المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط0%

المحسن السبط مولود أم سقط مؤلف:
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 628

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف: السيد محمد مهدي
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف:

الصفحات: 628
المشاهدات: 76647
تحميل: 5722

توضيحات:

المحسن السبط مولود أم سقط
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 628 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76647 / تحميل: 5722
الحجم الحجم الحجم
المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

1 ـ خلاصة ما مرّ في سطور :

خلاصة ما قرأناه في النصوص الثابتة كان ما يلي :

أ ـ قرأنا أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أوصى إلى علي ، كما في حديث ابن عباس وأم سلمة ، فقد قال ابن عباس للذي جاءه فأخبره : انّ عائشة قالت : مات بين سحري ونحري ولم يوص إلى أحد ، فمتى أوصى إليه ، قال ابن عباس : أتعقل ! والله مات وإنه لمستند إلى صدر علي.

وأم سلمة قالت : كان ـ علي ـ أقرب الناس به عهداً ، وماتصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مستند إلى صدر علي.

غير أنّ عائشة أنكرت ذلك ، وكان انشطار عند المسلمين في ذلك ، وكل فريق يؤيد وجهة نظره ، حتى استنكر بعضهم كيف أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يأمر أمّته بالوصية ثم هو لا يوصي ؟ وقرأنا الجواب في حديث طلحة بن مصرف ، وقد سمع الهذيل بن شرحبيل : أكان أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله ؟

كما قرأنا عن عائشة أنّ علياً كان قد أدخله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله معه في الثوب الذي كان عليه ، فلم يزل يحتضنه حتى قبض ويده عليه ، كما في الرياض النضرة(1) .

ب ـ وقرأنا أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جهز جيش أسامة ، وأدخل فيه أبا بكر ، وعمر ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وعثمان ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ،

__________________

(1) الرياض النضرة 2 : 180.

٤٨١

وطلحة ، والزبير ، وهؤلاء هم الذين جعل لهم حديث العشرة المبشرة ، ومع ما ذكر لهم وفيهم فقد أمرهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يخرجوا في جيش أسامة ، ولعن من تخلف عن جيش أسامة ، ومع ذلك فقد تخلفوا حتى مات النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ج ـ وقرأنا انّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما رأى تقاعس القوم عن الخروج في الجيش ، أراد أن يكتب لامته بمحضر من المهاجرين والأنصار في حجرته ، كتاباً لن يضلّوا من بعده ، فاستدعى بدواة وكتف ، فبادره عمر بكلمته النابية ، « انّه يهجر ، حسبنا كتاب الله » فكانت الرزية كل الرزية ـ كما قال ابن عباس ـ ما حال بين رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وبين ذلك الكتاب.

د ـ وقرأنا أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما مات ، اشتغل أهل بيته علي ومن معه بغسله وتجهيزه ، وذهب سراعاً أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح إلى سقيفة بن ساعدة ، ولم يحضروا الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولا دفنه.

ه‍ ـ وقرأنا بأنه بايع عمر وأبو عبيدة أبا بكر بالخلافة ، وتابعه بعض الأنصار على ذلك ، ثم اتوا إلى المسجد يطلبون مبايعة الناس لأبي بكر.

و ـ وقرأنا أنّ علياًعليه‌السلام وجميع بني هاشم ومعهم الزبير وجماعة من الصحابة ممن يوالون علياًعليه‌السلام أبوا أن يبايعوا ، فكانوا يجتمعون عند الإمام في بيته ، كما عن الطبري وغيره.

ز ـ وقرأنا أنّ أبا بكر أمر عمر بأن يأتيه بالإمام ومن معه بأعنف العنف ـ كما في رواية البلاذري ـ ليبايع ، فأتاه عمر ومعه لفيف من الأعوان ومعهم الحطب ، فهدد عمر باحراق البيت على من فيه إن لم يخرجوا ، فقيل له : إن في الدار فاطمة ، قال : وإن ـ كما عن ابن قتيبة ـ ثم هجموا على البتولة دارها ، وهي تمانعهم عند الباب ، فزحموها حتى أسقطت جنينها المحسن ، وهي تصيح :« يا أبتاه ماذا لقينا بعدك من ابن أبي قحافة وابن الخطاب » .

٤٨٢

ح ـ وقرأنا أن عمر وقنفذ وآخرين هم الذين دخلو الدار فأخرجوا الزبير تلاً بعد أن ثار بسيفه فأخذوه وحطموه على صخرة هناك ، وسلّموه إلى خالد بن الوليد وهو واقف لهم خارج الدار ، وأخرجوا علياً وهو ملبب يقاد كالفحل المخشوش ، كما عن معاوية بن أبي سفيان.

ط ـ وأوقفوه بين يدي أبي بكر ، وجرى له معهم من الاحتجاج ما مر ذكره ، فلم يتركه القوم وهددوه بالقتل ، فقال : تقتلون عبداً لله وأخاً لرسوله ، فقالوا : أما عبد الله فنعم وأما أخاً لرسوله فلا ، وهذا من أقبح المكابرة والإنكار.

ي ـ وقرأنا أنّ فاطمةعليها‌السلام هي التي أنقذت حياة الإمام بخروجها خلفه ، فكان لخروجها أثر كبير في الناس ، فخشي أبو بكر أن ينفلت الأمر ، والمدينة بعد تغلي كالمرجل ، فقال : لا أكرهه على البيعة ما دامت فاطمة إلى جانبه.

