التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي0%

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 550

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
تصنيف:

الصفحات: 550
المشاهدات: 153073
تحميل: 5806

توضيحات:

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 153073 / تحميل: 5806
الحجم الحجم الحجم
التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

مؤلف:
العربية

خزاعة الذي قال عنه النووي: ‏(‏ كان يعبد الشِّعْرى ولم يوافقه أحد من العرب في ‏عبادته; شبّهوا النبيّ به لمخالفته إيّاهم في دينهم كما خالفهم أبوكبشة ‏)‏(١) . ومناسبة النبز ‏واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.

‏٢ - تسمية مدينة رسول الله ب- ‏(‏ الخبيثة ‏)‏ أو ‏(‏ النتنة ‏)‏

ذكر ابن عساكر بسنده عن محمّد بن عمارة، قال: قدمت الشام في تجارة، فقال لي ‏رجل: من أنت ؟

فقلت: رجل من المدينة.

قال: خبيثة !‏

فقلت: سبحان الله ! يسمّيها رسول الله طيّبة وتقول أنت: خبيثة !!‏

قال: إنّ لي ولها شأنا(٢) .

وعن أبي معشر: قال لي رجل: بينا أنا في أسواق الشام إذا برجل ضخم، فقال لي: ‏ممن أنت؟

قلت: رجل من أهل المدينة.‏

قال: من أهل الخبيثة !‏

فقلت له: سبحان الله ! رسول الله سمّاها ‏(‏ طيّبة ‏)‏ وسمّيتها خبيثة(٣) !!‏

وفي أنساب الأشراف للبلاذري: إنّ يحيى بن الحكم بن أبي العاص جرى بينه وبين عبدالله بن جعفر كلام، فقال يحيى: كيف تركت الخبيثة؟ يعني المدينة.‏

فقال: سمّاها رسول الله طيّبة وتسميها خبيثة؟!! قد اختلفتما في الدنيا وستختلفان في ‏الآخرة.‏

فقال [ابن أبي العاص]: والله لَئِنْ أموت، أُدفن بالشام - الأرض المقدسّة -

____________________

١- شرح مسلم للنووي ١٢: ١١٠ - ١١١.

٢- تاريخ دمشق ٥٥: ١٣، الكامل في التاريخ ٣: ٤٦١.

٣- الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ١٨٤.

٢٠١

أحبُّ إليَّ ‏من أن أدفن بها!‏

فقال عبدالله: اخترتَ مجاورة اليهود والنصارى على مجاورة رسول الله والمهاجرين ‏والأنصار(١) .‏

وجاء في مروج الذهب: أنّ مسلم بن عقبة - الذي يقال له: مسرف أو مجرم بن عقبة ‏المُرِّي - استباح المدينة بعد واقعة الطف، وأخاف أهلها، وأخذ البيعة منهم على أ نّهم عبيد ‏ليزيد، وسمّى المدينة ‏(‏ نتنة ‏)‏، وقد سمّاها رسول الله طيبة(٢) .‏

وذكر أصحاب السير والتاريخ: أنّ معاوية لمّا تغلّب على الأمر قيل له: لو سكنت ‏المدينة فهي دار الهجرة وبها قبر رسول الله.‏

فقال: قد ظللتُ إذاً وما أنا من المهتدين(٣) .‏

لأ نّه كان يسعى لبناء مجد خاصّ به وبالأمويين، ولو تأ مّلت في النصوص السابقة ‏لعرفت اختلاف المنهجين، فيحيى بن الحكم بن أبي العاص يعتبر الشام الأرض المقدّسة ‏وأن الدفن فيها أحب إليه من الدفن في مدينة الرسول، في حين عبدالله بن جعفر يقول له: ‏اخترتَ مجاورة اليهود والنصارى على مجاورة رسول الله والمهاجرين والأنصار.‏

ومسرف بن عقبة يصف مدينة رسول الله ب- ‏(‏ النتنة ‏)‏ مخالفاً بذلك رسول الله الذي ‏سمّاها طيبة، ومعاوية يقول عن سكونه في المدنية: قد ظللت.‏

بلى، أنّها حرب الأسماء، فإنهم رووا أحاديث كثيرة في فضل الشام ومعاوية ‏

وأبي سفيان، وروى الواقدي أنّ معاوية لمّا عاد من العراق إلى الشام بعد صلح الإمام ‏الحسن سنة ٤١ خطب فقال: أ يّها الناس، إنّ رسول الله قال: إنّك ستلي الخلافة من بعدي! ‏فاخترِ الأرضَ المقدّسة فإنّ فيها الأبدال، وقد اخترتكم فالعنوا

____________________

١- انساب الاشراف ٢: ٣٠٥.

٢- مروج الذهب ٣: ٦٩.

٣- شرح الأخبار ٢: ١٦٥، حياة الإمام الحسين ٢: ١٤٨.

٢٠٢

أبا تراب - أي عليّ بن أبي ‏طالب -(١) .‏

‏٣ - التلاعب بمفهومي الخليفة والرسول

عن ابن عيّاش، قال: كنّا عند عبدالملك بن مروان إذ أتاه كتاب من الحجاج يعظّم فيه ‏أمر الخلافة و يزعم أنّ ما قامت السماوات والأرض إلاّ بها، وأنّ الخليفة عند الله أفضل ‏من الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين(٢) .‏

وخطب الحجّاج بالكوفة فذكر الّذين يزورون قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ‏بالمدينة، فقال: تبّاً لهم! إنّما يطوفون بأعواد ورِمّة بالية! هلاّ طافوا بقصر أميرالمؤمنين ‏عبدالملك! ألا يعلمون أنّ خليفة المرء خير من رسوله(٣) .‏

وخطب خالد بن عبدالله القسري على منبر مكّة فقال: أ يّها الناس أ يّهما أعظم أخليفة ‏الرجل على أهله أم رسوله إليهم ؟ والله لو لم تعلموا فضل الخليفة الا أنّ إبراهيم خليل ‏الرحمن استسقى ربّه فسقاه ملحاً أجاجاً، واستسقاه الخليفة فسقاه عذباً فراتاً، يعني بئراً ‏حفرها الوليد بن عبدالملك بالثنيتين - ثنية طوى وثنية الحجون - فكان ينقل ماؤها فيوضع ‏في حوض من أدم إلى جنب زمزم ليعرف فضله على زمزم(٤) .

