تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس0%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: للعلاّمة الحلّي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 257
المشاهدات: 71210
تحميل: 4387

توضيحات:

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71210 / تحميل: 4387
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الافتراق (1) إلى محلّين (2) متجاورين، كما افتقر ضدّه إليهما، والتّالي باطل بالضّرورة فكذا المقدّمُ، وهو مقدورٌ لنا، لوقوعه منّا بحسب القصد والدّاعي متولّداً عن المجاورة الّتي نفعلها لا مباشرةً، خلافاً لأبي عليّ.

____________________

(1) ج: اقتراق.

(2) ج: مجلس.

١٠١

١٠٢

المرصد الرّابع

في أحكام الموجودات

وفيه مقصدان

١٠٣

١٠٤

المقصد الأوّل

في الأحكام العامّة

وفيه مطالب

[المطلب] الأوّل: في الواحد ومقابله

تصوّر الوحدة والكثرة ضروريٌّ، لما مرّ، لكن الوحدة أعرفُ عندَ العقل والكثرة عند الخيال. وهما من المعقولات الثانية وإلاّ لزم التسلسل. وأثبتهما الأوائل. ولمّا كانت الوحدة عارضةً للعرض كانت بالعرضيّة أولى، فالكثرةُ كذلك، لتقوّمها (1) منها. والواحدُ إمّا بالذّات أو بالعرض، كما يقال: حالُ المَلِك عند المدينة كحال الرّبّان عند السّفينة.

والأوّل إن كان مقولاً على كثرةٍ وجب اشتراكها في أمر يتّحد به ولا ينقسم باعتباره؛ فإن كانت الكثرة شخصيّة اشتركت في الحقيقة النّوعيّة، وإن كانت نوعيّةً اشتركت في الحقيقة الجنسيّة وتتفاوت قرباً وبُعداً.

____________________

(1) ج: لثبوتها.

١٠٥

وإن لم يكن فهو الواحدُ بالشّخص. فإن لم يقبل القسمةَ بوجهٍ مّا، فإمّا أن لا يكونَ له مفهوم زائد على كونه شيئاً غير منقسم، وهو نفسُ الوحدة، وهو أولى باسم الواحد من البواقي، أو يكونَ، فإن لم يكن ذا وضع فهو المفارقُ، وإلاّ فهو النّقطةُ، وإن قبل القسمةَ فهو خطّ أو سطح أو جسم إن قبل لذاته، وإلاّ فإمّا عارضٌ له أو معروضٌ، ولا يمكن اتّحادُ الاثنين، لأنّهما إن عدما ووُجِد غيرهما أو أحدُهما أو بقيا كما كانا فلا اتّحادَ.

وأثبت الأوائل العددَ، إذ هنا معدوداتٌ بالضّرورة وليست ماهيّاتها مجرّدَ كونها أعداداً، بل ماهيّاتها حقائقُ الأشياء، فكونُها أعداداً أمرٌ مغايرٌ لها، وليس عدماً مطلقاً ولا أيّ ملكة كانت، بل إن كان (1) فعدمُ الوحدة. لكنّه متركّبٌ منها. ومجموعُ الأمور الوجوديّة لا يكونُ عدمياً.

وهو خطأ، لأنّ أفراد العشرة إن لم يعرض لها أمرٌ يتّحد باعتباره ليصير محلاًّ للعشريّة صار الواحد عشرةً، وهو محال وإلاّ نقلنا (2) البحثَ في العارض، بل هي أمرٌ اعتباريّ وتقوّمه إنّما هو من الآحاد، لعدم الأولويّة في الأنواع وامتناع تقوّم الماهيّة بالأجزاء المتكثّرة المتباينة.

____________________

(1) ج: إن كان معدوم فعدم.

(2) ب: قبل أن كان.