ك ـ وقرأنا انّه كان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عنه عند ذلك ، وأنه لم يبايع هو ولا أحد من بني هاشم حتى ماتت فاطمةعليها‌السلام ، كما عند البخاري ، ومسلم ، وعبد الرزاق وغيرهم.

ل ـ وقرأنا أن فاطمةعليها‌السلام طالبت أبا بكر بميراثها ، وبحقها من الفيء ، ونحلتها في فَدَك ، فأبى أبو بكر عليها ذلك ، فغضبت وهجرته ( فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر ) كما عند البخاري ومسلم وغيرهما.

م ـ وقرأنا أمور تقشعر لها الجلود ، صدرت من زمرة أضفى عليها المخالفون أبراد القداسة ، بينما هي خالفت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته وبعد مماته ، وكتاب الله تعالى شاهد واعد بقوله :( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (1) .

__________________

(1) النور : 63.

٤٨٣

وأخيراً ـ ولا نطيل الكلام ـ فإنّ الصحابة الذين كانوا يوم السقيفة يتنازعون فيما بينهم أمر الخلافة ، لم يكونوا يجهلون من هو الأحق بالخلافة ، ومن هو الذي عيّنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خليفة له من بعده من يوم بدء الدعوة ، كما في تفسير قوله تعالى :( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (1) .

وإنّما كانوا يتنازعون في الحكم والإمارة إذ لم تكن كلمة ( خليفة ) من الألفاظ التي وقعت في خواطر المسلمين ، أو جرت على ألسنتهم في اجتماعهم يوم السقيفة(2) .

يقول الاستاذ علي عبد الرزاق : ( كانوا يومئذٍ ـ يوم السقيفة ـ إنّما يتشاورون في أمر مملكة تقام ، ودولة تشاد ، وحكومة تنشأ إنشاء ، ولذلك جرى على لسانهم يومئذٍ ذكر الإمارة والامراء ، والوزارة والوزراء وتذاكروا قوة السيف والعزة والثروة ، والعدد ، والمنعة ، والبأس والنجدة ، وما كان ذلك إلا خوضاً في الملك ، وقياماً بالدولة ، وكان من أثر ذلك ما كان من تنافس المهاجرين والأنصار وكبار الصحابة ، بعضهم مع بعض ، حتى تمت البيعة لأبي بكر فكان أول مَلكٍ في الإسلام )(3) .

ولم يتجن الرجل على أحد من الصحابة الذين يتنازعون في اقتناص السلطة ، ألم يقل الحباب بن المنذر الأنصاري : منّا أمير ومنكم أمير ؟ ألم يقل أبو بكر للأنصار : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ؟ ألم يقل عمر يخاطب الأنصار : انّه والله لا

__________________

(1) الشعراء : 214 ، راجع كتاب ( علي إمام البررة ) 1 : 72 ـ 92 تجد صور الحديث وهي عشر ، منها التصريح بالخلافة لمن بعده لمن يؤازره في دعوته ، وفي ثمان منها بالوصاية من بعده ، وفي خمس منها بالوزارة ، وفي ثلاث منها بالوراثة ، وفي ثلاث منها بالولاية ، ومع هذا التظافر في النقل يزعم من لا حريجة له في الدين بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مات ولم يوص ، ولم يستخلف ، ولم يول ، ولم يورث .

(2) عبد الكريم الخطيب : الخلافة والإمامة ، ديانة وسياسة : ص 337.

(3) الإسلام وأصول الحكم : 92.

٤٨٤

ترضى العرب أن تؤمركم ونبيّها من غيركم من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل ، أو متجانف لإثم ، أو متورط في هلكة(1) .

والآن فهل من حق القارئ أن يسأل بعد ما قرأ كل الذي مرّ به ، أين هو الإجماع المزعوم على انتخاب أبي بكر للخلافة ؟ وقد تخلف عن الإجماع عليعليه‌السلام وجميع بني هاشم ومن تابعهم وشايعهم ، كسلمان ، وأبي ذر ، والمقداد ، وعمّار ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وحذيفة ، واُبي بن كعب صاحب المقولة الشهيرة ( هلك أصحاب العقدة ) وبريدة الأسلمي ، وأبوالهيثم بن التيهان ، وأبو أيوب الأنصاري ، وسهل بن حنيف ، وعثمان أخوه ، وهؤلاء هم الذين حاجّوا أبا بكر في المسجد وقد ورد احتجاجهم في كتاب الاحتجاج للطبرسي(2) .

فأي انتخاب واختيار يزعم على صحة خلافة أبي بكر ؟

وسؤال ثان ، ومن حق القارئ أن يسأل : كيف ساغ لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة الحضور في السقيفة لتعيين الخليفة ، والثلاثة كلهم جنود محاربون سمّاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في جيش أسامة(3) ، وأمرهم بالخروج معه وتحت إمرته ، وقد لعن من تخلف عن المسير في ذلك الجيش فقال :« لعن الله من تخلف عن جيش أسامة » (4) .

فهاتان مخالفتان واضحتان ، ومعهما كيف يسوغ للثلاثة أن يتولّوا زمام الأمور ، مع أنّهم جنود مأمورون وتحت إمرة أسامة ، حتى روى اليعقوبي استنكار أسامة لذلك(5) .

__________________

(1) راجع بشأن هذه الأقوال الإمامة والسياسة 1 : 7.

(2) الاحتجاج للطبرسي : 47.

