المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية0%

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية مؤلف:
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
تصنيف: الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف
الصفحات: 260

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ كاظم مزعل جابر الأسدي
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
تصنيف: الصفحات: 260
المشاهدات: 100197
تحميل: 5294

توضيحات:

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 260 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 100197 / تحميل: 5294
الحجم الحجم الحجم
المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السّماوية

مؤلف:
الناشر: مؤسسة العهد الصادق الثقافية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الحال ماء، فسمعت رجلاً يقول له: والله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها!!

فقال له الحسين (ع):« لا، بل ارد على جدي رسول الله (ص) واسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليكٍ مقتدر، واشرب من ماء غير آسن،واشكو اليه ما ارتكبتم منّي وفعلتم بي ».

قال: فغضبوا باجمعهم، حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئاً، فاحتزوا رأسه وانه ليكلمهم، فعجبت من قلّة رحمتهم وقلتُ: والله لااجامعكم على امر ابداً.(1)

ومن حقّ كلّ شريف وغيور في العالم أن ينظر بحيرة ودهشة وحزن عميق الى هذه الواقعة المأساوية المروّعة التي يحكيها لنا هذا الفرد الضّال من أعداء الإنسانيّة، وكم يبدو متأثراً!رغم ما به من عوامل النقص والخلود الى الارض،وهذا غيض من فيض.

لهذا ورد في شدّة المنتقم من الظالمين ومنقذ المستضعفين، كما في سفر أشعيا:

(ويحكم بالانصاف لبائسي الارض، ويضرب الارض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه)(2) .

وقد ورد هذا أيضاً عن لسان النبيّ الأكرم محمد (ص) في وصف القائم المنتقم انه قال:« اسنانه كالمنشار وسيفه كحريق النار » .(3)

____________________

(1) الملهوف على قتلى الطفوف، ص 177.

(2) الملهوف على قتلى الطفوف، ص 177.

(3) الزام الناصب: ج1، ص475. الغيبة للنعماني، ص247. بحار الأنوار، ج 51، ص 77. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٢٢١

ثانياً: في العهدين

ورغم الازمان المتباعدة، وايادي التحريف الآثمة، وما أُخفيَ من الشريعةِ الموسويَّةِ والعيسويةِ (على صاحبيهما آلافُ التحيَّةِ والسلام ) طمعاً في الدنيا الدنيئةِ وزخرفها وزبرجها، اخفاءً لأمرِ الله تعالى ونورهِ، وما عَلِموا أنَّهم( وَيَمْكُرُ‌ونَ وَيَمْكُرُ‌ اللَّـهُ وَاللَّـهُ خَيْرُ‌ الْمَاكِرِ‌ينَ ) (1) ، وأنَّهم( يُرِ‌يدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ‌ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِ‌هِ وَلَوْ كَرِ‌هَ الْكَافِرُ‌ونَ ) (2) .

رغم ذلك كلِّهِ، فهناك ما يثبتُ الحقيقةَ الدامغةَ التّي لامفرَّ منها، واللهُ بالغُ أمرهِ وهوَفعّاَلٌُ لما يُريدُ.

فلو انّنا نظرنا بإمعان الى بعض النصوص، لرأينا جمال الصورة التي يرسمها علاّمُ الغيوبِ سبحانه وتعالى عن الملحمة الالهية الماضية(3) (ثورة الحسين الشهيد ع) والآتية (ثورة المصلح والمنقذ) لبدا ذلك رائعاً، ولنبدأ بالفقرات الواردة في (سفرارميا):

« أَعِدّوا المجن والترس وتقدموا للحرب اسرجوا الخيل، واصعدوا ايها الفرسان وانتصبوا بالخوذ اصقلوا الرماح. البسوا الدروع... ».

وهي اوامر(4) من الرب المتعال الى جنوده الابطال الذين يأتمرون بامره وينتهون بنهيه لخوضِ الحرب المشروعة الكبرى والأخيرة بحسب ارادةِ ربِّهم واعدادهِ وامدادهِ لهم والذي يتم عبر مراحل متعددة منها:

____________________

(1) سورة الأنفال، آية 30.

(2) سورة الصف، آية 8.

(3) ماضية بالنسبة لعصرنا، وأما لعصر هذه النصوص فهي قادمة (مستقبلية).

(4) أوامر تكوينيّة وتشريعيّة، فأمّا كونها تكوينيّة: لأنّها أوامر مستقبليّة، يخاطب الله بها جنوده الميامين (جند وأصحاب القائم المنقذ) وهم بعدُ في الأصلاب ليجبلهم على الشجاعة والإقدام =

٢٢٢

1 - الاعداد (اعدوا المجن والترس...)

2 - اعطائهم زمام المبادرة (وتقدموا للحرب... ).

3 - التهيؤ للحرب (اسرجوا الخيل، واصعدوا...)

4 - الاستعداد التام والاقتراب من ساعة الصفر وهي ساعة الحسم المبشّر بها (اصقلوا الرماح. البسوا الدروع...).

