تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس0%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: للعلاّمة الحلّي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 257
المشاهدات: 70850
تحميل: 4337

توضيحات:

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 70850 / تحميل: 4337
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

١

٢

تقديم آية الله جعفر السبحاني

تسليك النفس

إلى

حظيرة القدس

للعلاّمة الحلّي

أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر

(648 - 726هـ)

تحقيق

فاطمة رمضاني

مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)

قم - إيران

٣

٤

بسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيم

العباقرة في مرآة التاريخ

بقلم: آية الله جعفر السبحاني

المقدّمة:

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين أبي القاسم محمد وعلى عترته الطيبين الطاهرين صلاة ما دامت السماوات ذات أبراج والأرض ذات فجاج.

أمّا بعد؛

فإنّ التعرّف على مكانة العلماء البارزين وعظمتهم - الذين خدموا المجتمع الإنساني بأفكارهم وآرائهم وكتبهم وآثارهم -، يَتمُّ من خلال طريقين:

1. الرجوع إلى كلمات العلماء في حقّهم، فإنّها مرآة لشخصياتهم، وطريق لفهم جوانب حياتهم وإدراك منزلتهم العلمية.

٥

2. الرجوع إلى الآثار التي خلّفوها على الصُّعُد الفكرية والعلمية والثقافية والتربوية.

وبهذين الطريقين يمكن التعرّف على مكانة ودور أي واحد منهم.

الكتاب الذي بين يديك أثر من آثار أحد أعلام الإسلام، والّذي اشتهر بالنبوغ والعبقرية والتقدّم في ميادين العلوم العقلية والنقلية، ألا وهو العلاّمة الحلّي (648 - 726هـ).

ونحن هنا كباحثين محايدين سنقوم بتحقيق هذه الشهرة الّتي لم نزل نسمعها من المشايخ العظام جيلاً بعد جيل، وذلك بإتباع الطريقين المذكورين.

كلمات في حق المؤلف

إذا ألقينا نظرة على معاجم الرجال وتراجم العلماء سنجد أنّ كلّ من ذكر العلاّمة الحلّي (رحمه الله) أو ترجم له يصفه بما يُوصف به عباقرة العلوم وجهابذة الفنون، وإليك نزراً يسيراً من كلمات الفريقين:

قال الصفدي: الإمام العلاّمة ذو الفنون، عالم الشيعة وفقيههم، صاحب التصانيف الّتي اشتهرت في حياته، وكان يصنّف وهو راكب، وكان ريّض الأخلاق، مشتهر الذكاء، وكان إماماً في الكلام والمعقولات (1) .

وقال ابن حجر: عالِم الشيعة وإمامهم ومصنّفهم، وكان آية في

____________________

(1) الوافي بالوفيات: 13/85 برقم 79 بتلخيص.

٦

الذكاء. وكان مشتهر الذكر، حسن الأخلاق (1) .

وقال أيضاً في (الدرر الكامنة): الحسن بن يوسف ابن المطهّر الحلّي الإمامي، جمال الدين الشيعي، ولد في بضع وأربعين وستمائة، ولازم النصير الطوسي مدة واشتغل في العلوم العقلية، فمهر فيها وصنّف في الأُصول والحكمة، وكان رأس الشيعة بالحلّة، واشتهرت تصانيفه، وتخرّج به جماعة، وشرحه على مختصر ابن الحاجب في غاية الحسن في حلّ ألفاظه وتقريب معانيه وصنّف في فقه الإمامية، وكان قيّماً بذلك داعية إليه (2) .

هذه كلمات أعاظم أهل السنّة في حقّه، وأمّا أقوال علماء الشيعة فهي كثيرة نذكر منها القليل:

فقد عرّفه ابن داود الحلّي بقوله: شيخ الطائفة، وعلاّمة وقته، وصاحب التحقيق والتدقيق، كثير التصانيف، انتهت رئاسة الإمامية إليه في المعقول والمنقول (3) .

وقال الحر العاملي: فاضل عالِم علاّمة العلماء، محقّق، مدقّق، ثقة، فقيه، محدّث، متكلّم، ماهر، جليل القدر، عظيم الشأن رفيع المنزلة، لا نظير له في الفنون والعلوم العقلية والنقلية، وفضائله ومحاسنه أكثر من أن تحصى (4) .

____________________

(1) لسان الميزان: 2/317.

