التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي0%

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي مؤلف:
تصنيف: مكتبة التاريخ والتراجم
الصفحات: 550

التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
تصنيف:

الصفحات: 550
المشاهدات: 152914
تحميل: 5798

توضيحات:

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 550 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 152914 / تحميل: 5798
الحجم الحجم الحجم
التسميات بين التسامح العلوي  والتوظيف الأموي

التسميات بين التسامح العلوي والتوظيف الأموي

مؤلف:
العربية

ولا أربعاً حتّى كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي فسّر ذلك لهم.

ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهماً حتّى كان رسول الله هو الذي ‏فسّر ذلك لهم.

ونزل الحجّ فلم يقل لهم: طوفوا أُسبوعاً، حتّى كان رسول الله هو الذي فسّر ذلك لهم، ‏ونزلت( وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، فقال رسول الله في علي: ‏من كنت مولاه فعلي مولاه إلى أن يقول: فلو سكت رسول الله فلم يبيّن من أهل بيته ‏لادّعاها آل فلان وآل فلان، لكنّ الله عزّ وجلّ أنزله في كتابه تصديقاً لنبيّه( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ ‏لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) ، فكان علي والحسن والحسين ‏وفاطمة، فأدخلهم رسول الله تحت الكساء في بيت أمّ سلمة ثمّ قال: اللهم(٢)

ولد فاطمة أبناء النبي أم أبناء علي ؟

عن هاني بن محمّد بن محمود، عن أبيه رفعه إلى موسى بن جعفرعليه‌السلام أ نّه ‏قال: دخلتُ على الرشيد فقال لي: لم جوّزتم للعامّة والخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول الله، ‏و يقولون لكم: يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي، و إنّما ينسب المرء إلى أبيه، وفاطمةُ ‏إنّما هي وعاء، والنبيُّ جدّكم من قبل أُمِّكم ؟

فقلت: يا أمير المؤمنين، لو أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نُشِرَ فخطب إليك كريمتك، ‏هل كنت تجيبه ؟ فقال: سبحان الله ! ولِمَ لا أجيبه ؟ بل أفتخر على العرب والعجم وقريش ‏بذلك.

فقلت: لكنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا يخطب إليّ ولا اُزوّجه.

فقال: ولِمَ ؟ فقلت:‏

____________________

١- الأحزاب: ٣٣.

٢- الكافي ١: ٢٨٦ ح ١ باب ما نصّ الله ورسوله على الائمّةعليهم‌السلام واحداً فواحداً.

٢٤١

لأ نّه ولدني ولم يلدك.

فقال: أحسنت يا موسى.

ثمّ قال: كيف قلتم: إنّا ذرّيّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والنبيُّ لم يُعقِّب، و إنّما العقب ‏للذكر لا للأُنثى، أنتم ولد البنت، ولا يكون لها عقب ؟

فقلت: أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلاّ ما أعفيتني عن هذه المسألة.

فقال: لا، أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي، وأنت يا موسى يعسوبهم و إمام ‏زمانهم، كذا أُنْهِيَ إليّ، ولست أعفيك في كلّ ما أسألك عنه، حتّى تأتيني فيه بحجّة من ‏كتاب الله تعالى، وأنتم تدّعون معشر ولد علي أ نّه لا يسقط عنكم منه شيء أَلِفٌ ولا واوٌ ‏إلاّ وتأويله عندكم، واحتججتم بقوله عزّ وجلّ:( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيء ) (١) ، ‏وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.

فقلت: تأذن لي في الجواب ؟ فقال: هات !‏

فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ ‏وَسُلَيْمانَ وَأَ يُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى ‏وَعِيسَى ) (٢) ، مَنْ أبو عيسى يا أمير المؤمنين ؟ فقال: ليس لعيسى أب. فقلت: إنّما ‏ألحقناه بذراري الأنبياء من طريق مريمعليها‌السلام ، وكذلك أُلحقنا بذراري النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل أُمنا فاطمةعليها‌السلام .

أزيدك يا أمير المؤمنين ؟ قال: هات ! قلت: قول الله عزّ وجلّ:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ ‏بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا ‏وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٣) ، ولم يدّع أحد أنه أدخله النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله تحت الكساء عند المباهلة للنّصارى إلاّ علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن ‏والحسينعليهم‌السلام ، فكان تأويل قوله عزّ وجلّ: ( أَبْنَاءَنَا ) الحسن ‏

____________________

١- الأنعام: ٣٨.

٢- الأنعام: ٨٤ - ٨٥.

٣- آل عمران: ٦١.

٢٤٢

والحسين، ( وَنِسَاءَنَا ) فاطمة، ( وَأَنْفُسَنَا ) علي بن أبي طالب(١) .

إنّ أئمّة أهل البيت كانوا يذكّرون الشيعة بمقاماتهم المعنوية وما ورد فيهم عن رسول ‏اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الفضائل، وكانوا يكنّون عن أسماء أعدائهم، لكنّ الحكّام كانوا ‏يسعون لتهييج التنابز والسباب وذكر الأسماء صراحة من خلال عدّة أساليب لئيمة.

منها وضع أخبار حسنة في ظاهرها ومشينة في باطنها في مدح أهل البيت وذكر ‏فضائلهم ومقاماتهم المعنوية، حتى وصل الأمر في بعض الأحيان إلى دعوى الغلو فيهم.

وقد استغلوا بالفعل بعض من دَسُّوا أنفسهم في أصحاب الأئمة لوضع تلك الأخبار على ‏لسانهمعليهم‌السلام ، وقد أخبر الأئمّة بأنّ المغيرة بن سعيد، وبنان بن سمعان، وأبا ‏الخطاب، دسّوا أحاديث على لسان الأئمّة، وأ نّهمعليهم‌السلام براءٌ من تلك الأخبار وما ‏يذكرونه من مقامات لهم وفي بعض الأحيان على لسانهم.

