المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية0%

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية مؤلف:
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 260

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم مزعل جابر الأسدي
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
تصنيف: الصفحات: 260
المشاهدات: 99515
تحميل: 5224

توضيحات:

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 260 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 99515 / تحميل: 5224
الحجم الحجم الحجم
المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

مؤلف:
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

٥

٦

الاهداء:

اليك يارسول الله محمد!

اليكَ ياحبيب الله، ياخاتمَ النبيين!

والى آلكَ الطيبيين الطاهرين

اليكَ والى جميع الأنبياءِ والمرسلين، صلوات الله

وسلامهُ عليكم أجمعين

اتقدّمُ الى ساحة قُدسكم المطهّرة

لأهديَكم بضاعتي التي أحملها بين يديَّ المقصّرتين

والتي كتبتها نصرةً لولدكم وحامل لوائكم(منقذ العالم) قرَّبَ الله يومهُ

الشريف المبارك وهو يومُ الله الأعظم

فكونوا شفعاءَنا عند الله

ليغفر لنا ويرحمنا ويقبلنا،

ويكشف عنا وعن أهلنا الضّرَّ والبلاءَ،

ويأخذ بأيدينا الى عالم الحقّ والحقيقة

بلطفه ورحمته التي وَسعت كُلَّ شيءٍ فهو ارحم الراحمين.

٧

٨

كلمة المؤسسة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة على أشرف الخلق محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.

أما بعد:

إن الثقافة نزعة فطرية جُبِل عليها الإنسان منذ بدء الخليفة على يومنا هذا ومن أهم الأنماط الثقافية هي الثقافة الإسلامية وقد حثت مدرسة أهل البيت عليهم السلام على إشاعة تلك الثقافة من خلال تلامذه الأئمة الأطهار في أنحاء المعمورة، من خلال ردفهم بكافة الوسائل التي تهيئ لهم نشر تلك الثقافة، ثم أنشئت من بعد ذلك المؤسسات الثقافية الإعلامية لتعميق الوعي الإسلامي، ومن تلك المؤسسات مؤسستنا (مؤسسة العهد الصادق الثقافية / فرع قم المقدسة) والتي لها حظ المساهمة في نشر الثقافة الإسلامية عموماً وثقافة مدرسة أهل البيت عليهم السلام خصوصاً عبر دعمها للكتّاب والباحثين الإسلاميين من خلال طباعة ونشر مصنفاتهم لتعميق الوعي وتجذير المعارف الإسلامية في العقول والواقع الموضوعي.

٩

شكر وتقدير

نتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساهم بتأليف وتحقيق وإخراج وطبع هذا المصنف ونشره وتوزيعه، ونسأل الله تعالى أن يجعلهم مناراً وطريقاً وهداية ونسأل الله أن يحميهم وأن يجعلهم حماة للدين والشرع القويم سائلين المولى (عز وجل) أن يتقبل هذا الجهد وأن يمنَّ على الجميع بالأجر والثواب إنه سميع مجيب.

مؤسسة العهد الصادق الثقافية

فرع قم المقدسة

١٠

المقدّمة

إنّ من لطف الله تبارك وتعالى بعموم البشر، والعناية التربويّة الالهيّة بالانسان، للأخذ بيده الى أعلى مراتب الكمال والرقيّ؛ حتّمت عدم انقطاع الأمل عنه ولو للحظة واحدة، وأن يكون للبشر في كلّ زمان أملاً حقيقيّاً منشوداً، وحلماً ورجاءاً واقعيّاً منتظراً على مدى تعاقب العصور ومرّ الدهور.

ومعنى هذا: أن تكون هناك بشارة إلهية كبرى في كلّ عصر وزمان محتّمَةَ التَّحقُّق والوقوع لكونها وعداً ربّانيّاً محضاً، قد قطعه الله تبارك وتعالى على نفسه المقدّسة، كما في قوله تعالى بخصوص ظهور المنقذ الموعود:

( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْ‌ضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْ‌تَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِ‌كُونَ بِي شَيْئًا ) .(1)

وقول رسوله الأكرم محمد (ص): « لو لم يبق من الدنيا الاّ يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من اهل بيتي يواطيء اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملا الارض عدلاً وقسطا كماملئت جوراً وظلما».(2)

____________________

(1) سورة النور: آية 55.

(2) الرسائل العشرة: ص 99. الطوسي، الغيبة:ص46. الامامة والتبصرة: ص153.عيون أخبار الرضا (ع): ص297. كمال الدين وتمام النعمة: ص280، وص 372، وص 377. كفاية الأثر:ص266، وص281. روضة الواعظين: ص261. دلائل الامامة: ص469. شرح الأخبار: ص352، وص 356، وص 391. النكت الاعتقادية: ص43.الارشاد: ص340. العمدة،ص433. ذخائر العقبى: ص 136.بحار الأنوار: ج 14، ص33، وج 28 ص46. الغدير: ج7 ص125. التفسيرالكبير، ج2، ص27. وهو حديثٌ نبويٌّ شريفٌ صحيحٌ ومتواترٌ ومشهورٌ عند المسلمين.