ثم يطرح الربُّ المتعال ما كان ويكون بسابق علمه الذي احاط بكل شيء، وعلى شكل تساؤل واستفسار عن عاقبه المستكبرين والكافرين بقوله:

«لماذا اراهم مرتعبين ومدبرين الى الوراء، وقد تحطمت ابطالهم وفروا هاربين ولم يلتفتوا. الخوف حواليهم...»

وهي اشارةٌ بليغة الى مسيرةِ الرُّعبِ والخوفِ الذي يسير بين يدي منقذ العالم المنتظر(عج ) مسيرة شهر، وما الى ذلك من الادبارِ، والفرارِ، وعدمِ التفاتِ ومواجهة المصلح الإلهيّ (عج ) وجنودهِ البواسلِ، لانهم مذعورين وأخذهم الخوف من كل جانب ومكان، جرّاء تحطم ابطالهم وفشل خططهم...الخ.

ويتحدث الربّ تعالى بعد ذلك عن سبب هذا الانتقام حسب الاوامر والتخطيط الالهي المسبق بقوله: «في الشمال بجانب نهر الفرات عثروا وسقطوا. من هذا الصاعد كالنيل كانهارتتلاطم امواجها...».

____________________

= المنقطع النظير. وأمّا كونها تشريعيّة: فلأنّ شرع الله واحد قديماً وحاضراً ومستقبلاً،فهو يشرّع لجنده الأبطال تفاصيل تطبيق هذه الأوامر لنيل الإنتصار المحتّم.

٢٢٣

وذلك لأنّ أحبّاءَهُ وأولياءَهُ عَثَروا وسَقطوا بجنب نهر الفرات، وكانت عثرتهم وسقوطهم بعينهِ وبمسمعٍ منه وهو عزيزٌ عليهِ تباركَ وتعالى، وهذا بمثابة مجلسِ عزاءٍ من الربّ جلّ وعلا الى كل الاجيال لرثاء اولئك الابطال الذين سطّروا أحرف الملحمة الالهية الخالدة بدمائهم الزكية الطاهرة من أجلِ الربِّ وإنقاذ الشعوبِ والأُمم.

وأنّ من المحزن المشجي لكلِّ غيورِ وشريفِ عبرَ الدُّهور، ان يَعثُرَ الفارسُ الأبيّ الشريف المدافع عن حقّه ومبادئه السامية في الميدان ويكون عثوره مسقطاً له!،فكيف اذا عثر وسقط خليفةَ الله ووصي خاتمِ رُسُلِهِ، وأحبَّ الخلقِ إليهِ، الذي سمّاهُ الجليلُ باجملِ اسماءهِ المباركة (الحسين - ع -)، وهوَ مصغّر حسن ويعني مُنتهى الحسن والجمال، وغاية الاحسان واللطف والكرم، وأَقوى اضداد القبح والشّحّ...؟؛ ولم يكن آنذاك سالماً، بل كانت جراحهُ لا تعدّ ولا تُحصي من كثرةِ الضربِ والطعن، وفي اقصى حالاتِ الظمأ والجُهدِ والغربةِ.

ويُعطي الرب اوامره الى جنده الابطال بطريقة أُخرى بعد تلك الفقرات بقليلٍ كماجاء في (سفر أرميا):

«اصعدي ايتها الخيل وهيجي المركبات ولتخرج الابطال...

الى ان يقول:

« فهذا اليوم للسيد ربّ الجنود يوم نقمةٍ للانتقام من مبغضيه فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم ».

فأن (مبغضيه ) هم مبغضي احباءَهُ واولياءَهُ، فببغضهم لهم أبغضوا المولى تعالى، وبحربهم لهم حاربوهُ ووبإنتهاكِ حرمتهم إنتهكوا حرمته، والامر واضحٌ.

٢٢٤

ثم تذكر التوراة كما اسلفنا أن سبب هذا الانتقام العجيب من الاعداء هو:

« لانّ للسيد ربّ الجنود ذبيحة في ارضِ الشمالِ عند نهر الفرات ».(1)

بلي والله ذبيحة وأيّة ذبيحة! في كربلاء، وما ادراك ما كربلاء! ان لهذه الارض ولهذه الذبيحة عند الله وأنبياءه واولياءه الف قصّةٍ وقصّة!.

وبعده الفقرة التي تحمل في طيّاتها رثاءَ الاحبّةِ والاولياءِ، جاءت مباشرةً فقرةٌ تقول:

(من هذا الصاعد كالنيل كانهار تتلاطم امواجها...)

ولعمري إنّ هذا لمن ابلغ التعابير التي وجدناها وأدقّها، ويحمل اسراراً مهمّة ولا نستطيعُ الإلمام إلاّ ببعضها:

فبعد سقوطهم المؤلم مباشرةً عَرَجت ارواحُهُم إليه تبارك وتعالى يقدمهم امامهم الحسين(ع) بروحه الجبارة العظيمة، حيث يزرع الربّ في نفوسنا وعلى مدى العصور تساؤلاً وتعجباً ودهشةً تفوق الخيال، من هذا الامام الذي تعجّبت من صبره ملائكة السماء، ولطمت عليه الحور العين، واقرح قلوب الانبياء والاوصياء،وبكت له الارض والسماء.

