• البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 69503 / تحميل: 7784
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

والجمهور كافة - إلّا قتادة - على سقوط الكفّارة فيهما(١) .

وقتادة أوجبها قبل الزوال وبعده(٢) .

وابن أبي عقيل من علمائنا أسقطها بعد الزوال أيضاً.

والمشهور ما بيّناه ؛ لأنّه قبل الزوال مخيَّر بين الإِتمام والإِفطار ، وبعده يتعيّن الصوم ، فلهذا افترق الزمانان في إيجاب الكفّارة وسقوطها ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى ما شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر الى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر »(٣) .

تذنيب : لو أفطر في قضاء النذر المعيّن بعد الزوال ، لم يجب عليه شي‌ء سوى الإِعادة‌ ؛ لأصالة البراءة ، وإن كان في قول الصادقعليه‌السلام ، دلالة ما على الوجوب.

مسألة ٣١ : المشهور في كفّارة قضاء رمضان : إطعام عشرة مساكين ، فإن لم يتمكّن ، صام ثلاثة أيام‌.

وقد روي : أنّه لا شي‌ء عليه(٤) . وروي : أنّ عليه كفّارة رمضان(٥) .

وتأوّلهما الشيخ - بحمل الاُولى على العاجز(٦) ، والثانية على المستخفّ بالعبادة ، المتهاون بها(٧) .

____________________

(١ و ٢ ) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٧٨ / ٨٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٢٠ / ٣٨٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨٠ / ٨٤٧ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ - ١٢٢ / ٣٩٤.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٧٩ / ٨٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ / ٣٩٣.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ٢٨٧.

(٧) التهذيب ٤ : ٢٧٩ ذيل الحديث ٨٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٢١ ذيل الحديث ٣٩٣.

٦١

وأمّا النذر المعيّن : فالمشهور أنّ في إفطاره كفّارة رمضان ؛ لمساواته إيّاه في تعيين الصوم.

وابن أبي عقيل لم يوجب في إفطاره الكفّارة ، وهو قول العامّة(١) .

تذنيب : لو صام يوم الشك بنية قضاء رمضان‌ ، ثمّ أفطر بعد الزوال ، ثمّ ظهر أنّه من رمضان، احتمل سقوط الكفّارة.

أمّا عن رمضان : فلأنّه لم يقصد إفطاره ، بل قصد إفطار يوم الشك ، وهو جائز له.

وأمّا عن قضاء رمضان : فلظهور أنّه زمان لا يصح(٢) للقضاء.

ويحتمل : وجوب كفّارة رمضان ، ويحتمل وجوب كفّارة قضائه.

مسألة ٣٢ : يشترط في إفساد الصوم بالإِفطار اُمور ثلاثة : وقوعه عنه متعمّداً ، مختاراً ، مع وجوب الصوم عليه.

أمّا شرط العمد : فإنّه عندنا ثابت إجماعاً منّا ؛ فإنّ المفطر ناسياً لا يفسد صومه مع تعيّن الزمان ، ولا يجب به قضاء ولا كفّارة عند علمائنا أجمع - وبه قال أبو هريرة وابن عمر وعطاء وطاوس والأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي(٣) - لما رواه العامة عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا أكل أحدكم أو شرب ناسياً ، فليتمّ صومه ، فإنّما أطعمه الله وسقاه )(٤) .

____________________

(١) المغني ٣ : ٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٨.

(٢) في « ن » : لا يصلح.

(٣) المغني ٣ : ٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، المجموع ٦ : ٣٢٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦ ، اختلاف العلماء : ٦٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٢.

(٤) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣ والشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، ونحوه في صحيح البخاري ٣ : ٤٠ ، وسنن الدار قطني ٢ : ١٧٨ - ١٧٩ / ٢٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ٢٢٩.

٦٢

وعن عليعليه‌السلام ، قال : « لا شي‌ء على مَن أكل ناسياً »(١) .

ومن طريق الخاصة : قول الباقرعليه‌السلام : « كان أمير المؤمنينعليه‌السلام ، يقول : مَن صام فنسي فأكل وشرب فلا يفطر من أجل أنّه نسي ، فإنّما هو رزق رزقه الله فليتمّ صيامه »(٢) .

ولأنّ التكليف بالإِمساك يستدعي الشعور ، وهو منفي في حقّ الناسي ، فكان غير مكلَّف به؛ لاستحالة تكليف ما لا يطاق.

وقال ربيعة ومالك : يفطر الناسي كالعامد ؛ لأنّ الأكل ضدّ الصوم ، لأنّ الصوم كفّ ، فلا يجامعه ، وتبطل العبادة به كالناسي في الكلام في الصلاة(٣) .

ونمنع كون الأكل مطلقاً ضدّاً ، بل الضدّ هو : الأكل العمد. ونمنع بطلان الصلاة مع نسيان الكلام.

ولو فعل ذلك حالة النوم ، لم يفسد صومه ؛ لانتفاء القصد فيه والعلم ، فهو أعذر من الناسي.

أمّا الجاهل بالتحريم فإنّه غير معذور ، بل يفسد الصوم مع فعل المفطر ويكفّر.

وأمّا المـُكرَه والمتوعَّد بالمؤاخذة ، فالأقرب : فساد صومهما ، لكن لا تجب الكفّارة.

مسألة ٣٣ : قد بيّنا أنّ القصد لوصول شي‌ء إلى الجوف شرط في الإِفساد‌ ، فلو طارت ذبابة أو بعوضة إلى حلقه ، لم يفطر بذلك إجماعاً.

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٥٣ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، وانظر : سنن البيهقي ٤ : ٢٢٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٦٨ / ٨٠٩.

(٣) المغني ٣ : ٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٠٨ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، اختلاف العلماء : ٦٩ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٢.

٦٣

أمّا لو وصل غبار الطريق أو غربلة الدقيق إلى جوفه ، فإن كانا غليظين ، وأمكنه التحرّز منه ، فإنّه يفسد صومه ، ولو كانا خفيفين ، لم يفطر.

والعامة لم تفصِّل ، بل قالوا : لا يفطر(١) .

ولو أمكنه إطباق فيه أو اجتناب الطريق ، لم يفطر عندهم أيضا ؛ لأنّ تكليف الصائم الاحتراز عن الأفعال المعتادة التي يحتاج اليها عسر ، فيكون منفياً(٢) ، بل لو فتح فاه عمداً حتى وصل الغبار إلى جوفه ، فأصحّ وجهي الشافعية : أنّه يقع عفواً(٣) .

ولو وُطئت المرأة قهراً ، فلا تأثير له في إفساد صومها ، وكذا لو وُجر في حلق الصائم ماء وشبهه بغير اختياره.

وللشافعي قولان فيما لو اُغمي عليه فوُجر في حلقه معالجةً وإصلاحاً ، أحدهما : أنّه يفطر ؛ لأنّ هذا الإِيجار لمصلحته ، فكأنّه بإذنه واختياره. وأصحّهما : أنّه لا يفطر ، كإيجار غيره بغير اختياره(٤) .

وهذا الخلاف بينهم مفرَّع على أنّ الصوم لا يبطل بمطلق الإِغماء ( وإلّا فالإِيجار )(٥) مسبوق بالبطلان(٦) .

وهذا الخلاف كالخلاف في المغمى عليه المـُحرِم إذا عُولج بدواء فيه طيب هل تلزمه الفدية؟(٧) .

مسألة ٣٤ : ابتلاع الريق غير مفطر عند علمائنا‌ ، سواء جمعه في فمه‌

____________________

(١) اُنظر : فتح العزيز ٦ : ٣٨٦ ، والمجموع ٦ : ٣٢٧ ، والمغني ٣ : ٥٠ - ٥١ ، والشرح الكبير ٣ : ٤٨ - ٤٩.

(٢ و ٣ ) فتح العزيز ٦ : ٣٨٦ ، المجموع ٦ : ٣٢٧ - ٣٢٨.

(٤) فتح العزيز ٦ : ٣٨٦ - ٣٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٢٥.

(٥) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : ولا بالإِيجار. وما أثبتناه - وهو الصحيح - من المصدر.

(٦) فتح العزيز ٦ : ٣٨٧.

(٧) فتح العزيز ٦ : ٣٨٧ ، المجموع ٦ : ٣٢٥.

٦٤

ثم ابتلعه ، أو لم يجمعه ، وبه قال الشافعي(١) ، وهو أصحّ وجهي الحنابلة(٢) .

أمّا إذا لم يجمعه : فلأنّ العادة تقتضي بلعه ، والتحرّز منه غير ممكن ، وبه يحيى الإِنسان ، وعليه حمل بعض المفسّرين قوله تعالى( وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‌ءٍ حَيٍّ ) (٣) .

وأمّا إذا جمعه : فلأنّه يصل إلى جوفه من معدنه ، فأشبه إذا لم يجمعه.

وقال بعض الحنابلة : إنّه يفطر ؛ لأنّه يمكنه التحرّز عنه ، فأشبه ما لو قصد ابتلاع غيره(٤) . وهو ممنوع.

وشرط الشافعية في عدم إفطاره شروطاً :

الأول : أن يكون الريق صرفاً‌ ، فلو كان ممزوجاً بغيره متغيّراً به ، فإنّه يفطر بابتلاعه ، سواء كان ذلك الغير طاهراً ، كما لو كان يفتل خيطاً مصبوغاً فغيّر ريقه ، أو نجساً ، كما لو دميت لثته وتغيّر ريقه.