١١

ولهذا الوعد الربّاني الصادقُ دورٌ كبيرٌ في حفظ وصون الخطّ الالهيّ المقدّس وامتداده وبقائه غضَّاً طريّاً، وهو بحدّ ذاته علاجاً روحيّاً ناجعاً لعموم البشر(1) ، فضلاً عن العطاء والأجر والثواب الجزيل من الله عزّ وجلّ لكون المُنتظر قد صدّقَ فعلاً بغيب الله تبارك وتعالى والذي هو من أشرف العبادات العالية القدر عند الباريء سبحانه وتعالى حيث قدّمها على الصلاة والزكاة في قوله تبارك وتعالى:

( الم ﴿1﴾ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَ‌يْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ﴿2﴾ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَ‌زَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) .(2)

وقد ثبت يقينا أنّ العالم بأسره، وما توصّلت اليه جهود البشر من خلال فترات حياتها الطويلة من علوم واسعة، وأبعاد فكر شاسعة، وتكنلوجيا محيّرة، وصناعات متطوّرة؛ لكننا نجد أنّ هذا العالم الكبير بأسره يعاني الظلم والجور، ومصادرة أبسط حقوق الانسان، ويحنّ الى السعادة التي يجهلها الكثير!ٍحنين الطفل الى محالب أمّه، ويحلم أن يعيش يوماً ما الطمأنينةَ الحقّةَ ببعديها المادّي والمعنوي، وأصبحت فكرة (المجتمع السعيد) مستحيلة التحقق إلاّ بتدخّل الهي كبير وتغيير ربّانيّ جذري.(3)

____________________

(1) انظر: سيكلوجية الأنتظار، موضوع الأبعاد النفسية والإيجابية في عقيدة المهدي المنتظر، ص188-260.

(2) سورة البقرة:الآيات 1-3.

(3) انظر: نهاية صراع الأديان بظهور المهدي في آخر الزمان، ص 256 وما بعدها، تحت عنوان: الإمام المنتظر لحدوث التغيير العالمي.

١٢

وما نراه من انهيار وانهزام كبير على المستوى الديني و الأخلاقي والإجتماعي، بل وحتّى على مستوى بديهيّات الفطرة الانسانيّة؛ الاّ دليلاً دامغاً وبرهاناً ساطعاً لامحيص عنه لحتميّة التدخّل الالهيّ المؤمّل بواسطة المنقذ والمنقذ للعالم وشعوب الأرض كافّة (قرّب الله يومه المقدّس) واحقاق الحقّ على يديه وازهاق الباطل الذي ملأ الدنيا، وربط الانسان بالسماء ربطا وثيقاً بعد الخلود الى الأرض...(1)

لذا نجد أنّ الأنبياء (عليهم السلام) ومن عهد آدم (عليه السلام) الى روح الله عيسى بن مريم (عليهما السلام) قد بلّغوا وبشّروا أممهم مراراً وتكراراً وبشتّى الوسائل والسبل بحتميّة تشرّف الأرض وتتويج الخلافة الالهية العظمى بـ (محمد وآل محمد) صلوات الله عليهم أجمعين؛ كمرحلة اولى على طريق سعادة جميع البشر، كما وقد بشّروا أيضا بتشرّف الأرض بالمصلح الأعظم والمنقذ والمخلّص والصاحب والقائم (ع) كمرحلة ثانية على ذات الطريق وبها يكون الحكم لله وحده بواسطة خليفته المدّخر وعندها يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

____________________

(1) انظر: المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص 193وما بعدها تحت عنوان: عقائد الأمم في المهدي، في موضوع: عند المسيحيين، أن عموم المسيحيين الغربيين يعتقدون بـ ( FOTORISM ): وتعني الإعتقاد بمرحلة آخر الزمان، وترقب ظهور منقذ... الخ، و انظر: الإمام المهدي في كتب الأُمم السابقة والمسلمين، ص51. ومجلة مجموعة الحكمة، السنة الثالثة، العدد 1-2، مقال السيد هادي الخسروشاهي.

١٣

وبعد تحقق المرحلة الأولى على وجه الأرض بمجيء محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين نجد أنّ القرآ ن الكريم والرسول الخاتم محمد (ص) وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين يبشّرون العالم أجمع بحتميّة مجيء المنقذ المهدي (عج) وهي المرحلة الثانية التي أشرنا اليها؛ وبشّروا بمرحلة ثالثة أيضا وهي (مرحلة الرجعة) التي لها قوانينها الغير طبيعيّة وخصائصها المختصّة بها ووقتها وظرفها وأسبابها....