فها هو يصعد الى السماء بكلّ ثبات وفي أعلى درجات الانتصار، بشوق كبير ومرأى ومسمع من ربّه الحنان المنان، وبحشود ذلك العالم العلوي،ليتم إستقباله في عالم الملكوت إستقبالاً يليق بمقامه المقدّس. وتشبيه الإمام الحسين(ع) بنهر النيل، كان تشبيها غيبيّاً عجيباً،لأنّ من خواص هذا النهر:

____________________

(1) هذه الفقره والفقرات التى سبقتها فى: سفر أرميا 46: 3-10، الكتاب المقدس تحت المجهر: ص155.

٢٢٥

1: انّه أطول نهر في العالم (1) ، وكلّما كان النهر طويلاً زادت بركته وعمّ كرمُهُ وفيضه، لانه سوف يسقي ويروي كل ما يمرّ به من حجرٍ وشجرٍ ومدرٍ، ويغسل درن الاعداد الكبيرة من البشر وغير البشر، فتنموا الحياة وتزدهر ببركة جريانه، ثم ان فيه علاجاً نفسيّاً لكل البشر بلونه الأخّاذ وخرير مياهه العذبة... الخ.

وهذا كلّه ثابت لسيد الشهداء (ع)، بل واكثر من ذلك بكثير، مما لا نستطيع الوقوف عليه بحال من الاحوال، فتأمّل!

2: وان هذا النهر هو النهر الوحيد في العالم الذي ينبع من الجنوب ويصبُّ في الشمال! حيث يخترق الاراضي السودانية والمصريّة ويصبُّ في البحر الابيض المتوسط. ولعمري فانّ الامام الحسين (ع) كذلك، فانّه نبع من مكة والمدينة،وجرى باتجاه الشمال، حتى صبّ جوده وكرمه الاعظم في كربلاء، هذا وقد عبّرت الكتب السماوية السابقة وصحف الانبياء (ع) عن كربلاء بأنّها (أرض الشمال)، وقد مرتّ علينا بعض النصوص بهذا الشأن.

3: وبعدُ فانَّ هذا النهر على كبره وعظمته، ليس بمقدوره تحمّل جود وكرم الحسين(ع)، لذا فانّ هذا التشبيه يكون ناقصاً وغير تام إن بقي كما

____________________

(1) لايخفى؛ أن النيل كان مشهوراً ومعروفاً فى كل البلدان منذ الحظارات الموغله فى القدم، ولطالما قدمت له النذور والقرابين...، وكان يحمل نوعاً من القدسيّة الكبيرة لدى المصريين القدماء خاصّة، وعدد كبير من شعوب العالم عامة...الخ. وكان معروفاً بأنه الأطول فى العالم الى العصر الحديث، حيث تم اكتشاف نهر الأمازون في البرازيل، فكان ألأخير يفوقه بالطول قليلاً. فجاء التشبيه بالأول لشهرته منذ القدم، ولمعرفته بين الشعوب والأمم، بخلاف الأمازون حيث لم يكن معروفاً، فتأمّل!!

٢٢٦

هو فقال الربُّ: (...كانهارٍ تتلاطم امواجها...)

أجل، فان صعوده كان كصعود النيل، ولكن كالانهار المتلاطمة الامواج بقوته واقتداره، فانّ النيل وفي مسافات شاسعة يكون ماءهُ فاتراً، والحسين ليس كذلك، فتأمّل!

والانهار المتلاطمة ديدنها الجريان والفيضان والسقي المتواصل بمائها العذب الدّفاق، بخلاف البحار فهي شديدة الملوحة شرسة الطباع...فكان الوصف بالانهارأبلغ.

وكما أنّ الديانة اليهودية بشرت بالمصلح المنقذ للبشرية،حيث نجد الاشارة في (سفر أشعيا) الى كون المبشّر به هو صنيعة الغيرة والشرف والثأر الالهي، فقد تضمنت احدى الفقرات هذا المعنى بقولها:

(ستخرج من القدس، بقية من «جبل صهيون »، غيرةُ ربِّ الجنودِ ستصنع هذا).(1)

وفي سفر إشعياء (ع) أيضاً:

(6 لانَّهُ يُولَدُ لنا ولدٌ، و نُعطى إبناً(2) ، و تكون الرياسةُ على كتفهِ و يدعى اسمه عجيباً مشيراً الهاً قديراً أَباً أَبدياً رئيس السلام 7 لنمو رياسته و للسلام لا نهاية على كرسي داود و على مملكته ليثبتها و يعضدها بالحقِّ و البِّر من الان الى الابد، غيرة رب الجنود تصنع هذا).(3)

____________________

(1) سفر اشعيا 37: 32، الأصل العبرى، العهد القديم، ص612. انظر: العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 37، الفقرة، 32، الكتاب المقدّس باللغة العربية73 سفراً، مصر. وربما اكتفى المترجمون بوضع (سين المستقبل) في بداية الفقرة في كلمة (ستخرج) ورفعت من كلمة (ستصنع) كما في المصدر الذي نحن بصدده ولاضير في ذلك فكلّ الترجمات تفيد المعنى المستقبلي. وانظر النص العبري والعربي في: (أهل البيت فى الكتاب المقدس)، ص122-123.سفر اشعيا 37: 32،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 954. مع فرقٍ يسير في عبارات الترجمة.

