تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس0%

تسليك النفس إلى حظيرة القدس مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: أصول الدين
الصفحات: 257

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: للعلاّمة الحلّي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
تصنيف: الصفحات: 257
المشاهدات: 71220
تحميل: 4387

توضيحات:

تسليك النفس إلى حظيرة القدس
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 257 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 71220 / تحميل: 4387
الحجم الحجم الحجم
تسليك النفس إلى حظيرة القدس

تسليك النفس إلى حظيرة القدس

مؤلف:
الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المرصد السابع

في النبوة

وفيه مطالب

١٨١

١٨٢

مقدمة (1)

[من هو النّبيّ]

النّبيّ هو الإنسانُ المخبرُ عن الله - تعالى - بغير واسطة أحدٍ من البشر، فخرجت الملائكة والمُخبرُ عن غير الله تعالى، والعالِمُ. (2) ولابُدّ من اختصاصه بظهور المعجزة على يده تدلّ على صدقه. والمعجزة (3) ما خرق العادةَ، من ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع مطابقته للدّعوى ويعدده (4) في جنسه وصفته.

____________________

(1) ج: المطلب الأوّل.

(2) ج: من العالم.

(3) إلف: المعجز.

(4) ب: يعده، ج: تعذُره.

١٨٣

المطلب الأوّل (1)

في إمكان البعثة

اتّفق العقلاء عليه، إلاّ البراهمةَ والصّابئةَ، لأنّ فيها مصلحةً للعالَم، ولا مفسدةَ فيها، وما كان كذلك فهو واقعٌ، فيكونُ ممكناً.

احتجّوا بأنّ الرّسول(عليه السلام) إنّما جاء بما يوافقُ العقل، فلا حاجة إليه، لانتفاء الفائدة وإلاّ كان (2) مردوداً.

والجوابُ، الفائدةُ ظاهرةٌ في ما يوافق العقل، وهو تأكيدُ العقليّ بالنقليّ، وقطع عذر المكلّف، كما قال تعالى: ( لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى‏ اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ ) (3) ولأنّ العقل قد يعجز عن إدراك الحقّ فيحتاجُ إلى كاشف، كالصّفات المستفادة من السّمع، وكالقبائح المستندة إليه والمنافع المعلومة منه، كالصّنائع وغيرها. وما لا يوافقُ العقلَ لا يكون مردوداً إذا لم يقتض العقل نقيضَه.

____________________

(1) ج: المطلب الثاني.

(2) ب: لكان.

(3) النساء: 4/65.

١٨٤

المطلب الثّاني

في وجوب البعثة

اتّفقت العدليّة عليه، خلافاً للأشاعرة، لأنّ السّمعيّات واجبةٌ إجماعاً وهي ألطافٌ في العقليّات، للعلم الضّروريّ، بأنّ المواظبَ على فعل الواجبات السمعيّة (1) أقربُ إلى فعل الواجبات العقليّة؛ وقد نبّه الله - تعالى - عليه في قوله تعالى: ( إِنّ الصّلاَةَ تَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ) (2) . واللّطف واجبٌ، ولا يمكن معرفةُ السّمعيات إلاّ بالبعثة؛ ولأنّ العلم بالعقاب ودوامه، ودوام الثّواب ألطافٌ في التّكليف قطعاً، واللّطفُ واجبٌ ولا يمكن معرفة ذلك إلاّ بالسّمع.

وللأوائل في هذا الباب طريق آخر، وهو أنّ الإنسانَ مدنيّ بالطبع، لافتقاره في انتظام أحواله إلى معاون ومشارك بحيثُ يفرغُ كلٌّ منهم لبعض مصالح الآخر، فيحصل من المجموع لكلّ واحد ما يحتاج إليه في أُمور معاشه. ولا شكّ في أنّ الاجتماع مظنّة التّنازع والتغالب، فلا يستمر (3) فائدته إلاّ بسُنّةٍ وعدل ينتظمُ باعتبار استعمالهما (4) أحوال النّوع. وتلك السّنّة

____________________

(1) ج: على تعليم الواجبات الشرعية.

