التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي0%

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 550

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
تصنيف:

الصفحات: 550
المشاهدات: 151252
تحميل: 5673

توضيحات:

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 151252 / تحميل: 5673
الحجم الحجم الحجم
التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

مؤلف:
العربية

قال خالد: أما لهذا السفيه أحد ؟! فتكلّم رجل من الأنصار من آل عمرو بن حزم، ‏فقال: يابن أبي تراب وابن حسين السفيه، ما ترى لوال عليك حقّاً ولا طاعة، فقال زيد: ‏اسكت أيها القحطاني فإنّا لا نجيب مثلك ‏)‏(١) .

هذا غيض من فيض جرائم الأمويين وأسيادهم الخلفاء الثلاثة.

والإمام كان عالماً بهذا الأمر، فلذا لم يقدّم أمثال أبي سفيان ومعاوية على أبي بكر ‏وعمر وحتى على عثمان، لأنّ الشيخين وعثمان كانوا يراعون بنِسَب متفاوتة ظواهر ‏الإسلام، و إذا ارتكبوا مخالفة ارتكبوها بشيء من الحَذَر والدهاء وعدم المجاهرة ‏بالخلاف، بعكس معاوية ويزيد وأبي سفيان الذين ابتنت حياتهم على المجاهرة بالكسرو ية ‏والقيصرية والسعي لمحو الإسلام، نفاقاً وزوراً.

فمعاو ية ثبت عنه أ نّه قال حينما سمع الأذان: ( إلاّ دفناً دفنا )(٢) ، أو: ( لله أبوك يا ‏بن عبدالله لقد كنت عالي الهمة، ما رضيت لنفسك إلاّ أن يقرن اسمك باسم ‏ربّ العالمين )(٣) ، أو قوله: ( لم أقاتلكم لتصلّوا وتصوموا بل قاتلتكم لأَتَأَمَّرَ عليكم )(٤) .

وجاء عن أبي سفيان قوله: ‏(‏ لله درّ أخي بني هاشم انظروا أين وضع اسمه ‏)‏(٥) .

وعن يزيد أ نّه قال:‏

لعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل(٦)

____________________

١- تاريخ الطبري ٥: ٤٨٤ - ٤٨٥.

٢- مروج الذهب ٣: ٤٥٤، شرح النهج ٥: ١٣٠، وأنظر الأخبار الموقفيات للزبير بن كبار: ٥٧٦.

٣- شرح النهج ١٠: ١٠١.

٤- مقاتل الطالبين: ٤٥، شرح النهج ١٦: ١٥، ٤٦، شرح الأخبار ٢: ١٥٧ ح ٤٨٣.

٥- قصص الأنبياء: ٢٩٣، وعنه في بحار الأنوار ١٨: ١٠٨ ح ٣١: ٥٢٣ ح ٢٢.

٦- مناقب بن شهرآشوب ٣: ٢٦١، اللهوف في قتلى الطفوف: ١٠٥، كشف الغمة ٢: ٢٣٠، شذرات الذهب ‏‏١: ٦٩، رواه عن ابن عساكر، البداية والنهاية ٨: ٢٢٤، تاريخ الطبري ٨: ١٨٧، ‏(‏ في الطبعة التي قوبلت ‏على النسخة المطبوعة بمطبعة ابريل ‏)‏ - لندن ١٨٧٩ م.

١٨١

وهذا ما لا نسمعه من أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وطلحة و ...‏

اذن الحرب ضدّ أهل البيت كانت آخذة طابعَ التلبيس والمداهنة في كلّ شيء حتّى ‏التسميات، ثمّ أخذت طابع المجاهرة بالعداوة في كل شيء حتّى في الأسماء، وقد كان أهل ‏البيتعليهم‌السلام وأتباعهم يعرفون تلك الأمور أدقّ المعرفة وأتمّها، فكانوا يقاومون ‏التيّار الانتهازي الأموي، فاصلين بين الشيخين وبين الأمو يين الذين كانوا يتّخذون من ‏الشيخين وعثمان ترساً وغطاء يحتمون به وذريعة لمحاربة أهل البيت، كل ذلك لتثبيت ‏أركان حكومتهم الجائرة. فشيعة علي - تبعاً لمولاهم - كانوا ادرى بهذه الاعيب.

فقد جاء في كتاب ( الفتوح ) أنّ عبيد الله بن زياد قال لعبد الله بن عفيف الأزدي: يا ‏عدوَّ الله ما تقول في عثمان بن عفانرضي‌الله‌عنه ؟

قال [عبد الله بن عفيف]: يابن عبد بني علاج! يابن مرجانة وسمية ! ما أنت وعثمان ‏بن عفان؟ عثمان أساء أم أحسن، وأصلح أم أفسد، اللهُ تبارك وتعالى وليّ خلقه، يقضي ‏بين خلقه وبين عثمان بن عفان بالعدل والحقّ، ولكن سلني عنكَ وعن أبيك، وعن يزيد ‏وأبيه.

فقال ابن زياد: والله لا سألتُكَ عن شيء أو تذوقَ الموت، فقال عبد الله بن عفيف: ‏الحمد لله ربّ العالمين ! أما إنّي كنت أسأل ربي عزّوجل أن يرزقني الشهادة والآن فالحمد ‏لله الذي رزقني إيّاها بعد الإياس منها، وعرّفني الإجابة منه لي في قديم دعائي ! فقال ابن ‏زياد: اضربوا عنقه ! فضربت رقبته وصلب رحمة الله عليه(١) .

بهذا المنطق وهذه السياسة وقف أهل البيت وأصحابهم أمام من يريد أن يحتمي بأبي بكر وعمر وعثمان، فلذلك أكّد أهل البيت قولاً وفعلاً على ضرورة سحب ‏البساط من تحت أرجل الأمويين الذين كانوا يريدون الصعود على اكتاف

____________________

١- الفتوح ٥: ١٢٥ - ١٢٦، اللهوف في قتلى الطفوف: ٩٥ - ٩٨.

١٨٢

الآخرين لتحقيق ‏مآربهم، والأئمّة من خلال تسميتهم اولادهم باسماء الثلاثة وقفوا أمام هذا المخطط ‏المشووم.

التسمية بعليعليه‌السلام في عهد معاوية‏

إنّ التسمية بعليّ كانت من الأمور المحظورة في عهد معاوية إلاّ للطالبيين، وقد كان ‏البعض يصر على اسمه رغم العقبات و يقبل بكل ما يصيبه.

