أهل البيت في تفاسير أهل السنة

أهل البيت في تفاسير أهل السنة0%

أهل البيت في تفاسير أهل السنة مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 480

أهل البيت في تفاسير أهل السنة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ نزار الحسن
تصنيف: الصفحات: 480
المشاهدات: 39611
تحميل: 5617

توضيحات:

أهل البيت في تفاسير أهل السنة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 480 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39611 / تحميل: 5617
الحجم الحجم الحجم
أهل البيت في تفاسير أهل السنة

أهل البيت في تفاسير أهل السنة

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

أئمة أهل البيت عليهم السلام في كتب أهل السنة

الشيخ حكمت الرحمة

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

مقدّمة المؤسّسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله أوّلاً وآخراً، وله الشكر واجباً، ثمّ الصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله الطيّبين الطاهرين، اللّهم صلِّ عليهم كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد.

وبعد:

لم يأتِ في شريعة من الشرائع السماويّة حثٌّ وتأكيد على طلب العلم مثل ما جاء في شريعة الإسلام، بل لا غَرْو لو قيل إنّ الإسلام والعلم صنوان لا يفترقان.

فالمتتبّع للتراث الإسلامي يجد هذه الحقيقة جليّة نُصْب عينيه لا تحتاج معها إلى عناء البحث والتدقيق، بل ورد في تراثنا الإسلامي الأصيل طرق وآداب وأحكام لطلب العلم ما يُبهر العقول.

حتّى أنّ المشرّع الإسلامي دخل في الآداب الدقيقة بين المعلّم والمتعلّم كما هو شأنه في مجالات الحياة الأخرى، فقد وُضع لكلّ شيء قواعد وضوابط.

ولعلّ واحدة من أروع قواعد العلم التي حثّ عليها المشرّع الإسلامي هي تعقّل العلم، وعدم الاكتفاء بنقله، وهذا ما أكّدت عليه النصوص الإسلاميّة بمشاربها المختلفة.

فقد ورد عن أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) قوله: ( اعقلوا الخبر إذا سمعتموه

٥

عقل رعاية لا عقل رواية، فإنّ رواة العلم كثير، ورعاته قليل ) (1) .

ومن هنا خطت مؤسّستنا خطواتها الواثقة في إبراز مكانة أهل البيت ( عليهم السلام ) ونشْر علومهم، اعتماداً على الأدلّة الناصعة والبراهين القاطعة التي استقتْها من الكتاب والسنّة، متخذةً المنهج العلمي الصحيح في دراسة الأدلّة والوصول من خلالها إلى نور الحقيقة.

لذا، احتضنتْ مجموعة من المؤلّفين والباحثين والمحقّقين، ووفّرت لهم السبل الكفيلة للوصول إلى هذا الغرض المنشود.

وكان من بينهم كاتبنا: ( الشيخ حكمت الرحمة ) ، وكتابه الموسوم: ( أئمّة أهل البيت في كتب أهل السنّة ) الماثل بين يدي قارئنا الكريم.

حيث تناول فيه الكاتب قضيّة طالما أُريد طمسها وإخفاؤها عن الملأ الإسلامي، أَلاَ وهي مكانة ومرجعيّة أهل البيت ( عليهم السلام ) في الواقع الإسلامي، والتي لا يخفى ما لها من تأثير فعّال في مُجمل حركة الفرد والمجتمع، مستنداً في بحثه على ما ورد في كتب أهل السنّة من روايات وأخبار صحيحة على مبانيهم الحديثيّة، وما ضمّتْه كتبهم بين دفّاتها من أقوال علمائهم وأعلامهم، مثبّتاً - بما لا يقبل الشكّ - أنّ لأهل هذا البيت ( عليهم السلام ) مقاماً سامياً أراده الله لهم، وتراثاً علميّاً ضخماً، ومحوريّة ومركزيّة في المجتمع الإسلامي أجمع.

فعلى مدى أحد عشر فصلاً عقدها في تتبّع تلك الآثار والروايات والأقوال من كتب أخواننا أهل السنّة، أفضى بنا إلى نتيجة قطعيّة وهي اتّفاق كلمة

____________________

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: 18/254، دار إحياء التراث العربي.

