بالعراق، أيام معز الدولة علي بن بويه، فإنه أحدثه في سنة اثنتين وخمسين وثلاث مائة، فاتخذه الشيعة من حينئذٍ عيداً)(١) .
ويدل على بطلانه:
١ ـ قول المسعودي: (وولْدُ علي (عليهالسلام )، وشيعته يعظمون هذا اليوم)(٢) .
والمسعودي قد توفي قبل التاريخ المذكور، أي في سنة ٣٤٦ هـ.
٢ ـ وروى فرات بن إبراهيم، وهو من علماء القرن الثالث عن الصادق، عن أبيه، عن آبائه (عليهمالسلام )، قال: قال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): (يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي الخ..)(٣) .
٣ ـ وعن أمير المؤمنين علي (عليهالسلام ) أنه خطب في سنة اتفق فيها الجمعة والغدير، فقال: (إن الله عز وجل جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين..).
____________
١- الخطط للمقريزي ج١ ص٢٨٨.
٢- التنبيه والإشراف ص٢٢١ و ٢٢٢.
٣- راجع: الغدير ج١ ص٢٨٣ والأمالي للصدوق ص١٨٨ وإقبال الأعمال لابن طاووس ج٢ ص٢٦٤ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١٠٩ وج٩٤ ص١١٠ ونور الثقلين ج١ ص٥٨٩ وبشارة المصطفى للطبري ص٤٩ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج٢ ص٣٣٩ وروضة الواعظين ص١٠٢.
والخطبة طويلة يأمرهم فيها تفصيلاً بفعل ما ينبغي فعله في الأعياد، وبإظهار البشر والسرور، فمن أراد فليراجع(١) .
٤ ـ وعن فرات بن أحنف، عن أبي عبد الله (عليهالسلام ): قال: قلت: جعلت فداك، للمسلمين عيد أفضل من الفطر والأضحى، ويوم الجمعة، ويوم عرفة؟!
قال: فقال لي:( نعم، أفضلها، وأعظمها، وأشرفها عند الله منزلة، هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأنزل على نبيه محمد: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي الآية (٢) ) (٣) .
٥ ـ وفي الكافي: عن الحسن بن راشد، عن الإمام الصادق (عليهالسلام )
____________
١- مصباح المتهجد ص٦٩٨ و (ط مؤسسة فقه الشيعة) ص٧٥٤ والغدير ج١ ص٢٨٤ عنه، ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٠ ص٤٤٥ و (ط دار الإسلامية) ج٧ ص٣٢٧ وإقبال الأعمال لابن طاووس ج٢ ص٢٥٦ والمصباح للكفعمي ص٦٩٧ وبحار الأنوار ج٩٤ ص١١٤ وجامع أحاديث الشيعة ج٩ ص٤٢١ والغدير ج١ ص٢٨٤ ومسند الإمام الرضا "عليهالسلام " للعطاردي ج٢ ص٢٣ وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهمالسلام " ج٨ ص٧٢.
٢- الآية ٣ من سورة المائدة.
٣- الغدير ج١ ص٢٨٤ و ٢٨٥ وتفسير فرات ص١١٧ حديث ١٢٣ ومستدرك الوسائل ج٦ ص٢٧٨ ومستدرك سفينة البحار ج٧ ص٤٧٣ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١٦٩ وجامع أحاديث الشيعة ج٦ ص١٨٠ و ٣١٣ و ٤١٣.
أيضاً: أنه اعتبر يوم الغدير عيداً.
وفي آخره قوله: (فإن الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء باليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيداً).
قال: قلت: فما لمن صامه؟!
قال: (صيام ستين شهراً)(١) .
٦ ـ ويؤيده: ما رواه الخطيب البغدادي، بسند رجاله كلهم ثقات، عن أبي هريرة: من صام يوم ثماني عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم الخ..)(٢) .