١٠٦

المطلب الثّاني: في التّماثل ومقابله

التّكثّر لا يُعقل مع التّساوي من كلّ وجه، بل لابُدّ من مائز هو التّعيّن، وحينئذ يحصل التّغايرُ، فإن سدّ أحدهما مسدّ الآخر من كلّ وجه، فهما المثلان، وإلاّ فالمختلفان؛ فإن لم يمكن اجتماعهما في شيء واحد في زمان واحد من جهة واحدة فهما المتقابلان. والمثلان لا يمكنُ اجتماعهما فهما ضدّان في الحقيقة عندَ الأوائل والأشاعرة إن لم يشترط التّباعد، وإلاّ لارتفع الامتياز بينهما في الذّاتيّات واللوازم والعوارض. ومشايخ المعتزلة جوّزوا اجتماعهما لاشتداد (1) بعض الألوان ونمنع انحصار السّبب فيه.

والمتقابلان إن كانا وجوديّين فهما المُضافان (2) ، إن تلازما تعقّلاً وكان كلّ منهما مقولاً (3) بالقياس إلى الآخر، وإلاّ فهما الضّدان، وإن كان أحدهما فعدم وملكة إن تخصّصا بموضوع واحد، وإلاّ فمتناقضان.

وليس للواحد أكثرُ من ضدّ واحد إن شرطنا غايةَ التباعد، وإلاّ جاز التّكثّرُ، وقد يكون أحدهما لازماً للموضوع وقد لا يكون، إمّا مع امتناع خلوّ المحلّ عنهما كالصحّة والمرض، أو لا كالحرارة والبرودة وأشدّ المتقابلات تعانداً (4) ، السّلبُ والإيجاب؛ لأنّ اعتقادَ أنّ الشّيء ليس بأسودَ له يرفع الذّاتيّ واعتقادَ أنّه أبيض يرفع أنه ليس بأبيضَ، وهو عرضيّ، ورافعُ الذّاتيّ

____________________

(1) ج: استناد.

(2) ج: الضدان.

(3) ج: معقولاً.

(4) ج: معاندة.

١٠٧

أقوى معاندةً من الرّافع العرضيّ. والشّيء الواحدُ لا يكون ضدّاً للمختلفين، وكلّ ضدّين فلهما جنسٌ أخير، (1) ولا يتضادُّ جنسان بالاستقراء.

والتّماثل والاختلاف والتّضادّ أُمورٌ اعتباريّة من المعقولات الثّانية. والعقلُ جعلها أُموراً معقولةً ويعتبر (2) فيها مثلَها، ولا تسلسل، بل ينقطعُ بانقطاع الاعتبار. وزعم قدماء المعتزلة أنّ الغيرين (3) يتغايران لمعنى، وكذا المثلان والضّدّان والمختلفان. وهو غلطٌ، وإلاّ لزم التّسلسل.

المطلب الثّالث: في العلّة والمعلول

العلّة ما يستند إليها وجود شيء، ويُسمّى ذلك الشّيء معلولاً. وهي إمّا جزء المعلول أو خارجةٌ عنه. والأوّل مادّةٌ إن وجد بها المعلول بالقوّة وصورةٌ إن قارن وجودها بالفعل. والخارجة إمّا مؤثّرة فيه وهو الفاعل، أو الّتي لأجلها الشيء وهي الغاية.

ولا يمكنُ تكثّرُ علل الشخصيّ التامّة لوجوبه بكلّ منهما فيستغني عن الأخرى. ويجوز تكثّرُ علل النّوعي واختلافها في الماهيّة؛ لأنّه لذاته يفتقر إلى علّة مّا والتّعيين من قِبلها. ويكثر معلولُ البسيط وإن اتّحدت الاعتبارات، وإلاّ لكان كلّ موجودين في سلسلة واحدة، وهو باطلٌ بالضّرورة.

ومنع الأوائل من ذلك، لأنّ صدور (آ) غير صدور (ب)، فإن عرضا

____________________

(1) ج: آخر.

(2) ج: تعيّن.

(3) ج: الضدين.

١٠٨

للذّات تسلسل، وإن قوّماها أو أحدهما تركّبت.