٦

المسلمين بكلّ مشاربهم ومذاهبهم على هذه الحقيقة.

فلذا يتّضح جليّاً أنّ أتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) لم يتّبعوهم لهوىً أو عصبيّة، وإنّما وجدوا الحقّ معهم واضحاً، والطريق إليهم لاحِبَاً، والتمسّك بهم واجباً، واتّضح أيضاً أنّ لهم علوماً غزيرة وتراثاً فكريّاً ضخماً شهد به كبار علمائهم وأعلامهم؛ لذا حقّ لمؤلّفنا أنْ يتساءل في خاتمة كتابه عن سرّ عدم وجود هذا التراث الضخم في كتب أخواننا أهل السنّة، ونحن نشاطره هذا التساؤل؛ إذ لا يُعقل أبداً القول بأنّ هذا التراث قد فُقد، فهو ليس بكتاب أو كتابين، أو تراثٍ لشخصٍ مجهول مهمل خامل الذكر، بل هو تراث مَن قال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) بحقّهم في الحديث الصحيح، بل المتواتر:

( إنّي تارك فيكم ما إنْ تمسّكتم بهما لنْ تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ).

وقبل أنْ نترك قارئنا الكريم وهو يتصفّح طيّات هذا الكتاب لا يفوتنا أنْ نشكر كلّ مَن ساهم في إخراجه، سائلين المولى الكريم - جلّت أسماؤه - التوفيق لما فيه خير الدارين، ومستمدّين منه العون، إنّه نعم المولى ونعم النصير.

مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة

٧

٨

مقدّمة المؤلّف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين، وبعد:

فإنّ الحقيقة هدف سامٍ يَنشده كلّ الأحرار، وضالّة يسعى نحوها العقلاء، ويتحرَّون مختلف الأساليب في الوصول إليها، فالاندفاع نحو معرفتها أمر فطري جُبلتْ عليه النفوس وسار عليه بنو البشر، بل صار معشوقهم الذي يهفون نحوه ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل الحصول عليه.

والحقيقة مع ما لها من نور جلي واضح، إلاّ أنّها قد تَخفى أحياناً وتتراكم عليها سُحُب داكنة تحول دون ظهور نورها المُشرِق.

بَيْد أنّ تلك السُحُب مهما كانت قاتمة ومتراكمة، لكن لا يسعها أنْ تُدْرِس أثر الحقيقة أو تكتم أنفاسها إلى الأبد، فإنّ هناك قبسات من وَهَجها تبقى هنا وهناك، تُنير درب الساعي إليها وتوصله إلى ضالّته المنشودة.

وهذا الوصول يحتاج إلى قلوب تتعشّق تلك الحقيقة، وتُنْصِف السير نحوها، بعيداً عن التمسّك بتلك الأوهام التي حاولت طمس الحقيقة، والحيلولة دون بزوغ شمسها المتوهّجة.

وتحتاج أيضاً إلى مَن يَنفض عنها تلك التراكمات؛ ليظهر نورها ساطعاً جليّاً، وتعود مشرقة زاهرة تسرّ الناظرين.

وفي تاريخنا الإسلامي تلاطمتْ أمواج الحقّ بالباطل كثيراً، وانتشرت الفتن، وقَوِيَتْ الصراعات، وأخذتْ كثير من الأيدي تُزيِّف الحقائق وتضع

٩

الأخبار وتُضلّل الأفكار والعقول؛ خدمةً لأغراضها ومصالحها الشخصيّة، فاختفتْ وغُيّبت - لأجل ذلك - كثير من الحقائق.

ومن أبرز الحقائق التي أُريد تغييبها وطمسها هي: محوريّة أهل البيت ومركزيّتهم ومرجعيّتهم، وسموّ وجلالة قدرهم.

فحيكت ضدّهم المؤامرات ومورستْ تجاههم شتّى أنواع الضغوط والحروب، وعُمِل على فصلهم عن المجتمع الإسلامي وفصل المجتمع الإسلامي عنهم.

