المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط0%

المحسن السبط مولود أم سقط مؤلف:
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 628

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف: السيد محمد مهدي
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف:

الصفحات: 628
المشاهدات: 76619
تحميل: 5721

توضيحات:

المحسن السبط مولود أم سقط
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 628 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76619 / تحميل: 5721
الحجم الحجم الحجم
المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

النص الرابع : وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف(1) بسنده عن جعفر عن أبيه قال : خرجت صفية وقد قبض النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) وهي تلمع بثوبها ـ يعني تشير به ـ وهي تقول :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب

أقول : وهذا أخرجه الطبراني في المعجم الكبير(2) بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : لما قبض النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) خرجت صفية تلمع(3) بردائها وهي تقول :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد(4) .

وهذا الخبر يطوي في بيت شعره أنباءً وهنبثة حدثت بعد موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هزت المسلمين ، وعظم وقعها على أهل البيت خاصة ، حتى خرجت صفية بنت عبد المطلب وهي أم الزبير بن العوام تلمع بثوبها ـ تشير به ـ وهذا حال مَن بَلغَ به الأسى مبلغاً ضاق به صاحبه ذرعاً ، فعلاه الحزن لفقد فقيده الغالي ، وزاد أساه ما لاقاه من المآسي التي حيقت به من بعد فقيده ، وما هي تلك الأنباء والهنبثة غير تقديم من أخّر الله وتأخير من قدّم الله ، وغصب الخلافة من صاحبها.

قال ابن منظور في لسان العرب(5) : الهنابث : الدواهي ، واحدها هنبثة ، وفي الحديث : إنّ فاطمة قالت بعد موت سيدنا رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاختل قومك فاشهدهم ولا تغب

__________________

(1) مصنف ابن أبي شيبة 14 : 556 ، برقم : 18874.

(2) المعجم الكبير للطبراني 24 : 253.

(3) لمع بثوبه وسيفه لمعاً وألمع أشار , وقيل : أشار للإنذار ، ولمع أعلى وهو أن يرفعه ويحركه ليراه غيره فيجيء إليه ( لسان العرب ) ( لمع ).

(4) مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 92.

(5) لسان العرب 3 : 20.

٢٤١

الهنبثة واحدة الهنابث ، وهي الأمور الشداد المختلفة ، وقد ورد هذا الشعر في حديث آخر قال : لما قبض سيدنا رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) خرجت صفية تلمع بثوبها وتقول البيتين. انتهى. يقال : لمع بثوبه وألمع به إذا رفعه وحركه ليراه غيره فيجيء إليه.

وقفة تحقيق :

وقفة تحقيق عابرة عند هذه الأبيات التي ورد فيها إقواء في القافية وهو من عيوب الشعر ، فنقول :

لقد ورد البيتان في جملة من المصادر التاريخية والأدبية واللغوية على تفاوت في روايتهما تصحيفاً أو تحريفاً ، ومع الإقواء وبدونه ، وهذا ما يكشف عن أيدٍ أثيمة بدّلت واستبدلت ، حتى غيّرت في معاني الشعر ، فلا إتساق بين الصدر والعجز ، ومِن الذين رووا البيتين مع الإقواء ابن الأثير في النهاية(1) ، والزمخشري(2) في الفائق ، والزبيدي في تاج العروس(3) .فهؤلاء رووا أنّ فاطمةعليها‌السلام قالت :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاختل قومك فاشهدهم ولا تغب

وأعطف على هؤلاء علي فهمي جابي زادة في كتابه حسن الصحابة في أشعار الصحابة(4) ، وحكاه نقلاً عن العقد الفريد(5) ، ولدى مراجعتي له وجدت هكذا :

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

وغاب مذ غبت عنّا الوحي والكتب

فليت قبلك كان الموت صادفنا

لما نُعيت وحالت دونك الكثب

__________________

(1) النهاية لابن الأثير 8 : 277.

(2) الفائق للزمخشري 4 : 116.

(3) تاج العروس للزبيدي 3 : 654.

(4) حسن الصحابة 128.

(5) العقد الفريد 3 : 238.

٢٤٢

وهذا غير ما حكاه علي فهمي كما هو ظاهر.

أما الذين رووا بتصحيف وتحريف مع الإقواء ، لعل أقدم من رأيت ذلك عنده هو محمد بن سعد صاحب الطبقات ، فقد روى الرثاء منسوباً إلى هند بنت أثاثة ، وهو صحيح في نسبته إلاّ أنّ تحريفاً وتصحيفاً وإقواءاً حصل في البيت الثاني والخامس من أبيات خمسة هي :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاحتل لقومك واشهدهم ولا تغبِ

قد كنت بدراً ونوراً يستضاء به

عليك تنزل من ذي العزة الكتب

وكان جبريل بالآيات يحضرنا

فغاب عنّا وكل الغيب محتجب

فقد رزئت أيا سهلاً خليقته

محض الضريبة والأعراق والنسبِ

فلاحظوا التصحيف في البيت الثاني في كلمة ( فاختل ) بالخاء المعجمة ، وهي فعل ماضي من الإختلال ، فصُحّفت إلى ( فاحتل ) بالحاء المهملة ، وهي فعل أمر من إعمال الحيلة ؟

ولاحظوا التحريف في قافية البيت الثاني أيضاً حيث لا معنى يتسق مع سياق البيت ، وفيه إقواء ، وكذلك البيت الخامس ففيه أيضاً تحريف وإقواء.

