• البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66745 / تحميل: 5231
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 7

مؤلف:
العربية

(الحمد لله، ونستعينه، ونؤمن به، ونتوكل عليه. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضل، ولا مضل لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد.. أيها الناس، قد نبأني اللطيف الخبير: أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟!

قالوا: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً.

قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، و أن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق، وناره حق، وأن الموت حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟!

قالوا: بلى نشهد بذلك.

قال: اللهم اشهد.

ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟!

قالوا: نعم.

قال: فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبُصرى(1) ، فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين(2) .

____________

1- صنعاء: عاصمة اليمن اليوم. وبُصرى: قصبة كورة حوران من أعمال دمشق.

2- الثقل، بفتح المثلثة والمثناة: كل شيء خطير نفيس.

١٤١

فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟!

قال: الثقل الأكبر كتاب الله، طرف بيد الله عز وجل، وطرف بأيديكم، فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربي، فلا تَقَدَّموهما فتهلكوا، ولا تُقَصِّروا عنهما فتهلكوا.

ثم أخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض آباطهما، وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟!

قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، يقولها ثلاث مرات ـ وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ـ ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب.

ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي الآية (1) ) (2) .

____________

1- الآية 3 من سورة المائدة.

2- وقد روي نزول الآية في يوم الغدير في المصادر التالية: الغدير ج1 ص11 و 230 ـ 237 و 296 وروى ذلك الطبري في كتاب الولاية في طرق حديث الغدير، كما في ضياء العالمين. وتفسير القرآن العظيم ج2 ص14 عن ابن مردويه، والـدر = = المنثور ج2 ص259 وتاريخ مدينة دمشق ج12 ص237 والإتقان ج1 ص31 وكشف الغمة ج1 ص330 وعن مفتاح النجا، وعن الفرقة الناجية وما نزل من القرآن في علي "عليه‌السلام " لأبي نعيم ص56 وكتاب سليم بن قيس ج2 ص828 وتاريخ بغداد ج8 ص290 ومناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص18 والعمدة لابن البطريق ص106 وشواهد التنزيل للحسكاني ج1 ص201 والمناقب للخوارزمي ص135 و156 وفرائد السمطين ج1 ص74 و72 وعن النطنزي في كتابه الخصائص العلوية، وتوضيح الدلائل للصالحاني، وتذكرة الخواص ص30 والبداية والنهاية ج5 ص210. وراجع: بحار الأنوار ج21 ص390 وج37 ص134 و 166 وخلاصة عبقات الأنوار ج8 ص301 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص544 وإعلام الورى ج1 ص261 ـ 363 قصص الأنبياء للراوندي ص353 ـ 354 وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لابن كرامة ص20 وكشف اليقين ص253.

١٤٢

فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي.

ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

وممن هنأه في مقدم الصحابة: الشيخان أبو بكر وعمر، كلٌّ يقول: بَخٍ بَخٍ لك يا بن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولايَ ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

وقال ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم(1) .

____________

1- الغدير ج1 ص10 و 11. وراجع: العمدة لابن البطريق ص104 ـ 106 وبحار = = الأنوار ج37 ص184 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص132 وج8 ص122 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج2 ص255 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص341 و 342 عن ابن المغازلي.

١٤٣

الخطبة برواية الطبري:

وعن زيد بن أرقم: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خطب في يوم الغدير خطبة بالغة، ثم قال: إن الله تعالى أنزل إليَّ:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1) ، وقد أمرني جبرئيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد، وأُعلم كل أبيض وأسود: أن علي بن أبي طالب أخي، ووصيي، وخليفتي، والإمام بعدي.

فسألت جبرئيل أن يستعفي لي ربي، لعلمي بقلة المتقين، وكثرة المؤذين لي، واللائمين لكثرة ملازمتي لعلي، وشدة إقبالي عليه، حتى سموني أذناً، فقال تعالى:( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ) (2) . ولو شئت أن أسميهم وأدل عليهم لفعلت، ولكني بسترهم قد تكرمت.

فلم يرض الله إلا بتبليغي فيه. فاعلموا معاشر الناس ذلك، فإن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً، وفرض طاعته على كل أحد، ماض حكمه، جائز قوله، ملعون من خالفه، مرحوم من صدقه، اسمعوا وأطيعوا، فإن الله

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

2- الآية 67 من سورة المائدة.

