• البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 69506 / تحميل: 7785
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

٦ ـ وهناك من يزعم: أنه لم يخرجه إلا أحمد في مسنده(١) .

وكل ذلك تحكم جائر، وتمحل غبي، يظهر عواره للعيان، حتى للعميان، فضلاً عن العوران والحولان..

مصادر حديث الغدير:

قد جمع العلامة الأميني في كتابه القيم (الغدير) طائفة كبيرة من مصادر حديث الغدير، ولكنه لم يستطع أن يستقصيها كلها أو أكثرها، ويمكن الإستدراك عليه بمثل ما جمعه أو يزيد.

وقد ألف الكثيرون في مصادر هذا الحديث وطرقه، وأسانيده ـ كما سيمر معنا ـ وكثير من رواياته هي في عداد الصحاح والحسان..

علماً بأن هذا الحديث متواتر بلا ريب، وتواتره يغني عن النظر في أسانيده، فلا عبرة بعدها بتضعيف بعض ما لا خبرة له..

طرق حديث الغدير:

قال العلامة الأميني (رحمه‌الله ): (رواه أحمد بن حنبل من أربعين طريقاً، وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقاً، والجزري المقري من ثمانين طريقاً، وابن عقدة من مائة وخمس طرق، وأبو سعيد السجستاني من مائة وعشرين طريقاً، وأبو بكر الجعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً، وفي تعليق هداية العقول ج٢ ص٣٠ عن الأمير محمد اليمني (أحد شعراء

____________

١- الغدير ج١ ص٣١٥ عن نجاة المؤمن لمحمد محسن الكشميري.

١٨١

الغدير في القرن الثاني عشر): إن له مائة وخمسين طريقاً)(١) . وكذا في طبق الحلوى، عن السيد محمد إبراهيم.

وأنهاها أبو العلاء العطار إلى مائتين وخمسين طريقاً(٢) .

وجمع الدارقطني الحافظ طرقه في جزء(٣) .

وجمع الحافظ ابن عقدة الكوفي كتاباً مفرداً فيه الخ..(٤) . عن سبعين صحابياً وأكثر(٥) .

وقال العسقلاني في فتح الباري: (وأما حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها

____________

١- الغدير ج١ هامش ص١٤ وذكر تفاصيل ذلك ص١٥٢ ـ ١٥٨.

٢- الغدير ج١ هامش ص٣٠٢ و ١٥٨ عن القول الفصل ج١ ص٤٤٥ للعلوي الهدار الحداد، ونهج الإيمان لابن جبر ص١٣٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٩ ص٦٧٨.

٣- الغدير ج١ ص١٥٤ و ٢٩٧ والفصول المهمة لابن الصباغ ج١ ص٥٠ عن كفاية الطالب ص٦٠.

٤- كفاية الطالب ص٥٩ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٠٢ والغدير ج١ ص٢٩٧ وكتاب الولاية لابن عقدة ص١٣٩.

٥- تهذيب التهذيب ج٧ ص٣٣٩ و (ط دار الفكر) ج٧ ص٢٩٨ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٩٣ والغدير ج١ ص١٥٣ و ٢٩٩ وكتاب الولاية لابن عقدة ص١٤٠ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٢٨٩.

١٨٢

ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان)(١) .

وقال العاصمي: (هذا حـديـث تلقتـه الأمـة بالقبول، وهـو مـوافـق بالأصول)(٢) .

وقال ابن عبد البر عن حديث المؤاخاة، وحديثي الراية والغدير: (وهذه كلها آثار ثابتة)(٣) .

وقال ابن المغازلي عن هذا الحديث: (وقد رواه نحو مائة نفس، منهم العشرة المبشرة، وهو حديث ثابت، لا أعرف له علة)(٤) .

____________

١- الغدير ج١ ص١٥٣ و ٣٩٩ و ٣٠٤ و ٣١٠ وفتح الباري ج٧ ص٦١ والمواهب اللدنية ج٣ ص٣٦٥ والصواعق المحرقة ص٤٢ و ٤٣ ووسيلة المآل ص١١٧ و ١١٨ ونزل الأبرار ص٥٤ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١٩٩ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص٢١١ و ٢١٦ وينابيع المودة ج٢ ص٣٦٩ وراجع: شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٢٩١ و ٢٩٢ و ٢٩٥.

