المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط0%

المحسن السبط مولود أم سقط مؤلف:
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 628

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف: السيد محمد مهدي
المحقق: السيد حسن الموسوي الخرسان
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
تصنيف:

الصفحات: 628
المشاهدات: 76634
تحميل: 5722

توضيحات:

المحسن السبط مولود أم سقط
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 628 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 76634 / تحميل: 5722
الحجم الحجم الحجم
المحسن السبط مولود أم سقط

المحسن السبط مولود أم سقط

مؤلف:
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية
العربية
٦١

النقطة الخامسة

في كنى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام

النقطة الخامسة : في كنى الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام :

كان من حق هذا الموضوع تقديمه في البحث على ما سيق لو كنّا نبحث عن كنى الإمامعليه‌السلام وكم هي ؟ وما هي ؟ إلاّ أن بحثنا لم يكن في ذلك ، وإنما تطرقنا إليه بسبب حديث الاكتناء بأبي حرب الذي نسجه النسّاجون ، وطبّل له المهرّجون ، فحمله زوامل الاسفار والمخرّفون ولمّا انتهينا إلى تزييفه سنداً ومتناً ، لزمنا أن نعرّج على موضوع كنى الإمامعليه‌السلام ؛ لنرى هل كانت له كنى يعرف بها قبل ولادة أبنائه ؟ وبماذا كان يكنى ؟ ومن كنّاه ؟ وما هي أحب كنا إليه ؟

والجواب عن جميع هذه التساؤلات إنّما يكفي فيه البحث عن كنيته بأبي تراب دون بقية كناه كأبي الحسن وأبي الحسين أو أبي الحسنين أو أبي الرياحنتين أو أبي السبطين ، ونحو ذلك ما هو حادث بعد ولادة الأبناء له ، وإن كانت بعضها كنّاه بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كأبي الريحانتين ، وقد سلّم بها عليه كما في حديث جابر قالصلى‌الله‌عليه‌وآله :« سلام عليك أبا الريحانتين ، أوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهد ركناك والله خليفتي عليك » ، قاله لعلي ( أبو نعيم وابن عساكر ـ عن جابر )(1) .

ولمّا كان الحديث عن كنيته ( بأبي تراب ) يستدعي معرفة الزمن الذي حصلت فيه ، وإذا عرفنا أنها وردت في أحاديث كثيرة وكانت من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد

__________________

(1) كنز العمّال 12 : 220.

٦٢

كنّاه بها مراراً حين يراه في كل مرّة متوسداً التراب وقد أثر فيه ، فيقول له : أنت أبو تراب ، وتلك الأحاديث اختلف زمانها وتفاوتت أحداثها ، فلابد لنا من عرضها حسب تسلسلها الزمني :

المرة الأولى في حديث المؤاخاة :

وهو حديث مستفيض نقلاً ، أخبت بصحته الحفّاظ ، وأخرجه أصحاب الحديث والسير والتواريخ ، ولا يتطرق إليه ريب ، ويكفي في روايته المصادر التالية : المعجم الكبير(1) والأوسط وهما للطبراني ، ومجمع الزوائد للهيثمي(2) عن ابن عباس قال :

لما آخى النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فلم يؤاخ بين علي بن أبي طالب وبين أحد منهم ، وخرج مغضباً حتى أتى جدولاً فتوسّد ذراعه فسفت عليه الريح ، فطلبه النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) حتى وجده ، فوكزه برجله فقال له : قم فما صلحت أن تكون إلا أبا تراب ؟ أغضبت عليّ حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أؤاخ بينك وبين أحد منهم ؟ أما أن ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبي بعدي ، ألا من أحبّك حُفّ بالأمن والإيمان ، ومن أبغضك أماته الله ميتة جاهلية ، وحوسب بعمله في الإسلام.

أقول : وأخرجه المتقي الهندي في كنز العمال(3) ، والخوارزمي الحنفي في المناقب(4) ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة(5) .

__________________

(1) المعجم الكبير 11 : 62.

(2) مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 111.

(3) كنز العمّال 12 : 206.

(4) المناقب : 22.

(5) الفصول المهمّة : 22.

٦٣

وهذا الحديث أخرجه ابن عساكر في تاريخه(1) بسنده عن سماك بن حرب ، قال : قلت لجابر : إنّ هؤلاء القوم ـ يعني بني أمية ـ يدعونني إلى شتم علي ، قال : وما عسيت أن تشتمه به ؟ قال : أكنيه بأبي تراب.