(3) طبقات ابن سعد 4 : 46 و 136 ، وتاريخ اليعقوبي 2 : 93 ، وفتح الباري 9 : 218 ـ 219 ، وغير ذلك.

(4) الملل والنحل للشهرستاني 1 : 23.

(5) جاء في تاريخ اليعقوبي 2 / 106 : وأمر ـ أبو بكر ـ أسامة بن زيد أن ينفذ في جيشه وسأله أن يترك له عمر يستعين به على أمره , فقال : فما تقول في نفسك ؟ فقال : يابن أخي فعل الناس ما ترى , فدع لي عمر وانفذ لوجهك.

٤٨٥

وسؤال ثالث ـ ومن حق القارئ أن يسأل ـ : هل كان من حق أبي بكر وعمر وأباعبيدة أن يطالبوا الإمام علي بن أبي طالب بمبايعته لأبي بكر ، وهم بالأمس القريب كانوا قد بايعوا له في غدير خم(1) .

بايعوه وبعدها طلبوا البيعة

منه لله ريب الدهور

وسؤال رابع ـ ومن حق القارئ أن يسأل ـ : هل من حق أبي بكر أن يجبر أحداً على مبايعته ، وليس معه أي حجة شرعية تسوّغ له ذلك ؟ فلا هو خليفة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بل هو خالفة ـ كما اعترف بذلك لمن سأله(2) ـ فليس من حقه ذلك وهو غاصب للمقام.

وسؤال خامس ـ ومن حق القارئ أن يسأل ـ : هل كان من حق غاصب المقام أن يأمر بجلب الممتنع بأقسى الوسائل وأعنف العنف ، كما مرّ عن البلاذري وغيره ؟

وسؤال سادس ـ ومن حق القارئ أن يسأل ـ : هل إنّ لأبي بكر أن يحضر الممتنع وإن كان في بيت من بيوت أذن الله بأن ترفع ، وهو نفسه وعمر مثله يعلمون بأنّ بيت عليعليه‌السلام من أفاضلها ، وقد روى هو ذلك(3) .

__________________

(1) مبايعة الشيخين مع باقي الصحابة في غدير خم ذكرها الشيخ الأمينيرحمه‌الله في الغدير بتوثيق , فراجع الجزء الأول.

(2) راجع النهاية لابن الأثير ، والفائق للزمخشري ، ولسان العرب لابن منظور جميعاً في مادة ( خلف ) وكنز العمال 14 : 173 ، تجد أنّ أعرابياً سأل أبا بكر : أنت خليفة رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) ؟ قال : لا ، قال : فما أنت ؟ قال : أنا الخالفة بعده ، أي القاعدة بعده.

(3) أخرج الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل 1 : 410 ، بسنده عن أنس بن مالك ، وعن بريدة قال : قرأ رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) هذه الآية :( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ ) إلى قوله :( وَالأَبْصَارُ ) [ النور : 36 ـ 37 ] ، فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله أيّ بيوت هذه ؟ قال : « بيوت الأنبياء » ، فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها ـ لبيت علي وفاطمة ـ قال :« نعم ، من أفاضلها » ، قال الحاكم : لفظ أبي القاسم ما أصلحت ، وكتبته من أصل سماعه بخط أبي حاتم.

٤٨٦

وسؤال سابع ـ ومن حق القارئ أن يسأل ـ : ألم يكن علي ومن معه في بيت فاطمةعليها‌السلام ، ولما داهم البيت عمر ومن معه من عصابته ، وخرجت اليهم فاطمةعليها‌السلام تمانعهم وتقول لعمر :« أتراك محرقاً عليّ بيتي » ـ داري ـ فيقول لها : نعم ، وذلك أقوى مما جاء به أبوك ؟ ألم يروا ولم يسمعوا بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أتى ذلك البيت يقف ويقرأ :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) .

ألم يروا ولم يسمعوا بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول :« فاطمة بضعة منّي فمن أغضبها فقد أغضبني ، ومن آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله » (2) .

وفي نور الأبصار(3) : خرج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو آخذ بيد فاطمة فقال :« من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد ، وهي بضعة منّي وهي قلبي ، وهي روحي التي بين جنبيّ ، من آذاها فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله » .

وأخرج الدارقطني عن عمر أنه سمع رجلاً يقع في علي فقال : ويحك أتعرف علياً ؟ هذا ابن عمه ـ وأشار إلى قبر رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ـ والله ما آذيت إلا هذا في قبره(4) .

وروى الإمام أحمد في زوائد المسند بلفظ : إنّك إن انتقصته فقد آذيت هذا في قبره. وأخرج السيوطي في الجامع الصغير نقلاً عن أحمد ، وتاريخ البخاري ، ومستدرك الحاكم في فضائل الصحابة عن عمرو بن شاس مرفوعاً : ( من آذى علياً فقد آذاني ) قال الحاكم : صحيح ، وأقرّه الذهبي ، قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح(5) .

__________________

(1) الأحزاب : 33.

(2) صحيح البخاري 2 : 308 ، باب : مناقب فاطمة.

(3) نور الأبصار للشبلنجي : 52.

(4) فيض القدير 6 : 18.

(5) المصدر نفسه 6 : 18.

٤٨٧

وأخرج السيوطي أيضاً في الجامع الصغير نقلاً عن ابن عساكر عن علي مرفوعاً : ( من آذى شعرة منّي فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ) قال المناوي في فيض القدير(1) : أي أحداً من أبعاضي وإن صغر ، كنى به عن ذلك ، كما قال : فاطمة بضعة منّي. وقال : زاد أبو نعيم والديلمي : ( فعليه لعنة الله ملء السماء وملء الأرض ).