(2) العنكبوت: 29/45.

(3) ب: فلا تتمُّ.

(4) ألف: استعمالها.

١٨٥

والعدل لابُدّ لها من ناصب متميّز عن بني النّوع لعدم الأولويّة في الواضع وكان يفضي إلى ما يقربُ منه. وذلك الامتياز، إنماّ هو بفعل لا يتمكن غيره من الإِتيان بمثله، وهو المعجزةُ.

ثمّ إنّ كثيراً من النّاس من يستحقرُ اختلالُ (1) حال النّوع بوصول ما يحتاج إليه بحسب الشّخص، فيحتاج إلى تخويف ووعد بوصول ثواب وعقاب إليه أُخرويّين عندَ المخالفة أو الموافقة.

ولمّا كان الإنسانُ في معرض النّسيان احتاج في تذكار ذلك إلى تكرير ذكر الرّب - تعالى - ووعده ووعيده. وذلك باستعمال التكاليف الشّرعيّة، فوجب في حكمته - تعالى - بعثٌ رسول منذر (2) بثوابٍ وعقابٍ، شارع للتكاليف السّمعيّة المتكرّرة، بحسبِ مقتضى الحكمة الإلهيّة.

____________________

(1) ب، ج: اختلاف.

(2) ب: - رسول منذر.

١٨٦

المطلب الثّالث

في وجوب العصمة

ذهب الإماميّةُ خاصّةً إلى وجوب عصمة النّبيّ عن فعل قبيح أو إخلال بواجب، خلافاً لجميع الفرق؛ فإنّ جمهورَ الأشاعرة والحشويّة جوّزوا جميعَ المعاصي عليهم إلاّ الكفرَ والكذبَ في الأداء. وقال بعضُ المعتزلة إنّما يجوز عليهم الصّغائر سهواً، وبعضهم عمداً على سبيل التّأويل، وبعضهم على سبيل القصد إلاّ أنّها تقعُ مكفّرةً.

لنا : أنّ انتفاء العصمة يستلزم نقضُ الغرض بالبعثة، وهو القبول منهم والامتثال لأوامرهم ونواهيهم، فإنّه لو جوّز المكلّفُ المعصيةَ عنهم جوّز كونَ ما أمروا به معصيةً، ولأنّه يجوزُ أن يؤدّي بعض ما أُمِر بأدائه وأن يؤدّي غير ما أمر به، فينتفي فائدةُ البعثة، ولأنّه إذا فعل المعصيةَ وجب الإنكار عليه، فيسقط محلّهُ من القلوب. ولأنّا لو جوّزنا المعصيةَ عليه لم يجب علينا امتثالُ قوله إلاّ بعدَ العلم بصدقه، ويلزمُ الدّور.

ويجب أن يكونَ معصوماً من السّهو في ما يؤدّيه، خلافاً لجميع الفرق، وإلاّ لزم نقضُ غرض البعثة، وأن يكونَ مُنزّهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمّهات، وإلاّ لزم التّنفير عنه وسقوط محلّه من القلب. (1)

____________________

(1) ج: القلوب.

١٨٧

المطلب الرّابع

في نبوّة محمّد (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)

لأنّه ادّعى النّبوّةَ وظهرت المعجزةُ على يده، فيكون صادقاً.

والأُولى ضروريّةٌ.

وأمّا الثّانيةُ، فلأنّه ظهر على يده القرآن، وهو معجزٌ، لأنّه تحدّى به فصحاء العرب وعجزوا عن الإتيان بمثله، لأنّه سألهم المعارضةَ بمثله أو الحربَ، فاختاروا الحربَ؛ ومعلومٌ أنّه لو تمكّنوا من المعارضة لم يلجأوا إلى أشقّ الأمرين. ولأنّه ظهر على يده معجزاتٌ كثيرةٌ، كانشقاق القمر، ونبوع الماء من بين أصابعه، وإشباع الخلق الكثير من الطعام القليل، وغير ذلك. وإن لم يكن كلّ واحدٍ منها متواتراً، فإنّها متواترةُ المعنى.