وممّا فعله القوم أيضاً هو التصريحُ بأَسماء الّذين ورد فيهم الذمّ، ونشروا ذلك كي ‏يثيروا الفتنه، خلافاً لمنهج الأئمّة الذين صدر منهم الذمّ لأسماء أعداء الله، لكن بنحو ‏الكناية والتعريض لا بالإِشهار والتصريح، وانّ معاني تلك الكنى كان لا يعرفها إلاّ ‏الخواص، وأ نّهمعليهم‌السلام أمروا شيعتهم بكتمان ما قالوا في أعداء الله كي لا تستغلّها ‏السلطات في سياساتها المريضة، ولكي لا يعرفوا مغزاها فيتّخذوها سلاحاً ضدّ أهل ‏البيت، لكنّ مجموعة ممّن تعاونوا مع السلطات أفشوا مقصود الأئمة من تلك الأسماء ‏والكنى ونشروها بعينها ورسمها وحروفها.

أجل، إنّ أهل البيت وقفوا أمام خطط الحكّام، مذكّرين شيعتهم بمحبوبية التسمية ‏بأسمائهمعليهم‌السلام والتكنية بكناهم، وتناقل ما جرى عليهم من مظالم في ‏

____________________

١- عيون أخبار الرضا ٢: ٨٠ - ٨١. وجاء قريب من ذلك في مناظرة يحيى بن يعمر مع الحجاج; انظر كنز ‏الفوائد للكراجكي :١٦٧ - ١٦٨، ووفيات الأعيان ٦: ١٧٤، شرح الأخبار ٣: ٩٢ ح ١٠٢ وأنظر الفصول ‏المختارة للمفيد ١: ١٦ - ١٧.

٢٤٣

العصور السابقة كي تبقى هذه الأسماء حيّة عند المسلمين، فجاء في الزيارة الجامعة ‏الكبيرة لأئمة أهل البيت (وأسماؤكم في الأسماء)، هذا من جهه، ومن جهة أخرى نهوا ‏خُلَّص أصحابهم عن التكنية بأسماء أعدائهم ومخالفيهم، لأنّ تلك الأسماء صارت رمزاً ‏للشّرّ والأمور السلبية، ولأنّ عرش الله يهتزّ بذكر تلك الأسماء.‏

فعن سليمان الجعفري، قال: سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول: لا ‏يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمّد أو أحمد أو عليّ أو الحسن أو الحسين أو ‏جعفر أو طالب أو عبد الله، أو فاطمة من النساء(١) .

مع حديث ابن عساكر في تسمية أولاد عليعليه‌السلام

مرّ عليك بأنّ الشيطان إذا سمع منادياً ينادي باسم عدوّ من أعداء أهل البيت اهتزّ ‏واختال، وكذا وقفت على نهى الإمام الكاظم عن التسمية بحميراء.

وفي هذا المعترك سُئل حفيد عمر الأطرف - في أوائل العصر العباسي - عن سبب ‏تسمية الإمام عليّ جدّه بعمر، فجاء عيسى بن عبدالله بن محمّد بن عمر الأطرف ليوضح ‏خلفية ملابسات هذه التسمية وأ نّها لم توضع من الإمام علي بل وضعت من قِبَلِ عمر بن ‏الخطاب.

أخرج ابن عساكر بسنده، عن الزبير، عن محمّد بن سلام، قال: قلت ‏لعيسى بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب: كيف سَمَّى ‏جدُّكَ عليٌّ عُمَرَ ؟

فقال: سألتُ أبي عن ذلك، فأخبرني عن أبيه، عن عمر عن عليّ، بن أبي ‏طالب، قال: ولدتُ لأبي بعد ما استُخلِفَ عمر ‏

____________________

١- الكافي ٦: ١٩ ح ٨ والتهذيب ٧: ٤٣٨ ح ١٣٤٨ وعنه في وسائل الشيعة ٢١: ٣٩٦ ح١.

٢٤٤

بن الخطّاب، فقال له: يا أميرالمؤمنين ولد لي غلام.

فقال [عمر]: هبه لي.

فقلت: هو لك.

قال: قد سمّيته عمر ونحلته غلامي مورق.

قال: فله الآن ولد كثير. قال الزبير: فلقيت عيسى بن عبدالله فسألته ‏فخبّرني بمثل ما قاله محمّد بن سلام(١) .

فأنت تلاحظ استغراب محمّد بن سلام واستغراب الزبير، وتقبّل عيسى بن عبدالله ‏لهذا الاستغراب، وكان هو أيضاً قد تعجب من ذلك فسأل أباه عنه، تلاحظ كلّ ذلك دالاًّ ‏بوضوح على أنّ هناك نزاعاً وصراعاً قويّاً بين أمير المؤمنين علي وعمر، بحيث أنّ هذا ‏النزاع والصراع زَرَع في أذهان الجميع أنَّ من العجيب أن يسمّي عليّ ابنه باسم خصمه ‏اللدود، فجاء الردُّ واضحاً بأنّ عمر كان هو المبادر لهذه التسمية الساعي لزرع مجد ‏عُمَريّ مبتن على صراع الأسماء.

ولا يخفى عليك بأنّ الحكّام على طول فترة الحكمين الأموي والعباسي كانوا يسعون ‏لترسيخ فكرة وضع الإمام علي لأسماء الثلاثة، و يستغلّونها أيّما استغلال للقول بوضعها ‏عن محبّة لهم، لكنّ علامات الوضع ظاهرة وإليك نصيّن منها.

النص الأول:‏

أحدهما ما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق، قال: أخبرنا أبو عبدالله محمّد بن ‏إبراهيم النشابي، أنا أبوالفضل أحمد بن عبدالمنعم بن أحمد بن بندار، نا أبوالحسن ‏العتقي، أنا أبوالحسن الدارقطني، نا أبوبكر الشافعي، نا عبدالله بن ناحية، نا عباد بن ‏أحمد العرزمي، نا عمّي، عن أبيه، عن عمرو بن قيس، عن عطيّة، عن أبي سعيد، ‏قال:‏

____________________

١- تاريخ دمشق، لابن عساكر ٤٥: ٣٠٤.

٢٤٥

مررتُ بغلام له ذؤابة وجُمَّة إلى جنب عليّ بن أبي طالب، فقلت: ما هذا ‏الصبيّ إلى جانبك ؟ قال: هذا عثمان بن عليّ سمّيته بعثمان بن عفّان، وقد ‏سمّيته(١) بعمر بن الخطاب، وسمّيت بعبّاس عمّ النبيّ، وسمّيت بخير ‏البريّة محمّد، فأمّا حسن وحسين ومحسن فإنّما سمّاهم رسول الله وعقّ ‏عنهم، وحلق رؤوسهم وتصدّق بوزنها وأمر بهم فَسُرُّوا وخُتِنُوا(٢) .