أما الذين رووا الأبيات بدون إقواء ، لكنّهم لم يسلموا من ضغط الموروث ، فكان التحريف في اللفظ والتحريف في النسبة ، فمثالهم جسوس في كتابه شرح الشمائل الترمذية(1) ، فقد قال : ويقال إنّ عائشة لما وقفت على القبر الشريف أنشدت :

قل للمغيّب تحت أطباق الثرى

هل أنت تسمع ضرعتي وندائيا

__________________

(1) شرح الشمائل 2 : 182.

٢٤٣

ماذا على من شمّ تربة أحمدٍ

أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

صبّت عليّ مصائب لو أنّها

صبّت على الأيام صرن لياليا

ثم قالت للقبر ثانية ، وتمثلت بقول صفية عمّة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) :

قد كان بعدك أنباء وهينمة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

واختلى قومك فافقدهم فقد نكبوا

قدكان جبريل بالآيات يؤنسنا

فغاب عنّا فكل الخير محتجب

وكنت نوراً وبدراً يستضاء به

عليك تنزل من ذي العزة الكتب

فقد رزئنا بما لم يرزأ به أحد

من البرية لا عجمٌ ولا عربُ

فهذه رواية جسوس جعلت صاحبة الرثاء والإنشاد عائشة ، وهذا ما لم أقف عليه عند غيره ، وكذبه واضح ؛ لأنّ صاحبة الرثاء الأول تشكو ما صبّ عليها من مصائب لو أنّها صُبّت على الأيام صرن ليالياً حالكات لشدة وقعها ، وعائشة لم يصبها أيّ أذى بعد فقد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل أصبحت ذات عزّة ومنعة لتولي أبيها الخلافة ، فلا يمكن التصديق بما ذكره عنها وإن نسبه إلى القيل ، وهو مشعر بالتمريض. وقد صرّح الزرقاني في شرح المواهب(1) ، وعلى القارئ في شرح الشمائل(2) ، بأنّ الشعر أنشأته ـ عند الأول ـ وأنشدته ـ عند الثاني ـ فاطمةعليها‌السلام .

ثم إنّ نسبة الأبيات الخمسة إلى صفية هو أيضاً من الخطأ ، فإنّها ـ الأبيات ـ ليست لها بل هي تمثلت ببيت واحد منها حينما خرجت تلمع بثوبها ، كما سبق في رواية ابن أبي شيبة وراجع لسان العرب(3) ، بل هي ـ الأبيات ـ لهند بنت إثاثة كما في طبقات ابن سعد.

__________________

(1) شرح المواهب للزرقاني 8 : 293.

(2) شرح الشمائل 2 : 210.

(3) راجع لسان العرب 3 : 30.

٢٤٤

ومما يؤكد أنّ البيت لفاطمةعليها‌السلام ، ما ذكره الزمخشري في الفائق(1) أنّ معاوية قال يوم صفّين : آهاً أبا حفص :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب

هي كلمة تأسّف ، وانتصابها على إجرائها مجرى المصادر ، كقولهم ويحاً له ، الهنبثة : إثارة الفتنة ، وهي من النبث ، والهاء زائدة ، ويقال للأمور الشدائد : هنابث. يريد ما وقع الناس فيه من الفتن بعد عمر ، وهذا البيت يعزى إلى فاطمة. انتهى.

النص الخامس : مما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف(2) ، بسنده أن النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) قال لعلي :« ستلقى بعدي جهداً » ، قال :« يا رسول الله في سلامة من ديني ؟ » ، قال :« نعم ، في سلامة من دينك » .

وهذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك(3) عن ابن عباس ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في تلخيصه على تخريجه ورمز له : ( خ م ) يعني : البخاري ومسلم.

وأخرجه غير أولاء ، وحمله بعضهم مفسراً له بما عاناه الإمامعليه‌السلام في الحروب الثلاثة : الجمل وصفّين والنهروان ، وهو كذلك. إلاّ أنّ البعَدية في لفظ الحديث تشير إلى ما أصابه بعد فقد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله من غدر الأمة به ، كما رواه أبو إدريس الأودي عن علي قال :« إنّ مما عهد إليّ النبي ( صلّى الله عليه وسلّم ) أنّ الأمة ستغدر بي بعده » .

__________________

(1) الفائق للزمخشري 1 : 66.

(2) المصنف 12 : 78.

(3) المستدرك للحاكم 3 : 140.

٢٤٥

أخرجه الحاكم في المستدرك(1) ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص على تخريجه وتصحيحه. وللحديث مصادر أخرى كدلائل النبوة للبيهقي ، وتاريخ بغداد ج 11 ، وتاريخ دمشق ج 3 ، وخصائص النسائي ، وكنز العمال ، وغيرها كثير.