والآخر كان يخاف و يصغّر اسمه بدواً فيقول: انا عُلَيّ ولست بعلي.

وهناك من كان يُصغّر اسمه من قبل اعدائه أو اعداء الإمام علي، وهناك من كان ‏يداهن أو يجامل فتارة يسمى بعلي واخرى بعُلى.

قال قتيبة بن سعيد سمعت الليث بن سعد يقول: قال عليُّ بن رباح: ‏لا أجعل في حلٍّ من سمّاني عُلَيّاً فإن اسمي عَلِيّ.

وقال سلمة بن شبيب: سمعت أبا عبد الرحمن المقرىء يقول: كانت بنو ‏اُمية إذا سمعوا بمولود اسمه عَلِيّ قتلوه، فبلغ ذلك رباحاً فقال: هو عُلَيّ، ‏وكان يغضب من ( عَلِيٍّ ) و يُحرّج على من سمّاه به(١) .

وفي الاكمال: وامّا عُلَيَّ - بضمّ العين وفتح اللام - فهو عُليّ بن رباح بن قصير اللخمي من ازدة من القشيب، أبو عبد الله، وكان أحول أعور، ولد سنة خمس ‏عشرة، ومات سنة سبع عشرة ومائة، ويقال: سنة أربع عشرة ومائة، وكان اسمه

____________________

١- تهذيب الكمال ج ٢٠: ٤٢٩، تهذيب التهذيب ٧: ٢٨٠، الترجمة ٥٤١، تاريخ دمشق ٤١: ٤٨٠، ‏‏٦١: ٧، وفيه قتيبة بن سعيد قال: سمعت الليث بن سعد يقول: سمعت موسى بن علي يقول: من قال موسى بن ‏عُلي لم اجعله في حل.

أبو زرعة صيوة بن طلق بن اسمع يقول سمعت أبي يقول: سمعت موسى بن علي بن رباح يقول: ليس اجعل ‏احداً ينسبني إلى عُلي في حل انا ابن عَلي بن رباح. وفي خبر آخر عن الليث قال: سمعت موسى بن علي بن ‏رباح يقول: من قال لي عُلي فقد أغتابني.

١٨٣

عَليّاً ‏فصغّر، وكان يحرج على من سمّاه بالتصغير.

ومسلَمة بن عليّ كان يكره تصغير اسم أبيه أيضاً(١) .

وفي ‏(‏ الغاية في شرح الهداية في علم الرواية ‏)‏ المتفق والمختلف والمفترق والمؤتلف: ‏ومُثّل للأوّل بموسى بن عُلَيّ - بضمّ العين مصغّراً - بن رباح اللخمي المصري أمير ‏مصر، اشتهر بالضمّ وصحّح البخاري وصاحب المشارق الفتح، وقيل: بالضمّ لقبه، ‏وبالفتح اسمه، وروي عنه قال: اسم أبي عَلي - يعني بفتح العين - ولكن بنو أميّه قالوه ‏بالضمّ وفي حرج من قاله بالضم.

وروى عنه أ نّه قال: لم أجعله في حلّ، ونحوه قول أبيه: لا أجعل أحداً في حلّ من ‏تصغير اسمي.

قال ابن سعيد: أهل مصر يفتحونه بخلاف أهل العراق.

قال الدارقطني: كان يلقّب بعُلي وكان اسمه عَليّاً، وقد اختلف في سبب تصغيره، ‏فقال أبو عبد الرحمن المقري: كان بنو أميّة إذا سمعوا بمولود عَلِيّاً قتلوه فبلغ من ذلك ‏رباحاً فقال: هو عُلي بن رباح(٢) .

وفي تدريب الراوي: وروي عن موسى [بن علي اللخمي المصري أمير مصر](٣) ‏أ نّه قال: اسم أبي: عَلي، ولكنّ بنو اُمية قالوا: عُلي، وفي حرج من ‎

____________________

١- الاكمال ٦: ٢٥٠، قال الدارقطني: كان يكره ان ينسب عُلي، وغلب عليه ذلك. ( تاريخ دمشق ٥٨: ٤٧ - ‏‏٥٠ النكت على مقدمة ابن الصلاح ٣: ٦٥٦ وفي الاكمال لابن ماكولا ٦: ٢٥٠ - ٢٥١ ).

وأ مّا علي بضم العين وفتح اللام فهو سلمة بن علي الخشني كان يكره تصغير اسم أبيه أيضاً. وفي توضيح ‏المشتبه ٦: ٣٣٦ وسلمة بن علي الخشني كان يكره لصغير اسم أبيه كموسى بن علي و إنما صغر في أ يّام بني ‏أمية مراغمة من الجهلة.

٢- الغاية في شرح الهداية في علم الرواية ١: ٢٨٠، تاريخ الإسلام ٧: ٤٢٧.

٣- وموسى هذا قُتِل ابن له في حجره كان يسمّى عليّاً، قال صاحب المصالت، قيل ‏(‏ الزم السُنّة تدخل الجنة ‏)‏ ‏قال: وما السنة ؟ قال: حبّ أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ولعن أبي تراب، قال: هو الذي كان يقاتل مع ‏رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: صار اليوم خارجيا. ونهى معاوية عن تسميته، فسمّى موسى بن رباح ‏ابنه عليا فُذِبَح في حجره. ( الصراط المستقيم ١: ١٥١ - ١٥٢ ).

١٨٤

قال عُلي.

وعنه أيضا: من قال: موسى بن عُلي، لم أجعله في حِلّ، وعن أبيه: لا أجعل في ‏حلّ أحد يصغّر اسمي.

قال أبو عبد الرحمن المقرئ: كانت بنو اُمية إذا سمعوا بمولود اسمه عَلِيّ قتلوه، فبلغ ‏ذلك رباحاً فقال: هو عُلَي.

وقال ابن حبان في الثقات: كان أهل الشام يجعلون كلّ عَلِيٍّ عندهم عُلَيّاً، لبغضهم ‏عليا رضي الله تعالى عنه، ومن أجله قيل لوالد مسلمة ولابن رباح: ‏(‏ عُلَيّ ‏)‏(١) .