فلو ابيضّ الريق وزال تغيّره ، ففي الإِفطار بابتلاعه للشافعية وجهان : أظهرهما عندهم : الإِفطار ؛ لأنّه لا يجوز له ابتلاعه لنجاسته ، والريق إنّما يجوز ابتلاع الطاهر منه.

والثاني : عدم الإِفطار ، لأنّ ابتلاع الريق مباح ، وليس فيه عين(٥) آخر وإن كان نجساً حكماً.

وعلى هذا لو تناول بالليل شيئاً نجساً ولم يغسل فمه حتى أصبح فابتلع الريق ، بطل صومه على الأول.

الثاني : أن يبتلعه من معدنه‌ ، فلو خرج الى الظاهر من فمه ثم ردّه بلسانه‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٣٨٩ ، المجموع ٦ : ٣١٧.

(٢) المغني ٣ : ٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٣.

(٣) الأنبياء : ٣٠ ، وانظر : فتح العزيز ٦ : ٣٨٩.

(٤) المغني ٣ : ٤٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٣.

(٥) في الطبعة الحجرية بدل عين : شي‌ء.

٦٥

أو غير لسانه وابتلعه ، بطل صومه. وهذا عندنا كما ذكروا.

أمّا لو أخرج لسانه وعليه الريق ثم ردّه وابتلع ما عليه ، لم يبطل صومه عندنا - وهو أظهر وجهي الشافعية - لأنّ اللسان كيف ما يقلب معدود من داخل الفم ، فلم يفارق ما عليه معدنه.

فلو بلّ الخيّاط الخيط بالريق ، أو الغزّال بريقه ، ثم ردّه إلى الفم على ما يعتاد عند القتل ، فإن لم يكن عليه رطوبة تنفصل ، فلا بأس ، وإن كانت وابتلعها ، أفطر عندنا - وهو قول أكثر الشافعية - لأنّه لا ضرورة اليه وقد ابتلعه بعد مفارقة المعدن.

والثاني للشافعية : أنّه لا يفطر ؛ لأنّ ذلك القدر أقلّ ممّا يبقى من الماء في الفم بعد المضمضة.

وخصّص بعض الشافعية ، الوجهين بالجاهل بعدم الجواز ، وإذا كان عالماً يبطل صومه إجماعاً.

الثالث : أن يبتلعه وهو على هيئته المعتادة‌ ، أمّا لو جمعه ثم ابتلعه فعندنا لا يفطر ، كما لو لم يجمعه.

وللشافعية وجهان : أحدهما : أنّه يبطل صومه ؛ لإِمكان الاحتراز منه.

وأصحّهما : أنّه لا يبطل - وبه قال أبو حنيفة - لأنّه ممّا يجوز ابتلاعه ولم يخرج من معدنه ، فأشبه ما لو ابتلعه متفرّقاً(١) .

فروع :

أ - قد بيّنا أنّه لا يجوز له ابتلاع ريق غيره ولا ريق نفسه إذا انفصل عن فمه.

وما روي عن عائشة : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمصّ لسانها وهو‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٣٨٩ - ٣٩١ ، المجموع ٦ : ٣١٧ - ٣١٨ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٩٠.

٦٦

صائم(١) ، ضعيف ؛ لأنّ أبا داود قال : إنّ إسناده ليس بصحيح(٢) .

سلّمنا ، لكن يجوز أن يمصّه بعد إزالة الرطوبة عنه ، فأشبه ما لو تمضمض بماء ثم مجّه.

ب - لو ترك في فمه حصاة وشبهها وأخرجها وعليه بلّة من الريق كغيره ثم أعادها وابتلع الريق ، أفطر.

وإن كان قليلاً فإشكال ينشأ : من أنّه لا يزيد على رطوبة المضمضة ، ومن أنّه ابتلع ريقاً منفصلاً عن فمه فأفطر به كالكثير.

ج - قد بيّنا كراهة العلك ؛ لما فيه من جمع الريق في الفم وابتلاعه ، فتقلّ مشقّة الصوم ، فيقصر الثواب. ولا فرق بين أن يكون له طعم أم لا.

ولو كان مفتّتاً فوصل منه شي‌ء إلى الجوف ، بطل صومه ، كما لو وضع سكرة في فمه وابتلع الريق بعد ما ذابت فيه.

د - لو ابتلع دماً خرج من سنّه أو لثته ، أفطر ، بخلاف الريق.

ه- النخامة إذا لم تحصل في حدّ الظاهر من الفم ، جاز ابتلاعها.

وإن حصلت فيه بعد انصبابها من الدماغ في الثقبة النافذة منه إلى أقصى الفم فوق الحلقوم ، فإن لم يقدر على صرفه ومجّه حتى نزل الى الجوف ، لم يفطر ، وإن ردّه الى فضاء الفم أو ارتدّ اليه ثم ابتلعه ، أفطر عند الشافعية(٣) .

وإن قدر على قطعه من مجراه ومجّه ، فتركه حتى جرى بنفسه ، لم يفطر. وللشافعية وجهان(٤) .

و - لو تنخّع(٥) من جوفه ثم ازدرده ، فالأقرب : عدم الإِفطار ؛ لأنّه معتاد في الفم غير واصل من خارج ، فأشبه(٦) الريق.

____________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٣١١ - ٣١٢ / ٢٣٨٦ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٣٤.

(٢) حكاه ابنا قدامة في المغني ٣ : ٤١ ، والشرح الكبير ٣ : ٧٤.

(٣ و ٤ ) فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، المجموع ٦ : ٣١٩.

(٥) النخاعة : النخامة. الصحاح ٣ : ١٢٨٨.

(٦) في هامش « ن » : بخطّه [ أي المصنّف ] : أشبه.

٦٧

وقال الشافعي : إنّه يفطر ؛ لأنّه يمكنه(١) التحرّز منه ، فأشبه الدم ، ولأنّها من غير الفم فأشبه(٢) القي‌ء(٣) . وعن احمد روايتان(٤) .

مسألة ٣٥ : لا يفطر بالمضمضة والاستنشاق مع التحفّظ إجماعاً‌ ، سواء كان في الطهارة أو غيرها.

ولأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال للسائل عن القُبلة : ( أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته أكنت مفطراً؟)(٥) .

ولأنّ الفم في حكم الظاهر ، فلا يبطل الصوم بالواصل اليه كالأنف والعين.

أمّا لو تمضمض للصلاة ، فسبق الماء الى جوفه ، أو استنشق ، فسبق الى دماغه من غير قصد ، لم يفطر عند علمائنا(٦) - وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق والشافعي في أحد القولين ، وهو مروي عن ابن عباس(٧) - لأنّه وصل الماء الى جوفه من غير قصد ولا إسراف ، فأشبه ما لو طارت الذبابة فدخلت حلقه.

ولأنّه وصل بغير اختياره ، فلا يفطر به كالغبار.

وللشافعية طريقان : أصحّهما عندهم : أنّ المسألة على قولين ، أحدهما : أنّه يفطر - وبه قال مالك وأبو حنيفة(٨) - لأنّه وصل الماء الى جوفه‌

____________________

(١) في « ن ، ف » : أمكنه.

(٢) في « ن ، ط » : أشبه.

(٣) المغني ٣ : ٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٤.

(٤) المغني ٣ : ٤١ ، الشرح الكبير ٣ : ٧٤ - ٧٥.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٣١١ / ٢٣٨٥ ، سنن الدارمي ٢ : ١٣ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٦١ ، المصنّف - لابن أبي شيبة - ٣ : ٦١ ، المستدرك - للحاكم - ١ : ٤٣١ بتفاوت.

(٦) في « ف » : عندنا.

(٧) المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ - ٥١ ، المجموع ٦ : ٣٢٦ و ٣٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣.

(٨) المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥١ ، المجموع ٦ : ٣٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، =

٦٨

بفعله ، فإنّه الذي أدخل الماء في فمه وأنفه. والثاني - وبه قال أحمد(١) - أنّه لا يفطر.

والثاني : القطع بأنّه لا يفطر.

وعلى القول بطريقة القولين ، فما محلّهما؟ فيه ثلاث طرق ، أصحّها عندهم : أنّ القولين فيما إذا لم يبالغ في المضمضة والاستنشاق ، فأمّا إذا بالغ أفطر بلا خلاف.

وثانيها : أنّ القولين فيما إذا بالغ ، أمّا إذا لم يبالغ فلا يفطر بلا خلاف.

والفرق على الطريقين : أنّ المبالغة منهي عنها ، وأصل المضمضة والاستنشاق مرغّب فيه ، فلا يحسن مؤاخذته بما يتولّد منه بغير اختياره.

والثالث : طرد القولين في الحالتين ، فإذا تميّزت حالة المبالغة عن حالة الاقتصار على أصل المضمضة والاستنشاق ، حصل عند المبالغة للشافعي قولان مرتّبان ، لكن ظاهر مذهبهم عند المبالغة الإِفطار ، وعند عدمها الصحّة(٢) .

هذا إذا كان ذاكراً للصوم ، أمّا إذا كان ناسياً فإنّه لا يفطر بحال.

وسبق الماء عند غسل الفم من النجاسة كسبقه في المضمضة ، وكذا عند غسله من أكل الطعام.

ولو تمضمض للتبرّد ، فدخل الماء حلقه من غير قصد ، أفطر ، لأنّه غير مأمور به.

مسألة ٣٦ : قد بيّنا أنّ الأكل والشرب ناسياً غير مفطر عند علمائنا(٣) ‌سواء قلّ أكله أو كثر.