يقول المَنَاوِي معلّقاً على حديث ( إنّكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي ) :

( هذا من معجزاته الخارقة؛ لأنّه إخبار عن غيبٍ وقد وقع، وما حلّ بأهل البيت بعده من البلاء أمر شهير، وفي الحقيقة البلاء والشقاء على مَن فعل بهم ما فعل ) (1) .

فما لقيه أهل البيت ( عليهم السلام ) من الظلم والجور والاضطهاد والتنكيل أمر مشهور لا يخفى على أحد، وكأنّ النبي لم يوصِ بهم ولم ينوّه إلى عظم منزلتهم، مع أنّ حديث الثقلين ( الأمر بالتمسّك بالكتاب والعترة ) لوحده كافٍ في معرفة قدْر أهل البيت وعظيم منزلتهم، فكيف إذا أضفنا إليه العديد من الآيات والروايات الدالّة على جلالتهم، بل ووجوب اتّباعهم، لكنّ الضمائر الميّتة أبت إلاّ أنْ تعمل على تغييب الحقيقة وطمْسها بشتّى الوسائل، فمضافاً إلى القتل والتشريد راحتْ الأقلام - بغضاً لأهل البيت - تضع فضائل لمناوئيهم وأعدائهم، كما عمد الكثير إلى تضعيف الروايات الواردة في

____________________

(1) فيض القدير شرح الجامع الصغير: 2 / 701، دار الكتب العلميّة.

١٠

حقّهم ( عليهم السلام ).

وكان لهذا التغييب الإعلامي - والذي استمرّ إلى اليوم - أثر كبير في تشويش ذهنيّة المسلمين وإبعادهم عن هذا الخط الإسلامي الأصيل، حتّى أنّ الكمَّ الهائل من مثقّفي أهل السنّة لا يعرف إلى اليوم مَن هو جعفر الصادق ومحمّد الباقر وغيرهم من أئمة أهل البيت؛ لأنّه لم يسمع من علمائه مديحاً واحداً حول هذه الشخصيّات المباركة، ولم يعرف قدرهم ومركزيّتهم في العالم الإسلامي.

ومن أجل الكشف عن هذه الحقيقة المغيَّبة، ارتأينا أنْ نكتب كتاباً نستلّ فيه مِن طَيّات كتب أهل السنّة ما يوضّح جلالة قدر أهل البيت وعظم منزلتهم؛ فإنّ هناك الكثير من الكلمات لعلماء وأعلام أهل السنّة في بيان سموّ مقام أهل البيت ظلّت مختبئة بين دفّات الكتب ولم ترَ النور، ولم يتسنّ للقارئ السُنّي معرفتها، بل لعلّه لم يتصوّر يوماً أنّه سيجد مثل هذه الكلمات في كتب علمائه وأعلامه، هذا فضلاً عمّا سيجده من الآيات والروايات الواردة في بيان مقامهم ( عليهم السلام ).

لذا، فإنّ كتابي هذا جاء موجّهاً لقرّائي الأعزّاء من الأخوة من أهل السنّة، خصوصاً الطبقة المثقّفة منهم من أساتذة وطلبة وأدباء وشعراء وغيرهم؛ ليروا منزلة أهل البيت ثمّ ليحكموا بما يُمليه عليهم الضمير الحر.

وقد جاء الكتاب مرتّباً على أحد عشر فصلاً وخاتمة وملحق.

* تضمّن الفصل الأوّل - الذي حمل اسم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) - بعضاً من الآيات القرآنيّة والروايات الواردة في عموم أهل البيت بما

١١

فيهم علي بن أبي طالب ( عليهم السلام )، أو المختصّة به سلام الله عليه، مع بيان مختصر لدلالاتها، ولم نتطرّق فيه إلى ذكر كلمات علمائهم في حقّه؛ لأنّ ذلك بيّن غير خافٍ، وفي الآيات والروايات غنًى وكفاية، لكن تناولنا فيه بعض كلمات العلماء الدالّة على أنّ علياً ( عليه السلام ) أكثر الصحابة فضائل.