وفي الكامل للمبرد: وممّا كفّر به الفقهاءُ الحجّاجَ بنَ يوسف، أ نّه رأى الناس يطوفون ‏حول حُجْرة رسول الله فقال: إنّما تطوفون بأعواد ورِمَّة، قال الدميري في

____________________

١- شرح نهج البلاغة ٤: ٧٢ وفيه: فلما كان من الغد كتب ( معاوية ) كتاباً ثم جمعهم فقرأه عليهم، وفيه: هذا ‏كتاب كتبه أمير المؤمنين معاوية صاحب وحي الله الذي بعث محمّد اً نبياً، وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ‏فاصطفى له من أهله وزيراً كاتباً أميناً، فكان الوحي ينزل على محمّد وأنا اكتبه، وهو لا يعلم ما أكتب، فلم ‏يكن بيني وبين الله أحد من خلقه، فقال له الحاضرون كلهم: صدقت يا أميرالمؤمنين.

٢- العقد الفريد ٥: ٣١٠.

٣- شرح نهج البلاغة ١٥: ٢٤٢.

٤- تاريخ الطبري ٥: ٢٢٢، جمهرة خطب العرب ٢: ٣٢٢، الخطبة ٣٠٨.

٢٠٣

الحيوان و إنّما ‏كفّروه بهذا لأنّ في هذا الكلام تكذيباً لرسول الله - نعوذ بالله من اعتقاد ذلك - فإنّه صحّ عنه ‏أ نّه قال: إنّ الله عزّ وجلّ حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء(١) .‏

وفي أنساب الأشراف: حدّثني عبدالله بن صالح، عن حمزة الزيّات أ نّه سمعه يقول: ‏وذكر الحجاج: إنّه أرسل الى مطرف بن المغيرة بن شعبة وكان يتألّه، فقال له: يا ‏مطرف، أرسولك أكرم عليك أم خليفتك في أهلك؟

فقال: بل خليفتي أكرم.‏

قال الحجاج: فإنّ عبدالملك خليفة الله في عباده، فهو أكرم عليه من محمّد وغيره من ‏الرسل. فوقرت في نفس مطرف واختبأها وقال: جهادك والله أولى من جهاد الروم، فخرج ‏عليه(٢) .‏

وقريب من ذلك ما سمعه المغيرة بن الربيع وخالد الضبّي عنه(٣) ، فأقسما أن لا ‏يصلّيا خلفه.‏

‏٤ - بئر زمزم أم أمّ الخنافس‏

جاء في أنساب الأشراف وتاريخ دمشق: أنّ خالد بن عبدالله القسري ذمّ بئر زمزم، فقال: إنّ زمزم لا تُنزح ولا تُذَمّ، بلى والله إنّها لَتُنْزَحُ وتذمّ، هذا أميرالمؤمنين [و يعني به هشام بن عبدالملك] قد ساق لكم قناة بمكة من حالها وحالها(٤) .‏

وفي أنساب الأشراف: وحدّثني محمّد بن سعد الواقدي في إسناده: أنّ خالداً

____________________

١- الكامل في اللغة ١: ١٧٩، حياة الحيوان للدميري ١: ٢٤٧ والحديث في سنن أبي داود ١: ٢٧٥ ح ‏‏١٠٤٧، ٢: ٨٨ ح ١٠٥٣١، سنن ابن ماجة ١: ٣٤٥ ح ١٠٨٥، و ١: ٥٢٤ ح ١٦٣٦، سنن الدارمي ‏‏١: ٤٤٥ ح ١٥٧٢.

٢- أنساب الأشراف ١٣: ٣٨٠.

٣- أنساب الأشراف ٧: ٣٤٢، والمحن ١: ٢٤٦.

٤- انساب الاشراف ٩: ٥٨ تاريخ دمشق ١٦: ١٦٠.

٢٠٤

قال: إنّ ‏نبي الله إسماعيل استسقى ربّه فسقاه ملحاً أجاجا، وسقي أميرَالمؤمنين عذباً زلالاً بئراً ‏احتفرها له.‏

وقال أبوعاصم النبيل: ساق خالدٌ الماء إلى مكّة فنصب طستاً إلى جانب زمزم، ثمّ ‏خطب فقال: قد جئتكم بماء الغادية لا يشبه ماء أمّ الخنافس، يعني زمزم(١) .

وفي نص آخر: صنع خالد القسري ما بين زمزم والحجر الأسود حوضاً كحوض ‏العباسرضي‌الله‌عنه ، وجلب إليه الماء العذب من أصل جبل ثبير، وكان ينادي مناديه: ‏هلمّوا إلى الماء العذب واتركوا أمّ الخنافس، يعني زمزم، أخزاه الله، فلمّا مضت دولة بني ‏أميّة غيّر أهل مكّة تلك السقاية وهدموها ولم يتركوا لها أثراً(٢) .

وفي الأغاني: قال المدائني: وكان له [أي لهشام] عامل يقال له: خالد بن أميّ، وكان ‏يقول: والله لخالد بن أُميّ أفضل أمانة من عليّ بن أبي طالب.‏

وقال له يوما: أيّما أعظم، ركيَّتُنا أم زمزم؟ فقال له: أ يّها الأمير من يجعل الماء العذب ‏النقاخ مثل الملح الأجاج ؟! وكان يسمّي زمزم أمَّ الجُعْلان(٣) .‏

‏٥ - استعمال الألفاظ النابية في حق عليّعليه‌السلام

استغل الأمويون كثيراً من المسلّمات القرآنية والحديثية لماربهم فمثلا استغل معاوية النصّ القرآني( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب وَتَبَّ ) (٤) ليقول لأهل الشام: إنّ أبالهب - ‏المذموم في القرآن باسمه - هو عمّ الإمام عليّ بن أبي طالب، فارتاع أهل الشام

____________________

١- انساب الاشراف ٩: ٥٩ وتاريخ دمشق ١٦: ١٦٠ - ١٦١.

٢- الروض المعطار: ٢٩٣.

٣- الاغاني ٢٢: ٢٢ وماء جعل ماتت فيه الجعلان - وهي دويبة سوداء - والخنافس.

٤- المسد: ١.