قال : فوالله ما كانت لعلي كنية أحب إليه من أبي تراب ، انّ النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) آخى بين الناس ولم يؤاخ بينه وبين أحد ، فخرج حتى أتى كثيباً من رمل فنام عليه ، فأتاه النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) فقال : قم أبا تراب ، وجعل ينفض التراب عن ظهره وبردته ويقول : قم أبا تراب ، أغضبت إن أنا آخيت بين الناس ولم أواخ بينك وبين أحد ؟ قال : نعم ، فقال له : أنت أخي وأنا أخوك. وجاءت عدة أحاديث بهذا المعنى.

وإذا عرفنا أنّ المؤاخاة كانت مرّتين مرّة قبل الهجرة وأخرى بعد الهجرة بخمسة أشهر ، فإنّ تكنية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي بأبي تراب كانت في الثانية ، كما هو صريح حديث ابن عباس ؛ لذكر المؤاخاة فيها بين المهاجرين فقط ، وبناء على ذلك فتكون تكنية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأبي تراب قد وقعت بعد الهجرة بخمسة أشهر ، وهذا التحديد الزمني يعني أنّها كانت قبل ولادة الحسن أول أبنائه بأكثر من سنتين ونصف تقريباً ، لأنّ ولادة الحسنعليه‌السلام كانت في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة.

ولئن كانت تلك المرة هي الأولى التي كنى بها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله علياً بأبي تراب ، فانّها لم تكن الأخيرة ، فقد تكررّت أيضاً مرّة أخرى.

المرة الثانية في غزوة العُشيرة :

أخرج ابن عساكر في تاريخه(2) بأسانيده عن عمار بن ياسر ، والنسائي في الخصائص(3) عن عمار بن ياسر واللفظ له ، قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب

__________________

(1) تاريخ ابن عساكر ( ترجمة الإمام ) 1 : 23.

(2) المصدر نفسه 3 : 285.

(3) الخصائص : 39.

٦٤

رفيقين في غزوة العُشيرة من بطن ينبع ، فلما نزلها رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) أقام بها شهراً ، فصالح فيها بني مدلج وحلفاءهم من ضمرة فوادعهم ، فقال لي علي : هل لك يا أبا اليقظان أن نأتي هؤلاء النفر من بني مدلج يعملون في عين لهم ، فننظر كيف يعملون ؟ قال : قلت : إن شئت ، فجئناهم فنظرنا إلى أعمالهم ساعة ، ثم غشينا النوم ، فانطلقت أنا وعلي حتى اضطجعنا في ظل صور(1) من النخل وفي دقعاء(2) من التراب فنمنا ، فوالله ما أهبنا إلا رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) يحرّكنا برجله ، وقد تربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها.

فيومئذٍ قال رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) لعلي : مالك يا أبا تراب ؟ لما يرى عليه من التراب ، ثم قال : ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقة ، والذي يضربك على هذه ـ ووضع يده على قرنه ـ حتى يبلّ منها هذه ، وأخذ بلحيته.

وهذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده(3) ، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد(4) عن البزار ، والأسفراييني في معالم الاسلام كما في تاريخ ابن الوردي(5) ، والديار بكري في تاريخ الخميس(6) ، وورد في شرح المواهب للزرقاني(7) ، ودلائل النبوة لأبي نعيم ، وليس فيه : ( قم أبا تراب ) فمن الذي حذف

__________________

(1) الصور وصيران وأصوار : النخل الصغير.

(2) الدقعاء : التراب اللين.

(3) مسند أحمد بن حنبل 2 : 262 ؛ والحاكم في المستدرك 3 : 140 ؛ والطحاوي في مشكل الآثار 1 : 351 ؛ والمتقي الهندي في كنز العمّال 15 : 123 ، وقال أخرجه البغوي ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، وابن عساكر ، وابن النجار.

(4) مجمع الزوائد 9 : 136.

(5) تاريخ ابن الوردي 1 : 219.

(6) تاريخ الخميس 1 : 364.

(7) شرح المواهب 1 : 395.

٦٥

ذلك يا ترى ؟ وأخرجه الحسكاني في شواهد التنزيل ، والحمويني في فرائد السمطين(1) وغيرهم.

أقول : إنّ غزوة العُشيرة ـ بضم العين مصغراً بالشين وقيل بالسين المهملة آخرها هاء ـ بخلاف العسرة فهي غزوة تبوك ، أما هذه فمنسوبة لموضع بني مدلج بينبع.

