• البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 69504 / تحميل: 7785
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

كافية لوجوب قبول حديث الولاية المخرج في المسند، ووافية بالردّ على من طعن فيه

وقال ابن الجوزي في ( كتاب الموضوعات ): « فمتى رأيت حديثاً خارجاً عن دواوين الإِسلام: كالموطأ، ومسند أحمد، والصحيحين، وسنن أبي داود، والترمذي، ونحوها، فانظر فيه، فإن كان له نظير في الصحاح والحسان فرتّب أمره، وإن ارتبت به فرأيته يباين الأصول فتأمّل رجال إسناده واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمّى بالضعفاء والمتروكين، فإنّك تعرف وجه القدح فيه »(١). .

وفي هذه العبارة عدّ المسند من دواوين الإسلام، وذكره في عداد الموطأ والصحيحين وغيرها من الكتب غير المحتاج إلى نظر والتأمّل في أسانيد أخبارها

اعتماد أبناء روزبهان وتيمية وحجر على ابن الجوزي

فهذا حكم ابن الجوزي في كتابه الموضوعات ولكم اعتمد أمثال أبناء تيميّة وروزبهان وحجر على أحكام ابن الجوزي في كتابه المذكور، خاصّةً في باب فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام وأهل البيت وكذلك صاحب الصواقع و ( الدهلوي ) وأتباعهما ولنذكر نبذة من موارد اعتماد القوم على آراء ابن الجوزي:

قال أبو المؤيد الخوارزمي في أوائل كتابه ( جامع مسانيد أبي حنيفة ): « والدليل على ما ذكرنا أن التعديل متى ترجّح على الجرح يجعل الجرح كأن لم يكن، وقد ذكر ذلك إمام أئمة التحقيق ابن الجوزي في كتاب التحقيق في أحاديث التعليق ».

__________________

(١). الموضوعات ١ / ٩٩.

١٠١

وقال ابن الوزير الصنعاني - في الاُمور الدالة على عدم جواز تكفير أحمد بسبب الإِعتقاد بالتشبيه -: « ومنها - إنّه قد ثبت بالتواتر أنّ الحافظ ابن الجوزي من أئمّة الحنابلة وليس في ذلك نزاع، ولا شك أن تصانيفه في المواعظ وتواليفه في الرقائق مدرس فضلائهم وتحفة علمائهم، فبها يتواعظون ويخطبون، وعليها في جميع أحوالهم يعتمدون، وقد ذكر ابن الجوزي في كتبه هذه ما يقتضي نزاهتهم عن هذه العقيدة، وأنا أورد من كلامه في ذلك »(١). .

وقال ابن حجر المكي - بعد حديث أنا مدينة العلم -: « وقد اضطرب الناس في هذا الحديث، فجماعة منهم ابن الجوزي والنووي وناهيك بهما معرفةً بالحديث وطرقه »(٢). .

وقال ( الدهلوي ) في جواب حديث أنا مدينة العلم: « وذكره ابن الجوزي في الموضوعات».

وقال ابن روزبهان - في بحث حديث النور -: « ذكر ابن الجوزي هذا الحديث بمعناه في كتاب الموضوعات »(٣). .

وقال ابن تيمية في حديث: « أنت أخي ووصيي »: « قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب الموضوعات »(٤). .

ثناء ابن خلكان على ابن الجوزي

وأثنى ابن خلكان على ابن الجوزي وبالغ في إطرائه حيث ترجمه، وهذه خلاصتها:

__________________

(١). الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

(٢). الصواعق المحرقة: ١٨٩.

(٣). إبطال الباطل - مخطوط.

(٤). منهاج السنّة ٤ / ٩٥.

١٠٢

« أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي الفقيه الحنبلي، الواعظ الملقب جمال الدين، الحافظ، كان علّامة عصره، وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ، صنف في فنون عديدة منها فكتبه أكثر من أن تعد، وكتب بخطّه شيئاً كثيراً وكانت له في مجالس الوعظ أجوبة نادرة وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر شهر رمضان سنة ٥٩٧ ببغداد، ودفن بباب حرب »(١). .

ثناء الذهبي على ابن الجوزي

وكذلك الذهبي حيث قال:

« ابن الجوزي، الإِمام العلّامة الحافظ، عالم العراق وواعظ الآفاق المفسّر صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم حدّث عنه: ابنه الصاحب محيي الدين، وسبطه الواعظ شمس الدين يوسف بن قزغلي، والحافظ عبد الغني، وابن الدبيثي، وابن النجار، وابن خليل والتقي البلداني، وابن عبد الدائم، والنجيب عبد اللطيف، وخلق سواهم وما علمت أحداً من العلماء صنّف ما صنف هذا الرجل حصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحدٍ قط »(٢). .

ثناء السيوطي على ابن الجوزي

والسيوطي أيضاً أثنى عليه كذلك، قال:

__________________

(١). وفيات الأعيان ٣ / ١٤٠.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٤ / ١٣٤٢.

١٠٣

« ابن الجوزي، الإِمام العلّامة الحافظ، عالم العراق وواعظ الآفاق، جمال الدين أبو الفرج صاحب التصانيف السائرة في فنون العلم وما علمت أحداً من العلماء صنّف ما صنّف، وحصل له من الحظوة في الوعظ ما لم يحصل لأحدٍ قط. قيل: إنّه حضره في بعض المجالس مائة ألف، وحضره ملوك ووزراء وخلفاء، وقال: كتبت بإصبعي ألف مجلّد، وتاب على يدي مائة ألف، وأسلم على يدي عشرون ألفاً »(١). .