النص السادس : وأخرج في المصنف(2) ، بسنده عن أسلم ، وذكر خبر مجيئ عمر إلى فاطمة يريد منها منع علي والزبير من الاجتماع في بيتها ، وتهديدها بقوله : وأيم الله ما ذاك بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم البيت ، والخبر إلى هنا ليس فيه ما يستنكر عنه من يعرف شدة عمر ، وعدم مبالاته في شن الغارة على بيت فاطمة ، وأمره بأن يحرق على من فيه.

ولكن هلم الخطب في بقية الخبر فاقرأ ماذا فيه : ( فلمّا خرج عمر جاؤوها فقالت : تعلمون أنّ عمر قد جاءني ، وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت ، وأيم الله ليمضينّ لما حلف عليه فانصرفوا راشدين ، فروا رأيكم ولا ترجعوا إليّ ، فانصرفوا عنها ، فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر ) ؟

فهذا الجزء من الخبر نسف الرأي الثابت في مجيئ عمر ومعه قبس من النار ، ومعه من يحمل الحطب ، واقتحامه الدار بعنف ، وإخراج عليّ والزبير بالعنف ، كما سيأتي عن البلاذري وابن قتيبة وغيرهما ، إلى آخر ما هنالك من الأذى الذي لحق بفاطمة من ضرب وإسقاط جنين وو .

النص السابع : وأخرج في المصنف(3) بسنده عن عروة أنّ أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كانا في الأنصار فدفن قبل أن يرجعا.

__________________

(1) المصدر نفسه 3 : 140.

(2) المصنف 14 : 568.

(3) المصدر نفسه 14 : 568.

٢٤٦

النص الثامن : وأخرج في المصنف(1) بسنده عن أسلم قال : دخل عمر على أبي بكر وهو آخذ بلسانه ينضنضه ، فقال له عمر : الله الله يا خليفة رسول الله ، وهو يقول : هاه إنّ هذا أوردني الموارد(2) .

تعقيب على حديث غدر الأمة بالإمام :

لقد وردت عدة أحاديث تندّد مفهوماً بالأمة ، وتصرّح منطوقاً بما سيلقى الإمام من جهد بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من تلك الأمة ، وألفاظها مختلفة مما يدلنا على اهتمام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بابن عمه ، فهو إذ يخبره بما سيجري عليه من بعده ، وهو إذ يسلّيه أيضاً يعدّه لمواجهة الأحداث بصبر وثبات ، وهذا ما دلّ عليه جواب الإمام« في سلامة من ديني » .

فمن الأحاديث في هذا المعنى خبر الحدايق التي مرّ عليها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه الإمام ، فيقول الإمام :« ما أحسن هذه » ويجيبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :« ولك في الجنة أحسن منها » ، ثم اعتنقه وأجهش باكياً ، فقال عليعليه‌السلام :« ما يبكيك يا رسول الله ؟ » ، فقال :« أبكي لضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك إلاّ بعدي ، فقلت : في سلامة من ديني ؟ فقال : في سلامة من دينك » . ( أخرجه أبو يعلى في مسنده ، والحاكم في المستدرك ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، والخوارزمي في المناقب ، والحمويني في فرائد السمطين ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والمتقي الهندي في كنز العمال ، والقندوزي في الينابيع ، وغيرهم ).

__________________

(1) المصدر نفسه 14 : 568.

(2) وهذا أخرجه قبلاً في المصنف 9 : 66 كتاب الأدب ، وذكر في الهامش : أخرجه أبو نعيم في الحلية 1 : 33 ، وأورده الهندي في كنز العمّال 3 : 478. أقول : وذكره غيرهم في تاريخ أبي بكر ، وحتى في بعض مصادر اللغة في مادة ( نضنض ) فراجع.

٢٤٧

ومن الأحاديث ما أخرجه أبو نعيم في الحلية بسنده عن أبي برزة الأسلميرضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) :« انّ الله تعالى عهد إليَّ في علي عهداً ، إنّ علياً راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، من أحبّه أحبني ، ومن أبغضه أبغضني ، فبشّره فجاء علي فبشرته بذلك ، فقال : يا رسول الله أنا عبد الله فإن يعذبني فبذنبي ، وإن يتمّ الذي بشّرني به فالله أولى به ». قال( صلّى الله عليه وسلّم ) :« قلت : اللّهمّ أجل قلبه واجعله ربيع الإيمان ، فقال الله تبارك وتعالى : قد فعلت به ذلك ، ثم قال تعالى : إنّي مستخصّه بالبلاء ، فقلت : يا رب إنه أخي ووصيي ، فقال تعالى : إنّه شيء قد سبق فيه قضائي ، إنّه مبتلى » (1) .