(2) لماذا تفسَّر هذه العبارات ببني إسرائيل دوماً! ماذا لو فُسِّرَ مراد إشعياء النبي (ع) وغيره من الأنبياء بأنَّهُ نحنُ معاشرَ الأنبياء سيولدُ لنا ولدُ من صُلبنا في آخر الزمان...، وأنهُ يحكمُ بحكم داود(ع) كما جاء ذلك متواتراً عند المسلمين؟.

(3) العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح 9، الفقرة، 6-7، الكتاب المقدّس باللغة العربية 73 سفراً، مصر. سفر اشعيا 9: 5-7،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص 921. مع فرقٍ لايخفى في عبارات الترجمة.

٢٢٧

أجل! فهو غيرة الله، وفي هذا وردت أحاديثٌ جليلةٌ عن أهل بيت النبوة(ع) نتركها للإختصار، هذا وقد تحدَّثَ شاعرُ اهل البيت بمنطقِ التوراة حينما كان يندبُ منقذ العالم بقوله:

يا غيرةَ اللهِ اهتفي

بحميّة الدين المنيعة(3)

وضُبا انتقامكِ جرِّدي

لطلا ذوي البغي التليعة

ودعي جنود الله تملأُ

هذه الأرض الوسيعة

وورد في (سفر يوحنا)، انه (عجل الله فرجه) في ظهوره يُنادى بصوتٍ عظيمٍ يسمعُهُ كلُّ البشر: « خافوا الله واعطوه مجداً، لانه قد جاءت ساعة حكمه »(4)

والاشارة واضحة في كون حكم الرب بواسطة دولة منقذ العالم (عج )، باعتباره الخليفة الاعظم المنتظر المؤمّل لتجديد الفرائض والسنن وما ضيع من حقٍّ.

والفقرة تشير الى مسألة مهمةٍ أيضاً وهي: كأن الرب تبارك وتعالى لم يحكم قبل ظهور المهدي (عج ) بل يبدأ حكمه بمجيئه وبسط يده على الارض! وهذا حقٌّ وصدق لان الله تبارك وتعالى بريءٌ من جميع الاحكام الوضعية والقوانين المادية التي حكمت ولا زالت تحكم الامم بايدي الجبابرة والظالمين وتجّار الدنيا الذين ملؤا الدنيا رجساً وفساداً، قال تعالى:

____________________

(1) أعيان الشيعة، ج 6، ص 268. عصر الظهور، ص 381. رياض المدح والرثاء، ص 32. ديوان السيد حيدر الحلى، ج 1، ص 37: من قصيدته المعروفه فى ندبة الامام منقذ العالم (عج) والتي مطلعها:

الله يا حامي الشريعة

أتقرّ وهي كذا مروعة

(2) سفر يوحنا 14: 6-7 ألأصل العبرى، ص474. أهل البيت فى الكتاب المقدس: ص129ـ 130. رؤيا يوحنا، 14: 6-7، العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس،ص 409.

٢٢٨

( ظَهَرَ‌ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ‌ وَالْبَحْرِ‌ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْ‌جِعُونَ ) .(1)

وفي مستدرك الصحيحين ومسند احمد وغيرهما، عن ابي سعيد الخدري قال:قال رسول الله(ص):

«لا تقوم الساعة حتى تملا الارض ظلماً وجوراً وعدواناً، ثم يخرج من اهل بيتي من يملاها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً».(2)

وعن النبي (ص) قال:

«ويح هذه الامة من ملوك جبابرة، كيف يقتلون ويخيفون المطيعين الاّ من اظهرطاعتهم، فالمؤمن المتقي يصانعهم بلسانه ويفر منهم بقلبه، فاذا اراد الله عزوجل ان يعيد الاسلام عزيزاً قصم كل جبار، وهو القادر على ما يشاء ان يصلح امة بعدفسادها»...

...فقال (عليه السلام): «يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يملك رجلٌ من اهل بيتي يجري الملاحم على يديه، ويظهر الاسلام، لا يخلف وعده وهو سريع الحساب ».(3)

____________________

(1) سورة الروم: آية 41.

(2) مستدرك الصحيحين 4: 557 ورواه ابونعيم فى حليته 3:101 باختلاف يسير فى اللفظ، وأحمد بن حنبل في مسنده 3: 36 وغيرهم، والسيوطى فى تفسير الآيه (فهل ينظرون الا الساعه...) من سورة محمد (ص) 6: 58.

(3) غاية المرام: ص700، ب 141، ح 99. ينابيع الموده: ص448، ب 78. برهان المتقى:ص92، ب2، ح12. عقد الدرر: ص62، ب 4، ف 1.

