وقعة الطف

وقعة الطف0%

وقعة الطف مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف: الإمام الحسين عليه السلام
الصفحات: 290

وقعة الطف

مؤلف: لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن مسلم الازدى الغامدى
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
تصنيف:

الصفحات: 290
المشاهدات: 158669
تحميل: 6245

توضيحات:

وقعة الطف
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 290 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 158669 / تحميل: 6245
الحجم الحجم الحجم
وقعة الطف

وقعة الطف

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة
العربية

فترقرقت عينا الحسينعليه‌السلام ولمْ يملك دمعه، ثمّ قال:« ( َمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) (١) اللهمّ، اجعل لنا ولهم الجنّة نزلاً، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك، ورغائب مذخور ثوابك » (٢) .

[ ثمّ إنّ ] الطرّماح بن عدي دنا من الحسينعليه‌السلام ، فقال له: إنّي والله، لأنظر فما أرى معك أحداً، ولو لمْ يُقاتلك إلاّ هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة، وفيه من النّاس ما لمْ ترَ عيناي في صعيد واحد جمعاً أكثر منه، فسألت عنهم، فقِيل: اجتمعوا ليعرضوا ثمّ يسرّحون إلى الحسينعليه‌السلام . فأنشدك إنْ قدرت على أنْ لا تقدم عليهم شبراً إلاّ فعلت، فانْ أردت أنْ تنزل بلداً يمنعك الله به حتّى ترى مَن رأيك ويستبين لك ما أنت صانع، فسرْ حتّى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى (أجأ)(٣) فأسير معك حتّى أنزلك (القريّة)(٤) .

فقال له [ الحسينعليه‌السلام ]:« جزاك الله وقومك خيراً! أنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف، ولا ندري عَلامَ تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة » .

قال الطرمّاح بن عدي فودّعته وقلت له دفع الله عنك شرّ الجنّ والأنس(٥) .

____________________

(١) سورة الأحزاب / ٢٣.

(٢) قال أبو مِخْنف، وقال: عقبة بن أبي العيزار ٥ / ٤٠٣، والإرشاد / ٢٢ ٥، ط النّجف.

(٣) على وزن فعل، اسم رجل سُمّي: جبل طئ باسمه، وهو غربي فيه عن يسار جبل سميراء.

(٤) وهو تصغير: القرية، من مواضع طيء.

(٥) قال أبو مِخْنف: حدّثني جميل بن مريد عن الطرمّاح ٥ / ٤٠٦. وتمام الخبر: إنّي قد امترت لأهلي من الكوفة ميرة ومعي نفقة لهم، فآتيهم فأضع ذلك فيهم ثمّ أقبل إليك إنْ شاء الله، فإنّ الحقك فوالله، لأكوننّ من أنصارك.

قال الحسينعليه‌السلام :« فإنْ كنت فاعلاً فعجّل، رحمك الله » .

قال: فلمّا بلغت أهلي، وضعت عندهم ما يصلحهم وأوصيت وأخبرتهم بما أريد، وأقبلت حتّى إذا دنوت من عذيب الهجانات، استقبلني سماعة بن بدر فنعاه إليّ، فرجعت ٥ / ٤٠٦.

١٨١

ومضى الحسينعليه‌السلام حتّى انتهى إلى.

[ قصر بني مقاتل ](١)

قصر بني مقاتل فنزل به، فإذا هو بفسطاط مضروب(٢) .

[ فـ ] -قالعليه‌السلام : لمَن هذا الفسطاط؟ فقِيل: لعبيد الله بن الحرّ الجُعفي(٣) . قالعليه‌السلام :« أدعوه لي » . وبعث إليه [ رسول ]، فلمّا أتاه الرسول، قال [ له ]: هذا الحسين بن عليعليه‌السلام يدعوك. قال عبيد الله بن الحرّ: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والله، ما خرجت من الكوفة إلاّ كراهة أنْ يدخلها الحسينعليه‌السلام وأنا بها، والله، ما أريد أنْ أراه ولا يراني.

فأتاه الرسول فأخبره، فأخذ الحسينعليه‌السلام نعليه فانتعل ثمّ قام، فجاءه حتّى دخل عليه فسلّم وجلس، ثمّ دعاه إلى الخروج معه، فأعاد ابن الحرّ تلك المقالة، فقالعليه‌السلام :« فإنْ لا تنصرنا، فاتّق الله أنْ تكون ممّن يُقاتلنا، فوالله، لا يسمع واعيتنا أحد ثمّ لا ينصرنا إلاّ هلك » . ثمّ قام من عنده(٤) .

قال عقبة بن سمعان: لمّا كان في آخر اللّيل أمر الحسينعليه‌السلام بالاستقاء من الماء، ثمّ أمرنا بالرحيل ففعلنا. فلمّا ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرنا ساعة خفق الحسينعليه‌السلام برأسه خفقة، ثمّ انتبه وهو يقول:« إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والحمد لله ربّ العالمين ». ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً.

فأقبل إليه ابنه عليّ بن الحسينعليه‌السلام على فرس له، فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والحمد لله ربّ العالمين، يا أبتِ جُعلت فداك ممّ حمدت الله

____________________

(١) في المعجم: يقع بين القرّيات والقطقطانة وعين التمر.

(٢) قال أبو مخنف: ٥ / ٤٠٧.

(٣) ستأتي ترجمته في آخر الكتاب.

(٤) قال أبو مخنف: حدّثنى المجالد بن سعيد عن عامر الشعبي ٥ / ٤٠٧، والإرشاد / ٢٢٦.

