المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط0%

المحسن السبط مولود أم سقط مؤلف:
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 628

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف: السيد محمد مهدي
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف:

الصفحات: 628
المشاهدات: 76644
تحميل: 5722

توضيحات:

المحسن السبط مولود أم سقط
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 628 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76644 / تحميل: 5722
الحجم الحجم الحجم
المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية

والسؤال الذي يفرض نفسه في المقام ، من هو القائل : ( فهما على ذلك إلى اليوم ) ؟ أهي عائشة ؟ أو هو عروة ؟ أو هو الزهري ؟ أو هم الرواة من بعده ؟ أو هو البخاري المتوفى 256 ه‍ ؟.

الصورة الثانية : في كتاب الجهاد والسير(1) قال البخاري :

حدّثنا إسحاق بن محمد الفروي ، حدّثنا مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، وكان محمد بن جبير ذكر لي ذكراً من حديثه ذلك ، فانطلقت حتى أدخل على مالك بن أوس فسألته عن ذلك الحديث ، فقال مالك : بينا أنا جالس في أهلي حين قشع النهار ، إذا رسول عمر بن الخطاب يأتيني فقال : أجب أمير المؤمنين ، فانطلقت معه حتى أدخل على عمر ، فإذا هو جالس على رمال سرير ليس بينه وبينه فراش ، متكئ على وسادة من أدم ، فسلّمت عليه ثم جلست ، فقال : يا مال إنّه قدم علينا من قومك أهل أبيات ، وقد أمرت فيهم برضخ فاقبضه فاقسمه بينهم ، فقلت : يا أمير المؤمنين لو أمرت به غيري ، قال : اقبضه أيّها المرء.

فبينا أنا جالس عنده أتاه حاجبه يرفأ فقال : هل لك في عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص يستأذنون ؟ قال : نعم ، فأذن لهم فدخلوا فسلّموا وجلسوا ، ثم جلس يرفأ يسيراً ثم قال : هل لك في علي وعباس ؟ قال : نعم ، فأذن لهما فسلّما فجلسا ، فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ، وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله( صلّى الله عليه وسلّم ) من بني النضير ، فقال الرهط عثمان وأصحابه : يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر.

قال عمر : تيدكم أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمون أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) يريد رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) نفسه ؟ قال

__________________

(1) المصدر نفسه 4 : 79 ـ 81 ، كتاب الجهاد والسير ، باب فرض الخمس.

٥٠١

الرهط : قد قال ذلك ، فأقبل على علي وعباس فقال : أنشدكما الله أتعلمان انّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قد قال ذلك ؟ قال : قد قال ذلك.

قال عمر : فإنّي أحدثكم عن هذا الأمر ، إنّ الله قد خصّ رسوله( صلّى الله عليه وسلّم ) في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره ، ثم قرأ :( وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ ) ـ إلى قوله ـ :( قَدِيرٌ ) (1) ، فكانت هذه خالصة لرسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، والله ما احتازها دونكم ، ولا استأثر بها عليكم ، قد أعطاكموه وبثّها فيكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي يجعله مجعل مال الله ، فعل رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) بذلك حياته ، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك ؟ قالوا : نعم ، ثم قال لعلي وعباس : أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك ؟

قال عمر : ثم توفى الله نبيّه( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال أبو بكر : أنا ولي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، والله يعلم إنّه فيها لصادق بارّ راشد تابع للحق ، ثم توفى الله أبا بكر فكنت أنا ولي أبي بكر ، فقبضتها سنتين من أمارتي أعمل فيها بما عمل رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وما عمل فيها أبو بكر ، والله يعلم أنّي فيها لصادق بارّ راشد تابع للحق ، ثم جئتماني تكلّماني وكلمتكما واحدة وأمركما واحد ، جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك ، وجاءني هذا ـ يريد علياً ـ يريد نصيب امرأته من أبيها ، فقلت لكما : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ).

فلما بدا لي أن أدفعه إليكما ، قلت : إن شئتما دفعتها إليكما على أنّ عليكما عهد الله وميثاقه فتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وبما عمل فيها أبو بكر ، وبما عملت فيها منذ وليتها ، فقلتما : إدفعها إلينا فبذلك دفعتها إليكما ، فأنشدكم

__________________

(1) الحشر : 6.

٥٠٢

بالله هل دفعتها إليهما بذلك ؟ قال الرهط : نعم ، ثم أقبل على علي وعباس فقال : أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك ؟ قالا : نعم ، قال : فتلتمسان منّي قضاءً غير ذلك ؟ فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك ، فإن عجزتما عنها فادفعاها إليَّ فإنّي أكفيكماها(1) .