أقول : فماذا بعد الحق إلا الضلال ، فما دام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال ذلك ، فلا عتاب على من اتبع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلعن من عليه لعنة الله ملء السماء وملء الأرض.

فبماذا يفسر العمريون مجيئ عمر بقبس من نار ليحرق بيت علي وفاطمةعليهما‌السلام على من فيه ، فاستنكر بعض أصحاب الضمائر الحيّة ذلك ، فقالوا له : إنّ في الدار فاطمة ! قال : وإن ، ـ كما مرّ ـ.

وهذا أمر ثابت تاريخياً ، مع هذا كله وقد تبجح حافظ إبراهيم في عمريته حيث قال بكل صلف :

وقولة لعلي قالها عمرٌ

أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرّقت دارك لا أبقي عليك بها

إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها

أمام فارس عدنان وحاميها

فهل إنّ ذلك كان يرضي الله ورسوله ، لنكفّ ألسنتنا وأقلامنا عن الخوض في تلك الجريمة الشنعاء ؟

أولم تصرخ فاطمةعليها‌السلام مستغيثة بأبيها :« ماذا لقينا بعدك من ابن أبي قحافة وابن الخطاب » ؟ أوليس هذا من شدة الأذى الذي لحق بها.

ألم يخرجوا علياً بأعنف العنف ملببّاً يتلونه تلا ، وأوقفوه حافياً حاسراً بين يدي أبي بكر وقالوا له : بايع ، قال :« فإن لم أفعل » فهددوه بالقتل ، قال :« تقتلون

__________________

(1) المصدر نفسه 6 : 18.

٤٨٨

عبداً لله وأخا رسوله » ؟ فقالوا : أما عبد الله فنعم ، وأما أخا رسوله فلا ، فانعطف إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله صارخاً :« يابن أم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني » ؟.

وهل هذا ليس فيه شيء من الأذى ؟ إذن ما هو الأذى الذي يستوجب لعنة الله ملء السماء وملء الأرض ؟ ولا شك أنّهم كانوا من الصحابة ، وسمعوا من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيمن آذى علياً وآذى فاطمة ، فما الجواب ؟

وما داموا هم صحابة فلا شك أنّهم سمعوا قوله تعالى :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً ) (1) ، فلا ضير على من يلعن من لعنه الله سبحانه في الدنيا والآخرة ، وأعد له عذاباً مهيناً.

وسؤال ثامن ـ ومن حق القارئ أن يسأل ـ : هل كانت بيعة أبي بكر بالاختيار ، كما يزعم البكريون ؟ فلماذا إذن المساومة والرشوة ؟ ألم تقل الأنصارية ، وقد ردت ما بعث بها إليها أبو بكر : أتراشونني عن ديني ؟ كما مرت الإشارة إليه(2) .

ألم يقل عمر لأبي بكر ، وقد بلغه مجيئ أبي سفيان بن حرب ، وكان جابياً لبعض الصدقات قد بعثه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعاد بعد موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فاستنكر خلافة أبي بكر وقال : ما بال هذا الأمر في أرذل حي من قريش ؟ لأملأنّها خيلاً ورجالاً ، وسماه أبا فصيل تحقيراً له ، فقال عمر لأبي بكر أن يعطيه المال الذي جاء به ليسكت ، وقد تم ذلك ، وزاد بتولية ابنه يزيد بن أبي سفيان أن قال : وصلته رحم ، وهذا كله مذكور في التاريخ.

ألم يعطوا معاذ بن جبل المال الذي أتى به من اليمن بعد أن ساومه عمر على ذلك(3) ، حتى أصبح معاذ ممن يشار إليه في القضاء ؟ لأنهم أخذوا بضبعه.

__________________

(1) الأحزاب : 57.

(2) كنز العمّال 5 : 353 ، نقلاً عن ابن سعد وابن جرير.

(3) كنز العمّال 5 : 342 ـ 343 ، نقلاً عن عبد الرزاق وابن راهويه.

٤٨٩

وسؤال تاسع ـ ومن حق القارئ أن يسأل ـ : لقد مرّ بنا مكرراً حديث الفلتة ، وانّ عمر نفسه قال ذلك عن بيعة أبي بكر بأنّها فلتة ، وقد روى ذلك البخاري في باب رجم الحبلى ، ورواه غيره كما مرّ ، ولما كانت الفلتة وفيها شر ولكن وقى الله شرها ، فكيف لصاحب تلك البيعة الفلتة وفيها شر ، الحق بأن يستخلف غيره ، وهي باطلة لما فيها من شر ، وما بني على الباطل باطل ؟ وقد سمّاها أحمد أمين المصري ( غلطة )(1) .

وسؤال عاشر ، وآخر وآخر وتبقى الأسئلة تترى ، ولا جواب على صواب غير المكابرة من الاتباع والأذناب ، الا فمن هو أوّل من أسّس أساس الظلم والجور على أهل البيت ؟ فليجيبوا على هذا السؤال بفصيح المقال.