٢٢٩

٢٣٠

الخاتمة:

في ختام هذا البحث، نشير بعون الله تعالى إلى أهم النتتائج التي توصَّلنا إليها من خلال هذه الدراسة، وبضمنها أهمُّ المشتركات بين القرآن الكريم والكتاب المقدس (العهدين) حول عقيدة منقذ العالم، ونجملُ النتائج بما يلي:

1: لابُدَّ من إنصافِ العهدين والنظر اليهما بعينِ العدلِ والدقّةِ، لكونهما إرثاً دينيَّاً وأخلاقيَّاً وتأريخيّاً وحضاريّاً كبيراً؛ وأنَّ القول بأنّها أسفارٌ محرّفةٌ ولايمكنُ الإعتماد عليها سلاحُ العاجِزِ، وأنَّ بعضَ ما وردَ فيهما هو بلا شكٍّ ولاريبٍ ترجمةٌ أو نقلٌ شفاهيٌّ أو تواترٌ لوحيٍ موحى، نعم وصلت اليها يدُ التحريف و...الخ، ولكنّ التمعّن في بعض النصوص يورث الإطمئنان بأنّها ترجمةٌ لنصٍّ مُوحى وإن سَقَطَ منه شيء أو أ’ضيف اليه شيءٌ أو حُذفَ منهُ شيءٌ، وذلك لأنّ فيها نفحةٌ من الغيب واضحةٌ، وسُمُوٌّ في نقل الصورة المستقبلية للحدث المنتظر، يصعب جدّاً، بل يستحيلُ على أيّ إنسانٍ مهما كانت درجتُهُ العلميّة الإلمامُ بها والإحاطة بجزئيّاتها.

وهذا ما أُطلقَ عليه عندَ العلماء والباحثين بـ (من بقايا الوحي في العهدين)، وهو وإن كان قليلٌ كما يُعبَّر عنهُ، لكنَّهُ كثيرٌ وكثيرٌ جدَّاً، ولايتوهمُ أحدٌ أنَّ هذا القليل من بقايا الوحي يستطيعُ انسانٌ مثلنا الوقوف عليه وإحصائه والتمكُّن منهُ، كلاّ وألف كلاّ، لأنّه علمٌ شاسعٌ واسعٌ، دقيقٌ عميقٌ، ورُبما حيَّرت العلماء والباحثين فقرةٌ واحدةٌ من بقايا الوحي في العهدين فجعلتهم في بالغ الحيرة والدهشة، وأُسقطَ ما في أيديهم، وذلك من خلال ربطِ أو إضافةِ أو مقارنةِ هذه الفقرة بغيرها، وعدم التمكن من

٢٣١

تفسيرها على الوجه الصحيح كما في الفقرات الدالة على (يوم الله العظيم) في آخر الزمان، وخلطها خطئاً بالفقرات الدالة على يوم القيامة والفقرات والدالة على نزول عيسى بن مريم (ع)، وهذه مشكلةٌ لم يواجهها أصحاب الكتاب المقدس فحسب، بل انما وقعت عند العلماء والمفسرين والباحثين المسلمين، فقد خلط الكثير منهم بين يوم القيامة وبين يوم الله الأعظم (يوم منقذ العالم) وذلك واضحٌ في تفاسيرهم وكتبهم الأُخرى.

2: أنَّ للترجمة آفاتٌ خطيرةٌ قد صبَّتها وطَلَت بها الكتاب المقدّس (العهدين)؛ يجبُ الإلتفات اليها والوقوف عليها قبل كيل الشتائم الى (العهدين) بغير علمٍ. فقد لعبت الترجمات دوراً مهماً في التشويش وإخفاءِ الحقائقِ والأعم الأغلب منها جاءت عن غير قصدٍ ولا عمدٍ، بل قصورٌ عند المترجمين أنفسهم؛ وسواء كان هذا الأمر في نطاقه السلبي أوالإيجابي فهو لاينطلي ولا يخفى على الباحثين المنصفين والمدقّقين والعلماء في كُلّ العالم.

هذا وقد شمَّر علماءٌ ربّانيّون عن سواعدهم الشريفة لمحاولة ترجمة العهدين الترجمة المنصفةَ الحقَّةَ، وقد برعوا في ذلك الى حدٍّ كبيرٍ، ولكنهُ جهدٌ فرديٌّ يشكرون عليه، ولكنا نطمحُ الى جهدٍ جماعيٍّ لذلك رسميّاً أو غير رسميٍّ، ومن ثم محاولة عرض تلك الجهود الكبيرةِ على ذوي الشأنِ من الديانات، والتوصُّلِ الى حلٍّ عالميٍّ لذلك، نصرةً لبقايا الوحي في الكتاب المقدَّس، وتتويجاً للعقائد الربانيَّةِ في القرآن الكريم من حيث وجود اصولها في الكتب السماوية الأُخرى.

____________________

(1) سورة آل عمران: الآيات 2-4.