١٨٢

واسترجعت؟

قالعليه‌السلام :« يا بنيّ، إنّي خفقت برأسي خفقة فعنّ لي فارس على فرس، فقال: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم. فعلمت أنّها أنفسنا نُعيت إلينا ».

قال له: يا أبت - لا أراك الله سوءاً - ألسّنا على الحقّ؟

قالعليه‌السلام :« بلى، والذي إليه مرجع العباد ».

قال: يا أبت، إذاً لا نُبالي، نموت محقّين.

فقال لهعليه‌السلام :« جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده » .

فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة، ثمّ عجّل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يُريد أنْ يفارقهم فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّهم، فإذا ردّهم إلى الكوفة ردّاً شديداً امتنعوا عليه فارتفعوا، فلمْ يزالوا يتياسرون حتّى انتهوا إلى:

[ نينوى ](١)

نينوى المكان الذي نزل به الحسين (عليه‌السلام ) فإذا راكب على نجيب له وعليه السّلاح، متنكّباً قوساً مقبل من الكوفة، فوقفوا جميعاً ينتظرونه، فلمّا انتهى إليهم سلّم على الحرّ بن يزيد وأصحابه ولمْ يسلّم على الحسينعليه‌السلام وأصحابه، فدفع إلى الحرّ كتاباً من عبيد الله بن زياد، فإذا فيه:

أمّا بعد، فجعجع(٢) بالحسينعليه‌السلام حين يبلغك كتأبي ويقدم عليك رسولي، فلا تُنزله إلاّ بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أنْ يلزمك ولا يُفارقك حتّى يأتيني بإنفاذك أمري، والسّلام.

فلمّا قرأ الكتاب، قال لهم الحرّ: هذا كتاب الأمير عبيد الله بن زياد يأمرني

____________________

(١) كانت من قرى الطفّ العامرة حتّى أواخر القرن الثاني.

(٢) نقل ابن منظور في لسان العرب، عن الأصمعي، جعجع به، أي: احبسه. وقال ابن فارس في مقاييس اللغة ١ / ٤١٦: أي: ألجئه إلى مكان خشن.

١٨٣

فيه أنْ أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني فيه كتابه، وهذا رسوله، وقد أمره أنْ لا يُفارقني حتّى أنفذ رأيه وأمره.

فنظر الشعثاء، يزيد بن زياد المهاصر الكندي البهدلي(١) إلى رسول عبيد الله [ ابن زياد ] فعنّ له، فقال: أمالك بن النّسير البدّي(٢) [ من كندة ]؟ قال: نعم. فقال له يزيد بن زياد: ثكلتك اُمّك! ماذا جئت فيه؟ قال: وما جئت فيه أطعت إمامي ووفيت ببيعتي. فقال له أبو الشعثاء: عصيت ربّك وأطعت إمامك في هلاك نفسك كسبت العار والنّار، قال الله عزّ وجلّ:( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَدْعُونَ إلى النّار وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ ) (٣) فهو إمامك.

وأخذ الحرّ بن يزيد القوم بالنّزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في

____________________

(١) من رماة أصحاب الحسينعليه‌السلام ، وكان في أوائل مَن قُتل، رمى بمئة سهم وقام، فقال: ما سقط منها إلاّ خمسة أسهم، وقد تبيّن لي أنّي قد قتلت خمسة نفر.

وقد روى أبو مخنف - أيضاً -، عن فضيل بن خديج الكندي: أنّ يزيد بن زياد كان ممّن خرج مع عمر بن سعد، فلمّا ردّوا الصلح على الحسين (عليه‌السلام ) مال إليه فقاتل حتّى قُتل، ولكنّه لا يتّفق مع هذا الخبر هنا.

(٢) مالك بن النّسير من بني بدّاء، حضر كربلاء فضرب رأس الإمام (عليه‌السلام ) بالسّيف فقطع البرنس وأصاب رأسه وأدماه، فقال له الحسين (عليه‌السلام ):« لا أكلت بها ولا شَربت، وحشرك الله مع الظالمين » . وأخذ مالك برنس الإمام (عليه‌السلام )، فلمْ يزل فقيراً حتّى مات ٥ / ٤٤٨ عن أبي مخنف.

والبرنس: كلمة غير عربية، وهو: قلنسوة طويلة من قطن كان يلبسها عبّاد النّصارى، فلبسها عبّاد المسلمين في صدر السّلام، كما في مجمع البحرين.

وروي - أيضاً - أنْ عبد الله بن دبّاس دلّ المختار على نفر ممّن قتل الحسينعليه‌السلام منهم مالك بن النّسير البدّي، فبعث إليهم المختار مالك بن عمرو النّهدي، فأتاهم وهم بالقادسيّة، فأخذهم وأقبل بهم حتّى أدخلهم على المختار عشاء، فقال المختار للبدّي: أنت صاحب برنسه؟ فقال عبد الله بن كامل: نعم، هو هو. فقال المختار: اقطعوا يدي هذا ورجليه ودعوه فليضطرب حتّى يموت. ففُعل به ذلك وتُرك، فلمْ يزل ينزف الدم حتّى مات سنة (٦٦ هـ) ٦ / ٥٧.

(٣) سورة القصص / ٣٢.

١٨٤

قرية(١) ، فقالوا: دعنا ننزل في هذه القرية - يعنون: نينوى - أو هذه القرية - يعنون: الغاضريّة -(٢) أو هذه الأخرى - يعنون: شفيّة -(٣) . فقال: لا والله، لا أستطيع ذلك، هذا رجل قد بُعث إليّ عيناً.