كلام ابن الوزير في مدح المسند

وقال محمّد بن إبراهيم الصّنعاني المعروف بابن الوزير - بعد ذكر عبارة ابن دحية حول استشهاد الإِمام الحسين بن عليعليهما‌السلام -: « وفيما ذكره ابن دحية اُوضح دليل على براءة المحدّثين وأهل السنّة فيما افتراه عليهم المعترض من نسبتهم إلى التشيع ليزيد وتصويب قتله الحسين. كيف؟ وهذه رواياتهم مفصحة بضد ذلك كما بيّناه، في مسند أحمد، وصحيح البخاري، وجامع الترمذي، وأمثالها.

وهذه الكتب هي مفزعهم وإلى ما فيها مرجعهم، وهي التي يخضعون لنصوصها ويقصرون التعظيم عليها بخصوصها »(٢). .

وعليه، فمسند أحمد مفزع المحدّثين وإليه مرجعهم وهم خاضعون لنصوصه والأحاديث المروية فيه فويل ( للدهلوي ) المقلّد ( للكابلي ) التابع ( لابن تيمية ) هؤلاء الذين أبطلوا حديث الولاية المخرّج في ( المسند ) و ( جامع الترمذي ) وأمثالهما فإنّهم خرجوا عن طريقة المحدّثين،

__________________

(١). طبقات الحفّاظ: ٤٨٠.

(٢). الروض الباسم في الذبّ عن سنّة أبي القاسم.

١٠٤

وشقّوا عصا المجمعين، وخالفوا سنّة رسول ربّ العالمين.

كلام أبي مهدي المغربي في مدح المسند

وقال أبو مهدي عيسى بن محمّد المغربي - وهو أحد المشايخ السبعة الذين يفتخر شاه ولي الله الدهلوي باتّصال أسناده إليهم - في مدح كتاب ( المسند ) ما نصّه:

« وألّف مسنده، وهو أصل من اُصول هذه الاُمة، جمع فيه ما لم يتّفق لغيره وله التصانيف الفائقة، فمنها المسند، وهو ثلاثون ألفاً وبزيادة ابنه عبد الله أربعون ألف حديث وقال فيه - وقد جمع أولاده وقرأه عليهم -: هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فارجعوا إليه، فإنْ وجدتموه فيه وإلّا ليس بحجة »(١). .

كلام عبد الحق الدهلوي في مدح المسند

وقال الشيخ عبد الحقّ الدّهلوي في وصف المسند:

« ومسند الإِمام أحمد معروف بين الناس، جمع فيه أكثر من ثلاثين ألف حديث، وكان كتابه في زمانه أعلى وأرفع وأجمع الكتب »(٢). .

__________________

(١). مقاليد الأسانيد - ترجمة أحمد بن حنبل

(٢). رجال المشكاة - ترجمة أحمد بن حنبل

١٠٥

كلام ولي الله الدهلوي في مدح المسند

وقال عبد الرحيم الدهلوي والد ( الدهلوي ): « الطبقة الثانية: كتب لم تبلغ مبلغ الموطأ والصحيحين ولكنها تتلوها، كان مصنّفوها معروفين بالوثوق والعدالة والحفظ والتبحّر في فنون الحديث، لم يرضوا في كتبهم هذه بالتساهل فيما اشترطوا على أنفسهم، فتلقاها من بعدهم بالقبول واعتنى بها المحدّثون والفقهاء طبقة بعد طبقةً، واشتهرت فيما بين الناس وتعلّق بها القوم شرحا لغريبها وفحصا عن رجالها واستنباطا لفقهها، وعلى تلك الأحاديث بناء عامّة العلوم، كسنن أبي داود وجامع الترمذي ومجتبى النسائي. وهذه الكتب مع الطبقة الاُولى اعتنى بأحاديثها رزين في تجريد الصّحاح، وابن الأثير في جامع الأصول.

وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة، فإن الإِمام أحمد جعله أصلاً يعرف به الصحيح والسقيم. قال: ما ليس فيه فلا تقبلوه »(١). .

كلام ( الدهلوي ) في مدح المسند

و ( الدهلوي ) نفسه مدح المسند كذلك، ونقل حكاية جمع أحمد أولاده وقراءته عليهم المسند وما قال لهم في وصفه(٢). .

__________________

(١). حجّة الله البالغة - طبقات كتب الحديث.

(٢). بستان المحدّثين - ترجمة أحمد

١٠٦

(٤)

رواية الترمذي

وأخرج الترمذي حديث الولاية في صحيحه قائلاً:

« حدّثنا قتيبة بن سعيد، نا جعفر بن سليمان الضبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - جيشاً، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية، فأصاب جاريةً، فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقالوا: إذا لقينا رسول الله أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من سفرٍ بدأوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فسلّموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلّموا على النبيّ، فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا، فأعرض عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

ثم قام الثاني، فقال مثل مقالته، فأعرض عنه رسول الله.

ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه رسول الله.

ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا: فأقبل إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم - والغضب يعرف في وجهه - فقال:

ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! ما تريدون من علي! إن علياً منّي وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمنٍ من بعدي.

هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلّا من حديث جعفر بن سليمان »(١). .

__________________

(١). صحيح الترمذي ٥ / ٦٣٢.