وهذه النصوص مختلفة عن عليّ بن رباح، وقد سعى النووي في شرحه أن يجمع ‏بينها فقال: عُلَيّ بن رباح، وهو بضمّ العين على المشهور، وقيل بفتحها، وقيل يقال ‏بالوجهين، فالفتح اسم والضم لقب(٢) .

كل هذه النصوص ترشدنا إلى وجود حالة استثنائية في التسميات سواء كان الشخص ‏يصغّر اسمه خوفاً، أو انّ الآخرين يصغّرونه تنقيصاً، المهمّ عندنا بيان هذه الحالة ‏ووجودها آنذاك لا غير، وليس هدفنا ضبط الاسم، هل هو علي أم عُلي.

أجل انّ معاوية كتب إلى عماله نسخة واحدة: انظروا من قامت عليه البينة أ نّه يحبّ علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه(٣) .

وفي نص آخر: ‏(‏ من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوه به واهدموا داره ‏)‏، قال ابن ‏أبي الحديد: فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة، حتّى إنّ الرجل ‏من شيعة عليعليه‌السلام ليأتيه من يثق به فيدخل بيته فيلقي إليه سرّه ،

____________________

١- تدريب الراوي ٢: ٣٣١، الشذا الفياح ٢: ٦٨٨، تهذيب الكمال ٢٠: ٤٢٧، الثقات لابن حبان ٧: ٤٥٤ ‏ت ١٠٨٩٥، قاله عن أبي حاتم.

٢- شرح النووي على مسلم ١١: ١٧.

٣- شرح النهج ١١: ٤٥، كتاب سليم بن قيس: ٣١٨.

١٨٥

و يخاف من ‏خادمه ومملوكه، ولا يحدّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة ليكتُمنَّ عليه(١) .

ولا يخفى عليك بأن محاربة اسم عليٍّ كانت ضمن هذه السياسة المشدّدة ضدهعليه‌السلام و إليك بعض النصوص في ذلك.

فجاء في كتاب ( الكافي )، عن عبدالرحمن بن محمّد العزرمي، قال:‏

استعمل معاو يةُ مروانَ بن الحكم على المدينة، وأمره أن يفرض لشباب ‏قريش، ففرض لهم، فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : فاتيته، فقال: ‏ما اسمك ؟

فقلت: علي بن الحسين.

فقال: ما اسم أخيك ؟

فقلت: علي.

قال: علي وعلي ؟! ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلاّ سمّاه علياً ؟

ثمّ فرض لي، فرجعت إلى أبي فأخبرته، فقال: ويلي على ابن الزرقاء ‏دبّاغة الأَدَم، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمّي أحداً منهم إلاّ علياً(٢) .

وهذا النصّ يرشدنا إلى أنّ الحساسيّة مع اسم عليّ صُرِّحَ بها علانيةً منذ أن وَليَ المدينة مروان بن الحكم من قبل معاوية، أي بين سنة ٤١ ه- وسنة ٤٩ ه-، وأنّ ‏التسمية بعليّ لم تكن ردة فعل من قبل الطالبيين فحسب، بل كانت لجمالية هذا الإسم ‏المبارك ومحبوبيّته عند الله ورسوله وأئمّة أهل البيت وتأكيد الله ورسوله عليه.

____________________

١- شرح النهج ١١: ٤٥.

٢- الكافي ٦: ١٩ ح ٧ وعنه في وسائل الشيعة ٢١: ٣٩٥ ح ١.

١٨٦

التسمية بعلي عند أهل البيت

نعم، جاء التأكيد على التسمية بمحمد وعلي والحسن والحسين وحمزة وفاطمة(١) من ‏قبل أئمّة أهل البيت رغم أنف معاوية ومروان والنواصب، وتأكيداً لرمزية أهل البيت ‏الممنوحة من قبل الله ورسوله لهم:‏

فعن محمّد بن عمرو، أ نّه قال لأبي الحسن [الرضا]عليه‌السلام : ولد لي ‏غلام.

فتبسم ثم فقالعليه‌السلام : سمَّيْتَهُ ؟

قلت: لا.

قال: سمّه علياً، فإنّ أبي كان إذا أبطات عليه جارية من جواريه قال لها: ‏يا فلانة، انوي عليّاً، فلا تلبث أن تحمل فتلد غلاماً(٢) .

وعن الحسين بن سعيد قال: كنت أنا وابن غيلان المدائني دخلنا على أبي الحسن ‏الرضاعليه‌السلام ، فقال له ابن غيلان:‏

أصلحك الله بلغني أنّ من كان له حمل فنوى أن يسمّيه محمّداً ولد له غلام ؟ ‏فقالعليه‌السلام : من كان له حمل فنوى أن يسمّيه عليّاً ولد له غلام، ثمّ ‏قال: عليّ محمّد، ومحمّد علي; شيئاً واحداً.

قال: أصلحك الله إنّي خلّفت امرأتي وبها حَبَلٌ، فادعُ الله أن يجعله غلاماً، ‏فأطرق إلى الأرض طويلاً ثم رفع رأسه فقال: سَمِّه علياً فإنه أطول لعمره، ‏فدخلنا مكّة فوافانا كتاب من

____________________

١- مستدرك وسائل الشيعة ١٥: ١٣١ باب ١٧ في استحباب التسميه أحمد والحسن والحسين وجعفر وطالب ‏وعبدالله وفاطمة.

٢- الكافي ٦: ١٠ ح ١١، وعنه في وسائل الشيعة ٢١: ٣٧٧ ح ٦.

١٨٧

المدائن أ نّه قد ولد له غلام(١) .

وفي الخرائج والجرائح للراوندي والثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي، والنصّ ‏عن الثاني:‏

روي عن بكر بن صالح، قال: قلت للرضاعليه‌السلام : امرأتي - أخت ‏محمّد بن سنان - بها حبل، فادع الله تعالى أن يجعله ذكراً، قال: هما ‏اثنان، فقلت في نفسي: محمّد وعليّ، فدعاني بعد انصرافي، فقال: سمّ ‏واحداً عليّاً والأُخرى أمّ عمرو.

فقدمت الكوفة وقد ولد لي غلام وجارية في بطن واحد، فسمّيت كما ‏أمرني، فقلت لأمّي: ما معنى أمّ عمرو ؟

فقالت: ان أمّي كانت تُدعَى أُمّ عمرو(٢) .