وإذا رجعنا نستجوب كتب السيرة عن زمانها ، فهي تعيّن زمانها بأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله خرج إليها في جمادى الأولى أو الآخرة على رأس ستة عشر شهراً من الهجرة ، وسبب تلك الغزوات كانت وقعة بدر ، وقد ذكر الحلبي(2) حديث تكنية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي بأبي تراب ، فعلى هذا التحديد الزمني ظهر أن التكنية كانت للمرّة الثانية ، وبعد مرور ما يقرب على سنة بعد المرة الأولى ، وأيضاً هي قبل ولادة الحسنعليه‌السلام أول أبناء الإمام بأكثر من سنة ونصف.

المرة الثالثة في المسجد النبوي الشريف :

أخرج ابن عساكر في تاريخه في ترجمة الإمام(3) بأسانيده عن أبي حازم أنّ رجلاً جاء إلى سهل بن سعد فقال :

هذا فلان ـ لأمير المدينة ـ يدعو علياً عند المنبر ، قال : فيقول ماذا ؟ قال : يقول له : أبو تراب ، فضحك قال : والله ما سمّاه إلاّ النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وما كان له اسم أحبّ إليه منه ، فاستطعمت الحديث سهلاً وقلت : يا أبا عباس كيف ؟ قال : دخل علي على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد ، فقال النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) : أين ابنُ عمّكِ ؟ قالت : في المسجد ، فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره ، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول : اجلس يا أبا تراب يا أبا تراب مرّتين.

__________________

(1) فرائد السمطين 1 : 384.

(2) السيرة الحلبية 2 : 126 ؛ وسيرة زيني دحلان بهامش الحلبية 1 : 361.

(3) تاريخ ابن عساكر في ترجمة الإمام 1 : 22.

٦٦

وهذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه في أربعة مواضع بتفاوت في ألفاظه مع انتهاء إسناده إلى راوٍ واحد ، وتلكم المواضع هي :

1 ـ كتاب بدء الخلق في باب مناقب علي بن أبي طالب(1) .

2 ـ كتاب الصلاة في باب نوم الرجال في المسجد(2) .

3 ـ كتاب الأدب في باب التكني بأبي تراب(3) .

4 ـ كتاب الاستيذان في باب القائلة في المسجد(4) .

ورواه أيضاً في الأدب المفرد في باب من كنى رجلاً بشيء هو فيه.

ورواه الطبري في تاريخه(5) .

وأخرجه مسلم في صحيحه في مكانين :

1 ـ في باب مناقب أمير المؤمنين(6) .

2 ـ كتاب الصلاة في باب نوم الرجل في المسجد(7) .

وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى(8) .

وتوجد عدة أحاديث وردت فيها تكنية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام بأبي تراب ، ولم يذكر فيها زمان أو مكان يمكن أن نحدد على ضوئها زمان الصدور.

1 ـ فمنها حديث عليعليه‌السلام قال : طلبني رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) فوجدني في جدول نائماً ، فقال : ما ألوم الناس يسمونك أبا تراب ، فرآني كأنّي وجدت في نفسي من

__________________

(1) صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق في باب مناقب علي بن أبي طالب 5 : 18.

(2) المصدر نفسه ، كتاب الصلاة في باب نوم الرجال في المسجد 1 : 92.

(3) المصدر نفسه ، كتاب الأدب في باب التكني بأبي تراب 8 : 45.

(4) المصدر نفسه ، كتاب الاستيذان في باب القائلة في المسجد 8 : 63.

(5) تاريخ الطبري 2 : 124 ـ 363.

(6) صحيح مسلم ، في باب مناقب أمير المؤمنين 7 : 124 وفيه ذكر المغاضبة.

(7) صحيح مسلم ، كتاب الصلاة في باب نوم الرجل في المسجد.

(8) السنن الكبرى للبيهقي 2 : 446.

٦٧

ذلك ، فقال : قم والله لأرضينّك ، أنت أخي وأبو ولدي ، تقاتل على سنتي ، وتبرئ ذمتي ، من مات في عهدي فهو كبّر الله ، ومن مات في عهدك فقد قضى نحبه ، ومن مات يحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت ، ومن مات يبغضك مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل في الإسلام. أخرجه أبو يعلى في مسنده ، والسيوطي في الجامع الكبير كما في كنز العمّال(1) ، وقال البوصيري : رواته ثقات.

2 ـ ومنها حديث أبي الطفيل قال : جاء النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) وعلي نائم في التراب ، فقال : أحق اسمائك أبو تراب ، أنت أبو تراب. أخرجه ابن عساكر في تاريخه في ترجمة الإمام(2) ، والطبراني في معجمه الكبير والأوسط ، وعنه الهيثمي في مجمع الزوائد(3) وقال : ورجاله ثقات.