* وجاء الفصل الثاني - الذي حمل اسم: الحسن والحسين عليهما السلام - شبيهاً بسابقه، حيث اقتصرنا فيه على ذكر بعض الآيات والروايات الشاملة لأهل البيت بما فيهم الحسن والحسين عليهما السلام، أو المختصّة بهما من دون تطرّق إلى كلمات العلماء في حقّهما.

وكان منهجنا في هذين الفصلَين الاقتصار على ما صحّ عند علماء أهل السنّة من الروايات، من دون تعرّض إلى الروايات الضعيفة على مبانيهم إلاّ على سبيل الشاهد، والمتابع ونحوهما.

* وتعرّضنا في الفصول: الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، التاسع، العاشر - وهي الفصول التي حملتْ عناوينها أسماء الأئمّة من علي بن الحسين وإلى الحسن العسكري عليهم جميعاً سلام الله، تعرّضنا إلى كلمات علماء وأعلام أهل السنّة في القرون المختلفة الدالّة على عظم وجلالة قدر ومقام أهل البيت ( عليهم السلام )، وأنّهم كانوا من أكابر العلماء والفقهاء والأجلاّء...

* أمّا الفصل الحادي عشر - آخر فصول الكتاب - وهو الفصل المتعلّق بالإمام المهدي ( عليه السلام ) ، فقد أشرنا في بداية الفصل - باختصار - إلى مسألة المهدويّة في الفكر الإسلامي، ثمّ سلّطنا الضوء على مسألة ولادة محمّد بن الحسن ( عليه السلام )، وذكرنا طائفتَين من أقوال علماء وأعلام أهل السنّة في ذلك.

١٢

* وفي جميع فصول الكتاب قدّمنا تعريفاً مجملاً عن الإمام الذي يحمل عنوانُ الفصلِ اسمَه؛ ليكون مدخلاً إلى معرفة الإمام ( عليه السلام )، ولم نلتزم في مقدّمات الفصول بالاقتصار على ما ورد عند أهل السنّة، بل أخذنا فيه من كتب الشيعة أيضاً؛ لأنّها لم ترد في مقام الاحتجاج.

* وفي الخاتمة أشرنا إلى أمرين في غاية الأهمِّيّة، يتعلّقان بمسألة تمسّك علماء أهل السنّة بأئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ).

* أمّا الملحق فأثبتنا فيه ترجمة لأكثر الشخصيّات التي قالت بولادة محمّد بن الحسن أو بمهدويّته - عجّل الله تعالى فرجه الشريف -.

* هذا مجمل ما أثبتناه في هذا الكتاب، وينبغي أنْ ننوّه إلى عدّة أمور:

الأوّل:

إنّ الكلمات التي ذكرناها في الكتاب لم تُخصَّص بفرقة من أهل السنّة دون أخرى، فدوّنا كلمات علماء الأشاعرة، والمعتزلة، والسلفيّة، والصوفيّة من دون إشارة إلى معتقده؛ لأنّ الكل يُعدّ من علماء وأعلام أهل السنّة.

الثاني:

إنّ الصلاة على النبي محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) الواردة في هذا الكتاب أثبتناها كما ذكروها في نصوصهم من دون تصرّف بها، أمانةً منّا للنقل، فما كان فيهم مَنْ ذكر الآل ذكرناها، ومَن اقتصر على الصلاة البتراء ولم يذكر الآل أثبتناها أيضاً كما هي.

الثالث:

إنّ هذا الكتاب جاء مختصراً سواء في ذكر الروايات أمْ الأقوال؛ ليسهل تناوله وقراءته، ويكون مفتاحاً لرؤية نور الحقيقة.

١٣

وفي الختام أقدّم شكري وامتناني إلى مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلاميّة لدعمها هذا المشروع ورعايته بصورة كاملة.

كما أقدّم جزيل امتناني إلى جميع الأخوة الذين ساهموا في إنجاح الكتاب من: طباعة وتقويم وتصحيح وإخراج، وأخصّ بالذكر سماحة الشيخ زكريّا بركات صاحب فكرة الكتاب، والذي أردفني بمجموعة من الملاحظات القيّمة كان لها الدور الكبير في وصول هذا السِفر إلى ما هو عليه الآن.