انّ محبوبيّة التسمية باسم عليّ لم يكن مختصّاً بالعهد الأموي أو العباسيّ أو من بعدهما ‏لأنّ التسمية بعليّ كان محبوباً ومنذ ولادة الإمام عليّ - لأ نّه اسم جميل ومشتقّ من الله ‏العليّ - وسيبقى محبوباً حتّى يوم القيامة، وهو اسم رائج عند المؤمنين قد يغلب على ‏الأسماء الأخرى عندهم، وهذا كان يؤذي أعداء أهل البيت وخصوصاً الأمويين منهم، ‏الذين كانوا يحاولون جادين لطمس رمزية هذا الاسم واستبداله برمزية أسمائهم.

فقد كان معاوية يحبّ أن يُخلّد اسمه، وأن يصبح رمزاً كعمر بن الخطاب و إن يكون ‏اسمه مثل اسم محمّد، يحيى، داود، إبراهيم، موسى، عيسى وغيرهم، فقد قال ابن أبي ‏الحديد:‏

ولد لعبدالله بن جعفر بن أبي طالب ولد ذكر فبُشِّرَ به وهو عند

____________________

١- الكافي ٦: ١١ ح ٢، وسائل الشيعة ٢١: ٣٧٦ ح ١.

٢- الخرائج والجرائح للراوندي ١: ٣٦٢ ح ١٧، الثاقب في المناقب: ٢١٤ ح ١٧.

١٨٨

معاوية بن ‏أبي سفيان، فقال له معاوية: سَمِّه باسمي ولك خمسمائة ألف درهم، ‏فسمّاه: معاويةَ، فدفعها إليه، وقال: اشتر بها لسميّي ضيعة(١) .

وحكي عن معاوية بن عبدالله بن جعفر هذا أ نّه كان صديقاً ليزيد بن معاو ية ‏بن أبي سفيان خاصّاً به، والأخير سمّى ابن معاوية بن عبدالله بن جعفر ‏باسمه(٢) .

وهذان النصّان ونص تسمية عمر تشير إلى أنّ عمر ومعاوية وابنه يزيد كانوا يحبون ‏أن يسمّي الناس أولادهم بأسمائهم، واهبين الهدايا لمّن يسمي بأسمائهم، وفي المقابل كان ‏معاوية واتباعه يقتلون كل من تسمّى بعلي والحسن والحسين(٣) ، أي أ نّهم يحبّون أن ‏يسمّي الناس أولادهم بخالد، و يزيد، ومعاوية و يعطون على ذلك بدلا و يخالفون التسمية ‏بعلي والحسن والحسين(٤) .

من هنا بدأت حرب الأسماء تستعر شيئاً فشيئاً، لأنّ الطلقاء جنّدوا بعض الأسماء ‏لصالحهم ومنعوا من أسماء أخرى.

وقد كان عبدالله بن جعفر وابنه معاوية بعده الوحيدَين من الهاشميين اللَّذين تعاطفا مع معاوية و يزيد وسمَّيا أولادهما بمعاوية ويزيد، مضافاً إلى تسمية عبدالله بن ‏جعفر ابناً آخر له باسم أبي بكر، وقيل بأن هذا كان كنية لابنه محمّد الأصغر وليس هو ‏باسم لَهُ، لكن الأمويين والعباسين حرفوه وجعلوه اسماً، كلّ هذه الأمور دعت الهاشميين ‏إلى أن يهجروا عبدالله بن جعفر.

____________________

١- شرح نهج البلاغة ١٩: ٣٦٩، الاعلام للزركلي ٧: ٢٦٢، وانظر الغارات ٢: ٦٩٥، وفيه قال: سمه ‏باسمي ولك مائة الف درهم، ففعل لحاجته وأعطاه معاوية المال فوهبه عبدالله للذي بشره به.

٢- انظر تاريخ دمشق ٥٩: ٢٤٦، الأغاني ١٢: ٢٦١.

٣- من قبل معاوية على وجه الخصوص.

٤- انظر دراسات عن المورخين العرب لمارجليوت وتاريخ المسعودي حوادث ٢١٢ ه-.

١٨٩

قال ابن إسحاق: لم يسمّ أحد من بني هاشم ولده بمعاوية إلاّ عبدالله بن ‏جعفر، ولمّا سمّاه هجره بنو هاشم، فلم يكلّموه حتى توفّي(١) .

ولا يخفى عليك إنّ هجر الطالبيين لعبدالله بن جعفر كان لهيجان عاطفي أصابهم، ‏وهو أمر وجداني يصيب كل أحد، لأ نّهم كانوا يرون أنفسهم مظلومين، فمن جهة يرون ‏الأمويين يشعلون نار الفتنة بين الناس و يثيرون الحساسيات بين الهاشميين وبين الأنصار.

ومن جهة أخرى يستغلّون أبناء الصحابة واخوانهم في حروبهم وفي مواقفهم ضد ‏الطالبيين، فأبناء أبي طالب لم يرتضوا التسمية بمعاوية ويزيد في ظروفهم العادية، وان ‏كانوا قد سمو - في ظروف خاصة - اولادهم بإسماء الثلاثة.

وقد يمكننا أن نعذر عبدالله بن جعفر، لأن الطالبيين عموماً والعلويين بوجه خاص ‏كانوا يمرون بضغوط مالية ومعنوية عالية، فالبعض منهم كان يصبر، والآخر كان لا ‏يطيق الصبر. مثل عبدالله بن جعفر.

فإنّ عبدالله بن جعفر كان في ركاب عمّه أميرالمؤمنين في خلافته وبيعته وحروبه. ‏لكنّ الحقد الأموي وأَخْذَ الخمس والفيء وفدك وغيرها من آل البيت، جعلهم يرزحون ‏تحت وطأة الضغوطات اللئيمة، ومثل هذا ستراه في مواقف عمر الأطرف ابن أمير ‏المؤمنين(٢) .

فغصب فدك وأخذ الخمس والفيء من قبل الشيخين، هو نفسه نهج معاوية والأمويين ‏بزيادةِ قطع عطاء الشيعة وخصوصاً لمن سُمّي ب- ‏(‏ عليّ ‏)‏، وان هذه الضغوط تخرج ‏الانسان من نصابه وخصوصاً حينما نراهم يذبحون و يسجنون كلّ من ينتمي لأهل البيت ‏ولو بالاسم، بل الأمويون كانوا يودّون أن لا يبقى من

____________________

١- تذكرة الخواص: ١٧٥.