فقال له زهير بن القين: يابن رسول الله، إنّ قتال هؤلاء أهون من قتال مَن يأتينا من بعدهم، فلعمري، ليأتينا من بعد مَن ترى ما لا قبل لنا به.

فقال له الحسينعليه‌السلام :« ما كنت لأبدأهم بالقتال » .

فقال له زهير بن القين: سربنا إلى هذه القرية حتّى تنزلها؛ فإنّها حصينة،

____________________

(١) ويظهر من هذا: أنّ كربلاء لمْ تكن اسم قرية، بل اسم المنطقة وهي: كور بابل، أي: قراها - كما في كتاب الدلائل والمسائل للسيّد هبة الدين الشهرستاني (قده) -. وقال سبط ابن الجوزي، ثمّ قال الحسينعليه‌السلام :« ما يُقال لهذه الأرض؟ » . قالوا: كربلاء، ويُقال لها نينوى، وهي قرية بها. فبكى وقالعليه‌السلام :« كرب وبلاء ». ثمّ قالعليه‌السلام :« أخبرتني اُمّ سلمة، قالت: كان جبرئيل عند رسول الله، وأنت معي فبكيت، فقال رسول الله: دعي ابني. فتركتك فأخذك ووضعك في حجره، فقال جبرئيل: تحبّه؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم. قال: فإنّ اُمّتك ستقتله، وإنْ شئت أنْ أريك تربة أرضه التي يُقتل فيها؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم. قالت: فبسط جبرئيل جناحه على أرض كربلاء، فأراه أيّها. ثمّ شمّها، وقال: هذه والله، هي الأرض التي أخبر بها جبرائيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإنّني أُقتل فيها ».

ثمّ قال: وذكر ابن سعد في الطبقات عن الواقدي بمعناه، قال: وذكر ابن سعد أيضاً عن الشعبي، قال: لمّا مرّ عليعليه‌السلام بكربلاء في مسيره إلى صفّين وحاذى نينوى - قرية على الفرات - وقف ونادى صاحب مطهرته:« أخبرني أبا عبد الله، ما يُقال لهذه الأرض؟ » . فقال: كربلاء. فبكى حتّى بلّ الأرض من دموعه، ثمّ قالعليه‌السلام :« دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يبكي، فقلت له: ما يُبكيك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : كان عندي جبرئيل آنفاً، وأخبرني: أنّ ولدى الحسين يُقتل بشط الفرات بموضع، يُقال له: كربلاء. ثمّ قبض جبرئيل قبضة من تراب فشمنّي إيّاها، فلمْ أملك عينيّ أنْ فاضتا ».

قال: وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير، قالا: لمّا وصل عليعليه‌السلام إلى كربلاء وقف وبكى، وقالعليه‌السلام :« بأبي أُغيلمة يُقتلون ها هنا، هذا مناخ ركابهم، هذا موضع رحالهم، هذا مصرع الرجال ».. ثمّ ازداد بكاؤه / ٢٥٠، ط النّجف. ورواه ابن مزاحم بأربعة طرق، صفّين / ١٤٠ - ١٤٢، ط هارون.

(٢) الغاضريّة: منسوبة إلى غاضرة من بني أسد، وهي: أراضي حوالي قبر عون الآن على فرسخ من كربلاء، وبها آثار قلعة تعرف اليوم، بـ: (قلعة بني أسد).

(٣) هي أيضاً: آبار لبني أسد قرب كربلاء.

١٨٥

وهي على شاطئ الفرات، فإنْ منعونا قاتلناهم، فقتالهم أهون علينا من قتال مَن يجيء من بعدهم.

فقال له الحسينعليه‌السلام :« وأيّة قرية هي؟ » . قال: هي العقر(١) . فقال الحسينعليه‌السلام :« اللهمّ، إنّي أعوذ بك من العقر » . ثمّ نزل، وذلك يوم الخميس، وهو اليوم الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين.

فلمّا كان من الغد، قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقّاص(٢) من الكوفة في أربعة آلاف.

____________________

(١) كانت بها منازل نبوخذ نصر من كور بابل التي صحفت، فقِيل: كربلاء.

(٢) سبقت ترجمته في ص / ١٠٢.

١٨٦

[ خروج ابن سعد إلى الحسينعليه‌السلام ]

وكان سبب خروج ابن سعد إلى الحسينعليه‌السلام ، أنّ عبيد الله بن زياد بعثه على أربعة آلاف من أهل الكوفه يسير بهم إلى دستبى(١) ، وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها، فكتب إليه ابن زياد عهده على الري وأمره بالخروج.

فخرج معسكراً بالنّاس بحمّام أعين(٢) ، فلمّا كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان وأقبل إلى الكوفة، دعا ابن زياد عمر بن سعد، فقال: سر إلى الحسينعليه‌السلام ، فإذا فرغنا ممّا بيننا وبينه سرت إلى عملك. فقال له عمر بن سعد: إن رأيت - رحمك الله - أنْ تعفيني فافعل. فقال له عبيد الله: نعم، على أنْ تردّ لنا عهدنا. فلمّا قال له ذلك، قال عمر بن سعد: أمهلني اليوم حتّى أنظر.

فانصرف عمر [ ابن سعد ] يستشير نصحاءه، فلمْ يكن يستشير أحداً إلاّ نهاه.

وجاء حمزة بن المغيرة بن شعبة(٣) - وهو ابن أخته - فقال: أنشدك الله

____________________

(١) كورة كبيرة بين همدان والري، ثمّ أضيفت إلى قزوين - كما في معجم البلدان ٤ / ٥٨ - وهي معرب دشتبه يعنّي: الواحة الحسناء.

