رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين

رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين33%

رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين مؤلف:
تصنيف: رسائل وأطاريح جامعية
الصفحات: 164

رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين
  • البداية
  • السابق
  • 164 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92191 / تحميل: 10023
الحجم الحجم الحجم
رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين

رسالة ماجستير الإعتقاد بمنجي العالم في القرآن والعهدين

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

بشئ من امرك، فخذ هاهنا، فتياسر عن طريق العذيب والقادسية، وسار الحسينعليه‌السلام وسار الحرّ في أصحابه يسايره وهو يقول له: يا حسين اني اذكّرك الله في نفسك، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ، فقال له الحسينعليه‌السلام : ( أفبالموت تخوّفني؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه، وهو يريد نصرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فخوفه ابن عمه وقال:أين تذهب؟ فانّك مقتول ؛ فقال:

سأمضي فما بالموت عار على الفتى

إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما

وآسى الرّجال الصالحين بنفسه

وفارق مثبورا وباعد(١) مجرما

فإن عشت لم اندم وان متّ لم ألم

كفى بك ذلا ان تعيش وترغما »

فلمّا سمع ذلك الحرّ تنحّى عنه، فكان يسير بأصحابه ناحية، والحسينعليه‌السلام في ناحية أخرى، حتى انتهوا الى عذيب الهجانات(٢) .

ثمّ مضى الحسينعليه‌السلام حتّى انتهى الى قصر بني مقاتل فنزل به، فاذا هو بفسطاط مضروب فقال: ( لمن هذا؟ ) فقيل: لعبيد الله بن الحرّ الجعفيّ، فقال:( ادعوه اليّ ) فلما أتاه الرّسول قال له: هذا الحسين بن عليّ يدعوك، فقال عبيد الله: انّا لله وانّا اليه راجعون، والله ماخرجت من الكوفة الّا كراهية أن يدخلها الحسين وانا بها، والله ما اريد ان اراه ولا يراني ؛ فأتاه الرّسول فأخبره فقام الحسين عليه

__________________

(١) في هامش (ش) و (م): وخالف.

(٢) عذيب الهجانات: موضع في العراق قرب القادسية (معجم البلدان ٤: ٩٢ ).

٨١

السّلامُ فجاءَ حتّى دخلَ عليه فسلّمَ وجلسَ، ثمّ دعاه إِلى الخروج معَه، فأعادَ عليه عُبيدُ اللهِّ بن الحرِّ تلكَ المقالةَ واستقاله ممّا دعاه إِليه، فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : « فإِن لم تنصرْنا فاتّقِ اللّهَ أن تكونَ ممّن يُقاتلُنا؛ واللّهِ لا يسمعُ واعيتَنا(١) أحدٌ ثمّ لا ينصرُنا إلاّ هلكَ » فقالَ: أمّا هذا فلا يكونُ أبداً إِن شاءَ اللّهُ ؛ ثمّ قامَ الحسينُعليه‌السلام من عندِه حتّى دخلَ رحله.

ولمّا كانَ في اخرِ ألليلِ أمرَ فتيانَه بالاستقاءِ منَ الماءِ، ثمّ أمرَ بالرّحيلِ، فارتحلَ من قصرِ بني مُقاتلٍ، فقالَ عُقبةُ بنُ سمعانَ: سِرْنا معَه ساعةً فخفقَ وهوعلى ظهرِفرسِه خفقةً ثمّ انتبهَ، وهو يقولُ: «إِنّا للّهِ وإنّا إِليه راجعونَ، والحمدُ للّهِ ربِّ العالمينَ » ففعلَ ذلكَ مرّتينِ أو ثلاثاً، فأقبلَ إِليه ابنُه علي بنُ الحسينِعليهما‌السلام على فرسٍ فقالَ: ممَّ حمدتَ الله واسترجعتَ؟ فقاَل: «يا بُنَيَّ، إِنِّي خفقتُ خَفقةً فعَنَّ لي فارسٌ علىَ فرسٍ وهو يقولُ: القومُ يسيرونَ، والمنايا تسيرُ إِليهمِ، فعلمتُ أَنّها أَنفسُنا نُعِيَتْ إِلينا» فقالَ له: يا أبَتِ لا أراكَ اللهُّ سوءاً، ألسنا على الحقِّ؟ قالَ: «بلى، والّذي إِليه مرجعُ العبادِ » قال: فإِنّنا إِذاً لا نبالي أَن نموتَ مُحِقِّينَ ؛ فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : «جزاكَ اللّه من ولدٍ خيرَ ما جزى وَلداً عن والدِه ».

فلما أصبح نزل فصلّى الغداة، ثم عجّل الرّكوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرّقهم فيأتيه الحرّ بن يزيد فيردّه وأصحابه، فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردّاً شديدا امتنعوا عليه، فارتفعوا فلم

__________________

(١) الواعية: الصارخة. « الصحاح - وعى - ٦: ٢٥٢٦ ».

٨٢

يزالوا يتياسرونَ كذاك حتّى انتهَوا إِلى نينَوى - المكانِ الّذي نزلَ به الحسينُعليه‌السلام - فإِذا راكبٌ على نجيبِ له عليه السِّلاحُ متنكِّبٌ قوساً مقبلٌ منَ الكوفةِ، فوَقَفُوا جميعاً ينتظَرونَه(١) فلمّا انتهى إِليهم سلّمَ على الحرِّ وأصحابِه ولم يسلِّمْ على الحسينِ وأصحابِه، ودفعَ إِلى الحرِّ كتاباً من عُبيدِاللّهِ بنِ زيادٍ فإِذا فيه:

أمّا بعدُ فَجَعْجِعْ(٢) بالحسينِ حينَ يَبلُغُكَ كتابي ويقدمُ عليكَ رسولي، ولا تُنْزِلْه(٣) إِلاّ بالعراءِ في غيرِ حصنٍ وعلى غيرِماءٍ، فقد أمرتُ رسولي أن يَلزَمَك ولا يفُارِقَكَ حتّى يأْتيني بإِنفاذِكَ أمري، والسّلامُ.

فلمّا قرأ الكتابَ قالَ لهم الحرُ: هذا كتابُ الأَميرِ عُبيدِاللهِّ يأْمرُني أَن أُجَعْجِعَ بكم في المكانِ الّذي يأْتي كتابُه، وهذا رسولُه وقد أمرَه أَلاّ يفارقَني حتّى أُنَفّذَ أَمْرَه.

فنظرَ يزيد بنُ المهاجرِ الكنانيّ(٤) - وكانَ معَ الحسينِعليه‌السلام - إلى رسولِ ابن زيادٍ فعرفَه فقالَ له يزيدُ: ثَكلَتْكَ أُمُّكَ، ماذا جئتَ فيه؟ قالَ: أَطعتُ إِمامي ووفيتُ ببيعتي، فقالَ له ابنُ المهاجرِ: بل عصيتَ ربَّكَ وأطعتَ إِمامَكَ في هلاكِ نفسِكَ وكسبتَ العارَ والنّارَ، وبئسَ الإمامُ إِمامكَ، قالَ اللّهُ عزَّ من قائلٍ

__________________

(١) في هامش «ش»: ينظرونه.

(٢) في الصحاح - جعجع - ٣: ١١٩٦: كتب عبيدالله بن زياد الى عُمربن سعد: أن جعجع بحسين. قال الأصمعي: يعني احبسه، وقال ابن الاعرابي: يعني ضيّق عليه.

(٣) في « ش » و « م»: تتركه، وما في المتن من هامشهما.

(٤) في هامش « ش » و «م»: الكندي.

٨٣

 ( وَجَعَلنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُوْنَ إِلىَ النًارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنْصرُوْنَ ) (١) فإِمامُكَ منهم.

وأخذَهم الحرُّ بالنُّزولِ في ذلكَ المكانِ على غيرماءٍ ولا قريةٍ، فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : « دَعْنا - ويحك - ننزل في هذه القريةِ أوهذه - يعني نينَوَى والغاضِريّةَ - أو هذه - يعني شِفْنَةَ(٢) - » قالَ: لا واللّهِ ما أستطيعُ ذلكَ، هذا رجل قد بُعِثَ اليّ عيناً عليّ، فقالَ له زُهَيرُ بنُ القَيْنِ: إِنِّي واللّهِ ما أراه يكونُ بعدَ هذا الّذي تَرَوْنَ إِلا أَشدَّ ممّا تَرَوْنَ، يا ابنَ رسولِ اللّهِ، إِنّ قتالَ هؤلاءِ السّاعةَ أهونُ علينا من قتالِ من يأْتينا بعدَهم، فلعَمْري لَيَاْتيَنا بعدَهم ما لا قِبلَ لنا به، فقالَ الحسينعليه‌السلام : «ما كنتُ لأَبدأهم بالقتالِ » ثمّ نزل ؛ وذلكَ يومَ الخميسِ وهو اليوم(٣) الثّاني منَ المحرّمِ سنةَ إِحدى وستَينَ.

فلمّا كانَ منَ الغدِ قدمَ عليهم عُمَرُبنُ سَعْدِ بنِ أبي وَقّاصٍ منَ الكوفةِ في أربعةِ آلافِ فارسٍ، فنزلَ بنينوى وبعثَ إِلى الحسينِعليه‌السلام ( عُروةَ بنَ قَيْسٍ )(٤) الأحمسيّ فقالَ له: ائتِهِ فسَلْه ما الّذي جاءَ بكَ؟ وماذا تريدُ؟

وكانَ عُروةُ ممّن كتبَ إلى الحسينِعليه‌السلام فاستحيا منه أن ياْتيَه، فعرضَ ذلكَ على الرؤَساءِ الّذينَ كاتبوه، فكلّهم

__________________

(١) القصص ٢٨: ٤١.

(٢) في هامش « ش » و «م»: شفَيّنة، شُفيّة. وكأنها شفاثا. في هامش «م» نسخة اُخرى:

(٣) في« م» و « ش»: يوم، وما في المتن من «ح » وهامش « ش».

(٤) انظر ص ٣٨ هامش (١) من هذا الكتاب.

٨٤

أبى ذلكَ وكرِهَه، فقامَ إِليه كَثيرُبنُ عبدِاللهِّ الشَّعْبِيّ وكانَ فارساً شُجاعاً لا يَرُدُّ وجهَه لشيءٌ فقالَ: أنا أذهبُ إِليه، وواللّهِ لئن شئتَ لأفْتكنَّ به ؛ فقالَ له عُمَرُ: ما أُريدُ أن تَفتكَ به، ولكنِ ائتِه فسَلْه ما الّذي جاءَ بك؟

فاقبلَ كثيرٌ إِليه، فلمّا رآه أبو ثمامةَ الصّائديُّ قالَ للحسينِعليه‌السلام : أصلَحَكَ اللهّ يا أَبا عبدِاللهِّ، قد جاءَكَ شرُّ أهلِ الأرضِ، وأجرؤهم على دم، وأفتكُهم(١) . وقامَ إِليه فقالَ له: ضَعْ سيفَكَ، قالَ: لا ولا كرامة، إِنّما أنا رسولٌ، فإِن سمعتم منِّي بلّغتُكم ما أرْسِلْتُ به إِليكم، وان أبَيتم انصرفتُ عنكم، قالَ: فإِنِّي آخذُ بقائِمِ سيفِكَ، ثمّ تكلّم بحاجتِكَ، قالَ: لا واللهِّ لا تمسَّه، فقالَ له: أخبرْني بما جئتَ به وأَنا أُبلِّغهُ عنكَ، ولا أدعُكَ تدنو منه فإِنّكَ فاجرٌ ؛ فاستَبّا وانصرفَ إِلى عمر بن سعدٍ فأخبرَه الخبرَ.

فدعا عمرُقُرّةَ بنَ قيسٍ الحنظليّ فقالَ له: ويحَكَ يا قُرّةُ، القَ حسيناً فسَلْه ما جاءَ به وماذا يريد؟ فأتاه قُرّةُ فلمّا رآه الحسينُ مقبلاً قالَ: «أتعرفونَ هذا؟» فقالَ له حبيبُ بنُ مُظاهِرِ: نعم، هذا رجلٌ من حنظلةِ تميم، وهو ابنُ أُختِنا، وقد كنتُ أعرَفه بحسنِ الرٌأي، وما كنتُ أراه يشهَدُ هذا المشهدَ. فجاءَ حتّى سلَّمَ على الحسينِعليه‌السلام وأبلغَه رسالةَ عمرِ بنِ سعدٍ إِليه، فقالَ له الحسينُ: «كَتبَ إِليَّ أهلُ مِصْرِكم هذا أن اقدم، فأمّا إِذ كرهتموني فأنا أنصرفُ عنكم » ثمّ قالَ حبيبُ بنُ مُظاهِر: ويحَكَ يا قُرّةً أينَ ترجعُ؟! إلى القوم الظّالمينَ؟! انْصُرْ هذا الرّجلَ الّذي بآبائه أيّدَكَ اللّهُ بالكرامةِ، فقالَ له قُرّةُ: أَرجعُ إِلى صاحبي

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: وأجرأُه على دم وأفتكه.

٨٥

بجواب رسالتِه، وأرى رأيي. قالَ: فانصرفَ إِلى عمر بن سعدٍ فأَخبرَه الخبرَ؛ فَقالَ عمرُ: أرجو أن يعافيَني اللهُ من حربه وقتالِه ؛ وكتبَ إِلى عُبيدِاللّهِ بنِ زيادٍ:

بسم اللّهِ الرّحمنِ الرّحيمَ، أمّا بعدُ: فإِنِّي حينَ نزلتُ بالحسينِ بعثتُ إِليه رسلي، فسألتُه عمّا اقْدَمَه، وماذا يطلبُ؟ فقالَ: كتبَ إِليَّ أَهْلُ هذه البلادِ، واتتْني رُسُلُهم يسألونَني القدومَ ففعلتُ، فأمّا إِذ كرهوني وبدا لهم غيرُما أتَتْني به رُسُلُهم، فأَنا منصرفٌ عنهم.