أنا لا أريد أن أدخل في مناقشة سندية لهذا الخبر، بل أريد أن ألفت نظر القارئ إلى ‏بعض النقاط فيه:‏

‏١ - ألم يكن أولى لعليّ أن يقول: (هذا ابني عثمان) بدل أن يقول: هذا عثمان بن عليّ ‏على نحو الإخبار عن الغائب !‏

‏٢ - ماذا يعني كلام الإمام (وقد سمّيته بعمر) ؟ وهل لهذا الغلام اسمان أو ثلاثة: ‏عثمان، عمر، عباس، أم إنّ الإمام كان يريد أن يذكر أولاده واحداً بعد آخر، فيقول: إنّ ‏لي ابناً آخر سمّيته بعمر بن الخطّاب وثالث بعباس ورابع فالنصّ مُرتَبكٌ اذن.

‏٣ - ماذا يعني الإمام بكلامه (بعبّاس عمّ النبيّ) ألم يكن عمّه أيضاً ؟!‏

‏٤ - ماذا يعني ذكره لأسماء أولاده الآخرين: محمّد، والحسن، والحسين، ومحسن ؟ ‏وما هو ربطها بالغلام والصبي. ولماذا لا يسمّي - أبو سعيد راوي الخبر - أبناء عليٍّ ‏الآخرين ومنهم ابن آخر كان اسمه أبو بكر ؟!‏

وهل يمكننا أن ندّعي بأنّ هذا الخبر المفتعل وضع من قبل النافين لوجود ابن لعليّ ‏اسمه أبوبكر ؟ إلى غيرها من التساؤلات التي يمكن طرحها في نص كهذا.

إنّ أتباع الخلفاء وضعوا أخباراً كثيرة في هذا السياق، لأ نّك تَرى كلّ واحد ‏

____________________

١- الصحيح أن يقول: (وقد سمَّيتُ بعمر).

٢- تاريخ مدينة دمشق ٤٥: ٣٠٣ - ٣٠٤. وكلمة (فسرّوا): قطعت سِرّتهم.

٢٤٦

من هؤلاء الرواة ينقل الحادثة بالشكل الذي يرتضيه، فمرّة تكون الواقعة في عهد ‏الإمام، وأخرى بعد وفاتهعليه‌السلام ، وثالثة ورابعة، وقد انتقلت حكايات هؤلاء الرواة ‏إلى المجاميع الحديثيّة والتاريخيّة عن طريق إخراج الحفّاظ لها.

فاختلاف النقول في الأخبار شيء قد يحدث ولا غبار في ذلك، لكن نقول أنّه في ‏الأماكن الخلافية الحساسة يكون مقصوداً، و ينبئ عن حسّاسيّة الأمويين مع هذا الاسم.

إذن تارة الحادثة ترتبط مع تسمية عبدالله بن جعفر ابنه باسم معاوية، وتارة أخرى ‏ترتبط مع تغيير عبدالله بن جعفر اسم ابنه من عليّ إلى معاوية، كما تراه في الخبر الآتي، ‏فلو صح هذا الخبر فهو لا يتّفق مع تسميته ابنه بمعاوية ابتداءً كما في نصوص أخرى.

النص الثاني:‏

وإليك ما أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق، عن أبي الفضل الربعي أ نّه قال:‏

حدّثني أبي وسمعته يقول: ولد أبومحمّد، عليّ بن عبدالله - سنة أربعين - ‏بعد قتل عليّ بن أبي طالب، فسمّاه عبدالله بن العباس (عليّاً) وكنّاه بأبي ‏الحسن، وولد معه في تلك السنة لعبدالله بن جعفر غلام فسمّاه (عليّاً) وكنّاه ‏بأبي الحسن، فبلغ ذلك معاوية فوجّه إليهما أن انقلا اسم أبي تراب وكنيته ‏عن ابنيكما، وسمّياهما باسمي وكنّياهما بكنيتي، ولكلّ واحد منكما ألف ‏ألف درهم.

فلمّا قدم الرسول عليهما بهذه الرسالة سارع في ذلك عبدالله بن جعفر ‏فسمّى عبدالله بن جعفر ابنه معاوية وأخذ ألف ألف درهم، وأمّا عبدالله بن ‏عبّاس فإنّه أبى ذلك، وقال: حدّثني عليّ بن أبي طالب عن النبيّعليه‌السلام أ نّه قال: ما من قوم يكون ‏

٢٤٧

فيهم رجل صالح فيموت فيخلف فيهم بمولود فيسمونه باسمه إلاّ خلفهم الله ‏بالحسنى، وما كنت لأفعل ذلك أبداً.

فأتى الرسول معاوية فأخبره بخبر ابن عباس، فردّ الرسول، وقال: فانقل ‏الكنية عن كنيته ولك خمس مائة ألف ألف.

فلمّا رجع الرسول إلى ابن عباس بهذه الرسالة، قال: أمّا هذا فنعم، فكنّاه ‏بأبي محمّد(١) .

وهذا النص يختلف عما نقلناه سابقاً(٢) عن ابن عبّاس، وأ نّه أتى عليّاً أ يّام خلافته ‏وطلب منه أن يسمّي ابنه، فسمّا علياً وكنّاه بأبي الحسن(٣) .

فإن طلب ابن عباس من الإمام علي في أن يسمي ولده - أيّام خلافتهعليه‌السلام - لا ‏يتفق مع تسمية ابن عباس مولوده بعد وفاة الإمام علي; لما سمعه من رسول الله.

وكذا هو الآخر يخالف ما أخرجه ابن عساكر، عن عيسى بن موسى، قال:‏

لمّا قدم علي بن عبدالله بن عباس على عبدالملك بن مروان من عند أبيه، ‏قال له عبدالملك: ما اسمك ؟

قال: علي.

قال: أبو من ؟

قال: أبو الحسن.

قال: أَ تَجمَعُهُمَا عَلَيَّ ؟! حوّل كنيتك ولك مائة ألف.