وهو غلطٌ، لأنّه اعتباريّ، كالسّلب والقبول والإضافة. والاعتذارُ بكونها إضافاتٍ واردٌ في الصّدور، والدّور باطل بالضّرورة، فإنّ المؤثّر في المؤثّر في الشّيء مؤثّر فيه.

ولا يمكن ترامي (1) العلل إلى ما لا يتناهى؛ لأنّ مجموعَها مجموعُ أمور ممكنة، كلُّ واحد منها مفتقرٌ إلى المؤثر المغاير، فالمجموعُ كذلك.

ولا يمكن أن يكونَ هو الجزء، إذ لا يجبُ به الجملة وتستلزم تأثيره في علله المتسلسلة إلى ما لا يتناهى، فبقي الخارج، وهو الواجبُ؛ ولأنّ الممكنات وسط، ووُجدَ الطرف الآخر، فيوجدُ الأوّل.

ولا يجوز تخلّف المعلول عن علّته التامّة، وإلاّ لكان ترجيح أحد الأوقات بالوقوع دونَ غيره إن كان لا لمرجّح لزم رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجّح، وهو باطل، وإلاّ لكان (2) [له] مدخلٌ في العلّيّة، وقد فرض الأوّل تاماً (3) ، هذا خلفٌ.

ولا امتناعَ في اتّصاف البسيط بالمؤثريّة والقبولِ لشيء واحد ويكون الوجوب من حيث المؤثريّة والإمكان من حيثُ القبول، فلا استحالةَ.

والعليّة والمعلوليّة من الأوصاف الاعتباريّة الّتي يمكن إلحاقُها بالأُمور

____________________

(1) ج: تراقي.

(2) ج: كان.

(3) ألف: تامٌ.

١٠٩

العينيّة والذّهنية على حدّ واحد، فلا امتناعَ من اتّصاف عدم الملكة بهما.

أمّا العدمُ المطلقُ فلا، ويجوز توقّف العلّة العقليّة على شرط وتركّبها وإن كان المعلول بسيطاً. والغايةُ علّةٌ بماهيّتها (1) معلولة بوجودها، (2) والقوّة المحرّكة (3) الحيوانيّة تنبعث عن شوق منبعث عن تخيّل أو فكر. فإن لم تحصل غاية الشّوق فالحركة باطلة، والسّبب المؤدّي إلى مُسبّبه دائماً أو أكثريّاً غايته ذاتيّة وإلاّ اتفاقيّة.

____________________

(1) ج: رابها.

(2) ب: لماهيتها معلولة في وجودها.

(3) ج: مركبة.

١١٠

المقصد الثّاني

في الأحكام الخاصّة

وفيه فصول [أربعةٌ]

[الفصل] الأوّل

في أحكام الجواهر

وهي (ألف) اختصاصه بالتّحيّز، وهو الصّورة الجسميّة عند الأوائل، وعند المتكلّمين، المتحيّز هو المختصّ بحال، لكونه عليها يتزايدُ قدره بانضمام غيره إليه، أو يشغل قدراً من المكان بحيث يمنع غيره من أمثاله عن (1) أن يحصل فيه.

ب - تركبت الأجسام منها عند المتكلّمين خلافاً للأوائل. فعندَ جماعة من المعتزلة حصول الجسم من ثمانية منها مترتبة في الطول والعرض والعمق. وعند الكعبيّ من أربعة مثلّث، وفوقها رابع صنوبريّ الشّكل، وعند أبي الهذيل من ستّة، وعند الأشعريّ: الجسم هو المركّب مطلقاً، والمؤلّف

____________________

(1) ج: غير.

١١١

من اثنين، جسمٌ، والنّزاع لفظيّ. ولا يمكن تركّبه من أعراض، خلافاً لضرار بن عمرو، وحفص الفرد والنّظّام، وإلاّ دار.

ج - الجوهر يدرك لمساً ورؤيةً عند المعتزلة، وعندَ الأوائل: أنّ المبصر بالذّات هو اللّونُ أو الضّوء، فإبصار الجوهر بالعرض. وعندَ الكلابيّة: المدرك هو القائمُ بنفسه، فاخرج اللّونُ عن كونه مرئيّاً.