هذا، ولا يفوتني أنْ أُهدي ثواب هذا العمل إلى روح والدي الشهيد، الذي قضى أنفاسه الأخيرة تحت سياط الجلاّدين البعثيّين، سائلاً الله أنْ يتغمّده برحمته الواسعة ويحشره مع محمّد وآله.

والحمد لله ربّ العالمين

حكمت الرحمة

١٤

الفصل الأوّل

أوّل أئمّة أهل البيت

أمير المؤمنين

علي بن أبي طالب عليه السلام

١٥

١٦

نافذة إلى معرفة الإمام

ليس ثَمّة مَن يجهل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ): مولى المتّقين، وأمير المؤمنين، ووارث علم النبيّين، وخليفة رسول ربّ العالمين، منبع الفضائل، ومنتهى المكارم، والقمّة الشامخة السامية التي ينحدر عنها السيل ولا يرقى إليها الطير.

فأنّى للقلم أنْ يكتب في صفاته، وماذا عساه يسطّر في بيان كمالاته، وقد حارت العقول والأفهام أمام شموخ فضائله التي ملأتْ الخافقَين، ومكارم أخلاقه التي وسعتْ الكونَين.

وشهد بفضله وعلوّ مقامه العدوّ قبل الصديق؛ لأنّ النور دائماً أقوى من الظلام ووهج الحقيقة يأبى أنْ يكتمه تراكم الدخان، لذا سطع نور عليٍّ عالياً يُضيء دربَ البشريّة ويمدّها بمنهاج الرسالة المحمّديّة الخالدة، وتسابقتْ الأقلام لتتشرّف في تخليد هذه الشخصيّة العظيمة وتبجيلها.

قال الإمام الآجري:

( شرّفه الله الكريم بأعلى الشرف، سوابقه بالخير عظيمة، ومناقبه كثيرة، وفضله عظيم، وخطره جليل، وقدره نبيل، أخو الرسول صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم )، وابن عمّه، وزوج فاطمة، وأبو الحسن والحسين، وفارس المسلمين، ومفرّج الكرب عن رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم )، وقاتل الأقران، الإمام العادل، الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، المتّبع للحقّ، المتأخّر عن الباطل، المتعلّق بكلّ خُلُق شريف، الله عزّ وجل ورسوله له مُحِبَّان، وهو لله والرسول محبّ، الذي لا يحبّه إلاّ مؤمن تقي، ولا يبغضه إلاّ منافق شقي، معدن العقل والعلم،

١٧

والحلم والأدب، رضي الله عنه ) (1) .

وحيث إنّ فضائل علي ( عليه السلام ) عظيمة شهيرة تناولتْها كتب الفريقَين؛ لذا لا نجد حاجة لسرد كلماتهم كما سيأتي التنويه إليه بعد قليل، وقبل ذلك نقدّم للقارئ بطاقة تعريف بالإمام ( عليه السلام ):

-هو: الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطّلب ( عليه السلام )، أبو الحسن الهاشمي القرشي.

-( وأُمّه: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشميّة، وهي بنت عمّ أبي طالب، كانت من المهاجرات ) (2) ، ( و هي أوّل هاشميّة ولدتْ هاشميّاً، قد أسلمتْ وهاجرت ) (3) ، ( وكانت بمحلٍّ عظيم من الأعيان في عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وتُوفِّيت في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وصلّى عليها ) (4) .

عن أنس بن مالك قال:

( لمّا ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم، أُمّ علي، دخل عليها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فجلس عند رأسها، فقال: رحمك الله يا أُمّي، كنتِ أُمّي بعد أُمّي، تجوعين وتُشبعيني، وتَعْرَيْن وتكسيني،

____________________

(1) نقلها المحقّق آل زهوي في مقدّمته على كتاب: خصائص الإمام علي للنسائي: عن كتاب: الشريعة: 3 / 119.

(2) تاريخ الإسلام للذهبي: حوادث وفيّات ( 11 - 40هـ ) عهد الخلفاء الراشدين: 621، دار الكتاب العربي.

(3) تاريخ الخلفاء للسيوطي: 128، دار الكتاب العربي.

(4) المستدرك على الصحيحين: 3 / 108، دار المعرفة.