الصورة الثالثة : في باب مناقب قرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومنقبة فاطمةعليها‌السلام بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :« فاطمة سيدة نساء أهل الجنة » (2) ، قال البخاري :

حدّثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزهري قال : حدّثني عروة بن الزبير ، عن عائشة أنّ فاطمةعليها‌السلام أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فيما أفاء الله على رسوله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، تطلب صدقة النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) التي بالمدينة ، وفدك ، وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : لا نورّث ما تركنا فهو صدقة ، إنّما يأكل آل محمد من هذا المال ـ يعني مال الله ـ ليس لهم أن يزيدوا على المأكل ، وإنّي والله لا أغيّر شيئاً من صدقات رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) التي كانت عليها في عهد النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) ، ولأعملنّ فيها بما عمل فيها رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فتشهّد عليّ ثم قال : إنّا عرفنا يا أبا بكر فضيلتك ، وذكر قرابتهم من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وحقهم ، فتكلّم أبو بكر فقال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي.

__________________

(1) لقد قال عمر فيما قال : ثم توفى الله نبيّه ( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال أبو بكر : أنا وليّ رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) فقبضها وقال أيضاً : ثم توفى الله أبا بكر فكنت أنا وليّ أبي بكر فقبضتها سنتين ، فمن حق السائل أن يسأل كيف صدّق الصحابة الحضور وصادقوا على قول عمر : أبو بكر وليّ رسول الله ، وعمر وليّ أبي بكر ، وفهم الجميع عموم الولاية ، ولم يفهموا جميعاً ذلك العموم من قول النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) في غدير خم : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » وفي لفظ : « من كنت وليّه فعلي وليّه » وهذا ما قاله في أكثر من مورد ، ورواه أكثر من واحد ، وأخرجه أكثر من عشرين حافظاً فيما أحصيت ، أمثال ابن حبان في صحيحه ، وأحمد في مسنده ، والحاكم في مستدركه ، والبيهقي في سننه ، والنسائي في خصائصه ، والطبراني في معجمه الكبير ، وغيرهم وغيرهم.

(2) صحيح البخاري ، باب مناقب قرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله 5 : 20.

٥٠٣

الصورة الرابعة قال البخاري(1) :

حدّثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان النصري ، أنّ عمر بن الخطاب دعاه إذ جاءه حاجبه يرفأ فقال : هل لك في عثمان ، وعبد الرحمن ، والزبير ، وسعد يستأذنون ؟ فقال : نعم ، فأدخلهم ، فلبث قليلاً ثم جاء فقال : هل لك في عباس وعلي يستأذنان ؟ قال : نعم ، فلما دخلا قال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ، وهم يختصمان في الذي أفاء الله على رسوله( صلّى الله عليه وسلّم ) من بني النضير ، فاستبّ علي وعباس ، فقال الرهط : يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر.

فقال عمر : اتئدوا ، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) يريد بذلك نفسه ؟ قالوا : قد قال ذلك ، فأقبل عمر على عباس وعلي فقال : أنشدكما بالله هل تعلمان أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قد قال ذلك ؟ قالا : نعم ، قال : فإنّي أحدّثكم عن هذا الأمر ، إنّ الله سبحانه كان خص رسوله( صلّى الله عليه وسلّم ) في هذا الفيء بشيء لم يخصه أحداً غيره ، فقال جلّ ذكره :( أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ) ـ إلى قوله ـ :( قَدِيرٌ ) (2) ، فكانت هذه خالصة لرسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، ثم والله ما احتازها دونكم ولا استأثرها عليكم ، لقد أعطاكموها وقسّمها فيكم ، حتى بقي هذا المال منها ، فكان رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مال الله.

فعمل ذلك رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) حياته ، ثم توفي النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال أبو بكر : فأنا وليّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فقبضه أبو بكر فعمل فيه بما عمل به رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وأنتم حينئذٍ ـ فأقبل

__________________

(1) صحيح البخاري 5 : 89 ، باب حديث بني النضير ، ومخرج رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) إليهم في دية الرجلين وما أرادوا من الغدر برسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) .

(2) الحشر : 6.

٥٠٤

على علي وعباس وقال : ـ تذكران أنّ أبا بكر فيه كما تقولان ، والله يعلم أنّه فيه لصادق بارّ راشد تابع للحق ، ثم توفى الله أبا بكر فقلت : أنا ولي رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وأبي بكر(1) ، فقبضته سنتين من إمارتي أعمل فيه بما عمل رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وابو بكر ، والله يعلم أنّي فيه صادق بارّ راشد تابع للحق ، ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع ، فجئتني ـ يعني عباساً ـ فقلت لكما : انّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) ، فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت : إن شئتما دفعته إليكما على أنّ عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيه بما عمل فيه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وأبو بكر ، وما عملت فيه مذ وليت ، وإلاّ فلا تكلّماني ، فقلتما : ادفعه إلينا بذلك فدفعته إليكما ، فتلتمسان منّي قضاء غير ذلك ، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيه بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنه فادفعا إليّ فأنا أكفيكما. قال : فحدّثت هذا الحديث عروة بن الزبير فقال : صدق مالك بن أوس.