د - الجوهر لا يعقل إلاّ في حيّز ومُحاذاة، ولابُدّ من مكان، إن جعلنا (1) المكانَ هو (البعدُ)، كما قاله بعضُ الأوائل، وإن جعلناه السّطحَ (الباطن من الجسم الحاوي المماسّ للسّطح الظاهر من المحويّ) على ما ذهب إليه بعضهم، أو (ما يعتمد عليه المتمكن ويُقلّه ويثبتُ عليه) على ما اختاره المتكلّمون، استغنى بعض الأجسام عنه لاستحالة التّسلسل. وألزم القائلون بالسّطح حركة الحجر الواقف في الماء والطائر في الهواء وسكون الشّمس، وألزم القائلون بالبعد تداخلَ البعدين عندّ حلول المتمكّن في مكانه والتزموه.

واختلف في المكان بكلا التّفسيرين، هل يمكن خلوه أو يمتنع؟ فجماعةٌ على الأوّل، لاستلزام حركة السطحين المتلاقيين (2) دونَ صاحبه خلوّ الوسط؛ لانتفاء الفُرج وامتناع الطفرة وفرض التلاقي ولامتناع الحركة حينئذ، وإلاّ لزم التّداخلُ إن بقي المتحيّز في الثاني كما كان، والدّورُ إن انتقل

____________________

(1) ب: جعلنا له.

(2) ج: بُعد السطحين متلاصقين.

١١٢

إلى مكان الأوّل، وحركة جميع أجزاء العالم بحركة النّملة من مكان إلى غيره.

والتّخلخل والتّكاثفُ الحقيقيّان مبنيّان على المادّة، وقد أبطلناها. وأكثرُ الأوائل على الثّاني وبه قال الكعبيّ، لتقدّره، فيكون كمّاً أو ذا كمّ، ولأنّها متناهية، فهي مُشكّلة. فإن كان الشكل ذاتيّاً تساوى الجزء والكلّ (1) وإلاّ وجب القابل فثبت (2) الجسم؛ ولأنّه يلزم أن يكون الحركة مع العائق، كالحركة بدونه، فإنّ السّرعة في مقابلة الرّقة والبطؤ في مقابلة ضدّها. فلو فرضنا الحركة في مسافة معيّنة خالية تقع في زمان وقعت مع العائق في أكثر. ولنفرضه الضّعف، ثمّ نفرض (3) أرقّ من الأوّل بنسبة تفاوت الزّمانين فيتحرّك في زمان الخلأ والتّقدّرُ (4) ذهنيّ لجسم مفروض.

ويُنتقضُ الشّكلُ بالكرة البسيطة، والغلط (5) في جعل الزّمان بسبب المعاوقة، بل للحركة (6) لذاتها قدرٌ من الزّمان، وباعتبار المعاوقة آخر، (فسيجمعهما ذاتُ المعاوقة ويتفاوت في الزّائد باعتبار المعاوقة فلا يتساويان) (7) أصلاً.

هـ - الجوهرُ لا ضدّ له. لانتفاء الموضوع عنه. ومن أثبت الصّور النّوعيّة

____________________

(1) ج: الشكل.

(2) ج: فيسبب.

(3) ج: نقض.

(4) ألف: والتقلّد.

(5) ج: ألفاظ.

(6) ج: المحركة.

(7) ج: وكل يتساويان.

١١٣

يلزمه تجويز الضّدّية فيها. والجوهرُ هو المقصود إليه بالإشارة لتوقّفها على تشخّص المشار إليه، وتشخّص الأعراض تابعٌ لتشخّص محلّها.