وأمّا الثّالثةُ فضروريّةٌ، فإنّ من ادّعى رسالةَ ملك وقال بحضور جمع عظيم، أيّها الملك إن كنتُ صادقاً فخالف عادتك، ففعل الملك ذلك مرّةً بعدَ أُخرى جزم الحاضرون بصدقه.

احتجّت اليهود: بأنّ النّسخَ باطلٌ، وإلاّ لزم الأمر بالقبيح أو النّهيُ عن الحَسن؛ ولأنّ موسى (عليه السلام) إن بيّن دوامَ شرعه بطل النّسخُ لصدقه، وإن بيّن

١٨٨

انقطاعَه وجب تواتره، لتواتر (1) أصل شرعه، وإن لم يبيّن شيئاً اقتضى الفعل مرّةً. ولقوله (عليه السلام): ((تمسّكوا بالسّبتِ أبداً)) (2) .

والجوابُ: (أنّ الحسن والقبيح يختلفُ باختلاف المصالح والمفاسد المختلفة باختلاف الأزمان، وتواترَ اليهود انقطع، والتأبيدَ لا يدلّ (3) على الدّوام، لقوله في التّوراة: لنوح(عليه السلام) عند خروجه من الفلك: ((إنّي جعلتُ كلّ دابّة حيّة مأكَلاً لك ولذرّيّتك وأطلقتُ ذلك لكم كنبات العشب أبداً ما خلا الدّم فلا تأكلوه)) (4) ، ثمّ حرّم على لسان موسى (عليه السلام) كثيراً من الحيوانات.

وفي التّوراة: ((قرّبوا إليّ كلَّ يوم خروفين، خروف غدوةً وخروف عشيّةً بين المغارب قرباناً دائماً لاحقاً بكم)) (5) . ثمّ انقطع ذلك الدّوام.

وقال: (يستخدمُ العبدُ سِتّ سنين، ثمّ يُعرضُ عليه العتقُ، فإن لم يقبل ثُقِبَ أُذنه واستُخدِمَ أبداً). (6)

وفي موضع آخر: (يُستخدمُ خمسين سنةً، ثمّ يعتقُ في تلك السّنة). (7) وهي كثيرةٌ.

____________________

(1) ج: كتواتر.

(2) مبادئ الوصول: 178، نقلاً عن سفر الخروج: 144، فصل 31، طبع بيروت - 1937م.

(3) ج: لابُدّ.

(4) التوراة، السفر الأوّل.

(5) التوراة، السفر الثاني؛ كشف المراد: 487.

(6) شرح التجريد للشعراني: 504؛ مبادئ الوصول: 179.

(7) شرح التجريد للشعراني: 504؛ مبادئ الوصول: 179.

١٨٩

المطلب الخامس

في وجه إعجاز القرآن

ذهب الجبّائيّان إلى أنّه الفصاحةُ. وقال البلخيّ: إنّ جنسَ القرآن غيرُ مقدور للبشر. وقال الجوينيّ (1) : إنّه الفصاحةُ والأسلوبُ. وذهب المرتضى والنظّامُ (2) إلى أنّ الله - تعالى - صرف العربَ ومنعهم عن المعارضة مع تمكّنهم؛ لأنّ العربَ كانوا (3) متمكّنين من المفردات والتّركيب، فكانوا قادرين على الجميع.

واحتجّ الأوّلون بأنّ الإعجاز لو كان للصّرفة لوجب أن يكونَ في غاية الرّكاكة، والقدرةُ على مطلق التّأليف مُسلّمٌ، أمّا على تأليف القرآن فإنهّ ممنوعٌ، والملازمةُ ممنوعةٌ.