3 ـ ومنها ما رواه ابن هشام في سيرته بعد ذكره لحديث عمار المتقدم ، قال ابن إسحاق : وقد حدّثني بعض أهل العلم أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) إنّما سمّى علياً أبا تراب أنّه كان إذا عتب على فاطمة في شيء لم يكلّمها ولم يقل لها شيئاً تكرهه إلا أنّه يأخذ تراباً فيضعه على رأسه ، قال : فكان رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) إذا رأى عليه تراباً عرف أنّه عاتب على فاطمة ، فيقول : مالك يا أبا تراب ؟

وعقّب ابن هشام على ذلك بقوله : فالله أعلم أيّ ذلك كان ، وليس في تعقيبه ما يدعونا إلى التعليق عليه إذ يبدوا أنّه لم يجزم بواحد منهما ، ولكنه لا يعدوها.

ولكن هلمّ الخطب فيما يقوله السهيلي في الروض الانف(4) ، وهو في شرح سيرة ابن هشام ، قال السهيلي وقد ذكر الحديثين الأولين في تكنية علي بأبي

__________________

(1) كنز العمّال 12 : 206.

(2) تاريخ ابن عساكر في ترجمة الإمام 1 : 24.

(3) مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 101.

(4) الروض الأنف للسهيلي 2 : 58.

٦٨

تراب : وأصحّ من ذلك ما رواه البخاري في جامعه ، وهو أنّ رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) وجده في المسجد نائماً ، وقد ترب جنبه فجعل يحث ـ كذا في النسخة ولعل الأصوب يحتّ بالمثناة ـ التراب عن جنبه ويقول : قم أبا تراب ، وكان قد خرج إلى المسجد مغاضباً لفاطمة.

وهذا معنى الحديث ، وما ذكره ابن إسحاق عن حديث عمار مخالف له إلا أن يكون رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) كنّاه بها مرّتين ، مرّة في المسجد ومرّة في هذه الغزوة ، فالله أعلم.

أقول : ونحن قد ذكرنا مواضع الحديث في صحيح البخاري ، وأنّه ذكره في أربعة مواضع من جامعه ، وأشرنا إلى أنّه لم تتفق صور رواياته للحديث على صورة واحدة ، مع أنّها عن راوٍ واحد ، وهو أبو حازم عن سهل بن سعد ، مما يكشف عن عدم دقة البخاري في نقله ، ومع ذلك التفاوت في روايات البخاري ، فراجع وقارن بين ما حكاه السهيلي عن البخاري ، وبين ما هو موجود في الجامع الصحيح ، فسوف تجده لا يتفق مع أيّ صورة منها.

نعم ، لقد تخلّص السهيلي بلباقة حيث قال موهماً : وهذا معنى الحديث ! فهل يعني أنّ ما حكاه عن البخاري كان نقلاً بالمعنى لما رواه البخاري ؟ وكان عليه أن يعيّن الرواية التي أرادها ، ومهما يكن ذلك فلا يهمنا تفسيره ، ونتركه له ولقومه.

ذكر الزرقاني في شرح المواهب(1) ما قاله السهيلي ، وما ذكره غيره كابن حجر الذي أبى وأصرّ إلا أن تكون التكنية مرّة واحدة ، وقال بامتناع الجمع بين ما جاء في حديث المؤاخاة في حديث عمار ، وبين ما جاء في حديث سهل بن سعد ، ثم قال : ولم يظهر من تعليله امتناع الجمع فإنه ممكن بمثل ما جمعوا به بين الحديثين قبله ، فيكون كنّاه ثلاث مرّات :

أولها : يوم المؤاخاة في المسجد.

__________________

(1) شرح المواهب للزرقاني 1 : 396.

٦٩

وثانيها : في هذه الغزوة في نخل بني مدلج.

وثالثها : بعد بدر في المسجد لما غاضب الزهراء ( ؟) وإنما يمتنع لو قال في رواية الصحيحين أنه أول يوم كنّاه فيه كما ادعى ابن القيّم.

أقول : أتدري لماذا يصرّ القوم على الالتزام بما جاء في صحيح البخاري في المقام ؛ لأنّه ذكر في رواياته أن سبب خروج علي إلى المسجد كان مغاضبته الزهراء ، وبذلك يكون علي قد أغضب فاطمة ، ومن أغضب فاطمة أغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن أغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقد أغضب الله ، ومن أغضب الله فقد باء بغضبٍ منه وعذاب أليم ؟!