____________________

= المدونة الكبرى ١ : ٢٠٠ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٥٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ٩١‌.

(١) المغني ٣ : ٤٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٠ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ ، المجموع ٦ : ٣٢٧.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٣٩٣ - ٣٩٤.

(٣) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : عندنا. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

٦٩

وقال مالك : إنّه يفطر(١) . وللشافعي فيما إذا كثر أكله ناسياً قولان(٢) .

ولو أكل جاهلاً ، أفسد صومه.

وقال الشافعي : إن كان قريب العهد بالإِسلام ، أو كان قد نشأ في بادية ، وكان يجهل مثل ذلك ، لم يبطل صومه ، وإلّا بطلِ(٣) .

ولو جامع ناسياً للصوم ، لم يفطر عندنا. وللشافعية طريقان ، أصحّهما : القطع بأنّه لا يبطل. والثاني : أنّه يخرّج على قولين(٤) .

مسألة ٣٧ : إذا أجنب الصائم ليلاً في رمضان أو المعيّن ثم نام‌ ، فإن كان على عزم ترك الاغتسال واستمرّ به النوم الى أن أصبح ، وجب عليه القضاء والكفّارة.

وإن نام على عزم الاغتسال ثم استيقظ ثانياً ثم نام ثالثاً بعد انتباهتين ، وجب القضاء والكفّارة أيضاً.

وإن نام من أول مرة عازماً على الاغتسال فطلع الفجر ، لم يكن عليه شي‌ء.

وإن نام ثانياً ، واستمرّ به النوم على عزم الاغتسال حتى طلع الفجر ، وجب عليه القضاء خاصة ، لأنّ ابن أبي يعفور سأل الصادقعليه‌السلام : الرجل يجنب في رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح ، قال : « يتمّ يومه(٥) ويقضي يوماً آخر ، فإن لم يستيقظ حتى يُصبح أتمّ يومه وجاز له »(٦) .

ولأنّه فرّط في الاغتسال ، فوجب عليه القضاء ، ولا تجب الكفّارة ؛ لأنّ المنع من النومة الاُولى تضييق على المكلّف.

مسألة ٣٨ : لو ظنّ بقاء الليل ، فأكل أو شرب أو جامع‌ ، وبالجملة‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٥٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٧ ، المجموع ٦ : ٣٢٤ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠١.

(٤-٢) فتح العزيز ٦ : ٤٠١ ، المجموع ٦ : ٣٢٤.

(٥) في التهذيب والفقيه والطبعة الحجرية : صومه.

(٦) الاستبصار ٢ : ٨٦ / ٢٦٩ ، التهذيب ٤ : ٢١١ / ٦١٢ ، والفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٣.

٧٠

فَعَل الـمُفطرَ ، ثم ظهر له أنّ فعله صادف النهار ، وأنّ الفجر قد كان طالعاً ، فإن كان قد رصد الفجر وراعاه فلم يتبيّنه ، أتمّ صومه ، ولا شي‌ء عليه.

وإن لم يرصد الفجر مع القدرة على المراعاة ثم تبيّن أنّه كان طالعاً ، وجب عليه إتمام الصوم والقضاء خاصة ، ولا كفّارة عليه ؛ لأنّه مُفرِّط بترك المراعاة ، فوجب القضاء ؛ لإِفساده الصوم بفعل الـمُفطر ، ولا كفّارة ؛ لعدم الإِثم ، وأصالة البقاء.

وأمّا مع المراعاة : فلأنّ الأصل بقاء الليل ، وقد اعتضد بالمراعاة ، فكان التناول جائزاً له مطلقاً ، فلا فساد حينئذٍ ، وجرى مجرى الساهي.

وسُئل الصادقعليه‌السلام ، عن رجل تسحّر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبيّن ، فقال : « يتمّ صومه ذلك ثم ليقضه »(١) .

وإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر.

والعامّة لم يفصّلوا ، بل قال الشافعي : لا كفّارة عليه مطلقاً ، سواء رصد أو لم يرصد مع ظنّ الليل ، وعليه القضاء ، وهو قول عامة الفقهاء(٢) ، إلّا إسحاق به راهويه وداود ؛ فإنّهما قالا : لا يجب عليه القضاء(٣) . وهو مذهب الحسن ومجاهد وعطاء وعروة(٤) .

وقال أحمد : إذا جامع بظنّ أنّ الفجر لم يطلع ويبيّن أنّه كان طالعاً ، وجب عليه القضاء والكفّارة مطلقاً(٥) . ولم يعتبر المراعاة.

واحتجّ مُوجبو القضاء مطلقاً : بأنّه أكل مختاراً ، ذاكراً للصوم فأفطر ، كما لو أكل يوم الشك ، ولأنّه جهل وقت الصيام ، فلم يعذر به ، كالجهل بأول رمضان.

____________________

(١) الكافي ٤ : ٩٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٦٩ / ٨١٢ ، الاستبصار ٢ : ١١٦ / ٣٧٩.

(٤-٢) المجموع ٦ : ٣٠٦ و ٣٠٩ ، المغني ٣ : ٧٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٣.

(٥) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧.

٧١

واحتجّ الآخرون : بما رواه زيد بن وهب ، قال : كنت جالساً في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في رمضان في زمن عمر ، فاُتينا بعِساسٍ(١) فيها شراب من بيت حفصة ، فشربنا ونحن نرى أنّه من الليل ، ثم انكشف السحاب ، فإذا الشمس طالعة ، قال : فجعل الناس يقولون : نقضي يوماً مكانه ، فقال عمر : والله لا نقضيه ، ما تجانَفْنا(٢) لإِثم(٣) .

والجواب : المنع من الأكل في رمضان عالماً مع المراعاة. وقول عمر ليس حجّةً.

واحتجّ أحمد : بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمر المجامع بالتكفير من غير تفصيل(٤) .

والأمر إنّما كان للهتك ؛ لأنّ الأعرابي شكى كثرة الذنب وشدّة المؤاخذة ، وذلك إنّما يكون مع قصد الإِفطار.

مسألة ٣٩ : لو أخبره غيره بأنّ الفجر لم يطلع‌ ، فقلَّده وترك المراعاة مع قدرته عليها ، ثم فعل المفطر وكان الفجر طالعاً ، وجب عليه القضاء خاصة ؛ لأنّه مفرّط بترك المراعاة ، فأفسد صومه ، ووجب القضاء ، والكفّارة ساقطة عنه ؛ لأنّه بناء على أصالة بقاء الليل وعلى صدق الـمُخبر الذي هو الأصل في المسلم.

وسأل معاوية بن عمّار ، الصادقعليه‌السلام : آمُر الجارية أن تنظر طلعِ الفجر أم لا ، فتقول : لم يطلع ، فآكل ثم أنظر(٥) فأجده قد طلعِ حين نَظَرَتْ ، قال : « تتمّ يومك(٦) وتقضيه ، أمّا انّك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك‌

____________________

(١) العُسُّ : القدح الكبير. وجمعه عِساس وأعساس. النهاية - لابن الأثير - ٣ : ٢٣٦.

(٢) الجَنَفُ : الـمَيل. لسان العرب ٩ : ٣٢.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ٢١٧ وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٧٦ - ٧٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٣.

(٤) المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧.

(٥) في الكافي و « ف » : أنظره.

(٦) في النسخ المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : يومه. وما أثبتناه من الكافي =

٧٢

قضاؤه »(١) .

ولو أخبره غيره بطلوع الفجر فظنّ كذبه ، فتناول الـمُفطرَ وكان الفجر طالعاً ، وجب القضاء ؛ للتفريط بترك المراعاة مع القدرة ، ولا كفّارة عليه ؛ لعدم الإِثم ؛ لأصالة بقاء الليل.

وسأل عيص بن القاسم ، الصادقعليه‌السلام ، عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحّرون في بيت ، فنظر الى الفجر فناداهم ، فكفّ بعضهم ، وظنّ بعضهم أنّه يسخر فأكل ، قال : « يتمّ صومه ويقضي »(٢) .

ولا فرق بين أن يكون المخبر عدلاً أو فاسقاً ؛ للإِطلاق.

ولو أخبره عدلان بطلوع الفجر فلم يكفّ ، ثم ظهر أنّه كان طالعا ، فالأقرب : وجوب القضاء والكفّارة ؛ لأنّ قولهما معتبر في نظر الشرع ، يجب العمل به ، فتترتّب عليه توابعه.

مسألة ٤٠ : لو أفطر لظلمة عرضت توهّم منها دخول الليل ثم ظهر مصادفته للنهار ، وجب القضاء خاصة‌ ؛ لتفريطه حين بنى على وهمه.

ولو ظنّ دخول الليل لظلمة عرضت إمّا لغيم أو غيره ، فأفطر ثم تبيّن فساد ظنّه ، أتمّ صومه ، ووجب عليه القضاء عند أكثر علمائنا(٣) - وهو قول العامة(٤) - لأنّه تناول ما يفسد الصوم عامداً ، فوجب عليه القضاء ، ولا كفّارة ؛ لحصول الشبهة.

ولما رواه العامة عن حنظلة ، قال : كنّا في شهر رمضان وفي السماء سحاب ، فظننّا أنّ الشمس غابت ، فأفطر بعضنا ، فأمر عمر مَن كان أفطر أن‌

____________________

= و التهذيب.

(١) الكافي ٤ : ٩٧ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٦٩ / ٨١٣ ، ونحوه في الفقيه ٢ : ٨٣ / ٣٦٨‌

(٢) الكافي ٤ : ٩٧ / ٤ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ / ٨١٤ ، والفقيه ٢ : ٨٣ / ٣٦٧.