و - أثبت جماعةٌ من المعتزلة للجوهر أربعَ صفات غير الصّفات الثّابتة له باعتبار تركّبه مع غيره، كالحياة وما يشترط بها الجوهريّة، وهي صفة الجنس ذاتيّة، فثبت له حالتي الوجود والعدم، بها يشارك ما يشارك، ويخالفُ ما يخالفُ (1) ؛ والوجود، وهي الصّفة الحاصلة بالفاعل. والتّحيّز، وهي الصّفة التّابعة للحدوث الصّادرة عن الجوهريّة بشرط الوجود؛ والحصول في الحيّز، وهي كونه كائناً، المعلّلة بالمعنى. وأثبتوا للأعراض صفةَ الجنس، الصادرة عنها عندَ الوجود والوجود.

ز - قالوا: ولا يمكن تزايدُ الجوهريّة والتّحيّز؛ لأنّ التّزايد يستند إلى علّة تتزايد أو شرط يتزايدُ، ككون المدرك مدركاً عندَ كثرة المدركات، ولا شيء يستند هاتان الصّفتان إليه يصحّ فيه التّزايد؛ ولأنّ التّحيّز لو تزايد لجاز صيرورةُ الجوهر الفرد على صورة جبل عظيم للزّيادة الحاصلة في الصّفة الموجبة للتّعاظم، ولا الوجود وإلاّ لصحّ منّا إيجاد الموجود وإحداثه حالاً فحالاً، والتّالي باطل بالضّرورة، فالمقدّم مثله.

وبيانُ الشّرطيّة أنّ كلّ ذات صحّ حصولها على أزيد من صفة واحدة حالة الحدوث صحّ حصولها على الزّائد حالة البقاء؛ وبعضُ الأوائل جوّز فيه الشّدّة والضّعفَ. وأمّا السكون فجوّز فيه التّزايد.

____________________

(1) ج: يخالف فيه.

١١٤

ح - الجواهر حادثة، خلافاً للأوائل؛ لأنّها لا تخلو عن الحوادث، وكلّ ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادثٌ بالضّرورة. وأمّا الصّغرى فلأنها لا تخلو عن الحركة والسّكون بالضّرورة؛ لأنّها إن بقيت في احيازها كانت ساكنة وإلاّ فهي متحرّكةً ولا واسطةَ بين النّقيضين، وكلاهما حادثان، لأنّ ماهيّة كلّ منهما يستدعي المسبوقيّة بالغير، ولا شيء (1) من القديم كذلك؛ ولأنّ كلّ واحد من الحركة الشّخصيّة والسّكون لو كان أزليّاً لما عُدم، والتالي باطلٌ بالحسّ وتسليم الخصم وإمكان مقولة الوضع.

ونوعُ الحركة لو كان قديماً أو مجموع أفرادها كان الشّخص قديماً، لامتناع وجود نوع منفك عن شخص، ولأنّه إن لم يوجد في الأزل شيءٌ من الحركة، (2) فالكلّ حادثٌ وإلاّ كان قديماً. ولا يمكن قدمُ شخص مّا للحركة ولأنّ كلّ جزئيّ حادث فهو مسبوق بعدم (3) لا الأوّل له أزليّ، فمجموع العدمات أزليّ، فإن وجد معها شيء من الحركات يساوي المسبوق والسّابق، وإلاّ كان الكلّ حادثاً، فلا يمكنُ ترامي الحوادث إلى ما لا نهايةَ له.

ولأنّ الحركات لو كانت غيرَ متناهية في جانب الماضي لتوقّف وجود اليوم على انقضاء ما لا يتناهى، وهو مُحال. ولأنّا لو فرضنا من الآن إلى الأزل جملةً، ومن زمان الطوفان إلى الأزل جملة أُخرى، ثمّ أطبقنا إحداهما

____________________

(1) ج: لاغى.

(2) ج: الحركان.

(3) ج: مقدم.

١١٥

بالأُخرى، فإن تساويا تساوى الزّائد والنّاقص. وهو باطلٌ بالضّرورة، وإلاّ انقطعت النّاقصة فانقطعتا معاً.