فتكون النتيجة أنّ علياً ما دام مغاضباً للزهراء فهو لا يستحق الولاية ، لأنّ الله سبحانه يقول في آخر سورة الممتحنة :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ) (1) وهذا هو بعض المطلوب لمن لا يخفى نصبه وعناده.

ولنترك البخاري وأحاديثه ومن هلج في تركاضه وراءه ، فيكفي في رد فرية المغاضبة نفس حديث التسمية بأبي تراب ، فإذا عرفنا أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي سمّاه بأبي تراب ـ كما مرّ في حديث ابن عباس وحديث عمّار ـ عرفنا لماذا كان علي يعتزّ بذلك ، ولم يكن أحبّ إلى علي من ذلك الاسم ، كما في حديث سهل بن سعد وجابر ؛ لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سمّاه به دون غيره ، وعرفنا كذلك أيضاً لماذا كان بنو أمية ينتقصون علياً بذلك الإسم منذ حياته وحتى بعد وفاته ، لأنّهم كانوا يحسدونه وينفذون من وراء سبّه إلى سبّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا ما أدركه غير واحد من الحفاظ.

فمنهم الحاكم ابن البيع فقد قال : كان بنوا أمية تنقص علياًعليه‌السلام بهذا الاسم الذي سمّاه رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، ويلعنوه على المنبر بعد الخطبة مدة ولايتهم ، وكانوا

__________________

(1) الممتحنة : 13.

٧٠

يستهزئون به ، وانّما استهزأوا الذي سمّاه به ، وقد قال الله تعالى :( قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ *لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) الآية(1) .

ومنهم الحافظ سبط ابن الجوزي ، قال في التذكرة(2) معقباً على قول الحاكم وقد ذكره : والذي ذكره الحاكم صحيح ، فإنّهم يتحاشون من ذلك ، بدليل ما روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنّه دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال : ما منعك أن تسبّ أبا تراب ، الحديث(3) .

ومنهم أبو رياش قال في شرحه على هاشميات الكميت(4) كما سيأتي : فجعل ذلك بنو أمية من حسدهم ذماً لهرضي‌الله‌عنه . انتهى.

والشواهد على ذلك كثيرة ، ويكفي أنّ بني أمية كانوا إذا غضبوا على الرجل لموالاته لعلي قالوا له : ترابي. فهذا معاوية ـ وهو أول من سنّ السبّ لعلي بذلك ـ قال لعبد الله الحضرمي ، وقد أرسله إلى البصرة فأوصاه بقوله : ودع عنك ربيعة فلن ينحرف عنك أحد سواهم لأنّهم كلهم ترابية(5) .

وجاء في تاريخ ابن الأثير(6) في ذكر سرية أرسلها معاوية بقيادة زهير بن مكحول العامري لتغير على أطراف السماوة ، وبلغ الإمام عليعليه‌السلام فأرسل سرية بقيادة الحلاّس بن عمير لردّ عادية الغزاة ، جاء في تلك الحادثة قول الغزاة لراعٍ هناك : أين أخذ هؤلاء الترابيون ؟

__________________

(1) التوبة : 65 ـ 66.

(2) تذكرة الخواص : 4.

(3) صحيح مسلم 7 : 120.

(4) شرح هاشميات الكميت : 36.

(5) تاريخ ابن الأثير 3 : 165.

(6) المصدر نفسه 3 : 165.

٧١

وجاء في حديث الحجاج مع الحسن البصري ، وقد سكت عن الخوض في سب الإمام : ترابي عراقي(1) .

ويكفي في شيوع ذلك اللقب على الشيعة ما جاء في مختصر فتح رب الأرباب بما أهمل في لب الألباب من واجب الأنساب(2) : ( الترابي ) إلى أبي تراب كنية أمير المؤمنين ـ كرّم الله وجهه ـ وهو في أيام بني أمية من يميل إلى أبي تراب المذكور ، وعلى ذلك جاء قول الكميت بن زيد الأسدي(3) :

وقالوا ترابيّ هواه ورأيه

بذلك أدعى فيهم وألقّب

على ذلك أجرياي فيكم ضريبتي

ولو أجمعوا طُراً عليّ وأجلبوا

نعود فنقول : إذا عرفنا جميع ذلك فهل يبقى مجال لمجرد التوهم ـ فضلاً عن الظن واليقين ـ أن علياً أحبّ أن يكتني بأبي حرب ، وهو الذي كانت كنيته أبا تراب ، وكنّاه بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت أحبّ كناه إليه ؟ يا ترى ما الذي حدث لأن يحب ثانياً غير حبه الأول ؟ وهل أبقى الحب الأو ل مكاناً ليحب ثانياً أن يكتني بأبي حرب ؟