قال: أ مّا وأبي حيّ فلا، فلمّا مات عبدالله بن عبّاس كنّاه ‏

____________________

١- تاريخ مدينة دمشق ٤٣: ٤٤ - ٤٥.

٢- في صفحة: ٥٨.

٣- قال ابن حجر في تهذيب التهذيب ٧: ٣١٢ - ٣١٣ وقد حكى المبرد وغيره أنّه لمّا ولد جاء به أبوه إلى عليّ ‏بن أبي طالب فقال: ما سمّيته، فقال: أو يجوز لي ان أسمّيه قبلك فقالعليه‌السلام : قد سمّيته باسمي وكنّيته ‏بكنيتي وهو أبو الأملاك، وذكر بعد ذلك تغيير عبدالملك لكنيته والله أعلم.

٢٤٨

عبدالملك أبا محمّد(١) .

وفي تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير والنصّ عن الأخير:‏

وقيل أ نّه ولد في الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب فسمّاه أبوه عليّاً، ‏وقال: سمّيته باسم أحبّ الناس إليّ وكنّاه أبا الحسن، فلمّا قدم على ‏عبدالملك بن مروان أكرمه وأجلسه معه على سريره، وسأله عن كنيته ‏فأخبره، فقال: لا يجتمع في عسكري هذا الاسم والكنية لأحد، وسأله هل ‏ولد لك من ولد ؟ قال: نعم، وقد سمّيته محمّداً، قال: فأنت أبو محمّد(٢) .

وفي حلية الأولياء: كان عليّ بن عبدالله بن عبّاس يكنّى ابا الحسن، فلما ‏قدم على عبدالملك بن مروان قال له: غيّر اسمك وكنيتك فلا صبر لي على ‏اسمك وكنيتك. فقال: أ مّا الاسم فلا، وأ مّا الكنية فأُكنَّى بأبي محمّد، فغيّر ‏كنيته.

قال اليافعي: قيل: و إنّما قال عبدالملك هذه المقالة لبغضه في عليّ بن أبي ‏طالب اذ اسمه وكنيته كذلك(٣) .

أنا لا أريد أن أرجّح خبراً على آخر في هذه القضية، بل أريد أن أُذكّر القارئ الكريم ‏بأنّ بين الأخبار المذكورة في وقائع كهذه، ما هو صحيح وما هو باطل، والواقعة إمّا أن ‏تكون قد وقعت في عهد الإمام علي، أو من بعد وفاته في عهد معاوية، أو أ نّها كانت في ‏عهد عبدالملك، في حياة عبدالله بن عبّاس أو بعده.

وسواء كان تبديل الكنية من قبل ابن عباس بعوض، أم لم يكن بعوض، فإنّ المهمّ هو ‏أ نّهم كانوا حسّاسين مع اسم عليّ وخصوصاً لو قرن هذا الاسم مع كنية ‏

____________________

١- تاريخ دمشق ٤٣: ٤٥، فقال: أمّا الإسم فلا، وأمّا الكنية فتكنّى بأبي محمّد، فغيّر كنيته.

٢- تاريخ الطبري ٤: ١٦٥، الكامل في التاريخ ٤: ٤٢٢.

٣- حلية الأولياء ٣: ٢٠٧، مرآة الجنان ١: ٢٤٥.

٢٤٩

أبي الحسن، لأ نّه سيكون دليلاً على المحبّة لا محالة - بالطبع طبق نظريّتهم !! - ‏وبالتالي فإنّه سيقوّض أطراف حكومتهم وسياساتهم المبتنية على بغض أهل البيت وعلى ‏راسهم أمير المؤمنين عليعليه‌السلام .

وقد قال الدكتور داود سلوم عن البحتري وأنّه بدّل كنيته من أبي الحسن إلى أبي عبادة ‏ارضاً للمتؤكل العباسي، كما أنّه قال عن الشاعر يزيد بن مفرغ الحميري (ت ٦٩) بأنّه ‏ولكي يفنذ في المجتمع الجديد فقد تكنى بأبي عثمان واتصل بالأمويين واولاد عثمان(١) .

إنّ انصار النهج الحاكم سرقوا لقب الصديق، والفاروق، وجامع القرآن، وسيف الله ‏وأعطوها جُزافاً لأبي بكر، وعمر، وعثمان، وخالد بن الوليد.

كما أنّهم لقّبوا عثمان ب- (ذي النورين) كي ينتقصوا من أهميّة لقب ‏(‏الزهراء‏)‏ الممنوح ‏لفاطمة سلام الله عليها على وجه الخصوص.

وأيضاً شرّعوا الاختلاف بين الصدّيقة فاطمةعليها‌السلام والمسمَّى بالصّدّيق أبي ‏بكر للقول بأ نّهما في مرتبة واحدة لا يكذبان أصلا، في حين يعلم الكُلُّ بأنّ الاختلاف معناه ‏وجود صادق وكاذب في القضيّة، بصرف النظر عن كون أيهما الصِّديق والكِذِّيب، ‏فالزهراءعليها‌السلام تقول صريحاً لأبي بكر: (لقد جئت شيئاً فريّاً)، لكنّه لا يجرؤ على ‏تكذيبها وعمد إلى القول بأنّ شهودها لم يكتملوا، وبهذا الفعل أراد تكذيبها عَملاً، فإذن كلّ ‏واحد يكذب الأخر، فكيف يعد كلّ منهما صدِّيقاً(٢) ؟!‏

وفي هذا الإطار لقّبوا أبابكر وعمر بسيّدي كهول أهل الجنّة، قِبالا لما ورد في - ‏الصحيح - عن الحسن والحسين بأ نّهما سيّدا شباب أهل الجنّة.

وأخذوا لقب (الشهيد) من حمزة عمّ الرسول وأطلقوه على عثمان، ولقب ‏

____________________

١- ديوان يزيد بن مفرغ الحميري: ٨٠ تحقيق دكتور داود سلوم وفيه: وقد تحولت قبائل كثيرة عن نسبها إلى ‏النسب اليماني في سبيل المال أو السلطة.

٢- هذا ما وضحناه في كتابنا (من هو الصديق ومن هي الصديقه).

٢٥٠

الخلفاء واستغلالهم لأسماء والقاب الأئمة

‏(أمير المؤمنين) من الإمام علي وأطلقوه على عمر ومن جَرَّ جَرَّه، إلى غيرها من ‏عشرات الألقاب والأسماء المنحولة لهذا وذاك.