٢- في صفحة ٣٤٨.

١٩٠

بني هاشم نافخ ضرمة حسبما ‏سيتضح لك في الصفحات القليلة القادمة.

معاوية وأبادته للهاشميين

جاء في عيون الأخبار لابن قتيبة، عن أبي الأغرّ التميمي: إنّ رجلا من أهل الشام ‏يُعرف بعرار بن أدهم طلب براز العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب يوم صفّين ‏بقوله: يا عبّاس، هلمّ إلى البراز !‏

قال العبّاس: فالنزول إذاً فإنّه إياسٌ من القفول; فنزل الشاميّ، وهو يقول:‏

إن تركبوا فرُكوبُ الخيلِ عادَتُنا أو تنزلون فإنّا مَعْشَرٌ نُزُلُ

وثنى العباس وِركَهُ منزل، وهو يقول:‏

وتصدّ عنك مَخِيلَة الرّجُل العرِّيض موضحِةٌ عن العَظمِ

بحُسامِ سيفك أو لسانِك والكَلِمُ الأصيلُ كأرغَبِ الكَلمِ

‏... فتكافحا بسيفيهما مَليّاً من نهارهما; لا يصل واحدٌ منهما إلى صاحبه لكمال لامته; ‏إلى أن لحظ العبّاس وَهْياً في درع الشاميّ، فأهوى إليه بيده، فهتكه إلى ثُنْدُوَته، ثمّ عاد ‏لمجاولته وقد أصحر له مفتَّق الدرع، فضربه العباس ضربَةً انتظم بها جوانحَ صدره، ‏وضرّ الشاميّ لوجهه، وكبّر الناس تكبيرة ارتجّت لها الأرض من تحتهم، وأنشَامَ العباس ‏في الناس وآتساع أمره، و إذا قائل يقول من ورائي:( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ ‏وَ يُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْم مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ ) (١) ، فالتفتُّ وإذا ‏أميرالمؤمنينرضي‌الله‌عنه علي بن أبي طالب، فقال: يا أبا الأغرّ، من المنازل ‏لعدوَّنا ؟

فقلت: هذا ابن أخيكم، هذا العباس بن ربيعة. فقال: و إنّه لهو ! يا عبّاس ألم

١٩١

أنهَك، ‏وابنَ عبّاس [وحسناً وحسيناً وعبدالله بن جعفر](٢) أن تُخِلاّ بمركزكما، أو تباشرا حرباً ؟ ‏قال: إنّ ذلك يعني نعم، قال: فما عَدا ممّا بدا ؟! قال: فأُدعَى إلى البراز فلا أجيب ؟ قال: ‏نعم طاعة إمامك أولى بك من إجابة عدوّك، ثمّ تغيّظ واستشاط حتّى قلت: الساعة ‏الساعة. ثمّ تطامن وسكن، ورفع يديه مبتهلا، فقال: اللهمّ اشكر للعباس مقامه، واغفر ‏له ذنبه، إنّي قد غفرتُ له، فاغفر له.

قال: وتأسف معاوية على عرار، وقال: متى يَنطِفُ فحلٌ بمثله ! أيُطَلّ دمه ! لاها ‏الله ذا ! ألا رجلٌ يشري نفسه لله، يطلُب بدم عرار ؟ فانتدَب له رجلان من لَخْم فقال: ‏اذهبا، فأ يّكما قتل العباس بِرازاً فله كذا.

فأتياه، ودعواه إلى ابراز، فقال: إنّ لي سيّداً أريد أن أؤامره ؟

فأتي عليّاً عليه السّلام، فأخبره الخبر.

فقال عليّعليه‌السلام ، والله لودّ معاوية أ نّه ما بقِيَ من بني هاشم نافخ ضَرمة إلاّ طُعِنَ ‏في نيطه(٣) ، إطفاءً لنور الله( وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٤) .

وفي كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي: أنّ معاوية أقبل على عبيدالله بن عمر - وقد كان ‏في جيشه - محرّضاً إياه على مبارزة الإمام علي أو مبارزه أحد ولده، فقال له:‏

يا بن أخ ! هذا يوم من أيّامك، فلا عليك أن يكون منك اليوم بما يسرّ به ‏أهل الشام، فخرج عبيدالله بن عمر وعليه درعان سابغان فذهب محمّد ابن الحنفية ليخرج إليه، فصاح به علي: مكانك يا ‏بني ! لا تخرج إليه(٥) .

إنّ الإمام عليّ بن أبي طالب كان قد أخبر عن قلّة أنصاره يوم السقيفة - وهو

____________________

١- التوبة: ١٤ - ١٥.

٢- الزيادة من تفسير العياشي ٢: ٨١ سورة براءة قوله تعالى ‏(‏ و يشف صدور قوم مؤمنين ‏)‏.

٣- وفي نسخة بطنه.

٤- عيون الأخبار ١: ٢٧٤، وعنه في شرح نهج البلاغة ٥: ٢١٩ - ٢٢١، الآية في: التوبة: ٣٢.

٥- الفتوح لابن الاعثم ٣: ١٢٨ - ١٢٩.

١٩٢

العالم ‏اليوم بمخطط قريش المشؤوم وسعيهم لإبادة أهل بيته - فقال:‏

‏(‏ فَنَظِرتُ فَإذا لَيسَ لي رَافِدٌ ولا ذَابٌّ وَلا مُساعِدٌ إلاّ أَهلَ بَيتي فَضَننْتُ بِهِم عَنِ المَنيّةِ ‏فأَغضَيتُ عَلى القَذَى ‏)‏(١) .

قالهاعليه‌السلام ليس خوفاً من القتل بما هو قتل، ولا بما أ نّهم أهل بيته وعشيرته، ‏بل لكونهم المحامين الرساليين للرسالة المحمدية، ولولاهم لما اخضر للدين عود، مع ‏وجود هؤلاء الأعداء الالداء للإسلام فجاء في كتاب له إلى معاوية:‏

‏(‏ وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا احمَرَّ البَأسُ قَدَّمَ أَهْلَ بَيتِهِ فَوَقَى بِهِمْ أَصحَابَهُ ‏حَرَّ السُّيُوفِ والأَسِنَّةِ‏)‏(٢) .