قالَ حسّانُ بنُ قائدٍ العَبْسيّ: وكنتُ عندَ عُبيدِاللهِّ حينَ أَتاه هذا الكتابُ، فلمّا قرأه قالَ:

ألآنَ إِذْ عَلِقَتْ مَخَالبنَا بِهِ

يَرْجُو النَّجَاةَ وَلاَتَ حِيْنَ مَنَاصِ

 وكتبَ إِلى عمربن سعدٍ:

أمّا بعدُ: فقد بلغَني كتابُكَ وفهمتُ ما ذكرتَ، فاعرِضْ على الحسينِ أَن يُبايعَ ليزيدَ هو وجميعُ أصحابه، فإِذا فعلَ هو ذلكَ رأينا رأيَنا، والسّلامُ.

فلمّا وردَ الجوابُ على عمر بن سعدٍ قالَ: قد خشيتُ ألاّ يَقبلَ ابنُ زيادٍ العافيةَ.

ووردَ كتابُ ابنِ زيادٍ في الأثرِ إلى عمر بن سعدٍ: أن حُلْ بينَ الحسينِ وأصحابه وبينَ الماءِ فلا يَذوقوا منه قطرةً، كما صُنعَ بالتّقيِّ الزّكيِّ عُثمان بن عفَّان. فبعثَ عمرُبنُ سعدٍ في الوقتِ عَمْرَو بنَ الحجّاجِ في خمسمائةِ فارس، فنزلوا على الشّريعةِ وحالوا بينَ الحسينِ وأصحابه وبينَ الماءِ أن يَستَقُوا منه قطرةً، وذلكَ قبلَ قتل الحسين بثلاثةِ

٨٦

أيّامٍ، ونادى عبدُاللّه بن الحُصين(١) الأزديّ - وكانَ عِدادُه في بَجيلةً - بأعلى صوته: يا حسينُ، ألا تنظرُإِلى الماءِ كأنّه كَبدُ السّماءِ، واللّهِ لا تَذُوقونَ منه قطرةً واحدةً حتّى تموتوا عطشاً؛ فقالَ الحسينُعليه‌السلام : «اللّهمَّ اقْتًلْهُ عَطَشاً ولا تَغْفِرْله أبداً».

قالَ حميدُ بنُ مسلمٍ: واللّهِ لَعُدْتُه بعدَ ذلكَ في مرضِه، فواللّهِ الّذي لا إِلهَ غيرُه، لقد رأيتُه يَشرَبُ الماءَ حتّى يَبغَرَ(٢) ثمّ يقيئه، ويصيحُ: العطشَ العطش، ثمّ يعودُ فيشرَبُ الماءَ حتّى يَبْغَرَثم يقيئه ويتلَظّى عَطَشاً، فما زالَ ذلكَ دأبه حتّى (لَفَظَ نفسَه )(٣) .

ولمّا رأى الحسينُ نزولَ العساكرِ مع عمرِ بن سعدٍ بنينوى ومدَدَهم لقتالِه أنفذَ إِلى عمر بن سعدٍ: «انِّي أُريدُ أن ألقاكَ(٤) » فاجتمعا ليلاً فتناجيا طويلاً، ثمّ رجعَ عمرُ بنُ سعدٍ إِلى مكانِه وكتبَ إِلى عُبيَدِاللهِّ بن زيادٍ:

أمّا بعدُ: فإِنّ اللّهَ قد أطْفأ النّائرةَ وجَمَعَ الكلمةَ وأَصَلحَ أَمرَ الأمّةِ، هذا حسينٌ قد أَعطاني أن يرجِعَ إِلى المكانِ الّذي أتى منه أو أن يسيرَ إِلى ثَغرٍ منَ الثُّغورِ فَيكونَ رجلاًَ منَ المسلمينَ، له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أَن يأَتيَ أميرَ المؤمنينَ يزيدَ فيضعَ يدَه في يدِه، فيرى فيما بينَه وبينَه رأيَه، وفي هذا[لكم](٥) رضىً وللأمّةِ صلاحٌ.

__________________

(١) في «م» وهامش « ش »: حِصْن.

(٢) بغر: كثر شربه للماء، انظر «العين - بغر - ٤: ٤١٥».

(٣) في هامش « ش »: مات.

(٤) في هامش « ش » بعده اضافة: واجتمع معك.

(٥) ما بين المعقوفين اثبتناه من تأريخ الطبري ٥: ٤١٤، والكامل لابن الأثير ٤: ٥٥

٨٧

فلمّا قرأ عُبيدُاللّهِ الكتابَ قالَ: هذا كتابُ ناصحٍ مشفق على قومِه. فقامَ إِليه شِمْرُ بنُ ذي الجَوْشنِ فقالَ: أتَقبلُ هذا منه وقد نزلَ بأرًضِكَ والى جنبكَ؟ واللّهِ لئن رحلَ من بلادِكَ ولم يَضَعْ يدَه في يدِكَ، لَيكونَنَّ أولى بالقَوّةِ ولتكونَنَّ أولى بالضَّعفِ والعجز، فلا تُعْطِه هذه المنزلةَ فإِنّها منَ الوَهْنِ، ولكن لِينَزِلْ على حُكمِكَ هو وأصحابُه، فان عاقبْتَ فأنت (أَولى بالعقوبةِ )(١) وإن عفَوْتَ كانَ ذلكَ لك.

قالَ له ابنُ زيادٍ: نِعْمَ ما رأيتَ، الرأيُ رأيُك، اخْرجُ، بهذا الكتاب إِلى عُمَر بن سعدٍ فلْيَعْرِضْ على الحسينِ وأصحابه النًّزولَ على حُكْمِي، فإِن فَعَلوا فليَبْعَثْ بهم إِليّ سِلماً، وأن هم أًبَوْا فليقاتلْهم، فإِن فَعَلَ فاسمعْ له وأطِعْ، واِن أبى أن يقاتِلَهم فأنتً أَميرُ الجيشِ، واضرِبْ عُنقَه وابعثْ إِليَّ برأسِه.

وكتبَ إِلى عمر بن سعدٍ:انِّي لم أبعثْكَ إِلى الحسينِ لتكفَّ عنه ولا لتُطاوِلَه ولا لتمنّيَه السّلامةَ والبقاءَ ولا لتَعتَذِرَ له ولا لتكونَ له عندي شافعاً، انظرْ فإِن نزلَ حسينٌ وأصحابُه على حكمي واستسلموا فابعثْ بهم إِليَّ سِلْماً، وِان أبوْا فازحَفْ إِليهم حتّى تقتُلَهم وتُمثِّلَ بهم، فإِنّهم لذلكَ مستحقُّونَ، وِان قُتِلَ الحسينُ فأوْطئ الخيلَ صدرَه وظهرَه، فإِنّه عاتٍ ظلومٌ، وليس أَرى أنّ هذا يَضُرُّ بعدَ الموتِ شيئاً، ولكنْ عليّ قولٌ قد قلتُه: لوقتلتُه لفعلتُ هذا به، فإِن أنتَ مضيتَ لأَمرِنا فيه جزَيْناكَ جزاءَ السّامعِ المطيعِ، وإن أبيتَ فاعتزلْ عَمَلَنا وجُنْدَنا، وخلِّ

__________________

والنسخ خالية منه.

(١) في هامش «ش»: وليّ العقوبة.

٨٨

بينَ شمرِ بنِ ذي الجوشنِ وبينَ العسكرِ فإِنّا قد أمرناه بأمرنا، والسّلام.

فأقبلَ شمرٌ بكتاب عًبيدِاللّهِ إِلى عمربن سعدٍ، فلمّا قدمَ عليه وقرأَه قالَ له عمرُ: ما لَكَ ويْلَكَ؟! لا قَرَّبَ اللّهُ دارَكَ، قَبَّح اللهُ ما قَدِمْتَ به عليّ، واللّهِ إِنِّي لاظنُّكَ أنّكَ نهيتَه(١) أن يَقْبَلَ ما كتبتُ به إِليه، وأفسدتَ علينا أمْرنَا، قد كنّا رَجَوْنا أن يصلحَ، لا يستسلمُ واللّهِ حسينٌ، إِنَّ نفسَ أبيه لبَيْنَ جنبَيْه. فقالَ له شمرٌ: أخبِرني ما أَنتَ صانعٌ، أتمضِي لأَمرِ أميرِكَ وتقاتلُ عدوٌه؟ ِوألاّ فخلِّ بيني وبينَ الجندِ والعسكر؛ قالَ: لا، لا واللّهِ ولاكَرامةَ لكَ، ولكنْ أنا أتولىّ ذلكَ، فدونَكَ فكُنْ أنتَ على الرَّجّالةِ. ونهضَ عمرُبنُ سعدٍ إِلى الحسينِ عشيّةَ الخميسِ لتسعٍ مضَيْنَ منَ المحرّمِ.

وجاءَ شِمرٌ حتّى وقفَ على أصحاب الحسينِعليه‌السلام فقالَ: أينَ بَنُو أُختِنا؟ فخرجَ إِليه العبّاسُ وجَعْفَرٌ(٢) وعثمانُ بنوعليِّ بنِ أبي طالب عليه وعليهم السّلامُ فقالوا: ماتريدً؟ فقلَ: أنتم يابني أُختي امِنونَ ؛ فقالتْ له الفِتْيةُ: لَعَنَكَ اللهّ ولَعَنَ أمانَكَ، أتؤمِنُنَا(٣) وابنُ رسولِ اللّهِ لا أمانَ له؟!

ثمّ نادى عمرُ بنُ سعدٍ: يا خيلَ اللّهِ اركبي وأبشري، فركِبَ النّاس ثمّ زحفَ نحوَهمِ بعد العصرِ، وحسينٌعليه‌السلام جالسٌ أمامَ بيتِه مُحتب بسيفِه، إِذ خفقَ برأسِه على ركبتَيْه، وسمعَتْ أُختُه

__________________

(١) في هامش «ش»، و « م»: ثنيته.

(٢) في هامش «ش»: وعبدالله، وفوقه مكتوب: لم يكن في نسخة الشيخ.

(٣) في «م» وهامش «ش»: تؤمنَنا.

٨٩

الصّيحةَ(١) فدنَتْ من أَخيها فقالت: يا أخي أما تسمعُ الأصواتَ قدِ اقتربتْ؟ فرفعَ الحسينُعليه‌السلام رأسَه فقالَ: «إِنِّي رأيتُ رسولَ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله السّاعةَ في المنام(٢) فقالَ لي: إِنّكَ تَرُوحً إِلينا» فلطمتْ أُختُه وجهَها ونادتْ بالويلِ، فقَالَ لها: «ليسَ لكِ الويلُ يا أُخيَّةُ، اسكتي رحمَكِ اللّهُ » وقالَ له العبّاسُ بنُ عليٍّ رحمةُ اللّهِ عليه: يا أخي أتاكَ القومُ، فنهضَ ثمّ قالَ: «يا عبّاسُ، اركَبْ - بنفسي أنتَ يا أخي - حتّى تَلْقاهم وتقولَ لهم: ما لكم وما بَدا لكم؟ وتسألَهم عمّا جاءَ بهم ».

فأتاهم العبّاسُ في نحوٍ من عشرينَ فارساً، منهم(٣) زُهَيرُ بن القَيْنِ وحبيبُ بنُ مظاهِرٍ، فقالَ لهم العبّاسُ: ما بدا لكم وما تريدونَ؟ قالوا: جاءَ أًمرُ الأميرِأَن نَعْرضَ عليكم أن تنزلوا على حكمِه أَو نناجِزَكم ؛ قالَ: فلا تعجلوا حتّىَ أَرجعَ إِلى أبي عبدِاللهِّ فأعرِضَ عليه ما ذكرتم، فوقفوا وقالوا: الْقَه فأعْلِمْه، ثمّ الْقَنا بما يقولُ لكَ. فانصرفَ العباسُ راجعاً يركضُ إِلى الحسينِعليه‌السلام يخبرُه الخبرَ، ووقفَ أَصحابُه يخاطِبونَ القومَ ويَعِظُونَهم ويكفّونَهم عن قتاَلِ الحسينِ.

فجاءَ العبّاسُ إِلى الحسينِعليه‌السلام فأخبرَه بما قالَ القومُ، فقالَ: «ارجعْ إِليهم فإِنِ استطعتَ أَن تُؤَخِّرَهم إِلى الغُدْوَةِ(٤) وتَدْفَعَهم

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: الضجّة.

(٢) في «م» وهامثر «ش»: منامي.

(٣) في «م» وهامش «ش»: فيهم.

(٤) في «م» وهامش « ش »: غدوة.

٩٠

عنّا العشيّةَ، لعلّنا نصلِّي لربِّنا الليلةَ وندعوه ونستغفرُه، فهو يَعلمُ أَنَي قد أُحبُّ الصّلاةَ له وتلاوةَ كتابِه والدُّعاءَ والاستغفارَ».

فمضى العبّاسُ إِلى القوم ورجعَ من عندِهم ومعَه رسولٌ من قبَل عمر بن سعدٍ يقول: إِنّا قد أجَّلناكم إِلى غدٍ، فإِنِ استسلمتم سرَّحْناكم إلى أميرِنا عُبيدِاللّهِ بنِ زيادٍ، وإِن أَبيتم فلسنا تاركيكم، وانصرفَ.

فجمعَ الحسينعليه‌السلام أَصحابَه عندَ قربِ المساءِ. قالَ عليُّ بنُ الحسينِ زينُ العابدينَعليه‌السلام : «فدنوتُ منه لأَسْمَعَ ما يقولُ لهم، وأَنا إِذ ذاك مريضٌ، فسمعتُ أَبي يقولُ لأصحابِه: أُثني على اللهِّ أَحسنَ الثّناءِ، وأَحمده على السّرّاءِ والضّرّاءِ، اللّهمَّ إِنِّي أحْمَدُكَ على أن أكرمْتَنا بالنُّبُوّةِ وعَلّمتنَا القرآنَ وفَقَّهْتَنَا في الدِّينِ، وجعلت لنا أسماعاً وأَبصاراً وأَفئدةً، فاجعلْنا منَ الشّاكرينَ.

أَمّا بعدُ: فإِنِّي لا أَعلمُ أَصحاباً أَوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أَهلَ بيتٍ أَبرَّ ولا أوصلَ من أَهلِ بيتي فجزاكم اللّهُ عنَي خيراً، أَلا وإِنَي لأَظنَّ أَنّه اخرُ(١) يومٍ لنا من هؤلاءِ، أَلا وإِنّي قد أَذنت لكم فانطلِقوا جميعاً في حِلٍّ ليس عليكم منِّي ذِمامٌ، هذا الليلُ قد غشِيَكم فاتّخِذوه جَملاً.