وقد استمرّت ظاهرة وضع الألقاب والنعوت على الخلفاء في العهدين الأموي ‏والعباسي، فنسبوا إلى معاوية أنّه كان كاتباً للوحي، ولأبي مسلم الخراساني أ نّه (وزير آل ‏محمّد) و(سيف آل محمّد).

وقد لقّب إبراهيم بن محمّد في أوّل الدولة العبّاسيّة بلقب (الإمام)، وهناك ألقاب كثيرة ‏أخرى سرقوها من آل محمّد وأطلقوها على خلفائهم مثل: (الهادي) و (المهدي) و ‏‏(المهتدي) و (المرتضى) و (القائم).

وكذا كان حال الأمويين، فإنّهم وان كانوا قد عارضوا التسمية بعلي والحسن والحسين ‏أيّام قوّة حكمهم، لكنّهم ومن منطق السياسة اتّخذوا عند ضعفهم اسم الإمام علي سلاحاً في ‏وجه العباسيين، لأ نّهم وبسقوط حكمهم لم يبق لهم إلاّ التسلّح بسلاح الآخرين والاحتماء ‏بالرموز، وقد استغل بالفعل أحد أحفاد معاوية بن أبي سفيان اسم الإمام علي كغطاء في ‏عمله السياسي، فأراد إعادة الخلافة الأموية بطريقة ذكية، وذلك بالاستفادة من عليّ ‏ومعاوية معاً، واستغلال رموزهم في العملية السياسية المرجوّ تطبيقها، كلّ ذلك من خلال ‏الأسماء والكنى والمؤهّلات، فجاء في الكامل (حوادث سنة خمس وتسعين ومائة) وسير ‏أعلام النبلاء، ترجمة السفياني:‏

هو الأمير، أبو الحسن، عليّ بن عبدالله، بن خالد، بن يزيد، بن معاوية ‏بن أبي سفيان القرشي الأموي، و يعرف بأبي العميطر، كان سيّد قومه ‏وشيخهم في زمانه، بويع بالخلافة بدمشق زمن الأمين، وغلب على ‏دمشق في أوّل سنة ست وتسعين، ‏ ‎ [ ‎ وكان من أبناء الثمانين ‎ ] ‎ ‏(١) ، وكان ‏يقول: أنا من ‏

____________________

١- سير أعلام النبلاء ٩: ٢٨٤.

٢٥١

شيخَيْ صفّين، يعني عليّاً ومعاوية(١) ، وكان شعار أنصاره: يا عليُّ يا ‏مُختار، يا من اختاره الجبّار، على بني العبّاس الأشرار(٢) .

انظر إلى قول هذا الأموي الخارج على بني العباس، كيف يريد أن يلفّق بين عليّ ‏ومعاوية - جامعاً في أطروحته القَوّتين المعارضتين للعباسيين - فيقول: أنا من شيخي ‏صفّين يعني عليّاً ومعاوية، وهو يجمع أيضاً بين اسم علي وكنية (أبوالحسن، عليّ)، ‏وبين عشيرته وقومه (القرشي الأموي) وبين ما ثبت لأهل البيت وانّ الله اختارهم، فجعله ‏شعاراً له ضدّ العباسيين، فكان أنصاره يقولون: يا عليّ يا مختار يا من اختاره الجبّار، ‏على بني العبّاس الأشرار.

نعم بهذه الطرق التمويهية الملتوية كانوا يسعون إلى تحريف الحقائق وتوظيفها ‏لصالحهم، لكن الأئمة كانوا حذرين من مخططاتهم ودورهم في استغلال الأسماء والكنى ‏موضحين لشيعتهم تلك الطرق الملتوية.

فعن عليّ بن الحسين زين العابدينعليه‌السلام أ نّه قال: هذه أحوال ‏من كتم فضائلنا، وجحد حقوقنا، وسُمّي بأسمائنا، ولُقّب بألقابنا، وأعان ‏ظالمنا على غصب حقوقنا، ومالأ علينا أعداءنا(٣) .

وفي عيون أخبار الرضاعليه‌السلام أ نّه قال لابن أبي محمود: إنّ ‏مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام:‏

أحدها: الغلوّ.

ثانيها: التقصير في أمرنا.

____________________

١- الكامل في التاريخ ٥: ٣٧٧ (حوادث سنة ١٩٥ ه-).

٢- سير أعلام النبلاء ٩: ٢٨٦.

٣- تفسير الإمام العسكري: ٥٨٩، وعنه في بحار الأنوار ٢٦: ٢٣٦.

٢٥٢

وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا.

فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفّروا شيعتنا، ونسبوهم إلى القول بربوبيّتنا، ‏و إذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، و إذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ‏ثلبونا بأسمائنا; وقد قال الله عزّ وجلّ ( وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ ‏اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم )(١) .

وروي عن الإمام الباقرعليه‌السلام قوله:‏

من سمّانا بأسمائنا، ولقّبنا بألقابنا، ولم يسمّ أضدادنا بأسمائنا، ولم يلقّبهم ‏بألقابنا - إلاّ عند الضرورة التي عند مثلها نسمّي نحن ونلقّب أعداءنا ‏بأسمائنا وألقابنا - فانّ الله عزّ وجلّ يقول لنا يوم القيامة: اقترحوا لأوليائكم ‏هؤلاء ما تعينونهم به(٢) .

وعن الإمام موسى بن جعفر الكاظمعليه‌السلام ، قال:‏

من أعان محبّاً لنا على عدوّ لنا، فقوّاه وشجّعه حتى يخرج الحقّ الدالّ على ‏فضلنا بأحسن صورته، ويخرج الباطل - الذي يروم به أعداؤنا دفع حقّنا - ‏في أقبح صورة، حتّى يتنبّه الغافلون، ويستبصر المتعلمون، ويزداد في ‏بصائرهم العاملون، بعثه الله تعالى يوم القيامة في أعلى منازل الجنان، ‏و يقول: يا عبدي الكاسر لأعدائي، الناصر لأوليائي، المصرِّح بتفضيل ‏محمّد خير أنبيائي، وبتشريف عليٍّ أفضل أوليائي، والمناوي إلى من ‏ناوأُهما، وتسمَّى بأسمائهما، ‏

____________________

١- عيون أخبار الرضا ٢: ٢٧٢ وعنه في بحار الأنوار ٢٦: ٢٣٩.