١٨

وتمنعين نفسَك طيباً وتطعميني، تُرِيْدِيْنَ بذلك وجْهَ الله والدار الآخرة، ثمّ أمر أنْ تُغسّل ثلاثاً، فلمّا بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) بيده، ثمّ خلع رسول الله قميصَه فألْبَسَهَا إيّاه، وكفّنها بِبُرْدٍ فوقه، ثمّ دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسامة بن زيد، وأبا أيّوب الأنصاري، وعمر بن الخطّاب، وغلاماً أسود يحضرون، فحفروا قبرَها، فلمّا بلغوا اللحد حفره رسول الله بيده وأخرج ترابه بيده، فلمّا فرغ دخل رسول الله فاضطجع فيه، فقال: الله الذي يُحيي ويُميت وهو حيّ لا يموت، اغفر لأُمّي فاطمة بنت أسد ولَقِّنْهَا حُجَّتها، ووسّع عليها مَدْخَلَهَا، بحقّ نبيّك والأنبياء الذين مِن قبلي، فإنّك أرحم الراحمين... ) (1) .

-وُلد ( عليه السلام ): بمكّة، في البيت الحرام، يوم الجمعة، الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل (2) .

قال الحاكم ووافقه الذهبي:

( فقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولدتْ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، في جوف الكعبة ) (3) .

-كنيته: أبو الحسن، وكنّاه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أبا تراب (4) ، لمّا رآه ساجداً معفّراً وجهه في التراب، ومِن كُناه أيضاً: أبو الحسين، أبو السبطين، أبو الريحانتَين (5) .

____________________

(1) المعجم الكبير للطبراني: 24 / 351، دار إحياء التراث العربي.

(2) الإرشاد للمفيد: 1 / 5، مؤسّسة آل البيت.

(3) المستدرك على الصحيحين وبهامشه ( تلخيص المستدرك ) للذهبي: 3 / 483، دار المعرفة.

(4) انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي: 128، دار الكتاب العربي.

(5) انظر: إعلام الورى للطبرسي: 1 / 307، مؤسّسة آل البيت.

١٩

-ألقابه: أمير المؤمنين (1) ، والمرتضى، والوصي (2) ، وقد لقّبه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ): سيّد المسلمين، وإمام المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، وسيّد الأوصياء، وسيّد العرب (3) .

- كان علي ( عليه السلام ) هو الإمام والخليفة الشرعي للمسلمين بعد وفاة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وعلى ذلك النصوص الصريحة الصحيحة في كتب الفريقَين وسيأتي التعرّض لبعضها أثناء البحث.

- كان علي ( عليه السلام ) أخا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بالمؤاخاة، وصهره على فاطمة سيّدة نساء العالمين عليها السلام (4) .

- كان من السابقين الأوّلين شهد بدراً وما بعدها (5) ، وثبت في الصحيحَين أنّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أعطاه الراية في يوم خيبر، وأخبر أنّ الفتح يكون على يديه، وأحواله في الشجاعة وآثاره في الحروب مشهورة (6) .

- اشتهرتْ مناقبُه وفضائله وملأتْ الخافقين، وقد صرّح أحمد بن حنبل وغيره بأنّه: ( لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد، أكثر ممّا جاء في علي )، وسيأتي التعرّض لذلك بعد قليل إنْ شاء الله.

____________________

(1) تاريخ الإسلام للذهبي: حوادث ( 11 - 40 هـ ) عهد الخلفاء الراشدين: 621، دار الكتاب العربي.

(2) مطالب السؤول لمحمّد بن طلحة الشافعي: 1 / 59، مؤسّسة أُمّ القرى.

(3) إعلام الورى للطبرسي: 1 / 307، مؤسّسة آل البيت.

(4) تاريخ الخلفاء للسيوطي: 128، دار الكتاب العربي.

(5) تاريخ الإسلام للذهبي: حوادث ( 11 - 40 هـ ) عهد الخلفاء الراشدين: 622، دار الكتاب العربي.

(6) تاريخ الخلفاء للسيوطي: 128، دار الكتاب العربي.

٢٠