____________
١- الكافي ج٤ ص١٤٨ و ١٤٩ والغدير ج١ ص٢٨٥ عنه، ومصباح المتهجد ص٦٨٠ و (ط مؤسسة فقه الشيعة) ص٧٣٧ وذخيرة المعاد (ط.ق) ج١ ق٣ ص٥١٩ ومشارق الشموس (ط.ق) ج٢ ص٤٥١ والحدائق الناضرة ج١٣ ص٣٦١ وجامع المدارك ج٢ ص٢٢٤ وثواب الأعمال للصدوق ص٧٤ ومن لا يحضره الفقيه ج٢ ص٩٠ وتهذيب الأحكام ج٤ ص٣٠٥ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٠ ص٤٤١ و (ط دار الإسلامية) ج٧ ص٣٢٤ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١٧٢ وج٩٤ ص١١١ وجامع أحاديث الشيعة ج٩ ص٤٢٠ وبشارة المصطفى للطبري ص٣٦٤.
٢- تاريخ بغداد ج٨ ص٢٩٠ و (ط دار الكتب العلمية) ج٨ ص٢٨٤ وأشير إليه في تذكرة الخواص ص٣٠ والمناقب للخوارزمي ص٩٤ و (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ص١٥٦ وفيه ستين سنة بدل ستين شهراً، ومناقب الإمـام عـلي = = "عليهالسلام " لابن المغازلي ص١٩ وفي فرائد السمطين الباب١٣ ج١ ص٧٧ كما في المناقب للخوارزمي، والغدير ج١ ص٢٣٢ و ٤٠١ و ٤٠٢ عنهم، وعن زين الفتى للعاصمي. وراجع: كتاب الأربعين للشيرازي ص١١٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٤٢٥ والأمالي للصدوق ص٥٠ وشرح أصول الكافي ج٥ ص١٩٦ وج٦ ص١٢٠ وينابيع المودة ج٢ ص٢٨٣ والطرائف ص١٤٧ وروضة الواعظين ص٣٥٠ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٣٤ و ١٨٧ و ٢٤٦ و ٢٧٧ و ٣٤٤ و ٣٤٨ و ٣٥٤ وج٨ ص٢٧٧ و ٢٨١ و ٢٩٢ و ٢٩٣ و ٣٠١ و ٣٠٢ والعمدة لابن البطريق ص١٠٦ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١٠٨ وج٩٤ ص١١٠ وج٩٥ ص٣٢١ وتفسير الآلوسي ج٦ ص١٩٤ وشواهد التنزيل ج١ ص٢٠٠ و ٢٠٣ وكتاب الأربعين للماحوزي ص١٤٨ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٢٣٣ و ٢٣٤ وبشارة المصطفى للطبري ص١٥٨ و ٤٠٢ وكشف الخفاء للعجلوني ج٢ ص٢٥٨ وشرح إحقاق الحق ج٦ ص٢٣٤ و ٢٥٥ و ٣٥٣ وج١٤ ص٢٨٩ و ٢٩٠ و ٢٩١ وج٢٠ ص١٩٧ وج٢١ ص٦١ و ٦٤ وج٣٠ ص٧٧ و و ٧٨ و ٧٩ والبداية والنهاية ج٥ ص٢٣٣ و ٣٨٦.
٧ ـ وفي رواية أخرى: أن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أوصى علياً (عليهالسلام ) أن يتخذوا ذلك اليوم عيداً(١) .
____________
١- الكافي ج٤ ص١٤٩ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٠ ص٤٤٠ و (ط دار الإسلامية) ج٧ ص٣٢٣ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١٧٢ والغدير ج١ ص٢٨٥ و ٢٨٦ وذخيرة المعاد (ط.ق) ج١ ق٣ ص٥١٩ وجامـع أحـاديث = = الشيعة ج٩ ص٤١٩ والحدائق الناضرة ج١٣ ص٣٦٢ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج٢ ص٣٤٢.
٨ ـ وليراجع ما رواه المفضل بن عمر، عن الصادق (عليهالسلام )(١) .