١٤٤

مولاكم، وعلي إمامكم.

ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى القيامة، لا حلال إلا ما أحله الله ورسوله وهم، ولا حرام إلا ما حرم الله ورسوله وهم.

فما من علم إلا وقد أحصاه الله فيَّ، ونقلته إليه؛ فلا تضلوا عنه، ولا تستنكفوا منه، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، لن يتوب الله على أحد أنكره، ولن يغفر له، حتماً على الله أن يفعل ذلك، أن يعذبه عذاباً نكراً أبد الآبدين.

فهو أفضل الناس بعدي، ما نزل الرزق، وبقي الخلق، ملعون من خالفه، قولي عن جبرئيل عن الله، فلتنظر نفس ما قدمت لغد.

إفهموا محكم القرآن، ولا تتبعوا متشابهه، ولن يفسر ذلك لكم إلا من أنا آخذ بيده، وشائل بعضده، ومُعْلِمُكم: أن من كنت مولاه فهذا (فعلي) مولاه، وموالاته من الله عز وجل أنزلها عليَّ.

ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت، لا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره.

ثم رفعه إلى السماء حتى صارت رجله مع ركبة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وقال:

معاشر الناس! هذا أخي، ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي على من آمن بي، وعلى تفسير كتاب ربي.

وفي رواية: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، والعن من أنكره، وأغضب على من جحد حقه.

١٤٥

اللهم إنك أنزلت عند تبيين ذلك في علي:( ألْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (1) بإمامته، فمن لم يأتم به، وبمن كان من ولدي من صلبه إلى القيامة، فأولئك حبطت أعمالهم، وفي النار هم خالدون.

إن إبليس أخرج آدم (عليه‌السلام ) من الجنة، مع كونه صفوة الله، بالحسد(2) ، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم، وتزل أقدامكم.

في علي نزلت سورة( وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْر ) (3) .

معاشر الناس!( آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزل معه مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ) (4) . النور من الله فيَّ، ثم في عليٍّ، ثم في النسل منه إلى القائم المهدي.

معاشر الناس!( سيكون من بعدي أئمة يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون، وإن الله وأنا بريئان منهم، إنهم وأنصارهم وأتباعهم في الدرك الأسفل من النار. وسيجعلونها ملكاً اغتصاباً، فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان و يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (5) ) (6) .

____________

1- الآية 3 من سورة المائدة.

2- لنا كتاب مستقل حول هذا الموضوع أسميناه "براءة آدم" راجع ذلك.

3- الآيتان 1 و 2 من سورة العصر.

4- الآية 47 من سورة النساء.

5- الآية 35 من سورة الرحمن.

6- الغدير للعلامة الأميني ج1 ص215 و 216 عن ضياء العالمين للفتوني عن كتاب = = الولاية للطبري. وراجع: كتاب الإحتجاج ج1 ص133 ـ 162 والتحصين لابن طاووس ص579 ـ 590 ونهج الإيمان لابن جبر ص91 ـ 112 والعدد القوية للحلي ص169 ـ 183 والصافي (تفسير) ج2 ص56 ـ 67 وفيها زيادات هامة، وبحار الأنوار ج37 ص201 ـ 219 وروضة الواعظين ص100 ـ 113 وغاية المرام ج1 ص402 ـ 419 وراجع: الصراط المستقيم ج1 ص301 ـ 304.

١٤٦

النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يعلمهم التهنئة والبيعة:

وتذكر الروايات أيضاً: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال:

(معاشر الناس! قولوا أعطيناك على ذلك عهداً من أنفسنا، وميثاقاً بألسنتنا، وصفقة بأيدينا، نؤديه إلى من رأينا من أولادنا وأهالينا، لا نبغي بذلك بدلاً، وأنت شهيد علينا، و كفى بالله شهيداً.

قولوا ما قلت لكم، وسلموا على عليٍّ بإمرة المؤمنين، وقولوا:( الحَمْدُ لِلهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ ) (1) ، فإن الله يعلم كل صوت، وخائنة كل عين،( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (2) . قولوا ما يرضي الله عنكم،( فـ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ (3) ) (4) .

____________

1- الآية 43 من سورة الأعراف.

2- الآية 10 من سورة الفتح.

3- الآية 7 من سورة الزمر.