احتجّ الأوائل، بأنّ كلّ ما لابُدّ منه في المؤثريّة إن كان قديماً لزم القدمُ وإلاّ لزم التّسلسل. والملازمة الأولى ممنوعةٌ والثّانيةُ منقوضةٌ بالحادث اليوميّ. وإذا ثبت حدوث الجواهر ثبت حدوثُ ما يتوقّف (1) عليها، وهو الأجسام، لتركّبها منها ولانسحاب (2) الدّليل بعينه فيها والأعراض.

ط - الجوهر غير مقدور لنا. أمّا مباشرةً فلامتناع التّداخل، وكذا التّولّد مع إتحاد المحلّ. (3) وإمّا مع التّغاير فالّذي يُعدى به الفعل عنه هو الاعتماد، وهو لا يولّد الجوهر، وإلاّ لكنّا إذا اعتمدنا على ظرف زماناً أوجدنا فيه جواهر، كما نوجدها بالنّفخ فيه.

وللأوائل في هذا الباب طريقٌ آخرُ، وهو أنّ الفاعل الصّورة؛ لأنّ القابل لا يكون فاعلاً، والصّورة إنّما تفعل بمشاركة (4) الوضع، ولهذا فإنّ النّار تسخّنُ ما يُلاقيها. ثمّ ما يلاقي ما يلاقيها بواسطة الملاقي، والفاعل في المركّب فاعل في جزئه معاً، ولا مشاركة في الوضع بين المادّة والصّورة.

ي - قد بيّنا بطلانَ المادّة. والقائلون بثبوتها منعوا من تجردّها عن الصّورة، وإلاّ فإن حصلت بعدَ اتّصافها بها في كلّ مكان لزم حصول الجسم

____________________

(1) ألف: توقّف.

(2) ج: لا يستحاب.

(3) ج: العمل.

(4) ج: لمشاركة.

١١٦

في أكثر من مكان واحد، وهو باطل بالضّرورة؛ أو في بعض الأمكنة لزم التّرجيحُ من غير مرجّح، وهو غير تامّ، لدلالته على امتناع اتّصاف المجرّدة بالصّورة. ويُنتقض بجزئيّات العنصر الواحد. ومنعوا من تجرّد الصّورة عنها، وإلاّ كانت نقطةً أو حالّةً إن انقسمت ويمتنعُ استحالة الأوّل واستلزام الانقسام المادّة.

١١٧

الفصل الثّاني

في أحكام الأجسام

وهي [إحدى عشر] بحثاً:

ألف - الأجسام متماثلة، خلافاً للنّظّام؛ لاشتراكها في الماهيّة، وهي كونها طويلة عريضة عميقة، أو أنّها الجواهر القابلة للأبعاد المتقاطعة على زوايا قوائم، ولاشتباهها حسّاً عند اتّفاقها في الأعراض. ويبتني على مشاهدة الجميع وعلى التّساوي في الحقيقة عند التّساوي في الحسّ.

ب - الأجسام باقية، خلافاً للنظام، للعلم الضّروريّ بأنّ المشاهدَ ثانياً هو المشاهدُ أوّلاً، والإعدام مستند إلى الفاعل.

ج - التّداخلُ مُحالٌ، خلافاً للنظام، للعلم الضّروريّ بأنّ بُعدين أعظمُ من أحدهما، وامتناع اجتماع جسمين في حيّز واحد.

د - يجوزُ خلوّ الأجسام عن جميع الأعراض إلاّ الكون، خلافاً للأشاعرة، لأنّ الهواء كذلك، وقياس اللون على الكون خال عن الجامع وما قبله على ما بعده ممنوع الأصل.

هـ - الأجسامُ مرئيّةٌ بواسطة الضّوء واللّون، وهو ضروريٌّ.

١١٨

و - الأجسامُ متناهيةٌ خلافاً لحكماء الهند، (1) وإلاّ لأمكننا فرضُ خطّين كساقي مثلّث يمتدّان إلى غير نهاية؛ فالبُعد بينهما كذلك، فيكون ما لا يتناهى محصوراً بينَ حاصرين، وهو باطلٌ بالضّرورة؛ ولأنّ الكرة المفروض قطرُها موازياً لخطّ غير متناه إذا تحرّكت حركةً وضعيّةً انتقل القطر من الموازاة إلى المسامتة، فيحدث نقطةٌ هي أوّل نقط المسامتة. ولا يمكن ذلك في غير المتناهي؛ وللتّطبيق.