٩ ـ وما روي عن عمار بن حريز العبدي عنه (عليهالسلام )(٢) .
١٠ ـ وعن أبي الحسن الليثي عنه (عليهالسلام )(٣) .
____________
١- الخصال ج١ ص٢٦٤ والغدير ج١ ص٢٨٦ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٠ ص٤٤٣ و (ط دار الإسلامية) ج٧ ص٣٢٥ وبحار الأنوار ج٩٤ ص١١ وجامع أحاديث الشيعة ج٩ ص٤٢١ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج٢ ص٣٤٢.
٢- مصباح المتهجد ص٦٨٠ و (ط مؤسسة فقه الشيعة) ص٧٣٧ والغدير ج١ ص٢٨٦ وبحار الأنوار ج٩٥ ص٢٩٨ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٠ ص٤٤٤ و (ط دار الإسلامية) ج٧ ص ٣٢٦ ومستدركات علم رجال الحديث ج٨ ص٤٧٠ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج٢ ص٣٤٤ والحدائق الناضرة ج١٠ ص٥٣٥ وجامع أحاديث الشيعة ج٧ ص٤١١ وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهمالسلام " ج٨ ص٣٣.
٣- الغدير ج١ ص٢٨٧ عن الحميري، ومستدرك الوسائل ج٦ ص٢٧٦ وإقبال الأعمال ج٢ ص٢٧٩ وبحار الأنوار ج٩٥ ص٣٠٠ وجامع أحاديث الشيعة ج٧ ص٤١١ وموسوعة الإمام علي "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج٢ ص٣٤٣.
١١ ـ وعن زياد بن محمد عن الصادق (عليهالسلام )(١) .
١٢ ـ وعن سالم عن الإمام الصادق (عليهالسلام )(٢) .
١٣ ـ وقال الفياض بن عمر الطوسي سنة تسع وخمسين ومائتين، وقد بلغ التسعين: إنه شهد أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهالسلام ) في يوم الغدير، وبحضرته جماعة من خاصته، قد احتبسهم للإفطار، وقد قدم إلى منازلهم الطعام، والبر والصلات، والكسوة حتى الخواتيم والنعال، وقد غير من أحوالهم، وأحوال حاشيته، وجددت لهم آلة غير الآلة التي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه، وهو يذكر فضل اليوم وقدمه(٣) .
____________
١- مصباح المتهجد ص٦٧٩ و (ط مؤسسة فقه الشيعة) ص٧٣٦ والمصباح للكفعمي ص٦٨٨ وجامع أحاديث الشيعة ج٩ ص٤١٩ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٠ ص٤٤٣ و (ط دار الإسلامية) ج٧ ص٣٢٦ وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهمالسلام " ج٨ ص٣٨.
٢- الكافي ج٤ ص١٤٩ والغدير ج١ ص٢٨٥ وذخيرة المعاد (ط.ق) ج١ ق٣ ص٥١٩ والحدائق الناضرة ج١٣ ص٣٦٢ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٠ ص٤٤٠ و (ط دار الإسلامية) ج٧ ص٣٢٣ وإقبال الأعمال ج٢ ص٢٦٣ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١٧٢ وجامع أحاديث الشيعة ج٩ ص٤١٩ وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهمالسلام " ج٦ ص١٩٢ وج٧ ص٣٩٢ وج٨ ص٣٦.
٣- الغديـر ج١ ص٢٨٧ ومصبـاح المتهجد ص٦٩٦ و (ط مؤسسة فقه الشيعـة) = = ص٧٥٢ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٠ ص٤٤٤ و (ط دار الإسلامية) ج٧ ص٣٢٦ وبحار الأنوار ج٩٤ ص١١٢ وجامع أحاديث الشيعة ج٩ ص٤٢١ ومسند الإمام الرضا "عليهالسلام " للعطاردي ج٢ ص٢١ وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهالسلام " ج٨ ص٧٠ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " في الكتاب والسنة والتاريخ ج٢ ص٣٤٦.