٢٣٢

3: أنَّ القرآن الكريم والعهدين (الكتاب المقدّس) كلاهما يصدّقُ الآخرَ في موضوع الإعتقاد بمنقذ العالم، وهذه حقيقةٌ ثابةٌ لاغبارَ عليها، وهي واحدة من الحقائق التي قد بيَّنها الله تباركَوتعالى وأشارَ اليها في القرآن الكريم في آياتٍ عديدةٍ ومنها قوله تَقَدَّست أَسماؤهُ:

-( اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴿2﴾ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَ‌اةَ وَالْإِنجِيلَ ﴿3﴾ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْ‌قَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا بِآيَاتِ اللَّـهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ) (1) .

-( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُ‌دَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِ‌هَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ‌ اللَّـهِ مَفْعُولًا ) (2) ، وأنَّ القرآن الكريم هو: كنزُ اللهِ الذي لايُقدَّرُ بثمنٍ في هذا العالم أبداً، وسرُّهُ المكنون، وقولهُ الحقّ، ووعدهُ الصدق، وهو يرتكزُ على قواعدَ صُلبَةٍ ومتينةٍ وغايةٍ في الأهميَّة في هذا المجال(3) ، ألا وهي الكتب الإلهيةِ المقدسةِ: التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء عليهم السلام، وإن وَصَلَنا النزرُ اليسير منها، الاّ أنَّهُ ذا قيمةٍ دينيَّةٍ وعلميَّةٍ وعقائديةٍ وأخلاقيَّةٍ وتأريخيَّةٍ... عاليةٍ جدّاً، لايمكن تجاهلها بحالٍ من الأحوالِ أبداً.

____________________

(1) سورة آل عمران: 2 - 4.

(2) سورة النساء: آية 47.

(2) أي في موضوع منقذ العالم في عقائد ي الكتب السماوية.

٢٣٣

4: أنَّ الكتب السماوية قد أجمعت على مجيء منقذ العالم ، وإن إختلفت في بعض الشكليّات، وليس هذا بدليلٍ سلبيٍّ بل إيجابي لإثبات هذه الحقيقة الدامغة، وإنّا لنعطي العذرَ للقدماء في بعض التشويش الحاصل حول هذه العقيدة، بسبب عدم وجود مثل ما نمتلكهُ اليوم نحنُ من أجهزة ألإتصال والكتابة والإعلام وغيرها لتثبيت تلك الحقائق كما هي. وأنَّ المنقذ قد ذكرهُ جميعُ الأنبياء والرسل بما هو أهلُهُ وحلموا بيومه الموعود وذابوا اليه شوقاً.

5: أنَّ الأملَ الربّانيَّ موجودٌ ومحققٌ لجميع الإنسانية وعلى مدى جميعِ العصور، والمخطّطَ الإلهيَّ الذي رَسَمَهُ عالمُ الغيب والشهادة سارٍ ومُثبَتٍ، ويجري بدقَّةٍ فائقةٍ واللهُ بالغُ أمرهِ، وأنَّ ذلكَ واقعٌ لامحالةَ، لأنَّهُ وعدٌ وعهدٌ الهيّ حتميّ، ويلكُ من الأدلّة والبراهين العقليةِ والنقليةِ(1) ما لايحصى.

6: أنَّ منقذ العالم ليسَ مُلكاً لطائفةٍ من المسلمين أو طائفةٍ من المسيحيين أو طائفةٍ من اليهود...، وليسَ ملكاً لشعبٍ من الشعوب أو أُمَّةٍ من الأُمم...، بل هو أملُ الإنسانيّة جمعاء، ومنقذُ البشريّة، وهو الذي يصلُ بها الى أعلى مقامِ كمالٍ بمقدورها الوصول اليه في هذه النشأة. وأنَّ كُلَّ الشعوب والأُمم تنتظرهُ كـ (منقذٍ ومخلّصٍ ولكونهِ رجل الله المقدَّس...)، وإن اختلفوا في بعض الشكليّات والإشارات اليه.

____________________

(1) الواردة في الكتب السماوية المقدسة وصحف الأنبياء والروايات الشريفة.

٢٣٤

7: أنَّ منقذ العالم سيأتي بالتوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء والقرآن الكريم بخطّ الأنبياء وأوصيائهم المعصومين وتواقيعهم وتفاسيرهم لكلام الله تعالى فيها، وأن ليسَ هناك إختلاف ولو يسير بين الأنبياء عموماً وبين كتبهم، وأنَّكَ لو أجمعتَ مائة وأربعة وعشرين ألفَ نبيٍّ في مكانٍ واحدٍ لما اختلفوا على مسألةٍ واحدةٍ أبداً!، ويأتي بما اختصَّ بهِ الأنبياءِ (ع) من آياتٍ وعلاماتٍ، مثل درعِ وسيفِ وعمامة النبيّ محمد (ص) وعصا موسى وخاتم سليمان عليه الصلاةُ والسلام، الخ.