(٣) كالشيخ المفيد في المقنعة : ٥٧ ، وأبي الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣.

(٤) كما في المعتبر : ٣٠٧.

٧٣

يصوم مكانه(١) .

ومن طريق الخاصة : ما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام ، في قوم صاموا شهر رمضان ، فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس ، فرأوا أنّه الليل ، فقال : « على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول :( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) (٢) فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه ، لأنّه أكل متعمّداً »(٣) .

وللشيخ - قول آخر : إنّه يمسك ولا قضاء عليه(٤) ؛ لأنّ أبا الصباح الكناني سأل الصادقعليه‌السلام ، عن رجل صام ثم ظنّ أنّ الشمس قد غابت وفي السماء علّة فأفطر ، ثم إنّ السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ، فقال : « قد تمّ صومه ولا يقضيه »(٥) .

والحديث ضعيف السند ؛ لأنّ فيه محمد بن الفضيل وهو ضعيف.

واعلم : أنّه فرقٌ بين بقاء الليل ودخوله ؛ فإنّ الأول اعتضد بأصالة البقاء ، والثاني اعتضد بضدّه ، وهو : أصالة عدم الدخول ، مع أنّه متمكّن من الصبر الى أن يحصل اليقين.

واعلم : أنّ المزني نقل عن الشافعي : أنّه لو أكل على ظنّ أنّ الصبح لم يطلع بعدُ ، أو أنّ الشمس قد غربت وكان غالطاً فيه ، لا يجزئه صومه ، ووافقه أصحابه على روايته في الصورة الثانية.

وأنكر بعضهم الاُولى ، وقال : لا يوجد ذلك في كتب الشافعي ، ومَذهَبُه أنّه لا يبطل الصوم إذا ظنّ أنّ الصبح لم يطلع بعدُ ؛ لأصالة بقاء الليل ،

____________________

(١) أورده المحقّق في المعتبر : ٣٠٧ ونحوه في سنن البيهقي ٤ : ٢١٧.

(٢) البقرة : ١٨٧.

(٣) الكافي ٤ : ١٠٠ ( باب من ظنّ أنّه ليل فأفطر قبل الليل ) الحديث ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ / ٨١٥ ، الاستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٧.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٧٠ ذيل الحديث ٨١٥ ، والاستبصار ٢ : ١١٦.

(٥) الاستبصار ٢ : ١١٥ / ٣٧٤ ، التهذيب ٤ : ٢٧٠ - ٢٧١ / ٨١٦ ، والفقيه ٢ : ٧٥ / ٣٢٦.

٧٤

بخلاف آخر النهار ؛ فإنّ الأصل بقاء النهار ، فالغلط في الاُولى معذور ، دون الثانية.

ومنهم مَن صحّح الروايتين ، وقال : لعلّه نقله سماعاً ؛ لأنّه تحقّق خلاف ظنّه ، واليقين مقدّم على الظنّ ، ولا يبعد استواء حكم الغلط في دخول الوقت وخروجه ، كما في الجمعة(١) .

إذا عرفت هذا ، فالأحوط للصائم الإِمساك عن الإِفطار حتى يتيقّن الغروب ؛ لأصالة بقاء النهار ، فيستصحب الى أن يتيقّن خلافه.

ولو اجتهد وغلب على ظنّه دخول الليل ، فالأقرب : جواز الأكل.

وللشافعية وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : لا يجوز ؛ لقدرته على تحصيل اليقين(٢) .

وأمّا في أول النهار فيجوز الأكل بالظنّ والاجتهاد ؛ لأصالة بقاء الليل.

ولو أكل من غير يقين ولا اجتهاد ، فإنّ تبيّن له الخطأ ، فالحكم ما تقدّم ، وإن تبيّن الصواب ، فقد استمرّ الصوم على الصحّة.

لا يقال : مقتضى الدليل عدم صحّة الصوم ، كما لو صلّى في الوقت مع الشك في دخوله ، وكما لو شكّ في القبلة من غير اجتهاد ، وتبيّن له الصواب ، لا تصحّ صلاته.

لأنّا نقول : الفرق : أنّ ابتداء العبادة وقع في حال الشك فمنع الانعقاد ، وهنا انعقدت العبادة على الصحّة وشك في أنّه هل أتى بما يفسدها ثم تبيّن عدمه.

ولو استمرّ الإِشكال ، ولم يتبيّن الخطأ من الصواب ، فالأقرب : وجوب القضاء لو أفطر آخر النهار ؛ لأصالة البقاء ، ولم يبن الأكل على أمر يعارضه.

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٠١.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٤٠٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٦.

٧٥

وإن اتّفق في أوله ، فلا قضاء ؛ لأصالة بقاء الليل.

ونقل عن مالك : وجوب القضاء في هذه الصورة أيضاً ؛ لأصالة بقاء الصوم في ذمته ، فلا يسقط بالشك(١) .

والأقوى ما قلناه من جواز الأكل حتى يتبيّن الطلوع أو يظنّه - وبه قال ابن عباس وعطاء والأوزاعي والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي(٢) - لقوله تعالى :( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ) (٣) .

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقول : ( فكلوا واشربوا حتى يؤذّن ابن اُمّ مكتوم )(٤) وكان أعمى لا يؤذّن حتى يقال له : أصبحت.

والسقوط إنّما هو بعد الثبوت ، والصوم مختص بالنهار.

مسألة ٤١ : القي‌ء عامداً يوجب القضاء خاصة‌ عند أكثر علمائنا(٥) وأكثر العامة(٦) ؛ لما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( مَن ذرعه القي‌ء وهو صائم فليس عليه قضاء ، وإن استقاء فليقض)(٧) .

ومن طريق الخاصة : قول الصادقعليه‌السلام : « إذا تقيّأ الصائم فقد‌

____________________

(١) فتح العزيز ٦ : ٤٠٢ - ٤٠٣ ، المجموع ٦ : ٣٠٦ ، والكافي في فقه أهل المدينة : ١٣٠ ، المغني ٣ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢.

(٢) المغني ٣ : ٧٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٢٩ - ١٣٠ ، تحفة الفقهاء ١ : ٣٦٥ - ٣٦٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٠٥.

(٣) البقرة : ١٨٧.

(٤) صحيح البخاري ٣ : ٣٧ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٦٨ - ٣٨.

(٥) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ١٥٥ ، والمبسوط ١ : ٢٧١ - ٢٧٢ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ١٨٣ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذب ١ : ١٩٢ ، والمحقق الحلّي في شرائع الإِسلام ١ : ١٩٢ ، والمعتبر : ٣٠٨.

(٦) المغني ٣ : ٥٤ ، المجموع ٦ : ٣١٩ - ٣٢٠.

(٧) سنن أبي داود ٢ : ٣١٠ / ٢٣٨٠ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١٩.

٧٦

أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتمّ صومه »(١) .

وقال أبو ثور : لو تعمّد القي‌ء وجب القضاء والكفّارة(٢) ؛ لأنّه سلوك في مجرى الطعام ، فكان موجباً للقضاء والكفّارة كالأكل.

وهو معارض بالروايات وأصالة البراءة.

ولو ذرعه القي‌ء ، فلا قضاء عليه ولا كفّارة بإجماع علمائنا - وهو قول كلّ من يحفظ عنه العلم(٣) - لأنّه فعل حصل بغير اختياره. وللروايات(٤) .

وروي عن الحسن البصري : وجوب القضاء خاصة(٥) . وهو خارق للإِجماع.

مسألة ٤٢ : إذا طلع الفجر وهو مُجامعٌ فاستدام الجماع ، وجب عليه القضاء والكفّارة عند علمائنا‌ - وبه قال مالك والشافعي وأحمد(٦) - لأنّه ترك صوم رمضان بجماع أثم به ؛ لحرمة الصوم ، فوجبت به الكفّارة ، كما لو وطأ بعد طلوع الفجر.

وقال أبو حنيفة : يجب عليه القضاء دون الكفّارة ؛ لأنّ وطأه لم يصادف صوماً صحيحاً ، فلم يوجب الكفّارة ، كما لو ترك النيّة وجامع(٧) .

والأصل ممنوع ، مع أنّ تركه للصوم لترك النية ، لا للجماع.

فأمّا لو نزع في الحال فأقسامه ثلاثة :

____________________

(١) الكافي ٤ : ١٠٨ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٦٤ / ٧٩١.

(٢) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، معالم السنن - للخطابي - ٣ : ٢٦١.

(٣) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، المغني ٣ : ٥٤.

(٤) الكافي ٤ : ١٠٨ / ١ - ٣ ، التهذيب ٤ : ٢٦٤ / ٧٩٠ و ٧٩١.

(٥) المجموع ٦ : ٣٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٦.

(٦) المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٩١ - ١٩٢ ، المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣٣٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٩١ ، المغني ٣ : ٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٦ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠٢.

٧٧

الأول : أن يحسّ وهو مُجامعٌ بعلامات الصبح ، فينزع بحيث يوافق آخر النزع ابتداء الطلوع.

الثاني : أن يطلع الصبح وهو مُجامعٌ ويعلم بالطلوع كما طلع ، وينزع كما علم.

الثالث : أن يمضي زمان بعد الطلوع ثم يعلم به ، ففي الثالثة الصوم باطل - وبه قال الشافعي(١) - وإن نزع كما علم ؛ لأنّ بعض النهار قد مضى وهو مشغول بالجماع.