____________________

(1) هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله المعروف بإمام الحرمين والجويني، توفّي سنة 478هـ. قاله في كتابه البرهان في أُصول الفقه: 1/98.

(2) هو إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري، أبو إسحاق النظام المعتزلي، توفّي سنة 231هـ الأعلام: 1/43.

(3) ب: كافّة.

١٩٠

المطلب السّادس

في تحقيق العصمة

من النّاس من سلب القدرةَ على المعاصي عن المعصوم، إمّا مع مساواة الغير في الخواصّ البدنيّة، لكن العصمة هي القدرةُ على الطاعة، أو عدم القدرة على المعصية، وهو قول أبي الحسن الأشعريّ أو مع اختصاصه في نفسه أو بدنه بخاصيّة تقتضي امتناع إقدامه على المعاصي، كما ذهب إليه بعضهم. ومنهم من أثبت القدرةَ وفسّر العصمةَ بأنها أمرٌ يفعله - تعالى - بالعبد بحيثُ لا يُقدِمُ معه على المعصية بشرط أن لا ينتهي إلى الإلجاء، وإلاّ لما استحقّ المدحَ ولبطل التّكليفُ؛ ولقوله تعالى: ( إِنّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) (1) .

وأسبابُ العصمة عندهم أمورٌ أربعةٌ: حصول خاصيّة لنفسه أو بدنه تقتضي ملكةً مانعةً من الفجور، وحصول العلم بالمدح على الطاعة والذّمّ على المعصية؛ وتأكيدُ تلك العلوم بترادفِ الوحي وترك إهمال معاتبته عند ترك الأولى. وفي اشتراطِ ترادفِ الوحي نظرٌ؛ فإنّ الأئمّة ومريم وفاطمة (عليهم السلام) معصومون من غير وحي، والتّحقيق أنّ الله - تعالى - يفعل به لطفاً ينتفي معه داعي المعصية مع قدرته عليها.

____________________

(1) المؤمنون: 23/33.

١٩١

المطلب السّابع

في وقت العصمة

اتّفقت الإماميّة على عصمتهم قبل النّبوة وبعدها عن الصّغائر والكبائر عمداً وسهواً، وإلاّ لزم نقضُ الغرض من الانقياد إليهم والتّعظيم لهم لسقوط محلّ من كان عاصياً، وجوّزت الفضليّةُ (1) من الخوارج بعثةَ من يعلم الله - تعالى - منه أنّه يكفرُ. وابن فورك (2) جوّز بعثةَ من كان كافراً، ولم يقع. وبعض الحشوية زعم أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) (أنّه) كان كافراً قبل البعثة، لقوله تعالى: ( وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى‏ ) (3) ، وأطبق المحققون على بطلانه.

وأكثر الأشاعرة جوّزوا الكبيرةَ على الأنبياء قبل البعثة، لقصّة إخوة يوسفَ. ومنع الباقون من نبوّتهم. واتفق من عدا الإماميّة على جواز الصّغائر منهم قبل البعثة، لكنّ النّظّام والأصمّ جوّزه على سبيل السّهو.

____________________

(1) ب: الفضيليّة.

(2) هو محمد بن الحسن بن فورك الأنصاري الاصبهاني الشافعي، درس ببغداد والبصرة، توفّي سنة 406هـ. الأعلام للزركلي: 6/83.

(3) الضّحى: 93/7.

١٩٢

المطلب الثّامن

في الكرامات

اتّفقت الأشاعرةُ على جوازها، وهو الحقّ عندي؛ لقصّة مريمَ وآصفَ وما نقل متواتراً عن الأئمّة (عليهم السلام) من المعجزات. ومنع منه المعتزلة، لامتناع (1) الاستدلال به على النّبوّة. والجوابُ: أنّه يتميّز عن المعجزة بالتّحدّي.

____________________

(1) ب: لجواز امتناع.