8: أنَّ عالمَ الإنسان سينتصرُ إنتصاراً إلهيّاً ساحقاً لاهزيمةَ بعدَهُ أبداً بمجيء المصلح الأعظم في يوم الله الموعود وهو: (المنقذ والمخلّص والأملُ والرجاء)، وحلول المعاجز الكبيرةَ في عهده، وذلك عندما يرى ألإنسان رأيَ العين أنَّ الله تعالى يقفُ معهُ وفي صفّه وفي خندقه، ويأخذ بيده الى عالم الحقّ والحقيقة والملكوت ويلمسُ ذلك لمسَ اليد. ولعلَّ القرآن الكريم يشيرُ الى ذلك النصر، بحسب مجرى الآيات في وقائع كثيرة فضلاً عن واقعةٍ معيَّنةٍ أو سببٍ للنزول، وكذلك التأويل وبطون التفسير، ومن ذلك قول الله عزَّ وجلَّ:( وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ‌ الْمُؤْمِنِينَ ) .(1)

-( يُرِ‌يدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ‌ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّـهُ مُتِمُّ نُورِ‌هِ وَلَوْ كَرِ‌هَ الْكَافِرُ‌ونَ ﴿8﴾ هُوَ الَّذِي أَرْ‌سَلَ رَ‌سُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَ‌هُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِ‌هَ الْمُشْرِ‌كُونَ ) (2) .

____________________

(1) سورة الروم: آية 47.

(2) سورة الصف:8-9. سورة التوبة:33.

٢٣٥

-( هُوَ الَّذِي أَرْ‌سَلَ رَ‌سُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَ‌هُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا ) (1) .

-( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ‌ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ‌ أَنَّ الْأَرْ‌ضَ يَرِ‌ثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴿105﴾ إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ﴿106﴾ وَمَا أَرْ‌سَلْنَاكَ إِلَّا رَ‌حْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ) .(2)

-( وَنُرِ‌يدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْ‌ضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِ‌ثِينَ ) .(3)

-( وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْ‌ضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْ‌تَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِ‌كُونَ بِي شَيْئًا ) .(4)

-( كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُ‌سُلِي إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) (5) .

9: وأنّ منقذ العالم يملكُ قواعدَ ومتبنياتٍ عظيمةٍ، ويستندُ الى أُسُسٍ شرعيّةٍ وقانونيَّةٍ وتأريخيةٍ وأخلاقيَّةٍ مقدَّسةٍ لثورته الإلهيّة العظمى، وأنّهُ صنيعةُ ربّ العالمين الذي ادّخَرَهُ الى مرحلةٍ رائعةٍ من تأريخ الحياة

____________________

(1) سورة الفتح: آية 28.

(2) سورةُ الأنبياء: 105-107.

(3) سورةُ القصص: 5.

(4) سورة النور: آية 55.

(5) سورة المجادلة: آية 21.

٢٣٦

البشرية؛ أَرانا اللهُ وإيّاكم وجميع البشريةِ يومهُ المبارك ووجههُ الشريف، انهُ سميعٌ مجيبٌ.

10: انَّ التَّتبع العلمي التحقيقي في موضوع الإعتقاد بمنقذ العالم في القرآن الكريم والروايات الشريفة وفي الكتب السماوية المقدَّسة (العهدين) يقودنا الى حقيقةٍ مهمَّةٍ ناصعة لاغبارَ عليها ولابُدَّ من تثبيتها، وإن قد يعتبرها البعض قاسيةً وليس بمقدوره استساغتها أويصعُبُ عليه الأَخذ بها لضيق أُفقهِ الدّيني والعلمي والنفسي. ولكنَّ الواجب الديني والعلمي والأخلاقي يفرضُ علينا جميعاً تثبيتها سواء كنّا مسلمين أو مسيحيين أو يهود...الخ؛ وهي كون أقرب الناس أو قل الطوائف والمذاهب الدينيَّة الى منقذ العالم وأكثرهم معرفةً بهِ هم أتباع أهل البيت (ع) الذين يسمَّونَ بـ (الشيعة) لأنهم رَوَوا عن منقذ العالم نفسه - أي الإمام المهدي (ع) عند المسلمين - حيث روى عنهُ (52) راوياً، ومعنى ذلك أنَّ رواتهُ (ع) أكثر من روات الإمام الثاني لأتباع أهل البيت(ع) وهو الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) حيث بلغ عدد الروات عنه (41) راوياً فقط(1) ؛ فضلاً عمّا رووهُ عن أئمَّتهم الباقين (ع) عن رسول الله محمد (ص). والعجيبُ في أمرهم أن ليسَ هناك سؤالٌ في هذا الموضوع يوقفهم او لايجدوا لهُ جواباً على عكس الآخرين، بل كلّ ما يخصُّ هذا الموضوع جوابهُ حاضرٌ ومسندٌ الى رسول الله محمد (ص) وآله الطاهرين(ع) ومفسَّرٌ بآيات القرآن الكريم.

____________________

(1) انظر:مقدمة موسوعة الفقه الاسلامية ص 43.الشيعة في مسارهم التاريخي ص 422. وسائل الشيعة ج 30 ص165.