والوجه : أنّه إن تمكّن من المراعاة ولم يُراع وصادف الجماعُ النهارَ ، وجب عليه القضاء.

وعلى القول الصحيح للشافعية : أنّه لو مكث في هذه الصورة ، فلا كفّارة عليه ، لأنّ مكثه مسبوق ببطلان الصوم(٢) .

وأمّا الصورتان الأُوليان ، فعندنا أنّه إن كان قد راعى ولم يفرط بترك المراعاة ، لا قضاء عليه ، وإلّا وجب القضاء.

وعند الشافعي يصحّ صومه مطلقاً(٣) ، ولم يعتبر المراعاة.

وله قول آخر : إنّ الصورة الاُولى يصحّ صومه فيها(٤) ؛ لأنّ آخر النزع وافق ابتداءَ الطلوع ، فلم يحصل النزع في النهار.

وهذا عندنا باطل ؛ لأنّا نوجب الطهارة في ابتداء الصوم.

وأمّا إذا طلع ثم نزع ، فسد صومه عندنا وعند الشافعي(٥) ؛ لأنّ الإِخراج يستلزم التلذّذ ، فيكون مُجامعاً.

وقال مالك وأحمد : لا يفسد صومه ؛ لأنّ النزع ترك الجماع ، فلا يتعلّق به ما يتعلّق بالجماع ، كما لو حلف أن لا يلبس ثوباً هو لابسه فنزعه في الحال ، لا يحنث(٦) .

____________________

(٥-١) المجموع ٦ : ٣٠٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٣.

(٦) فتح العزيز ٦ : ٤٠٣ - ٤٠٤.

٧٨

وهو فاسد عندنا ؛ لما قدّمناه من وجوب الطهارة.

ولو طلع الفجر وعلم به كما طلع ، ومكث فلم ينزع ، فسد صومه ، وبه قال الشافعي(١) .

وتجب عليه الكفّارة عندنا ، خلافاً للشافعي في أحد القولين(٢) .

( وذكر فيما )(٣) إذا قال لامرأته : إن وطأتكِ فأنتِ طالق ثلاثاً ، فغيَّب الحشفة ، وطلّقت ، ومكث : أنّه لا يجب المهر(٤) .

واختلف أصحابه على طريقين : أحدهما : أنّ فيهما قولين نقلاً وتخريجاً ، أحدهما : وجوب الكفّارة هنا والمهر ثَمَّ ، كما لو نزع وأولج ثانياً.

والثاني : لا يجب واحد منهما ، لأنّ ابتداء الفعل كان مباحاً.

وأصحّهما : القطع بوجوب الكفّارة ونفي المهر.

والفرق : أنّ ابتداء الفعل لم يتعلّق به الكفّارة ، فتتعلّق بانتهائه حتى لا يخلو الجماع في نهار رمضان عمداً عن الكفّارة ، والوطء ثَمَّ غير خالٍ عن المقابلة بالمهر ؛ لأنّ المهر في النكاح يقابل جميع الوطآت(٥) .

وقال أبو حنيفة : لا تجب الكفّارة بالمكث(٦) . واختاره المزني من الشافعية(٧) .

ووافقنا مالك وأحمد على الوجوب(٨) .

والخلاف جارٍ فيما إذا جامع ناسياً ثمّ تذكّر الصوم واستدام.

____________________

(١و٢) المجموع ٦ : ٣٠٩ و ٣٣٨ ، فتح العزيز ٦ : ٤٠٤.

(٣) في النسخ الخطية الثلاث « ط ، ف ، ن » والطبعة الحجرية : وذكرهما. والصحيح ما أثبتناه.

(٤و٥) فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ ، المجموع ٦ : ٣٣٩.

(٨-٦) فتح العزيز ٦ : ٤٠٤.

٧٩

تنبيهٌ:

قيل : كيف يعرف طلوع الفجر المجامع(١) وشبهه؟ فإنّه متى عرف الطلوع كان الطلوع الحقيقي متقدّماً عليه.

اُجيب بأمرين :

أحدهما : أنّ المسألة موضوعة على التقدير ، كما هو عادة الفقهاء في أمثالها.

والثاني : إنّا تعبّدنا بما نطّلع عليه ، ولا معنى للصبح إلّا ظهور الضوء للناظر ، وما قبله لا حكم له.

فإذا كان الشخص عارفاً بالأوقات ومنازل القمر ، وكان بحيث لا حائل بينه وبين مطلع الفجر ورصد ، فمتى أدرك فهو أول الصبح الذي اعتبره الشارع(٢) ، وقد نبّه الله تعالى عليه بقوله( حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ) (٣) .

مسألة ٤٣ : قد بيّنا أنّ ماء مضمضة الصلاة والاستنشاق لها‌ لو سبق إلى الحلق من غير قصد ، لم يفسد صومه ، ولا كفّارة فيه - ولو كان للتبرّد أو العبث ، وجب عليه القضاء خاصة عند علمائنا - لأنّه في الصلاة فعل مشروعاً ، فلا تترتّب عليه عقوبة ؛ لعدم التفريط شرعا ، وفي التبرّد والعبث فرَّط بتعريض الصوم للإِفساد بإيجاد ضدّه ، وهو : عدم الإِمساك ، فلزمه العقوبة ؛ للتفريط.

ولا كفّارة عليه ؛ لأنّ سماعة سأله عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش ، فدخل حلقه ، قال : « عليه قضاؤه ، وإن كان في وضوئه فلا‌

____________________

(١) في النسخ الخطية الثلاث « ط ، ف ، ن » : للمجامع. وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

(٢) تعرض للسؤال والجواب ، الرافعي في فتح العزيز ٦ : ٤٠٤ - ٤٠٥ ، والنووي في المجموع ٦ : ٣٠٩.

(٣) البقرة : ١٨٧.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

أي تأخير سيكون معناه: أن يخرج أشتات من الناس إلى بلادهم، ولا يتمكن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، من إيصال ما يريد إيصاله إليهم..

أما حين يخرج (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) معهم، فمن الطبيعي أن يتقيدوا في مسيرهم بمسيره (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، والكون في ركابه، إما حياءً، أو طلباً لليسر والأمن، والبركة، والكون إلى جانبه أكبر قدر ممكن من الوقت، والفوز بسماع توجيهاته.

هذا.. وقد قطع (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) المسافة ما بين مكة والجحفة، حيث غدير خم ـ وهي عشرات الأميال ـ في أربعة أيام فقط، مع أنه كان يسير في جمع عظيم تبطئ كثرته حركته..

الصحابة يعاقبون النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

ثم إن ما جرى في منى وعرفات قد أوضح لقريش، ومن تابعها: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مصرٌّ على تنصيب علي (عليه‌السلام ) إماماً وخليفة من بعده.. فضاقت بذلك صدورهم، وأجمعوا أمرهم على مقاطعته ولم يعودوا يطيقون حضور مجلسه، فاعتزلوه وخلا مجلسه منهم.. وابتعدوا عنه.. مع أنهم كانوا دائمي الدخول عليه عادة، وظهر ما أبطنوه على حركاتهم، وفي وجوههم، وعلى تصرفاتهم، وصاروا يعاملونه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بصورة بعيدة حتى عن روح المجاملة الظاهرية.

فواجههم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بهذه الحقيقة، وصارحهم بها، في تلك اللحظات بالذات. ويتضح ذلك من النص التالي:

عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نزل بخم

١٢١

فتنحى الناس عنه، ونزل معه علي بن أبي طالب، فشق على النبي تأخر الناس، فأمر علياً، فجمعهم، فلما اجتمعوا قام فيهم متوسداً (يد) علي بن أبي طالب، فحمد الله، وأثنى عليه.. ثم قال:

(أيها الناس، إنه قد كَرِهْتُ تخلفكم عني، حتى خُيِّلَ إلي: أنه ليس شجرة أبغض إليكم من شجرة تليني)(١) .

وروى ابن حبان بسند صحيح على شرط البخاري ـ كما رواه آخرون بأسانيد بعضها صحيح أيضاً:

أنه حين رجوع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من مكة، حتى إذا بلغ

____________

١- راجع: تاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٢٢٦ و ٢٢٧ ومناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص٢٥ والعمدة لابن البطريق ص١٠٧ وإقبال الأعمال ج٢ ص٢٤٨ والطرائف لابن طاووس ص١٤٥ مجمع البيان ج٣ ص٢٢٣ وتفسير العياشي ج١ ص٣٣١ وتفسير البرهان ج١ ص٤٨٩ وشواهد التنزيل ج١ ص١٩٢ وكتاب الأربعين للشيرازي ص١١٥ ومكاتيب الرسول ج١ ص٥٩٧ وكتاب الأربعين للماحوزي ص١٤٣ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١٣٣ و١٣٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٥ ص٨٩ وج٦ ص٢٥٣ وج٣٠ ص٤٠٨ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٣٨ و ٢٣١ ج٩ ص١٦٩ وكشف المهم في طريق خبر غدير خم ص٧٥ و ١١٥ والغدير ج١ ص٢٢ و٢١٩ و٢٢٣ و٣٢٧ عنه، وعن الثعلبي في تفسيره، كما في ضياء العالمين، وعن مجمع البيان وعن روح المعاني ج٢ ص٣٤٨.

١٢٢

الكديد أو (قدير)، جعل ناس من أصحابه يستأذنون، فجعل (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يأذن لهم.

فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (ما بال شق الشجرة التي تلي رسول الله أبغض إليكم من الشق الآخر)؟!.