ومن الأحاديث ما أخرجه الموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال : أعطى النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) الراية يوم خيبر إلى علي ففتح الله عليه ، وفي يوم غدير خم أعلم الناس انّه مولى كل مؤمن ومؤمنة ، وقال له :« أنت منّي وأنا منك ، وأنت تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله » ، وقال له :« أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ انّه لا نبي بعدي » ، وقال له :« أنا سلم لمن سالمك ، وحرب لمن حاربك ، وأنت العروة الوثقى ، وأنت تبيّن ما اشتبه عليهم من بعدي ، وأنت ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي ، وأنت الذي أنزل الله فيك : ( وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ ) (2) وأنت الآخذ بسنتي ، والذاب عن ملتي ، وأنا وأنت أوّل من تنشق الأرض عنه ، وأنت معي تدخل الجنة والحسن والحسين وفاطمة معنا ، إنّ الله أوحى إليَّ أن أبيّن فضلك ، فقلت للناس وبلّغتهم ما أمرني الله تبارك وتعالى بتبليغه » .

__________________

(1) حلية الأولياء ، وعنه في ينابيع المودة : 134.

(2) التوبة : 3.

٢٤٨

ثم قال :« اتق الضغائن التي كانت في صدور قوم لا تظهرها إلاّ بعد موتي ، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون » ، وبكى( صلّى الله عليه وسلّم ) ثم قال :« أخبرني جبرئيل انّهم يظلمونك بعدي ، وأنّ ذلك الظلم لا يزول بالكلية عن عترتنا ، حتى إذا قام قائمهم ، وعلت كلمتهم ، واجتمعت الأمة على مودتهم ، والشانيء لهم قليلاً ، والكاره لهم ذليلاً ، والمادح لهم كثيراً ، وذلك حين تغيّر البلاد ، وضعف العباد حين اليأس من الفرج ، فعند ذلك يظهر القائم مع أصحابه ، فبهم يظهر الله الحق ، ويخمد الباطل بأسيافهم ، ويتبعهم الناس ، راغباً إليهم وخائفاً منهم ، ابشروا بالفرج ، فإنّ وعد الله حق لا يخلف ، وقضاؤه لا يرد ، وهو الحكيم الخبير ، وانّ فتح الله قريب .

اللّهمّ إنّهم أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، اللّهمّ اكلأهم وارعهم ، وكن لهم وانصرهم وأعزّهم ولا تذلّهم ، واخلفني فيهم ، إنّك على ما تشاء قدير » (1) .

وقال علي كرّم الله وجهه :« كل حقد حقدته قريش على رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) أظهرته فيَّ ، وستظهره في ولدي من بعدي ، مالي ولقريش إنّما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله ، أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين » (2) .

ما ذكره أحمد بن حنبل :

سابعاً : ماذا عند أحمد بن حنبل ( ت 241 ه‍ ) ؟

النص الأول : أخرج في المسند(3) ، قال : حدّثنا عبد الرزاق ، قال : حدّثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان

__________________

(1) المناقب للخوارزمي الحنفي وينابيع المودة : 135.

(2) ينابيع المودة : 135.

(3) المسند 1 : 26 ، برقم : 9 ، بتحقيق أحمد محمد شاكر.

٢٤٩

ميراثهما من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك ، وسهمه من خيبر ، فقال لهم أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يصنعه فيه إلا صنعته.

أقول : لقد مرّ هذا الحديث عن المصنف لعبد الرزاق فراجع ( تاسعاً ) ستجد زيادة طويلة بترها أحمد ولم ينقلها ، ومما جاء في تلك الزيادة « قال : فهجرته فاطمة فلم تكلّمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، قالت عائشة : وكان لعلي من الناس حياة فاطمة حبوة ، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عنه ، فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ثم توفيت. قال معمر : فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ستة أشهر ؟ قال : لا ، ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي ».

إلى غير ذلك ممّا مرّ لفظه نقلاً عن المصنف ، وهو كلام كثير يتضمن كيف بايع الإمام ، وتحت طائلة الضغط الاجتماعي ، وقد نبّهت هناك على ما صنعه أحمد والبخاري في اختصار هذا الحديث اختصاراً مهيناً ومشيناً فراجع ، على أنّ تخريج أحمد للحديث هنا في مسند أبي بكر لروايته لا نورّث ، فهو أشبه بمسند عائشة منه بمسند أبي بكر ، فلاحظ.

النص الثاني : أخرج في المسند(1) ، فقال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة [ قال عبد الله : وسمعته من عبد الله بن أبي شيبة ] قال : حدّثنا محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع ، عن أبي الطفيل قال : لما قبض رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أنت ورثت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أم أهله ؟

قال : فقال : لا ، بل أهله ، قالت : فأين سهم رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ؟ قال : فقال أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : إنّ الله( عزّ وجلّ ) إذا أطعم نبياً طعمة ثم قبضه جعله للذي

__________________

(1) المسند 1 : 28 ، برقم : 14.

٢٥٠

يقوم من بعده ، فرأيت أن أرده على المسلمين ، فقالت : فأنت وما سمعت من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أعلم.