٢٠٥

لذلك، ‏وشتموا عليّاً ولعنوه(١) .‏

فكما ان أبا لهب هو عم لعلي بن أبي طالب فهو أيضاً عمّ لرسول الله أيضا، فالقوم لمّا ‏لم يمكنهم التجريح برسول الله علناً اتخذوا النيل من عليّ وسيلة للنيل من رسول الله، ‏فالهجوم على عليّ يعني الهجوم على رسول الله وقد مرّ عليك كلام محمّد بن الحنفية ‏وقوله: والله ما يشتم عليّاً إلاّ كافر يُسِرُّ شتمَ رسول الله; يخاف أن يبوح به فيكنّي بشتم ‏عليّ.‏

وقد ذكرني فعل معاوية هذا بما فعله مع عقيل - وعنده عمرو بن العاص - فقال لعمرو: ‏لأضحكنّك من عقيل، فلمّا سلّم عقيل قال معاوية: مرحبا بمن عمّه أبولهب.‏

قال عقيل: وأهلا برجل عمّته( حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِن مَسَد ) (٢) ، لأنّ ‏امرأة أبي لهب أمُّ جميل بنت حرب بن أميّة.‏

قال معاوية: يا أبا يزيد ما ظنّك بعمّك أبي لهب ؟

قال: إذا دخلتَ النار فخُذْ على يسارك تجده مفترشاً عمّتك حمالة الحطب! أفناكِحٌ في ‏النار خير أم منكوح !‏

قال: كلاهما شرّ والله(٣) .‏

بلى، ان القوم اتهموا عليا بالكذب على الله وعلى رسوله وذلك دعا أميرالمؤمنين أن ‏يخطب و يقول: ولقد بلغني أ نّكم تقولون: عليّ يكذب، قاتلكم الله، فعلى من أكذب ؟ أعلى ‏الله فأنا أوّل من آمن به، أم على نبيّه فأنا أوّل من صدّقه(٤) .‏

____________________

١- شرح نهج البلاغة ٢: ١٧٢.

٢- المسد: ٤ - ٥.

٣- شرح نهج البلاغة ٤: ٩٣ امالي المرتضى ١: ٢٠٠.

٤- نهج البلاغة ١٠٠، الخطبة ٧١ في ذم أهل العراق وانظر كلامنا حول هذا النص في كتابنا منع تدوين ‏الحديث: ٥١٩ الطبعة الثالثة وفي الطبعة الرابعة: ٥٥٧.

٢٠٦

فالقوم هم أبناء القوم، فمعاوية اتّبع أبابكر وعمر(١) في تكذيب علي، إذ هدّد عمرُ ‏الإمام عليّاً بالقتل إن لم يبايع فقالعليه‌السلام : إذن تقتلون عبدالله وأخا رسوله، فقال ‏عمر: أ مّا عبدالله فنعم، وأ مّا أخو رسول الله فلا(٢) .‏

لا أدري كيف يجرؤ عمر وأبوبكر على إنكار مؤاخاة الإمام علي مع رسول الله، وهذه ‏منقبة شهد العدوّ بها قبل الصديق وقد أراد البعض ان يجعلها لنفسه أيضاً فاُصيب، فعن زيد ‏بن وهب قال: كنّا ذات يوم عند علي فقال: أنا عبدالله وأخو رسوله لا يقولها بعدي إلاّ ‏كذّاب. فقال رجل من غطفان: والله لأقولنّ كما قال هذا الكذّاب! أنا عبدالله وأخو رسوله. ‏قال: فَصُرِعَ فجعل يضطرب، فحمله أصحابه، فاتّبعتهم حتى انتهينا الى دار عُمَارةَ. فقلت ‏لرجل منهم: أخبرني عن صاحبكم ؟ قال: ماذا عليك من أمره؟ فسألتهم بالله، فقال بعضهم: ‏لا والله ما كنا نعلم به بأسا حتّى قال تلك الكلمة فأصابه ما ترى، فلم يزل كذلك حتّى ‏مات(٣) .

وجاء في تاريخ الطبري أن عبيدالله بن زياد دخل المسجد بعد مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام وصعد المنبر وقال:... وقتل الكذَّابَ ابنَ الكذَّاب الحسين بن علي وشيعته، فلم يفرغ ‏ابن زياد من مقالته حتى وثب إليه عبدالله بن عفيف الأزدي قائلا: يابن مرجانة، إنّ الكذّاب ‏ابن الكذّاب أنتَ وأبوكَ، والّذي ولاّكَ وأبوه.‏

يابن مرجانة، أتقتلون أبناء النبيّ وتتكلمون بكلام الصدّيقين.‏

فقال ابن زياد: عليّ به، قال: فوثب عليه الجلاوزة فأخذوه(٤) .‏

____________________

١- وهذا ما سنوضّحه بعد قليل ان شاء الله تعالى.

٢- الإمامة والسياسة: ٢٠، تقريب المعارف: ٣٢٨، شرح نهج البلاغة ٢: ٦٠.

٣- تاريخ دمشق ٤٢: ٦١، مناقب الكوفي ٣٠٨، وانظر هذا الحديث في سنن ابن ماجة ١: ٤٤ ح ١٢٠، ‏مصنف بن أبي شيبة ٦: ٣٦٧، ٣٦٨ ح ٣٢٠٧٩، ح ٣٢٠٨٤، الاحاد والمثاني ١: ١٤٨ ح ١٧٨، مسند بن ‏أبي حنيفة ١: ٢١١، كنز العمال ١٣: ٥٤ ح ٣٦٣٨٩، السنة لابن أبي عاصم ٢: ٥٩٨ ح ١٣٢٤، خصائص ‏النسائي: ٨٧.

٤- تاريخ الطبري ٣: ٣٣٧، أنساب الاشراف ٣: ٤١٣، وفي الفتوح لابن الاعثم ٥: ١٢٣، فغضب ابن ‏زياد ثمّ قال: من المتكلم؟ فقال: أنا المتكلّم يا عدوّ الله! أتقتل الذرية الطاهرة التي قد أذهب الله عنها الرجس في ‏كتابه وتزعم أنّك على دين الإسلام؟ واعوناه؟ أين أولاد المهاجرين والانصار لينتقموا منك ومن طاغيتك اللعين ‏ابن اللعين على لسان محمّد نبيّ ربّ العالمين...‏

٢٠٧

نعم، إنّ معاوية استغلّ قميص عثمان لأثارة المشاعر وتهييج الأمّة ضدّ عليّ، معتبراً ‏شيعة أميرالمؤمنين عليعليه‌السلام فرقة نَبَزَها باسم الترابية، واعتبرها هو وأذنابه من ‏الفرق الضالّة، فعن سعيد بن يسار قال: دخلت على أبي عبداللهعليه‌السلام وهو على ‏سرير فقال: يا سعيد إنّ طائفة سُمِّيَت المرجئة، وطائفة سميت الخوارج، وسُمّيتُم ‏الترابيّة(١) .