قال: فلم نر من القوم إلا باكياً.

وهو بكاء لا يعبر عن الحقيقة، فإن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هو الصادق المصدق. إذ لا معنى لهذا البكاء، بعد ما سبقه ذلك الجفاء، الذي بلغ في الظهور حداً دعا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى مطالبته بالإقلاع عنه.

قال: يقول أبو بكر: (إن الذي يستأذنك بعد هذا لسفيه في نفسي الخ..)(١) .. مع أن المطالب الحقيقي هنا هو أبو بكر بالذات.

____________

١- الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج١ ص٤٤٤ ومسند أحمد ج٤ ص١٦ ومسند الطيالسي ص١٨٢ ومجمع الزوائد ج١ ص٢٠ وج١٠ ص٤٠٨ وقال: رواه الطبراني، والبزار بأسانيد رجال بعضها عند الطبراني والبزار رجال الصحيح، وكشف الأستار عن مسند البزار ج٤ ص٢٠٦ وقال في هامش (الإحسان): إنه في الطبراني برقم: ٤٥٥٦ و ٤٥٥٩ و ٤٥٥٧ و ٤٥٥٨ و ٤٥٦٠. وراجع: بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ص٢١٢ والآحاد والمثاني ج٥ ص٢٤ وصحيح ابن حبان ج١ ص٤٤٤ والمعجم الكبير للطبراني ج٥ ص٥٠ و ٥١ وموارد الظمآن للهيثمي ج١ ص١٠٣ وكنز العـمال ج١٠ = = ص٤٧٧ وتهذيب الكمال للمزي ج٩ ص٢٠٨. وراجع: مسند الحارث ج٣ ص١٠٣ والمسند الجامع ج١٢ ص٢٢١ وحلية الأولياء ج٣ ص٩٣.

١٢٣

١٢٤

الفصل الثالث: حديث الغدير: تاريخ ووقائع..

١٢٥

١٢٦

لا بد من الرجوع لكتاب الصحيح:

إن ما جرى في واقعة الغدير بعد حجة الوداع هام جداً، وحساس، وفيه الكثير من البحوث الهامة التي ذكرنا شطراً منها في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في الجزئين الأخيرين منه، وقد آثرنا أن نأخذ النصوص المرتبطة بالغدير ومصادرها من ذلك الكتاب بالذات، توفيراً للوقت والجهد.. ثم نشير إلى ما نرى ضرورة للإشارة إليه من استدلالات، أو مناقشات، أو استفادات فنقول:

نصوص حديث الغدير:

١ ـ قال الطبرسي: (اشتهرت الروايات عن أبي جعفر، وأبي عبد الله (عليهما‌السلام ): أن الله أوحى إلى نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أن يستخلف علياً (عليه‌السلام )؛ فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه؛ فأنزل الله هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما أمره الله بأدائه..)(١) .

____________

١- مجمع البيان ج٣ ص٢٢٣ و (ط مؤسسة الأعلمي) ص٣٨٣ وسعد السعود للسيد ابن طاووس ص٦٩ وبحار الأنوار ج٣٧ ص٢٥٠ وكتاب الأربعين للماحوزي ص١٥٣ والتبيان ج٣ ص٥٨٨ ومجمع البحرين ج١ ص٢٤٢.

١٢٧

والمراد بـ (هذه الآية) قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ..(١) .

٢ ـ عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أنه لما أُمر بإبلاغ أمر الإمامة قال: (إن قومي قريبوا عهد بالجاهلية، وفيهم تنافس وفخر، وما منهم رجل إلا وقد وتره وليّهم، وإني أخاف، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ....)(٢) .

٣ ـ عن ابن عباس، وجابر الأنصاري، قالا: أمر الله تعالى محمداً (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أن ينصب علياً للناس، فيخبرهم بولايته، فتخوف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يقولوا: حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك فأوحى الله:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ....) (٣) .

____________

١- الآية ٦٧ من سورة المائدة.

٢- شواهد التنزيل ج١ ص١٩١ و (بتحقيق المحمودي) ج١ ص٢٥٤ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج٢ ص٢٦١ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٤ ص٣٩ وراجع: مكاتيب الرسول ج١ ص٥٩٧ وقال في هامشه: راجع البرهان ج٢ ص١٤٦ وكنز الدقائق ج٣ ص١٣٧ و ١٤٠ و ١٥٨ ومجمع البيان ج٣ ص٢٢٣ والدر المنثور ج٢ ص٢٩٨ و ج٣ ص٢٥٩ و ٢٦٠.

٣- الدر المنثور ج٢ ص١٩٣ وص٢٩٨ عن أبي الشيخ، وراجع: البرهان ج٢ ص١٤٦ وكنز الدقائق ج٣ ص١٣٧ و ١٤٠ و ١٥٨ ومجمع البيان ج٣ ص٣٤٤ و (ط مؤسسة الأعلمي) ص٣٨٢ وتفسير الآلوسي ج٦ ص١٩٣ ومكاتيب = = الرسول ج١ ص٥٩٧ وروح المعاني ج٢ ص٣٤٨ وكتاب الأربعين للماحوزي ص١٥٢ وخلاصة عبقات الأنوار ج٨ ص٢٢٧ والغدير ج١ ص٢١٩ و ٢٢٣ و ٣٧٧ وبحار الأنوار ج٣٧ ص٢٥٠.

١٢٨

٤ ـ ويقول نص آخر: إنه لما أمر الله نبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بنصب علي (عليه‌السلام ): (خشي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من قومه، وأهل النفاق، والشقاق: أن يتفرقوا ويرجعوا جاهلية، لِما عرف من عداوتهم، ولِما تنطوي عليه أنفسهم لعلي (عليه‌السلام ) من العدواة والبغضاء، وسأل جبرائيل أن يسأل ربّه العصمة من الناس).

ثم تذكر الرواية:

(أنه انتظر ذلك حتى بلغ مسجد الخيف. فجاءه جبرئيل، فأمره بذلك مرة أخرى، ولم يأته بالعصمة.

ثم جاء مرة أخرى في كراع الغميم ـ موضع بين مكة والمدينة ـ وأمره بذلك، ولكنه لم يأته بالعصمة.

ثم لما بلغ غدير خم جاءه بالعصمة).

فخطب (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الناس، فأخبرهم: (أن جبرئيل هبط إليه ثلاث مرات يأمره عن الله تعالى، بنصب علي (عليه‌السلام ) إماماً ووليّاً للناس)..

إلى أن قال: (وسألت جبرائيل: أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم ـ أيها الناس ـ لعلمي بقلة المتقين، وكثرة المنافقين، وإدغال الآثمين، وختل

١٢٩

المستهزئين بالإسلام، الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم:

( يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) (١) ،( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ ) (٢) ،( وكثرة أذاهم لي في غير مرّة، حتى سمّوني أُذناً، وزعموا: أنّي كذلك لكثرة ملازمته إيّاي، وإقبالي عليه، حتى أنزل الله عز وجل في ذلك قرآناً: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ) (٣) .

إلى أن قال: ولو شئت أن أسميهم بأسمائهم لسميت، وأن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت، وأن أدل عليهم لفعلت. ولكني والله في أمورهم تكرّمت)(٤) .

٥ ـ عن مجاهد، قال: (لما نزلت: بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ... قال: (يا رب، إنما أنا واحد كيف أصنع، يجتمع عليّ الناس؟! فنزلت: وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ..)(٥) .

____________

١- الآية ١١ من سورة الفتح.

٢- الآية ١٥ من سورة النور.

٣- الآية ٦١ من سورة التوبة.

٤- راجع: مناقب علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " لابن المغازلي ص٢٥ والعمدة لابن البطريق ص١٠٧ والإحتجاج ج١ ص٧٣ واليقين ص٣٤٩ وبحار الأنوار ج٣٧ ص٢٠٦ ونور الثقلين ج٢ ص٢٣٦ والغدير ج١ ص٢٢ عنه وعن الثعلبي في تفسيره. وراجع: موسوعة أحاديث أهل البيت "عليهم‌السلام " ج٨ ص٥٣ والصافي (تفسير) ج٢ ص٥٨.

٥- الإحتجاج ج١ ص٦٩ و ٧٠ و ٧٣ و ٧٤ وراجع: روضة الواعظين ص٩٠ و = = ٩٢ والبرهان ج١ ص٤٣٧ ـ ٤٣٨ والغدير ج١ ص٢٢١ وفتح القدير ج٢ ص٦٠ والدر المنثور ج٢ ص٢٩٨ عن عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ. وراجع: مناقب أهل البيت "عليهم‌السلام " للشيرواني ص١٣٠.

١٣٠

٦ ـ قال ابن رستم الطبري: (فلما قضى حجّه، وصار بغدير خم، وذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجة، أمره الله عز وجل بإظهار أمر علي؛ فكأنه أمسك لما عرف من كراهة الناس لذلك، إشفاقاً على الدين، وخوفاً من ارتداد القوم؛ فأنزل الله يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ....)(١) .

٧ ـ وفي حديث مناشدة علي (عليه‌السلام ) للناس بحديث الغدير، أيّام عثمان، شهد ابن أرقم، والبراء بن عازب، وأبو ذر، والمقداد، أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وسلم قال، وهو قائم على المنبر، وعلي (عليه‌السلام ) إلى جنبه:

(أيها الناس، إن الله عز وجل أمرني أن أنصب لكم إمامكم، والقائم فيكم بعدي، ووصيي، وخليفتي، والذي فرض الله عز وجل على المؤمنين في كتابه طاعته، فقرب(٢) بطاعته طاعتي، وأمركم بولايته، وإني راجعت ربّي خشية طعن أهل النفاق، وتكذيبهم، فأوعدني لأبلغها، أو ليعذبني)(٣) .