وهذا الحديث علّق عليه المحقق بقوله : إسناده صحيح ، الوليد بن جُميع هو الوليد بن عبد الله بن جميع ، نسب إلى جده وهو ثقة. أبو الطفيل : هو عامر بن واثلة ، من صغار الصحابة ، وهو آخرهم موتاً ، مات سنة : 107 ، أو سنة : 110 ه‍.

والحديث ذكره الحافظ ابن كثير في تاريخه(1) ، نقلاً عن المسند ثم قال : هكذا رواه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة ، عن محمد بن فضيل به ، ففي لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة ، ولعله روي بمعنى ما فهمه بعض الرواة ، وفيهم من فيه تشيع ، فليعلم ذلك ، وأحسن ما فيه قولها : أنت وما سمعت من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وهذا هو الصواب ، وهو المظنون بها ، واللائق بأمرها وسيادتها وعلمها ودينها( رضي الله عنها ) وكأنّها سألته بعد هذا أن يجعل زوجها ناظراً على هذه الصدقة ، فلم يجبها إلى ذلك لما قدمناه ، فتعتبت عليه بسبب ذلك ، وهي امرأه من بنات آدم ، تأسف كما يأسفن ، وليست بواجبة العصمة ، مع وجود نص رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، ومخالفة أبي بكر الصديق ، وقد روينا عن أبي بكر أنّه ترضّى فاطمة وتلاينها قبل موتها ، فرضيت( رضي الله عنها ) .

إلى هنا انتهى ما ذكره أحمد محمد شاكر في الهامش ، ولم يعقّب على ما ذكره ابن كثير بشيء ، فأقول : ومن هنا يعلم موافقته لما قاله ابن كثير ، ومن الواضح أنّ ابن كثير شامي ، والنصب في أهل الشام من مواريثهم من أيام معاوية ، وهو بعدُ تلميذ لابن تيمية ، وذلك يكفي في تعريفه لو شط به القلم وحدا به النصب لأن يقول عن فاطمة الزهراءعليها‌السلام : ( وليست بواجبة العصمة ).

__________________

(1) تاريخ الحافظ ابن كثير 5 : 289.

٢٥١

غير أنّ العتب على المحقق أحمد محمد شاكر الذي لم يعلّق على هذه الغميزة بما يرفع عنه إصر الموافقة عليها ، وهو لا شك أنّه قد قرأ آية التطهير في سورة الأحزاب :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) .

ولا شك أنّه قد قرأ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها وفي بعلها علي ، وفي ابنيها الحسنين :« اللهم هؤلاء أهل بيتي » بعد أن جللهم بكساء ولم يدخل معهم أحداً ، ولا شك أنّه قد قرأ قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الآخر :« فاطمة بضعة منّي » وهو يعرف معنى البضعة ؛ فكلّ هذا لا يوجب العصمة لفاطمةعليها‌السلام ؟ إنّها لظلامة الآخرين وليست بدون ظلامة الأولين ، فلك الله ناصراً يا بنت رسول الله صلى الله على أبيكِ وعلى بعلكِ وعليكِ وعلى أهل بيتكِ الطاهرين.

النص الثالث : أخرج في المسند(2) ، قال : حدّثنا يعقوب ، قال : حدّثنا أبي عن صالح ، قال ابن شهاب : أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) أخبرته : أنّ فاطمة بنت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) مما آفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : لا نورّث ما تركنا صدقة ، فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، قال : وعاشت بعد وفاة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ستة أشهر.

قال : وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة ، فأبى أبو بكر عليها ذلك ، وقال : لست تاركاً شيئاً كان رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يعمل به إلا عملت به ، وإنّي أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن اُزيغ ، فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس فغلبه عليها علي ، وأمّا خيبر

__________________

(1) الأحزاب : 33.

(2) المسند 1 : 34 ، برقم : 25.

٢٥٢

وفدك فأمسكهما عمر ، وقال : هما صدقة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه ، وأمرهما إلى من ولي الأمر ، قال : فهما على ذلك اليوم.

النص الرابع : وأخرج في المسند(1) ، قال : حدّثنا حجاج بن محمد ، حدّثنا ليث ، حدّثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة زوج النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) أنّها أخبرته : إنّ فاطمة بنت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك ، وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي والله لا اُغيّر شيئاً من صدقة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك.

فقال أبو بكر : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال ، فإنّي لم آل فيها عن الحق ، ولم أترك أمراً رأيت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يصنعه فيها إلا صنعته.

النص الخامس : وأخرج في المسند(2) ، قال : حدّثنا عبد الرزاق ، حدّثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : أنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر ، فقال لهما أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، وإنّما يأكل آل محمد( صلّى الله عليه وسلّم ) في هذا المال ، وإنّي والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) يصنعه فيه إلا صنعته.

النص السادس : وأخرج في المسند(3) ، قال : حدّثنا عفّان ، حدّثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة أنّ فاطمة قالت لأبي بكر : من يرثك

__________________

(1) المسند 1 : 45 ، برقم : 55.