قال الكميت - وهو من شعراء العصر الأموي وعاش تلك المحنة السوداء -:‏

وقالوا ترابيٌّ هواهُ ودينُهُ بذلك أُدعى بينهم وأُلَقبُ(٢)

وعن معاوية بن أبي سفيان أ نّه كتب في عهده إلى ابنه يزيد: أن يبعد قاتلي الأحبّة، ‏وأن يقدّم بني أمية وآل عبد شمس على بني هاشم، وأن يقدّم آل المظلوم المقتول ‏أميرالمؤمنين عثمان بن عفان على آل أبي تراب وذرّيّته(٣) .‏

وجاء في رسالة زياد بن أبيه إلى معاوية قائلاً: إنّ طواغيت الترابيّة السبئية السابة - ‏رأسهم حجر بن عدي - خلعوا أميرالمؤمنين وفارقوا الجماعة(٤) .‏

في حين ستقف لاحقاً أنّ المسمَّين بالترابية لم يكونوا سبّابين كما وصفهم زياد، بل ‏كانوا جريئين يردّون السبّ بالسبّ، امتثالا لقوله تعالى:( لاَ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ ) (٥) .

وقد اشتهر عن معاوية قوله في آخر خطبة الجمعة: اللّهمّ إنّ أبا تراب ألحَدَ في

____________________

١- المحاسن، للبرقي ١: ١٥٦ ح ٨٦، وعنه في بحار الأنوار ٦٥: ٩٠ ح ٢٢.

٢- خزانة الأدب ٤: ٢٩٠.

٣- الفتوح ٤: ٣٤٧ - ٣٤٨.

٤- تاريخ الطبري ٣: ٢٢٨، تاريخ دمشق ٨: ٢٢، الأغاني ١٧: ١٥٢، وفيه: الترابية السابة.

٥- النساء: ١٤٨.

٢٠٨

دينك، ‏وصدَّ عن سبيلك، فالعنه لعناً وبيلاً، وعذّبه عذاباً أليما، وكتب بذلك إلى الآفاق(١) .‏

ولقد كان الإمام عليّعليه‌السلام يعلم ما سيلاقيه هو وشيعته ومحبّوه من معاوية ومن ‏آل أبي سفيان، لذلك قالعليه‌السلام قوله: إلاّ سيأمركم بسبي والبراءة منّي، فإنه لي ‏زكاة ولكم نجاة، فأمّا السّبّ فسبّوني، وأ مّا البراءة فلا تتبرّؤوا منّي، فإنّي ولدت على ‏الفطرة وسبقت إلى الإيمان والهجرة(٢) .‏

وقال المعتمر بن سليمان: سمعت أبي يقول: كان في أ يّام بني أمية ما أحد يذكر عليّاً إلاّ ‏قطع لسانه(٣) .‏

‏(‏ وكان حجر بن عدي الكندي وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابهما من شيعة عليّ ‏بن أبي طالب إذا سمعوا المغيرة وغيره من أصحاب معاوية وهم يلعنون عليّا على المنبر ‏يقومون فيردُّون اللَّعن عليهم و يتكلّمون في ذلك.‏

فلمّا قدم زياد الكوفة خطب خطبة له مشهورة لم يحمد الله فيها ولم يصلّ على محمّد، ‏وأرعد فيها وأبرق، وتوعّد وتهدّد، وأنكر كلام من تكلم، وحذّرهم ورهّبهم، وقال: قد سميت ‏الكِذْبة على المنبر، الصلعاء، فإذا أوعدتكم أو وعدتكم فلم أفِ لكم بوعدي ووعيدي، فلا ‏طاعة لي عليكم.‏

وكانت بينه [أي بين زياد] وبين حجر بن عدي مودّة، فوجّه إليه فأحضره ثمّ قال له: ‏يا حجر أرأيت ما كنت عليه من المحبة والموالاة لعليّ؟ قال: نعم، قال: فإنّ الله قد حوّل ‏ذلك بغضةً وعداوةً.‏ أو رأيت ما كنت عليه من البغضة والعداوة لمعاوية ؟ قال: نعم، قال: فإنّ الله قد حوّل ‏ذلك محبّة وموالاة، فلا أعلمنّك ما ذكرت عليّاً بخير ولا أميرالمؤمنين

____________________

١- شرح نهج البلاغة ٤: ٥٦ - ٥٧.

٢- نهج البلاغة: ٩٢، الكلمة ٥٧، وانظر أنساب الاشراف ٢ ٦ ١١٩ ح ٧٧.

٣- الصراط المستقيم ١: ١٥٢.

٢٠٩

معاوية بشرّ(١) ‏)‏.‏

وجاء في كتب التواريخ أيضاً ان زياداً بعث زياد إلى صيفيّ بن فسيل - من رؤوس ‏أصحاب حجر وأشدّ الناس على زياد - فقال له زياد: يا عدوّ الله ما تقول في أبي تراب؟

قال: ما أعرف أبا تراب.‏

قال: ما أعرفك به.‏

قال: ما أعرفه.‏

قال: أما تعرف عليّ بن أبي طالب؟

قال: بلى.‏

قال: فذاك أبو تراب.‏

قال: كلا ذاك أبو الحسن والحسين.‏

فقال له صاحب شرطته: يقول لك الأمير: هو أبو تراب، وتقول أنت: لا !!‏

قال: و إن كذب الأمير، أتريد أن أكذب وأشهد له على باطل كما شهد(٢) .‏

وجاء في البداية والنهاية: وقد كان بعض بني أميّة يعيب عليّاً بتسميته أبا تراب(٣) .

وفي نثر الدرّ: جلس معاوية بالكوفة يبايع على البراءة من عليّعليه‌السلام ، فجاء ‏رجل من بني تميم فأراده على ذلك، فقال: يا أميرالمؤمنين نطيع أحياءكم ولا نتبرأ من ‏موتاكم. فالتفت إلى المغيرة، فقال: إنّ هذا رجل فاستوصِ به خيراً(٤) . قال الشعبي: ما لقينا من عليّ بن أبي طالب; إن أحببناه قتلنا، و إن أبغضناه هلكنا(٥) .‏

____________________

١- تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٣٠.

٢- تاريخ الطبري ٣: ٢٢٥، الكامل لابن الأثير ٣: ٣٣٠، تاريخ مدينة دمشق ٢٤: ٢٥٨.

٣- البداية والنهاية ٧: ٣٣٦.