(2) الدرر الكامنة لابن حجر: 3/71.

(3) رجال ابن داود: 119 برقم 461.

(4) أمل الآمل: 2/80 - 81.

٧

وقال الميرزا عبد الله الأفندي التبريزي: كان (رضي الله عنه) جامعاً لأنواع العلوم، مصنّفاً في أقسامها، حكيماً متكلّماً فقيهاً محدّثاً أُصولياً أديباً شاعراً ماهراً، وقد رأيت بعض أشعاره ببلدة أردبيل، وهي تدلّ على جودة طبعه في أنواع النظم أيضاً. وكان وافر التصنيف متكاثر التأليف، أخذ واستفاد عن جمّ غفير من علماء عصره من العامّة والخاصة، وأفاد وأجاد على جمع كثير من فضلاء دهره الخاصة بل من العامة أيضاً، كما يظهر من إجازات علماء الطريقين (1) .

وهذه الطريق الّذي سلكناه في تعريف المؤلف، يدلّ على أنّ الفريقين اتّفقا على نبوغه وذكائه وعلمه وفقاهته. وهلمّ معي الآن لنسلك الطريق الثاني، الّذي يُرشد إليه مَعْلَمان رئيسيان:

أوّلاً: انثال عليه الأفواج من روّاد العلم من كلّ صوب، وانتهلوا من علمه وأفادوا من محاضراته، حتّى احتلّ فريق منهم مكانة سامية في الفقه والأُصول والكلام وغيرها من المجالات، وإليك أسماء عدد منهم:

1. ولده فخر المحقّقين.

2. زوج أُخته مجد الدين أبو الفوارس محمد بن علي بن الأعرج الحسيني.

3. عميد الدين عبد المطّلب بن أبي الفوارس.

4. ضياء الدين بن أبي الفوارس الحسيني.

____________________

(1) رياض العلماء: 1/359.

٨

5. مهنّا بن سنان بن عبد الوهاب الحسيني المدني.

6. تاج الدين محمد بن القاسم بن معية الحسني.

7. ركن الدين محمد بن علي بن محمد الجرجاني.

8. الحسين بن إبراهيم بن يحيى الاسترآبادي.

9. الحسين بن علي بن زهرة الحلبي.

10. أبو المحاسن يونس بن ناصر الحسيني الغروي المشهدي.

11. عبد الرحمن بن محمد الحلّي، ابن العتائقي.

12. محمد بن محمد قطب الدين أبو عبد الله الرازي.

هؤلاء اثنا عشر عالماً من أكابر تلاميذه أوردنا أسماءهم كمعالم على الطريق إلى الوصول إلى حقيقة شهرة العلاّمة الحلّي، وإلاّ فإنّ المتخرّجين به من الأعلام أكثر من ذلك بكثير، قال صاحب الرياض: كان في الحلّة في عصر العلاّمة أو غيره أربعمائة وأربعين مجتهداً (1) . ومن المعلوم أنّ جلّ هؤلاء ممّن استقوا من نمير علمه ومعين عذبه.

ثانياً: الآثار العلمية الّتي تركها للأجيال، فضعْ يدك على كتبه ومؤلّفاته في شتّى الفنون، ستجده في حقل الفقه والأُصول فقيهاً بارعاً، وأُصوليّاً لامعاً، وفي حقل المعقول والكلام فيلسوفاً ماهراً ومتكلّماً فذّاً، ويكفي في ذلك أنّه ألّف ما يناهز ثلاثين مؤلفاً في الكلام وأُصول الدين والجدل والاحتجاج وآداب البحث والمناظرة (2) .

____________________

(1) رياض العلماء: 1/361.

(2) معجم طبقات المتكلمين: 3/105 برقم 287. غير أنّ قسماً منها غير موجود.

٩

ونحن وإن ذكرنا في تقديمنا لكتاب (نهاية المرام) أسماء كثير من كتب العلاّمة في حقل الكلام، ولكنّنا نستقصي هنا كلّ ما وقفنا عليه في هذا المضمار، وإليك أسماءها مجرّدة عن التعليق والتوضيح:

1. الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة.

2. استقصاء النظر في البحث عن القضاء والقدر.

3. الألفين الفارق بين الصدق والمين.

4. أنوار الملكوت في شرح الياقوت.

5. الباب الحادي عشر.

6. الرسالة السعدية.

7. كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد.

8. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد.