الصورة الخامسة : سمعت عائشة زوج النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) تقول : أرسل أزواج النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهنّ مما أفاء الله على رسوله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فكنت أنا أردهنّ ، فقلت إليهنّ : ألا تتقين الله ، ألم تعلمن أنّ النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) كان يقول : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) يريد بذلك نفسه ، إنّما يأكل آل محمد( صلّى الله عليه وسلّم ) في هذا المال ، فانتهى أزواج النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) إلى ما أخبرتهنّ ، قال : فكانت هذه الصدقة بيد علي ، منعها علي عباساً فغلبه عليها ، ثم كان بيد حسن بن علي ، ثم بيد حسين بن علي ، ثم بيد علي بن حسين وحسن بن حسن كلاهما كانا يتداولونها ، ثم بيد زيد بن حسن ، وهي صدقة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) حقاً.

__________________

(1) لقد مرّ في الصورة الثالثة من النص قول عمر : ( فكنت أنا ولي أبي بكر ) وفي هذا المورد ارتقى فقال : أنا ولي رسول الله وأبي بكر ، فمن رقّاه ؟

٥٠٥

الصورة السادسة قال البخاري(1) : حدّثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنّ فاطمةعليها‌السلام والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما ، أرضه من فدك وسهمه من خيبر ، فقال أبو بكر : سمعت النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : ( لا نورث ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ) والله لقرابة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أحب إليَّ أن أصل من قرابتي.

الصورة السابعة قال البخاري(2) :

حدّثنا يحيى بن بكر ، حدّثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أنّ فاطمةعليها‌السلام بنت النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد( صلّى الله عليه وسلّم ) في هذا المال ) وإنّي والله لا أغيّر شيئاً من صدقة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) .

فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك ، فهجرته فلم تكلّمه حتى توفيت ، وعاشت بعد النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها عليّ ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلّى عليها.

وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة ، فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس ، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ، ولم يكن يبايع تلك الأشهر ، فأرسل إلى أبي بكر أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك كراهية لمحضر عمر ، فقال عمر : لا والله لا تدخل عليهم وحدك ، فقال أبو بكر : وما عسيتهم أن يفعلوا بي ، والله لآتينّهم.

فدخل عليهم أبو بكر ، فتشهد علي فقال : إنّا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك ، ولكنّك استبددت علينا بالأمر ، وكنّا نرى

__________________

(1) صحيح البخاري 5 : 90.

(2) صحيح البخاري 5 : 139 ، باب غزوة خيبر.

٥٠٦

لقرابتنا من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) نصيباً ، حتى فاضت عينا أبي بكر ، فلما تكلّم أبو بكر قال : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أحبّ إليَّ أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آل فيها عن الخير ، ولم أترك أمراً رأيت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يصنعه فيها إلا صنعته.

فقال علي لأبي بكر : موعدك العشية للبيعة ، فلما صلّى أبو بكر الظهر رقى على المنبر ، فتشهد وذكر شأن عليّ وتخلّفه عن البيعة ، وعذره بالذي اعتذر إليه ثم استغفر ، وتشهد عليّ فعظّم حق أبي بكر ، وحدّث أنّه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر ، ولا إنكاراً للذي فضّل الله به ، ولكنّا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً فاستبدّ علينا ، فوجدنا في أنفسنا ، فسُرّ بذلك المسلمون وقالوا : أصبت ، وكان المسلمون إلى علي قريباً حين راجع الأمر بالمعروف.

الصورة الثامنة قال البخاري(1) :

حدّثنا سعيد بن عُفير ، قال : حدّثني الليث ، قال : حدّثني عقيل ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان ، وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكراً من حديثه ، فانطلقت حتى دخلت على مالك بن أوس فسألته ، فقال مَلِك : انطلقت حتى أدخل على عمر إذ أتاه حاجبه يرفأ فقال : هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون ؟ قال : نعم ، فأذن لهم ، قال : فدخلوا وسلّموا فجلسوا ، ثم لبث يرفأ قليلاً فقال لعمر : هل لك في علي وعباس ؟ قال : نعم ، فأذن لهما.

فلما دخلا سلّما وجلسا ، فقال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ، فقال الرهط عثمان وأصحابه : يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر ، فقال عمر : اتئدوا أنشدكم بالله الذي به تقوم السماء والأرض هل تعلمون أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) يريد رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) نفسه ؟ قال

__________________

(1) صحيح البخاري 7 : 63 ، كتاب النفقات ، باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله وكيف نفقات العيال.

٥٠٧

الرهط : قد قال ذلك ، فأقبل عمر على علي وعباس فقال : أنشدكما بالله هل تعلمان رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال ذلك ؟ قالا : قد قال ذلك.

قال عمر : فإنّي أحدثكم عن هذا الأمر : إنّ الله كان خصّ رسوله( صلّى الله عليه وسلّم ) في هذا المال بشيء لم يعطه أحداً غيره ، قال الله :( وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ ) ـ إلى قوله ـ :( قَدِيرٌ ) (1) ، فكانت هذه خالصة لرسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، والله ما احتازها دونكم ، ولا استأثر بها عليكم ، لقد أعطاكموها وبثّها فيكم ، حتى بقي منها هذا المال فكان رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله ، فعمل بذلك رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) حياته ، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك ؟ قالوا : نعم ، قال لعلي وعباس : أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك ؟ قالا : نعم.