٤- نثر الدر ٥: ١٣٧، البيان والتبيين ١: ٢٦٦.

٥- ربيع الابرار ١: ٤٩٤، الامالي في لغة العرب ٣: ١٧٧.

٢١٠

وفي آخر: قال الشعبي لولده: يا بُنَيَّ، ما بَنَى الدِّينُ شيئاً فهدمته الدنيا، وما بنت الدنيا ‏شيئاً إلاّ وهدمه الدين، انظر إلى عليّ وأولاده، فإنّ بني أميّة لم يزالوا يجهدون في كتم ‏فضائلهم وإخفاء أمرهم، وكأنّما يأخذون بضبعهم إلى السماء، وما زالوا يبذلون مساعيهم ‏في نشر فضائل أسلافهم، وكأنما ينشرون منهم جيفة. هذا مع أنّ الشعبي كان ممن يُتَّهَمُ ‏ببغض عليّعليه‌السلام (١) .‏

وحكي عن معاوية أنّه بينما هو جالس وعنده وجوه الناس فيهم الأحنف بن قيس إذ ‏دخل رجل من أهل الشام فقام خطيباً، فكان آخر كلامه أَنْ سَبَّ عَليّاًرضي‌الله‌عنه ، ‏فأطرق الناس.‏

وتكلّم الأحنف فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ هذا القائل آنفاً لو يعلم أنَّ رضاك في لعن ‏المرسلين لفعل، فاتَّقِ الله ودَعْ عنك عليّاً فقد لقيَ ربّه(٢) .‏

وأسند العرفي إلى خالد بن عبدالله القسريّ أنّه قال على المنبر والله: والله لو كان في ‏أبي تراب خَير ما أمر أبوبكر بقتله. وهذا يدلّ على كون الخبر مستفيضاً(٣) ، ولولا وصيّة ‏النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لكان عليٌّ بالقبض على ‏

____________________

١- أصل الشيعة وأصولها: ٢٠٢.

٢- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ٢: ٥٠٥، جمهرة خطب العرب ٢: ٣٥٧، المستطرف في كلّ فنّ ‏مستظرف ١: ١٠٠.

٣- أي خبر أمر أبي بكر خالداً بقتل أميرالمؤمنينعليه‌السلام عند صلاة الفجر.

والذي ذكره السمعاني في أنسابه ٣: ٩٥ (ترجمة الرواجني) قال: وروى عنه حديث أبي بكر أ نّه قال: لا يفعل ‏خالد ما أمر به، سألت الشريف عمر بن إبراهيم الحسني بالكوفة عن معنى هذا الأمر، فقال: كان أمر خالد بن ‏الوليد أن يقتل عليّاً ثمّ ندم بعد ذلك فنهى عن ذلك.

وفي أنساب الأشراف للبلاذري ٢: ٢٦٩: بعث أبو بكر عمر بن الخطّاب إلى عليّ حين قعد عن بيعته وقال: ‏ائتني به بأعنف العنف. فجاءه، وقال له: بايع، فقال عليّ: إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا: إذاً والله الذي لا إله إلاّ ‏هو نضرب عنقك.

فقال عليّ: تقتلون عبدالله وأخا رسوله.

قال: أ مّا عبدالله فنعم، وأ مّا أخو رسوله فلا (الإمامة والسياسة ١: ٢٠).

وقد خاطب الإمام عليّ رسول الله بقوله (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُوني وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي).

كل هذه النصوص مع وجود غيرها تدل على ان أبا بكر وعمر كانا يريدان قتل الإمام علي، فاين الصلة بين ‏المحبة مع القتل، افتونا يا دعاة وضع الأسماء للمحبة ؟!!‏

وجاء في تاريخ الطبري وغيره انّهم همّوا بحرق بيت عليّ وفاطمة. ومعناه أنّهم أرادوا إبادتهم وقتلهم.

٢١١

رؤوسِ أعدائه، وضربِ بعضها في بعض حتّى ينثر دماغها مَلِيّاً(١) .‏

وعن الأصبغ بن نباتة، قال: لقيني محبس بن هود، فقال: يا أصبغ، كيف أنت وأخوك ‏أبو تراب الكذّاب؟‏

فقلت: لعن الله شرَّكما أبا وأ مّا وخالاً وعمّاً، أ مّا إنّي سمعت عليّاًعليه‌السلام يقول: ‏وبارئ النَّسَمَة وفالقِ الحبَّة وناصب الكعبة، لا يبغضني إلاّ ولد زنا، أو من حملت به أ مّه ‏وهي حائض، أو منافقٌ، أ مّا إنّي أقول: اللهمَّ خذ محبساً أخذة رابية لا تبقي له في الأرض ‏باقية(٢) .‏

أجل إنّ بني أمية كانوا يرون قوام حكومتهم في سبّ الإمام علي والبراءة منه، ‏والتنقيص به والمنع من التسمية باسمه، بل أ نّهم حذفوا بالفعل أسماء شيعته من الديوان ‏خوفاً من استحكام فكر الإمام ونهجه - كما مرّ عليك في النصوص السابقة - فعن عمرو ‏بن علي بن الحسين، عن أبيه، قال:‏

قال لي مروان: ما كان في القوم أدفعَ عن صاحبنا من صاحبكم ؟

قلت: فما بالكم تسبّونه على المنابر ؟

قال مروان: لا يستقيم لنا الأمر إلاّ بذلك(٣) .

وقد ذكر صاحب دلائل الإمامة ما جرى بين الإمام الباقرعليه‌السلام وعالم النصارى

____________________

١- الصراط المستقيم ١: ٣٢٤ واصل الخبر موجود في المسترشد لابن جرير الطبري: ٤٥٦ فليراجع هناك.

٢- شرح الأخبار ١: ١٦٨.

٣- العثمانية للجاحظ: ٢٨٣، تاريخ دمشق ٤٢: ٤٣٨، تاريخ الإسلام ٣: ٤٦٠، شرح النهج ١٣: ٢٢٠.