9. معارج الفهم في شرح النظم.

10. مقصد الواصلين في أُصول الدين.

11. منهاج الكرامة في معرفة الإمامة.

12. مناهج اليقين.

13. نظم البراهين في أُصول الدين.

14. نهج الحقّ وكشف الصدق.

15. نهج المسترشدين في أُصول الدين.

١٠

16. واجب الاعتقاد على جميع العباد.

17. نهاية المرام في علم الكلام.

18. أجوبة المسائل المهنائية.

19. منتهى الوصول في علمي الكلام والأُصول.

20. كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام).

21. رسالة في جواب سؤالين سألهما الخواجة رشيد الدين.

22. أربعون مسألة في أُصول الدين.

23. تسليك النفس إلى حظيرة القدس

والأخير هو هذا الكتاب الّذي يزفّه الطبع إلى القرّاء الكرام، وقد ألّفه العلاّمة الحلّيّ استجابة لرغبة ولده محمد المعروف بفخر المحقّقين، وخصّصه لأهم المسائل الكلامية، الّتي أفرغها في قوالب فلسفية وبرهانية. وهو أشبه بكتاب (تجريد الاعتقاد) لأُستاذه نصير الدين الطوسي، والّذي شرحه العلاّمة بكتابه (كشف المراد) وقال: وجدنا كتابه الموسوم بتجريد الاعتقاد قد بلغ فيه أقصى المراد وجمع جلّ مسائل الكلام على أبلغ نظام (1) .

غير أنّ المصنّف سلك في كتابه هذا مسلك السهولة في البيان، وهو يغاير مسلك الطوسي في كتاب (تجريد الاعتقاد) الّذي يمتاز بالصعوبة،

____________________

(1) كشف المراد: 24.

١١

ولكنّهما (الأُستاذ والتلميذ) يشتركان في إضفاء الصبغة الفلسفية على المسائل الكلاميّة على نحو صار هذا النمط هو المقبول بين المتأخّرين من المتكلّمين من غير فرق بين السنّة والشيعة. والكتاب كما يصفه المؤلّف في مقدّمته مشتمل على أهم المسائل وأشرفها والنكت العظيمة اللطيفة. فجمع فيه النكات الكلامية وأُصول المطالب العقلية.

وقد قسّم الكتاب إلى مراصد، هي:

الأوّل: في الأُمور العامّة.

الثاني: في تقسيم الموجودات.

الثالث: في البحث عن أقسام الموجودات.

الرابع: في أحكام الموجودات.

الخامس: في إثبات واجب الوجود تعالى وصفاته.

السادس: في العدل.

السابع: في النبوة.

الثامن: في الإمامة.

التاسع: في المعاد.

وكلّ مرصد يشتمل على مطالب كثيرة.

فهذا فهرس إجمالي لمراصد الكتاب.

يُذكر أنّ السيد نظام الدين عبد الحميد بن الأعرج الحلّي ابن أُخت

١٢

العلاّمة شرح هذا الكتاب (683هـ -...) وأسماه: (إيضاح اللبس في شرح تسليك النفس).

وفي الحقيقة فإنّ (نهاية المرام) هو الكتاب الأُم من مؤلّفات العلاّمة في علم الكلام. وفي الكتاب الماثل بين أيدينا إرجاعات إلى نهاية المرام.

النسخ المعتمدة

قامت الطالبة فاطمة رمضاني بتحقيق وتصحيح هذا الكتاب القيّم، تحت رعاية الأُستاذين:

1. العلاّمة الحجة الشيخ عبد الله النوراني (الأُستاذ المشرف).

2. الدكتور نجف قلي الحبيبي (الأُستاذ المساعد).

وقد نالت بذلك شهادة الماجستير بدرجة (امتياز) في علم الإلهيات من كلية الإلهيات - جامعة طهران، عام 1426هـ.

وقد اعتمدت المحقّقة - حفظها الله - في عملها على نسخ ثلاث، اتّخذت الأُولى منها نسخة الأصل. وإليك مواصفات هذه النسخ:

1. النسخة (أ) الموجودة في متحف بريطانيا، بالاستناد إلى صورتها المستنسخة الموجودة في (مركز إحياء التراث الإسلامي) في قم المقدسة برقم 1804، وكاتب النسخة هو: علي بن الحسن بن الرضي الحسيني، وقد فرغ مِنْ نَسْخِها في 18 من شهر صفر من شهور عام 716هـ، في حياة المؤلّف، وتقع النسخة في 163 صفحة (17 سطر، 26×14 سم).