إن المسلم البصير بأمر دينه ، لا يخشى من قراءة تاريخية تكشف له الصفحات المزوّرة ، والأمجاد المفتعلة لشخصيات مهزوزة عقائدياً ومهزومة تاريخياً ، ما دام من حقه النظر بعقل واع ، ومدرك موازين الحق ، فلا يخدعه التقديس الأعمى للموروث ، الذي يخلط الحابل بالنابل ويساوي المظلوم بالظالم ، وآخر دعواه ( عفا الله عما سلف ) وهذه بلية أكثر المسلمين في الأرض ، ولابدّ من إعادة قراءة التاريخ قراءة واعية كي يمكن لنا تلافي ما قرأناه وسمعناه من أخطاء غيّرت كثيراً من المفاهيم الصحيحة ، فأضفينا الشرعية على حكم كل حاكم ظالم ، لأنّا قرأنا حديثاً مكذوباً : « أطعه وإن ضربك وأخذ مالك ».

وبالتالي تولى سلاطين الجور والحكام الطغاة ، فأحاطوا أنفسهم بحثالات لا تسوى شروى نقير ، فصاروا يروون لهم ما يشاؤون من أكاذيب تدعم سلطانهم حسب الأهواء والشهوات.

__________________

(1) قال في كتابه يوم الإسلام : 54 ، فلما مات النبي ( صلّى الله عليه وسلّم ) حصل هذا الاختلاف ، فبايع عمر أبا بكر ثم بايعه الناس ، وكان في هذا مخالفة لركن الشورى ، ولذلك قال عمر : إنها غلطة ( كذا ) وقى الله المسلمين شرها ، وكذلك كانت غلطة بيعة أبي بكر لعمر.

٤٩٠

وفيما نحن بصدده لا استغناء لنا عن قراءة التاريخ بصفحاته ، لغربلة ما فيه من كذب فاضح ببصماته ، وادانة من أحدث الانحراف وتنكب الطريق الجدد فابتعد عن الصواب ، فأورد الأمة ـ شارب ـ بوءة ، فثارت الفتن حتى اليوم ، وتوالت المآسي يتبعها بعضها بعض كقطع الليل المظلم ، ولا شك أنه سوف يتحمل وزر فعله ووزر من تابعه وشايعه لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« من سنّ سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها » (1) .

وبتحديد المواقف تتضح هوية الأشخاص قرباً وبعداً من الدين ، وهذا أمر طبيعي لمعرفة المحق من المبطل ، وفيصل الحكم انّما هو القرآن الكريم والسنة النبوية قولاً وفعلاً وتقريراً ، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال التخلّي عن هذين العمودين : ( القرآن والسنة ) ومتى تخلّينا عنهما أو عن أحدهما فلسنا بمسلمين عملاً ، وإن كانت بطاقة الهوية فيما يكتب فيها الديانة مسلم ، فذلك لا يجدي يوم القيامة عند الحساب بين يدي من لا يخفى عليه خافية.

ولما كان النبي الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله قد جاء برسالة فبلّغها ، وشريعة شرّعها ، وترك أمته على النهج الواضح والطريق المستقيم ، ليس من حق أيّ إنسان تبديل حكم من الأحكام ، ولا تعدي حدّ من حدود الإسلام ، لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ ) (2) .

لذلك يجب على من كان مسلماً صحيح العقيدة الإذعان لما جاء به ، قال الله تعالى :( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (3) ، وقال تعالى :( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (4) .

__________________

(1) المصنف لابن أبي شيبة 3 : 109 , وراجع موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف 8 : 319 ، لمعرفة بقية المصادر.

(2) النجم : 3 ـ 4.

(3) الحشر : 7.

(4) النور : 63.

٤٩١

هذا النبي العظيم الذي أنقذ الأمة من حيرة الجهالة إلى نور الحق والعدالة ، لم يسأل أمته أجراً على جهوده وجهاده طيلة ثلاثة وعشرين عاماً ، سوى مودة أهل بيته ، كما قال تعالى :( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (1) .

وأقرب الناس إليه هم أهل بيته : ( علي وفاطمة والحسن والحسين ) الذين جللهم بالكساء ، وفيهم نزلت آية التطهير :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (2) ، وعرفوا بأهل الكساء ، وقد روى أبو بكر خبر الخيمة التي ضربها عليهم النبي أمام المسلمين وقال : ( رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خيّم خيمة وهو متكئ على قوس عربية ، وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال : معاشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة ، حرب لمن حاربهم ، وليّ لمن والاهم ، لا يحبّهم إلاّ سعيد الجدّ طيّب المولد ، ولا يبغضهم إلاّ شقي الجدّ رديء الولادة ) وقد مر هذا برواية المحب الطبري فراجع النص الثامن.

فماذا كان الموقف المحزن المخزي من المسلمين أزاء أهل بيته أولئك ؟ ومَن هو أول من أسس أساس الظلم عليهم ، وبنى عليه بنيانه ؟ ألم يكن أبو بكر هو الذي قال لعمر : إئتني به ـ بعلي ـ بأعنف العنف ؟ ألم يكن هو الذي قال لعمر : فإن أبوا فقاتلهم ؟

ألم يكن هو الذي ندم بعد ما اقترف في حق أهل البيت ، وذلك عند حضور أجله ، فقال في مثلثاته وقد مرّ ذكرها وذكر مصادرها وفيها : ( ليتني لم أكشف عن بيت فاطمة وإن اشتمل على حرب ).

ألم يكن هو الذي كان ينضض بلسانه عند موته ويقول : ( هذا الذي أوردني الموارد ) ؟

__________________

(1) الشورى : 23.

(2) الأحزاب : 33.