نعم ، اللهمّ إلاّ أن يطرأ طارئ فيزيل الحب الأول عن مكانه ، وهذا لم يحدث أبداً ، إذن ما الذي حدث حتى ذكروا أنّه أحب حرباً وأحب أن يكتني بأبي حرب ؟ إنّ كل ما حدث هو أنّ الحكام الأمويين اتخذوا بطانة سوء ، تضع لهم ما يشاؤون من أحاديث بحسب أهوائهم ، فكان حديث حبّ الاكتناء بأبي حرب من بعض تلك المفتريات.

__________________

(1) شواهد التنزيل للحسكاني 1 : 94 ـ 95.

(2) مختصر فتح رب الأرباب : 10.

(3) الهاشميات : 36 ـ 37.

٧٢

أولاً : فهم بهذا الحديث قد رفعوا بضبع جدهم حرب إلى أن جعلوا مثل الإمام يحب أن يكتني به.

ثانياً : بهذا الحديث قد ضيّعوا فضيلة للإمام علي ، وهي كنيته بأبي تراب التي كنّاه بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت أحبّ كناه إليه.

ثالثاً : وهم بهذا الحديث قد تزيدوا وتزايدوا في انتقاص الإمام ، إذ اختلقوا له سبباً هو مغاضبة الزهراءعليها‌السلام ، وبذلك يكون علي ممّن أغضب فاطمة ، ومن أغضبها فقد أغضب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما مرّت الإشارة إلى ذلك.

كل ذلك رواه لهم رواة السوء ، وأثبته من جاء بعدهم في كتبهم أمثال البخاري ممّن لا يخفى نصبه وعناده.

رابعاً : جعلوا من حديث الاكتناء بأبي حرب دليل اثبات على ولادة المحسن السبطعليه‌السلام على عهد جده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا هو بيت القصيد في معزوفة الأمويين ، وزادوا في الطين بلّة أن تقوّلوا على الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام بأنه قال : « أما حسن وحسين ومحسن فإنّما سمّاهم رسول الله( صلّى الله عليه وسلّم ) ، وعقّ عنهم ، وحلق رؤوسهم ، وتصدّق بوزنها ، وأمر بهم فسرّوا وختنوا ».

وهذا ما أخرجه الطبراني وابن عساكر فيما نقله عنهما المتقي الهندي في كنز العمّال(1) ، وبذلك يكون الستار قد أسدل على جريمة قتله سقطاً ، وهو حمل لم تكتمل شهور حمله.

وهذا هو المطلوب للأمويين وأشياعهم ، ولسوف نقرأ في النقطة السادسة أنّ هذا ما وراء الأكمة.

وقبل أن أودّع القارئ في حديثي عن كنية الإمام بأبي تراب أحب له أن يقرأ ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي حين يخاطب الإمام بكنيته تلك ، ويستعرض

__________________

(1) كنز العمال 16 : 268.

٧٣

بأسى ومرارة ما لاقاه من أولئك الذئاب على حد تعبيره ، فاقرأ ما يقوله في كتابه دول العرب وعظماء الإسلام(1) :

مالك والناس أبا تراب

ليس الذئاب لك بالأتراب

هم طرّدوا الكليم كل مطردِ

وأتبعوا عصاه بالتمرّدِ

وزيّن العجل لهم لما ذهب

وافتتنوا بالسامريّ والذهب

وبابن مريم وشوا ونمّوا

واحتشدوا لصلبه وهمّوا

وأخرجوا محمداً من أرضه

وسرحت ألسنهم في عرضه

إلى أن قال :

وهب من لحقّك اختلس

وفجعوك بالصلاة في الغلس

واشرقوا الحسين بالدماء

ملوّحاً بين عيون الماء

فاسم سمّو الزاهد الحواري

في درجات القرب والجوار

إن زال مُلك الأرض عنك من مَلَك

يا طول مُلكٍ في السماء تم لك

* * *

__________________

(1) دول العرب وعظماء الإسلام : 58.