١٠٧

وثاقة رجال الإِسناد

ورجال هذا السند كلّهم ثقات بلا كلام:

١ - الترمذي

أما الترمذي نفسه، فغني عن التعريف، وإنْ شئت الوقوف على طرفٍ من كلماتهم في مدحه والثناء عليه وتوثيقه والإِستناد إليه، فراجع الكتب الرجاليّة وغيرها، مثل:

١ - سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٧٠.

٢ - تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٣٣.

٣ - الوافي بالوفيات ٤ / ٢٩٤.

٤ - تهذيب التهذيب ٩ / ٣٨٧.

٥ - البداية والنهاية ١١ / ٦٦.

٦ - العبر ٢ / ٦٢.

٧ - النجوم الزاهرة ٣ / ٨٨.

٨ - طبقات الحفّاظ: ٢٧٨.

٩ - وفيات الأعيان ٤ / ٢٧٨.

١٠ - شذرات الذهب ٢ / ١٧٤.

١١ - مرآة الجنان ٢ / ١٩٣.

١٢ - الكامل في التاريخ ٧ / ١٥٢.

١٣ - المختصر في أخبار البشر ٢ / ٥٩.

١٤ - اللباب في الأنساب ١ / ١٧٤.

١٠٨

٢ - قتيبة بن سعيد

وأما قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف، فهو محدّث جليل القدر، روى عنه الشيخان وغيرهما:

السمعاني: « قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله البغلاني، المحدّث المشهور في الشرق والغرب، له رحلة إلى: العراق، والحجاز، والشام، وديار مصر، وعمّر العمر الطويل حتى كتب عنه البطون، ورحل إليه أئمة الدنيا من الأمصار.

سمع مالك بن أنس، والليث، وأقرانهما.

روى عنه الأئمّة الخمسة: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو عيسى، وأبو عبد الرحمن، ومن لا يحصى كثرة »(١). .

الذهبي: « قال أبو بكر الأثرم: وسمعته - يعني أحمد بن حنبل - ذكر قتيبة فأثنى عليه وقال: هو آخر من سمع من ابن لهيعة. وقال أحمد بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين، وأبو حاتم، والنسائي: ثقة. زاد النسائي: صدوق. وقال أبو داود: قدم قتيبة بغداد سنة ١٦ فجاء، أحمد ويحيى، وقال ابن خراش: صدوق وقال عبد الله بن محمّد بن سيّار الفرهاني: قتيبة صدوق ليس أحد من الكبار إلّا وقد حمل عنه بالعراق »(٢). .

٣ - جعفر بن سليمان

٤ - يزيد الرشك

__________________

(١). الأنساب - البغلاني ٢ / ٢٥٧.

(٢). تذهيب تهذيب الكمال - مخطوط

١٠٩

٥ - مطرف بن عبد الله

وهؤلاء عرفتهم سابقاً فلا نكرّر

(٥)

رواية النسائي

ورواه أبو عبد الرحمن النسائي بإسناده قائلاً:

« ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا جعفر - يعني ابن سليمان - عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب ».

« ثنا واصل بن عبد الأعلى، عن ابن فضيل، عن الأجلح، عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه قال: بعثنا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إلى اليمن مع خالد ابن الوليد وبعث علياً على آخر، وقال: إن التقيتما فعليّ على الناس، وإن تفرّقتما فكل واحدٍ منكما على جنده، فلقينا بني زبيد من أهل اليمن، وظفر المسلمون على المشركين، فقاتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي جارية لنفسه من السبي، فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - وأمرني أن أنال منه. قال: فدفعت الكتاب إليه ونلت من علي، فتغيّر وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقلت: هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجلٍ وألزمتني بطاعته فبلّغت ما اُرسلت به. فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - لي:

لا تقعنَّ يا بريدة في علي، فإنّ عليّاً منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي »(١). .

وثاقة رجال السند

هذا، وقد روى النسائي في هذا الحديث بطريقين، أوّلهما هو عين سند

__________________

(١). خصائص علي بن أبي طالب: ٧٥.

١١٠

الترمذي المتقدّم الذي عرفت وثاقة رجاله فلا حاجة إلى الإِعادة.

ترجمة النسائي

والنسائي نفسه، وإنْ كان غنياً عن التّعريف، لإِجماع القوم على توثيقه والثناء عليه وعلى كتبه وعلومه حتى أنّ الدار قطني قدّمه على جميع محدّثي زمانه كما في ( تذكرة الحفّاظ )، وقال الذهبي ووالد السبكي: بأنّه أحفظ من مسلم بن الحجاج كما في ( مقاليد الأسانيد ) ولكن لا بأس بإيراد بعض الكلمات في حقّه عن كتاب تذكرة الحفّاظ للذهبي باختصار:

« النسائي، الحافظ الإِمام، شيخ الإِسلام، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب برع في هذا الشأن وتفرّد بالمعرفة والإِتقان وعلوّ الإِسناد قال حافظ خراسان أبو علي النيسابوري: ثنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبو عبد الرحمن النسائي. قال أحمد بن نصر أبو طالب الحافظ: من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟ قال الدارقطني: أبو عبد الرحمن مقدّم على كلّ من يذكر بهذا العلم من أهل عصره. وقال محمّد بن المظفر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار قال الدار قطني: كان أبو بكر الشافعي كثير الحديث ولم يحدّث عن غير النسائي وقال: رضيت به حجة بيني وبين الله وكانت وفاته في شعبان سنة ٣٠٣. وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث والرجال. قال أبو سعيد بن يونس في تاريخه: كان النسائي إماماً حافظاً ثبتاً »(١). .

وإنْ شئت المزيد فراجع:

وفيات الأعيان ١ / ٧٧.