٢٣٧

ويأتي من بعهدهم في الدرجة الثانيه اخوانهم (السنَّة) لأنّهم رووا في صحاحهم وكتبهم الأُخرى بأسانيدهم عن رسول الله محمد (ص) الكثير الكثير، وما فسَّروا بهِ من آيات القرآن الكريم، مما جعل علمائهم يقطعون باليقين الغير قابل للشك بظهور منقذ العالم في آخر الزمان وهو المهدي (ع).

ثمَّ يأتي المسيحيُّون من بعدهم بالدرجةِ الثالثةِعلى التوالي، وذلك لأنَّ عقيدتهم ثابتَةٌ قطعيَّةٌ في الإنجيل لغزارة ماورد فيه من نزول عيسى بن مريم(عليهما السلام) في آخر الزمان وحلول ملكوت الله - أي حكمهُ تبارك وتعالى وتطهير الأرض من الظلمِ والفساد - كما نادى وبشَّر بهِ المسيح(ع) نفسهُ، وكلُّ ذلك حقٌّ وصدقٌ؛ الاّ أنَّهُ ليس هو القائم المنقذ للعالم كما جاء في الإنجيل وصرَّح به المسيحُ (ع) جهاراً وعلانيةً، بل وزيرهُ ومساعدهُ وهو الحقُّ اليقينُ المتواترُ عند المسلمين.

ثمَّ يأتي اليهودُ من بعدهم بالدرجة الرابعةِ، لكثرةِ ماورد في أسفارهم المقدَّسة (التوراة) بحتميَّةِ مجيء يوم المنقذ والمخلِّص وانتصاره الكبير في يوم الله الأعظم وتطهيرهِ للأرضِ من الرجسِ والفساد.

وهكذا على التوالي تأتي بقيَّةُ الأديان والفلسفات الأُخرى تباعاً وعلى التوالي من حيث الرصيد الديني والعلمي والتأريخي والأخلاقي.

وليس معنى كلُّ ما تقدَّم وجودُ عيبٍ او نقصٍ في الأديان السماوية، او تفاوتٍ وخللٍ في ثبوت هذه العقيدةِ الربانيَّة الجليلة - عقيدة منقذ العالم- وانما هي حالةٌ طبيعيَّةٌ وترجعُ الى أسبابٍ موضوعيَّةٍ منها:

٢٣٨

أ: البعدُ الزمني الكبير ومؤثّراتهِ السلبيّةِ وما طرأَ على الكتبِ المقدّسةِ، وضياعِ كتبِ الأديان الأصليَّة، وعدم وصول الكثير من تراث الرسلِ والأنبياءِ(عليهم السلام) الينا.

ب: كما لايخفى على الجميع حالة التكامل التدريجي للأديان - والمقصود على المستوى البشري وليس التشريعي لأنَّ المشرَّع واحدٌ فردٌ صمدٌ تقدَّست أسماؤهُ - وذلك بتطوّر الإنسان ومدى قربهِ من حلول يوم الله الأعظم وحكمهِ الأتمّ؛ وذلك واضحٌ بيّنٌ اذ أنَّ ما جاءَ به المسيحُ (ع) أشمل وأعظم مما جاء به الكليمُ موسى(ع)، والشريعة الخاتمة التي جاءَ بها الرسول الأكرم محمد (ص) أشمل وأكمل وأعظم من الجميع، وهذه سنَّةٌ الهيَّةٌ ثابتةٌ منذُ فجر الإنسانيةِ الأول والى ظهور منقذ العالم حيث يعطيعه الله تبارك وتعالى ما لم يُعطهِ أيَّ أحدٍ قبلهُ من الخلقِ أبداً:من حيث تمام العلم، وتمامُ السلطةِ الربانيّةِ على الكون، ومظهر الخلافةِ الإلهية الأعظم، وحكمهُ اللدُنيّ المباشر من غير بيّنةٍ يحتاجها، وتجلّي حكمُ الله وملكوتُهُ وجمالهُ وجلالُه بخليفته ووليّه في الأرض (منقذ العالم).

وفي الختام:

أُقدّمُ اعتذاراً قلبيّاً وروحيّاً عميقاً وحارّاً الى مولانا منقذ العالم عليه الصلاةُ والسلام، لأنَّ ما بذلتُهُ كانَ قليلاً بحقِّهِ، ولايليقُ الاّ بشيءٍ يسيرٍ من مقامهِ الربانيِّ الشامخِ المنيف، ولكنّهُ كانَ بمثابةِ لَبِناتٍ أعتقدُ أني وضعتها في مكانها المناسبِ والصحيح، لكي يستفيد منها من يُحسِنُ البناء؛ والله وليُّ التوفيق.

٢٣٩

وآخرُ دعوانا أَنِ الحمدُ للهِ ربّ العالمين، وأفضلُ الصلآة والسلام على محمدٍ وآلهِ الطيبيين الطاهرين وصحبهِ المنتجبين، وعلى معاشرِ الأنبياءِ والمرسلين وأوصيائهم أجمعين والشهداء والصالحين، ورحمةُ الله وبركاته.

٢٤٠