٤٩٢

وهل تجدي ليتني ؟ قال الشاعر :

ليت وهل تجدي شيئاً ليت

ليت شباباً بوع فاشتريت

و كيف ينفعه الندم بعدما سمعت اذناه ووعاه قلبه ما قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مِن لعن مَنْ آذى عترته ، وهو ـ أبو بكر ـ يقول : ( علي عترة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ).

ألم يقل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :« اشتد غضب الله ، وغضب رسوله ، وغضب ملائكته على من هراق دم نبي وآذاه في عترته » (1) . ألم يقل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :« يا فاطمة إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك » (2) . ألم يقلصلى‌الله‌عليه‌وآله :« فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني » .

وهنا يقفز إلى الذهن السؤال الطويل العريض :

هل إنّ فاطمة الزهراء ماتت وهي غضبى على أحد ؟ فيكون ذلك فيمن غضب الله تعالى عليه ، وغضب عليه رسوله ، ومن غضب الله عليه ورسوله فمأواه جهنم وساءت مصيراً.

فهل لنا بعد هذا أن نتولّى من أغضب فاطمةعليها‌السلام حتى ماتت وهي غضبى عليه ؟ والله سبحانه يقول في كتابه :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ) (3) .

وأخيراً فهل يجوز لعن من آذى فاطمةعليها‌السلام لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله :« من آذى فاطمة فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى » والله سبحانه يقول :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً *وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً ) (4) .

__________________

(1) ذخائر العقبى : 39.

(2) نفس المصدر : 39.

(3) الممتحنة : 13.

(4) الأحزاب : 57 ـ 58.

٤٩٣

ولتكن لدى القارئ صراحة الحق وجرأة الإيمان ، فيجيب ولا يجمجم في الجواب ، ففاطمة الزهراءعليها‌السلام جابهت وجبهت الشيخين بذلك حين أتياها معتذرين ، فلم تعذرهما وقالت لهما :« أرأيتكما إن حدثتكما حديث عن رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) تعرفانه وتعملان به » ؟ قالا : نعم ، فقالت :« نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني » ؟ قالا : نعم سمعناه من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، قالت :« فإنّي أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيت رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) لأشكونكما إليه » ، فبكى أبو بكر حتى كانت نفسه تزهق وهي تقول :« والله لأدعونّ الله عليكما في كل صلاة أصليها » (1) .

فمن غضبت عليه وضلّت تدعو الله عليه لا يجوز لنا أن نتولاه أيّاً كان ذلك الإنسان.

مواقف متباينة وأقوال متضاربة :

قالت عائشة : ما رأيت أحداً كان أصدق منها ـ أي فاطمة ـ الا أن يكون الذي ولدها( صلّى الله عليه وسلّم ) (2) .

وقالت أيضاً : ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً وحديثاً برسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) في قيامه وقعوده من فاطمة بنت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) (3) .

قالت : وكانت إذا دخلت على رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسه(4) .

__________________

(1) راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة : 13 ـ 14.

(2) أخرجه أبو عمر وعنه في ذخائر العقبى : 44.

(3) نفس المصدر : 40.

(4) ذخائر العقبى : 41 ، خرّجه الترمذي وأبو داود والنسائي.

٤٩٤

هذا قول عائشة لكن أباها أبا بكر أبى تصديق فاطمةعليها‌السلام حين طالبته بفدك بل وطالبها بالبينة.

روى البلاذري في فتوح البلدان(1) : إنّ فاطمة( رضي الله عنها ) قالت لأبي بكر الصديق : أعطني فَدَك فقد جعلها رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) لي ، فسألها البينة ، فجاءت بأم أيمن ورباح مولى النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فشهدا لها بذلك ، فقال : إن هذا الأمر لاتجوز فيه إلاّ شهادة رجل ( وامرأتين ).

فعش رجباً ترى عجباً ، فاطمة الزهراء بضعة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) المطهرة المعصومة بنص آية التطهير ، لم يصدّقها أبو بكر ، وقالوا عنه انه الصديق لأنه صدّق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وها هو يغتصب من ابنته فدكاً نحلتها من أبيها ثم يطالبها بالبينة ، فمن هو الكاذب والصادق ؟ عائشة أم أبوها ؟ ومن هو المحق ؟ ومن هو المبطل ؟

ولا نبتعد عن الجواب إذ لا نجانب الصواب ، ما دامت عائشة تشهد على أبيها بما يدينه وهو من عجائب العجاب.

فقد روى أحمد في مسنده(2) بسنده عن عروة بن الزبير أنّ عائشة زوج النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) أخبرته : أنّ فاطمة بنت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) مما أفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، قال : وعاشت بعد وفاة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ستة أشهر.

والآن هل لسائل أن يقول لأبي بكر ومن شايعه : ما دمت لا تعترف لفاطمةعليها‌السلام بالعصمة والطهارة ، وسألتها البينة ، وأتتك بمن أتتك فلم تقبل منها ، هلاّ قضيت كما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حين قضى بشاهد ويمين كما في حديث ابن عباس في أول كتاب الأقضية من صحيح مسلم ؟

__________________

(1) فتوح البلدان للبلاذري 1 : 34 ـ 35.

(2) مسند أحمد 1 : 34 ، ح 25.