٢- الغدير ج١ ص٢٩٥ عن زين الفتى.

٣- الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج٢ ص٣٧٣ و (ط دار الجيل) ج٣ ص١٠٩٩ والغدير ج١ ص٢٩٥ ومناقب أهل البيت "عليهم‌السلام " ص٤٤.

٤- مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص٢٧ والعمدة ص١٠٨ والطرائف ص١٤٢ والصراط المستقيم ج١ ص٣٠٠ وكتاب الأربعين للشيرازي ص١٢١ وبحار الأنوار ج٣٧ ص١٨٣ وكتاب الأربعين للماحوزي ص١٤١ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٣٩ وج٩ ص١٦ والغدير ج١ ص٢٩٥ و ٣١٥ ونهج الإيمان ص١٢٢.

١٨٣

وفي سر العالمين: (أجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم، باتفاق الجميع)(١) .

وفي المناقب لابن الجوزي: (اتفق علماء السير)(٢) .

وقال السمناني: (هذا حديث متفق على صحته)(٣) .

وقال الذهبي: (صدر الحديث متواتر، أتيقن أن رسول الله قاله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قاله، وأما (اللهم وال من والاه..) فزيادة قوية الإسناد)(٤) .

كما أن شمس الدين الجزري روى حديث الغدير من ثمانين طريقاً، وأفرد في إثبات تواتره رسالته المسماة بـ (أسنى المطالب).

____________

١- سر العالمين ص٢١ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٢٨٤ وبحار الأنوار ج٣٧ ص٢٥١ وخلاصة عبقات الأنوار ج٩ ص١٨٦ والغدير ج١ ص٢٧٦ و ٢٩٦ و ٣٩٢.

٢- بحار الأنوار ج٣٧ ص١٥٠ وج١٠٩ ص١٩ وخلاصة عبقات الأنوار ج٨ ص٣٥٠ وج٩ ص١٩٥ والغدير ج١ ص٢٩٦ و ٣٩٢ والعدد القوية ص١٨٣.

٣- العروة لأهل الخلوة ص٤٢٢ وخلاصة عبقات الأنوار ج٩ ص٣١٤ و ٣١٥ والغدير ج١ ص٢٩٧ و ٣٩٦.

٤- البداية والنهاية ج٥ ص٢٢٨ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج٥ ص٣٣٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٤٢٦ وراجع: الغدير ج١ ص ٢٩٧ و ٢٩٨ و (ط مركز الغدير للدراسات) ج١ ص١٣٢ و ١٣٣ وراجع: روح المعاني ج٦ ص١٩٥ وخلاصة عبقات الأنوار ج٨ ص٢٨٢.

١٨٤

وقال بعد ذكر مناشدة أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) يوم الرحبة: (هذا حديث حسن من هذا الوجه، صحيح من وجوه كثيرة، تواتر عن أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام )..)(١) .

رواة حديث الغدير:

وتابع الأميني (رحمه‌الله ): ولا شك في أن هذا الحديث متواتر أيضاً عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، رواه الجم الغفير عن الجم الغفير. والروايات الصحاح والحسان كثيرة فيه، رغم أن تواتر الحديث يغني عن النظر في الأسانيد، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطِّلاع ولا بصيرة له في هذا العلم، فقد ورد مرفوعاً ـ كما قالوا ـ عن أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، والعباس بن عبد المطلب، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وبريدة بن الحصيب، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وحبشي بن جنادة، وعبد الله بن مسعود، وعمران بن حصين، وعبد الله بن عمر، وعمار بن ياسر، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وأسعد بن زرارة، وخزيمة بن ثابت، وأبي أيوب الأنصاري، وسهل بن حنيف، وحذيفة بن اليمان، وسمرة بن جندب، وزيد بن ثابت، وأنس بن مالك وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم.