ثم توفى الله نبيّه( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال أبو بكر : أنا وليّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فقبضها أبو بكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وأنتما حينئذٍ ـ وأقبل على علي وعباس ـ تزعمان أنّ أبا بكر كذا وكذا ، والله يعلم أنّه فيها صادق بارّ راشد تابع للحق ، ثم توفى الله أبا بكر فقلت : أنا وليّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وأبي بكر ، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وأبو بكر ، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع ، جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك ، وأتى هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها ، فقلت : إن شئتما دفعته إليكما على أنّ عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل به رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وبما عمل به فيها أبو بكر ، وبما عملت فيها منذ وليتها ، وإلا فلا تكلّماني فيها ، فقلتما : ادفعها إلينا بذلك ، فدفعتها إليكما بذلك ، أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك ؟ فقال الرهط : نعم ، قال : فأقبل على علي وعباس فقال : أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك ؟ قالا : نعم ، قال : أفتلتمسان منّي قضاء غير

__________________

(1) الحشر : 6.

٥٠٨

ذلك ، فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنها فادفعاها فأنا أكفيكماها.

الصورة التاسعة قال البخاري(1) : حدّثنا عبد الله بن محمد ، حدّثنا هشام ، أخبرنا معمّر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمهما من خيبر ، فقال لهما أبو بكر : سمعت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يقول : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد من هذا المال ) قال أبو بكر : والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يصنعه فيه إلاّ صنعته ، قال : فهجرته فاطمة فلم تكلّمه حتى ماتت.

الصورة العاشرة قال البخاري(2) : حدّثنا إسماعيل بن أبان ، أخبرنا ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنّ النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ).

الصورة الحادية عشرة قال البخاري(3) : حدّثنا يحيى بن بكير ، حدّثنا الليث ، عن عُقيل ، عن ابن شهاب قال : أخبرني مالك بن أوس بن الحدثان ـ وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي من حديثه ذلك ، فانطلقت حتى دخلت عليه فسألته ـ فقال : انطلقت حتى أدخل على عمر ، فأتاه حاجبه يرفأ فقال : هل لك في عثمان ، وعبد الرحمن ، والزبير ، وسعد ؟ قال : نعم ، فأذن لهم ، ثم قال : هل لك في علي وعباس ؟ قال : نعم.

قال عباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا ، قال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : ( لا نورث ما تركنا

__________________

(1) صحيح البخاري 8 : 149 ، كتاب الفرائض باب قول النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ).

(2) المصدر نفسه 8 : 149.

(3) المصدر نفسه 8 : 149.

٥٠٩

صدقة ) يريد رسول الله نفسه ؟ فقال الرهط : قد قال ذلك ، فأقبل على علي وعباس فقال : هل تعلمان أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال ذلك ؟ قالا : قد قال ذلك.

قال عمر : فإنّي أحدّثكم عن هذا الأمر ، إنّ الله قد كان خص رسوله( صلّى الله عليه وسلّم ) في هذا الفيء بشيء لم يعطه أحداً غيره ، فقال( عزّ وجلّ ) :( وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ) ـ إلى قوله ـ :( قَدِيرٌ ) (1) ، فكانت خالصة لرسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، والله ما احتازها دونكم ، ولا استأثر بها عليكم ، لقد أعطاكموه وبثّها حتى بقي منها هذا المال ، فكان النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) ينفق على أهله من هذا المال نفقة سنته ، ثم يأخذ ما بقي منها فيجعله مجعل مال الله ، ففعل بذاك رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) حياته ، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك ؟ قالوا : نعم ، ثم قال لعلي وعباس : أنشدكما بالله هل تعلمان ذلك ؟ قالا : نعم.

فتوفى الله نبيّه( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال أبو بكر : أنا وليّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فقبضها فعمل بما عمل به رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، ثم توفى الله أبا بكر فقلت : أنا وليّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فقبضتها سنتين أعمل فيها ما عمل رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وأبو بكر ، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع ، جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك ، وأتاني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها ، فقلت : إن شئتما دفعتها إليكما بذلك ، فتلتمسان منّي قضاء غير ذلك ، فوالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما فادفعاها إليّ فأنا أكفيكماها.

الصورة الثانية عشرة قال البخاري(2) : حدّثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة أنّ أزواج النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) حين توفى رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهنّ ، فقالت عائشة : إليس قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ).

__________________

(1) الحشر : 6.

(2) المصدر نفسه 8 : 150 ، نفس الباب السابق.

٥١٠

الصورة الثالثة عشرة قال البخاري(1) : حدّثنا عبد الله بن يوسف ، حدّثنا الليث ، حدّثني عقيل ، عن ابن شهاب قال : أخبرني مالك بن أوس النصري ـ وكان محمد بن جبير بن مطعم ذكر لي ذكراً من ذلك فدخلت على مالك فسألته ـ فقال : انطلقت حتى أدخل على عمر أتاه حاجبه يرفأ فقال : هل لك في عثمان ، وعبد الرحمن ، والزبير ، وسعد يستأذنون ؟ قال : نعم ، فدخلوا فسلموا وجلسوا ، فقال : هل لك في علي وعباس فأذن لهما ، قال العباس : يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين الظالم فاستبّا ، فقال الرهط عثمان وأصحابه : يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر.