فالإمام عليّ بهذه الكلمات كان يريد أن يُعلم معاوية بأنّ ليس له المزايدة عليه في ‏اهتمامه بأصحاب رسول الله وأ نّه لا يريد برازهم لأ نّه عرف مخططهم.

إنّ نهي الإمام عليّ لابن عمّه العباس وكذا لابنه محمّد بن الحنفية لم يكن خوفاً من ‏البراز والشهادة، لأنّ الشهادة هي الطريق الأمثل لكلّ مسلم، فكيف بأهل بيت الرسول ‏الذين هم أسّ الدين وأساسه.

بل لعلمه بأن معاوية كان يريد الاحتماء بأبناء الخلفاء وزجهم في هكذا أمور تسعيراً ‏للفتنة والأحقاد القديمة، في حين يدّخر ولده يزيد للحكم القادم ...‏

وحين جيء بالأسرى من كربلاء إلى الشام طفح حقد يزيد على أهل البيت وعلى اسم ‏عليٍّ بالذات، فقد التفت إلى عليّ بن الحسين فقال: ما اسمك ؟

فقال: أنا عليّ بن الحسين، فقال: أليس قد قتل الله عليّ بن الحسين ؟ فقال عليّعليه‌السلام : قد كان لي أخ [أكبر منّي] يسمّى عليّاً فقتلتموه، فقال له يزيد: ‏‏(وَمَآ أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَة فَبَِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ).

فقال علي بن الحسينعليه‌السلام : ( مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَة فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ

____________________

١- نهج البلاغة: ٣٣٦، من كلام لهعليه‌السلام ٢١٧.

٢- نهج البلاغة: ٣٦٨، من كتاب لهعليه‌السلام إلى معاوية ٩.

١٩٣

‏إِلاَّ فِي كِتَاب مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ ‏تَفْرَحُواْ بِمَآ أَ تَاكُمْ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور )(١) ...‏

فقال: بل الله قتله، فقال عليّ:( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) (٢) .

كانت هذه صورة إجمالية عن المخطط الأموي وهدف معاوية و يزيد في القضاء على ‏الإمام عليّ وأولاده وأهله وعشيرته، وأنّ الممانعة من التسمية بأسمائهم كانت على رأس ‏المخطط، وان الأمويون كانوا يتعرّفون على الاتجاهات الفكرية عند المسلمين من خلال ‏التسميات.

وفي المقابل كان الإمام أميرالمؤمنين والإمام الحسن والإمام زين العابدين يسمون - أو ‏قل يقبلون التسمية - بأسماء الخلفاء ولا يهابون من اطلاق هذه الأسماء على اولادهم، كل ‏ذلك لكي يجوّزوا هذه التسميات لشيعتهم، والقول بأن لا ضير من التسمية بأمثال هذه ‏الأسماء لو ضاق بهم الأمر، خصوصاً إذا كان في تلك التسميات إفشالٌ للمخطط الأموي ‏الرامي لتسعير حرب الأسماء وعزل الشيعة والتعرف عليهم من خلال الأسماء.

الأمويون والتسمية بمعاوية والوليد وخالد والمنع من التسمية بعليّ والحسن والحسين

إنّ الأمويين كانوا يستغلّون عواطف الأمة والخلافات الموجودة بين الصحابة أبشع ‏استغلال، ترسيخاً لحكمهم وتثقيفاً للأمة على بغض آل البيت، وأ نّهم بتقديسهم للخلفاء، أخذوا يُكرِّهون أهل البيت للناس، لأ نّهم قالوا كذا وكذا عن فلان ‏وفلان، بهذه السياسة أَخذو يحوّلون الناس عن التسمية بهذه الأسماء المباركة.

____________________

١- مقاتل الطالبيين: ٨٠، وانظر تفسير القمي ٢: ٢٧٧، الارشاد، للمفيد ٢: ١١٥ - ١١٦، اللهوف في قتلى ‏الطفوف، لابن طاووس ٩٣ - ٩٥، وفيه زيادة على ما جاء في الارشاد.

٢- الزمر: ٤٢.

١٩٤

روى أبو الحسن المدائني [عن أبي سلمة الأنصاري أنه] قال: حدّثني ‏رجل، قال: كنت بالشّام فجعلت لا أسمع أحداً يسمّي أحداً أو يناديه: يا ‏علي، أو يا حسن، أو يا حسين، و إنّما أسمع يا معاوية، والوليد، ‏و يزيد، حتّى مررت برجل فاستسقيته ماء، فجعل ينادي: يا علي، يا ‏حسن، يا حسين، فقلت: يا هذا إنّ أهل الشام لا يسمّون بهذه الأسماء !‏

قال: صدقت، إنّهم يسمّون أبناءهم بأسماء الخلفاء، فإذا لعن أحدهم ولده ‏أو شتمه فقد لعن اسم بعض الخلفاء، و إنّما سمّيت أولادي بأسماء أعداء ‏الله [و يعني بذلك آل البيت الأطهار] فإذا شتمتُ أحدهم أو لعنته فإنّما ألعن ‏أعداء الله(١) .

وهذا النص يذكرنا بعدة نقاط:‏

أحدها: عدم وجود اسم علي والحسن والحسين في الشام إلاّ نادراً جدّاً جدّاً.

الثانية: شيوع أسماء أمثال الوليد، ومعاوية، ويزيد فيها.

الثالثة: إنّ الرجل المحبّ لآل البيت فرح واسترّ لمّا سمع شخصاً ينادي أولاده بأسماء ‏ائمّة أهل البيت، لكنّه سرعان ما خاب ظنّه وعلم أ نّه إنمّا سمّاهم بهذه الأسماء تنكيلا بهم ‏ولكي يلعنهم.

الرابعة: إنّ ظاهرة اللّعن ليست مختصة بالشيعة كما يقولون، بل كانت متفشية ‏وشائعة بشكل عدائي مبرمج عند الأمويين، بل إنّهم هم الذين سنّوا لعن عليٍّ من على ‏المنابر.

____________________

١- شرح نهج البلاغة ٧: ١٥٩. وانظر تاريخ الإسلام للذهبي ١٦: ٢٩٠ - ٢٩١ ( حوادث ووفيات ٢٢١ - ‏‏٢٣٠) وفيه اضافه: فقلت: حسبك خير أهل الشام وإذا ليس في جهم شرٌ منكم، فقال المأمون: لا جرم قد جعل ‏الله من يلعن احياءهم وأمواتهم ومن في الاصلاب، يعني لعن الشيعة للناصبة.