٧٤
٧٥

النقطة السادسة

ماذا وراء الأكمة ؟

النقطة السادسة : وأخيراً ـ لا آخراً ـ ماذا وراء الأكمة من تعتيم وظلمة لتضليل الأمة ؟

لقد سبق منّا في استعراض البيانات السابقة ما انتهينا إليه من النتائج التالية ، ففي البيان الأول قرأنا :

كشفاً بمصادر الحديث المزعوم في حب علي أن يكتني بأبي حرب ، واستعرضنا اختلاف صوره والتفاوت تزيّداً ونقصاناً في حديث الراوي الواحد في المصادر.

وقرأنا في البيان الثاني حال رجال الاسناد ، وما قاله أئمة الجرح والتعديل منهم ، وانتهينا إلى زيف حالهم ، وقرأنا في البيان الثالث عن متن الحديث النقاط الخمس الآتية ، فكانت النتائج كما يلي :

في النقطة الأولى حول تحقيق اسم ( حرب ) وهل هواسم معنى أم أسم علم ؟ وأنّ المطلوب لصنّاعي الحديث هو الثاني.

وفي النقطة الثانية كان التحقيق في اسم ( حرب ) هل كان محبوباً أو مبغوضاً ، وانتهينا إلى أنّ اسم حرب من الأسماء المبغوضة.

وفي النقطة الثالثة بحثنا عن السرّ وراء إصرار الإمام على التكنية بأبي حرب مع أنّه اسم مبغوض شرعاً ، وما يعني منه ذلك الإصرار المزعوم ـ إن صدق رواة

٧٦

الأخبار ـ وانتهينا إلى أنّ سماسرة الوضاعين أرادوا تشويه تاريخ الإمام باثبات مخالفاته ـ كما يزعمون ـ لما جاء عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي النقطة الرابعة استعرضنا تاريخ حرب وآل حرب ، ومواقفهم من علي وآباء علي مما لا يمكن تصديق أن يكون علي يحب أن يكتنى باسم عدو لدود هو وآله لعلي وآله.

وفي النقطة الخامسة بحثنا موضوع كنى الإمام ، وهل كانت له كنية قبل أن يولد له ولد فيكنّى به ؟ وأثبتنا أنّه كان يكنّى بأبي تراب ، وهي كنيته لم يعرف بها أحد سواه ، وهي كانت من أحبّ كناه إليه ، لأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله هو الذي كنّاه بها ، كما أنّها كانت من أبغض كناه إلى أعدائه ، فكان بنو أمية يستهزئون بها ، ويعيّرون شيعته بها ، ويأمرون بسبّه بها.

وما حديث سهل بن سعد الساعدي إلا في ذلك ، قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين(1) : وذكر سهل بن سعد الساعدي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كنّاه بأبي تراب ، وكانت من أحبّ ما يكنّى به إليه ، وكانت بنو أمية دعت سهل إلى أن يسبّه على المنبر ، ثم ساق أبو الفرج حديث سهل في سبب الكنية ، وفي آخره قال : وكنّا نمدح علياً إذا قلنا له أبو تراب.

وذكر أيضاً قول سهل : إن كان لأحب أسماء علي إليه أبو تراب ، وان كان يفرح أن يدعى بها ، وما سمّاه بذلك إلاّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وهذا كله ، وجميع ما مر من نقاط بالغة الأهمية ، ليس بذي بال ، إذا ما رجعنا إلى الحديث المزعوم ، ورأينا ما في غيابته وغياهبه ، من مزاعم مكذوبة تثبت

__________________

(1) مقاتل الطالبيين : 25 ، وانظر تاريخ بغداد 1 : 133 ، مرآة الجنان 1 : 108 ؛ ومسند أحمد 4 : 263 ؛ وإرشاد الساري للقسطلاني 6 : 138 ؛ وعمدة القاري 22 : 214 ؛ وصفة الصفوة 4 : 145.

٧٧

ولادة ( المحسن ) الوليد الثالث من أولاد علي الذكور على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبهذا بدت غياهب الظُلمة من الظَلَمة ، وبدأت نسائج الأفاكين تلفّ حقائق الواقع المرير عن أنظار الأمة ، لتختفي معالم الجريمة ، ويلفّها الغموض ولا أقل من الشك في مأساة ولادة المحسن السبط ، هل هو مولود أم سقط ؟

وهذه هي الغاية في تلبيس إبليس من أصحاب التدليس ، لغرض التشويه والتمويه ، فوضعوا حديث الإكتناء بأبي حرب ، ولو لم يحصل لهم إلا الطعن في شخصية الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام طعناً لا هوادة فيه ، إذ طعنوه في دينه ، وطعنوه في سلوكه ، وطعنوه في فهمه وعلمه ، كل ذلك ما يوحي به حديثهم المزعوم ، والذي رواه الخصوم ، وتسرب إلى غيرهم ممّن أحسن ظناً بهم ، دون الالتفات إلى ما يقتضيه لو التفت إليه.