4- الغدير للعلامة الأميني ج1 ص508 و 509 و (ط دار الكتاب العربي) ص270 = = عن الطبري في كتاب الولاية ص 214 ـ 216، وعن الخليلي في مناقب علي بن أبي طالب. وعن كتاب النشر والطي. وعيد الغدير في الإسلام للشيخ الأميني ص20 وراجع: الصراط المستقيم ج1 ص303 وبحار الأنوار ج37 ص217.

١٤٧

قال زيد بن أرقم: فعند ذلك بادر الناس بقولهم: نعم، سمعنا وأطعنا لما أمرنا الله ورسوله، بقلوبنا، وأنفسنا، وألسنتنا، وجميع جوارحنا.

ثم انكبوا على رسول الله، وعلى عليٍّ بأيديهم..

وكان أول من صافق رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أبو بكر وعمر، وطلحة والزبير، ثم باقي المهاجرين [والأنصار وباقي] الناس على طبقاتهم، ومقدار منازلهم، إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد، والمغرب والعشاء الآخ

١٤٨

وفي نص آخر: قال أبو بكر وعمر: أمسيت يابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة(1) .

____________

1- راجع: الغدير ج1 ص273 عن كتاب الولاية لابن عقدة، وعن المرزباني في كتابه سرقات الشعر، وعن الدارقطني، وعن الإبانة لابن بطة، وعن التمهيد للباقلاني، وعن العاصمي في زين الفتى، والصواعق المحرقة ص44 وكفاية الطالب ص62 ـ 64 وفيض القدير للمناوي ج6 ص218 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج7 ص13 والفتوحات الإسلامية ج2 ص306. والفضائل لابن شاذان ص133 وكتاب الولاية لابن عقدة ص155 وبحار الأنوار ج104 ص117 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص211 و 263 و364 و 405 و 412 وج8 ص82 وج9 ص97 و 143 و المراجعات ص282 والغدير ج1 ص11 و 273 و 281 و 282= = و 303 و 309 و 354 وشرح إحقاق الحق ج6 ص366 وج20 ص581 و 599 وج21 ص50 و 52 و 56 وج31 ص500 ونهج الإيمان ص127.

١٤٩

فقال حسان: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليٍّ أبياتاً تسمعهن.

فقال: قل على بركة الله.

فقام حسان، فقال: يا معشر مشيخة قريش، أتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية، ثم قال(1) :

____________

1- الغدير للعلامة الأميني ج1 ص11 و 232 ورسائل المرتضى ج4 ص131 ومناقب الإمام أمير المؤمنين "عليه‌السلام " للكوفي ج1 ص119 و 363 والمسترشد للطبري (الشيعي) ص469 وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص94 والطرائف ص146 وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص64 والجمل للمفيد ص117 ومناقب علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " وما نزل من القرآن في علي "عليه‌السلام " لابن مردويه ص233 والمناقب للخوارزمي ص136 وبحار الأنوار ج21 ص388 وج37 ص112 و 166 و 178 و 179 وكتاب الأربعين للماحوزي ص147 وخلاصة عبقات الأنوار ج8 ص309 و 310 و 316 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص356 وج20 ص199 والأمالي للصدوق ص670 ونهج الإيمان لابن جبر ص116 وخصائص الأئمة للشريف الرضي ص42 وروضة الواعظين ص103 وشرح أصول الكافي ج6 ص120 ونظم درر السمطين ص112 والفصول المختارة للشريف المرتضى ص290 والإرشاد ج1 ص177 وأقسام المولى للشيخ المفيد ص35 والصراط المستقيم ج1 ص305 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص230 وكنز = = الفوائد ص123 ومسار الشيعة للشيخ المفيد ص39 وإعلام الورى ج1 ص262 والدر النظيم ص253 و 396 وكشف الغمة ج1 ص325.