____________

١- الغدير ج١ ص٢٩٨ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٨٦ و ١٩٠ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٢١ ص١٠٢.

١٨٥

وصحح عن جماعة منهم ممن يحصل القطع بخبرهم(١) .

وقد أحصى العلامة الأميني رواية مائة وعشرة من الصحابة لهذا الحديث، وربما يمكن إضافة عدد وافر آخر إليهم بالإستفادة من الجهاز الآلي (الكمبيوتر)، تبعاً لازدياد المصادر التي تضاف إلى ذاكرته.

تواتر حديث الغدير:

تقدم معنا ما دل على تواتر حديث الغدير، ونزيد هنا قول جمال الدين الحسيني الشيرازي: أصل هذا الحديث ـ سوى قصة الحارث(٢) ـ تواتر عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، وهو متواتر عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أيضاً، ورواه جمع كثير، وجم غفير من الصحابة(٣) .

وعن السيوطي أيضاً: إنه حديث متواتر(٤) .

____________

١- الغدير ج١ ص٢٩٨ و ٢٩٩ وأسنى المطالب ص٤٧ و ٤٨ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٩٠ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٢١ ص١٠٣.

٢- أي التي نزلت آيات سورة المعارج بسببها.

٣- الغدير ج١ ص٣٠١ و ٣٠٢ عن الأربعين للشيرازي، وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٩٨ وج٨ ص٢٦١ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٢٩٤.

٤- فيض القدير ج٦ ص٢١٨ وقطف الأزهار ص٢٧٧ والبيان والتعريف ج٣ ص٧٥ و ٢٣٣ والغدير ج١ ص٣٠٠ و ٣٠٨ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٢٩١.

١٨٦

وعده المقبلي أيضاً في جملة الأحاديث المتواترة، والمفيدة للعلم(١) .

وقال محمد الصنعاني: حديث الغدير متواتر عند أكثر أئمة الحديث(٢) .

وعده العمادي الحنفي من المتواترات(٣) .

وراجع كتاب تشنيف الآذان ص٧٧، فإنه حكم بتواتره وذكر طائفة من طرقه أيضاً.

الرازي.. والأربع مئة طريق:

يقول الرازي: (ظفرت بأربع مئة طريق إلى حديث الغدير، ومع ذلك لم يؤثر صحته في قلبي)(٤) .

وللرازي مكانته المرموقة بين علماء أهل السنة، وهو هنا كما ترى يصرح بأنه ينقاد لدواعي الهوى والتعصب، وهذا تصريح خطير منه، نكل أمر الحكم عليه إلى ضمير القارئ، ليعرف مع من نتعامل، وبمن ابتلي علي

____________

١- الغدير ج١ ص٣٠٦ عن كتاب الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة، وعن هداية العقول إلى غاية السؤول ج٢ ص٣٠ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص٢١٣.

٢- الروضة الندية ص١٥٤ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص٢١٨ والغدير ج١ ص٣٠٧ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٢٩٦.

٣- الصلات الفاخرة ص٤٩ والغدير ج١ ص٣١٠.

٤- رسالة في الإمامة للشيخ عباسي نجل الشيخ حسن صاحب أنوار الفقاهة ص٩٨.

١٨٧

أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، وماذا يمكن أن يكون قد جرى لكثير من الحقائق المرتبطة به (عليه‌السلام ) التي لم توفق إلى أربع مئة طريق من الأسانيد؟! وهل بلغتنا؟! وإن كانت قد بلغتنا، فهل وصلت سليمة عن التحريف والتزييف، والتقليم والتطعيم؟!..

وإذا كان هذا هو حال علماء السلف القريب، فكيف كان حال سلف الرازي نفسه، والذين ذاقوا أو ذاق آباؤهم وإخوانهم طعم سيف علي (عليه‌السلام )، وواجهوا صلابته في دينه (عليه‌السلام )؟!

هذا مع العلم بأن الرازي يتهم بالتشيع أيضاً.. فاضحك بعد هذا، أو فابك، ما بدا لك..