فقالَ له إِخوتُه وابناؤه وبنوأخيه وابنا عبدِاللهِّ بنِ جعفرٍ: لِمَ نفعلُ ذلكَ؟! لنبقى بعدَكَ؟! لا أَرانا اللهُّ ذلكَ أبداً. بدأهم بهذا القولِ العبّاس بنُ عليٍّ رضوانُ اللهِّ عليه واتّبعتْه الجماعةُ عليه فتكلّموا بمثله ونحوِه.

__________________

(١) في «ش» و «م»: لأَظن يوماً. وما اثبتناه من «ح ».

٩١

فقالَ الحسينُعليه‌السلام : يا بني عقيلٍ، حَسْبُكم منَ القتلِ بمسلم، فاذهبوا أنتم فقد اذِنْتُ لكم. قالوا: سبحانَ اللهِ، فما يقولُ النّاسُ؟! يقولونَ إِنّا تركْنا شيخَنا وسيِّدَنا وبني عمومتنا - خيرِ الأعمامِ - ولم نرْمِ معَهم بسهِمٍ، ولم نطعنْ معَهم برُمحٍ، ولم نضْرِبْ معَهم بسيفٍ، ولا ندري ما صنعوا، لا واللّهِ ما نفعلُ ذلكَ، ولكنْ ( تَفْدِيكَ أنفسُنا وأموالنُا وأهلونا )(١) ، ونقاتل معَكَ حتّى نَرِدَ موردَكَ، فقَبحَ الله العيشَ بعدَكَ.

وقامَ إِليه مسلمُ بنُ عَوْسَجةَ فقالَ: أنُخلِّي(٢) عنكَ ولمّا نُعذِرْإِلى اللهِ سبحانَه في أداءِ حقِّكَ؟! أما واللهِّ حتّى أطعنَ في صُدورِهم برمحي، وأضربَهم بسيفي ما ثبتَ قائمهُ في يدي، ولو لم يكنْ معي سلاحٌ أُقاتلُهم به لقَذَفْتهم بالحجارةِ، واللهِّ لا نُخلِّيكَ حتّى يعلمَ اللهُ أنْ قد حَفِظْنا غيبةَ رسولِ اللّهِ(٣) صلى‌الله‌عليه‌وآله فيكَ، واللّهِ لوعلمتُ أنِّي أُقْتَلُ ثمّ أحيا ثم أُحرقُ ثم أحيا ثم أُذَرَّى، يُفعَلُ ذلكَ بي سبعينَ مرة ما فارقتُكَ حتّى ألقى حِمامي دونَكَ، فكيفَ لا أفعلُ ذلكَ ِوانّما هي قَتْلةٌ واحدةُ ثمّ هي الكَرامةُ الّتي لا انْقِضاءَ لها أبداً.

وقامَ زُهَيرُ بنُ القَيْن البجليّ - رحمةُ اللهِّ عليهِ - فقالَ: واللهِ لوَددْتُ أنِّي قُتِلْتُ ثمّ نُشِرْتُ ثمّ قُتِلْت حتّى أًقتلَ هكذا ألفَ مرّةٍ، وأَنّ الله تعالى يدفعُ بذلكَ القتلَ عن نفسِكَ، وعن أنفُسِ هؤلاء الفِتْيانِ من أهل بيتِكَ.

__________________

(١) كذا في «م» وهامش «ش»، وفي «ش»:(نُفدّيك أنفسنا وأموالنا وأهلينا).

(٢) في «م» وهامش «ش»: أنحن نخلي.

(٣) في هامش «ش»: رسوله.

٩٢

وتكلّمَ جماعةُ أصحابه(١) بكلام يُشبهُ بَعضُه بعضاً في وجهٍ واحدٍ، فجزّاهم الحسينُعليه‌السلام خيراً وَانصرفَ إلى مضِربه(٢) ».

قالَ عليُّ بنُ الحسينِعليهما‌السلام : «اِنيّ لَجالسٌ في تلكَ العشيّةِ الّتي قُتِلَ أبي في صبيحتِها، وعندي عمّتي زينبُ تمرّضني، إِذِ اعتزلَ أبي في خباءٍ له وعندَه جُويْنٌ مولى أبي ذرٍّ الغفار وهويُعالجُ سيفَه ويُصلِحُه وأبي يقولُ:

يَادَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيْلِ

كَمْ لكَ بالإشراقِ وَالأصِيْلِ

مِنْ صَاحِبٍ أوْ طَالِبِ قَتِيْلِ

وَالدَّهْرُ لا يَقْنَعُ بالْبَدِيْل

وانَّمَا الأمْرُ إِلى الجَلِيْلِ

وَكلُّ حَيٍّ سَالِكٌ سَبِيْلِيْ

 فأعادَها مرّتينِ أو ثلاثاً حتّى فهِمْتُها وعَرفْتُ ما أرادَ، فخنقَتْني العَبْرةُ فردَدْتُها ولزمتُ السُّكوتَ، وعلمتُ أنّ البلاءَ قد نزلَ، وأمّا عمّتي فإنهّا سَمِعَتْ ماسَمِعْتُ وهيَ امرأةٌ ومن شاْنِ النساءِ الرّقّةُ والجَزعُ، فلم تَملِكْ نفسَها أنْ وَثَبَتْ تجرُّثوبَها(٣) وأنّها لَحاسرة، حتّى انتهتْ إِليه فقالتْ: وا ثكْلاه! ليتَ الموتَ أعدمَني الحياةَ، اليومَ ماتْتْ أُمِّي فاطمةُ وأبي عليّ وأخي الحسنُ، يا خليفةَ الماضِي وثِمالَ الباقي. فنظرَ إِليها الحسينُعليه‌السلام فقالَ لها: يا أُخيَّةُ لا يذْهِبَنَ حلمَكِ الشّيطانُ، وتَرَقْرَقَتْ عيناه بالدُموعِ وقالَ: لو تُرِكَ القَطَا لَنامَ(٤) ؛ فقالتْ: يا ويلتاه!

__________________

(١) في هامش «ش»: من أصحابه.

(٢) المضرب: الفسطاط أو الخيمة «القاموس المحيط - ضرب ١: ٩٥».

(٣) في «م» وهامش «ش»: ذيولها.

(٤) يضرب مثلاًَ للرجل يُستثار فيُظْلَم. انُظر جمهرة الامثال للعسكري ٢: ١٩٤ / ١٥١٨.

٩٣

أفتُغتصبُ نفسُكَ اغتصاباً؟! فذاكَ أقْرَحُ لِقَلبي وأشدَّ على نفسي. ثمّ لطمتْ وجهَها وهَوَتْ إلى جيبِها فشقّتْه وخرتْ مغشيّاً عليها.

فقامَ إِليها الحسينُعليه‌السلام فصبّ على وجهها الماءَ وقالَ لها: يا أُختاه! اتّقي اللهَّ وتعَزَيْ بعزاءِ اللّهِ، واعْلمي أنّ أهَلَ الأرضِ يموتونَ وأهلَ السّماءِ لا يَبْقَوْنَ، وأنَّ كلَّ شيءٍ هالكٌ إلاّ وجهَ اللهِّ الّذي خلقَ ألخلقَ بقدرتهِ، ويبعثُ الخلقَ ويعودونَ، وهو فردٌ وحدَه، أبي خيرٌ منِّي، وأُمِّي خيرٌ منِّي، وأخي خيرٌ منِّي، ولي ولكلِّ مسلمٍ برسولِ اللّهِصلى‌الله‌عليه‌وآله أُسوةٌ. فعزّاها بهذا ونحوِه وقالَ لها: يا أُخيّةُ إِنِّي أقسمتُ فأبِرِّي قَسَمي، لا تَشُقِّي عليَّ جيبأً، ولا تَخْمشي(١) عليَّ وجهاً، ولا تَدْعِي عليٌ بالويلِ والثّبورِ إِذا أنا هلكتُ. ثمّ جاءَ بها حتّى أجلسَها عنديّ.

ثمّ خرجَ إِلى أصحابه فأمرَهم أَن يُقَرِّبَ بعضُهم بيوتَهم من بعضٍ، وأن يُدخِلوا الأطنابَ بعضها في بعضٍ، وأن يكونوا بينَ البيوتِ، فيستقبلونَ القومَ من وجهٍ واحدٍ والبيوتُ من ورائهم وعن أيْمانِهم وعن شمائِلهم قد حَفّتْ بهم إلاّ الوجهَ الّذي يأْتيهم منه عدوُّهم.

ورجعَعليه‌السلام إِلى مكانِه فقامَ الليلَ كلَّه يُصلّي ويستغفرُ ويدعو ويتضرّعُ، وقامَ أصحابُه كذلكَ يُصَلًّونَ ويدعونَ ويستغفرونَ »(٢) .

__________________

(١) خمش وجهه: خدشه ولطمه وضربه وقطع عضواً منه. «القاموس - خمش - ٢: ٢٧٣».

(٢) تاريخ الطبري ٥: ٤٢٠، ونقله العلامة المجلسي في البحار٤٥: ١، ٢.

٩٤

قالَ الضحّاكُ بنُ عبدِاللهِّ: ومرَّ بنا خيلٌ لابنِ سعدٍ يحرسُنا، وِانَّ حسيناً لَيقرأ:( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا أنَّمَا نُمْليْ لَهُمْ خَيْرٌ لانفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْليْ لَهُمْ لِيَزْدَادُوْا إِثْمَاً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِين * مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِيْن عَلَى مَا أنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيْزَ الْخَبِيْثَ مِنَ الطَّيِّب ) (١) فسمعَها من تلكَ الخيلِ رجلٌ يُقالُ له عبداللهّ بن سُميرٍ(٢) ، وكانَ مَضحاكاً وكانَ شجاعاً بطلاًَ فارساً فاتكاً شريفاً فقالَ: نحن وربِّ الكعبةِ الطّيِّبونَ، مُيِّزْنا منكم. فقالَ له بَرِيرُ بنُ خُضيرٍ: يا فاسقُ أَنتَ يجعلُكَ اللهُّ منَ الطّيِّبينَ؟! فقالَ له: من أنتَ ويلَكَ؟ قال: أنا بَرِيرُ بنُ خُضَيْرِ، فتسابّا(٣) .

وأصبحَ الحسيُن بنُ عليّعليهما‌السلام فعبّأَ أصحابَه بعدَ صلاةِ الغداةِ، وكانَ معَه اثنان وثلاثونَ فارساً واربعونَ راجلاًَ، فجعلَ زُهيرَ بنَ القينِ في مَيْمَنةِ أصحابِه، وحبيبَ بنَ مُظاهِرٍ في مَيْسَرةِ أصحابه، وأعطى رايتَه العبّاسَ أخاه، وجعلوا البيوتَ في ظهورِهم، وأمرَ بحَطًبِ وقَصَبٍ كانَ من وراءِ البيوتِ أَن يُتركَ في خَنْدَقٍ كانَ قد حُفِرَ هناكَ وَأن يُحرَقَ بالنّارِ، مخافةَ أن يأتوهم من ورائهم.

وأصبحَ عمرُ بنُ سعدٍ في ذلكَ اليوم وهو يومُ الجمعةِ وقيلَ يومُ السّبتِ، فعبّأ أصحابَه وخرجَ فيمن معَه منً النّاسِ نحوَ الحسينِعليه‌السلام وكانَ على مَيْمَنَتهِ عَمرُو بنُ الحجّاجِ، وعلى مَيْسَرتَه شِمرُ بنُ ذي الجوشنِ، وعلى الخيلِ عُروةُ بنُ قَيْسٍ، وعلى الرّجّالةِ شَبَثُ بنُ رِبعيّ،

__________________

(١) ال عمران ٣: ١٧٨ - ١٧٩.

(٢) في «م» وهامش «ش»: سميرة.

(٣) تاريخ الطبري ٥: ٤٢١، مفصلاً نحوه، ونقله العلامة المجلسي في البحار٤٥: ٣.

٩٥

واعطى الرّايةَ دُرَيداً(١) مولاه.

فروِيَ عن عَليِّ بنِ الحسينِ زينِ العابدينَعليه‌السلام أنّه قالَ: «لمّا صبّحتِ الخيلُ الحسينَ رَفَعَ يديه وقالَ: اللّهَمّ أنتَ ثِقَتي في كلِّ كَرْبِ، ورجائي في كلِّ شدّةٍ(٢) وأنتَ لي في كلِّ أمر نزلَ بي ثقةٌ وعُدَّة، كمَ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فيه الفؤادُ، وتَقِلُّ فيه الحيلةُ، ويخذُلُ فيه الصّديقُ، ويَشمَتُ فيه العدوُّ، أنزلتُه بكَ وشكوتُه إِليكَ رغبةً منِّي إِليكَ عمَّن سواكَ، ففرَّجْتَه وكشفْتَه، وأنتَ وليُّ كلِّ نعمةٍ، وصاحبُ كلِّ حسنةٍ، ومُنتهَى كلِّ رغبةٍ»(٣) .

قالَ: وأقبلَ القومُ يَجولونَ حولَ بيوتِ الحسينِعليه‌السلام فيَروْنَ الخندقَ في ظهورِهم والنّار تَضْطَرِمُ في الحَطَب والقَصب الّذي كانَ أُلقِيَ فيه، فنادى شمرُ بنُ ذي الجوشنِ عليه الَلعنةُ بأعلَى صوته: يا حسينُ أتعجّلتَ النّارَ قبلَ يوم القيامةِ؟ فقالَ الحسينُعليه‌السلام : «مَنْ هذا؟ كأنّه شمرُ بنُ ذي الجَوشنِ » فقالوا له: نعم، فقالَ له: «يا ابنَ راعيةِ المِعْزَى، أنتَ أولى بها صلِيّاً».

ورَامَ مسلمُ بنُ عَوسَجَةَ أنِ يرميَه بسهمٍ فمنعَه الحسينُ من ذلكَ، فقالَ له: دعْني حتّى أرميَه فإنّ الفاسقَ من عظماءِ الجبّارينَ، وقد أمكنَ اللّهُ منه. فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : «لا تَرْمِه، فإِنِّي أكرهُ أن أبدأهم ».

__________________

(١) في هامش «ش» و «م»نسختان: ١ / دُوَيداً، ٢ / ذوَيداً. وكذا في المصادر.

(٢) في هامش «ش»: شديدة.