__________________

(١). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٦٩٨.

١١١

الوافي بالوفيات ٦ / ٤١٦.

مرآة الجنان ٢ / ٢٤٠.

طبقات الشّافعية للسبكي ٣ / ١٤.

طبقات الحفّاظ: ٣٠٣.

وغيرها من كتب التاريخ والرجال

اعتبار كتاب الخصائص

وكتاب ( خصائص أمير المؤمنينعليه‌السلام ) للنسائي من أنفس الكتب وأجلّها وأشهرها ألّفه النسائي لمـّا دخل دمشق ووجد المنحرف بها عن أمير المؤمنينعليه‌السلام كثيراً

وقد اعتمد علماء أهل السنّة على هذا الكتاب ونقلوا عنه، كما أنّ غير واحدٍ منهم ذكروه في بحوثهم مستشهدين به على ولاء أهل السنّة لأهل البيتعليهم‌السلام كما أنّا قد بيّنا في بعض المجلّدات السّابقة - وعلى ضوء كلمات القوم - أن ( خصائص أمير المؤمنين ) للحافظ النسائي إنّما هو قطعة من ( سننه ) الكبير، فتكون الأحاديث الواردة فيه من أحد ( الصحّاح الستّة ) عندهم.

١١٢

(٦)

رواية الحسن بن سفيان النسوي

ورواه الحسن بن سفيان النسوي البالوزي، كما جاء في كتاب الوصابي اليمني حيث روى:

« عن عمران بن حصين -رضي‌الله‌عنه - قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: إنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده، والحسن بن سفيان في فوائده، وأبو نعيم في فضائل الصحابة »(١). .

ترجمة الحسن بن سفيان

والحسن بن سفيان من أكابر المحدّثين الثقات كما يظهر من ترجمته:

١ - السمعاني: « البالوزي - بفتح الباء الموحّدة بعدها الألف واللّام والواو وفي آخرها الزاء - هذه النسبة إلى بالوز، وهي قرية من قرى نسا على ثلاث أو أربع فراسخ منها.

خرجت إليها لزيارة قبر أبي العباس الحسن بن سفيان بن عامر بن عبد العزيز بن النعمان بن عطاء الشيباني البالوزي النسوي من قرية بالوز.

كان محدّث خراسان في عصره، وكان مقدّماً في الفقه والعلم والأدب، وله الرحلة إلى: العراق، والشام، ومصر، والكوفة وصنّف: المسند

__________________

(١). أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب - مخطوط.

١١٣

الكبير، والجامع، والمعجم. وهو الرّاوية بخراسان لمصنفات الأئمة وكانت إليه الرحلة بخراسان من أقطار الأرض. سمع منه: أبو حاتم محمّد بن حبان البستي، وأبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني الحافظ، وإمام الأئمة أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة ومات في سنة ٣٠٣ وقبره بقرية بالوز مشهور يزار، زرته »(١). .

٢ - الذهبي: « الحسن بن سفيان بن عامر، الحافظ الإِمام، شيخ خراسان قال الحاكم: كان محدّث خراسان في عصره، متقدّماً في التثبّت والكثرة والفهم والفقه والأدب. وقال ابن حبان: كان الحسن ممّن رحل وصنّف وحدّث على تيقّظ، مع صحة الديانة والصلابة في السنّة. وقال أبو بكر أحمد ابن الرازي الحافظ: ليس للحسن في الدنيا نظير »(٢). .

وكذلك ترجم له السبكي وابن قاضي شهبة في ( طبقاتهما ) والسيوطي في ( طبقات الحفّاظ ) حيث ذكروا كلمة الحاكم وغيره في مدحه، ووصفوه بالحفظ والأمامة والتثبّت، وكذلك تجد ترجمته في غيرها من الكتب.

(٧)

رواية أبي يعلى الموصلي

ورواه أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي حيث قال:

« حدّثنا عبيد الله، ثنا جعفر بن سليمان، نا يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -

__________________

(١). الأنساب - البالوزي ٢ / ٥٨.

(٢). تذكرة الحفاظ ٢ / ٧٠٣.

١١٤

سرية، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، قال: فمضى على السرية. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفرٍ أو من غزوةٍ أتوا رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قبل أنْ يأتوا منازلهم، فأخبروه بمسيرهم. قال: فأصاب علي جاريةً، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - إذا قدموا على رسول الله ليخبروا به. قال: فقدمت السرية على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فأخبروه بمسيرهم، فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، أصاب علي جاريةً. فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال: يا رسول الله صنع علي كذا وكذا. فأعرض عنه.

قال: ثم قام الثالث فقال: يا رسول الله، صنع علي كذا وكذا. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله صنع علي كذا وكذا.

قال: فأقبل رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - مغضباً والغضب يعرف في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ علي منّي فأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي »(١). .

وثاقة رجال الإسناد

ولا يخفى وثاقة رجال هذا السند:

١ - عبيد الله القواريري

أمّا عبيد الله، فهو عبيد الله بن عمر القواريري:

__________________

(١). مسند أبي يعلى ١ / ٢٩٣ رقم ٣٥٥.

١١٥

السمعاني: « كان ثقةً صدوقاً، مكثراً من الحديث روى عنه: أبو قدامة السرخسي، ومحمّد بن إسحاق الصنعاني، وأبو داود السجستاني، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، وأحمد بن أبي خيثمة، وأبو القاسم البغوي، وأبو يعلى الموصلي، وغيرهم.