فقال : اتئدوا ، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) يريد رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) نفسه ، قال الرهط : قد قال ذلك ، فأقبل عمر على علي وعباس فقال : أنشدكما بالله هل أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال ذلك ؟ قالا : نعم ، قال عمر : فإنّي محدّثكم عن هذا الأمر ، إنّ الله كان خص رسوله( صلّى الله عليه وسلّم ) في هذا المال بشيء لم يعطه أحداً غيره ، فإنّ الله يقول :( وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ ) (2) الآية.

فكانت هذه خالصة لرسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، ثم والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم ، وقد أعطاكموها وبثّها فيكم حتى بقي منها هذا المال ، وكان النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله ، فعمل النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) بذلك في حياته ، أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك ؟ فقالوا : نعم ، ثم قال لعلي وعباس : أنشدكما الله هل تعلمان ذلك ؟ قالا : نعم.

__________________

(1) المصدر نفسه 9 : 97 ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم.

(2) الحشر : 6.

٥١١

ثم توفى الله نبيّه( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال أبو بكر : أنا وليّ رسوله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، فقبضها أبو بكر فعمل فيها بما عمل فيها رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وأنتما حينئذٍ ـ وأقبل على علي وعباس ـ تزعمان أنّ أبا بكر فيها كذا ، والله يعلم أنّه فيها صادق بارّ راشد تابع للحق ، ثم توفى الله أبا بكر فقلت : أنا وليّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وأبي بكر ، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل به رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وأبو بكر.

ثم جئتماني وكلمتكما على كلمة واحدة وأمركما جميع ، جئتني تسألني نصيبك من ابن أخيك ، وأتاني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها ، فقلت : إن شئتما دفعتها إليكما على أنّ عليكما عهد الله وميثاقه تعملان فيها بما عمل به رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وبما عمل فيها أبو بكر ، وبما عملت فيها منذ وليتها ، وإلا فلا تكلّماني فيها ، فقلتما : ادفعها إلينا بذلك ، فدفعتها إليكما بذلك ، أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك ؟ قال الرهط : نعم.

فأقبل على علي وعباس فقال : أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك ؟ قالا : نعم ، قال : أفتلتمسان منّي قضاء غير ذلك ، فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنها فادفعاها إليّ فأنا أكفيكماها.

هذه موارد ذكر الحديث بلفظ ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) تكرّرت أكثر من عشر مرّات ، وأما بلفظ : ( لا نورّث ما تركنا فهو صدقة ) ورد مرّة واحدة كما مرّ.

وإذا لاحظنا الأسانيد في تلك الموارد ، نجد سبعة منها مدارها على الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، كما في الموارد : 1 ـ 3 ـ 5 ـ 6 ـ 7 ـ 10 ـ 12 ، وخمسة مدارها على الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، كما في الموارد : 2 ـ 4 ـ 8 ـ 11 ـ 13.

وإذا قارنّا بين الروايات نجد التفاوت اللفظي كثيراً مما يغيّر أو يغاير بين المعاني ، مضافاً إلى التضبيب المتعمد من البخاري على ما قاله عمر لعلي وعباس

٥١٢

في رأيهما في صنع أبي بكر ، والتعبير عن ذلك بكذا وكذا ، بينما نرى معاصره مسلم بن الحجاج أصدق لهجة وحديثاً منه في ذكر ذلك بصراحة تامة في صحيحه ، كما سيأتي.

ثم إنّ البخاري دسّ بأنف أبي هريرة بين تلك الموارد ، فذكر حديثاً في كتاب الفرائض في باب قول النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) فقال(1) : حدّثنا إسماعيل قال : حدّثني مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : ( لا يقتسم ورثتي ديناراً ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة ).

وهذا أخرجه مسلم في صحيحه(2) ، باسنادين توثيقاً للخبر ، ثم ارتقى بأبي هريرة بسند ثالث عنه عن النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) قال : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) وهذا فيما يبدو من التدرج من خبره الأول : لا يقتسم ورثتي ديناراً الخ ، حتى روى عين ما رواه أبو بكر ورواه عمر وروته عائشة ، ولا غرابة فهو من الضالعين في ركاب الحاكمين.

روايات الحديث في صحيح مسلم :

أورد مسلم الحديث أربع مرّات بأسانيده إلى كل من الزهري عن عروة عن عائشة ، فمرّة في حديثها عن أزواج النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) أردن أن يبعثن عثمان .

ومرّتين في حديثها أنّ فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) .

ومرّة في حديثها أنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر.

__________________

(1) صحيح البخاري 8 : 150.

(2) صحيح مسلم 5 : 156.

٥١٣

وأورده مرّة واحدة باسناده إلى الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان في خصومة علي والعباس ، وعطف عليه ثانية مشيراً إليه باسناد آخر(1) .

كما أنه لم يخل صحيحه من روايتي أبي هريرة ، كما مرّت الإشارة إلى ذلك قريباً.