(٣) تاريخ الطبري ٥: ٤٢٣، ونقله العلامة المجلسي في البحار٤٥: ٤.

٩٦

ثمّ دعا الحسينُ براحلتهِ فركبَها ونادى بأَعلى صوته: «يا أهلَ ألعراقِ » - وجُلّهم يسمعونَ - فقالَ: «أَيًّها النّاسُ اسمعَوا قَوْلي ولا تَعجَلوا حتّى أَعِظَكم بما يَحقُّ لكم عليّ وحتّى أعْذِرَ إِليكم، فإِن أعطيتموني النّصفَ كنتم بذلكَ أسعدَ، وان لم تُعْطُوني النّصفَ من أنفسِكم فأجمعوا رأيَكم ثمّ لا يَكنْ أمرُكم عليكم غُمّةً ثمّ اقضوا إِليَّ ولا تنظِرونَ، إِنَّ وَلِيّي اللّهُ الّذي نزّلَ الكتابَ وهو يتولّى الصّالحينَ ». ثم حَمدَ اللّهَ وأثنى عليه وذَكَرَ اللهَّ بما هو أهلُه، وصَلّى على النّبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى ملائكةِ اللّهِ وأَنبيائه، فلم يُسْمَعْ متكلِّمٌ قطُّ قبلَه ولا بعدَه أبلغ في منطقٍ منه، ثمّ قالَ:

«أمّا بعدُ: فانسبوني فانظروا مَن أنا، ثمّ ارجِعوا إِلى أنفسِكم وعاتِبوها، فانظروا هل يَصلُح لكم قتلي وانتهاكُ حرمتي؟ ألست ابنَ بنتِ نبيِّكم، وابنَ وصيِّه وابن عمِّه وأَوّل المؤمنينَ المصدِّقِ لرسولِ اللّهِ بما جاءَ به من عندِ ربِّه، أَوَليسَ حمزةً سيدُ الشُهداءِ عمِّي، أَوَليسَ جعفر الطّيّارُ في الجنّةِ بجناحَيْنِ عَمِّي، أوَلم يَبْلُغْكم(١) ما قالَ رسولُ اللهِ لي ولأخي: هذان سيِّدا شبابِ أهلِ الجنّةِ؟! فان صدَّقتموني بما أقولُ وهو الحقُّ، واللّهِ ما تعمّدْتُ كذِباً منذُ عَلِمْتُ أنّ اللهَّ يمقُتُ عليه أهلَهُ، وإِن كذّبتموني فإِنّ فيكم (مَنْ لو )(٢) سأَلتموه عن ذلكَ أخْبَركم، سَلوُا جابرَ بنَ عبدِاللّهِ الأَنصاريّ وأبا سعيدٍ الخُدْريّ وسَهْلَ بن سعدٍ الساعديّ وزيدَ بنَ أرقَمَ وأنسَ بنَ مالكٍ، يُخْبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالةَ من رسولِ اللهِّصلى‌الله‌عليه‌وآله لي

__________________

(١) في هامش «ش» اوما بلغكم.

(٢) في «م» وهامش «ش»: مَن إن.

٩٧

ولأخي، أمَا في هذا ( حاجز لكم )(١) عن سَفْكِ دمي؟! ».

فقالَ له شمرُ بنُ ذي الجوشن: هو يَعْبدُ اللّهَ على حَرْفٍ إِن كانَ يدري (ما تقولُ )(٢) فقالَ له حبيبُ بنُ مُظاهِرٍ: واللّهِ إِنِّي لأراكَ تَعْبُدُ اللّهَ على سبعينَ حرفاً، وأنا أشهدُ أنّكَ صادقٌ ما تدري ما يقول، قد طبَعَ اللّهُ على قلبِكَ.

ثمّ قالَ لهم الحسينُعليه‌السلام : «فإِن كنتم في شكٍّ من هدْا، أفتشكّونَ أَنِّي ابن بنتِ نبيِّكمْ! فواللّهِ ما بينَ المشرقِ والمغرب ابن بنتِ نبيٍّ غيري فيكم ولا في غيرِكم، ويحكم أتَطلبوني بقتيلِ منكم قَتلتُه، أومالٍ لكم استهلكتُه، أو بقِصاصِ جراحةٍ؟!» فأخَذوا لا يُكلِّمونَه، فنادى: «يا شَبَثَ بنَ ربْعيّ، يا حَجّارَ بنَ أَبجرَ، يا قيسَ بنَ الأشْعَثِ، يا يزيدَ بن الحارثِ، ألم تكتبوا إِليّ أنْ قد أيْنَعَتِ الثِّمارُ واخضَرَّ الجَنابُ، وانمّا تَقدمُ على جُندٍ لكَ مُجَنَّدٍ؟!» فقالَ له قيسُ بنُ الأَشعثِ: ما ندري ما تقولُ، ولكنِ انْزِلْ على حُكمِ بني عمِّكَ، فإِنّهم لن يُرُوْكَ إلا ما تُحِبُّ. فقالَ له الحسينُ «لا واللهِّ لا أُعطيكم بيدي إعطاءَ الذّليل، ولا أَفِرُّ فِرارَ العبيدِ(٣) ». ثمّ نادى: «يا عبادَ اللهِ، إِنِّي عُذْتُ بربِّي وربِّكم أن ترجمون، أعوذُ بربِّي وربِّكم من كلِّ مُتكبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بيومِ الحسابِ ».

ثمّ إنّه أناخَ راحلتَه وأمرَ عُقبةَ بنَ سَمْعانَ فعقلَها، وأَقبلوا

__________________

(١) في «م» وهامش «ش»: حاجز يحجزكم.

(٢) هكذا في النسخ الخطية، لكن الصحيح: ما يقول، وهوموافق لنقل الطبري والكامل.

(٣) في «م»: العبد، وفي «ش»: مشوشة، وهي تحتمل الوجهين، وفي نسخة العلامة المجلسي: العبيد.

٩٨

يزحفونَ نحوَه، فلمّا رأى الحرُّ بنُ يزيدَ أَنّ القومَ قد صمَّمُوا على قتالِ الحسينِعليه‌السلام قالَ لعمر بن سعدٍ: أيْ عُمَر(١) ، أمُقاتِلٌ أنتَ هذا الرّجلَ؟ قالَ: إِيْ واللّهِ قتالاً أيْسَرُه أَن تَسقطَ الرُّؤوسُ وتَطيحَ الأَيدي، قالَ: أفما لكم فيما عرضه عليكم رضىً؟ قالَ عمر: أما لو كانَ الأمرُ إِليَّ لَفعلتُ، ولكنَّ أميرَكَ قد أبى.

فأقبلَ الحرُّحتّى وقفَ منَ النّاسِ موقفاً، ومعَه رجلٌ من قومِه يُقالُ له: قُرّةُ بنُ قَيْسٍ، فقالَ: يا قُرّةُ هل سقيتَ فرسَكَ اليومَ؟ قالَ: لا، قالَ: فما تُريدُ أن تَسقِيَه؟ قالَ قُرّةُ: فظننتُ واللّهِ أنّه يُريد أَن يَتنحّى فلا يشهدَ القتالَ، ويكرهُ(٢) أن أَراه حينَ يَصنعُ ذلكَ، فقلتُ له: لم أسقِه وأَنا منطلق فأسقيه، فاعتزلَ ذلكَ المكان الّذي كانَ فيه، فواللّهِ لوأَنّه أطْلَعَني على الّذي يُريدُ لخرجتُ معَه إِلى الحسينِ بنِ عليٍّعليه‌السلام ؛ فأخذَ يَدنو منَ الحسينِ قليلاً قليلاً، فقالَ له المهاجرُ بنُ أوسٍ: ما تُريدُ يا ابنَ يزيدَ، أتريدُ أن تَحملَ؟ فلم يُجبْه وأخَذَهُ مثلُ الأفْكَلِ - وهي الرِّعدةُ - فقالَ له المهاجرُ: إِنّ أمْرَكَ لَمُريبٌ، واللهِّ ما رأيتُ منكَ في موقفٍ قطُّ مثلَ هذا، ولو قيلَ لي: مَنْ أشجعُ أَهلِ الكوفِة ما عَدَوْتُكَ، فما هذا الّذي أرى منكَ؟! فقالَ له الحرُّ: إِنِّي واللّه أُخيِّرُ نفسي بينَ الجنَّةِ والنّارِ، فواللّهِ لا أختارُ على الجنّةِ شيئاً ولو قُطًّعْتُ وحُرِّقْت.

ثمّ ضربَ فرسَه فلحِقَ بالحسينِعليه‌السلام فقالَ له: جُعِلْتُ فِداكَ - يا ابنَ رسولِ اللهِّ - أَنا صاحبُكَ الّذي حبستُكَ عنِ

__________________

(١) في هامش «ش»: يا عمر.

(٢) في «م» وهامش «ش»: فَكَرِه.

٩٩

الرُّجوع، وسايرْتُكَ في الطَريقِ، وجَعْجَعْتُ بكَ في هذا المكانِ، وما ظننتُ انَّ القومَ يَرُدُّونَ عليكَ ماعَرَضْتَه عليهم، ولايَبلُغونَ منكَ هذه المنزلَة، واللهِّ لو علمتُ أنّهم يَنتهونَ بكَ إِلى ما أرى ما رَكِبْتُ منكَ الّذي رَكِبْتُ، وِانِّي تائبٌ إِلى اللهِ تعالى ممّا صنعتُ، فترى لي من ذلكَ توبةً؟ فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : «نَعَمْ، يتوبُ اللّهُ عليكَ فانزِلْ » قالَ: فأنا لكَ فارساً خيرٌ منِّي راجلاً، أقُاتِلهُم على فرسي ساعةً، والى النُّزول ما يَصيرُ اخرُ أمري. فقالَ له الحسينُعليه‌السلام : «فاصنعْ - يَرحمَكَ اللهُّ - ما بدا لكَ ».

فاستقدمَ أمامَ الحسينِعليه‌السلام ثمّ أنشأ رجلٌ من أصحاب الحسينِعليه‌السلام يقولُ:

لَنِعْمََ الْحُرُّ حُرّ بَنِيْ رِيَاح

وَحُرّ عِنْد َمُخْتَلَفِ الرِّمَاحِ

وَنِعْمَ الْحُرُّ إِذْ نَادَى حُسَينٌ

وَجَادَ بِنَفْسِهِ عِنْدَ الصَّبَاحِ

 ثمّ قالَ(١) : يا أهلَ الكوفةِ، لأمِّكم الهَبَلُ والعَبَرُ، أدَعَوْتُم هذا العبدَ الصّالحَ حتّى إِذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتُم أنّكم قاتلو أنفسِكم دونَه ثمّ عَدَوْتُم عليه لِتقتلوه، أمسكتم بنفسِه وأخذتم بكظمِه(٢) ، وأحَطْتم به من كلِّ جانبِ لتِمنعوه التّوجُّهَ في بلادِ اللّهِ العريضةِ، فصارَ كالأسير في أَيديكم لاَ يَملكُ لِنفسِه نفعاً ولا يَدفعُ عنها ضَرّاً(٣) ، وحَلأتمُوه(٤) ونساءه وصِبْيتَه وأهله عن ماءِ الفراتِ

__________________

(١) اي الحر عليه الرحمة.

(٢) يقال: اخذت بكظمه أي بمخرج نفسه «الصحاح - كظم - ٥: ٢٠٢٣».

(٣) في «م» وهامش «ش»: ضرراً.

(٤) حلأه عن الماء: طرده ولم يدعه يشرب «الصحاح - حلأ - ١:٤٥».

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

٢: في العهدين

ارميا يبشّر بانتقام المصلح من أعداء الله :

فقد جاء في‌ (سفر ارميا): ان‌ التوراة‌ قد اخبرت‌ بانتقام‌ صاحب‌ الزمان‌ (عج‌) من‌ قتلة ‌الحسين‌ سيد الشهداءعليه‌السلام ، حيث‌ قالت :

«. يقول‌ الرب.

٦ الخفيف‌ لا ينوص‌ والبطل‌ لا ينجو. في‌ الشمال‌ بجانب‌ نهر الفرات‌ عثروا وسقطوا. م-ن‌ هذا الصاعد كالنيل‌، كانهار تتلاطم‌ امواجه-ا. »الى‌ ان‌ تقول ‌:

« ١٠ فهذا اليوم‌ للسيد رب‌ّ الجنود يوم‌ نقمة‌، للانتقام‌ من‌ مبغضيه‌، فيأكل‌ السيف‌ ويشبع‌ ويرتوي‌ من‌ دمهم ‌».

ثم‌ تذكر التوراة‌ ان‌ السبب‌ في‌ هذا الانتقام‌ من‌ الاعداء هو ما يلي‌: «ان‌ للسيّد رب‌ّ الجنود ذبيحة‌ في‌ ارض‌ الشمال‌ عند نهر الفرات‌»(١)

وممن ذكر هذا النص‌ أيضاً كأحد ادلّة‌ التوراة‌ على خروج‌ صاحب‌ الزمان‌، وقتل‌ اعداء الله صاحب‌ كتاب‌ (البحث‌ عن‌ الحقيقة‌) ص‌ ٤٩ باللغة الانجليزية(٢) ‌، ولأهمية هذا النص لذا سنورد فقراته مع شيء من التحليل في موضوع ( قواعد و متبنّيات ثورة المنجي في العهدين ).

وجاء في سفر زكريا :في باب الملك العتيد، في بشارته بالمخلّص الوديع والعادل عن طريق الوحي وكيفيّة نُصرة الله لهُ :

(.سأقضي على مركبات الحرب في أفرايم َ، والخيل وأقواس القتال في أورشليم،. ).(٣)

____________________

(١) سفر ارميا ٤٦: ٦، ١٠، العهد القديم.الكتاب المقدس باللغة العربية، العهد القديم، سفر ارميا تحت رقم ٢٨، الإصحاح ٤٦: الفقرات ٦، ١٠، مصر. الكتاب المقدس تحت المجهر: ص١٥٥. سفر إرميا ٤٦: ٦، ١٠، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ١٠٦٠. مع فرقٍ يسير بين عبارات المترجمين.

(٢) الكتاب المقدس تحت المجهر: ص١٥٥ بإيجاز وتصرف.

(٣) سفر زكريا ٩: ٩، ألأصل العبرى، العهد القديم، ص١٣٤. العهد القديم، سفر زكريا، الإصحاح ٩، الفقرة ٩، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. وللوقوف على جمال النص وتمامه، انظر: سفر زكريا٩:٩،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ١٢٣٩. مع فرقٍ يسير في الترجمة.