(٢) كورة من كور الكوفة، فيها: حمّام لعمر بن سعد بيد مولاه أعين، سمّي باسمه، كما في القمقام / ٤٨٦.

(٣) استعمله الحجّاج بن يوسف الثقفي على همذان سنة (٧٧ هـ) ٥ / ٢٨٤. وكان أخوه مطرّف بن المغيرة على المدائن فخرج على الحجّاج، فأمدّه حمزة بالمال والسّلاح سرّاً ٥ / ٢٩٢، فبعث الحجّاج إلى قيس بن سعد العجلي - وهو يومئذٍ على شرطة حمزة بن المغيرة - بعهده على همذان، وأنْ يُوثق حمزة بن المغيرة في الحديد ويحبسه، فأوثقه وحبسه ٥ / ٢٩٤.

١٨٧

- ياخالُ - أنْ تسير إلى الحسينعليه‌السلام فتأثم - بربّك - وتقطع رحمك، فوالله، لئن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلّها - لو كان لك - خير لك من أنْ تلقى الله بدم الحسينعليه‌السلام . فقال له عمر بن سعد: فإنّي أفعل إنْ شاء الله(١) .

وتصاب سلسلة أخبار أبي مخنف هنا في رواية الطبري بالانقطاع والانتقال إلى نزول ابن سعد بكربلاء، ويملأ الطبري هذا الفراغ بخبر عن عوانة بن الحكم، لابدّ لنا منه لوصل الحلقات:

قال هشام: حدّثني عوانة بن الحكم، عن عمّار بن عبد الله بن يسار الجهني، عن أبيه قال:

دخلت على عمر بن سعد وقد أمر بالمسير إلى الحسينعليه‌السلام ، فقال لي: إنّ الأمير أمرني بالمسير إلى الحسينعليه‌السلام فأبيت ذلك عليه، فقلت له: أصاب الله بك، أرشدك الله أحِلْ، فلا تفعل ولا تسر إليه.

قال: فخرجت من عنده فأتاني آتٍ وقال: هذا عمر بن سعد يندب النّاس إلى الحسينعليه‌السلام . قال: فأتيته، فإذا هو جالسّ، فلمّا رآني أعرض بوجهه، فعرفت أنّه قد عزم على المسير إليه، فخرجت من عنده.

قال، فأقبل عمر بن سعد إلى ابن زياد، فقال: أصلحك الله! إنّك ولّيتني هذا العمل وكتبت لي العهد وسمع النّاس به [ يعنّي: عهد الري ]، فإنْ رأيت أنْ تنفّذ لي ذلك فافعل، وابعث إلى الحسينعليه‌السلام في هذا الجيش من أشراف الكوفة، من لست بأغنى ولا أجزأ عنك في الحرّب منه، فسمّى له أناساً.

____________________

(١) قال أبو مخنف: حدّثني عبد الرحمن بن جندب، عن عقبة بن سمعان قال ٥ / ٤٠٧. وبنفس السّند أبو الفرج في مقاتل الطالبيّين / ٧٤. ذكر عقبة: عتبة بن سمعان الكلبي، وروى المفيد الخبر في الإرشاد / ٢٢٦.

١٨٨

فقال له ابن زياد: لا تعلّمنّي بأشراف أهل الكوفة، ولست أستأمرك فيمَن أريد أنْ أبعث، إنْ سرت بجندنا وإلاّ فابعث إلينا بعهدنا. فلمّا رآه قد لجّ، قال: فإنّي سائر.

قال: فأقبل في أربعة آلاف(١) حتّى نزل بالحسينعليه‌السلام من الغد من يوم نزل الحسينعليه‌السلام نينوى.

قال: فبعث عمر بن سعد إلى الحسينعليه‌السلام عزرة بن قيس الأحمسي(٢) ، فقال: ائته فسله ما الذي جاء به؟ وماذا يُريد؟ وكان عزرة ممّن كتب إلى الحسينعليه‌السلام ، فاستحيا منه أنْ يأتيه.

قال: فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلّهم أبى وكرهه.

قال: وقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي - وكان فارساً شجاعاً لا يردّ وجهه شيء - فقال: أنا أذهب إليه، والله، لئن شئت لأفتكنّ به(٣) . فقال عمر بن سعد: ما أريد أنْ يُفتك به، ولكن ائته فسله ما الذي جاء به؟

____________________

(١) وكذلك الإرشاد / ٢٢٧. ونقل عن مقتل محمّد بن أبي طالب ما حاصله: أنّ ابن زياد سيّر ابن سعد إلى الحسينعليه‌السلام في تسعة الآف، ثمّ يزيد بن ركاب الكلبي في ألفين، والحصين بن تميم السّكوني في أربعة الآف، وفلان المازني في ثلاثة الآف، ونصر بن فلان في ألفين، فذلك عشرون ألفاً مأبين فارس وراجل.

وذكر الشافعي في كتابه مطالب السّؤول: أنّهم كانوا اثنين وعشرين ألفاً. وروى الشيخ الصدوق في أماليه بسنده عن الصادقعليه‌السلام : أنّهم ثلاثون ألف. الأمالي / ١٠١، ط بيروت.

ألفاً وروى سبط ابن الجوزي عن محمّد بن سيرين أنّه كان يقول: وقد ظهرت كرامة علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذا، فإنّه لقي عمر بن سعد يوماً وهو شاب، فقالعليه‌السلام :« ويحك يابن سعد! كيف بك إذا قمت يوماً مقاماً تُخيّر فيه بين الجنّة والنّار، فتختار النّار؟! » . ٢٤٧، ط النّجف.