وكل مرويات مسلم تجدها في كتاب الجهاد والسير في باب حكم الفيء ، وباب قول النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : ( لا نورّث ما تركنا صدقة )(2) .

وإذا قارنّا بين مرويات مسلم ومرويات البخاري ، فيما اتفقا عليه اسناداً بدءاً من الزهري ، سواء في حديثه عن عروة عن عائشة ، أو حديثه عن مالك بن أوس بن الحدثان ، لا نجد حقيقة الاتفاق بتمام اللفظ والمعنى ، بل نجد التفاوت واضحاً ، ولا نطيل البحث في ذلك ، إلاّ أنّ الذي لا ينبغي التجاوز عنه هو ما جاء في حديث مالك بن أوس عند مسلم من قول عباس : اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن ، ولما كان مسلم قد روى الخبر بأسانيد بعضها عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، وقد مرّ الخبر عن عبد الرزاق في المصنف(3) ، وليس فيه قول العباس في علي : هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن.

والذي ورد في البخاري في كتاب الاعتصام ـ كما مرّ ـ قوله : اقض بيني وبين الظالم ، استبّا. ولما كان ذلك في الفظاعة مما ينمّ عن كذب راويه ، فقد جعل موازنة لما يأتي بعده في نفس الخبر من قول عمر لعلي والعباس : فرأيتماه ـ يعني أبا بكر في قضائه عليهما ـ كاذباً آثماً غادراً خائناً ، والله يعلم إنّه لصادق

__________________

(1) صحيح مسلم 2 : 53.

(2) صحيح مسلم 5 : 151 ط صبيح ، و 2 : 52 ط بولاق.

(3) المصنف 5 : 469.

٥١٤

بار راشد تابع للحق ، ثم توفي أبو بكر وأنا وليّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وولي أبي بكر ، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً ، والله يعلم إنّي لصادق بارّ راشد تابع للحق.

وهذا الذي قاله عمر حكاية عنهما في أبي بكر وفيه ، أشدّ فظاعة خصوصاً مع سكوتهما عليه وعدم اعتذارهما منه ، إذ لم يتنصلا مما نسبه عمر إليهما ولم يدفعا عنهما بشيء ، بل سكوتهما ربما أشعر بإصرارهما على ذلك.

وقد تسبب ذلك في إرباك شراح الصحيحين ، ولولا خوف الإطالة لأحطت القارئ خُبراً بذلك ، وحسبي أن أحيله على قراءة ما في شرح النووي لصحيح مسلم(1) ، من أقوال المازري والقاضي عياض مما هو ظاهر البطلان ؛ لحملهما على الألفاظ معاني تأباها العقول السليمة بفطرتها.

كما أنّ في فتح الباري لابن حجر ، وارشاد الساري للقسطلاني ، وغيرهما من شروح صحيح البخاري نحو ذلك ، وقد علّق المعلّق على صحيح مسلم(2) قال : قوله : اقض بيني وبين هذا الخ ، كان سيدنا عمر على ما يأتي بيانه في ص 155 دفع صدقته( صلّى الله عليه وسلّم ) بالمدينة إلى علي وعباس( رضي الله تعالى عنهما ) على مقتضى طلبهما ، فغلبه عليها علي ، فكانا يتنازعان فيها.

فكان علي كما ذكره البلاذري يقول : إنّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جعلها في حياته لفاطمة ، وكان العباس يأبى ذلك ويقول : هي ملك رسول الله وأنا وارثه ، فكانا يتخاصمان إلى سيدنا عمر ، وأما ما روي هنا من قول عباس لعلي ، وكذا ما رواه البخاري في كتاب الاعتصام من قوله : ( اقض بيني وبين الظالم استبّا ) فمما يأبى القلب تصديق صدوره من عم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في حق ابن عم النبي وصهره ، وكذا رواية مسابتهما في خليفة مثل سيدنا عمر بمحضر من سادة الصحابة( رضي الله تعالى عنهم ) .

__________________

(1) شرح النووي لصحيح مسلم 12 : 71 ـ 76.

(2) صحيح مسلم 2 : 152 ، في الهامش.

٥١٥

ومهما يكن حشرهم وحشدهم فلن يستطيعوا إخفاء الحق ، ومهما يكن من زعمهم انقطاع الشيعة في ذلك ، فهو هراء محض ، ومن ذا الذي لا يقدر على دفع الباطل من الشيعة حتى زعموا انقطاعهم عند المحاججة.

ولمطارفة القراء أذكر لهم ما أشاروا إليه من محاججة الشيخ المفيد مع علي بن شاذان صاحب أبي بكر الباقلاني ، فقد ذكر الآبي الوشتاني ( ت 828 ه‍ ) في اكمال اكمال المعلم(1) في شرح حديث أبي هريرة : ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) قال : مجمع على صحته وقبوله من أهل السنة ، وأنّه اشتمل على جملتين ، والثانية هي قوله : ( ما تركناه صدقة ) ف‍ ( ما ) في موضع رفع بالابتداء و ( صدقة ) الخبر ، وحرّفه الإمامية قالوا : إنّما هو ( لا يورّث ) بالياء ، وما مفعوله ، وصدقة منصوبة على الحال ، وقالوا : إنّ المعنى : إنّ الشيء الذي تركناه صدقة لا يورّث ويورّث غيره ، وهذا خلاف ما فهمه أهل السنة ، وحمله عليه أئمة الصحابة ، ولما نص عليه الصدّيق مما يرفع الإبهام كقوله : كل مال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) صدقة ، وقوله في الحديث : إنّا لا نورّث ما تركنا فهو صدقة ، وكقوله في الحديث قبله : لا تقتسم ورثتي ديناراً ولا درهماً ما تركناه صدقة.