١٥٠

يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم فاسمع بالرسول مناديا

يقول: فمن مولاكم ووليكم؟! فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت ولينا ولم تر منا في الولاية عاصيا

فقال له: قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا: اللهم وال وليه وكن للذي عادا علياً معاديا

وحسب رواية سليم بن قيس:

ألم تعلموا أن النبي محمداً لدى دوح خم حين قام مناديا

وقد جاءه جبريل من عند ربه بأنك معصوم فلا تك وانيا

وبلغهم ما أنزل الله ربهم وإن أنت لم تفعل وحاذرت باغيا

عليك فما بلغتهم عن إلههم رسالته إن كنت تخشى الأعاديا

فقام به إذ ذاك رافع كفه بيمنى يديه معلن الصوت عاليا

فقال لهم: من كنت مولاه منكم وكان لقولي حافظاً ليس ناسيا

فمولاه من بعدي علي وإنني به لكم دون البرية راضيا

فيا رب من والى علياً فواله وكن للذي عادى علياً معاديا

ويا رب فانصر ناصريه لنصرهم إمام الهدى كالبدر يجلو الدياجيا

١٥١

ويا رب فاخذل خاذليه وكن لهم إذا وقفوا يوم الحساب مكافيا(1)

وعن عمر بن الخطاب قال:

نصب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً علماً، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره، اللهم أنت شهيدي عليهم.

قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله! وكان في جنبي شاب حسن الوجه طيب الريح، قال لي: يا عمر لقد عقد رسول الله عقداً لا يحله إلا منافق.

فأخذ رسول الله بيدي فقال: يا عمر، إنه ليس من ولد آدم، لكنه جبرائيل أراد أن يؤكد عليكم ما قلته في علي(2) ..

____________

1- كتاب سليـم بن قيس ج2 ص828 و 829 و (بتحقيق الأنصـاري) ص356 وبحار الأنوار ج37 ص195.

2- الغدير للعلامة الأميني ج1 ص57 عن مودة القربى لشهاب الدين الهمداني، المودة الخامسة، وينابيع المودة ج2 ص73 و (ط دار الأسوة) ص284 عنه.

وراجع: خلاصة عبقات الأنوار ج7 ص187 وج9 ص273 والعقد النضيد والدر الفريد للقمي ص178 وشرح إحقاق الحق ج6 ص252 عن أرجح المطالب (ط لاهور) ص565 وج21 ص65 عن آل محمد (نسخة مكتبة السيد الأشكوري) ص453 وراجع: الدر النظيم ص253.

١٥٢

١٥٣

الفصل الرابع: هكذا حورب عيد الغدير..

١٥٤

١٥٥

بداية ضرورية:

لقد حاول مناوؤا علي (عليه‌السلام )، والرافضون لامامته بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يتخلصوا من حديث الغدير باتجاهان:

1 ـ تغييبه من التاريخ بادعاء أن هذه الواقعة أما حدث جاهلي، أو حدث اسلامي، ولكن لا ربط له بموضوع الإمامة، بل اريد به تبرئة علي (عليه‌السلام ) من تهمة وجهت إليه.

2 ـ تغيبه عن الممارسة ومنعه من الحضور في الواقع العملي عن طريق محاربته في كل سنة، والمنع من الإحتفال به..

3 ـ الطعن في أسانيده، وهذه الأمور الثلاثة هي التي سنتحدث عنها بايجاز في هذا الفصل..

4 ـ التشكيك في دلالة مضمونة، وهذا ما سنتعرض له في الفصول التي تليه.

وعلى هذا الأساس نقول:

حديث الغدير واقعة حرب:

زعم الدكتور ملحم إبراهيم الأسود: أن واقعة الغدير هي واقعة حرب

١٥٦

معروفة(1) .

ونقول:

إن من المعلوم: أنه ليس في غزوات النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ولا في سراياه أية واقعة حرب معروفة بهذا الاسم.

وقد ذكر: أنه كان في الجاهلية واقعة حرب بهذا الإسم(2) ، وتطبيقها على حديث الغدير هنا لا معنى له، فإنه لم يكن للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ولا لعلي (عليه‌السلام ) أدنى ارتباط به.. فلا معنى لتفسير المراد بذلك بصورة مطلقة، وبطريق التعميم.. فإن ما حدث في الإسلام وذكر فيه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وعلي (عليه‌السلام ) لا يمكن أن يراد به تلك الواقعة التي كانت في الجاهلية.

يوم الغدير لتبرئة علي (عليه‌السلام ):

قال ابن كثير: (فصل: في إيراد الحديث الدال على أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خطب بمكان بين مكة والمدينة، مرجعه من حجة الوداع، قريب من الجحفة ـ يقال له غدير خم ـ فبين فيها فضل علي بن أبي طالب، وبراءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة، التي ظنها بعضهم جوراً، وتضييقاً وبخلاً،

____________

1- الغدير للعلامة الأميني ج1 ص12 وج2 ص331 عن شرح ديوان أبي تمام ص381 والإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " للهمداني ص569.