وهكذا نجد أنّ ألأمل لم ينقطع من حياة البشر ولو لفترة قصيرة، ولكلّ عصر وزمان بشائره وآماله وأحلامه الخاصة به.

ولقد عاش جميع الانبياء (عليهم الصلاة والسلام) في كلّ العصور والأزمنة واتباعهم من المؤمنين والصالحين و الذين لازالوا يعيشون أملاً عظيماً وشوقاً كبيراً وانتظاراً جميلاً، آملين تحقّق البشارة الالهيّة المقدّسة، وذلك بتتويج الخلافة الالهية على الأرض بالقائم المهدي (عج ) من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طاووس اهل الجنة.

ومن نعم المولى عزّ وجلّ علينا والطافه بنا، ان نشاركهم نحن هذا الأمل والانتظار ونعيشه معهم، بل تشاركهم جميع الاديان والملل والنحل والعوالم، وكلّ يحمل علوماً وقصصاً وحكاياتٍتخصّ المصلح الاعظم وما يكون من أمره، وصلاح الكون على يديه المباركتين، وتأسيسه لدولة العدل الالهي، التي حَلُمَ بها البشر جميعاً.لذا فقد ضمّت بشارات الانبياء وأوصيائهم وأتباعهم الربانيين عشقاً ابديّاً وذوباناً كلّياً بهذا الرجل الالهي المقدس على مدى العصور.

١٤

ونحن في بحثنا هذا نحاول الوصول إن شاء الله تعالى الى أعماق العقائد الحقّة لموضوع (منقذ العالم) سواء فيما ينسب الى الأنبياء السابقين وما يرتبط بهم من آثار مهمة، أوفي القرآن الكريم وبعضِ ما جاء على لسان النبيّالصادق الأمين محمد (ص) وآله الطيبيين (ع) وصحبه المنتجبين (رض). واما ضرورة وأهمية مثل هكذا بحث فهي تكمنُ في أنَّ هذا الموضوع هو (موضوعٌ عالميٌّ) وغير مختص بشعبٍ من الشعوب أو أُمّةٍ من الأُمم، ولهُ جذورهُ العميقة الممتدّدة بقدمِ الإنسانية، وله أثرهُ النفسي والتربوي على الأعم الأغلب من البشر، ولهُ تراثهُ الدّينيّ والعلمي والتأريخيّ والأخلاقيّ، ويملكُ حظّاً وفيراً من القدسيّةِ والإهتمام لدى كلِّ الديانات والفلسفات - لاسيما السماوية منها بشكلٍ خاصّ - والشعوب والأُمم، فيُعدُّ البحث فيه واثبات حقائقه واجباً علميّاً مهماً يخدمُ الجميع.

واما أهداف البحث فهي اظهار العقائد الحقّة لموضوع (منقذ العالم) بثَوبِها الجميل البهيّ في القرآن الكريم وفي الكتب السماوية المقدّسة الأُخرى، وفي غيرها ان وجد ولكن على نحو الإشارة والإجمال، لإثبات أّنَّ تلك العقائد لها من الحقِّ والصدقِ والعمق والأثر البالغ الشيءَ الكثير وإلاّ لما تواترت في جميع الكتب السماوية وصحفِ الأنبياء (ع) وأقوالهم وما تخلَّفَ عنهم من تراثٍ مقدَّس.

واما في مجال سابقة هكذا بحث، فقد تطرّقَ اليه العديد من الأعلام والفضلاء والباحثين، ولكن على نحوٍ جزئيٍّ، وليسَ بمعمَّقٍ في أغلب

١٥

الأحيان، بل وسطحيٍّ في بعضها، ويفتقرُ الى الإبتكار والتجديد في بعض آخر، وعلى سبيل المثال، فانَّ من بين من أجاد في هذا المجال هو صاحب كتاب (أهلُ البيت في الكتاب المقدّس) حيث عقد بحثاً هناك بعنوان: الإمام المهدي(عج) في بشارات العهدين. وصاحب كتاب (البحث عن الحقيقة) باللغة الإنكليزية، عقد بحثاً خاصاً بـ (منقذ العالم المنتقم) على ضوء ما جاءَ في التوراة. وكذلك صاحب كتاب (الكتاب المقدس تحت المجهر) فيه بحثٌ عن المنقذ العالمي، وصاحب كتاب (الإمام المهدي في كتب الأُمم السابقة والمسلمين)، وصاحب كتاب(المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري)، وصاحب كتاب(المسيح الموعود والمهدي المنتظر)...الخ، وكلُّ تلك المصادر وغيرها قد اعتمدناها في بحثنا، لأنَّ فيها عظيم الفائدة وللهِ درُّ مؤلِّفيها.