وكان أحمد بن سيّار المروزي يقول: لم أر في جميع من رأيت مثل مسدّد بالبصرة، والقواريري ببغداد، وصدقة بمرو. وثّقه يحيى بن معين وغيره. وقال أبو علي جزرة الحافظ: القواريري. أثبت من الزهراني وأشهر وأعلم بحديث البصرة، وما رأيت أحدا أعلم بحديث البصرة منه.

وتوفي في ذي الحجة سنة ٢٣٥ »(١). .

الذهبي: « خ م د س - عبيد الله بن عمر القواريري، أبو سعيد البصري الحافظ. حدّث بمائة ألف حديث. سمع: حماد بن زيد، وأبا عوانة، وخلقا. وعنه: خ م د، والفريابي، والبغوي، وخلق. وكان يذكر مع مسدّد والزهراني. مات في ذي الحجة ٢٣٥ »(٢). .

ابن حجر: « وعنه: البخاري ومسلم وأبو داود قال ابن معين والعجلي والنسائي: ثقة. وقال صالح جزرة: ثقة صدوق قال: وهو أثبت من الزهراني وأشهر وأعلم بحديث البصرة. قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث. وقال أبو حاتم: صدوق وذكره ابن حبان في الثقات. وقال مسلمة بن قاسم: ثقة. وفي الزهرة: روى عنه البخاري خمسة، ومسلم أربعين »(٣). .

٢ - جعفر بن سليمان

٣ - يزيد الرشك

__________________

(١). الأنساب - القواريري

(٢). الكاشف ٢ / ٢٠٣ وانظر العبر ودول الإسلام حوادث سنة ٢٣٥.

(٣). تهذيب التهذيب ٧ / ٣٦ وانظر تقريب التهذيب أيضاً ١ / ٥٣٧.

١١٦

٤ - المطرف بن عبد الله

وهؤلاء عرفت وثاقتهم وشيئاً من مناقبهم فيما سبق.

ترجمة أبي يعلى

ولنذكر طرفاً من كلماتهم في الثناء على أبي يعلى الموصلي:

١ - ابن حبّان: « أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى بن عيسى بن هلال التميمي أبو يعلى، من أهل الموصل، من المتقنين في الروايات والمواظبين على رعاية الدين وأسباب الطاعات. مات سنة ٣٠٧ »(١). .

٢ - الذهبي: « أبو يعلى الموصلي، الحافظ الثقة، محدّث الجزيرة قال يزيد بن محمّد الأزدي: كان أبو يعلى من أهل الصّدق والأمانة والدين والعلم ووثقه ابن حبان ووصفه بالإِتقان والدين ثم قال: وبينه وبين النبيّ ثلاثة أنفس. وقال الحاكم: كنت أرى أبا علي الحافظ معجبا بأبي يعلى وإتقانه وحفظه لحديثه حتى كان لا يخفى عليه منه إلّا اليسير. قال الحاكم: هو ثقة مأمون »(٢). .

٣ - الذهبي أيضاً: « كان ثقة صالحاً متقناً يحفظ حديثه. توفي وله ٩٧ سنة »(٣). .

٤ - الصفدي: « الحافظ صاحب المسند، سمع جماعةً كباراً، وله تصانيف في الزهد وغيره. غلّقت له الأسواق يوم جنازته. وكانت وفاته سنة ٣٠٧ وكنيته أبو يعلى »(٤). .

__________________

(١). الثقات ٨ / ٥٥.

(٢). تذكرة الحفّاظ ٢ / ٧٠٧.

(٣). العبر حوادث ٣٠٧.

(٤). الوافي بالوفيات ٧ / ٢٤١.

١١٧

وكذلك تجد ترجمته في المصادر الاُخرى، وقد وصفوه جميعاً: بالحافظ الثبت الثقة محدّث الجزيرة صاحب المسند

(٨)

رواية ابن جرير الطبري وتصحيحه

رواه محمد بن جرير الطبري في ( تهذيب الآثار ). فقد ذكر المتّقي ما نصه:

« عن عمران بن حصين: بعث رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - سرية واستعمل عليها علياً، فغنموا، فصنع علي شيئاً أنكروه. وفي لفظ: فأخذ علي من الغنيمة جاريةً، فتعاقد أربعة من الجيش إذا قدموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أن يعلموه، وكانوا إذا قدموا من سفرٍ بدءوا برسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فسلّموا عليه ونظروا إليه، ثم ينصرفون إلى رحالهم. فلمـّا قدمت السرية سلّموا على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقام أحد الأربعة فقال:

يا رسول الله، ألم تر أن علياً قد أخذ من الغنيمة جارية؟ فأعرض عنه.

ثم قام الثاني فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الثالث فقال مثل ذلك. فأعرض عنه.

ثم قام الرابع. فأقبل إليه رسول الله يعرف الغضب في وجهه فقال: ما تريدون من علي! علي منّي وأنا من علي وعلي وليّ كلّ مؤمنٍ بعدي.

ش. وابن جرير وصحّحه »(١). .

__________________

(١). كنز العمال ١٣ / ١٤٢ رقم ٣٦٤٤٤.

١١٨

ترجمة الطبري

ولابن جرير الطبري في كتب القوم تراجم مفصّلة، نلخص بعضها فيما يلي:

١ - ياقوت الحموي: « قال أبو محمّد عبد العزيز بن محمّد الطبري: كان أبو جعفر من الفضل والعلم والذكاء والحفظ على ما لا يجهله أحد عرفه، لجمعه من علوم الإِسلام ما لم نعلمه اجتمع لأحدٍ من هذه الاُمة، ولا ظهر من كتب المصنّفين وانتشر من كتب المؤلّفين ما انتشر له.