وفي المحتضر، بالإسناد، عن محمد بن علاء الهمداني الواسطي، ويحيى بن جريح البغدادي، قالا في حديث: قصدنا جميعاً أحمد بن إسحاق القمي، صاحب الإمام أبي محمد العسكري (عليهالسلام )، بمدينة قم، وقرعنا عليه الباب، فخرجت إلينا من داره صبية عراقية، فسألناها عنه، فقالت: هو مشغول بعيده، فإنه يوم عيد.
فقلنا: سبحان الله، أعياد الشيعة أربعة: الأضحى، والفطر، والغدير، والجمعة الخ..)(١) .
وبعد.. فقد حشد العلامة الأميني، في كتابه القيم: (الغدير) عشرات النصوص عن عشرات المصادر الموثوقة عند أهل السنة، والتي تؤكد على عيدية يوم الغدير في القرون الأولى، وأنه كان شائعاً ومعروفاً في تلك العصور..
وتكفي مراجعة الفصل الذي يذكر فيه تهنئة الشيخين أبي بكر وعمر
____________
١- الغدير ج١ ص٢٨٧ وبحار الأنوار ج٣١ ص١٢٠ وج٩٥ ص٣٥١ والمحتضر ص٩٣.
لأمير المؤمنين (عليهالسلام ) بهذه المناسبة، فقد ذكر ذلك عن ستين مصدراً..
هذا.. عدا المصادر الكثيرة التي ذكرت تهنئة الصحابة له (عليهالسلام ) بهذه المناسبة، وعدا المصادر التي نصت على عيدية يوم الغدير، فإنها كثيرة أيضاً(١) .
عيد الغدير لا أصل له:
ومن ذلك كله يعلم: عدم صحة قول ابن تيمية عن عيد الغدير: (إن اتخاذ هذا اليوم عيداً لا أصل له، فلم يكن في السلف، لا من أهل البيت، ولا من غيرهم، من اتخذ ذلك عيداً)(٢) .
فإنه كلام ساقط عن الإعتبار، لأنه لا يستند إلى دليل علمي، ولا تاريخي على الإطلاق.. وإنما الأدلة كلها على خلافه.
____________
١- الغدير ج١ ص٢٦٧ ـ ٢٨٩ و ٥٠٨ و ٥٠٩ و (ط دار الكتاب العربي) ص٢٧٠ عن الطبري في كتاب الولاية، وعن الخليلي في مناقب علي بن أبي طالب. وعن كتاب النشر والطي. وراجع: الصراط المستقيم ج١ ص٣٠٣ وبحار الأنوار ج٣٧ ص٢١٧. وراجع: التنبيه والإشراف للمسعودي ص٢٢٢ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص٣٦٧.
٢- إقتضاء الصراط المستقيم ص٢٩٤ و (ط سنة ١٤١٩هـ ـ ١٩٩٩م) ج٢ ص٨٣.
ماذا يقول شانئو علي (عليهالسلام )؟!:
ذكرت بعض النصوص المتقدمة: أن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة يعدل صيام ستين شهراً، ولكن نفوس شانئي علي (عليهالسلام )، والمتحاملين عليه لم تحتمل سماع هذه الفضيلة له، فبادرت إلى تكذيبها بصورة قاطعة معززة بالأيمان المغلظة، وكان مستندهم في ذلك غريباً وعجيباً، فاستمع إلى ابن كثير وهو ينقل لنا ذلك عن الذهبي، فيقول عن هذا الحديث:
(إنه حديث منكر جداً، بل كذب، لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة، يوم عرفة. ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بها كما قدمنا.
وكذا قوله: إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة، وهو يوم غدير خم، يعدل صيام ستين شهراً، لا يصح، لأنه قد ثبت ما معناه في الصحيح: أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهراً؟! هذا باطل.
وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي بعد إيراده هذا الحديث: هذا حديث منكر جداً. ورواه حبشون الخلال، وأحمد بن عبد الله بن أحمد النيري، وهما صدوقان، عن علي بن سعيد الرملي، عن ضمرة.
قال: ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك، وأبي سعيد وغيرهم بأسانيد واهية.
قال: وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله (صلىاللهعليهوآله )
قاله، وأما: اللهم وال من والاه، فزيادة قوية الإسناد. وأما هذا الصوم فليس بصحيح، ولا والله، ما نزلت هذه الآية إلا يوم عرفة، قبل غدير خم بأيام، والله تعالى أعلم)(١) .
ونقول:
إن كلام الذهبي مرفوض جملة وتفصيلاً، وذلك لما يلي:
١ ـ قد ذكرنا: أن نزول الآية في يوم عرفة في ضمن سورة المائدة لا يعني عدم نزولها مرة أخرى بعد ثمانية أيام في غدير خم..
بل إن ثمة آيات وسوراً قد نزلت أكثر من مرة لمناسبات اقتضت نزولها أكثر من مرة..
٢ ـ إن هؤلاء رووا أيضاً: أن من صام رمضان ثم اتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر(٢) .
____________
١- البداية والنهاية ج٥ ص٢٣٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٤٢٥.
٢- سنن أبي داود ج١ ص٥٤٤ ومجمع الزوائد ج٣ ص١٨٣ وفتح الباري ج٤ ص١٩٤ ومسند الحميدي ج١ ص١٨٨ والسنن الكبرى للنسائي ج٢ ص١٦٣ وصحيح ابن خزيمة ج٣ ص٢٩٨ والمعجم الأوسط ج٥ ص١٧١ والمعجم الكبير ج٤ ص١٣٦ وأمالي الحافظ الأصبهاني ص٢١ و ٣٤ ومعرفة السنن والآثار ج٣ ص٤٥٠ والإستذكار ج٣ ص٣٧٩ والإنصاف للمرداوي ج٣ ص٣٤٣ وأحكام القرآن لابن العربي ج١ ص١٠٩ وج ٣٢١ والبرهان للزركشي ج٢ ص١٣٦ الدر المنثور ج٣ ص٦٦ وتاريخ مدينة دمشق ج٣٦ ص٣٥.
٣ ـ عن يزيد بن هارون، عن شعبة، عن أنس بن سيرين، عن عبد الملك بن المنهال، عن أبيه، عن رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، أنه كان يأمر بصيام البيض. ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة. ويقول: (هو كصوم الدهر، أو كهيئة صوم الدهر)(١) .
٤ ـ وعن علي (عليهالسلام ): (في رجب يوم وليلة، من صام ذلك اليوم، وقام تلك الليلة، كان له من الأجر كمن صام مائة سنة، وقام مائة سنة. وهي لثلاث ليال بقين من رجب. في ذلك اليوم بعث الله محمداً نبياً)(٢) .
٥ ـ وروي: من صام يوماً من رجب كان كصيام سنة(٣) .
٦ ـ عن ابن عمر عنه (صلىاللهعليهوآله ): صوم يوم عرفة صوم
____________
١- مسند أحمد ج٥ ص٢٧ و ٢٨ وسنن ابن ماجة ج١ ص٥٤٤ وعمدة القاري ج١١ ص٩٦ والآحاد والمثاني ج٣ ص٢٦٨ وج٤ ص٢٨٩ والمعجم الكبير ج١٠ ص١٣٧ وج١٩ ص١٧ وراجع: مسند أبي داود الطيالسي ص١٧٠ وأسد الغابة ج٤ ص١٩٥ و ٤١٤ والسنن الكبرى للبيهقي ج٤ ص٢٩٤ وفتح الباري ج٤ ص١٩٧ وشرح معاني الآثار ج٢ ص٨١.
٢- تذكرة الموضوعات للفتني ص١١٦ وفضائل الأوقات للبيهقي ص٩٦ والدر المنثور ج٣ ص٢٣٥.