(٢) وذكره المفيد في الإرشاد: عروة بن قيس. وقد مضت ترجمته فيمَن كتب إلى الإمامعليه‌السلام من أهل الكوفة من المنافقين الاُمويّين.

(٣) شهد مقتل الحسينعليه‌السلام وروى خطبة زهير بن القين ٥ / ٤٢٦.

وهو الذي شرك مع المهاجر بن أوس في قتله ٥ / ٤٤١، وهو الذي تبع الضحّاك بن عبد الله المشرقي الهمداني ليقتله، فلمّا عرفه أنّه من همدان قال: هذا ابن عمّنا، فكفّ عنه ٥ / ٤٤٥.

١٨٩

قال: فأقبل إليه، فلمّا رآه أبو ثمامة الصائدي(١) قال للحسينعليه‌السلام : أصلحك الله أبا عبد الله! قد جاءك شرّ أهل الأرض وأجرؤه على دم وأفتكه، فقام إليه فقال: ضع سيفك. قال: لا والله ولا كرامة، إنّما أنا رسول فإنْ سمعتم منّي أبلغتكم ما أرسلت به إليكم، وإنْ أبيتم انصرفت عنكم. فقال له: فإنّي آخذ بقائم سيفك ثمّ تكلّم بحاجتك. قال: لا والله، لا تمسسه. فقال له: أخبرني ما جئت به وأنا أبلغه عنك ولا أدعك تدنو منه؛ فإنّك فاجر. فاستبّا، ثمّ انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر.

قال: فدعا عمر قرّة بن قيس الحنظلي، فقال له: ويحك يا قرّة! ألقِ حسيناًعليه‌السلام فسله ما جاء به؟ وماذا يُريد؟

قال: فأتاه قرّة بن قيس، فلمّا رآه الحسين مقبلاً قالعليه‌السلام :« أتعرفون هذا؟ » . فقال حبيب بن مظاهر(٢) : نعم، هذا رجل من حنظلة تميمي، وهو ابن أختنا ولقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد(٣) .

قال: فجاء حتّى سلّم على الحسينعليه‌السلام وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه، له.

فقال الحسينعليه‌السلام :« كتب إليّ أهل مصركم هذا: أن أقدم، فأمّا

____________________

(١) سبقت ترجمة صفحة / ١١٥.

(٢) هذا أول ذكره في أخبار كربلاء، ولمْ يذكر كيف وصل إليها؟ وقد مضت ترجمته في زعمّاء الشيعة الذين كتبوا إلى الإمامعليه‌السلام من الكوفة، وسيأتي في مقتله ذكر جوانب من حياته.

(٣) كان مع الحرّ بن يزيد الرياحي، فيروى عنه عدي بن حرملة الأسدي أنّه كان يقول: والله، لو أنّه أطلعنّي على الذي يُريد لخرجت معه إلى الحسينعليه‌السلام ٥ / ٤٢٧. ويروي عنه أبو زهير العبسى خبره عن مرور نساء الحسينعليه‌السلام على مقتله وأهل بيته، ورثاء زينب لأخيها (عليهما‌السلام ) ٥ / ٤٥٦.

وقد دعاه حبيب بن مظاهر إلى نصرة الإمامعليه‌السلام وأنْ لا يرجع إلى الظالمين، فقال له قرّة: أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي. ولكنّه إلى عمر بن سعد فلمْ يرجع عنه إلى الحسين حتّى قُتلعليه‌السلام ٥ / ٤١١، والإرشاد / ٢٢٨.

١٩٠

إذ كرهوني، فأنا أنصرف عنهم ».

قال: فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر.

فقال له عمر بن سعد: إنّي لأرجو أنْ يُعافيني الله من حربه وقتاله [ وكتب إلى ابن زياد بذلك. وهذه نهاية التتمّة من رواية غير أبي مخنف ].

[ كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد ]

جاء كتاب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد، فإذا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم

أمّا بعد:

فإنّي حيث نزلت بالحسينعليه‌السلام بعثت إليه رسولي، فسألته عمّا أقدمه، وماذا يطلب ويسأل؟

فقالعليه‌السلام :« كتب إليّ أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت، فأمّا إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني رسلهم، فأنا منصرف عنهم » .

فلمّا قُرئ الكتاب على ابن زياد، قال:

الآن إذ علقت مخالبنا به

يرجو النّجاة ولات حين مناص

[ كتاب ابن زياد إلى ابن سعد جواب ]

وكتب إلى عمر بن سعد:

بسم الله الرحمن الرحيم

أمّا بعد:

فقد بلغني كتابك، وفهمت ما ذكرت، فاعرض على الحسين أنْ يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا، والسّلام.

فلمّا أتى عمر بن سعد الكتاب، قال: قد حسبت أنْ لا يقبل ابن زياد العافية(١) .

____________________

(١) قال أبو مخنف: حدّثني النّضر بن صالح بن حبيب بن زهير العبسي، عن حسان بن فائد بن بكير العبسي، قال: أشهد أنّ كتاب عمر بن سعد جاء ٥ / ٤١١، والإرشاد / ٢٢٨.

١٩١

[ لقاء ابن سعد مع الإمامعليه‌السلام ]

[ و ] بعث الحسينعليه‌السلام إلى عمر بن سعد: عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري(١) :« أنْ ألقني اللّيل بين عسكري وعسكرك ».

فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارساً، وأقبل حسينعليه‌السلام في مثل ذلك، فلمّا التقوا أمر حسينعليه‌السلام أصحابه، أنْ يتنحّوا عنه، وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك.

فتكلّما فأطالا حتّى ذهب من اللّيل هزيع، ثمّ انصرف كلّ واحد منهما إلى عسكره بأصحابه.