٢- بحار الأنوار ٢٤: ٣٩١.

٢٥٣

وأسماء خلفائهما، وتلقب بألقابهما، فيقول ذلك، و يبلغ الله جميع أهل ‏العرصات. فلا يبقى ملكٌ ولا جبّار ولا شيطان إلاّ صلّى على هذا الكاسر ‏لأعداء محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولعن الذين كانوا يناصبونه في الدنيا ‏من النواصب لمحمّد وعلي صلوات الله عليهما(١) .

وعليه، فالتسميات أخذت وضعها الصحيح ببركة أهل البيت، و إنّ التأكيد على ‏اسمائهم جاء في روايات متعددة عن أهل البيتعليهم‌السلام ، كان من أواخرها ما علّمه ‏الإمام علي الهاديعليه‌السلام (ت ٢٥٤ ه-) لموسى بن عبدالله النخعي من الزيارة التي ‏يزور بها أئمّة أهل البيت، وهي المعروفة اليوم بالزيارة الجامعة الكبيرة، والتي تحتوي ‏على المعارف الحقّة وفيها الموالاة الكاملة لآل البيت والبراءة من أعدائهم، جاء في بعض ‏فقراتها الأخيرة منها: (وأسماؤكم في الأسماء فما أحلى أسماءكم وأكرم أنفسكم).

وهاتان الفقرتان - كغيرهما من الفقرات - تحتوي على معارف قيّمة لا يمكننا بهذه ‏العجالة شرحها، لكنّنا نشير إلى أنّهما يشيران إلى أهمية أسماء أهل البيت وأَبْعادها ‏الإلهية.

أجل إنّ القوم مضافاً إلى سرقتِهم أسماء الأئمة وكناهم كانوا يسعون إلى تغيير معاني ‏بعض تلك الأسماء والألقاب لصالحهم، فعن أحمد بن أبي نصر البزنطي، قال: قلت لأبي ‏جعفر محمّد بن عليّ الثانيعليهما‌السلام : إنّ قوماً من مخالفيكم يزعمون أنّ أباك ‏صلوات الله عليه إنّما سمّاه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده.

فقال: كذبوا والله وفجروا بل الله تعالى سمّاه الرضا لأ نّه كانعليه‌السلام رضىً للهِ ‏تعالى ذكره في سمائه، ورضى لرسوله والأئمّة بعدهعليهم‌السلام في أرضه.

قال: فقلت له: ألم يكن كلّ واحد من آبائك الماضينعليهم‌السلام رضىً لله تعالى ‏

____________________

١- تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ٢٠٩، وعنه في بحار الأنوار ٢٤: ٣٩١.

٢٥٤

ولرسوله والأئمّة من بعده ؟ فقال: بلى، فقلت له: فلم سَمَّيعليه‌السلام من بينهم ‏الرضا ؟

قال: لأ نّه رَضيَ به المخالفون من أعدائه، كما رضيَ به الموافقون من أوليائه، ولم ‏يكن ذلك لأحد من آبائهعليهم‌السلام ، فلذلك سمّي من بينهم الرضاعليه‌السلام (١) .

وهذا الكلام من الإمام يرشدنا إلى أنّهمعليهم‌السلام مع اهتمامهم ببيان القواعد العامّة ‏في التسميات والكنى والألقاب، كانوا يشيرون إلى بعض التطبيقات الخاطئة المرسومة من ‏قبل الحكّام، مصحّحين تحريفات المغرضين ودجل المدلسين; إذ مرّ عليك ما قاله الإمام ‏الجواد في سبب تلقّب الإمام الرضا بالرضا، وسيأتي أيضاً في خبر يعقوب السراج أنّ ‏الإمام الكاظم نهاه عن التسمية بحميراء، لأنّ ‏(‏حميراء‏)‏ صارت علماً مُبْتَدَعاً لأعداء ‏أميرالمؤمنين من النساء، فلو لوحظت معاداة أميرالمؤمنين في التسميات صار الاسم ‏مبغوضاً عند الله، مشيرين إلى أن زوجات النبي لا يعرفن بكنية أو لقب خاص إلاّ عائشة.

وهذا اللقب اطلق على عائشة حينما اخبر رسول الله زوجاته بأن منهن من تخرج على ‏إمام زمانها، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله مخاطباً عائشة (إيَّاك أن تكونيها يا حميراء).

فنهي الإمام لم يكن معاداة للأسماء والألقاب والكنى بما هي أسماء وألقاب وكُنّى، بل ‏بياناً لما أمر الله به في كتابه وأكّد عليه نبيّه.

فالأئمّة لا يعادون أحداً بما هو شخص وذات، حتّى أ نّهم لم يعادوا الخلفاء السابقين الاّ ‏لتعديهم حدود الله وتجاوزهم قول ربّ العالمين وتأكيدات الرسول الأمين في الإمامة ‏الإلهيّة.

فعن يعقوب السراج، قال: دخلت على أبي عبد الله [الصادق ‏ ‎ [ وهو واقف ‏على رأس أبي الحسن موسى وهو في المهد، فقال لي: ادنُ من مولاك ‏فسلّم، فدنوتُ فسلّمت عليه، فردَّ عَلَيّ السلام بلسان فصيح، ثمّ قال لي: ‏اذهب فغيّر اسم ابنتك ‏

____________________

١- علل الشرايع، للصدوق ١: ٢٣٦ - ٢٣٧ ح ١.

٢٥٥

التي سمّيتها أمسِ، فإنّه اسم يبغضه الله، وكان ولدت لي ابنة سمّيتها ‏بالحميراء(١) .

فالإمام قد يسمّي ابنته بعائشة، لأ نّه اسم عربي رائج وليس فيه قبح ذاتي، لأنّه ليس ‏حكراً على أحد، وقد يكونعليه‌السلام سمى ابنته بعائشة للوقوف أمام استغلال الآخرين ‏اسمها في صراعهم مع الإمام الكاظمعليه‌السلام .