وكان راجحاً في علوم القرآن، والقراءات، وعلم التاريخ من الرسل والخلفاء والملوك، واختلاف الفقهاء، مع الرواية لذلك على ما في كتابه:

البسيط، والتهذيب، وأحكام القراءات، من غير تعويل على المناولات والإجازات ولا على ما قيل في الأقوال، بل يذكر ذلك بالأسانيد المشهورة.

وقد بان فضله في علم اللغة والنحو على ما ذكره في كتاب التفسير وكتاب التهذيب مخبراً عن حاله فيه.

وقد كان له قدم في علم الجدل، يدل على ذلك مناقضاته في كتبه على المعارضين لمعاني ما أتى به.

وكان فيه من الزهد والورع والخشوع والأمانة، وتصفية الأعمال وصدق النية وحقائق الأفعال ما دل عليه كتابه في آداب النفوس ».

« كان أبو جعفر يذهب في جلّ مذاهبه إلى ما عليه الجماعة من السلف وطريق أهل العلم المتمسكين بالسّنن، شديداً على مخالفيهم، ماضياً على منهاجهم، لا تأخذه في ذلك ولا في شيء لومة لائم ».

« كان أبو جعفر يذهب في الإِمامة إلى إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وما عليه أصحاب الحديث في التفضيل، وكان يكفّر من خالفه في كلّ مذهب

١١٩

إذا كانت أدلّة العقول تدفع كالقول في القدر، وقول من كفّر أصحاب رسول الله من الروافض والخوارج، ولا يقبل أخبارهم ولا شهاداتهم، وذكر ذلك في كتابه في الشهادات، وفي الرسالة، وفي أول ذيل المذيّل »(١). .

٢ - السمعاني: « وكان أحد أئمة العلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه، لمعرفته وفضله. وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحدُ من أهل عصره، وكان حافظاً لكتاب الله، عارفاً بالقراءات، بصيرا بالمعاني، فقيها في أحكام القرآن، عالما بالسّنن وطرقها وصحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من المخالفين في الأحكام ومسائل الحلال والحرام، عارفاً بأيّام الناس وأخبارهم قال أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمّد بن جرير وتوفي سنة ٣١٠ »(٢). .

٣ - النووي: « هو الإِمام البارع في أنواع العلوم، وهو في طبقة الترمذي والنسائي. قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: إستوطن الطبري بغداد فأقام بها حتى توفي، وكان أحد الأئمة والعلماء، يحكم بقوله ويرجع إلى رأيه »(٣). .

٤ - الذهبي: « الإِمام العلم الفرد الحافظ أبو جعفر الطبري، أحد الأعلام وصاحب التصانيف قال أبو بكر الخطيب: كان ابن جرير أحد الأئمة وقال أبو حامد الإسفرائيني: لو سافر رجل إلى الصّين في تحصيل تفسير ابن جرير لم يكن كثيراً قال الفرغاني: بثّ مذهب الشافعي ببغداد سنتين واقتدى به، ثمّ اتّسع علمه وأدّاه اجتهاده إلى ما اختاره في كتبه. وقد عرض عليه القضاء فأبى. قال محمّد بن علي بن سهل الإِمام: سمعت ابن جرير قال: من

__________________

(١). معجم الأدباء ٥ / ٢٥٤ - ٢٦٨.

(٢). الأنساب - الطّبري ٨ / ٢٠٥ - ٢٠٧.

(٣). تهذيب الأسماء واللّغات ١ / ٧٨.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

نوع كان، ومن أي جهة صدر.

وذلك يشير إلى: أنه (عليه‌السلام ) هو المحق في كل نزاع يحاول الآخرون أن يفرضوه عليه، وأن على الأمة نصره، بردع المعتدي، فإن لم تستطع، فلا أقل من أن لا تنصر أعداءه عليه، وأن تعتقد بأن غيره ظالم له، معتد عليه، مبطل في ما يدَّعيه.

وقد جاءت هذه الإشارات اللائحة، والدلالات الواضحة قبل وفاته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بيسير، وقد واجه علي (عليه‌السلام ) المحنة التي فرضها عليه نفس هؤلاء الذين خاطبهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بهذا الخطاب!! واستنطقهم، وقررهم، وردوا عليه الجواب. وهم الذين هنأوا علياً (عليه‌السلام )، وبخبخوا له، وبايعوه، حتى قال ابن عباس: وجبت ـ والله ـ في أعناق القوم.

معنى الولاية في حديث الغدير:

قال السيد المرتضى (رحمه‌الله ): أولى بمعنى مولى، كما قاله أئمة اللغة في تفسير الآية(١) .

____________

١- راجع: رسائل المرتضى ج٣ ص٢٥٣ وج٤ ص١٣١ والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج٢ ص٢٦١ وراجع: العمدة لابن البطريق ص١١٦ وبحار الأنوار ج٣٧ ص٢٣٨ وج٣٧ ص٢٤٠ وتفسير مجمع البيان ج٨ ص١٢٥ ونهج الإيمان لابن جبر ص١٢٤ والصراط المستقيم ج١ ص٣٠٨ والرسائل العشر للشيخ الطوسي ص١٣٥ وراجع: كنز الفوائـد ص٢٢٩ وقـد ذكـر العلامـة الأميني = = طائفة كبيرة من أقوال العرب وأهل اللغة، فراجع كتاب الغدير ج١ ص٣٤٥ ـ ٣٤٨.