وقد اعترض بهذا الهوس أبو عبد الله بن المعلم من الأئمة الإمامية على القاضي علي بن شاذان صاحب القاضي أبي بكر الباقلاني لعلمه بضعفه في العربية ، فقال له ابن شاذان : لا أعلم ما صدقة من صدقة ، ولا أحتاج إلى ذلك في هذه المسأله ، هذه فاطمة وعلي والعباس لا شك عندي وعندك في أنّهم من أفصح العرب ، وأعلمهم بالفرق بين اللفظين ، وهذا أبو بكر من أفصح العالمين بذلك كالثلاثة ، وقد جاء الثلاثة يطلبون الميراث فأجابهم أبو بكر بالحديث ،

__________________

(1) اكمال اكمال المعلم 5 : 81.

٥١٦

فسلموا ولم ينازعوا ، فلو كان اللفظ لا يقتضي المنع لم يورده أبو بكر ولم يسلّمه الآخرون ، وأيضاً فالرفع هو المروي ومدعي النصب مبطل.

وهذا الذي ذكره الوشتاني لم يأت فيه بجديد ، بل سبق إلى ذكره من قبل أبو الوليد الباجي المالكي ( ت494 ه‍ ) فقد ذكر المحاججة بصورة أوسع(1) .

ومن الغريب جعلهم عدم ردّ الصديقة فاطمةعليها‌السلام ، والإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وعمهما العباسرضي‌الله‌عنه على أبي بكر احتجاجه بقراءة الحديث بالرفع دليلاً على صحة القراءة ، ولست أدري لماذا الاستغفال والتعمية ؟ ألا يكفي انصرافهم غضابى ، ومقاطعتهم لأبي بكر طيلة حياة فاطمةعليها‌السلام فلم يبايع واحد منهم ، أن يكون ذلك دليلاً على عدم قبولهم الحديث جملة وتفصيلاً ، وأما قراءة النصَب والرفع إنّما صار الكلام فيها عند المتكلمين بعد ذلك ، وقد مرّ في كلام الشريف المرتضى ما يتعلّق بالمقام في ردّه على القاضي عبد الجبار ، ونقله عنه ابن أبي الحديد فراجع.

وكم لعلماء التبرير من عناء مرير في التطوير والتحوير ، وبلغ الحال بهم إلى التزوير كما سيأتي نماذج من أقوالهم فيما يتعلّق بأحداث السقيفة وما بعدها ، وحتى إسقاط المحسن السبط فانتظر.

ونعود إلى حديث ( لا نورّث ) فنقول : الذي لا شك فيه أنّ أبا بكر قال ذلك مرّة واحدة في رد مطالبة الزهراءعليها‌السلام والعباس في دعوى الميراث ، فما ورد في مصادر الحديث عند العامة في أنّه قال ذلك في رد دعوى النحلة لا يمكن تصديقه ، لأنّ الردّ لا ينفي المدّعى ، ولو أغضينا النظر عن ذلك ، فما هو اللفظ الذي ذكره أبو بكر زاعماً أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قاله ، هل ( نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ) ؟ أو ( إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ) ؟

__________________

(1) المنتقى شرح موطأ مالك 7 : 317.

٥١٧

أو ( لا نورّث ما تركنا صدقة ) ؟ كما مرّ عن البخاري ومسلم.

أو ( لا نورّث ما تركناه صدقة ) ؟ وقد مرّ أيضاً.

أو ( لا نورّث ما تركنا فهو صدقة ) ؟ وقد مرّ أيضاً.

فبأيّ صيغة قاله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إن صح زعم الزاعم أنّه قال في ذلك شيئاً ؟ ولابدّ أن تكون الصيغة واحدة ، إذ لا يعقل أنّه قال ذلك مراراً بصيغ متعددة ولم يسمعها منه غير أبي بكر ، كما لا حاجة بنا إلى اتهام أبي بكر في اتيانه بجميع الصيغ المتعددة ما دام التداعي قد انتهى حين رد الزهراء والعباس عند مطالبتهما له بدعوى الميراث ، وما قيل عنه في رد دعوى النحلة لا يستقيم الاحتجاج به ، كما قلنا إنّ الرد برواية لا نورّث لا ينفي المدّعى.

ويدلّ على أن تخبّط الرواة من أنصار الخلافة هو السبب في الخلط بين المقامين في التداعي ، والذي يدل على صحة ما قلناه أنه في دعوى النحلة طالب الزهراءعليها‌السلام بالشهود ، ولسنا في مقام التبرير أو الإدانة في هذه المسألة ، لكن هل كان من حقه أن يطلب ذلك منها ، وهي صاحبة اليد وهو المدعي ، فعليه هو إقامة البينة على صحة ما يقول.