أ مّا التسمية ب- ‏(‏الحميراء‏)‏ فلا يرتضيه - لمن يدّعي محبّة آل البيت - لأ نّه عَلَمٌ يختص ‏بعائشة; لأنّه لم يعرف بهذا اللقب غيرها، وقد أخبر رسول الله بأنّ كلاب الحوأب تنبح ‏إحدى نسائه ثم قال مخاطباً عائشة ‏(‏إياك أن تكوني أنت يا حميراء‏)‏، فهو اسم مختصّ ‏بها، بخلاف اسم عائشة فانّه مشاع للجميع ويتسمى به كثير من الناس قبل وحين وبعد أمّ ‏المؤمنين بنت أبي بكر.

وعليه فالولاء والبراءة يلحظان في التسميات أيضاً، لكنْ بشروط وظروف محدّدة ‏معيّنة.

ففي تفسير العيّاشي: عن ربعي بن عبدالله، قال: قيل لأبي عبداللهعليه‌السلام : جعلت فداك، إنّا نسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم، فينفعنا ذلك ؟

فقال: إي والله، وهل الدين إلاّ الحبّ والبغض، قال الله:( إِن كُنْتُمْ ‏تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) (٢) .

بهذا النصّ وضّح الإمامعليه‌السلام بأنّ التولّي والتبرّي من أركان الدين، وأنّ ‏التسمية إن كان يقصد بها الحبّ لأهل البيت تنفع، وكذا التسمية بأسماء الأعداء بما هم أعداء لله ولرسوله ولأوليائه فهي مضرّة; لقوله تعالى( إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ

____________________

١- الكافي ١: ٣١٠ ح ١١ وانظر الإرشاد للمفيد ٢: ٢١٩، ومستدرك وسائل الشيعة ١٥: ١٢٨، ووسائل ‏الشيعة ٢١: ٣٨٩ ح ٣، وإعلام الورى ٢: ١٤، والثاقب في المناقب: ٤٣٣ ح ١.

٢- تفسير العيّاشي: ١٦٨، مستدرك وسائل الشيعة ١٥: ١٢٩ ح ٢، والسورة آل عمران: ٣١.

٢٥٦

فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) فإنّ الله أَناطَ محبّته باتّباع النبي، وهو يفهم بأنّ الحب والبغض يجب ‏أن يكون لله وفي الله، فمن اذى الرسول في عترته واعترض عليهمصلى‌الله‌عليه‌وآله ‏وكتم الشهادة لوليّه فهو ممن أبغضه الله لا محالة.

إذن لابدّ من الاجهار والقول بوجود المنافرة بين أهل البيت وبعض الصحابة، لتخالف ‏مواقفهم مع الذكر الحكيم والسنة المطهرة، فلا يعقل أن يكون تطابق تسميات الأئمّةعليهم‌السلام لأسماء الخلفاء عن محبة لأُولئك، لأن الله لا يجمع حبّ وليه وعدّوه في قلب ‏واحد .‏

فقد تكون التسمية جاءت للعوامل التي ذكرناها، وقد تكون لوصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للإمام علي بأ نّه سيواجه هكذا أمور فإن ابتُلي فَلْيُسَمِّ، وقد تكون لتطييب ‏نفوس الاخرين، لكي لا يصير الناس نواصبَ، وقد أخبرني أحد المستبصرين أ يّام كان ‏على مذهب الخلفاء بأ نّه لمّا وقف على مطابقة اسم أحد أولاد الإمام علي لاسم أحد الثلاثة ‏ازداد حبّاً و إعجاباً بالإمام عليّ - واعتبره صحابيّاً عظيماً حسب قوله - وقد كان لذلك من ‏بَعْدُ أَثَرٌ في تشيُّعه واستبصاره واهتدائه للحقّ، وبكلامه هذا كان يريد القول بأنّ هذه ‏التسميات لها عامل إيجابي في بعض الأحيان وليست سلبية في جميع الحالات، وإني ‏احببت الاشارة إلى كلامه في هذا الكتاب.

التسمية بعلي في أولاد الأئمّة

وعليه يدور عمل أهل البيت في التسميات على مجالين:‏

أوّلهما تسمية أولادهم بعلي.

والثاني عدم المخالفة مع التسمية بأسماء الثلاثة في ظروف هم يقدّرونها، وقد يكونون ‏أُمروا بها - في بعض الأحيان لظروف كانوا يقدرونها -.

وقد مرّ عليك ما يدل على المجال الأوّل، في كلام الإمام الحسينعليه‌السلام وقوله :

٢٥٧

(‏لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمّي أحداً منهم إلاّ عليّاً‏)‏(١) .

ولو تأملت في أسماء أولاد الإمام علي من بعد الإمام الحسين لرأيت أنّ اسم ‏(‏علي‏)‏ ‏موجود عندهم بكثرة كاثرة.

فأحد أولاد الإمام عليّ بن الحسين بن عليّ (السجّاد، زين العابدين) المعقبين سُمّي ‏بعلي الأصغر.

وكذا أحد أبناء أخيه (الحسين الأصغر) المعقبين سمى بعلي أيضاً.

وابن أخيه الآخر (زيد الشهيد) اسمه الحسين ذي الدمعة له ابن اسمه علي.

وللإمام الصادق ولدٌ باسم علي العريضي وكنيته (أبو الحسن) صاحب كتاب (مسائل ‏علي بن جعفر).

ولعمر الأشرف بن علي بن الحسين ابنٌ واحد عقبه، اسمه عليّ الأصغر.

وقد خلّف الإمام موسى بن جعفر للإمامة ابنه عليَّ بن موسى الرضا.

وللإمام الرضا ولد واحد وهو محمّد الجواد، وقد خلّف هذا ابنه عليّ بن محمّد ‏الهادي.

فانظر إلى كثرة وجود اسم ‏(‏محمّد ‏)‏ و ‏(‏علي‏)‏ بين أئمة أهل البيت وأولادهم; كلّ ذلك ‏إصراراً منهم على إبقاء هذه الأسماء عالية منتشرة، مقابلةً لمخطّط آل أبي سفيان ‏و إصرارهم على محوها و إبادتها.

هذا عن التسمية بعليّ.

أ مّا الكلام عن المجال الثاني، فالأئمّة قد لا يخالفون التسمية بأسماء الثلاثة للضرورة، ‏وقد تراهم يأمرون أصحابهم بهذه التسميات في ظروف هم يقدّرونها.