____________

١- المسترشد في إمامة علي "عليه‌السلام " (ط مؤسسة الثقافة الإسلامية) ص٤٦٥.

٢- لعل الصحيح: فقَرَنَ.

٣- الإحتجاج ج١ ص٢١٤ وإكمال الدين للصدوق ص٢٧٧ والغدير ج١ ص١٦٦ والتحصـين للسيد ابن طـاووس ص٦٣٤ وبحـار الأنـوار ج٣١ ص٤١٢ = = وكتاب الأربعين للماحوزي ص٤٤٢ ومصباح الهداية في إثبات الولاية للسيد علي البهبهاني ص٣٥٤ والمناشدة والإحتجاج بحديث الغدير للشيخ الأميني ص١٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٤ ص٧٩ وج٥ ص٣٦ وج١٣ ص٥٢.

١٣١

وعند سليم بن قيس:

(إن الله عز وجل أرسلني برسالة ضاق بها صدري، وظننت الناس تكذبني، فأوعدني..)(١) .

٨ ـ وعن ابن عباس: لما أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يقوم بعلي بن أبي طالب المقام الذي قام به؛ فانطلق النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى مكة، فقال:

(رأيت الناس حديثي عهد بكفر (بجاهلية) ومتى أفعل هذا به،

____________

١- فرائد السمطين ج١ ص٣١٥ و ٣١٦ والغدير ج١ ص١٦٥ ـ ١٦٦ و ١٩٦ و ٣٧٧ عنه، وإكمال الدين ج١ ص٢٧٧ وراجع البرهان ج١ ص٤٤٥ و ٤٤٤ وبحار الأنوار ج٣١ ص٤١١ وج٣٣ ص١٤٧ وكتاب الولاية لابن عقدة الكوفي ص١٩٨ وينابيع المودة للقندوزي ج١ ص٣٤٧ وكتاب الأربعين للماحوزي ص٤٤١ وجامع أحاديث الشيعة ج١ ص٢٨ وسليم بن قيس ص١٤٩ و (بتحقيق الأنصاري) ص١٩٩ والإحتجاج ج١ ص٢١٣ وكتاب الغيبة للنعماني ص٧٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٥ ص٣٥ وج٢٠ ص٩٦ و ٣٦١ وج٢١ ص٧٨ وج٢٢ ص٢٨٥ وثمة بعض الإختلاف في التعبير.

١٣٢

يقولوا، صنع هذا بابن عمّه. ثم مضى حتى قضى حجة الوداع)(١) .

وعن زيد بن علي، قال: لما جاء جبرائيل بأمر الولاية ضاق النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بذلك ذرعاً، وقال: (قومي حديثو عهد بجاهليّة، فنزلت الآية)(٢) .

٩ ـ وروي: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لما انتهى إلى غدير خم: (نزل عليه جبرائيل، وأمره أن يقيم علياً، وينصبه إماماً للناس.

فقال: إن أمتي حديثوا عهد بالجاهلية.

فنزل عليه: إنها عزيمة لا رخصة فيها، ونزلت الآية: وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ....)(٣) .

١٠ ـ عن ابن عباس إنّه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال في غدير خم: (إن

____________

١- كتاب سليم بن قيس ص١٤٨ والبرهان ج١ ص٤٤٤ و ٤٤٥ والغدير ج١ ص٥٢ و ٣٧٧ عن سليم بن قيس، وراجع ص٢١٧ عن ابن مردويه. وراجع: خلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٩٨ وج٨ ص٢٦٢.

٢- الغدير ج١ ص٥١ ـ ٥٢ و ٢١٧ و ٣٧٨ عن كنز العمال ج٦ ص١٥٣ عن المحاملي في أماليه، وعن شمس الأخبار ص٣٨ عن أمالي المسترشد بالله، وبحار الأنوار ج٣٧ ص١٧٧ وخلاصة عبقات الأنوار ج٨ ص٢٦٩ و ٣٠٨ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٣٤٩ ومناقب علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " لابن مردويه ص٢٤٠ وكشف الغمة ج١ ص٣١٨ و ٣٢٤ و ٣٢٥.

٣- إعلام الورى ص١٣٢ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١ ص٢٦١.

١٣٣

الله أرسلني إليكم برسالة، وإني ضقت بها ذرعاً، مخافة أن تتهموني، وتكذبوني، حتى عاتبني ربي بوعيد أنزله علي بعد وعيد..)(١) .

١١ ـ عن الحسن قال في غدير خم أيضاً: (إن الله بعثني برسالة؛ فضقت بها ذرعاً، وعرفت: أن الناس مكذبي، فوعدني لأبلغنّ أوليعذبني، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ....)(٢) .

١٢ ـ وجاء في رواية عن الإمام الباقر (عليه‌السلام ): أنه حين نزلت

____________

١- شواهد التنزيل ج١ ص١٩٣ و (بتحقيق المحمودي) ج١ ص٢٥٨ والأمالي للصدوق ص٤٣٦ والتحصين لابن طاووس ص٦٣٣ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١١١ ونور الثقلين ج١ ص٦٥٤ وتأويل الآيات ج١ ص١٥٩ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٤ ص٣٤.

٢- شواهد التنزيل ج١ ص١٩٣ والدر المنثور ج٢ ص٢٩٨ عن ابن أبي حاتم، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي الشيخ. وراجع: إكمال الدين ص٢٧٦ والإحتجاج ج١ ص٢١٣ وفتح القدير ج٢ ص٦٠ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٣٥١ والتحصين لابن طاووس ص٦٣٣ وبحار الأنوار ج٣٣ ص١٤٧ ومناقب أهل البيت "عليهم‌السلام " للشيرواني ص١٢٩ وخلاصة عبقات الأنوار ج٨ ص٢٥٥ و ٢٧٠ ولباب النقول (دار إحياء العلوم) للسيوطي ص٩٤ و (دار الكتب العلمية) ص٨٢ والغدير ج١ ص١٦٥ و ١٩٦ و ٢٢١ ومسند ابن راهويه ج١ ص٤٠٢ ومسند الشاميين ج٣ ص٣١٤ وتخريج الأحاديث والآثار ج١ ص٤١٣ والدر المنثور ج٢ ص٢٩٨.

١٣٤

آية إكمال الدين بولاية علي (عليه‌السلام ):

(قال عند ذلك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): إن أمتي حديثو عهد بالجاهلية، ومتى أخبرتهم بهذا في ابن عمي، يقول قائل، ويقول قائل. فقلت في نفسي من غير أن ينطلق لساني، فأتتني عزيمة من الله بتلةً، أوعدني: إن لم أبلغِّ أن يعذبني. فنزلت: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ..)(١) .

وفي بعض الروايات: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إنما أخر نصبه (عليه‌السلام ) فَرَقاً من الناس، أو لمكان الناس(٢) .

ولما انتهى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من نصب علي (عليه‌السلام ) لقي عمر علياً فقال: هنيئاً لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة(٣) .

____________

١- البرهان في تفسير القرآن ج١ ص٤٨٨ والكافي ج١ ص٢٩٠ والتفسير الأصفى ج١ ص٢٨٥ ونور الثقلين ج١ ص٥٨٨ والصافي (تفسير) ج٢ ص٥٢ وشرح أصول الكافي ج٦ ص١٢٢ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج٢ ص٢٨٧.

٢- تفسير العياشي ج١ ص٣٣٢ والبرهان (تفسير) ج١ ص٤٨٩ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١٣٩ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج٢ ص٢٦٢ وتفسير الميزان ج٦ ص٥٣ وغاية المرام ج٣ ص٣٢٥.