٢٢١

أما سائر معاني كلمة مولى فهي إما بديهية الثبوت لعلي، فيكون ذكرها في يوم الغدير عبثاً.. مثل: (ابن العم، والناصر) التي ذكر أنها من معاني (المولى).

وإما هي واضحة الإنتفاء، ولا يصح إرادتها. مثل: (معنى المعتِق والمعتَق، فلا يصح إرادتهما في مناسبة الغدير، لأن ذلك يستلزم الكذب فيهما.. وهو لا يصدر من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..).

فأجاب الرازي بما ملخصه: لو كان مولى وأولى بمعنى واحد لصح استعمال كل منهما مكان الآخر، فيصح أن يقال: هذا مولى من فلان.. كما صح أن يقال: هذا أولى من فلان(١) .

وأجاب علماؤنا على كلام الرازي هذا بما يلي:

أولاً: إن الترادف إنما يكون في حاصل المعنى، دون الخصوصيات التي تنشأ من اختلاف الصيغ، والإشتقاقات، أو أنحاء الإستعمال.. فكلمة (أفضل) تضاف إلى صيغة التثنيه بدون كلمة (من)، فيقال: زيد أفضل الرجلين، لكن حين تضاف إلى المفرد، فلا بد من كلمة من، فلا يقال: زيد

____________

١- راجع: التفسير الكبير ج٢٩ ص٢٢٧ والغدير ج١ ص٣٥٠ و ٣٥١ عنه، وعن نهاية العقول، وتفسير الآلوسي ج٢٧ ص١٧٨ وخلاصة عبقات الأنوار ج٨ ص١٨١.

٢٢٢

أفضل عمرو، بل يقال: زيد أفضل من عمرو.

ثانياً: لنأخذ معنى الناصر في كلمة (مولى).. فإنه يصح أن يقال: فلان ناصر دين الله، ولكن لا يصح أن يقال: فلان مولى دين الله.

وقال عيسى:( مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ ) (١) . ولا يقال: من مواليّ إلى الله..

ويقال: الله ولي المؤمنين ومولاهم.. ويقال: فلان ولي الله، ولا يقال: مولى الله، كما ذكره الراغب(٢) .

ويقال: إنك عالم. ولا يقال: إنَّ أنت عالم.

فالمولى اسم للمتولي، والمالك للأمر، والأولى بالتصرف. وليس صفة ولا هو من صيغ أفعل التفضيل بمنزلة الأولى، لكي يقال: إنه لا يأخذ أحكام كلمة (أولى) التي هي صفة..

ثالثاً: إذا لاحظنا المعاني المذكورة، فنقول:

ألف: إن كان المراد بالمولى المحب والناصر، فقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (من كنت مولاه فعلي مولاه).

إن كان المراد به: الإخبار بوجوب حبه (عليه‌السلام ) على المؤمنين، أو إنشاء وجوب حبه عليهم، فذلك يكون من باب تحصيل الحاصل، لأن كل مؤمن يجب حبه على أخيه المؤمن، فما معنى أن يجمع عشرات الألوف في ذلك المكان؟! ليقول لهم: يجب أن تحبوا أخاكم علياً؟!

____________

١- الآية ٥٢ من سورة آل عمران.

٢- مفردات الراغب ص٥٣٣.

٢٢٣

ولماذا يكون ذلك موازياً لتبليغ الرسالة وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ؟!(١) .

ولماذا يكمل به الدين، وتتم به النعمة؟!.

ولماذا يهنئه عمر وأبو بكر بهذا الأمر، ويقولان له: أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة؟! وكأنه لم يكن كذلك. قبل هذا الوقت باعتقادهما!!

ألم يكن الله تعالى قد أوجب على المؤمنين أن يحب بعضهم بعضاً؟!

ألم يكن الله قد اعتبر المؤمنين بمثابة الإخوة؟!

يضاف إلى ما تقدم: أن وجوب النصرة والمحبة لا يختص بعلي (عليه‌السلام )، بل يشمل جميع المؤمنين.

وإن كان المقصود هو إيجاب نصرة مخصوصة تزيد على ما أوجبه الله على المؤمنين تجاه بعضهم، فهو المطلوب، لأن هذا هو معنى الإمامة، ولا سيما مع الإستدلال على هذه النصرة الخاصة بمولوية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لهم..

وإن كان المراد الإخبار بأنه يجب على علي (عليه‌السلام ) أن يحب المؤمنين وأن ينصرهم.. فلا يحتاج هذا إلى جمع الناس يوم الغدير، ولا إلى نزول الآيات، وما إلى ذلك.. إذ كان يكفي أن يخبر علياً بأنه يجب عليه ذلك..

على أن ذلك يطرح سؤالاً عن السبب في تخصيص هذا الأمر بعلي؟!

____________

١- الآية ٦٧ من سورة المائدة.

٢٢٤

وعلى كل حال، فإن قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (ألست أولى بكم من أنفسكم) يفيد أنها ولاية نصرة ومحبة ناشئة عن هذه الأولوية منهم بأنفسهم.. كما أن جعل وجوب نصرة علي (عليه‌السلام ) كوجوب نصرة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لهم يؤكد ذلك..

فإن نصرة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لهم إنما هي من حيث نبوته، وملكه لأمورهم، وزعامته عليهم.. وليست كوجوب نصرتهم أو محبتهم لبعضهم بعضاً.

ب: أما القول بأن المراد بالمولى المالك والمعتق، فيرد عليه: أنه لم يكن هناك مالكية حقيقية، ولا عتق، ولا انعتاق.