٣- فضائل الأوقات للبيهقي ص٩٣ وكنز العمال ج٨ ص٥٧٨ وج١٢ ص٣١١ والدر المنثور ج٣ ص٢٣٥.
سنة(١) .
وفي نص آخر: يعدله بصوم سنتين(٢) .
٧ ـ عن أبي قتادة قال: صيام يوم عرفة يعدل السنة والتي تليها، وصيام عاشوراء يعدل سنة(٣) .
٨ ـ وروي مرسلاً: صيام كل يوم من أيام العشر كصيام شهر، وصيام عرفة كصيام أربعة عشر شهراً(٤) .
٩ ـ وعن ابن عباس، عنه (صلىاللهعليهوآله ): من صام يوم عرفة كان له كفارة سنتين، ومن صام يوماً من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوماً(٥) .
١٠ ـ وروى البخاري، ومسلم، وأحمد، وابن ماجة وغيرهم: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) قال لعبد الله بن عمرو: صم ثلاثة أيام من الشهر صوم
____________
١- مسند أبي يعلى ج١٠ ص١٧ وكنز العمال ج٥ ص٧٥ و ١٩٣ وشرح معاني الآثار ج٢ ص٧٢.
٢- مسند أحمد ج٥ ص٣٠٧ والسنن الكبرى للنسائي ج٢ ص١٥٢.
٣- كنز العمال ج٥ ص٧٥ و ٧٦ وراجع: السنن الكبرى للنسائي ج٢ ص١٥٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٧ ص٢٧٧.
٤- كنز العمال ج٥ ص٧٦ وراجع: جامع أحاديث الشيعة ج٩ ص٤٢٧ ومستدرك الوسائل ج٧ ص٥٢٩.
٥- مجمع الزوائد ج٣ ص١٩٠ والمعجم الصغير ج٢ ص٧١ والجامع الصغير ج٢ ص٦١٤ والعهود المحمدية ص١٩١ وكنز العمال ج٨ ص٥٧٢ وفيض القدير ج٦ ص٢١٠.
الدهر كله(١) .
فهل يستطيع العجلوني والذهبي، ومن ينسج على منوالهما أن يحكم بكذب هذه الروايات كلها وسواها مما يدخل في هذا السياق، مع أن بعضها وارد في صحاحهم، ولا يكاد يخلو منه كتاب حديث لهم يتعرض لثواب صيام الأيام؟!
أم أن وراء الأكمة ما وراءها من التحامل على علي (عليهالسلام )، والتشكيك في كل ما يؤيد إمامته، ويسعى لتكذيب ما جرى عليه وعلى زوجته فاطمة الزهراء (عليهماالسلام ) بعد وفاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله )؟!
الإبتداع الغبي:
وقالوا عن سنة ٣٨٩ هـ: (وفيها أرادت الشيعة أن يصنعوا ما كانوا يصنعونه من الزينة يوم غدير خم، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، فيما يزعمونه، فقاتلهم جهلة آخرون من المنتسبين إلى السنّة؛ فادعوا: أنّه في مثل هذا اليوم حصر النبي (صلىاللهعليهوآله ) وأبو بكر في الغار، فامتنعوا من ذلك)(٢) .
____________
١- مسند أحمد ج٢ ص١٨٩ وسنن النسائي ج٤ ص٢١٤ والسنن الكبرى للبيهقي ج٤ ص٢٩٩ والسنن الكبرى للنسائي ج٢ ص١٣١.
٢- راجع: البداية والنهاية ج١١ ص٣٢٥ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج١١ ص٣٧٣ والمنتظـم ج٧ ص٢٠٦ وشذرات الـذهـب ج٣ ص١٣٠ والخطط = = المقريزية ج١ ص٣٨٩ والكامل في التاريخ ج٩ ص١٥٥ وذيل تجارب الأمم لأبي شجاع ج٣ ص٣٣٩ ـ ٣٤٠ ونهاية الإرب ج١ ص١٨٥.