2- الأغاني ج10 ص14 و15 والعقد الفريد ج5 ص99.

١٥٧

والصواب كان معه في ذلك.

ولهذا لما تفرغ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من بيان المناسك، ورجع إلى المدينة بيَّن ذلك في أثناء الطريق. فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذٍ ـ وكان يوم الأحد بغدير خم ـ تحت شجرة هناك، فبين فيها أشياء. وذكر من فضل علي، وأمانته وعدله، وقربه إليه، ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه)(1) .

إلى أن قال: (قال محمد بن إسحاق ـ في سياق حجة الوداع ـ: حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، قال: لما أقبل علي من اليمن، ليلقى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بمكة، تعجل إلى رسول الله، واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل، فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي.

فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم، فإذا عليهم الحلل، قال: ويلك! ما هذا؟

قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس.

قال: ويلك! انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

قال: فانتزع الحلل من الناس، فردها في البز.

قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم(2) .

____________

1- البداية والنهاية ج5 ص227 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص414.

2- البداية والنهاية ج5 ص228 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص415 والسيرة النبوية لابن هشـام ج2 ص603 و (نشر مكتبـة محمد علي صبيح) ج4 ص1021 وبحـار = = الأنوار ج41 ص115 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص402 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص377 وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص304 وتفسير الآلوسي ج6 ص194.

١٥٨

ثم روى ابن إسحاق، عن أبي سعيد الخدري قال: اشتكى الناس علياً، فقام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فينا خطيباً، فسمعته يقول:

(أيها الناس لا تشكوا علياً، فوالله إنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله، من أن يُشكى)(1) .

ونقول:

1 ـ قد تحدثنا عن القضية التي أشار إليها ابن كثير في فصل سابق.. فلا بأس بمراجعة ما ذكرناه هناك.

2 ـ إن ما زعمه ابن كثير من أن السبب هو قضية الحلل، التي من الخمس، حيث منع علي (عليه‌السلام ) المقاتلين من الإستيلاء عليها.. ليس له ما يدل عليه في كلمات الرسول في غدير خم، ولا في النصوص التاريخية التي

____________

1- البداية والنهاية ج5 ص228 وج7 ص381 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص415 وتفسير الآلوسي ج6 ص194 ومسند أحمد ج3 ص86 ومجمع الزوائد ج9 ص129 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص603 و (نشر مكتبة محمد علي صبيح) ج4 ص1022 وينابيع المودة ج2 ص398 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج4 ص1857 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص199 وتهذيب الكمال ج35 ص187 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص240 و 234 و 440 و 441 و 442 وج20 ص300 و 302 وج23 ص606 وج31 ص48.

١٥٩

يمكن التعويل عليها، بل هو مجرد حدس، وتخمين من ابن كثير على الأظهر.. إن لم نقل: أن وراء الأكمة ما وراءها من الكيد، والتعصب ضد علي (عليه‌السلام ).. والسعي لإنكار مقاماته وفضائله..

والنصوص المعتبرة والمتواترة صريحة: بأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد نصب علياً (عليه‌السلام ) ولياً في ذلك اليوم، وليست القضية قضية تبرئة علي (عليه‌السلام ) مما نسب إليه..

3 ـ إن نزول قوله تعالى:( ألْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَـكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ) (1) شاهد صدق على ما نقول، ويسقط ما يريد ابن كثير أن يسوِّق له.. وسيأتي الكلام حول ذلك إن شاء الله تعالى..

4 ـ إن الخطبة التي رواها ابن إسحاق هي خطبة أخرى، لا ربط لها بما جرى في غدير خم.. ولكن ابن كثير اجتهد في تطبيق هذه على تلك، وتجاهل الخطبة الحقيقية، والنصوص الصحيحة المتواترة، الآتي شطر منها.

يوم الغدير عيد:

هذا.. ولا حاجة بنا إلى إثبات أن يوم الغدير عيد إسلامي أصيل، وأنه لم يزل معروفاً بهذه الصفة منذ القرون الثلاثة الأولى.

فلا يصح قول المقريزي عن عيد الغدير: (أول ما عرف في الإسلام

____________

1- الآية 3 من سورة المائدة.

١٦٠