ما أصعب أن يتواتر حديث الغدير!:

وكلنا يعلم مدى شراسة أعداء علي (عليه‌السلام )، ولا سيما الأمويين والعباسيين، وغيرهم ممن جاء بعدهم، وإلى يومنا هذا تجاه كل من يروي فضيلة لعلي (عليه‌السلام ) مهما كانت، ومدى الأخطار التي يواجهها العلماء في هذا المجال، حيث يتعرضون لمختلف أنواع الأذى، وأهونها تشويه السمعة، والإهانات والضرب والزج بالسجون، وقطع الأرزاق، إن لم يمكنهم قطع الأعناق..

هذا فضلاً عن أن الكثيرين من حملة الحديث كانت الأحقاد والضغائن تصدهم عن رواية أي شيء يتعلق بعلي (عليه‌السلام )، فهل يروون له حديث الغدير الذي يدينهم في اعتقادهم، ويسقط حجتهم؟!..

من أجل ذلك نقول:

١٨٨

إن تواتر هذا الأمر الذي يحاربه الأكثرون، ويعاقَبُ من يرويه بأشد ما يكون. لا يحتاج إلى كل هذا العدد الهائل، بل يكفي لإثباته، وظهور تواتره خمس هذا العدد، أو أقل من ذلك، ما دام أن الراوي له إنما يحمل دمه على كفه، ويخاطر بروحه ونفسه، ويسير إلى حتفه بظلفه..

وقد قال ابن قتيبة عن تعصب أهل السنة على علي (عليه‌السلام ) ما يلي:

(وتحامى كثير من المحدثين أن يحدثوا بفضائله (عليه‌السلام )، أو يظهروا ما يجب له.. وأهملوا من ذَكَرَه، أو روى حديثاً من فضائله، حتى تحامى كثير من المحدثين ثوابها، وعنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص، ومعاوية! كأنهم لا يريدونهما بذلك. بل يريدونه.

فإن قال قائل: أخو رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علي، وأبو سبطيه الحسن والحسين، وأصحاب الكساء: علي، وفاطمة، والحسن والحسين، تمعَّرت الوجوه، وتنكرت العيون، وطرَّت حسائك الصدور.

وإن ذكر ذاكر قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (من كنت مولاه فعلي مولاه)، و (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) واشباه هذا التمسوا لتلك الأحاديث المخارج ليتنقصوه ويبخسوه حقه). انتهى(١) .

____________

١- الإختلاف في اللفظ (ط دار القدسي بمصر سنة ١٣٤٩ هـ) ص٤٧ وفتح الملك العلي لأحمد بن الصديق المغربي ص١٥٤ ودفع الإرتياب عن حديث الباب لعلي بن محمد العلوي ص٣٣.

١٨٩

أسباب إنكارهم التواتر:

ولأن الشيعة يقولون: لا بد في الأمور الإعتقادية الأساسية، ومنها الإمامة من الثبوت بالدليل القطعي، من العقل، أو النقل، فلا يكفي خبر الواحد.. فقد سعى بعض الناس إلى إنكار تواتر حديث الغدير، زعماً منهم أنهم بذلك يسقطون هذا الحديث عن صلاحية الإستدلال به..

وقد غفلوا عن أن المتواتر عند بعض علماء أهل السنة: هو الذي يرويه ثمانية من الصحابة(١) ، أو أربعة منهم(٢) ، أو خمسة(٣) ، بل إن هذا المدعي نفسه يجزم بتواتر حديث الأئمة من قريش، وقد رواه عندهم ثلاثة أشخاص فقط، هم: أنس، وابن عمر، ومعاوية، وروى معناه ثلاثة آخرون هم: جابر بن سمرة، وجابر بن عبد الله، وعبادة بن الصامت(٤) .

ومنهم من يحكم بتواتر حديث روي باثنتي عشرة طريقاً(٥) ، وجوَّد

____________

١- الصواعق المحرقة ص٢٣ والغدير ج١ ص٣٢١ وخلاصة عبقات الأنوار ج١ ص٣٥.