٤٩٥

ثم ما بال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خصّك بسماع هذا الحديث ؟ ولم يسمعه غيرك ممن هو أولى منك بسماعه ، لأنّه مورد ابتلائه كابنته وأزواجه ، إنها فرية بلا مرية ، وحبكة من غير حنكة ، ومن يقرأ خطبة الصديقة فاطمة الزهراءعليها‌السلام في احتجاجها على أبي بكر في مسألة الميراث ، يبقى مبهوراً أمام تلك البلاغة الفاطمية ، ولا عجب فإنّها لتفرغ عن لسان أبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد تقدم شطر من الخطبة فيما نقلناه عن ابن أبي الحديد : « في الفصل الثالث : نصوص يجب أن تقرأ بامعان » فراجع.

وإنّ من قرأ الخطبة بتمامها ، تتكشف عنه ضبابية الموروث ، ويدرك أن لا مسوّغ لمسلم يوالي من أغضب فاطمة التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ، وقد ماتت وهي غضبى على الشيخين ، ويعني ذلك أنّها لم تعترف بإمامة أبي بكر.

والحديث النبوي الشريف :« من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » يقضي ببطلان إمامة أبي بكر ، لأنّ فاطمة بضعة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ماتت وهي لا تقر له إمامته ، بل نازعته مراراً في النحلة والميراث والفيء ، وقد ماتت على ذلك وهي غضبى عليه ، فهل يجرأ مسلم يتفوّه ويقول إنّها ماتت ميتة جاهلية ، كيف وهي بضعة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وممن طهرهم الله تعالى من الرجس تطهيراً ، فتكون النتيجة انّ أبا بكر لم يكن إماماً بالحق لتتولاه فاطمةعليها‌السلام وتموت على ولائه ، نعم هي كانت ترى إمامة ابن عمها الذي نصّبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم علماً وهادياً ، وقد دافعت عنه كثيراً.

حديث معاشر الأنبياء لا نورّث :

انّ حديث « نحن معاشر الأنبياء لا نورث » حديث مكذوب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو القائل :« من كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار » (1) .

__________________

(1) أخرجه البخاري في صحيحه 1 : 29 باب إثم من كذّب على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وساق الحديث بأسانيد

٤٩٦

روى الحديث أبو بكر فقط وفقط ، ثم تتابعت رواة السوء على دعمه في زعمه ، ومهما يكن فلنا أن نسأل من البكريين : ما دام أبو بكر يروي الحديث وطبّقه عملياً مع فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، ما باله لم يعامل ابنته كما عامل فاطمةعليها‌السلام في بيتها الذي تملّكته من دون حق تمليك من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ، وبقيت من بعده تتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم ، حتى انّ أبا بكر وعمر دفنا فيه بعد إذنها ، فهل كان يحق له ذلك ؟ وهل كان يحق لها ذلك ؟ مع أنّهم جميعاً أجانب عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإن كان البيت ميراثاً وجب استئذان جميع الورثة ، وإن كان صدقة وجب استئذان المسلمين ، وإن كان ملكاً لعائشة كذّبها الحديث المشهور :« ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة » (1) ولم يرد في حديث : ما بين منبري وبيت عائشة روضة من رياض الجنة.

إنّها مسائل معضلة ، لمن لا يريد فهم المشكلة ، إنّها الدنيا وقد حليت في أعينهم فراقهم زبرجها ، فارتكبوا كل أمر خطير ، والحساب عسير.

ولو سلّم المجادل في صحة ما رواه أبوها وقال : يحق لعائشة في بيتها لا من جهة الإرث ، لأنّه لها التسع من الثمن ، ولكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ملّكها في حياته ، فلماذا لم تطالب هي ولا واحدة من بقية الأزواج ببينة على أنّ البيوت لهنّ نحلة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما طولبت الزهراءعليها‌السلام بالبينة على غلتها ، إنّها مفارقات عجيبة.

__________________

متعددة عن علي والزبير وأنس وسلمة وأبي هريرة وتفاوت في بعض الألفاظ ، وأخرجه في أماكن اُخرى من صحيحه , وأخرجه مسلم في صحيحه 1 : 7 كما في المقدمة ، وذكر حديث علي وأنس وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة بأسانيد مختلفة والفاظ متفاوتة ، وأخرجه ابن ماجه ، وأبو داود ، والترمذي ، وأحمد ، والدارمي ، والبيهقي ، وابن حبان وآخرون كثيرون , راجع عنهم موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف 4 : 524.

(1) صحيح مسلم 4 : 123 ، عن أبي هريرة ، وعن عبد الله بن زيد المازني في باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة.

٤٩٧

ورحم الله علي بن الفارقي مدرس العربية ببغداد ، وقد سأله ابن أبي الحديد فقال : قلت له : أكانت فاطمة صادقة في دعواها ؟ قال : نعم ، قلت : فلم لم يدفع إليها أبو بكر فَدَك وهي صادقة ؟ فتبسم ثم قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه وحرمته وقلة دعابته ، قال : لو أعطاها اليوم فَدَك بمجرد دعواها ، لجاءت إليه غداً وادعت لزوجها الخلافة ، وزحزحته عن مقامه ، ولم يكن يمكنه الاعتذار والمدافعة بشيء ، لأنّه يكون قد سجل على نفسه بأنّها صادقة فيما تدّعي ، كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة ولا شهود(1) .

وقفة ايضاح واستيضاح :

لابد للباحث عن الحقيقة ، من معاناة البحث مهما تكثّرت المصاعب مما يعترض طريقه ، وحديث : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) الذي رواه أبو بكر محتجاً به دفع مطالبة الزهراءعليها‌السلام بفدك نحلة وميراثاً ، قد جرى عليه تحوير وتزوير ، سواء في رواته أو روايته ، وحتى فيما جرى الإختلاف والنقاش في قراءته.