١٣

وهي بخط النسخ، وفي هوامش النسخة إيضاحات بقلم ولد المؤلّف - فخر المحقّقين - ربّما تعين على فهم المراد، ونجد فيها لفظة (صحّ) أو (بلغت قراءته) كلّ ذلك يؤيد صحّة النسخة وقلّة الخطأ فيها.

وقد جاء في آخرها قوله: أنهاه أيده الله تعالى، قولاً وبحثاً وفهماً وضبطاً واستنساخاً في مجالس آخرها سابع عشر رجب سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين. وكتب محمد بن الحسن بن المطهّر.

2. النسخة (ب)، الموجودة في مكتبة آية الله الحكيم (قدّس سره) في النجف الأشرف (برقم 929م)، بالاستناد إلى صورتها المستنسخة والموجودة في مركز إحياء التراث الإسلامي في قم المقدسة، برقم 2/689، وهذه النسخة لم يذكر فيها اسم الناسخ، وتمّ استنساخها في 22 من شهر صفر سنة 722هـ، وأنّه استنسخها من نسخة المؤلّف. ألحق بهذه النسخة كتاب (مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق) للمؤلف.

وهي غير خالية من الأغلاط لفظاً ومعنى، وجاء في هوامش النسخة (صوابه) و(صحّ).

وجاء في هامش آخر النسخة: قوله: (بلغت قراءته)، و(أيده الله تعالى)، وربّما يكون ذلك قرينة على أنّها قرئت على العلاّمة الحلّيّ.

والنسخة في 115 صفحة (17 سطر، 24×14 سم).

3. النسخة (ج)، الموجودة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي برقم

١٤

62283، ويوجد فلمها المصغّر في مكتبة جامعة طهران، وتقع في 198 صفحة (15 سطر، 20×14 سم) وقد سقط من النسخة المطلب الرابع من المرصد التاسع في ثبوت المعاد إلى آخر الكتاب.

والناسخ غير معلوم، وهي غير مؤرخة.

منهج التحقيق

1. لقد اعتمدت المحقّقة الفاضلة على نسخة (أ) كأصل مع تثبيت الاختلافات مع باقي النسخ في الهامش.

2. كلّ ما بين معقوفين [ ] فهو من إضافات المحقّقة لضرورة يقتضيها السياق أو للعناوين الاستنتاجية للفصول والمطالب لتسهيل المراجعة للقارئ الكريم.

3. كلّ ما بين قوسين ( ) فهو من أحد النسخ.

وقد أخذت المحقّقة على عاتقها بذكر جميع الاختلافات الموجودة بين النسخ في الهامش مع أنّ قسماً كثيراً منها ليس بصحيح قطعاً، وإنّما هي هفوات النسّاخ، فكان اللازم الاقتصار على ما يحتمل الصحّة، ولكنّنا أبقيناها على صورتها، لأنّ ذلك هو المنهج الرائج لتصحيح وتحقيق النسخ الخطية من قبل الجامعيّين.

ومع تثميننا لجهود المحقّقة الفاضلة في تصحيح الكتاب وتحقيقه بهذه الدقّة، ولكن كان اللازم عليها أن تورد التعاليق الموجودة في

١٥

هامش النسخة الأُولى والّتي هي من إفادات فخر المحقّقين، لأنّ لها دور الإيضاح.

ختامه مسك

قد وقفت على أسماء الكتب الكلامية الّتي سطرتها يد العلاّمة الحلّيّ والّتي بذل في تأليفها وتصنيفها أوقاتاً ثمينة وأنفاساً قدسية، وشغلت كل أوقاته في الحضر والسفر، وقد ألّف قسماً منها بين عام 707 - 716هـ، أي خلال تواجده في إيران بمعيّة الملك (خدابنده).

عاش العلاّمة (رحمه الله) ثمانية وسبعين عاماً حيث ولد عام 648هـ وانتقل إلى جوار ربه في 21 محرم الحرام من سنة 726هـ، وترك مكتبة ثمينة وغزيرة في أغلب العلوم والمعارف قلّما يتّفق لإنسان أن يأتي بهذا العطاء الثّر، وقد قام العلاّمة الراحل السيد عبد العزيز الطباطبائي باستقصاء جميع ما ألّفه العلاّمة الحلّيّ، وذكر ذلك كلّه في كتاب أسماه (مكتبة العلاّمة الحلّي) فبلغ مجموع ما ذكره 120 عنواناً.