٣- مسند أحمد ج٤ ص٢٨١ والمصنف لابن أبي شيبـة ج٧ ص٥٠٣ وكنز العـمال = = ج١٣ ص١٣٤ والتفسير الكبير للرازي (ط الثالثة) ج١٢ ص٢ و ٤٩ وتفسير الآلوسي ج٦ ص١٩٤ وتفسير الثعلبي ج٤ ص٩٢ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٢٢٠ و ٢٢١ و ٢٢٢ وتاريخ الإسلام للذهبي ج٣ ص٦٣٢ والبداية والنهاية ج٥ ص٢٢٩ وج٧ ص٣٨٦ والمناقب للخوارزمي ص١٥٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٤١٧ وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج١ ص٨٤ ونهج الإيمان لابن جبر ص١١٣ و ١١٦ و ١٢٠ وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لابن كرامة ص٦٤ و ٦٥ وبشارة المصطفى ص٢٨٤ وذخائر العقبى للطبري ص٦٧ ونظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص١٠٩ وينابيع المودة للقندوزي ج١ ص٩٨ و ١٠١ و ١٥٨ وج٢ ص٢٨٥ ومودة القربى (المودة الخامسة)، وبناء المقالة الفاطمية لابن طاووس ص٢٩٤ و ٢٩٧ وتفسير غرائب القرآن للنيسابوري ج٦ ص١٧٠ وخصائص الوحي المبين ص٩٠ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص٢٣٦ و ٢٣٧ والعمدة لابن البطريق ص٩٢ و ٩٦ و ١٠٠ والمراجعات ص٢٦٣ وشرح أصول الكافي ج٥ ص١٩٦وج٦ ص١٢٠ والعدد القوية للحلي ص١٨٥ والطرائف ص١٤٦ و ١٥٠ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١٤٩ و ١٥٩ و ١٧٩ و ١٩٨ و ٢٤٩ وكتاب الأربعين للماحوزي ص١٤٤ و ١٤٨ والإكمال في أسماء الرجال ص٢٥ وخلاصة عبقات الأنوار ج١ ص٣٠٥ وج٧ ص٢٩ و ٥٤ و ٦١ و ٦٩ و ٨٦ و ٩٢ و ١١٥ و ١١٩ و ١٢٢ و ١٢٤ و ١٢٧ و ١٤٦ و ١٤٨ و ١٤٩ و ١٦٧ و ١٧٠ و ١٨٠ و ١٨٢ و ١٩٢ و ١٩٦ و ٢٠٨ و ٢١٨ و ٢٥٣ و ٢٨٥ و ٢٩٥ و ٣٠١ و ٣٢١ و ٣٢٦ وج٨ = = ص٢١٨ و ٢٣٤ و ٢٤١ و ٢٤٧ و ٢٥٩ و ٢٧٢ وج٩ ص٩٣ والغدير ج١ ص١٩ و ١٤٣ و ١٤٤ و ٢١٩ و ٢٢٠ و ٢٢١ و ٢٧١ و ٢٧٢ و ٢٧٣ و ٢٧٤ و ٢٧٥ و ٢٧٧ و ٢٧٩ و ٢٨٠ و ٢٨١ و ٣٠٦ و ٣٥٥ وج٢ ص٣٧ وج٦ ص٥٦ وكتاب الأربعين للشيرازي ص١١٦ و ١١٨ و ١٢٠ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج٢ ص٢٦٤ و ٢٧٢ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٢٣١ و ٢٣٥ و ٢٣٦ و ٢٣٨ و ٢٣٩ و ٢٤٠ و ٢٩٠ و ٣٦٢ و ٣٦٣ و ٣٦٤ و ٣٦٦ وج١٤ ص٣٤ و ٥٦١ و ٥٦٩ و ٥٨٣ وج٢٠ ص١٧٣ و ١٧٤ و ٣٥٨ و ٦٠٣ وج٢١ ص٣١ و ٣٢ و ٣٤ و ٣٥ و ٣٧ و ٣٨ و ٣٩ و ٤٠ و ٦٦ و ٨٦ و ٨٨ وج٢٢ ص١١٣ و ١١٥ و ١٢١ وج٢٣ ص٤ و ٩ و ٣٢٥ و ٥٥٤ و ٦٣٥ و ٦٣٧ وج٣٠ ص٢٣ و ٤١٨ و ٤١٩ ومناقب الإمام أمير المؤمنين "عليه‌السلام " للكوفي ج٢ ص٣٦٨ و ٣٧٠.

١٣٥

١٣٦

أو قال له: بخ بخ يا علي، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة(١) .

____________

١- ما نزل من القرآن في علي "عليه‌السلام " لأبي نعيم ص٨٦ وثمار القلوب للثعالبي ص٦٣٦ وراجع: تاريخ بغداد ج٨ ص٢٩٠ و (ط دار الكتب العلمية) ج٨ ص٢٨٤ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٢٣٣ و ٢٣٤ وسير أعلام النبلاء ج١٩ ص٣٢٨ والبداية والنهاية ج٧ ص٣٨٦ والمناقب للخوارزمي ص١٥٦ ومناقب الإمام أمير المؤمنين "عليه‌السلام " للكوفي ج٢ ص٤٣٠ و ٥١٦ وينابيع المودة = = ج٢ ص٢٤٩ وكشف الغمة ج١ ص٢٣٨ و ٣٣٥ وكشف اليقين ص٢٠٨ و ٢٥٠ ونهج الإيمان لابن جبر ص٤٢٧ والإرشاد ج١ ص١٧٧ وكنز الفوائد ص٢٣٢ والعمدة لابن البطريق ص١٠٦ و ١٧٠ و ١٩٥ و ٣٤٤ والطرائف ص١٤٧ والمحتضر للحلي ص١١٤ وبشارة المصطفى ص١٥٨ و٤٠٢ وإعلام الورى ج١ ص٢٦٢ و ٣٢٩ وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لابن كرامة ص٦٤ وبحار الأنوار ج٢١ ص٣٨٨ وج٣٧ ص١٠٨ و ١٤٢ و ٢٥١ وج٣٨ ص٣٤٤ وج٩٤ ص١١٠ وج٩٥ ص٣٢١ ومسار الشيعة للمفيد ص٣٩ والأمالي للصدوق ص٥٠ ورسائل المرتضى للشريف المرتضى ج٤ ص١٣١ وكتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري) ص٣٥٦ وروضة الواعظين للنيسابوري ص٣٥٠ وشرح أصول الكافي ج٥ ص١٩٦ وج٦ ص١٢٠ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٣٤ و ٢٤٦ و ٢٧٧ و ٣٤٤ و ٣٥٤ وج٨ ص٢٦١ و ٢٧٨ و ٢٧٩ و ٣٠٢ و ٣٠٣ وج٩ ص١٨٦ والغدير ج١ ص١١ و ٢٢٢ و ٢٣٣ و ٢٧٢ و ٢٧٥ و ٢٧٦ و ٣٩٢ و ٤٠٢ والمعيار والموازنة ص٢١٢ والتفسير المنسوب للإمام العسكري "عليه‌السلام " ص١١٢ وتفسير فرات ص٥١٦ وخصائص الوحي المبين ص٩٧ و ١٥٣ وكنز الدقائق ج١ ص١١٤ وشواهد التنزيل ج١ ص٢٠٣ وج٢ ص٣٩١.

١٣٧

ماذا جرى يوم الغدير؟!:

قال العلامة الأميني (رحمه‌الله ):

(فلما قضى مناسكه، وانصرف راجعاً إلى المدينة، ومعه من كان من

١٣٨

الجموع المذكورات، وصل إلى غدير خم من الجحفة، التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة، نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (١) . وأمره أن يقيم علياً علماً للناس، ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية، وفرض الطاعة على كل أحد.

وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة، فأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يرد من تقدم منهم، ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان، ونهى عن سمرات خمس متقاربات، دوحات عظام، أن لا ينزل تحتهن أحد، حتى إذا أخذ القوم منازلهم، فَقُمَّ ما تحتهن.

حتى إذا نودي بالصلاة ـ صلاة الظهر ـ عمد إليهن فصلى بالناس تحتهن، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض رداءه على رأسه، وبعضه تحت قدميه، من شدة الرمضاء، وظلّل لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بثوب على شجرة سمرة من الشمس.

فلما انصرف (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من صلاته، قام خطيباً وسط القوم(٢)

____________

١- الآية ٦٧ من سورة المائدة.

٢- راجع: الغدير ج١ ص٢١٠ ـ ٢٢٣ وقد صرح بنزول الآية في هذه المناسبة كثيرون، فراجع ما عن المصادر التالية: ابن جرير الطبري في كتاب الولاية في طرق حديث الغدير كما في ضياء العالمـين، والـدر المنثـور ج٢ ص٢٩٨ وفتح = = القدير ج٢ ص٥٧ و ٦٠ عن ابن أبي حاتم، وكنز العمال ج١١ ص٦٠٣ وعن أبي بكر الشيرازي وابن مردويه، وكشف الغمة للأربلي ص٣٢٤ و ٣٢٥ وعن تفسير الثعلبي، والعمدة لابن البطريق ص١٠٠ والطرائف لابن طاووس ج١ ص١٥٢ و ١٢١ ومجمع البيان ج٣ ص٣٤٤ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص٢٩ وأبي نعيم في كتابه ما نزل من القرآن في علي "عليه‌السلام " ص٨٦ وخصائص الوحي المبين ص٥٣ وأسباب النزول ص١٣٥ وشواهد التنزيل ج١ ص٢٥٥ وتاريخ مدينة دمشق ج١٢ ص٢٣٧ والتفسير الكبير للرازي ج١٢ ص٤٩ ومفتاح النجا في مناقب آل العبا ص٣٤ ومودة القربى (المودة الخامسة) وفرائد السمطين ج١ ص١٥٨ والفصول المهمة لابن الصباغ ص٤٢ وعمدة القاري ج١٨ ص٢٠٦ وغرائب القرآن للنيسابوري ج٦ ص١٧٠ وشرح ديوان أمير المؤمنين للميبذي ص٤٠٦ وعن أبي الشيخ، وابن أبي حاتم، وعبد بن حميد، وابن مردويه، وثمار القلوب للثعالبي ص٦٣٦ وراجع: روح المعاني ج٦ ص١٩٢ وينابيع المودة ج١ ص١١٩ وراجع: تفسير المنار ج٦ ص٤٦٣ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١١٥ ونور الثقلين ج١ ص٦٥٧ وإعلام الورى ج١ ص٢٦١ وقصص الأنبياء للراوندي ص٣٥٣ وكشف اليقين ص٢٤٠ وتفسير القمي ج١ ص١٧٣ والصافي (تفسير) ج٢ ص٦٩.

١٣٩

على أقتاب الإبل، وأسمع الجميع رافعاً عقيرته(١) ، فقال:

____________

١- راجع: الغدير ج١ ص١٠ وراجع: بحار الأنوار ج٣٧ ص١٦٦ ومستدرك سفينة البحار ج٧ ص٥٤٤.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347