روى ابن حمزة الطوسي في الثاقب، عن أحمد بن عمر، قال: خرجت إلى ‏الرضاعليه‌السلام وامرأتي بها حَبَلٌ، فقلت له: إنّي قد ‏

____________________

١- الكافي ٦: ١٩ ح ٧، وسائل الشيعة ٢١: ٣٩٥ ح ١، بحار الأنوار ٤٤: ٢١١ ح ٨ عن الكافي.

وفي مناقب آل أبي طالب ٣: ٣٠٩ عن كتاب النسب عن يحيى بن الحسن قال يزيد لعليّ بن الحسين: واعجباً ‏لأبيك سمّى عليّاً وعليّاً ! فقالعليه‌السلام : انّ أبي أحبّ أباه فسمّى باسمه مراراً.

٢٥٨

خلّفت أهلي وهي حامل، فادعُ الله أن يجعله ذكراً.

فقال لي: وهو ذكر، فسمِّه عمر !!‏

فقلت: نويتُ أن أسمّيه عليّاً، وأمرتُ الأهلَ به.

قالعليه‌السلام : سمِّه عمر.

فوردت الكوفة وقد ولد ابن لي وسُمي عليّاً، فسمّيته عمر، فقال لي ‏جيراني: لا نصدّق بعدها بشيء ممّا كان يُحكى عنك، فعلمت أ نّهعليه‌السلام كان أَ نْظَرَ لي من نفسي(١) .

وحكي عن أبي حنيفة أ نّه استأذن على الصادق فلم يَأْذن له، ثمّ جاء قوم من أهل ‏الكوفة فاستأذنوا فأذن لهم، فدخل معهم، قال أبو حنيفة: فلمّا صرت عنده قلت له: يا بن ‏رسول الله لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله ‏فإنّي تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم.

فقالعليه‌السلام : لا يقبلون منّي.

فقال أبو حنيفة: ومن لا يقبل منك وأنت ابن رسول الله.

فقال: أنت ممّن لم تقبل منّي، دخلتَ داري بغير إذني، وجلست بغير أمري، وتكلّمت بغير ‏رأيي، وقد بلغني أنّك تقول بالقياس الى آخر الخبر(٢) .

ولا يخفى عليك بأنّ أبا حنيفة كان في الكوفة أيّام الغَلَيان الشيعي، وذلك بعد شهادة ‏الإمام الحسين، وثورة التوابين، وحركة المختار الثقفي، وطلائع الزيدية.

فلا أستبعد أن يثار غضب بعض الشيعة هناك فيلعنوا الأصحاب الظالمين المنحرفين، ‏لأنّ مساوءهم التي كان يغطيها الأمويّون شاعت وذاعت بين الناس شيئاً فشيئاً في العصر ‏الأموي وفي أوائل العصر العباسي، فكان لذكرها ولعن أصحابها مجال، لأنّ الناس كانوا ‏قد علموا الواقع الفاسد وما جرى على العترة بعد ‏

____________________

١- الثاقب في المناقب: ٢١٤ ح ١٦، الخرائج والجرائح ١: ٣٦٢ ح ١٦ وعنه في بحار الأنوار ٤٩: ٥٢ ح ‏‏٥٥، وفيه: أحمد بن عمرة.

٢- بحار الأنوار ١٠: ٢٢٠ ح ٢٠.

٢٥٩

رسول الله في العصور السابقة.

وهذه المعرفة من الشيعة بأئمّتهم والدعوة إلى البراءة من الشيخين جعلت الجهاز ‏الحاكم يطاردهم ويضطهدهم، وجعلت العيون عليهم تحصي أنفاسهم ودقات قلوبهم، وهذا ‏هو الذي دعا الإمام الرضا أن يأمر أحمد بن عمرة بالتقية وان يسمّي ابنه بعمر، مع أنّه ‏علويّ المذهب، لأنّ - وحسب تعبير الإمام المعصوم - التقية ديني ودين آبائي وهي جارية ‏إلى يوم القيامة.

وقضيّة أحمد بن عمر تشبه قضيّة عليّ بن يقطين حين سأل الامام الكاظم عن مسح ‏الرجلين أهو من الأصابع إلى الكعبين، أم من الكعبين إلى الأصابع ؟ فكتب إليه أبو الحسن ‏الكاظمعليه‌السلام أن يتوضّأ وضوء العامّة. فلمّا وصل الكتاب إلى عليّ بن يقطين ‏تعجّب ممّا رسم له الإمام خلافاً لإجماع الطائفة، وبعد مدّة ورد عليه كتاب آخر من الإمام ‏فيه: ابتدِئْ من الآن يا عليّ بن يقطين وتوضّأ كما أمرك الله فقد زال ما كنّا نخاف منه ‏عليك(١) .

وهذه النصوص تشير إلى ما كان يمرّ به أهل البيت وشيعتهم من ظروف قاهرة في ‏بعض الأحيان، تدعوهم للأمر بالتسمية بأسماء الأعداء - فضلا عن تجويزه لهم - وكل ‏ذلك حفاظاً على دماء الشيعة وأموالهم وأعراضهم، وذلك ما يدلّ بلا ريب على أنّ التسمية ‏بأسماء الثلاثة لا ترفع العداوة والبغضاء بين أهل البيت والحكّام، فلا يشك أحد في العداوة ‏بين هارون العبّاسي والإمام الكاظم، لكنّ ذلك لا يمنع الإمام من أن يسمّي ابنه ‏ب- ‏(‏هارون‏)‏، لأنّ اسم هارون ليس حِكْراً على هارون الرشيد العباسي، بل في ذلك فتح ‏باب السلامة والتنفّس للشيعة، وذلك ما حصل بالفعل للشاعر الشيعي المشهور منصور ‏النَّمِري; حيث كان يذكر مدائح هارون في قصائده ويقصد به أميرالمؤمنين عليّاًعليه‌السلام لأ نّه بمنزلة هارون من ‏

____________________

١- الارشاد ٢: ٢٢٧، الخرائج والجرائح ١: ٣٣٥ ح ٢٦، اعلام الورى ٢: ٢١، بحار الأنوار ٧٧: ٢٧ ‏ح ٢٥ عن خرائج الراوندي، وسائل الشيعة ١: ٤٤٤ ح ٣.

٢٦٠