١٢١

ثالثاً: حلول السلام في عهد المنجي

١: في القرآن الكريم والروايات الشريفة

أ: اتمام النور وإنتهاء الظلم بالقائم :في قوله تعالى: ( يريدونَ ليطفئوا نورَ اللهِ بأفواههم والله متمُّ نورهِ )(١) ؟ قال: بالقائم من آل محمدعليهم‌السلام حتى إذا خرج يظهره الله على الدين كله حتى لآيُعبَدُ غيرُ الله، وهو قولهُصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يملأُ الأرضَ قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(٢) .ب: بخروجه تضع الحرب أوزارها:في قوله تعالى: ( حتى تضع الحرب أوزارها )(٣) .

جاء في كتاب الكافي :( علي، عن أبيه والقاساني جميعاً، عن الاصفهاني، عن المنقري، عن فضيل بن عياض، عن أبي عبد الله، عن أبيهعليهما‌السلام قال: بعث الله محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله بخمسة أسياف: ثلاثة منها شاهرة فلا تغمد حتى تضع الحرب أوزارها، ولن تضيع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها(٤) ، فإذا طلعت الشمس من مغربها أمن الناس كلهم في ذلك اليوم، فيؤمئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً )(٥) .وفي سنن البيهقي :( أخبرنا ) أبو عبد الله الحافظ، أخبرني عبد الرحمن بن الحسن القاضي، ثنا إبراهيم بن الحسين، ثنا آدم بن أبي إياس، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله عز وجل: حتى تضع الحرب أوزارها: وذلك في زمن ظهور المهدي(ع)(٦) .

____________________

(١) سورة الصف: آية ٨.

(٢) تفسير القمي، ج٢ ص ٣٦٥. البحا، ج ٥١ ص ٤٩.ونحو ذلك في الكافي، ج١ص ٤٣٢.

(٣) سورة محمد: آية ٤.

(٤) كنايةٌ عن ظهور منجي العالم.

(٥) بحار الأنوار، ج ٦، ص ٣١٢ - ٣١٣، عن الكافي.

(٦) سنن البيهقي، ج ٩ ص ١٨٠. بايجاز وتصرف. معجم أحاديث الإمام المهدي (ع)، ج ٥، ص١٤٩.

١٢٢

ج: وفي عصره يعمُّ السلام والإسلام :وذلك في قوله تعالى: هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ).(١) وفي الدر المنثور، وقال: وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر والبيهقي في سننه، عن جابررضي‌الله‌عنه في قوله: ليظهره على الدين كله: قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ( ولا ) صاحب ملة إلا الاسلام، حتى تأمن الشاة الذئب، والبقرة الأسد، والانسان الحية، وحتى لا تقرض فأرة جرابا وحتى توضع الجزية، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير وذلك إذا نزل عيسى بن مريمعليه‌السلام )(٢) .

٢: في العهدينجاء في سفر أشعيا :

( ٦ ويسكن‌ الذئب‌ والخروف‌، ويربض‌ النمر مع‌ الجدي‌، والعجل‌ الشبل‌معاً، وصبي‌ صغير يسوقها.

٨ ويلعب‌ الرضيع‌ على سرب‌ الصل‌، ويمد الفطيم‌ يده‌ على جحر الافعوان.

٩ لا يسيئون‌ ولا يفسدون‌ في‌ كل‌ جبل‌ قدسي‌، لان‌ الارض‌ تمتلي‌ء من‌ معرفة ‌الرب‌، كما تغطي‌ المياه‌ البحر ).(٣)

وجاء في سفر زكريا، في باب الملك العتيد، في بشارته بالمخلّص العادل والمنصور:

ها مَلكُك يأتيك عدلاً ومخلّصاً وديعاً.الى أن يقول :فيتكلّم مَلكُك بالسَّلام للأُمم، ويكون سلطانهُ من البحر الى البحرومنَ النهر الى أقاصي الأرض.(٤)

____________________

(١) سورة الصف: ألآية ٩.

(٢) الدر المنثور، ج ٣ ص ٢٣١. معجم أحاديث الإمام المهدي (ع)، ج ٥، ص ١٤٩.

(٣) سفر أشعيا ١١ :٦، ٨، ٩ :ألأصل العبرى، العهد القديم، ص٦٢٥.العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح ١١، الفقرات، ٦، ٨، ٩، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. ( أهل البيت فى الكتاب المقدس ): ص١٢٣ - ١٢٧. سفر أشعيا ١١: ٦، ٨، ٩، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ٩٢٤. مع فرقٍ يسير في الترجمة.

(٤) سفر زكريا ٩: ٩، ألأصل العبرى، العهد القديم، ص١٣٤. العهد القديم، سفر زكريا، الإصحاح ٩، الفقرة ٩، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. للإطلاع على النصين العبري والعربي، انظر: (أهل البيت فى الكتاب المقدس) ص١٢٢- ١٢٣. وللوقوف على جمال النص وتمامه، انظر: سفر زكريا٩:٩،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص١٢٣٩. مع فرقٍ يسير بين الترجمات.

١٢٣

رابعاً: سموّ المعارف في عهد منجي العالم

١: في القرآن الكريم والروايات الشريفة

إنَّ في القرآن الكريم والروايات الشريفة المباركة مايقطعُ الشكَّ باليقين في مجال علم النبيّ الأكرم والأئمَّةِ من آلهِ الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) وبضمنهم خاتم الأوصياء والأئمة (منجي العالم ) وأن عندهم جميع علوم الملائكة والأنبياء، وأنهم أعطوا ما أعطاه الله الأنبياء، وأن كل إمام يعلم جميع علم الإمام الذي قبله، وأنَّهُ لا تبقى الأرض بغير عالم منهم، وأن عندهم كتب الأنبياء يقرؤونها على اختلاف لغاتها، وأنهم أعلم من الأنبياء السابقين (ع)، وأنَّهم يفيضون ذلك العلم الربَّاني على جميع العباد، وخاصَّةً في آخر الزمان فيكملون بهِ علوم وحلوم البشر.الخ(١) ، وقد عقدَ الكثيرُ من العلماء أبواباً مهمَّةً بهذا الصدد. وفي مايلي بعض الأدلَّةِ والشواهدٌ على صدقِ هذا المدّعى :أ: في قوله تعالى: ( ورحمتي وسعت كل شئ)(٢) .

(.عن أبي عبيدة الحذاء قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام . قلت: قوله: ( إلا من رحم ربك ) ؟ قال: هم شيعتنا ولرحمته خلقهم وهو قوله: ( ولذلك خلقهم ) يقول: لطاعة الامام، الرحمة التي يقول :( ورحمتي وسعت كل شئ ) يقول: علم الإمام ووسع علمه الذي هو من علمه كل شئ هم شيعتنا، ثم قال: ( فسأكتبها للذين يتقون )(٣) يعني ولاية غير الامام وطاعته، ثم قال: ( يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل) يعني النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والوصي والقائم ( يأمرهم بالمعروف) - إذا قام - (وينهاهم عن المنكر.)(٤) .

____________________

(١) مستدرك سفينة البحار، ج ٦، ص ١٩٩ - ٢٠٠. بحار الأنوار، ج ٢٦ - ص ١٥٩.

(٢) سورة الأعراف: آية ١٥٦.

(٣) سورة الأعراف: آية ١٥٥.

(٤) الكافي، ج ١، ص ٤٢٩.

١٢٤

ب: في قوله تعالى: ( تُؤتي اكلها كلَّ حين ٍبإذن ربها )(١) .

في بصائر الدرجات: إبراهيم بن هاشم عن عمرو بن عثمان الخزاز عن عبد الرحمان بن حماد عن عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله تعالى: ( أصلها ثابت وفرعها في السماء )(٢) فقال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جذرها وأمير المؤمنينعليه‌السلام ذروها وفاطمةعليها‌السلام فرعها، والأئمة من ذريتها أغصانها، وعلم الأئمة ثمرها، وشيعتهم ورقها، فهل ترى فيهم فضلاً ؟ فقلت: لا، فقال: والله إن المؤمن ليموت فتسقط ورقة من تلك الشجرة، وإنه ليولد فتورق ورقة فيها، فقلت: قوله: ( تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها ) فقال: ما يخرج إلى الناس من علم الإمام في كل حين يسأل عنه(٣) .ج: في قوله تعالى: ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)(٤) .

في معاني الأخبار: أحمد بن يحيى المكتب عن أحمد بن محمد الوراق عن علي بن هارون الحميري عن علي بن محمد بن سليمان عن أبيه عن علي بن يقطين عن موسى بن جعفرعليه‌السلام قال: والله أوتينا ما أوتي سليمان وما يؤت سليمان وما لم يؤت أحد من العالمين قال الله عز وجل في قصة سليمان: ( هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب)(٥) ، وقال في قصة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).(٦)

بيان: أي كما أنه تعالى فوض إلى سليمان العطاء من المال والمنع منه وأمر الخلق بتسليم ذلك له أعطى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من ذلك فقال: ما آتاكم الرسول من المال والعلم والحكم والامر فخذوا به وارضوا، وما نهاكم عنه من جميع ذلك فانتهوا فهذا أعظم من ذلك، وقد صرح بذلك في كثير من الاخبار.(٧)

____________________

(١) سورة ابراهيم: آية ٢٥.

(٢) سورة ابراهيم: آية ٢٤.

(٣) بصائر الدرجات: ص١٨. بحار الأنوار، ج ٢٤، ص ١٤٠ - ١٤١.تفسير فرات: ٧٩ و ٨٠، فيه: النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله جذرها، وأمير المؤمنين فرعها، والأئمةعليهم‌السلام من ذريتهما أغصانها.كمال الدين: ١٩٧ و ١٩٨، وفي كمال الدين وتمام النعمة، ص٣٤٥: (. قلت: قوله عز وجل: ( تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ) قال: ما يخرج من علم الإمام إليكم في كل سنة من حج وعمرة ). تفسير العياشي، ج ٢، ص٢٢٤.

(٤) سورة الحشر: آية ٧.

(٥) سورة ص: آية ٣٩.

(٦) معاني الأخبار، ص٣٥٣.

(٧) بحار الأنوار، ج ٢٦ - ص ١٥٩.

١٢٥

د: في قول أمير المؤمنين (ع): (أُوتينا فصلَ الخطاب).

وهو في علم الإمام باللغات: أبو الصلت الهروي: كان الرضاعليه‌السلام يكلم الناس بلغاتهم، وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكل لسان ولغة، فقلت له يوما: يا بن رسول الله، إني لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها ؟ فقال: يا أبا الصلت، أنا حجة الله على خلقه، وما كان الله ليتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم، أوما بلغك قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : (أوتينا فصل الخطاب)، فهل فصل الخطاب إلا معرفة اللغات ؟.(١)

ه-: أنَّ فيهم روح القدس:( الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن عبد الله بن إدريس، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخى عليه ستره، فقال: يا مفضل إن الله تبارك وتعالى جعل في النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة أرواح: روح الحياة فبه دب ودرج، وروح القوة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الإيمان فبه آمن وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوة، فإذا قبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله انتقل روح القدس فصار إلى الإمام، وروح القدس لا ينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو، والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو، وروح القدس كان يرى به )(٢) .

____________________

(١) بحار الأنوار، ج٦٠، ص١٨٦،ح ١٧. عيون أخبار الرضا (ع): ج٢، ص ٢٢٨، ح ٣. ميزان الحكمة، ج ١، ص ١٦٨ - ١٦٩.

(٢) شرح أصول الكافي، ج ٦، ص ٧٢ - ٧٣.

١٢٦

وعلى ماتقدَّم وهو غيضٌ من فيض، فانَّ التطوّر الثقافي والأخلاقي والعلمي والصناعي وفي مختلف الميادين سيكون هو السمةَ البارزةَ في عصرمنجي العالم الموعود(١) وهو أمرٌ ضروري لمن يستطيع أن يديرَ العالم بأسرهِ إدارةً الهيَّةً حَقَّةً لاظلمَ ولاجورَ فيها وذلك بتسديد ومباركة الله عزَّ وجلَّ، لذلكَ ففي عصره تكتملُ العلومُ والحلوم وذلك لأنَّ منجي العالم هو مصدرُ إفاضتها على الخلق، وكثيراً ماوردَ ذلك في الكتب المقدسة وبذلك جاءت الأخبار الشريفة المباركة وفيها ملا نستطيع الوقوف عليه في هذا البحث، ولكن نشيرُ اليها بالإجمال والإختصار :

فقد وردَ عن موسى بن عمر عن ابن محبوب عن صالح بن حمزة عن أبان عن أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق (ع) قال: ( العلمُ سبعةٌ وعشرون حرفاص فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين فإذا قام قائمنا أهل البيت أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثَّها في الناس وضَمَّ اليها الحرفين حتى يبثُّها سبعةٌ وعشرين حرفاً ).(٢)

وعن أبي جعفر (ع): ( إذا قام قائمنا وضعَ يَدَهُ على رؤوس العباد فَجَمَعَ بهِ عقولهم وأكملَ به أحلامَهُم ).(٣)

____________________

(١) للمزيد انظر: جولةٌ في حكومة الإمام المهدي (ع)، ص٢١٥ - ٢٢٧.

(٢) مختصر بصائر الدرجات، ص ١١٧. الخرائج والجرائح، ج ٢ ص ٨٤١. بحار الأنوار، ج ٥٢، ص٣٣٦. وانظر: الطُّورُ المهدوي، ص٣٢٩. جولةٌ في حكومة الإمام المهدي (ع)، ص٢١٥ - ٢٢٧.

(٣) الكافي، ج ١، ص ٢٥. الخرائج والجرائح، ج ٢، ص ٨٤٠. كمال الدين وتمام النعمة، ج ٢، ص ٦٧٥.

١٢٧

٢: في العهدين

في سفر أشعيا (ع):

( ٩ لا يسيئون‌ ولا يفسدون‌ في‌ كل‌ جبل‌ قدسي، لان‌َّ الارضَ‌ تمتلي‌ءُ من‌ معرفةِ ‌الرب‌، كما تغطي‌ المياه‌ البحر ).(١)

وعدمُ الإساءة والإفساد، والإمتلاء من معرفة الربِّ سبحانهُ وتعالى كُلُّها إشاراتٌ واضحةٌ لذلكَ التطوّر العلمي والأخلاقي المشار اليه.