ولا أود أن أستبق النتائج السيّئة لهذا التعتيم المتعمد ، بل علينا أن نقرأ عن ( المحسن ) شيئاً نستجلي به حقائق الأمور ، وأقولها بكل صراحة ومرارة ، إنّ هذا الوليد لئن ظلم عن عمد من أعداء أبيه وأمه ، فقد ظلم عن غير عمد من شيعة أبيه وأمه أيضاً ، حيث نجد مصادرهم المعنية بذكره تمر على ذكره مروراً عابراً ، ولم يخص ـ ولو بشيء يسير ـ كما خص أخواه الحسن والحسينعليهما‌السلام .

ولا أعني بتآليف خاصة ، لأنّه لم ير نور الحياة الدنيا حتى يكون له دور فيها ، بل أسقط جنيناً ولما تكتمل مدة حمله.

ولهذا فإنّي ليس عندي من جديد عنه سوى ما أسجله مما وصلت إليه يدي من مختلف المصادر السنيّة حول موته ، عسى أن أكون قد أديت بعض حقه في نصرته مظلوماً ضاع حقه في الحياة كما ضاع قبره بعد الممات ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

٧٨

جاء في معجم الطبراني الكبير(1) ما رواه عبد الله بن عمر قال : بينما أنا مع النبي( صلّى الله عليه وسلّم ) في ظل بالمدينة وهو يطلب علياًرضي‌الله‌عنه ، إذ انتهينا إلى حائط ، فنظرنا فيه ، فنظر إلى علي وهو نائم في الأرض وقد اغبرّ فقال : ( لا ألوم الناس يكنونك أبا تراب ) فلقد رأيت علياً تغيّر وجهه واشتد ذلك عليه فقال : ( ألا أرضيك يا علي ؟ ) قال : بلى يا رسول الله قال : ( أنت أخي ووزيري تقضي ديني وتنجز موعدي وتبرئ ذمتي ، فمن أحبّك في حياة مني فقد قضى نحبه ، ومن أحبك في حياة منك بعدي ختم الله له بالأمن والإيمان ، ومن أحبك بعدي ولم يرك ختم الله له بالأمن والإيمان وآمنه يوم الفزع الأكبر ، ومن مات وهو يبغضك يا علي مات ميتتة جاهلية يحاسبه الله بما عمل في الإسلام ).

أقول : لقد علّق السلفي محقق الكتاب فقال : قال في المجمع ( 9/ 121 ) وفيه من لم أعرفه ، قلت : ـ والقائل هو السلفي ـ يقصد عبد الله بن محمد الطهوي ، ومع هذا فيه ليث بن أبي سليم وعرفت حاله ، ومحمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي وهو ضعيف.

أقول : إنّ الخدش في اسناد هذا الحديث بضعف وجهالة بعض رجاله تهرباً مما جاء في آخر متنه مما ينطبق على السلفي وأضرابه ، مع أنّهم يقولون كما قال إمامهم وشيخ حديثهم الإمام أحمد بن حنبل : فهذه الرواية ذكرت ما يجري قبل وقوعه ، وقائلها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَىٰ *إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَىٰ *عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَىٰ ) (2) .

وقد صدّق الخبرُ الخَبر ، وجاءت الأخبار بحدوث ما جرى يوم الاسقاط ، وليس هو عند من رواه كان كشهاب برز فجأة من المجهول ، وتوهج ساعته في

__________________

(1) المعجم الكبير للطبراني 12 : 321.

(2) النجم : 3 ـ 5.

٧٩

الظلام على غير انتظار وانتظام ، ثم ذاب وانتهى الأمر وضاع في غياهب الكون الفسيح ، لا ليس كذلك ، ولا ينبغي أن يتخيل بأنّه حدث بافتعال ، نتيجة تشنّج وانفعال ، لا وليس كذلك.

( فلا شيء في التاريخ يحدث على هذا النحو ، لأنّ التاريخ سياق متصل ، وإذا ظهرت أمامنا في سياقه فجوات ، فهذه الفجوات في الحقيقة حلقات ناقصة في علمنا بما جرى ويجري )(1) .

والآن إلى الباب الثاني فيما يخص المحسن السبطعليه‌السلام .

__________________

(1) محمد حسنين هيكل / حديث المبادرة : 45.

٨٠