وتحدّث النّاس فيما [ دار ] بينهما ظنّاً، يظنّون أنّ حسيناًعليه‌السلام قال لعمر بن سعد:« أخرج معي إلى يزيد بن معاوية وندع العسكرين ». قال عمر: إذن، تُهدم داري. قالعليه‌السلام :« أنا ابنيها لك ». قال: إذن، تؤخذ ضياعي. قالعليه‌السلام :« إذن، أعطيك خيراً منها من مالي بالحجاز » . فتكرّه ذلك عمر.

تحدّث النّاس بذلك وشاع فيهم، من غير أنْ يكونوا سمعوا من ذلك شيئاً ولا علّموه(٢) .

[ و ] قالوا: أنّه قالعليه‌السلام :« اختاروا منّي خصالاً ثلاثاً:

____________________

(١) كان مع الحسينعليه‌السلام ، وكان أخوه علي بن قرظة مع عمر بن سعد، فلمّا قُتل أخوه عمرو حمل على أصحاب الحسينعليه‌السلام لينتقم لأخيه، فطعنه نافع بن هلال المرادي فصرعه فحمله أصحابه، ودُووي بعد فبرأ ٥ / ٤٣٤.

(٢) حدّثني أبو جناب: عن هانئ بن ثبيت الحضرمي، وكان قد شهد قتل الحسينعليه‌السلام مع عمر بن سعد، ويظهر من نفس هذا الخبر، أنّه كان من الفرسان العشرين الذين خرجوا مع عمر بن سعد في اللّيل للقاء الإمامعليه‌السلام . قال: فانكشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما ولا كلامهما ٥ / ٤١٣، والإرشاد / ٢٢٩.

وقال سبط ابن الجوزي: إنّ عمر هو الذي بعث إليه يطلب الاجتماع به، فاجتمعا خلوة / ٢٤٨، ط النّجف.

١٩٢

١ - إمّا، أنْ أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه.

٢ - وإمّا، أنْ أضع يدي في يدي يزيد بن معاوية، فيرى فيما بيني وبينه رأيه.

٣ - وإمّا، أنْ تسيّروني إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم، فأكون رجلاً من أهله لي ما لهم وعليّ ما عليهم » (١) .

[ و ] قال عقبة بن سمعان: صحبت حسيناًعليه‌السلام فخرجت معه من المدينة إلى مكّة، ومن مكّة إلى العراق ولمْ أفارقه حتّى قُتل. وليس من مخاطبة النّاس كلمة بالمدينة ولا بمكّة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكره إلى يوم مقتله إلاّ سمعتها، ألاَ والله، ما أعطاهم ما يتذاكر النّاس وما يزعمون: من أنْ يضع يده في يد يزيد بن معاوية، ولا أنْ يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنّه قالعليه‌السلام :« دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتّى ننظر ما يصير أمر النّاس » (٢) .

[ كتاب عمر بن سعد إلى ابن زياد ثانياً ]

فكتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد:

أمّا بعد:

فانّ الله قد أطفأ النّائرة، وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمّة، هذا حسينعليه‌السلام قد أعطاني أنْ يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أنْ نسيّره إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئنا، فيكون رجلاً من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أنْ يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا لكم رضاً وللاُمّة صلاح.

فلمّا قرأ عبيد الله الكتاب، قال: هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على

____________________

(١) ما عليه جماعة المحدّثين، وحدّثنا به المجالد بن سعيد والصقعب بن زهير الأزدي، وغيرهما قالوا ٥ / ٤١٣، وأبو الفرج / ٧٥، ط النّجف.

(٢) فأمّا عبد الرحمن بن جندب، فحدّثني عن عقبة بن سمعان، قال ٥ / ٤١٣، والخواص / ٢٤٨ مختصراً.

١٩٣

قومه نعم، قد قبلت.

فقام إليه شمر بن ذي الجوشن(١) ، فقال: أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك إلى جنبك؟ والله، لئن رحل من بلدك ولمْ يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة والعزّة، ولكتوننّ أولى بالضعف والعجز، فلا تعطِ هذه المنزلة فإنّها من الوهن، ولكن ينزل على حكمك(٢) هو وأصحابه، فإنْ عاقبت فأنت وليّ العقوبة، وإنْ غفرت كان ذلك لك، والله، لقد بلغني أنّ حسيناً وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدّثان عامّة اللّيل.

فقال له ابن زياد: نعم ما رأيت! الرأي رأيك(٣) .

[ كتاب ابن زياد إلى ابن سعد وجوابه ثانياً ]

ثم كتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد:

أما بعد:

فإنّي لمْ أبعثك إلى حسينعليه‌السلام لتكفّ عنه ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السّلامة والبقاء ولا لتقعد له عندي شافعاً ...، انظر: فإنْ نزل حسينعليه‌السلام وأصحابه على الحكم واستسلموا، فابعث بهم إليّ سلماً، وإنْ أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتمثّل بهم؛ فإنّهم لذلك مستحقون، فإنْ قُتل حسينعليه‌السلام فأوطئ الخيل صدره وظهره؛ فإنّه عاقّ شاقّ قاطع ظلوم! وليس دهري في هذا أنْ يضرّ بعد الموت شيئاً، ولكن عليّ قول: لو قد قتلته فعلت هذا به إنْ أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السّامع المطيع، وإنْ أبيت فاعتزل عملنا وجندنا، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنّا قد أمرناه بأمرنا،

____________________

(١) مضت ترجمته فيمَن كان من الأشراف مع ابن زياد في القصر.