٢- المحلى لابن حزم ج٢ ص١٣٥ وج٧ ص٥١٢ وج٨ ص٤٥٣ وج٩ ص٧ والغدير ج١ ص٣٢١ والفصول في الأصول للجصاص ج٣ ص٥١ وفيض القدير ج١ ص٦٤٩.

٣- المنخول للغزالي ص٣٢٩.

٤- الفصل لابن حزم ج٤ ص٨٩.

٥- البداية والنهاية ج٧ ص٢٨٩ ونظم المتناثر من الحديث المتواتر ص١٦.

١٩٠

السيوطي قول من حدد التواتر بعشرة(١) .

فكيف إذا كان الحديث مروياً بمئات الطرق ذكر منها بعضهم مائة وخمسين، وبعضهم الآخر مائتين وخمسين طريقاً عن أكثر من مائة وعشرة من الصحابة؟! والرازي يقول: (ظفرت بأربع مئة طريق إلى حديث الغدير..).

أما أحمد أمين، فقد فضح نفسه، حين قال: إن الشيعة يروون حديث الغدير عن البراء بن عازب.. فاقرأ واعجب، فما عشت أراك الدهر عجباً!

الغدير لم يخرِّجه الشيخان:

وطعن بعضهم في حديث الغدير: بأن البخاري ومسلم لم يخرِجاه(٢) .

بل قال بعضهم: إن أحداً من أصحاب الصحاح لم يخرجه(٣) .

مع أن الترمذي قد أخرجه في صحيحه، وكذلك ابن ماجة في سننه، فضلاً عمن عداهم، مثل الضياء في المختارة وغيره.

وعدم إخراج الشيخين له إنما يوجب الطعن بهما، من حيث إنه يشير

____________

١- ألفية السيوطي في علم الحديث ص٤٤ والمجموع للنووي ج١٩ ص٢٣٢ ونظم المتناثر من الحديث المتواتر ص ٨.

٢- شرح المقاصد للتفتازاني ج٥ ص٢٧٤ والمواقف لعضد الدين الأيجي ص٤٠٥ والغدير ج١ ص٣١٦.

٣- الغدير ج١ ص٣١٧ عن مرافض الروافض للسهارنپوري.

١٩١

إلى تعصبهما، ومجانبتهما سبيل الإنصاف، واتباعهما طريق الإعتساف..

على أن هناك آلافاً من الأحاديث التي لم يخرجها الشيخان، فراجع المستدرك للحاكم، وتلخيصه للذهبي، فضلاً عن مستدركات أخرى ذكرها آخرون، فهل يرضى هؤلاء بإهمالها، أو بطمسها؟!

المؤلفات في حديث الغدير:

وقد أشار العلامة الأميني (رحمه‌الله ) إلى طائفة من المؤلفات في حديث الغدير بلغت ستة وعشرين مؤلفاً.

كما أن للعلامة السيد عبد العزيز الطباطبائي (رحمه‌الله ) كتاباً بعنوان: (الغدير في التراث الإسلامي) صدر عن دار المؤرخ العربي في بيروت سنة ١٤١٤ هـ. أشار فيه إلى الكثير مما لم يذكره العلامة الأميني (رحمه‌الله ).

وقد حكي عن الجويني الملقب بإمام الحرمين، وهو أستاذ الغزالي: أنه كان يتعجب ويقول: (رأيت مجلداً في بغداد في يد صحاف فيه روايات خبر غدير خم، مكتوباً عليه: المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (من كنت مولاه فعلي مولاه)، ويتلوه المجلدة التاسعة والعشرون)(١) .

____________

١- بحار الأنوار ج٣٧ ص٢٣٦ والغدير ج١ ص١٥٨ ومستدرك سفينة البحار ج٧ ص٥٤٥ وقاموس الرجال ج١١ ص٥١٧ ونهج الإيمان لابن جبر ص١٣٤ وينابيع المودة ج١ ص١١٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٢٩٢.

١٩٢

وقال الذهبي: رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جرير، فاندهشت له، ولكثرة تلك الطرق(١) .