خامساً: الحكومة الإلهية العالمية الواحدة

وهو مشروعٌ إنسانيٌّ ذو جذورٍ عميقة وموغلة في القدم(٢) ، ولطالما حَلمَ به العلماءُ والفلاسفةُ والمفكرون على مدى مسيرة الحياة الطويلة، وقبل ذلك كلّه فهو مشروعٌ ربّانيٌّ حتميٌّ قد بشَّرَ به جميعُ الأنبياءعليهم‌السلام وكلُّ الكتب السماوية المقدَّسة ويطلقُ عليه عند الربانيين ب- (دولة العدل الإلهي ) في آخر الزمان. والمصدر الأول والأخير لهذه الفكرة هو الله عزَّ وجلَّ، وهو مُشَرّع الحكومة العالمية الواحدة.(٣) ومن بين العلماء والفلاسفة الغربيين الذين نادوا وبشّروا ب- (الحكومة العالمية الواحدة ): الفيلسوف اليونانيّ زيو (٣٥٠) قبل الميلاد، والمؤرّخ اليونانيّ بلوتاك (٤٦ - ١٢٠ ) ميلادية، وولتر ليمبيس في كتابه: ( الفلسفة الإجتماعية )، ص٢١٣.ويقول الفيلسوف الكبير ( برتراند رسل ) في كتابه ( الآمال الجديدة ): (. وربما يستطيع المجتمع الإنساني - بما لديه من تجاربٍ مرة - أن يتعلَّم شيئاً جديداً من كلّ تلك الأحزان، إذا لم يُصَب بلوثة عقليّة وجنون، ولكن هناك الكثيرين الذين يحتفظون بعقولهم سليمةً وآمالهم إيجابيةً. وعلى هذا فطالما كان هناك مفكرون وقادة سياسيون وعسكريون ؛ فانَّ الأمل في حكومة عالمية واحدة،يبقى يراودُ تلك العقول والقلوب).(٤)

____________________

(١) سفر أشعيا ١١ :٩ :ألأصل العبرى، العهد القديم، ص٦٢٥.العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح ١١، الفقرة ٩، الكتاب المقدّس باللغة العربية ٧٣ سفراً، مصر. ( أهل البيت فى الكتاب المقدس ): ص١٢٣ - ١٢٧. سفر أشعيا ١١: ٩، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ٩٢٤. مع فرقٍ يسير بين الترجمات.

(٢) للمزيد من الإطلاع، انظر: الطُّورُ المهدوي، ص١٥٦ - ١٧٣، تحت عنوان: الحكومة العالمية والقائد الموعود.

(٣) انظر: المصلح الغيبي والحكومة العالمية الواحدة، ص ٢٠ - ٢٣، بايجاز وتصرف.

(٤) المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص ٢١٣ - ٢١٤، بايجاز وتصرف يسير.

١٢٨

ومن البديهي أنَّ الحكومة العالمية الواحدة العادلة المرجوَّة والتي أشاروا اليها؛ إنّما تستلزمُ مجيء قائد رباني عظيم، للقيام بهذه المهمة الكبرى، وهذا ما صرَّح به وأشار اليه مبشّراً، الفيلسوف ( نيتشه ) إذ يقول: ( من الممكن أن يستطيع أُولئك الذين يحسنون الإدراك أن يكونوا مبشّرين لفردٍ - ونحنُ لسنا سبيلاً للوصول الى حلقة سُلَّمه - ويمهّدون الطريق لظهوره ).(١)

وتسمى هذه الدولة العالمية الكبرى الناتجة عن ذلك في الأخبار الشريفة الواردة عن النبيّ الأعظم محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليه أجمعين ب- ( دولة الدول، والدولة‌ البيضاء، و‌الدولة الزهراء. ).(٢) ويوجد هناك عدد غير قليلٍ من العلماء والكتّاب الغربيين الذين تعرَّضوا لذكر وسيرة الإمام الغائب(٣) ، ومن بينهم نوستر اداموس في تنبُّؤاته(٤) ، وللوقوف على أسماء ومؤلفات عددٍ منهم يراجع كتاب: موسوعة العتبات المقدَّسة(٥) ، حيث جاء فيه أيضاً: الإمام المهدي المنتظر: لقد كتب عن الإمام المهدي أبي القاسم (ع) عدد غير يسير من كتّاب الغرب، لاسيما عند البحث عن المهدي والمهدوية بوجهٍ عام.الخ )، ويورد الكتاب أسماء عدد من كتاب الغرب الذين تطرَّقوا لسيرة الإمام الغائب (ع).(٦)

النواةُ الأُولى للدولة العالمية:تعتبرُ النواة الأُولى لدولة منجي العالم هي: ( الأُمَّةُ البارَّةُ حافظةُ الأمانة )، وهذا ماركّزت عليه ( التوراة )، وحثَّت وأمرت باستقبال تلك الأُمة والإذن لها بالدخول ؛ حيث قالت: ( إفتحوا الأبواب لتدخلَ الأُمَّةُ البارَّةُ حافظةُ الأمانة ).(٧)

____________________

(١) المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص ٢١٤، بايجاز وتصرف.

(٢) انظر: الزام الناصب :ج١ ص٤٨٢ و ص٤٨٦. ط أُخرى ج ١ ص ٤٣٠. والحاشية على أُصول الكافي، رفيع الدين محمد بن حيدر، ص٥٩٠. والبحار، ج٥٢ ص٣٥٥، وج ٢٦ ص ١٤٨. للمزيد انظر: جولةٌ في حكومة الإمام المهدي (ع)، ص ٢٠١ - ٢٠٣.

(٣) المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص ٢٥٢، بايجاز وتصرف. والغائب: هو الإمام المهديعليه‌السلام عند المسلمين وهو المنجي والمخلّص عندهم.

(٤) انظر: المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص ٢٢٨ - ٢٤٧، في موضوع المهدي المنتظر في تنبّؤات نوستر اداموس.

(٥) موسوعة العتبات المقدَّسة، الجزء الثاني عشر، قسم سامراء ص٦، ( بحثٌ حول سامرا قديماً )، كتبهُ الدكتور مصطفى جواد: سامرّا اسمٌ آراميّ. الخ.

(٦) نفس المصدر، ص٢٧٦. انظر: المهدي المنتظر حقيقة أم خرافة،ص ٢٥٢ وما بعدها. بايجاز.

(٧) سفر أشعيا٢٦: ٢ ،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ٩٣٨.العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح ٢٦، الفقرة، ٢، الكتاب المقدّس باللغة العربية ٧٣ سفراً، مصر. مع إختلاف في الألفاظ. وانظر في: مزمور ١٠١: ٦ (أُمناء الأرض ). وأشعيا ٣٠: ١٨ (منتظروا الربّ ). ومزمور ٤٧: ٩ - ١٠ ( شعبُ إله إبراهيم ). ومزمور ١١١: ٦ ( شعبُ الله ). الخ. انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص ١٤٢ - ١٤٣.

١٢٩

وهذه الأمة المبشّر بها، همُ القلّةُ المظلومة بجميع أنواع الظلم !، كما وصفتهم التوراة بقولها: ( شعبٌ منهوبٌ مسلوبٌ، أُوقعَ بهمَ في الحفر، وخُبّئوا كُلُّهم في الحبوس، يُنهبون وما من مُنقذٍ، ويُسلبونَ ولا يُرَدُّ سَلبُهُم ).(١) أو قُل بحسب المصطلحات الحديثة: أُمَّةٌ مستعمرةٌ لازالَ يمتصُّ خيراتها المستكبرون العالميون، وقد خطَّطوا لها خُطَطاً ومكائدَ غادرةً فَأَوقعوها في فخِّهم، وزُجُّوا كلُّهم في السجون حتى ربما غَدى بلداً بأكمله سجناً كبيراً لأهلهِ وهم يعذَّبونَ فيه آناءَ الليلِ والنهار، ويجري كُلُّ ذلك بمرءً ومسمعٍ من كُلِّ الدنيا ولاأحدَ يقول لِمَ وعلامَ؟، فضلاً عن أن يُحقَّ حقّاً أو يُبطلَ باطلاً.(٢) وعلى ما مرَّ من بيان، فمن تكونُ هذه الأُمةُ التي وُصفت بالبرِّ وحفظ الأمانة الإلهية المقدَّسة ؟. ولقد بشَّرت الكتب المقدَّسة أعداء هذه الأُمة المذكورة بالقصاص منهم في الدنيا والآخرة وهدَّدتهم تهديداً مرعباً.(٣)

جمعُ الإرث الإلهي في الدولة العالمية وتوحيده :

أنَّ منجي العلم باعتباره الوارث الشرعي والقانوني، لكلِّ الأنبياء والرسل عليهم الصلاةُ السلام، لذا فهو وعبرَ المعونةِ الالهية سيأتي بكُلِّ مواريث الأنبياء بما فيها التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء والقرآن الكريم بخطِّ الأنبياء وأوصيائهم الصدّيقين وتواقيعهم وتفاسيرهم لكلام الله تعالى فيها، وأن ليسَ هناك إختلاف ولو يسير بين الأنبياء عموماً ولا بين كتبهم المقدَّسة، وعندها يتيقَّن البشر عموماً أنَّهم لو أجمعواَ مائة وأربعة وعشرين ألفَ نبيٍّ في مكانٍ واحدٍ لما إختلفوا على مسألةٍ واحدةٍ أبداً ولما وجدَوا بيهم تهافتاً في شيءٍ أبداً ؛ ومنها أيضاً مايخصُّ الأنبياء (ع) مثل درعِ وسيفِ وعمامةِ النبيِّ محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعصا موسى وخاتم سليمانعليهم‌السلام . الخ!.(٤)

الدولةُ العالمية والإرث الإلهيّ في القرآن والعهدين

ولكلّ ما تقدّم في موضوع الدولة العالميّة الواحدة وجمعُ الإرث الإلهيّ فيها، يمكن أن نقول: أنَّ الآيات المباركةِ المشيرةِ الى توريث المؤمنين الأرضَ في آخر الزمان، هي بذاتها أدلَّةٌ قرآنيَّة على ذلك وعلى رأسها قولهُ عزَّ وجلَّ :- ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أنَّ الأرضَ يرثها عباديَ الصالحون. إنَّ في هذا لَبَلغاً لقومٍ عبدين. وما أرسلنكَ إلاّ رحمةً للعلمين ).(٥)

(ونريدُ أن نَمُنَّ على الذين استُضِعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين).(٦) وغيرها من الآيات المباركة، وقد مرَّ الكلامُ فيها فلا نُطيل.

____________________

(١) سفر أشعيا٤٢: ٢٢ ،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص٩٦١.العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح ٤٢، الفقرة، ٢٢، الكتاب المقدّس باللغة العربية، مصر. مع إختلاف في الألفاظ. انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص ١٤٣.

(٢) للمزيد انظر: ماقبل نهاية التأريخ، ص١٦٥ وما بعدها في موضوع: الظلم الذي يصيب المسلمين جراء الإنحراف العالمي.

(٣) للمزيد انظر: نهاية صراع الأديان بظهور المهدي في آخر الزمان، ص ٢٦٩ وما بعدها.

(٤) انظر: المهدي المنتظر حقيقة أم خراقة، ص ٧٥٤ وما بعدها تحت عنوان: إستخراج الكتب السماوية.

(٥) سورةُ الأنبياء: ١٠٥ - ١٠٧.

(٦) سورةُ القصص: ٥.

١٣٠

وأما في الكتاب المقدس (العهدين):فهذا المعنى كثيراً ما وردَ في الأسفار المقدسة، ولو أردنا الوقوف عليها لتطلَّلبَ ذلك رسالةً مستقلَّةً، ولكن على نحو الإشارة والإجمال نقول: وردت تلك المعاني في سفر اشعياء النبي (ع) في الإصحاح (٦٥) في باب (خليقةٌ جديدة)؛ وفي سفر يوئيل في الإصحاح الأول والثاني والثالث والرابع؛ وفي سفر ميخا، الإصحاح الخامس؛ وفي سفر زكريا، الإصحاح العاشر والحادي عشر؛ وفي سفر ملاخي، الإصحاح الثالث في باب (مجيء يوم الربّ)؛ وغير ذلك كثير؛ ولمن أراد المزيد، مراجعةُ الكتاب المقدس، طبعة اولى، بيروت ،دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، العهد القديم، الإصدار الثاني ١٩٩٥.والعهد الجديد، طبعة اولى، الإصدار الرابع ١٩٩٣ م، فهو مبوَّبٌ ومرتَّبٌ بطريقةٍ حضارية جيّدة.

١٣١

الفصل الخامس: قواعِدُ ومُتَبنّياتُ ثورة المنجي في القرآن والعهدين

المبحث الأول :

الأسس الشرعيّة والتأريخيّة لثورة المصلح العالميّةالمبحث الثاني :المنتقم من الظالمين صنيعة‌ُ ربّ العالمين

١٣٢

تمهيد: قواعد ومتبنّيات ثورة المنجي في القرآن والعهدين

إنَّ للثورةِ الإلهيَّةِ العالميةِ التي سيقودها رجلُ الله المقدَّس الموعود في آخر الزمان وفي يوم الله الأعظم قواعِدَ متينةٍ وأُسُسٍ رصينةٍ ممتدَّةٍ عبر التأريخ الطويل لعموم البشريَّة، ثابتة في أعماق قلوب الأنبياء والرسلِ وأتباعهم من المؤمنين، مسطَّرة بأحرفٍ من نور في كتبِ الله المقدَّسةِ ؛ وتبتني تلكَ الثورةِ المباركةِ الكبرى على لَبِناتٍ مبنيَّةٍ سَلَفاً وهيَ غاية في الصلابةِ والأصالة والأحقيَّةِ والمشروعيَّة والقانونيَّة الواضحةِ التي ليسَ عليها أَيّ غبار ولا يلحقها شكٌّ ولاريبٌ، ولعلَّنا في هذين المبحثين التاليين نقفُ على شيءٍ من ذلك.