(2) المسند 1 : 46 ، برقم : 58.

(3) المسند 1 : 47 ، برقم : 60.

٢٥٣

إذا متّ ؟ قال : ولدي وأهلي ، قالت : فمالنا لا نرث النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) ؟ قال : سمعت النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : إنّ النبي لا يورّث ، ولكنّي أعول من كان رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يعول ، وأنفق على من كان رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ينفق.

وهذا علّق عليه المحقق بأنّه منقطع الإسناد ، ولمّا أعاد أحمد بن حنبل إخراجه مرّة ثانية برقم : 79 بالسند إلى أبي سلمة ، ثم رفعه هنا عن أبي هريرة ، ببركة وجوده تم توصيل الانقطاع ، فقال المحقق : إسناده صحيح ، وقد سبق مطولاً برقم : 60 ، ولكن هناك مطولاً ، ولدى المقارنة نجد بين الخبرين فرقاً واضحاً ، فقارن ما يلي مع ما سبق فالحديث عن أبي هريرة أنّ فاطمة جاءت أبا بكر وعمر تطلب ميراثها من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فقالا : إنّا سمعنا رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : إنّي لا أورّث .

النص السابع : وجاء في المسند(1) : حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا إسماعيل ، عن ابن عون ، عن إبراهيم ، عن الأسود قال : ذكروا عند عائشة أنّ علياً كان وصياً ، فقالت : متى أوصى إليه ؟ فقد كنت مسندته إلى صدري أو قالت : حجري ، فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري ، وما شعرت أنّه مات ، فمتى أوصى إليه ؟

وهذا الخبر يوحي بأنّ أناساً كانوا يذكرون أنّ علياً كان وصياً ، ومتى كان كذلك ، فقيام غيره بالأمر بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان بغير حق وغصباً لحقه ، ودفعاً لذلك صارت عائشة تزعم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مات وهي مسندته إلى صدرها أو في حجرها.

ويبدو أنّ أحمد بن حنبل روى في مسنده أحاديث عائشة على نحو ما وصلت إليه بما فيها من تناقض ، وزعمها أنّ النبي مات وهي مسندته إلى صدرها ـ كما هنا ـ نجد عدة أحاديث أخرى عنها تختلف ألفاظها ومعانيها ، فمنها : مات( صلّى الله عليه وسلّم ) بين حاقنتي وذاقنتي(2) .

__________________

(1) المسند 6 : 32.

(2) المصدر نفسه 6 : 64 و 77.

٢٥٤

ومنها : مات( صلّى الله عليه وسلّم ) وهو يوتر بالسحر(1) .

ومنها : مات( صلّى الله عليه وسلّم ) بين سحري ونحري(2) .

ومنها : كان( صلّى الله عليه وسلّم ) في حجري حين نزل به الموت(3) .

ومنها : مات( صلّى الله عليه وسلّم ) ورأسه على فخذ عائشة(4) .

إلى غير ذلك من اختلاف رواياتها مما يشيعه عنها أبناء أختها أسماء ، وهم أبناء الزبير ومن لفّ لفّهم من رواتها ، ولقد نمّت هي على نفسها بأنّها غير مصدقة عند بعض الناس في ذلك ، فكانت تدافع عن نفسها بقولها في حديث رواه أحمد(5) : مات رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) بين سحري ونحري ، وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً ، فمن سفهي وحداثة سنّي أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة ، وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي(6) .

ومع ذلك كلّه بقيت الأحاديث عنها في ذلك غير مقبولة ، وأثارت الشكوك حول صحتها ، فرباح ـ أحد الرواة ـ قال : قلت لمعمر : قبض رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وهو جالس ؟ قال : نعم(7) .

والأسود بن يزيد راوي الحديث الآنف الذكر أولاً هو أبو غطفان ، وهو الذي يسأل ابن عباس فيقول : أرأيت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) توفي ورأسه في حجر أحد ، قال : توفي وهو لمستند إلى صدر علي ، قلت : فإنّ عروة حدّثني عن عائشة أنّها

__________________

(1) المصدر نفسه 6 : 204.

(2) المصدر نفسه 6 : 48 و 121 و 274.

(3) المصدر نفسه 6 270.

(4) المصدر نفسه 6 : 89.

(5) المصدر نفسه 6 : 274.

(6) وهذا أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 ، ق 2 : 50.

(7) المسند 6 : 274.

٢٥٥

قالت : توفي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) بين سحري ونحري ، فقال ابن عباس : أتعقل ؟ والله لتوفي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وأنّه لمستند إلى صدر علي ، وهو الذي غسّله(1) .

ولمزيد من البحث حول الموضوع راجع كتاب ( علي إمام البررة )(2) .