٢١٢

‏وأمر هشام بن عبدالملك الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام بالانصراف إلى المدينة، ‏لأنّ الناس ماجوا وخاضوا فيما جرى بينهما، فقال الصادقعليه‌السلام :‏

فركبنا دوابّنا منصرفين، وقد سَبَقَنا بريدٌ من عند هشام إلى عامل مدين على طريقنا ‏إلى المدينة: إنّ ابنَيْ أبي تراب - الساحِرَيْن محمَّد بن عليّ وجعفر بن محمّد الكذَّابَيْنِ فيما ‏يظهران من الإسلام - وردا عَلَيّ، فلمّا صرفتهما إلى المدينة مالا إلى القسيسين والرهبان ‏من كفّار النصارى، وتقرّبا إليهم بالنصرانية، فكرهت أن أنكّل بهما لقرابتهما، فإذا قرأت ‏كتابي هذا فنادِ في الناس: برئت الذمة ممن يشاريهما، أو يبايعهما، أو يصافحهما، أو يسلّم ‏عليهما، فإنهما قد ارتدّا عن الإسلام، ورَأْيُ أميرُالمؤمنين أن تقتلهما ودوابّهما وغلمانهما ‏ومن معهما شرّ قتلة.‏

قال [الصادقعليه‌السلام ]: فورد البريد إلى مدين، فلمّا شارفنا مدينة مدين قَدَّمَ أبي ‏غلمانَهُ ليرتادوا له منزلا ويشتروا لدوابّنا علفاً، ولنا طعاما. فلمّا قرب غلماننا من باب ‏المدينة أغلقوا الباب في وجوهنا وشتمونا، وذكروا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب ‏صلوات الله عليه، وقالوا: لا نُزُولَ لكم عندنا، ولا شراءَ ولا بيع، يا كفّار، يا مشركين، يا ‏مرتدّين، يا كذّابين، يا شرّ الخلائق أجمعين(١) !!‏

بهذه السياسة وبدعوى كذب الأئمة تعاملت الحكومات الأموية مع أئمّة أهل ‏البيتعليهم‌السلام وذريّة عليّ حتّى آل الأمر إلى الرواة أن يخافوا من ذكر اسم عليّعليه‌السلام ونقل فضائله، ففي شرح نهج البلاغة: قال أبوجعفر: وقد صحّ أنّ بني أميّة منعوا ‏من إظهار فضائل عليّعليه‌السلام ، وعاقبوا على ذلك الراوي له; حتّى إنّ الرجل إذا ‏روى عنه حديثاً لا يتعلّق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه; فيقول: عن ‏أبي زينب.

وروى عطاء، عن عبدالله بن شداد بن الهاد، قال: وددت أن أُ تْرَكَ فأحدّث بفضائل ‏عليّ بن أبي طالب عليه السلام يوماً إلى اللَّيل; و إنّ عنقي هذه ضربت

____________________

١- دلائل الإمامة: ٢٣٩ - ٢٤٠، الامان لابن طاووس: ٧٢.

٢١٣

بالسيف.‏

قال: فالأحاديث الواردة في فضله لو لم تكن في الشهرة والاستفاضة وكثرة النقل إلى ‏غاية بعيدة، لانقطع نقلها; للخوف والتقية من بني مروان، مع طول المدّة، وشدّة العداوة; ‏ولولا أنّ لله تعالى في هذا الرجل سرّاً يعلمه من يعلمه لم يُرْوَ في فضله حديث، ولا عرفت ‏له منقبة، ألا ترى أنّ رئيس قرية لو سخط على واحد من أهلها، ومنع الناس أن يذكروه ‏بخير وصلاح، لخمل ذكره، ونُسِيَ اسمه، وصار وهو موجود معدوماً، وهو حيّ ميتاً! ‏هذه خلاصة ما ذكره شيخنا أبو جعفررحمه‌الله تعالى في هذا المعنى في كتاب ‏التفضيل(١) .‏

والأنكى من ذلك أنّ بني أمية وأتباعهم أخذوا يضعون الأحاديث المضحكة في فضلهم ‏وفضل أسلافهم، و يغيّرون المفاهيم، وقد بدّلوا معنى ‏(‏ آل البيت ‏)‏ المختصّ بعترة الرسول ‏إلى زوجات النبيّ، ثمّ إلى كلّ من لم يشتم أبابكر وعمر وعثمان ومعاوية !!‏

فقد روى ابن عساكر عن الإمام الحسينعليه‌السلام أ نّه قال: حدّثني أبي، عن ‏جدّي، عن جبرئيلعليه‌السلام ، عن ربّه عزّ وجلّ: أنّ تحت قائمة كرسي العرش في ‏ورقةِ آس خضراء مكتوب عليها: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، يا شيعة آل محمّد لا ‏يأتي أحد منكم يوم القيامة يقول ‏(‏ لا إله إلاّ الله ‏)‏ إلاّ أدخله الله الجنة، قال: فقال معاوية بن ‏أبي سفيان: سألتك بالله يا أبا عبدالله مَنْ شيعة آل محمّد ؟ فقال: الذين لا يشتمون الشيخين ‏أبابكر وعمر، ولا يشتمون عثمان، ولا يشتمون أبي، ولا يشتمونك يا معاوية(٢) !!! هذا ‏وما عشت أراك الدهر عجباً.

____________________

١- شرح نهج البلاغة ٤: ٧٣.

٢- تاريخ مدينة دمشق ١٤: ١١٤.

٢١٤

القبائل والتسمية بأعمال قتلة الحسين

أجل ان بعض القبائل العربية الموالية إلى بني أمية وبعد مقتل الإمام الحسينعليه‌السلام أخذوا يتفننون في مروياتهم وأعمالهم وأقوالهم:‏

ففي أنساب الأشراف: ويقال: إنّ خولي بن يزيد هو الذي تولّى احتزاز ‏رأسه ‏ ‎ [ ‎ أي رأس الحسينعليه‌السلام ‏ ‎ ] ‎ ‏ بإذن سنان، وسَلَبَ الحسينعليه‌السلام ما كان عليه !! فأخذ قيس بن الأشعث بن قيس الكندي قطيفة - له ‏وكانت من خز - فسمي قيس قطيفة.

وأخذ نعليه رجل من بني أود يقال له: الأسود.

وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم.

وأخذ أبو الجنوب الجعفي جملا وكان يستسقي عليه وسمّاه حسيناً(١) .

وفي مغاني الأخيار - باب النون (الناجي) الترجمة ٣٩٧٦ - الناجي: ‏بالجيم المكسورة نسبة إلى بني ناجية بن أسامة بن لؤي. منهم أبو الجنوب ‏لعنه الله، وهو عبدالرحمن بن زياد بن زهير [من أحفاد ناجية، شهد قتل ‏الحسينرضي‌الله‌عنه ، وأخذ جملا من جماله سقى عليه الماء، فسمّاه ‏حسيناً(٢) .