واستمر أهل السنّة يعملون هذا العيد المزعوم دهراً طويلاً. وقد أظهروا فيه الزينة، ونصب القباب، وإيقاد النيران الخ..(١) .
ونقول:
١ ـ إن الشيعة لم يبتدعوا هذا الأمر من عند أنفسهم، وإنما عملوا بقناعاتهم، وبما ثبت لديهم أنه من الدين، فهل الذي يعمل بقناعاته الإيمانية، التي يستند فيها إلى الدليل والبرهان القاطع يعتبر جاهلاً؟!..
٢ ـ وهل يصح مساواة من يعمل بما ثبت لديه بالدليل بالذي يعتدي عليه من غير حق، وبدون وجه شرعي، وإنما لمجرد البغي عليه، والتجبر فيه، والتحكم به، انطلاقاً من العصبية والهوى؟!
٣ ـ وإذا كان هذا الرجل قد اعترف بأن المعتدين على الشيعة جهلة من حيث إن هؤلاء المعتدين هم أهل نحلته، وهو أعرف الناس بهم، فمن أين علم أن الآخرين جهلة أيضاً، ولماذا يتهمهم بما لا يحق له اتهامهم به؟!
٤ ـ ولماذا لا يردع عقلاء أهل السنة جهلاءهم المعتدين عن عدوانهم؟!
____________
١- راجع: البداية والنهاية ج١١ ص٣٢٥ ـ ٣٢٦ وشذرات الذهب ج٣ ص١٣٠ والمنتظم ج٧ ص٢٠٦ والكامل في التاريخ ج٩ ص١٥٥ وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة ٣٨٠ ـ ٤٠٠ هـ) ص٢٥ وعن تاريخ كزيده ص١٤٨ وذيل تجارب الأمم للوزير أبي شجاع ج٣ ص٣٣٩ ـ ٣٤٠.
٥ ـ وما هو المبرر لاختراع عيد جديد لم نجد من علمائهم أية إدانة له، أو اعتراض عليه، رغم اعترافه بأنه بدعة، والبدعة لا يصح ترويجها، ورغم أنهم حنابلة يتشددون في مثل هذا الأمر إلى حد تكفير فاعله ولا سيما إذا أصر عليه؟! ولا أقل من أنهم يرون ذلك خروجاً عن حدود الشرع والدين، فلا بد لهم من النهي عن المنكر..
فكيف إذا استمر هذا العيد بينهم دهراً طويلاً، كما صرحوا به أنفسهم، دونما مانع أو رادع؟!
٦ ـ واللافت هنا: أن علماءهم ينسبون هذا العيد إلى العوام، ويتحاشون التعبير بكلمة عيد، وينأون بأنفسهم عن توصيفه بالبدعة، فيقولون: عمل عوام السنة يوم سرور، وكأن الأسماء تغير الواقع وتلغيه.
ولكن ما أسرعهم إلى وصم الآخرين الذين يخالفونهم في الإجتهاد والرأي ـ ولو كانوا من أهل السنة بالكفر ـ والشرك، وما إلى ذلك، لأتفه الأسباب، وأوهى العلل..
٧ ـ والأدهى من ذلك كله.. : أن عيدهم هذا قد ارتكز على تزوير عظيم وظالم، لتاريخٍ بريء من هذا الأمر، براءة الذئب من دم يوسف، ولا علاقة له بموضوع الغدير والإمامة والبيعة، حيث الزموا أنفسهم بأن يجعلوا يوم الثامن عشر من ذي الحجة هو عيد الهجرة المرتبطة بالنبي (صلىاللهعليهوآله )، وحصره بالغار! في حين أن الأمة بأسرها مجمعة على أن ذلك قد حصل في شهر ربيع الأول..
فلماذا لم يلفت علماؤهم نظرهم إلى هذا الخطأ الفادح والمعيب؟!