١٩٣

المطلب التّاسعُ

في أنّ الأنبياء أفضلُ من الملائكة

اتّفقت الأشاعرة عليه إلاّ القاضي، لقوله تعالى: ( إِنّ اللّهَ اصْطَفَى‏ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (1) وهو يتناول الملائكة؛ ولاشتغالهم بالعبادة مع جواذب الشّهوة والغضب والموانع الخارجيّة، فتكون عبادتهم أشقّ، وقال (عليه السلام): ((أفضلُ الأعمال أحمزُها)) (2) وقالت المعتزلة والفلاسفة: الملائكةَ أفضلُ، لقوله تعالى: ( مَا نَهَاكُمَا رَبّكُمَا عَنْ هذِهِ الشّجَرَةِ إِلاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ ) (3) ، وقوله: ( لَن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للّهِ‏ِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرّبُونَ ) (4) ، ( مَا هذَا بَشَراً إِنْ هذَا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) (5) ، ولأنّ الملائكةَ جواهرُ مجرّدةٌ، فتكونُ أشرفَ من البشر.

____________________

(1) آل عمران: 3/33.

(2) بحار الأنوار: 67/191 و237، وج79/229.

(3)الأعراف: 7/20.

(4) النساء: 4/172.

(5) يوسف: 12/31.

١٩٤

والجوابُ: أنّ الآية تدلّ على تفضيل الملك على آدم وقت مخاطبته إبليسَ، لا بعدَ الاجتباء، أو أنّ القصد إلاّ أن تكونا ملكين لا يأكلان الطعام ونفيُ الاستنكاف عن الملائكة لا يدلّ على تفضيلهم على المسيح، بل إنّما ذكرهم بعد المسيح الّذي (1) قالت النّصارى إنّه ابنُ الله، كقول المشركين إنّهم بناتُ الرّحمن. وتخيّلُ النّساء أنّ جمال الملك أكثرُ من جمال البشر لا يدلّ على تفضيل الملك عليه.

____________________

(1) ج: نفياً للّذي.

١٩٥

١٩٦

المرصد الثّامن

في الإمامة

وفيه مطالب

١٩٧

١٩٨

[المطلب] الأوّل

في وجوبها

الإمامة رياسة عامّة في أُمور الدّين والدّنيا لشخص من الأشخاص. واختُلفَ في وجوبها. فمنع منه الأصمّ والفوطيّ، وذهب الباقون إلى وجوبها. فعند الإماميّة وأبي الحسين البصريّ والبغداديّين أنّ طريقَ وجوبها، العقل؛ لكن الإماميّة أوجبوها على الله - تعالى -، لكونها لطفاً بالضّرورة، فإنّ النّاس متى كان لهم رئيسٌ ينتصفُ للمظلوم ويردَعُ الظالم، كانوا من الصّلاح أقربَ وعن الفساد أبعدَ؛ واللّطفُ واجبٌ، لما تقدّم.

لا يُقال: يجوزُ أن تكونَ الإمامةُ لطفاً يقومُ غيرُها مقامَها فلا يجبُ عيناً، فإنّ من اللّطف ما لا يقومُ غيره مقامَه، كالعلم باستحقاق الثّواب والعقاب، ومنه ما يقوم غيره، كالتّكاليف السّمعيّة، وإلاّ لم يخل مكلّفٌ من التّكليف السّمعيّ. سلّمنا، لكن يجوز اشتمالها على وجه قبح. ولا يكفي في الوجوب ثبوت وجهه (1) ما لم ينتف عنه وجوه المفاسد.

لأنّا نقول: اتّفاقُ العقلاء في كلّ مكان وزمان على نصب الرّؤساء دليل

____________________

(1) ج: وجه.

١٩٩

على انتفاء غيرها من الألطاف، ووجوه القبح محصورة. وهي منفيّةٌ هنا.

وقال أبو الحسين والبغداديون: إنّها واجبةٌ على العقلاء. وهو خطأٌ، لما فيه من التّنازع المؤدّي إلى الفساد. وذهب الجُبّائيّان والأشاعرة إلى أنّها واجبةٌ سمعاً.

٢٠٠