خطبة الزهراءعليها‌السلام :

( فإنّها من محاسن الخطب وبدايعها ، عليها مسحة من نور النبوّة ، وفيها عبقة من أرج الرسالة ، وقد أوردها المؤالف والمخالف ) هكذا قال عنها الإربلي ( ت 692 ه‍ ) ، وقد أوردها في كتابه كشف الغمة نقلاً عن كتاب السقيفة للجوهري من نسخة قديمة مقروءة على مؤلّفها في ربيع الآخر سنة ( 322 ه‍ ) روى عن رجاله من عدة طرق ، وقد مرّ بنا توثيق الجوهري ، وأنّه عالم محدث ، كثير الأدب ، ثقة ورع ، أثنى عليه المحدثون ، ورووا عنه مصنفاته.

٥١٨

وقد روى الخطبة عن عمر بن شبّة ، وهذا أيضاً وثّقه الدارقطني ، وابن أبي حاتم ، والخطيب وغيرهم كما في تهذيب التهذيب(1) ، ومرّ بنا نقل ما قالوه فيه أيضاً ، وذكرنا انّ وفاته كانت في جمادى الآخرة سنة 262 ه‍ ، فيعدّ هو أول من وصلت إلينا الخطبة من طريقه في التراث السني ، ومن بعده يأتي ابن طيفور ( ت280 ه‍ ) فقد رواها في بلاغات النساء(2) .

وثالث القوم ـ بعد عمر بن شبة وابن طيفور ـ هو ابن قتيبة ( ت 276 ه‍ ) فقد أشار إلى الخطبة في كتابه ( غريب الحديث )(3) ، فقال : لمّة الرجل من النساء مثله في السنّ. ومنه قيل في الحديث الموضوع ؟! على فاطمة( رحمها الله ) : إنّها خرجت في لمّة من نسائها تتوطأ ذيولها ، حتى دخلت على أبي بكر فكلّمته بذلك الكلام. وقد كنت كتبته وأنا أرى أن له أصلاً ، ثم سألت عنه رجال الحديث فقال لي بعض نقلة الأخبار : أنا أسنّ من هذا الحديث وأعرف من عمله.

أقول : ليت ابن قتيبة سمّى لنا من ذا الذي سأله من رجال الحديث ؟

وما اسم ذلك البعض من نقلة الأخبار الذي قال له هو أسنّ من الحديث ؟

ثم لماذا لم يسمّ له مَن عمله ما دام يزعم معرفته ؟

وأخيراً ما دام قرّ عند ابن قتيبة أنّه موضوع ، معتمداً على مقالة مجهول عن مجهول ، فلماذا استشهد به ما دام موضوعاً ؟

والغريب أن يقول ابن قتيبة ذلك ، ومعاصره ابن طيفور رواه وذكر الخطبة في كتاب ( بلاغات النساء ) وهو كتاب مطبوع ، ثم انّ ابن قتيبة ذكر بعد ما تقدم أنّ

__________________

(1) تهذيب التهذيب 7 : 460.

(2) بلاغات النساء : 14.

(3) غريب الحديث 1 : 590.

٥١٩

فاطمةعليها‌السلام قالت بعد موت أبيها( صلّى الله عليه وسلّم ) :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة

لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاختلّ قومك فاشهدهم ولا تغب(1)

والرابع من الأعلام في التراث السني هو المبارك مجد الدين ابن الأثير ( ت 606 ه‍ ) فقد ذكر الخطبة في كتابه ( منال الطالب في شرح طوال الغرائب )(2) كما أشار إليها في النهاية في غريب الحديث(3) ، فقال : في حديث فاطمة ( أنّها خرجت في لمّة من نسائها تتوطأ ذيلها إلى أبي بكر فعاتبته ) أي في جماعة من نسائها.

والخامس محمد بن عمران المرزباني رواها باسناده إلى عروة بن الزبير عن عائشة كما في شرح النهج(4) ، كما رواها المرزباني أيضاً باسناده إلى زيد بن علي بن الحسينعليه‌السلام عن آبائه(5) .

السادس وأخيراً من المعاصرين عمر رضا كحالة في كتابه أعلام النساء(6) ، فقد ذكر الخطبة.

أما مصادر الخطبة في التراث الشيعي فمن الطبيعي أن تفوق ما سبق عدداً ، غير أنّا نكتفي بذكر عدد ما سبق من القدماء.

__________________

(1) لقد مرّ ما يتعلق بالبيتين ونسبتهما إلى الصديقة إنشاءاً أو إنشاداً. وقد ذكرهما أهل اللغة في ( هنبث ) فراجع النهاية لابن الأثير 5 : 277 ، والفائق للزمخشري 4 : 116 ، ولسان العرب لابن منظور 2 : 199.

(2) منال الطالب : 501 ـ 534.

(3) غريب الحديث 4 : 273.

(4) شرح النهج 4 : 93.

(5) المصدر نفسه 4 : 94.

(6) أعلام النساء 4 : 116 ـ 123.

٥٢٠