هذا هو العلاّمة في مواهبه وقابلياته وآثاره الضخمة، وهو قدوة لكلّ الأجيال، إذ أنّه نهض بمسؤوليته الفكرية والعلمية والدينية في عصر ماجت فيه التيارات الفكرية من مختلف الفِرق ولم يكن له بد من سدّ كلّ ثغرة ببيانه وقلمه.

١٦

ونحن إذ نعيش في هذا العصر العصيب الّذي تعدّدت فيه المناهج الكلامية والتيارات الفلسفية الّتي تبتغي نشر الإلحاد وإطفاء نور الإيمان في قلوب الشباب، نهيب بكلّ من ينبض قلبه بحب الإسلام وخدمة المجتمع أن يقتدي بالعلاّمة الحلّي (رحمه الله) في التصدي إلى البحوث الكلامية والفلسفية بشكل يلائم لسان العصر ومنطق الشباب، إذ لكلّ زمان منطق ولسان.

فلو بعث العلاّمة الحلّي وأُستاذه نصير الدين وتلميذه قطب الدين الرازي وغيرهم من الأجلاّء في هذا الزمان، لكان لهم قصب السبق في بيان العقائد الإسلامية والمفاهيم الدينية على مختلف المستويات، ولم يفتروا عن التأليف والتصنيف، ولم يسأموا من الإرشاد والهداية.

رحم الله جميع علمائنا الماضين وحفظ الله الباقين منهم.

وبما أنّ مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام) قد اهتمت بتدريس علم الكلام في مستويات عالية، وتخرّج منها جمع من الفضلاء تسلّحوا بمنطق العلم والكلام وانتشروا في البلاد، ولم تزل الدراسات الكلامية مستمرة لنيل شهادات البكلوريوس والماجستير والدكتوراه في معهد علم الكلام التابع للمؤسسة بإشرافنا.

وإتماماً لما قامت به المؤسسة من تحقيق ونشر عدد من مؤلفات العلاّمة الحلّيّ (رحمه الله) في الكلام والأُصول والفقه، أخذنا على عاتقنا طبع ونشر هذه الرسالة الجامعية، شاكرين للمحقّقة الفاضلة وللأفاضل أعضاء لجنة

١٧

الإشراف، جهودهم المضنية الّتي بذلت في تحقيق وتصحيح هذا الأثر القيّم.

داعين الله لهم بالتوفيق والفلاح.

والحمد لله الّذي بنعمته تتم الصالحات.

جعفر السبحاني 

مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)

قم المقدسة     

رابع شهر ذي القعدة الحرام

1426هـ         

١٨

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ

الحمد لله القديم الأزليّ، الدّائم الأبديّ، الإله القهّار، الواجب الغنيّ، المالك القويّ، القديم الجبّار، الحكيم الكريم، العليّ العظيم الغفّار، العليم الحكيم، الرّؤوف الرّحيم، العطوف السّتّار.

أحمدهُ على إنعامِه المدرار، وأشكره على آلائه المسيلة الغزار، وأسأله التّوفيقَ في هذه الدّار لِحُسن العقبى في دار القرار؛ وصلَّى الله على سيّدنا محمّد النّبيّ المختار وعلى آله الأئمّة الأطهار وعترته الأخيار الأبرار، صلاةً تتعاقبُ عليهم تعاقبَ الأعصار.

أمّا بعدُ، فقد أجبتُ سؤالك، أيّها الولد الصّالح، محمّد - جعلني الله فداك - في تصنيف هذا الكتاب المسمّى بتسليك النّفس إلى حظيرة القدس، مشتملاً على المسائل المهمّة الشّريفة والنّكت العظيمة اللّطيفة، وبيّنتُ لك فيه - وفّقك الله لمراضيه وأعانك على امتثال أوامره ونواهيه - جميعَ لبّ

١٩

النّكت الكلاميّة، وأوضحتُ لك (فيه) - أرشدك الله - أصول المطالب العقليّة، أسعدك الله في الدّارين ورزقك تكميل الرّئاستين بمنّه ولطفه.

وقد رتّبتُ (1) هذا الكتابَ على مراصد تسعة.

____________________

(1) ألف: ترتب.

٢٠