ثم إن أكثر من حضر يوم الغدير كان من أعراب البوادي، الذين ذهبوا وذهب ما عندهم، ولم ينقل شيء عنهم إلى غيرهم إلا ما شذ..

____________

١- تذكرة الحفاظ ج٢ ص٧١٣ ومشكل الآثار ج٢ ص٣٠٨ والصواعق المحرقة ص٤٢ و ٤٣ والمعتصر من المختصر ج٢ ص٣٠١ والمرقاة في شرح المشكاة ج١٠ ص٤٧٦ والمسترشد للطبري (الشيعي) ص٤٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص٢١٩ والغدير ج١ ص١٥٢ و ٣٠٧ والإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " لأحمد الرحماني ص٨٠٨ وفتح الملك العلي لابن الصديق المغربي ص١٥.

١٩٣

١٩٤

الفصل السادس: خطبة الغدير: حدث.. ودلالة..

١٩٥

١٩٦

قبل أن يبدأ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خطبته:

بعد ما جرى في عرفات، وإلى أن بلغ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) غدير خم، خطب الناس مرات عديدة وجرت أحداث لها العديد من الإشارات والدلالات، ونذكر من ذلك:

ألف: إن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حين خطب بمنى اسمع الله الناس كلهم صوته، لتكون هذه المعجزة تذكيراً للناس بالهيمنة والتصرف الإلهي، لكي لا يظنوا أن ما جرى في عرفة دليل على قوة أولئك المتجرئين وضعف في النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. ولكي يعرفوا أن الله تعالى لم يعاملهم بعدله، وإنما عاملهم بحِلمه..

أي أنه إنما سكت عنهم رحمة بهم، وتكرماً وتفضلاً عليهم، وذلك يزيد في ظهور قبح عملهم، ولا بد أن يؤكد سر النبوة، ونبل وخلق الأصفياء، والأطياب من أهل الله تبارك وتعالى..

ب : ثم كانت مبادرته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) للخروج من مكة بمجرد نفره من منى، فلم يطف بالبيت، ولم يدخل المسجد الحرام أصلاً، ولو لإلقاء نظرة الوداع على أحب الأمكنة إليه..

ج : ثم قطع المسافة بين مكة والجحفة، ثم غدير خم في مدة أربعة أيام،

١٩٧

مع أن عائشة بذلت محاولة لإعاقته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن مقصده هذا، حيث أصرت عليه أن يعمرها عمرة مفردة، فأخبرها بأن طوافها بالبيت، وبالصفا والمروة قد أجزأ عن حجها وعمرتها، فأبت إلا أن تعتمر، فأرسلها مع أخيها إلى التنعيم لتعتمر منه، وواعدها أن تلقاه في مكان كذا وكذا..(١) .

د: إن حبس النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) المتقدمين في غدير خم، وانتظاره المتأخرين قد عرَّف الناس أن ثمة أمراً يريده النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) منهم، حيث إنه لم يفعل ذلك إلا هذه المرة.. فهو لم يتركهم يجتمعون في بعض المنازل، ثم يقوم فيهم خطيباً، بصورة مفاجئة، لأنهم قد يتلقَّون ذلك على أنه أمر عادي من نبي يريد ان يعظ قومه، وأن ينصحهم، فلا يهتمون بالإصغاء إليه، وقد يخطر على بال بعضهم أن يذهب للإستراحة، أو

____________

١- سبل الهدى والرشاد ج٨ ص٤٨٤ وراجع: نيل الأوطار ج٥ ص٥٩ ومسند أحمد ج٦ ص١٢٢ و ٤٣ وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج٢ ص١٥١ و ١٩٦ و ٢٠١ و ٢٠٢ وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج٤ ص٣٢ و ٣٣ وسنن النسائي ج٥ ص١٧٨ وعمدة القاري ج٩ ص١٩٥ وج١٠ ص٩٨ و ١٢٣ و ١٢٥ ومسند ابن راهويه ج٣ ص٨٦٢ والسنن الكبرى للنسائي ج٢ ص٣٦٦ و ٤٧٤ وشرح معاني الآثار ج٢ ص٢٠٢ و ٢٠٣ وتغليق التعليق ج٣ ص١١٤ وصحيح ابن خزيمة ج٤ ص٣٣٩ وسبل السلام ج٢ ص١٨٧ والسنن الكبرى للبيهقي ج٤ ص٣٣١ والمصنف لابن أبي شيبة ج٤ ص٢٣١ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٢ ص١٨٩.