وإن كان علماؤهم يوافقونهم على ذلك، ولم يلتفتوا إلى هذا الخطأ فعلى الإسلام السلام..
٨ ـ على أننا لا ندري لماذا اعتبروا يوم حصر النبي (صلىاللهعليهوآله ) في الغار يوم سرور وفرح؟! ولم لا يكون سائر ما جرى على النبي أعياداً، وايام فرح وسرور؟! مثل يوم قلع باب خيبر، ويوم فتح مكة، ويوم قتل عمرو بن عبد ود، وسائر أيام النصر أعياداً..
٩ ـ إذا كان حصر النبي في الغار من موجبات السرور والفرح عند هؤلاء، فهل لنا أن نتوقع أن يتخذوا يوم وفاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) يوم عيد أيضاً؟!.. تماماً كما اعتبروا يوم عاشوراء يوم توسعة على العيال، ولبس الجديد، وما إلى ذلك؟!
الفصل الخامس: حديث الغدير: ثابت.. ومتواتر..
المنكرون والمشككون...:
هناك من حاول الطعن في سند حديث الغدير، ولكن بصورة عشوائية وأهوائية، وهم إما لم يقدموا أي دليل على رفضهم لهذا الحديث، أو قدموا دليلاً، لا أساس له من الصحة.. فلاحظ ما يلي:
١ ـ زعم التفتازاني: أن أكثر الذين تنسب إليهم رواية حديث الغدير لم يرووه على الحقيقة(١) .
وهذا تحكم غير مقبول، ودعوى بلا دليل، ولا مبرر له من الناحية العلمية..
٢ ـ زعم ابن تيمية: أنه لا ريب في كذب هذا الحديث(٢) .
وهذا كسابقه، من حيث إنه محض دعوى لم يقدم دليلاً عليها، ولو جاز رد الأحاديث بهذه الطريقة لبطل الدين، ومحقت شريعة سيد المرسلين..
كما أنه لو جاز رد الأحاديث التي لها هذه الأسانيد الصحيحة والمتواترة كما سنرى، فإنه لا يمكن إثبات أية حقيقة على الإطلاق..
____________
١- شرح المقاصد ج٥ ص٢٧٤.
٢- منهاج السنة ج٤ ص٨٥.
٣ ـ وثمة من طعن في حديث الغدير، واعترف بصحة الدعاء: وهو قوله (صلىاللهعليهوآله ): اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وقال: لم يخرِّج غير أحمد إلا الجزء الأخير من قوله: (اللهم وال من والاه إلخ..)(١) .
وهذا الكلام أيضاً تحكم باطل.. وأدنى مراجعة للمصادر تظهر ذلك، على أن نفس هذا الدعاء الذي اعترف بصحته كاف في إثبات إمامته (عليهالسلام ).. فإن من يكون كذلك هو الذي يصلح لمقام الإمامة، بل يكون هو الإمام دون سواه، ولا سيما قوله (صلىاللهعليهوآله ): وانصر من نصره، واخذل من خذله..
٤ ـ وثمة من يقول: (لم يروه علماؤنا)(٢) ، ويقول: (لا يصح من طريق الثقات)(٣) .
وهذا كذب صراح، فإن المصادر التي تقدمت تكفي في إثبات زيفه..
٥ ـ ومثله قول بعضهم: (لم يذكره الثقات من المحدثين)(٤) إذا ما أكثر الثقات الذين رووه وذكروه..
____________
١- الغدير ج١ ص٣١٥ عن نجاة المؤمن لمحمد محسن الكشميري.
٢- الغدير ج١ ص٣١٥ عن ابن حزم في المفاضلة بين الصحابة.
٣- الغدير ج١ ص٣١٥ والفصل في الملل والأهواء والنحل ج٤ ص١٤٨ وعنه في منهاج السنة ج٤ ص٨٦.
٤- الغدير ج١ ص٣١٦ عن السهام الثاقبة لسبط ميرزا مخدوم بن عبد الباقي.