ونعود إلى حديث الأسود ـ أبي غطفان ـ الذي رواه أحمد كما مرّ فنقول : وهذا أيضاً رواه البخاري ومسلم كما ستأتي الإشارة إليه ، وجميعهم بتروا من آخره سؤال الراوي من ابن عباس ، وجوابه رداً على زعم عائشة مشفوعاً باليمين ، ومستنفراً لمشاعره بقوله : ( أتعقل ) وهي كلمة لها دلالتها في إثارة الوعي والتنبيه على تلقي الجواب ، مع أنّ الحديث رواه ابن سعد بتمامه كما مرّ ، فلاحظ مدى الأمانة عند أحمد والشيخين.

ويؤكد صحة ما قاله ابن عباس ما رواه أحمد في مسنده(3) من حديث أم سلمة قالت : والذي أحلف به أن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، قالت : عدنا رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) غداة بعد غداة يقول : جاء علي ؟ ـ مراراً ـ ، قالت : وأظنّه كان بعثه في حاجة ، قالت : فجاء بعد فظننت أنّ له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت ، فقعدنا عند الباب ، فكنت من أدناهم إلى الباب ، فأكبّ عليه علي فجعل يساره ويناجيه ، ثم قبض رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) من يومه ذلك ، فكان أقرب الناس به عهداً.

ويزيد ذلك تأكيداً ما جاء عن عمر بن الخطاب ـ وهو غير متهم في المقام ـ وقد مرّ فيما عند ابن سعد حيث سأله كعب الأحبار : ما كان آخر ما تكلّم به رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ؟ فقال عمر : سل علياً ، قال : أين هو ؟ قال : هو هنا فسأله ، فقال علي : أسندته إلى صدري فوضع رأسه على منكبي فقال : الصلاة الصلاة ، فقال كعب : كذلك

__________________

(1) وهذا أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 ، ق 2 : 51.

(2) علي إمام البررة 3 : 347 ـ 361 ، ط : دار الهادي.

(3) المسند 6 : 300.

٢٥٦

آخر عهد الأنبياء وبه اُمروا وعليه يبعثون ، قال : فمن غسّله يا أمير المؤمنين ؟ قال : سل علياً ، قال : فسأله فقال : كنت أنا أغسله ، وكان عباس جالساً(1) .

ومع هذا كله فعائشة تقول : مات بين سحري ونحري ، وبين حاقتني وذاقتني و ، و ، كل ذلك لأنّها لا تطيب له نفساً كما قال ابن عباس ، حيث قالت عائشة : فخرج رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ويدٌ له على العباس ، ( كما في مسند أحمد )(2) ، أو على الفضل بن عباس ، ( كما في روايتها الأخرى في مسند أحمد )(3) ، وعلى رجل آخر وهو يخط برجليه الأرض ، فحدّث عبيد الله بن عبد الله راوي الحديث بذلك ابن عباس ، فقال له : أتدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة ؟ هو علي ، ولكن عائشة لا تطيب له نفساً.

بل بلغ بها الحال حين تسمع من يقع في علي صراحة ، فلا تستنكر إلا بما يكشف عن قديم حقدها عليه ، فقد روى أحمد في مسنده(4) بسنده عن عطاء بن يسار قال : جاء رجل فوقع في علي وفي عمار ـ رضي الله تعالى عنهما ـ عند عائشة فقالت : أما علي فلست قائلة لك فيه شيئاً ، وأما عمار فإنّي سمعت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما.

ونحن مع روايتها هذه فإنّا ندينها من فمها حيث اختار عمار علياً إماماً دون غيره ، ووقف إلى جانبه منذ حياة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وبعد وفاته في السلم وفي الحرب ، حتى قتلته الفئة الباغية بصفّين ، وهو معه يقول في بعض رجزه كما في وقعة صفّين(5) :

أنا مع الحق أحامي عن علي

صهر النبي ذي الأمانات الوفي

__________________

(1) الطبقات 2 ، ق 2 : 51.

(2) المسند 6 : 34.

(3) المصدر نفسه 6 : 228.

(4) المصدر نفسه 6 : 113.

(5) وقعة صفّين : 289.

٢٥٧

كما كان عمار قد اختار أن يكون مع علي في الدار يوم هجم عمر ومن معه عليهم ، كما ستأتي أسماء النفر الذين كانوا في الدار يومئذٍ.

وإنّما صنع ذلك عمار امتثالاً لأمر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال له :« يا عمار إن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره ، فاسلك مع علي ودع الناس ، إنه لن يدلِك في ردى ، ولن يخرجك من هدى ، يا عمار إنّ طاعة علي من طاعتي ، وطاعتي من طاعة الله ( عزّ وجلّ ) » (1) .

فما دامت عائشة على ذكر من قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عمار : ( لا يخيّر بين أمرين إلا اختار أرشدهما ) وقد اختار طاعة عليعليه‌السلام فتبعه ، فلماذا حاربته يوم الجمل ؟ فهي لم تكن في محاربته برشيدة إذن.

ما ذكره البخاري :

ثامناًً : ماذا عند محمد بن إسماعيل البخاري ( ت 256 ه‍ ) ، في كتابه الجامع الصحيح.

