجها مع عوامل أخرى ؟

نعم، ان الرمزية الدينية هي الملحوظة في الإسلام، وقد مرّ عليك استحباب تسمية ‏الطفل باسم محمّد وأحمد، علماً بأنّ الرمزية الدينية تنحصر في اسم النبي وأهل بيته ‏المعصومين، وليس لكلّ أحد أن يجعل من اسمه ونفسه رمزاً للمسلمين، والرمزية الدينية ‏كانت عند النبيّ وأهل البيت مقرونة بالدعاء للمسمّى بالخير والبركة وحسن العاقبة، لا ‏بالهبات والهدايا على التسميات، كما رايناه في التسمية بأمثال: اسم معاوية ويزيد.

ولو ألقيت نظرةً عابرة إلى ما قُرر يوم الشورى وجعل ابن عوف سيرة الشيخين أصلاً ‏ثالثاً في التشريع الإسلامي بعد أن كان التشريع منحصراً بالكتاب العزيز والسنّة المطهرة، ‏لعلمت أنّ هناك اتجاهاً يريد جعل الشيخين رمزاً بجنب الله ورسوله، وفي المقابل ترى ‏صحابة آخرين لا يرتضون هذه الفكرة و يخالفونها، جاعلين التشريع منحصراً في الكتاب ‏والسنة، فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون أقول نهى عنها رسول الله ويقولون قال أبو بكر ‏وعمر(١) ، أو قول الآخر: لا أترك سنة أبي القاسم لقول أحد(٢) [و يعني به عمر].‏

ولا يخفى عليك بأنّ الرمزية - خيراً كانت أم شراً - تتنامى مع مرور الزمن، فالقداسة ‏الملحوظة اليوم للشيخين لم نكن نشاهدها على عهد الصحابة والتابعين أو تابعي التابعين، ‏وكذا الحال بالنسبة للظُّلامات التي واجهت أهل البيت فهي أخذَتْ تتّضح للناس شيئاً فشيئاً، ‏مع فارق أنّ رمزية الشيخين لأتباعهم تأطّرت ‏

____________________

١- المغني ٣: ١٢٥، الفروع ٣: ٢٢٧، شرح العمدة ٢: ٥٣٤، الفقيه والمتفقهة ١: ٣٧٧، مسند أحمد ‏‏١: ٣٣٧ ح ٣١٢١، الأحاديث المختارة ١٠: ٣٣١ ح ٣٥٧، وانظر مؤطا مالك ٢: ٦٣٤ ح ١٣٠٢، مسند ‏الشافعي: ٢٤٢، التمهيد لأبن عبدالبر ٤: ٧٠.

٢- أنظر صحيح البخاري ٢: ٥٦٧ ح ١٤٨٨، مسند أحمد ١: ١٣٥ ح ١١٣٩، الجمع بين الصحيحين ‏‏١: ١٥٩ ح ١٢٢.

١٦٠