المبحث الأول: «الأسس الشرعيّة والتأريخيّة لثورة المصلح العالميّة»

إنّ‌ الثورة‌ الالهية‌ العظمى‌ التي‌ سيقودها المنقذ الموعود (قرّب الله يومه الشريف‌) لم تكن ثورة إبتدائيّة إجتهاديّة تأتي ردّاً على واقع فاسد معاصر لها لتغيّر تغييراً محدوداً في أمّة من الأمم أو شعب من الشعوب فحسب(١) ، بل لها جذور شرعيّة وتاريخيّة عميقة جدّاً، ولها إرثٌ حقوقيّ وقانونيّ مميّز !فهي‌ امتداد طبيعيّ شرعيّ لثورة‌ الحسين‌ بن عليّ بن أبي طالبعليهم‌السلام ومكملة‌ لها والجانية لثمارها.فكانت ثورة سبط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّد شباب أهل الجنّة ألإلهيّة الكبرى ضدّ الشياطين المتفرعنين ثورة مُؤَسِّسة !، وجاءت ضمن تخطيط وتقدير ربّانيّ عجيب، وكان بتقدير الله سبحانه وتعالى أن تبقى جذوتها مستعرة في الأرض لاتطفأ ولاتهدأ أبداً برغم الإبادة الجماعيّة لآل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثقله وعائلته الشريفة المقدّسة ورحله المبارك وأتباعهم الأبرار.ومن خلال الإطّلاع على خصائص ومزايا الثورتين المباركتين يبدو واضحاً أنّ ثورة السبط المستشهد والمصلح الأعظم في آخر الزمان هما كالشي‌ء الواحد، وهما امتداد للخطّ الإلهيّ المقدّس في هذا العالم.و يتّضح‌ من‌ الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة عندّ المسلمين، والنصوص‌ المقدسة في العهدين، ان‌ الذين‌ ذبحوا الحسين‌ واهل‌ بيته الأطهارعليهم‌السلام ‌ وصحبه الميامين‌ (رض‌) وأتباعهم، والذين‌ اصرّوا على عِدائهم‌ واستمروا في‌ ظلمهم‌ واجتهدوا في ايذائهم الى‌ حين ظهور وقيام منجي العالمين المنتقم من الظالمين ‌المهدي‌ (عج‌)، هم‌ اعداء الله تبارك‌ وتعالى‌، وسينتقم‌ُ الله منهم‌ بصورة‌ مرعبة.

____________________

(١) انظر: المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري، ص ٣١، تحت عنوان: ضروب الثورة العالمية: ان الثورة العالمية ضد الظلم هي ثورةٌ لم تدعُ اليها الأديان فقط، بل توصَّل اليها الفكر الإنساني عن طريق معاينة أطوار التأريخ ودراسة سننه. و: ماريا لويزا برنيري، Jourmey theough Utopia ،ترجمة عطيات أبو السعود في عالم المعرفة، وقد لخَّص الكتاب آراء الطوباويات منذ العصر اليوناني القديم حتى يومنا الحاضر، رقم ٢٢٥ عدد أيلول / سبتمبر ١٩٩٧ م.

١٣٣

اولاً: في القرآن الكريم

١: قوله تعالى: ( وقاتلوهم حتى لاتكون فتنةٌ ويكونُ الدينُ لله فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظالمين ).(١)

- عن الحسن بياع الهروي يرفعه عن أحدهماعليهما‌السلام في قوله: ( لا عدوان إلا على الظالمين ) قال: إلا على ذرية قتلة الحسينعليه‌السلام .(٢)

- وعن إبراهيم، عمن رواه، عن أحدهماعليهما‌السلام قال: قلت: ( فلا عدوان إلا على الظالمين ) قال: لا يعتدي الله على أحد إلا على نسل ولد قتلة الحسينعليه‌السلام .(٣) - حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت لأبي الحسن الرضاعليه‌السلام : يا بن رسول الله ما تقول في حديث روى عن الصادقعليه‌السلام : أنه قال: إذا خرج القائمعليه‌السلام قتل ذراري قتلة الحسينعليه‌السلام بفعال آبائهم ؟ فقالعليه‌السلام : هو كذلك فقلت: وقول الله عز وجل: ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ما معناه ؟ قال: صدق الله في جميع أقواله ولكن ذراري قتله الحسينعليه‌السلام يرضون بأفعال آبائهم ويفتخرون بها ومن رضى شيئاً كان كمن اتاه ولو أن رجلاً قتل بالمشرق فرضى بقتله رجل في المغرب لكان الراضي عند الله عز وجل شريكُ القاتل وإنما يقتلهم القائمعليه‌السلام إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم قال: فقلت له: بأي شئ يبدأ القائمعليه‌السلام منكم إذا قام ؟ قال: يبدأ ببني شيبه فيقطع أيديهم لأنهم سراق بيت الله عز وجل.(٤)

- وعن محمد بن الأرقط، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : قال: قال لي: تن-زل الكوفة ؟ فقلت: نعم، فقال: ترون قتلة الحسينعليه‌السلام بين أظهركم ؟ قال: قلت: جعلت فداك ما بقي منهم أحد، قال: فأنت إذا لا ترى القاتل إلا من قتل، أو من ولى القتل ؟! ألم تسمع إلى قول الله: ( قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ) فأي رسول قتل الذين كان محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله بين أظهرهم، ولم يكن بينه وبين عيسى رسول، وإنما رضوا قتل أولئك فسموا قاتلين.

____________________

(١) سورة البقرة: آية ١٩٣.

(٢) العياشي، ١/٨٦، ح ٢١٤. وسائل الشيعة، ج١٦، ص ١٤٢. البحار، ٤٥ /٢٩٨ ح ٨. تفسير الصافي، ١ / ٢١٠. البرهان، ١ / ١٩١ ح٣. العوالم (الامام الحسين ع )، ص ٦٠٩.

(٣) العياشي، ١/٨٧، ح ٢١٦. البحار، ٤٥ /٢٩٨ ح ٩. تفسير الصافي، ١ / ٢١٠. البرهان، ١ / ١٩١ح٤.

(٤) عيون أخبار الرضا (ع)، ج ٢، ص ٢٤٧. علل الشرائع، ٢٢٩. وسائل الشيعة، ج ١١، ص ٤١٠. بحار الأنوار، ج٤٥ ص ٢٩٥ ح١، وج٥٢ ص ٣١٣ ح٦.

١٣٤

- وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عز وجل: ( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ) قال: إن الله بعث إلى بني إسرائيل نبياً يقالُ له: إرميا ( إلى أن قال ) فأوحى الله إليه أن قل لهم ان البيت بيت المقدس، والغرس بنو إسرائيل، عملوا بالمعاصي فلأسلطن عليهم في بلدهم من يسفك دماءهم ويأخذ أموالهم، فان بكوا إلي لم أرحم بكاءهم وإن دعوني لم أستجب دعاءهم ثم لأخربنها مأة عام، ثم لأعمرنها، فلما حدثهم اجتمع العلماء فقالوا: يا رسول الله ما ذنبنا نحن ولم نكن نعمل بعملهم ؟ فعاود لنا ربك ( إلى أن قال ) ثم أوحى الله قل لهم: لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه، فسلط الله عليهم بخت نصر فصنع بهم ما قد بلغك الحديث(١) .

- في عقاب الأعمال: ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن محمد ابن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: القائم والله يقتل ذراري قتلة الحسينعليه‌السلام بفعال آبائها.(٢) - روي‌ عن‌ الصادق‌(ع) قال‌:

«لما كان‌ من‌ امر الحسين‌ ما كان‌، ضجّت‌ الملائكة‌وقالوا: يا ربّنا هذا الحسين‌ صفيّك‌ وابن‌ بنت‌ نبيّك‌ قال‌: فأقام‌ الله ظل‌ القائم‌(ع) وقال‌: بهذا أنتقم‌ لهذا».(٣)

كما ان‌ روح‌ الله المسيح(ع)‌ كان‌ يخبر بقتل‌ الحسين‌(ع) مراراً وتكراراً وفي ‌مناسبات‌ عديدة، ويلعن‌ قاتليه‌ ويأمر بني‌ اسرائيل‌ بلعنهم‌ ويقول‌: (من‌ ادرك‌ ايامه‌ فليقاتل‌ معه‌، فانه‌ كالشهيد مع‌ الانبياء مقبلاً غير مدبر وكأني‌ انظر الى‌ بقعته‌، وما من‌نبي‌ ّالا وزارها، وقال‌: إنّك‌ِ لبقعة‌ٌ كثيرة‌ الخير، فيك‌ يدفن‌ القمر الزاهر)(٤) .

وذكر الصدوق‌ (رض‌):

ان‌ عيسي‌ (ع) مرّ بأرض‌ كربلاء، وتوقف‌ فوق‌ مطارح‌ الطف‌ ولعن‌ قاتلي‌ الحسين‌ ومهدري‌ دمه‌ الطاهر فوق‌ الثري(٥) .

____________________

(١) وسائل الشيعة، ج ١١، ص ٤١٢ - ٤١٣.

(٢) العوالم، الإمام الحسين (ع)، ص٦٠٩.وروى المفيد في الإرشاد، ص٣٦١- ٣٦٢: الفضل‌ بن‌ شاذان‌ عن‌ محمد بن‌ عليّ‌ الكوفي‌ عن‌ وهب‌ بن‌ حفص‌ عن‌ ابي‌ بصيرقال‌: قال‌ ابو عبد اللهعليه‌السلام : (ينادى باسم‌ القائم‌عليه‌السلام في‌ ليلة‌ ثلاث‌ وعشرين‌، ويقوم‌ في‌ يوم‌ عاشوراء، وهواليوم‌ الذي‌ قتل‌ فيه‌ الحسين‌ بن‌ عليّعليهما‌السلام‌ ، لكأني‌ في‌ يوم‌ السبت‌ العاشرمن‌ المحرم‌ قائماً بين‌ الركن‌ والمقام‌، جبرئيل‌عليه‌السلام عن‌ يمينه‌ ينادي‌ البيعة‌ لله،فتصير إليه‌ شيعته‌ من‌ اطراف‌ الارض‌ تطوى لهم‌ طيّاً حتى‌ يبايعوه‌ فيملا الله به ‌الارض‌ عدلاً كما ملئت‌ جوراً وظلماً).

(٣) الملهوف على قتلى الطفوف، ص١٧٦ - ١٧٧.

(٤) كامل الزيارات: ص٦٧.

(٥) كمال الدين وتمام النعمة، ص٢٩٥.

١٣٥

٢: قوله تعالى: ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ).(١) - حدثنا أحمد بن محمد الهيثم العجلي -رضي‌الله‌عنه - قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نظر إلى علي والحسن والحسينعليهم‌السلام فبكى وقال: أنتم المستضعفون بعدي. قال المفضل: فقلت له: ما معنى ذلك يا ابن رسول الله ؟ قال: معناه أنكم الأئمة بعدي، إن الله عز وجل يقول: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة.(٢)

ثانياً: في العهدينفقد جاء في‌ (سفر ارميا): ان‌ التوراة‌ قد اخبرت‌ بانتقام‌ صاحب‌ الزمان‌ (عج‌) من‌ قتلة ‌الحسين‌ سيد الشهداءعليه‌السلام ، حيث‌ قالت :

« اعدّوا المج-ن والترسوتقدمواللحرب‌ اسرجوا الخيل، واصعدوا ايها الفرسان‌ وانتضبوا بالخوذ اصقلوا الرماح البسوا الدروع، لماذا أراهم‌ مرتعبين‌ ومدبرين‌ الى‌ الوراء، وقد تحطمت‌ ابطالهم‌ وفرّوا هاربين‌ ولم‌ يلتفتوا. الخوف‌ حواليهم‌ يقول‌ الرب. الخفيف‌ لا ينوص‌ والبطل‌ لا ينجو. في‌ الشمال‌ بجانب‌ نهر الفرات‌ عثروا وسقطوا. من‌ هذا الصاعد كالنيل‌ كانهار تتلاطم‌ امواجها. »الى‌ ان‌ تقول ‌:

«. اصعدي‌ ايتها الخيل‌ وهيجي‌ المركبات‌ ولتخرج‌ الابطال‌، كوش‌ وفوط‌ القابضان‌ المجن‌ واللوديون‌ القابضون‌ القوس‌. فهذا اليوم‌ للسيد رب‌ّ الجنود يوم‌ نقمة‌ للانتقام‌ من‌ مبغضيه‌ فيأكل‌ السيف‌ ويشبع‌ ويرتوي‌ من‌ دمهم ‌».

ثم‌ تذكر التوراة‌ ان‌ السبب‌ في‌ هذا الانتقام‌ من‌ الاعداء هو ما يلي‌:

«ان‌ للسيّد رب‌ّ الجنود ذبيحة‌ في‌ ارض‌ الشمال‌ عند نهر الفرات‌»(٣) وقد اورد صاحب‌ كتاب‌ (البحث‌ عن‌ الحقيقة‌) ص‌ ٤٩ بالانجليزية‌ هذا النص‌ أيضاً كأحد ادلّة‌ التوراة‌ على خروج‌ صاحب‌ الزمان‌، وقتل‌ اعداء الله فراجع(٤) .

____________________

(١) سورةُ القصص :آية ٥.

(٢) معاني الأخبار، ص٧٩. كنز الدقائق، ١٠ ح ٣. بحار الأنوار، ج٢٤، ص١٦٨ ح١. الميزان في تفسير القرآن، ج١٦ ص ١٤. البرهان، ج ٣، ص ٢١٧ ح٢. نور الثقلين، ج ٤، ص ١١٠.

(٣) سفر ارميا ٤٦: ٣ - ١٠، العهد القديم. الكتاب المقدس باللغة العربية، العهد القديم، سفر ارميا تحت رقم ٢٨، الإصحاح ٤٦: الفقرات ٣ - ١٠، مصر. الكتاب المقدس تحت المجهر: ص١٥٥. سفر إرميا ٤٦: ٣ - ١٠،العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ١٠٦٠. مع فرقٍ يسير بين عبارات المترجمين.

(٤) الكتاب المقدس تحت المجهر: ص١٥٥.

١٣٦

وأما في مجال الاخبار بالملحمة‌ الالهية‌ العظمى في كربلاء وما يرافقها من‌ فواجع وأنّ المذبوح فيها له شأنٌ عظيم وأنّه استشهد من أجل إنقاذ الشعوب وألأمم.