(٢) ورواه السّبط مختصراً / ٢٤٨، وزاد: أنّه كتب في أسفل الكتاب:

الآن حين تعلقته حبالنّا

يرجو النّحاة، ولات حين ماص

(٣) حدّثني المجالد بن سعيد الهمداني والصقعب بن زهير ٥ / ٤١٤، والإرشاد / ٢٢٩.

١٩٤

والسّلام(١) .

ثمّ إنّ عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن، فقال له: اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد، فليعرض على الحسينعليه‌السلام وأصحابه النّزول على حكمي، فإنْ فعلوا فليبعث بهم إليّ سلماً، وإنْ هم أبوا فليُقاتلهم، فإنْ فعل فامسع له وأطع، وإنْ هو أبى فقاتلهم فأنت أمير النّاس، وثب عليه فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه(٢) [ يعنّي: ابن سعد ].

[ و ] لمّا قبض شمر بن ذي الجوشن الكتاب قام هو وعبد الله بن أبي المحل بن حزام (الكلبي)، فقال عبد الله:

أصلح الله الأمير! إنّ بني أختنا [ اُمّ البنين: العبّاس وعبد الله، وجعفراً وعثمان ] مع الحسينعليه‌السلام فإنْ رأيت أنْ تكتب لهم أماناً فعلت.

قال [ ابن زياد ]: نعم، ونعمة عين!

فأمر كاتبه فكتب لهم أماناً

فبعث به عبد الله بن أبي المحل [ بن حزام الكلبي ] مع مولى له، يُقال له: كزُمان.

[ قدوم شمر بالكتاب إلى ابن سعد ]

[ و ] أقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد، فلمّا قدم به عليه [ و ] قرأه، قال له عمر: ويلك مالك! لا قرّب الله دارك، وقبّح الله ما قدمت به عليّ! والله، لأظنّك أنت ثنيته أنْ يقبل ما كتبت به إليه، أفسدت علينا أمراً كنّا رجونا أنْ يصلح، لا يستسلم والله، حسينعليه‌السلام إنّ نفساً أبية

____________________

(١) حدّثني أبو جناب الكلبي، قال ٥ / ٤١٥، والإرشاد / ٢٢٩، والخواص / ٢٤٨.

(٢) حدّثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال ٥ / ٤١٤، والإرشاد / ٢٢٩.

١٩٥

لبين جنبيّه.

فقال له شمر: أخبرني ما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك وتقتل عدوّه! وإلاّ فخلِّ بيني وبين الجند والعسكر.

قال: لا، ولا كرامة لك، وأنا أتولّى ذلك، فدونك وكن أنت على الرّجال.

[ أمان ابن زياد للعبّاس وأخوته ]

قال: وجاء شمر حتّى وقف على أصحاب الحسينعليه‌السلام ، فقال: أين بنو أختنا؟ فخرج إليه العبّاس وجعفر وعثمان بنو عليعليه‌السلام ، فقالوا: مالك وما تريد؟

قال: أنتم يا بنو أُختي، آمنون.

قال له الفتية: لعنك الله ولعن أمانك - لئن كنت خالنّا - أتؤمّنُنا وابن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا أمان له؟

[ و ] لمّا قدم عليهم كزُمان مولى عبد الله بن أبي المحل [ بن حزام الكلبي ] دعاهم، فقال: هذا أمان بعث به خالكم.

فقال له الفتية: اقرئ خالنّا السّلام، وقل له: أنْ لا حجّة لنا في أمانكم، أمان الله خير من أمان ابن سميّة(١) .

[ و ] جاء كتاب من عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد:

أما بعد:

فحلْ بين الحسينعليه‌السلام وأصحابه وبين الماء، ولا يذوقوا منه قطرة كما

____________________

(١) وفي الإرشاد / ٢٣٠، والتذكرة / ٢٤٩.

١٩٦

صنع بالتقيّ الزكيّ المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفّان.

قال: فبعث عمر بن سعد: عمرو بن الحجّاج(١) على خمسمئة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين حسينعليه‌السلام وأصحابه وبين الماء أنْ يسقوا منه قطرة، وذلك قبل قتل الحسينعليه‌السلام بثلاث.

قال: ولمّا اشتدّ على الحسينعليه‌السلام وأصحابه العطش دعا العبّاس بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أخاه فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً، وبعث معهم بعشرين قربة. فجأوا حتّى دنوا من الماء ليلاً، واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي(٢) ، فقال عمرو بن الحجّاج الزبيديّ: مَن الرّجل؟ [ فقال: نافع بن هلال ].

فقال: ما جاء بك؟ قال: جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأ تمونا عنه. قال: فاشرب هنيئاً. قال: لا والله، لا أشرب منه قطرة وحسينعليه‌السلام عطشان ومَن ترى من أصحابه [ - وأشار إلى أصحابه - ] فطلعوا عليه. فقال: لا سبيل إلى سقي هؤلاء، إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء.

(و) لمّا دنا من [ نافع الرّجّالة من ] أصحابه قال [ لهم ]: املأوا قربكم. فشدّ الرّجّالة فملأوا قربهم.

وثار إليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه، فحمل عليهم العبّاس بن علي ونافع بن هلال، فكفّوهم ثمّ انصرفوا إلى رجالهم. فقالوا [ لهم ]: امضوا، وقفوا

____________________

(١) مضت ترجمته فيمَن كان من الأشراف، مع ابن زياد في القصر.

(٢) كان قد بعث بفرسه مع الأربعة نفراً من الكوفة إلى الامامعليه‌السلام في الطريق مع الطرّماح بن عدي، وهذا أول خبر يُعلم منه وصوله إلى الامامعليه‌السلام في كربلاء، وهو الذي طعن علي بن قرظة الأنصاري - أخا عمرو بن قرظة -. وكان مع عمر بن سعد ٥ / ٤٣٤.