مما ينبغي التنبيه عليه قبل عرض نماذج مما رواه في كتابه من النصوص ، فانّ الرجل كان شغوفاً بكثرة الرواية حتى ولو عن هيّان بن بيّان ، لذلك نجد كثرة الرواية عن كل من هبّ ودبّ ، وإن تناقضت رواياته ، حتى الكذب.

وما أكثر الشواهد على ذلك في رواياته عن عائشة وابن عمر وأبي هريرة ، فبينها من التكاذب ما يثير العجب ، وما كثرة الدفاع عنه إلا لكثرة ما فيه من مؤاخذات ، ولست في مقام التدليل على ذلك ، فحسب القارئ الطالب للحقيقة الرجوع إلى كتاب ( هدى الساري ) لابن حجر من المتقدمين ، وكتاب ( أضواء على السنة ) للشيخ محمد أبو رية ، وأخيراً إلى كتاب ( نحو تفعيل قواعد نقد متن

__________________

(1) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد 13 : 186 ، وابن عساكر في ترجمة الإمام من تاريخه 3 : 170 ، والحمويني في فرائد السمطين 2 : 178 ، والخوارزمي الحنفي في مناقبه 57 و 124 ، وأخيراً المتقي الهندي في كنز العمّال 12 : 212.

٢٥٨

الحديث ) دراسة تطبيقية على بعض أحاديث الصحيحين ؛ لمؤلفه إسماعيل الكردي ، ط : دار الأوائل سنة 2002م سورية دمشق ، وهو من خيرة ما قرأت من الكتب في هذا المجال.

ومع ذلك كله فليبق كتاب البخاري عند زوامل الأسفار ( أصح كتاب بعد كتاب الله ) ولست في مقام محاسبتهم ، فلهم رأيهم وعلى الله حسابهم.

والآن إلى نماذج مما أخرجه البخاري في كتابه ( الجامع الصحيح ) فيما يخص الأحداث التي تزامنت مع سقوط السيد المحسن السبط من قبل ومن بعد.

النص الأول : أخرج البخاري في كتاب الحدود ( باب رجم الحبلى )(1) ، حديث بيعة أبي بكر فلتة من قول عمر على المنبر ، واستمر على المنبر يروي حديث السقيفة بطوله ، فكان مما قال عمر : ( إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا وإنّها قد كانت كذلك ، ولكن وقى الله شرّها ).

وكان مما قال : ( وكنت زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر ، وكنت أداري منه بعض الحد ، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر : على رسلك ، فكرهت أن أغضبه ، فتكلم أبو بكر فقال : ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسباً وداراً ).

ولمّا كان هذا الخبر مرّ برواية ابن إسحاق في سيرته في النص الثاني ، وعبد الرزاق في المصنف في النص الثالث منه ، فلا حاجة لإعادته بطوله ، غير أنّ في روايتهما قال أبو بكر : ( ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ) والآن في رواية البخاري لم يذكر لفظ ( العرب ) وأرجو أن لا يكون الحذف منه متعمداً لشعوبيته التي عرفناها منه في صحيحه كما في كتاب المناقب ( باب قصة

__________________

(1) صحيح البخاري 8 : 168 ـ 170 ، باب رجم الحبلى.

٢٥٩

زمزم وجهل العرب )(1) ، ولا مناسبة بين شقي العنوان ، ومن قرأ المعنون يجد التنديد بالأعراب.

ومهما يكن فالخبر بطوله على ما فيه لا يتهم رواته على الشيخين لموالتهم لهما ، وما أود تنبيه القارئ عليه مبلغ احتجاج أبي بكر على الأنصار : ( إنّ العرب لا تعرف هذا الأمر إلاّ لهذا الحي من قريش ، فهم أوسط العرب داراً ونسباً ) ، وهذه الحجة منقوضة عليه ، وأول من نقضها هو أمير المؤمنينعليه‌السلام ، بقوله :« واعجباً أن تكون الخلافة بالصحابة ، ولا تكون بالصحابة والقرابة » (2) .

قال الرضي ـ رحمه الله تعالى ـ وقد روي له شعر قريب من هذا المعنى ، وهو :

فإن كنتَ بالشورى ملكتَ أمروهم

فكيف بهذا والمشيرون غيّب

وإن كنتَ بالقربى حججت خصيمهم

فغيرك أولى بالنبي وأقرب

وقد علق محمد عبدة في شرحه على ذلك بقوله : يريد بالمشيرين أصحاب الرأي في الأمر ، وهم علي وأصحابه من بني هاشم ، ويريد باحتجاج أبي بكر على الأنصار بأنّ المهاجرين شجرة النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) .

النص الثاني : أخرج البخاري في أواخر باب غزوة خيبر(3) ، فقال : حدّثنا يحيى بن بكير ، حدّثنا الليث ، عن عُقَيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أنّ فاطمةعليها‌السلام بنت النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : لا نورّث ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد( صلّى الله عليه وسلّم ) في هذا المال ، وإنّي

__________________

(1) المصدر نفسه 4 : 185.

(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 18 : 416 ، حكمة : 185.

(3) صحيح البخاري 5 : 139.

٢٦٠