ومهما تهضّمنا تزوير الرواة عدداً ، فلا يسعنا ذلك في تعدد روايته ، ولابدّ لنا من استبيان الصحيح في قراءته ؛ لأنّ الإختلاف بين أنصار الخلافة وأنصار الإمامة ، أحدث جدلاً في الحوار العقائدي ، لا تزال مصادر التراث عند الطرفين تحتفظ بنماذج تتأرجح بين المكابرة والمصابرة ، ويجد الباحث ذلك جليّاً عند من قرأ كلمة ( صدقةٌ ) بالرفع ، كما هو شأن أنصار الخلافة ليتم لهم ما أراد أبو بكر من حجة الدفع ، أمّا من قرأ الكلمة ( صدقةً ) بالنصب ، كما هو شأن أنصار الإمامة ليتم لهم ما أرادوا من دفع الدفع.

وهكذا بقيت المكابرة تدفعها المصابرة في حدود الحوار العلمي ، ولم يكن

__________________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 16 : 284.

٤٩٨

الاختلاف وليد ساعة رواية من رواه ، بل حدث بعد زمان خلافته ، حيث نشط علماء الكلام من مدرسة الخلافة في توجيه قراءته بإعرابه بالرفع ، ليرفعوا عنهم إصر الدفع ، فكان من الطبيعي أن ينبري علماء الكلام من أنصار الإمامة إلى الرد على أولئك بتقريب قراءة النَصب لدفع حدة أهل النُصب ، وهذا ما أسعر نار الخصام بين علماء الكلام ، وسرى أوارها إلى علماء الحديث من أنصار الخلافة ، ولا يبعد أن تكون السياسة دسّت أنفها في توسيع الفجوة.

ولو أردنا أن نفحص التراث السني بحثاً عن الصحيح في القراءة ، سنجد سيلاً من صور الحديث المختلفة مع وحدة الراوي ووحدة السبب ، وهذا مما يبعث على العجب ، وقد يفاجأ القارئ إذا أحيط علماً بأنّ صور الحديث تجاوزت العشرة ، وهو حديث واحد رواه أبو بكر ، فمن أين جاء الاختلاف في الرواية بين روايات كتب الصحاح والسنن والمسانيد والتاريخ والسيرة ؟

والجواب ببساطة : إنّما جاء من الرواة من بعد أبي بكر ، فكلّما سمعوا نقداً له في دلالته ، وضعوا ما يسدّ الثغرة ولو بتحوير في قراءته ، ولما كان استعراض جميع التراث السني التي ذكرت الحديث بصوره المختلفة يحتاج وقتاً طويلاً ، فسأكتفي بعرض صور الحديث المختلفة في كتابين ، هما عند أنصار الخلافة من خيرة الصحاح ، وما ورد فيهما معاً محكوم عليه بالصحة عندهم ، والحديث الذي يرد فيهما معاً يقولوا عنه : متفق عليه ولا مجال لردّه ؛ لأنّه أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين ، والصيد كل الصيد في جوف الفراء.

فنقول : لقد ورد الحديث في صحيح البخاري في عدة مواضع نافت العشرة ، كما ورد في صحيح مسلم في خمسة مواضع ، وقد اختلفت صور الحديث فيهما اختلافاً بيّناً يوهن الاحتجاج بالحديث ، ويكشف عن تعمّد الإبهام والإيهام لاستغفال القرّاء ، وسد باب الاستيضاح والاستفهام ، في وجه من يسأل ، حتى ولو لم يرد الحجاج والخصام.

٤٩٩

وإلى القارئ عرض صور الحديث عند البخاري ، ومن بعد صوره عند مسلم.

فماذا عند البخاري ؟

الجواب : عنده بصورة ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) وعنده بصورة ( لا نورّث ما تركنا فهو صدقة ) وعنده بصورة ثالثة : ( لا نورّث ما تركناه صدقة ) وكل من هذه الصور الثلاث وردت في عدة مواضع من صحيح البخاري سأعرضها أمام القارئ سنداً ومتناً ، معتمداً على طبعة بولاق الموثقة بأختام مشيخة الإسلام أيام عبد الحميد السلطان العثماني عام 1313 ه‍ ، ليرى الاختلاف الموهن للاستدلال.

الصورة الأولى : وردت أولاً في كتاب الجهاد والسير(1) ، قال البخاري : حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله ، حدّثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح ، عن ابن شهاب قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين ، أخبرته أنّ فاطمةعليها‌السلام ابنة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) سألت أبا بكر أن يقسم لها ميراثها ما ترك رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) مما أفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : ( لا نورّث ماتركنا صدقة ).

فغضبت فاطمة بنت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ستة أشهر ، قالت : وكانت فاطمة تسأل نصيبها مما ترك رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) من خيبر وفدك ، وصدقته بالمدينة ، فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال : لست تاركاً شيئاً كان رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يعمل به إلاّ وعملت به ، فإنّي أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ ، فأما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس ، وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر وقال : هما صدقة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه ، وأمرهما إلى من ولي الأمر ، فهما على ذلك إلى اليوم.

__________________

(1) صحيح البخاري 4 : 79 ، كتاب الجهاد والسير ، باب فرض الخمس.

٥٠٠