١٩٨

لأي حاجة أخرى.

كما أن الكثيرين منهم قد لا يبلغهم أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يريد أن يخطبهم، أو لا يبلغه خبر ذلك إلا بعد أن ينتهي الأمر، ولعل أحداً لا يعرف بما جرى أصلاً.

وخلاصة الأمر: إن هذا التصرف منه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا بد أن يثير فيهم الرغبة للتدقيق فيما يجري، وسيجعلهم ذلك أشد انتباهاً وتيقظاً، وسعياً لتحليل الحدث وفهم معانيه ومراميه.. وستفقد سائر الصوارف قدرتها على التأثير في درجة اهتمامهم به..

هـ: ومما يضاعف شعورهم بخطورة وأهمية الحدث الذي ينتظرونه: أن هذا الإجراء قد جاء في حر الهاجرة، التي يصفها زيد بن أرقم بقوله: (ما أتى علينا يوم كان أشد حراً منه)(١) مع أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أرأف الناس بالناس، وأشدهم عطفاً عليهم، وقد وصفه الله بقوله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ(٢) ، أي يعز عليه أدنى تعب ينالكم مهما كان قليلاً وضئيلاً..

و: ويتأكد ما ذكرناه: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) منعهم من النزول تحت

____________

١- المستدرك للحاكم ج٣ ص٥٣٣ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص٢٤٨ وج٩ ص٨٣ والغدير ج١ ص٣٢ والمعجم الكبير ج٥ ص١٧١ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٤ ص٤٣٨ وج١٨ ص٢٧١ ومناقب الإمام أمير المؤمنين "عليه‌السلام " للكوفي ج٢ ص٤٤٠ وراجع: شرح الأخبار ج١ ص٩٩

٢- الآية ١٢٨ من سورة التوبة.

١٩٩

دوحات خمس كانت هناك، وهي دوحات عظام متقاربات، وقد أمر بإزالة الشوك، وتمهيد المكان هناك..

وهذا يدل على أن عليهم أن ينتظروا حدثاً من نوعٍ مّا عند تلك الشجرات، ولا بد أن تبقى تلك الشجرات وما حدث عندها ماثلة في عمق وجدان وذاكرة الناس كل الناس..

حيث إنه في ذلك المكان بالذات نودي بالصلاة، فعمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إليهن، فصلى بالناس تحتهن، ثم نصب لهم علياً (عليه‌السلام ) ولياً وإماماً(١) .

علي (عليه‌السلام ) في السحاب:

وعن علي (عليه‌السلام ) أنه قال: عممني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يوم غدير خم بعمامة، فسدلها خلفي (أو فسدل طرفها على منكبي)، ثم قال: (إن الله أمدَّني (أيدني) يوم بدر وحنين بملائكة يعتمّون هذه العمة).

____________

١- الفصول المهمة لابن الصباغ ص٢٤١ والغدير ج١ ص١٠ و ٢٦ و ٢٧ عن مصادر كثيرة أخرى، والبداية والنهاية ج٥ ص٢٠٩ وج٧ ص٣٤٨ وتاريخ مدينة دمشق ج١٢ ص٢٢٦ والصواعق المحرقة ص٤٣. وراجع: كتاب الأربعين للماحوزي ص١٣٩ وخلاصة عبقات الأنوار ج٧ ص١٥٥ و ١٥٦ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٣٤٢ ونظرة إلى الغدير للمروج الخراساني ص٥٣ وغاية المرام ج١ ص٢٩٩ وكشف المهم في طريق خبر غدير خم ص١٤٧.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347