وفي كتاب (البلدان) باب (افتخار الكوفيين والبصريين) قال: اجتمع عند أبي العباس ‏ ‎ ] السفّاح ‎ [ ‎ ‏ أميرالمؤمنين عدّة من بني عليّ وعدّة من بني العباس، وفيهم بصريون ‏وكوفيون، منهم أبوبكر الهذلي وكان بصريّاً، وابن عيّاش وكان كوفيّاً.

فقال أبو العباس: تناظروا حتّى نعرف لمن الفضل منكم.

فأخذ ابن العيّاش يباهي برجال قومه حتّى قال: وعبدالرحمن بن محمّد بن الأشعث الكندي، فقال أبو بكر [الهذلي]: هذا الذي سلب الحسين بن عليّ قطيفة

____________________

١- أنساب الأشراف ٤: ٢٠٤.

٢- انظر الاشتقاق: ٤١٠، اللباب في تهذيب الانساب: ٢٨٧، الاعلام للزركلي ٧: ٣٤٥.

٢١٥

‏فسمّاه أهل الكوفة: عبدالرحمن قطيفة ؟ فقد كان ينبغي أن لا تذكره، فضحك أبو العبّاس ‏من قول أبي بكر(١) .

وقد أشار عماد الدين الطبري (من علماء القرن السابع الهجري) في ‏(‏أسرار الإمامة‏)‏ ‏إلى أسماء ‏(‏الأبناوات‏)‏ التي قاتلت الحسينعليه‌السلام ، فقال: في الشام قبائل مكرّمون ‏معظّمون تُحمل إليهم المبرّات والصدقات.

منهم: بنو السنان، أولاد من رفع الرمح الذي كان عليه رأس الحسينعليه‌السلام .

ومنهم: بنو الطشت، وهم أولاد اللعين الذي وضع رأس الحسينعليه‌السلام في ‏الطشت وحمله إلى بين يدي يزيد اللعين.

ومنهم: بنو النعل، وهم أولاد من أركض الخيل على جسد الحسينعليه‌السلام في ‏كربلاء، وأخذوا من ذلك النعل بقاياه ويخلطونه بمثله أباً عن أب. ويعلَّق حلقة منه على ‏أبواب الدور تَفَؤُّلاً وتيمّناً بها.

ومنهم: بنو المكبّر(٢) ، وهم أولاد من كبّر على رأس الحسينعليه‌السلام يوم دخوله ‏في الشام.

ومنهم: بنو الفرزدجي، وهم أولاد من أدخل رأس الحسين في الشام من درب فرزدج ‏حرون.

ومنهم: بنو القضيب، وهم أولاد من حمل القضيب إلى يزيد ليضرب ثنايا ‏الحسينعليه‌السلام .

ومنهم: بنو الفتح، وهم أولاد من قرأ:( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) (٣) بعد العصر ‏الذي قُتل عنده الحسينعليه‌السلام بشارةً لفتح يزيد عليه اللعنة والعذاب الشديد(٤) .

____________________

١- البلدان، لابن الفقيه: ٢٠٨ - ٢٠٩.

٢- قال الشاعر: ويكبّرون بأن قتلت وإنّما قتلوا بك التكبير والتهليلا

٣- الفتح: ١.

٤- أسرار الإمامة: ٣٧٨، وانظر خاتمة مستدرك وسائل الشيعة ٣: ١٣٧، ففيها: بنو السراويل: هم أولاد ‏الذي سلب سراويل الحسينعليه‌السلام ، بنو السرج: هم أولاد الذي سرجت خيله تدوس جسد الحسينعليه‌السلام ، ودخل بعض هذه الخيل إلى مصر، فقلعت نعالها من حوافرها، وسمرت على أبواب الدور ليتبرّك ‏بها، وجرت بذلك السُنة عندهم ...، وبنو الدرجي: هم أولاد الذي ترك الرأس في درج جيرون، عن (التعجب ‏للكراجكي: ١١٦ - ١١٧).

٢١٦

هذا هو حال الأمويين وحال التسميات والألقاب عندهم !! وانّ الإمام السّجّاد عليّ بن ‏الحسين عاش في ظروف كهذه، وقد عاش قبله أبوه وعمّه الحسن وجدّه الإمام ‏أميرالمؤمنين في ظروف مشابهة، فلا يستبعد أن يسمي الإمام ابنه بعمر (الأشرف) أو ‏يتكنى هو من قبل الأخرين بأبي بكر ويسكت عن هذه الكنية تقية، لأن الأئمّة ليسوا ‏بمختلفين عمّا يجري على الناس، بل هم أئمّة الشيعة والجهازُ الحاكم في تضادّ معهم، ‏وترى التسميات البغيضة أخذت مأخذها عندهم.

الحجّاج والتسمية بعليّ

اشتدّت الوطأة على شيعة عليّ في أيّام الحجّاج بن يوسف الثقفي (ت ٩٥ ه-)، قال ابن ‏سعد: خرج عطية مع ابن الأشعث فكتب الحجّاج إلى محمّد بن القاسم أن يعرضه على سبّ ‏عليّ، فان لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط واحلق لحيته، فاستدعاه، فأبى أن يسبّ ‏عليّاًعليه‌السلام فأمضى حكم الحجّاج فيه، ثمّ خرج إلى خراسان فلم يزل بها حتّى ولي ‏عمر بن هبيرة العراق فقدمها فلم يزل بها إلى أن توفّي(١) .

وفي الاشتقاق لابن دريد: كان عليّ بن أصمع على البارجاه(٢) ولاّه علي بن ‏أبي طالب صلوات الله عليه، فظهرت له منه خيانة فقطع أصابع يده، ثمّ عاش حتّى أدرك الحجّاج، فاعترضه

____________________

١- تهذيب التهذيب ٧: ٢٠١ (ترجمة عطية بن سعيد بن جنادة العوفي) الغدير ٨: ٣٢٧.

٢- البارجاه: موضع بالبصرة، وفيات الاعيان ٣: ١٧٥، وقد يكون معرب بارگاه، أي مرفأ السفن أو محلّ ‏تحميل السلع.

٢١٧

يوماً فقال: أيّها ‏الأمير، إنّ أهلي عقّوني.‏

قال: وبم ذاك؟

قال: سمّوني علياً.‏

قال: ما أحسن ما لطفت، فولاّه ولاية ثمّ قال: والله لئن بلغني عنك خيانة ‏لأقطعنّ ما أبقى عَلِيٌّ من يدك(١) .