١٩٥

الخامسة: إنّ هذا الزاهد من أهل الشام !! كان يتحرّج من لعن أهل الشام أسماء ‏الخلفاء، فاستبدل أسماءهم بأسماء أهل البيت !!!‏

و يؤكّد مبغوضية اسم علي والحسن والحسين في الحكومة الأموية ما رواه الصدوق ‏بسنده عن الاعمش أ نّه قال: بعث إليّ أبو جعفر الدوانيقي في جوف الليل أن أَجِبْ، قال: ‏فبقيت متفكّراً فيما بيني وبين نفسي وقلت: ما بعث إليّ أميرالمؤمنين في هذه الساعة إلاّ ‏ليسألني عن فضائل عليّعليه‌السلام ، ولعلّي إن أخبرته قتلني.

قال: فكتبت وصيّتي ولبست كفني ودخلت عليه، فقال: أُدْنُ، فدنوت منه وعنده ‏عمرو بن عبيد، فلمّا رأيته طابت نفسي شيئاً، ثمّ قال: أُدْنُ، فدنوتُ حتّى كادت تمسّ ‏ركبتي ركبته، قال: فوجد منّي رائحة الحنوط فقال: والله لتصدقني أو لأصلبنّك.

قلت: ما حاجتك يا أميرالمؤمنين ؟

قال: ما شأنك متحنّطاً ؟

قلت: أتاني رسولك في جوف الليل أن أجِبْ، فقلت: عسى أن يكون أميرالمؤمنين ‏بعث إليّ في هذه الساعة ليسألني عن فضائل عليعليه‌السلام ، فلعلّي إن أخبرته قتلني، ‏فكتبت وصيّتي ولبست كفني.

قال: وكان متّكئاً فاستوى قاعداً، فقال: لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، سألتك بالله يا ‏سليمان كم حديثاً ترويه في فضائل عليّعليه‌السلام ؟

قال: فقلت: يسيراً يا أميرالمؤمنين.

قال: كم.

قلت: عشرة آلاف حديث وما زاد.

فقال: يا سليمان والله لأحدّثنّك بحديث في فضائل عليّعليه‌السلام تنسى كلّ حديث ‏سمعته.

قال: قلت: حدّثني يا أميرالمؤمنين.

١٩٦

قال: نعم، كنت هارباً من بني أميّة وكنت أتردّد في البلدان فأتقرّب إلى الناس بفضائل ‏عليّ، وكانوا يطعموني ويزودوني، حتّى وردت بلاد الشام و إنّي لفي كساء خَلِق ما عليّ ‏غيره، فسمعت الإقامة وأنا جائع، فدخلت المسجد لأصلّي وفي نفسي أن أُكلّم الناس في ‏عشاء يعشّوني.

فلمّا سلّم الإمام دخل المسجد صَبِيّانِ، فالتفتَ الإمامُ إليهما، وقال: مرحباً بكما ومرحباً ‏بمن اسمكما على اسمهما، فكان إلى جنبي شابّ، فقلت: يا شابّ ما الصَّبِيَّان من الشيخ ؟

قال: هو جدّهما، وليس بالمدينة أحدٌ يحبّ عليّاً غير هذا الشيخ، فلذلك سمّى أحدهما ‏الحسن والآخر الحسين.

فقمت فرحاً، فقلت للشيخ: هل لك في حديث أقرّ به عينك، فقال: إن أقررتَ عيني ‏أقررتُ عينك.

قال: فقلت: حدّثني والدي، عن أبيه، عن جدّه، قال: كنّا قعوداً عند رسول الله إذ ‏جاءت فاطمة تبكي، فقال لها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ما يبكيك يا فاطمة ؟ قالت: يا أبه ‏خرج الحسن والحسين فما أدري أين باتا - والخبر طويل وفي آخره - قال: - فلمّا قلت ‏ذلك للشيخ قال: من أنت يا فتى ؟

قلت: من أهل الكوفة.

قال: أعربيّ أنت، أم مولى ؟

قلت: بل عربيّ.

قال: فأنت تحدث بهذا الحديث وأنت في هذا الكساء ! فكساني خلعته، وحملني على بغلته. فتبعها بمائة دينار إلى أخره(١) .

وهذا الخبر كان قد صدر أ يّام اشتداد ثورة الهاشمين على الأمويين، أي في أواخر ‏الخكم الأموي، وهو يدلّ على مدى ترسّخ العداء الأموي لأسماء آل محمّد

____________________

١- أمالي الصدوق: ٥٢١ - ٥٢٣ ( المجلس السابع والستون )، ح ٢.

١٩٧

في الشام معقل ‏الأمويين، كما يدلّ على وجودِ بعض ضئيل جدّاً ممن لم تَنْطَلِ عليهم ألاعيب ومخططات ‏الأمويين، كالشيخ الكبير جَدِّ الصبيَّينِ.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنه يدلّ على مدى لؤم المنصور العباسي الذي كان ‏يعيش تحت ظل فضائل أمير المؤمنين عليعليه‌السلام ، ثمّ لمّا تسلّم أمور السلطة غرز ‏أنيابه وأنشب مخالبه في أولاد أمير المؤمنينعليه‌السلام .

تغيير الأمويين لبعض المفاهيم والأسماء

إنّ الأمويين لم يكونوا صادقين في إسلامهم، بل كانوا يريدون الوقيعة بمحمد وآل ‏بيته، والاستخفاف بالمقدّسات، فشبهوا رسول الله برجل من خزاعة لم يوافقه أحد من ‏العرب كان يعبد الشِّعرى، يعرف ب- ( أبي كبشة ).

وغيروا اسم مدينة رسول الله من ( طيبة ) الى ( نتنة ) أو ( خبيثة )، وسمّوا بئر نبي الله ‏إبراهيم زمزم ب- ( أمّ الخنافس ) أو ( أمّ الجعلان )، وقالوا عن الخليفة أ نّه أهمّ من رسول ‏الله، وركّزوا على التنقيص بعلي وكنية أبي تراب إلى غيرها من عشرات الكلمات ‏البذيئة.

‏١ - نبز الرسول ب- ‏(‏ ابن أبي كبشة ‏)‏

‏(‏ ابن أبي كبشة ‏)‏ هي الكنية التي كانت قريش تعيّر بها رسول الله، فعن خالد بن ‏سعيد: إنّ أباه سعيد بن العاص بن اُمية مرض مرضاً شديداً، فقال: لئن شفاني الله من وجعي هذا لا يعبد إله محمّد بن أبي كبشة ببطن مكة، قال خالد: فهلك(١) .