فقد اخبر (يوحنا): بان‌ الحسين(ع)‌ قدم‌ دمه‌ الطاهر قرباناً لله تبارك‌ وتعالى‌' وانه‌ جسدالبطولة‌ والتضيحة‌ باعلى مراتبها. فقد جاء في‌ سفر يوحنا ‌:

( انك‌ الذي‌ ذُبحت‌، وقدمت‌ دمك‌ الطاهر قرباناً للرب‌ ،من‌ اجل‌ انقاذ الشعوب‌ والامم‌، وسينال‌ هذا الذبيح‌ المجد والعزة‌ والكرامة‌ والى‌ الابد لأنَّهُ‌ جسّد البطولة‌ والتضحية‌ بأعلي‌' مراتبها )(١) .وأخبر (ارميا): بمعركة‌ كربلاء الدامية‌ قرب‌ نهر الفرات‌، فقد جاء في‌ سفر (ارميا):

( في‌ ذلك‌ اليوم‌ يسقط‌ القتلي‌' في‌ المعركة‌، قرب‌ نهر الفرات‌ ،وتشبع‌ الحرب‌ والسيوف‌ وترتوي‌ من‌ الدماء التي‌ تسيل‌ في‌ ساحة‌ المعركة‌، بسبب‌ مذبحة‌ رب‌ الجنود في‌ الارض‌ تقع‌ شمال‌ نهر الفرات )(٢) .

ولابدَّ أن نشير هنا الى مسئلةٍ مهمَّةٍ وتستحقُّ الوقوف عندها ولكننا نذكرها بالإشارة خوف الإطالة وهي: أنَّهُ قد أجمعت الأسفار المقدَّسة في العهدين على حقيقةٍ مهمَّةٍ وهي من القضايا المحوريَّةِ، وقد وردَ ذكرها كثيراً بطرقِ ومناسباتٍ متعدِّدةٍ، ويَبدو أنَّ لها شأناً ومنزلةً عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، ألا وهي قضيَّةُ: ( الكبشِ المذبوح ) !.

____________________

(١) يوحنا - ٥: ٩ - ١٢، ص٤٦٣ ( ألأصل العبرى )، العهد الجديد. للوقوف على النصيين العبرى والعربى ومعاينة الترجمه، انظر: ( أهل البيت فى الكتاب المقدس) ص١١٣ - ١١٥. رؤيا يوحنا، ٥: ٩ - ١٢،العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ٤٠٠. مع تقديم ٍ وتأخيرٍ في كلمات المترجمين لاتضر بالمعنى.

(٢) سفر ( ارميا ): ٤٦: ٦ -١٠ ص٧٨٢ (الأصل العبرى )، العهد القديم. وللوقوف على النصيين بالعبريه والعربية، انظر: ( أهل البيت في الكتاب المقدس ) ص١١٦ - ١١٨. سفر إرميا ٤٦: ١٠، العهد القديم، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس، ص ١٠٦٠. مع فرقٍ يسير في عبارات الترجمة.

١٣٧

وهذا الكبشِ المذبوح بحسب الأسفار المقدَّسة: هو من قدَّمَ دمهُ الطاهر الزكي قرباناً للربِّ تبارك وتعالى من أجلِ انقاذ الشعوب والأُمم، وأنَّهُ هو الذي أُريقَ دمُهُ من أجلِ كلمةِ الربِّ وشهادتهِ للحقِّ سبحانهُ وتعالى، وأنَّهُ هو الوحيد الذي فكَّ السفر الإلهي المقدَّس وحلَّ رموزَهُ ونظرَ الى مافيهِ(١) وذلكَ حسب استعداده المدهش العجيب لفداء الله ودينهِ وشرائعهِ بكُلِّ مايملك بما في ذلك نفسهُ المقدَّسة العزيزة، وأنَّهُ نالَ بذلكَ الذبحِ المجد والعزَّة والكرامة الى أبد الآبدين، لأنَّه ضَحّى للربِّ بأعلى وأعظم تضحيةٍ والتي ليسَ فوقها تضحيةٌ قط، وأنه يجلس عن يمين العرش.الخ.

وقد فسَّر أهلُ الكتاب أنَّ المعنيّ بذلك كلِّهِ هو (النبيُّ إسحاق -ع-) لاغير، ووافقهم على ذلك بعضُ المسلمين لاستنادهم الى بعض الروايات في هذا المجال(٢) ، فيما فسَّرَ الأعمُّ الأغلب من علماء المسلمين ذلكَ بكونهِ ( النبيُّ إسماعيل بن إبراهيم -عليهما‌السلام -) بحسبِ ماعندهم(٣) . ولكنَّنا لو أمعنّا النظر وتحقَّقنا من الأمر، لوجدنا أنَّ كلا النَّبيَّينِ الكريمين المشار اليهما، لم يُذبحا حقيقةً، ولم يراق دمهما، ولم يذوقا أَلَمَ السكينِ أو الخنجرِ.الخ.

وكذلك ما جاء في القرآن الكريم، في قوله تعالى: ( وفديناهُ بذبحٍ عظيمٍ )(٤) ، فهو يدعو للوقوف عنده والتأمُّل فيهُ!فأيَّةُ عظمةٍ ومقامٍ لذلك الكبش المقصود، جعلتهُ يذكرُ في الأسفار المقدّسةِ أكثرَ من ذكرِ خاتمِ النبيين وسيّد المرسلين محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟، فقد ورد ذكر هذا (الكبش المذبوح) في سفر الرؤيا ليوحنا (ع) لوحدهِ فقط، في أكثر من أربعةٍ وعسرين موضعاً!. فهل يُعقَلُ ذلكَ كلَّه في (خروفٍ ) كما سمَّتهُ بعضُ الترجمات، وإذا كان رمزاً، فمن عنت تلكَ البشارات في الكتاب المقدّس(٥) ؟. لذا فإنَّ هذا الموضوع جديرٌ بالبحثِ ويستحقُّ أن تُكتبَ فيهِ رسائلَ علميّة.

____________________

(١) انظر: رؤيا يوحنا، الإصحاح الخامس،العهد الجديد، جمعية الكتاب المقدس في لبنان، الكتاب المقدس،ص ٣٣٩ - ٤٠٠.

(٢) انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج٧ ص ٢٣٢ وماقبلها ومابعدها: أنَّ روايات أهل السنة انقسمت الى قسمين، فنصفٌ قال: أنه اسحاق (ع) ونصفٌ قال: أنه اسماعيل (ع).

(٣) انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج٧ ص٢٣٢ وماقبلها ومابعدها، اجماع مذهب أهل البيت (ع) وكثير من اهل السنة.

(٤) سورة الصافات: آية ١٠٧.وتفسير ذلك في :تفسير مجمع البيان،ج٨ص٣٢٤.تفسير الميزان ،ج١٧ص١٥٣.ولمَ سمّيَ عظيماً في: تفسير الثعلبي، ج٨ ص١٥٧.وانظر:تأويل الآية والأخذ والردِّ في ذلك، في الإنتصار، العاملي، ج٢ص٣٢٦-٣٢٨.

(٥) للمزيد انظر: الخصال ص٥٩. عيون أخبار الرضا (ع)، ج٢ص١٨٧- ١٩٠. مسند الإمام الرضا(ع) ،ج١ص٥٦.وروايات أهل البيت (ع) في ذلك وعلاقته بشهادة الامام الحسين (ع).

١٣٨

المبحث الثاني :

المنتقم من الظالمين صنيعة‌ُ ربّ العالمين

يبدو واضحاً أن‌ الله تبارك وتعالى قد كتب‌ على نفسه‌ المقدّسة ان‌ ينتقم‌ من‌ اعداءه‌ المجرمين بواسطة‌ القائم المنتصر في آخر الزمان، وبشّر انبياءه‌ ورسله‌ واهل‌ الكرامة‌ عليه‌ منذُ أمدٍ بعيدٍ جداً وفي‌ مناسباتٍ‌ مختلفةٍ‌ بهذا الامر، وثبّت‌ ذلك‌ في‌ كتبه‌ المن-زلة المباركة ‌وأوضحَ ذلك لعموم البشرية على مدى مسيرة حياتها الطويلة.

لذا فان‌ هذا الموضوع، هو عهدٌ ووعدٌ الهيّ‌ حتميّ‌ وقطعيّ‌، لا يختلف‌ ولا يتخلّف‌طرفةَ‌ عين‌ ٍ أبداً، فان‌ تَخَلَّفَ‌ كان‌ الاحكامُ‌ ناقصا ً، والوجود عبثاً، والقضاءُ والحكمُ ‌الالهيّ‌ غير تامٍّ‌، وذلك‌ لخلوِّ الارضِ‌ من‌ خليفتهِ، وهو ممتنعٌ‌ على ساحةِ‌ قُدسِهِ‌ عزَّ وجلَّ‌. وقد أوجَبَ‌ ذلكَ‌ الامرَ على نفسه‌ِ القُدسيَّةِ المباركةِ بلطفهِ‌ وفيضهِ ومنِّهِ بقوله عزَّ من قائل ‌:( وإذْ قالَ ربُّكَ للملائكةِ إنّي‌ جاعِلٌ‌ في‌ الارضِ‌ِ خليفة‌ قالوا أتجعل‌ُ فيها من‌ يفسدُ فيها ويَسفِكُ‌ الدماء ونحن‌ نسبّحُ‌ بحمدك‌ ونقدّس‌ لك‌ قال‌ اني‌ اعلم‌ ما لا تعلمون ).(١)

وسنبين ذلك: في القرآن الكريم والروايات الشريفة اولاً، وفي العهدين ثانياً.

____________________

(١) البقرة: ٣٠، وقد أحضر جميع ملائكته وأخبرهم بهذا الأمر الإلهيّ الكبيروالخطير، وذلك واضحٌ في تفاسير المسلمين، انظر مثلاً: التفسيرألكبير :ج٢ ص١٥٢.

١٣٩

اولاً: في القرآن والروايات الشريفة

في قوله تعالى: ( ومن قُتلَ مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنَّهُ كان منصورً )(١) .- (عن الحجال، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (ع) قال: سألتهُ عن قول الله عزَّ وجلَّ: ومن قُتلَ مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنَّهُ كان منصورً: قال: نزلت في الحسين (ع)، لو قتلَ وليُّهُ أهلَ الأرض بهِ ما كان سرفاً)(٢) .- روي‌ عن‌ الصادق ‌(ع) قال‌:

( لماّ كان‌ من‌ أمرِ الحسين‌ ما كان‌، ضجّت‌ الملائكة‌ وقالوا: يا ربّنا هذا الحسين‌ صفيّك‌ وابن‌ بنت‌ نبيّك‌ قال‌: فأقام‌ الله ظل‌ القائم ‌(ع) وقال: بهذا أنتقم‌ لهذا ).(٣) - وروى هلال‌ بن‌ نافع‌، قال‌:

( اني‌ لواقف‌ مع‌ اصحاب‌ عمر بن‌ سعد اذ صرخ‌ صارخ‌: أبشر أيها الامير، فهذا شمرقد قتل‌ الحسين‌(ع). قال‌: فخرجت‌ بين‌ الصفّين، فوقفت‌ عليه‌، فانه‌ ليجود بنفسه‌، فوالله ما رأيت‌ قتيلاًمضمّخاً بدمه‌ أحسن‌ منه‌ ولا أنور وجهاً، ولقد شغلني‌ نور وجهه‌ وجمال‌ هيأته ‌عن‌الفكر في‌ قتله‌. فاستسقىِ في‌ تلك‌ الحال‌ ماء، فسمعت‌ رجلاً يقول‌ له‌: والله لا تذوق‌ الماء حتى‌ ترد الحامية‌ فتشرب‌ من‌ حميمها!!فقال‌ له‌ الحسين (ع)‌: « لا، بل‌ ارد على جدي‌ رسول‌ اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واسكن‌ معه‌ في‌داره‌ في‌ مقعد صدق‌ عند مليك‌ٍ مقتدر، واشرب‌ من‌ ماء غير آسن‌، واشكو اليه‌ ما ارتكبتم‌ منّي‌ وفعلتم‌ بي‌».قال‌: فغضبوا باجمعهم، حتى‌ كأن‌ الله لم‌ يجعل‌ في‌ قلب‌ أحد منهم‌ من‌ الرحمة ‌شيئاً، فاحتزوا رأسه‌ وانه‌ ليكلمهم‌، فعجبت‌ من‌ قلّة‌ رحمتهم‌ وقلت‌ُ: والله لااجامعكم‌ على امر ابداً)(٤) .ومن حقّ كلّ شريف وغيور في العالم أن ينظر بحيرةٍ ودهشةٍ وحزنٍ عميق الى‌ هذه‌ الواقعة‌ المأساوية‌ المروّعة التي‌ يحكيها لنا هذا الفرد الضّال من ‌أعداء الإنسانيّة، وكم‌ يبدو متأثرا ً!رغم‌ ما به‌ من‌ عوامل‌ النقص‌ والخلود الى‌ الارض ،وهذا غيض‌ من‌ فيض‌.لهذا ورد في شدّة المنتقم من الظالمين ومنجي المستضعفين، كما في سفر أشعيا :( ويحكم‌ بالانصاف‌ لبائسي‌ الارض‌، ويضرب‌ الارض‌ بقضيب‌ فمه، ويميت ‌المنافق‌ بنفخة‌ شفتيه‌ ).(٥) وقد ورد هذا أيضاً عن‌ لسان النبيّ الأكرم محمد ‌صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في‌ وصف‌ القائم‌ المنتقم‌ انه‌ قال‌: « اسنانه‌ كالمنشار وسيفه‌ كحريق‌ النار ».(٦)

____________________

(١) سورة الإسراء: آية ٣٣.

(٢) الكافي، ج٨ ص٢٥٥. ومثله: تأويل الآيات، ج١ص ٢٨٠.

(٣) الملهوف على قتلى الطفوف، ص١٧٦ - ١٧٧.

(٤) الملهوف على قتلى الطفوف، ص ١٧٧.

(٥) سفر أشعيا ١١: ٤، ألأصل العبرى، العهد القديم ص٦٢٥. وللوقوف على النص العبرى والعربى انظر: ( أهل البيت فى الكتاب المقدس ) ص١٢٣ - ١٢٧.

(٦) الزام الناصب: ج١، ص٤٧٥. الغيبة للنعماني، ص٢٤٧. بحار الأنوار، ج ٥١، ص ٧٧. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164