واما بشأن الهيكليّة التي اعتمدناها في هذا البحث، فقد راعينا فيها الإختصار و السهولة والسلاسة، مبتعدين بذلك عن التطويل والتعقيد، لذا وضعنا هذه الدراسةِ في خمسة فصول تحتوي على مجموعةٍ من المباحث، آملين المنفعة، واللهُ وليُّ التوفيق.

١٦

الفصل الأوّل:

الكليّات: (حول عقائدِ الأَديانِ السَّماويَّة)

وفيه ثلاث مباحث:

المبحث الأوّل: التعريفُ بعقائد الأديان السماوية

المبحث الثاني: نظرة في القرآن الكريم

المبحث الثالث: نظرة في الكتاب المقدّس (العهدين)

١٧

١٨

المبحث الأول: التعريف بعقائد الأديان السماويَّةِ

وهذا المبحثُ يُعقدُ في مرحلتين:

المرحلةُ الأُولى: تمهيدٌ في تعريفِ العقيدةِ

العقيدةُ أنواعٌ: هناك العقيدة السياسية وهناك العقيدة الاجتماعية وهناك العقيدة الدينية...؛ وما يعنينا تعريفهُ هنا، هو (العقيدة الدينية)، فهي العقيدة التي تقف على رأس هذه الأنواع من العقائد، وهي العقيدة التي كتب لها الديمومة والبقاء من دون بقية العقائد الأخرى. وإذا كانت العقيدة تنبثق من عمل عقلي اختياري، وللرغبة والوجدان دورهما فيه فهي من ثم تعد عقيدة مكتسبة. والانسان مطبوع على أن يعتقد ومُهيَّأ لقبولِ معتقدٍ ما. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا يختار الإنسان معتقداً دون آخر...؟ البعض يرى الأمر يكمن في الوجدان، والبعض الآخر يرى الأمر يكمن في العقل، بينما يرى آخرون أن الأمر يكمن في الإرادة(1) . وقد تكون هذه العوامل الثلاثة مجتمعةً لها دورها وتأثيرها في عملية اختيار العقيدة وهي عوامل تختلف من فردٍ لفردٍ ومن فئةٍ لفئةٍ.

إلاّ أن لكلِّ عقيدة خصائصها ومميزاتها التي تجعل منها ذات جاذبية خاصة لمعتنقيها وتدعم موقفهم في الثبات عليها. ولا ننسى هنا العامل الوراثي والاجتماعي فكلاهما له دورهُ في شيوع بعض العقائد وتمكنها في نفوس آخرين.

____________________

(1) انظر: عقائد السنة وعقائد الشيعة التقارب والتباعد، ص 9-10، بايجاز وتصرُّف، عن: المختصر في العقيدة والأخلاق.

١٩

وهنا لابُدَّ من طرحِ السؤال التالي: ما هي الخصائص والمميزات التي تتصف بها عقيدة ما أو التي يجب أن تحتويها عقيدة ما ليمكن وصفها بأنها عقيدة دينية لا سياسية ولا اجتماعية...؟

والإجابة تكمن في أمرين:

الأول: موضوع الاعتقاد، وهو الشئ المصدق به أو المعتقد به.

والثاني: حقيقة الإذعان لهذا المعتقد أو ذاك.

أي أن الفاصل بين العقيدة الدينية وغيرها يكمن في الموضوع وهو الصلة بين المتديِّن وبين الشئ المقدَّس موضوع الاعتقاد كما يكمن في اختصاصها بالغيب، فالموضوع هو الله، والغيب هو كل ما يتعلق به(1) . وإذا كانت قضية الإيمان بالله هي الركن الأول في العقيدة الدينية، فإن الركن الثاني هو الإيمان بالرسول الذي عرفنا بالله وأبلغنا رسالته. فمن البديهيات المعروفة أن العقيدة إنما تصلنا عن طريق الرُّسلِ (ع) الذين تتركز مهمتهم في إبلاغ العقيدة الإلهية بنصها كما أنزلت عليه. فالرسول لا يملك حق التعبير عن هذه العقيدة إنما يملك حق تفسيرها. والنص الذي يبلغنا هو القرآن بالنسبة لرسولنا صلى الله عليه وآله والتفسير هو السنة؛ فإذا ورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله يفسر لنا أمراً من أمور العقيدة قبلناه على أساس أنه عقيدة لأن الرسول لا يضيف شيئاً من عنده إنما يبين للناس ما أنزل إليه. أما إذا ورد كلامٌ على لسان الرسول يناقض القرآن أو يضيف مفهوماً جديداً في الاعتقاد رفضناه على الفور واعتبرناه من الموضوعات على لسان الرسول

____________________

(1) عقائد السنة وعقائد الشيعة التقارب والتباعد، ص9-11.بايجاز وتصرُّف.

٢٠