وفي المستدرك للحاكم، عن بن العباس: إنّ أبا سفيان قال يوم أحد وهو يصيح في ‏أسفل الجبل: اُعْلُ هبل، أعْلُ هبل، يعني آلهته، أين ابن أبي كبشة(٢) .

____________________

١- المعجم الكبير ٤: ١٩٥ ح ٤١١٩، ومجمع الزوائد ٦: ١٩، طبقات ابن سعد ٤: ٩٥، تاريخ دمشق ‏‏١٦: ٧٦.

٢- المستدرك على الصحيحين ٢: ٣٢٤ ح ٣١٦٣، المعجم الكبير ١٠: ٣٠١ ح ١٠٧٣١، البداية والنهاية ‏‏٣: ٢٤٦.

١٩٨

وجاء في صحيح البخاري خبر لقاء أبي سفيان برسول قيصر ببعض الشام والذهاب ‏معه إلى قيصر لقراءة رسالة رسول الله إليه، وبعد قراءة الرسالة خرج وهو يقول: لقد ‏أَمِرَ أَ مْرُ ابن أبي كبشة، هذا مَلِكُ بني الأصفر يخافه، قال أبو سفيان: والله مازلت ذليلاً ‏مستيقناً بأنّ أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره(١) .

وعن أبي هريرة، قال: مرّ رسول الله بعبدالله بن أبيّ وهو في ظل أُطُم فقال: عبر ‏علينا ابن أبي كبشة.

فقال ابنه عبدالله بن عبدالله: يا رسول الله والذي أكرمك لئن شئت لآئتينَّك برأسه.

فقال: ولكن بِرَّ أباك وأحسن صحبته، رواه البزار ورجاله ثقات(٢) .

وفي المصنف: إنّ أمّ جميل أخت عمر أسلمت و إن عندها كتباً أكتتبتها من القرآن ‏نقرأه سراً وحدث أ نّها لا تأكل من الميتة التي يأكل منها عمر، فدخل عليها يوماً عمر فقال: ‏ما الكَتِفُ الذي ذكر لي عندك تقرئين فيها ما يقول ابن أبي كبشة؟ يريد رسول الله(٣) .

وجاء عن معاوية أ نّه قال - للمغيرة حينما طلب منه أن يصل بني هاشم لأ نّه أبقى ‏لذكره - قال: هيهات هيهات، أيّ ذكر أرجو بقاءه؟ ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل فما ‏عدا أن هلك حتّى هلك ذكره إلاّ أن يقول قائل: أبوبكر.‏

ثمّ ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتّى هلك

____________________

١- صحيح البخاري ٣: ١٠٧٤ - ١٠٧٦ ح ٢٧٨٢، مسند أحمد بن حنبل ١: ٢٦٢ ح ٢٣٧٠، مسند أبي ‏عوانة ٤: ٢٦٨ - ٢٧١ ح ٦٧٢٧.

٢- مجمع الزوائد ٩: ٣١٨.

٣- المصنف لعبدالرزاق الصنعاني ٥: ٣٢٥ - ٣٢٦.

١٩٩

ذكره إلاّ أن ‏يقول قائل: عمر.‏

و إنّ ابن أبي كبشة ليُصاح به كلّ يوم خمس مرّات ‏(‏ أشهد أنّ محمّدا رسول الله ‏)‏، فأيّ ‏عمل يبقى؟ وأيّ ذكر يدوم بعد هذا لا أباً لك؟ لا والله إلاّ دفناً دفناً(١) .‏

وفي تفسير فرات الكوفي: إنّ رسول الله كان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن، فإذا قام ‏من الليل يصلّي جاء أبوجهل والمشركون يستمعون قراءته، فإذا قال ‏(‏ بسم الله الرحمن ‏الرحيم ‏)‏ وضعوا أصابعهم في آذانهم وهربوا، فإذا فرغ من ذلك جاؤوا فاستمعوا، وكان ‏أبوجهل يقول: إنّ ابن أبي كبشة ليردّد اسم ربّه، إنّه ليحبّه، فقال الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام : صدق وإن كان كذوبا(٢) .

ومن خلال النص الأخير نعرف سرّ إخفات الآخرين بالبسملة أو تركهم لها، وفي ‏الطرف المقابل إصرار أهل البيت على الجهر بها وجعلها من علائم المؤمن(٣) ، وهذا ما ‏سأبحثه لاحقاً في مبحث البسملة من كتابي (صلاة النبي).

وعلى كلّ حال، فإنّ من الغرابة بمكان ما فعله النووي(٤) حيث إنّه بعد أن وقف على ‏أقوال أبي جهل، وأبي سفيان، ومعاوية، وعبدالله بن أبيّ، وسعيد بن العاص بن أميّة، ‏أراد التقليل من وطأة هذه الكنية والقول بأ نّها كنية لجدّ رسول الله من قِبَلِ أمّه; أي لعمرو بن زيد النجاري، ثم قال: وقيل: هي كنية لأبيه من ‏الرضاعة أي زوج حليمة; وهو الحارث بن عبدالعزى السعدي، في حين أنّ النووي يعلم ‏كغيره بأنّ ما قالوه وكنّوه إنّما قالوه عداوة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله ونَبْزاً، لا حبّا به ولا ‏إخباراً عن نسبه وسببه، فلو كانت تعييراً لرسول الله فهي أولى أن تكون كنية لذلك الرجل ‏من

____________________

١- شرح النهج ٥: ١٢٩ - ١٣٠، وفي مروج الذهب ٣: ٤٥٤، قيل إنّ المأمون لما سمع هذا الخبر أمر منادياً ‏يقول: برئنا من أحد من الناس ذكر معاوية بخير أو قدّمه على أحد من أصحاب رسول الله.

٢- مستدرك وسائل الشيعة ٤: ١٨٥ ح ٥ عن تفسير فرات الكوفي: ٢٤٢.

٣- التهذيب ٦: ٥٢ ح ٣٧، وسائل الشيعة ١٤: ٤٧٨ ح ١.

٤- شرح مسلم للنووي ١٢: ١١٠ - ١١١.

٢٠٠