وكان قد كُتب اسمه على أفواق نبله، فقتل بسهامه اثنى عشر رجلاً منهم حتّى كُسرت عضداه، وأخذه شمر أسيراً ثمّ قتله بعد أنْ مضى به إلى ابن سعد ٥ / ٤٤٢.

١٩٧

دونهم، فعطف عليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه واطّردوا قليلاً، وجاء أصحاب حسينعليه‌السلام بالقرب فأدخلوها عليه.

وطعن نافع بن هلال [ في تلك اللّيلة ] رجلاً من أصحاب عمرو بن الحجّاج [ و ] انتقضت [ الطعنة ] بعد ذلك فمات منها(١) [، فهو أول قتيل من القوم جُرح تلك اللّيلة ].

____________________

(١) حدّثني سليمان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم الأزدي قال ٥ / ٤١٢. وأبو الفرج، عن أبي مخنف بنفس السّند / ٧٨. والمفيد في الإرشاد / ٢٢٨: عن حميد بن مسلم.

١٩٨

[ زحف ابن سعد إلى الحسينعليه‌السلام ]

قال: ثمّ إنّ عمر بن سعد نادى بعد صلاة العصر: يا خيل الله اركبي وأبشري! فركب النّاس، ثمّ زحف نحو [ الحسين وأصحابهعليه‌السلام ].

و[ كان ] حسينعليه‌السلام جالسّا أمام بيته محتبياً بسيفه، إذ خفق برأسه على ركبته.

وسمعت أخته زينب الصيحة فدنت من أخيها، فقالت: يا أخي أمَا تسمع الأصوات قد اقتربت؟

فرفع الحسينعليه‌السلام رأسه، فقالعليه‌السلام :« إنّي رأيت رسول الله (صلّى الله عليه [ وآله ]) في المنام، فقال لي: إنّك تروح إلينا ». فلطمت أخته وجهها، وقالت: يا ويلتا! فقالعليه‌السلام :« ليس لك الويل يا أُخيّة، أسكتي رحمك الرّحمن! » .

وقال العبّاس بن عليعليه‌السلام : يا أخي: أتاك القوم.

فنهض [ الحسينعليه‌السلام ] ثمّ قالعليه‌السلام :« يا عبّاس، اركب بنفسي أنت يا أخي حتّى تلقاهم فتقول لهم: ما لكم؟ وما بدالكم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم؟ ».

فاستقبلهم العبّاس في نحو من عشرين فارساً فيهم زهير بن القين، وحبيب بن مظاهر(١) ، فقال لهم العبّاس: ما بدالكم؟ وماذا تريدون؟

____________________

(١) مضت ترجمته فيمَن كتب إلى الإمامعليه‌السلام من شيعته من أهل الكوفة.

١٩٩

قالوا: جاء أمر الأمير، بأنْ نعرض عليكم أنْ تنزلوا على حكمه أو نُنازلكم. قال: فلا تعجلوا حتّى ارجع إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام فأعرض عليه ما ذكرتم.

فوقفوا [ و ]، قالوا: ألقه فأعلمه ذلك، ثمّ ألقنا بما يقول.

فانصرف العبّاس راجعاً يركض إلى الحسينعليه‌السلام يُخبره بالخبر. ووقف أصحابه يخاطبون القوم ...، فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين: كلّم القوم إنْ شئت، وإنْ شئت كلّمتهم. فقال له زهير: أنت بدأت بهذا فكن أنت تكلّمهم.

فقال له حبيب بن مظاهر: أمَا والله، لبئس القوم عند الله غداً قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيّهعليهم‌السلام وعترته وأهل بيته (صلّى الله عليه [ وآله ])، وعبّاد أهل هذا المصر المجتهدين بالسّحر والذاكرين الله كثيراً. [ قال هذا لزهير بن القين بحيث يسمعه القوم، فسمعه منهم عزرة بن قيس ].

فقال له عزرة بن القيس(١) : إنّك لتزكّي نفسك ما استطعت.

فقال له زهير: يا عزرة، إنّ الله قد زكّاها وهداها، فاتّق الله يا عزرة؛ فإنّي لك من النّاصحين، أنشدك الله يا عزرة - أنْ تكون ممّن يُعين الضلاّل على قتل النّفوس الزكية.

قال [ عزرة بن قيس ]: يا زهير , ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت، إنّما كنت عثمانيّاً(٢) .

قال: أفلستَ تستدلّ بموقفي هذا إنّي منهم؟ أمَا والله، ما كتبت إليه كتاباً قط، ولا أرسلت إليه رسولاً قط، ولا وعدته نصرتي قط، ولكنّ الطريق جمع بيني وبينه، فلمّا رأيته ذكرت به رسول الله (صلّى الله عليه [ وآله ]) ومكانه منه،

____________________

(١) مضت ترجمته فيمَن كتب إلى الإمامعليه‌السلام من أهل الكوفة من المنافقين.

(٢) هذا أول مرّة يرد فيه هذا اللقب لزهير بن القين في حديث كربلاء، وهو أوّل عنوان للتفرقة بين المسلمين في الاختلاف في عثمان بن عفّان، أهو على الحقّ أو الباطل؟

فكان، يُقال: لمََن يتولّى عليّاًعليه‌السلام : علوي أو شيعي. ولمَن يتولّى عثمان - ويقول أنّه كان على حقّ وقُتل مظلوماً - يُقال له: عثماني.

٢٠٠