ز - قد بيّنا حدوثَ العالم، ولا يجبُ أن يكونَ أبديّاً، خلافاً للأوائل (2) والكرّاميّة (3) ؛ لأنّ ماهيّتهُ قابلةٌ للعدم، وإلاّ لكان قديماً واجباً لذاته، ويمتنعُ استنادهُ إلى الموجب، ويجوزُ استنادُ العدم إلى الفاعل.

ح - الجسمُ إمّا بسيط، وهو الّذي ليس فيه تركيبٌ من قوى وطبايع، ويتشابه أجزاؤه في تمام الماهيّة؛ وإمّا مركّبٌ، وهو ما فيه تركيبٌ من قوى وطبايع، ولا يتشابه أجزاؤه.

والبسيط إمّا فلكيٌّ أو عنصريٌّ. وكلّيّاتُ الأفلاك تسعةٌ، بناءً على عدم قبوله الخرقَ والالتيامَ، وهو ممنوعٌ. والفلك المحيط هو المحدّدُ للجهات؛ لأنّ جهتي العلو والسّفل مختلفان طبعاً، ولا يمكن أن تكونَ الجهة عدميّةً، إذ لا امتياز فيه؛ ولأنّها مقصد المتحرّك ومتعلّق الإشارة غير منقسمة، وإلاّ

____________________

(1) لاحظ: نهاية المرام للمصنّف: 1/356.

(2) الهيات الشفاء: 266، المقالة السادسة.

(3) نقل المصنّف بقاء الأعراض عن الكرّامية، نهاية المرام: 1/569.

١١٩

لكان الواصل إلى منتصفها إن قصد الجهة ممّا وراءه ليس منها، وإلاّ فهو الجهةُ. ولا يمكن التّمايزُ في البعد المتساوي ولا بجسمين متباينين وضعاً؛ لأنّ كلّ واحد يُحدّد القرب منه دون البعد، فلابدّ من محيط يتحدّد القرب بسطحه (1) ، والبعد بمركزه وإعدامُ الملكة قد تتمايزُ بملكاتها. والجسمُ يقصد الحركة إلى البياض وليس موجوداً ومتعلّق الإشارة الأحيازُ والأبعادُ وأطرافها. وأحدُ البُعدين يخالفُ الآخر بخصوصيّته ووضعه، فهو كافٍ في تمايز الجهة، ولأنّهما طرفا بُعد متوهّم من المركز إلى المحيط، والبُعدُ يحصل بانقطاع الأبعاد.

ط - قالوا: الفلك بسيطٌ، وإلاّ لكان مركّباً فصحّ (2) عليه الانحلالُ، والمحدّدُ لا يصحُ عليه الانحلالُ وإلاّ لكان ذا جهةٍ مسبوقاً بها، فحركته دوريّةٌ لتساوي نسبة أجزائه إلى الأمور الخارجة عنه، فأمكنت الحركةُ عليه؛ فكان ذا ميل مستدير، فلا يكونُ له مستقيمٌ، للتّنافي بينَ الميلين؛ فلا يكونُ خفيفاً ولا ثقيلاً، ولا يقبلُ الخرقَ والالتيامَ، ولا حارّاً ولا بارداً ولا رطباً ولا يابساً، بل هو طبيعةٌ خامسةٌ مخالفةٌ لطبائع العناصر.

والأصولُ باطلةٌ: أمّا أوّلاً، فلاختصاصها لو سُلّمت بالمحدّد.

وأمّا ثانياً، فلانتقاضها بالأفلاك الثّمانيّة، إذ يصحّ على كلّ فلك مماسّة غيره بمقعّره، كما يصحّ بمحدّبه.

____________________

(1) ج: بمحيطه.

(2) ج: فيصحّ.

١٢٠