وفي الوافي بالوفيات: وكان جدّ الأصمعي عليّ بن أصمع سرق بسفوان، فأتوا به ‏عليّ بن أبي طالب، فقال: جيئوني بمن يشهد أ نّه أَخرجها من الرحل، فشهد عليه بذلك، ‏فقطع من أشاجعه، فقيل له: يا أميرالمؤمنين ألاّ قطعته من زنده؟

فقال: يا سبحان الله ! كيف يتوكأ؟ كيف يصلّي؟ كيف يأكل؟

فلمّا قدم الحجاج البصرة أتاه عليّ بن أصمع، فقال: أ يّها الأمير إنّ أبويّ عقَّاني، فسَمَّياني ‏عليّاً، فسمِّني أنت.‏

فقال: ما أحسن ما توسّلت به، قد ولَّيتك سَمَكَ البارجاه، وأجريت لك كلّ يوم دانقين فلوساً، ‏ووالله لئن تعدّيتهما لأقطعنّ ما أبقاه عليّ عليك(٢) .‏

وقال هشام بن الكلبي: إنّي أدركت بني أَوْد وهم يعلّمون أولادهم وحرمهم سبّ عليّ ‏بن أبي طالبعليه‌السلام ، وفيهم رجل ‏ ‎ [ ‎ من رهط عبدالله بن إدريس بن هاني ‎ ] ‎ ‏، دخل ‏على الحجّاج فكلّمه بكلام فأغلظ عليه الحجاج في الجواب، فقال: لا تقل هذا أيّها الأمير، ‏فما لقريش ولا لثقيف منقبة يعتدُّون بها إلاّ ونحن نعتدُّ بمثلها.‏

قال: وما مناقبكم؟

قال: ما ينتقص عثمان ولا يُذكَرُ بسوء في نادينا قطّ.‏

قال: هذه منقبة.‏

____________________

١- الاشتقاق: ٢٧٢.

٢- الوافي بالوفيات ١٩: ١٢٨، وفيات الأعيان ٣: ١٧٥.

٢١٨

قال: ولا رؤي منّا خارجيٌّ قطّ.‏

قال: منقبة.‏

قال: وما شهد منّا مع أبي تراب مشاهده إلاّ رجل فأسقطه ذلك عندنا.‏

قال: منقبة.‏

قال: وما أراد رجل منّا قطّ أن يتزوّج امرأة إلاّ سأل عنها: هل تحبّ أبا تراب أو تذكره ‏بخير؟ فإن قيل: إنها تفعل اجتنبها.‏

قال: منقبة.‏

قال: ولا ولد فينا ذكر فسمّي عليّاً ولا حسناً ولا حسيناً، ولا ولدت فينا جارية فسمّيت ‏فاطمة.‏

قال: منقبة.‏

قال: ونذرت امرأة منّا إن قتل الحسين أن تنحر عشرة جُزُر، فلمّا قتل وفت بنذرها.‏

قال: منقبة.‏

قال: ودعي رجلٌ منّا إلى البراءة من عليّ ولعنه، فقال: نعم وأزيدكم حسناً وحسيناً.

قال: منقبة والله.

وقد كان معاوية يسبّ عليّاً ويتتبّع أصحابه مثل: ميثم التمار، وعمرو بن الحمق، ‏وجويرية بن مسهر، وقيس بن سعد، ورشيد الهجري، ويقنت بسبّه في الصلاة، ويسبّ ابن ‏عباس، وقيس بن سعد، والحسن، والحسينعليهما‌السلام ، ولم ينكر ذلك عليه أحد(١) .‏

وقال الشعبي: كنت بواسط، وكان يوم أضحى، فحضرت صلاة العيد مع الحجاج فخطب خطبة بليغة، فلمّا انصرف جاءني رسوله، فأتيته فوجدته جالساً

____________________

١- الغارات، للثقفي ٢: ٨٤٢ - ٨٤٣، فرحة الغري للسيّد أحمد بن طاووس: ٤٩ - ٥٠.

٢١٩

‏مُسْتَوْفِزاً، قال: يا شعبي، هذا يوم أضحى، وقد أردت أن أضحّي برجل من أهل العراق! ‏وأحببت أن تسمع قوله فتعلم أنّي قد أصبت الرأي فيما أفعل به! فقلت: أ يّها الأمير، لو ترى ‏أن تستنَّ بسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتضحّي بما أمر أن يضحى به وتفعل مثل ‏فعله، وتدع ما أردت أن تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره...(١) .‏

وروى الكشّي في رجاله عن العامّة بطرق مختلفة: أنّ الحجاج بن يوسف قال ذات ‏يوم: أحبّ أن أُصيب رجلا من أصحاب أبي تراب، فأتقرب إلى الله بدمه ! فقيل له: ما نعلم ‏أحداً أطول صحبة لأبي تراب من قنبر مولاه، فبعث في طلبه فأتي به(٢) .

وعن الحسن بن صالح، عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام قال: قال عليّعليه‌السلام : والله لتذبحنّ على سبّي - وأشار بيده إلى حلقه - ثمّ قال: فإن أمروكم بسبّي ‏فسبّوني; و إن أمروكم أن تبرءوا منّي فإنّي على دين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله . ولم ينههم ‏عن إظهار البراءة(٣) .‏

وكان أميرالمؤمنينعليه‌السلام قد أخبر خاصة أصحابه بما سيؤول إليه الأمر من ‏بعده وما سيصنعه بنو أميّة بهم، فعن قيس بن الربيع، عن يحيى بن هانئ المراديّ، عن ‏رجل من قومه يقال له: زياد بن فلان، قال: كنّا في بيت مع عليّعليه‌السلام نحن شيعته ‏وخواصّه، فالتفت فلم ينكر منّا أحداً، فقال: إنّ هؤلاء القوم سيظهرون عليكم فيقطعون ‏أيديكم ويسملون أعينكم.‏

فقال رجل منّا: وأنت حيّ يا أمير المؤمنين؟

قال: أعاذني الله من ذلك; فالتفتَ فإذا واحد يبكي، فقال له: يابن الحمقاء، ‏

____________________

١- كنز الفوائد: ١٦٧.

٢- مستدرك الوسائل للنوري ١٢: ٢٧٣، الارشاد للمفيد ١ ٦ ٣٢٨، كشف الغمة ١: ٢٨١.

٣- شرح نهج البلاغة ٤: ١٠٦، مستدرك الوسائل ١٢: ٢٧١ ح ٥.

٢٢٠