ج: إن كان المراد بكلمة مولى: السيد، فهو يقترب من معنى الأولى، لأن السيد هو المتقدم على غيره. وهذا التقدم ليس بالقهر والظلم، لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قرن سيادة علي (عليه‌السلام ) بسيادة نفسه، فلا بد أن يكون التقدم بالإستحقاق، من خلال ما يملك من مزايا ترجحه عليهم، وبديهي: أن أية مزية شخصية لا توجب تقدماً، ولا تجعل له حقاً عليهم، يجعله أولى بهم من أنفسهم، إلا إذا كانت هذه المزية قد أوجبت أن يجعل من بيده منح الحق ومنعه لصاحب هذه المزية مقام الأولوية بهذا المستوى الذي هو من شؤون النبوة والإمامة. وليس لأحد الحق في منح هذا المقام إلا لله تبارك وتعالى..

د: ولو كان المراد بكلمة المولى، المتصرف، والمتولي للأمر، فالأمر كذلك أيضاً، فإن حق التصرف إنما يثبت له بجعل من له الحق في الجعل، وهو الله

٢٢٥

سبحانه وفق ما ذكرنا آنفاً..

الجمع بين المعاني:

وقد ذكر العلامة الأميني وغيره: أن الذي يجمع تلك المعاني كلها هو أن يراد: الأولى بالشيء، فإنه مأخوذ من جميع تلك المعاني بنوع من العناية، فـ (المعتِق) أولى. لأن له حقاً على (المعتَق)، وهو أولى به لتفضله عليه.

والمالك أولى بالمملوك، والسيد أولى بمن هم تحت سيادته، والابن أولى بالأب، والأخ أولى بأخيه، والتابع أولى بمتبوعه، والصاحب أولى بصاحبه الخ..

فالمعاني التي تذكر لكلمة مولى ليست معاني لها على سبيل الإشتراك اللفظي، بل هي خصوصيات في موارد استعمال كلمة مولى، ولا دخل لها في معناها وهو (الأولى). وقد اشتبه عندهم المفهوم بخصوصية المصداق.

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (ألست أولى بكم من أنفسكم) يدل على ما نقول..

ويدل عليه أيضاً: ما ورد في بعض نصوص الحديث، من أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سأل الناس، فقال: فمن وليكم؟!

قالوا: الله ورسوله مولانا.

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في نص آخر: (تمام نبوتي، وتمام دين الله في ولاية علي بعدي..) فإن ما يتم به الدين هو الولاية بمعنى الإمامة.

وفي بعض النصوص أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال في تلك المناسبة: هنئوني، هنئوني، إن الله تعالى خصني بالنبوة، وخص أهل بيتي بالإمامة..

٢٢٦

يضاف إلى ذلك قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي.

ويؤيد ذلك أيضاً، بل يدل عليه: بيعتهم لعلي (عليه‌السلام ) في تلك المناسبة، وقد استمرت ثلاثة أيام.

وكذلك قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (إني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق ومكذبيهم، فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني) أو ما هو قريب من هذه المعاني، فإن طعن أهل النفاق، وخوف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من الإبلاغ إنما هو لأمر جليل كأمر الإمامة، ولا ينسجم ذلك مع إرادة المحب أو الناصر من كلمة المولى.

يضاف إلى ذلك، التعبير بكلمة: (نصب علياً)، أو (أمر الله تعالى نبيه أن ينصبني)، أو (نصبني) أو نحو ذلك.

وعبارة ابن عباس: وجبت والله في رقاب (أو في أعناق) القوم.

ونزول قوله تعالى:( وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) .

وثمة مؤيدات وقرائن أخرى ذكرها كلها العلامة الأميني في كتابه الغدير، فراجع الجزء الأول منه، فصل (القرائن المعيّنة لمعنى الحديث). وراجع الأحاديث الأخرى المفسرة لمعناه أيضاً في كتاب الغدير ج١ ص٣٨٥ ـ ٣٩٠.

أمهات المؤمنين يهنئن علياً (عليه‌السلام ):

وقد تقدم: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر أمهات المؤمنين بأن يسرن إلى

____________

١- الآية ٦٧ من سورة المائدة.

٢٢٧

علي (عليه‌السلام ) ويهنئنه، ففعلن، وما ذلك إلا لأنه يريد أن يقطع العذر لمن تريد منهن أن تشن عليه حرباً ضروساً، يقتل فيها المئات والألوف، فليس لها أنها تدَّعي أنها بسبب عزلتها في خدرها، وكونها رهينة الحجاب، لم تعرف شيئاً مما جرى في يوم الغدير.

أو أن تدّعي: أن ما عرفته من أفواه الناس من أقاربها كان لا يقيم حجة، ولا يقطع عذراً، أما النساء فإنهن وإن أبلغنها بشيء مما كان يجري، لكن حالهن حالها، وربما يبلغها ما لا يبلغهن، أو أن ما يبلغها قد يكون أكثر دقة مما يتناهى إلى مسامعهن، بعد أن تعبث به الأهواء، ويختلط بالتفسيرات والتأويلات، والإجتهادات وما إلى ذلك..

وإن نفس الطلب إلى نساء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأن يقمن بهذا الأمر، يقتضي فسح المجال لهن لكي يسألن عن سبب هذه التهنئة، وعن حقيقة ما جرى. لا سيما إذا كانت هذه أول مرة يطلب فيها من أمهات المؤمنين أن يشاركن في تهنئة أحد، في أمر له ارتباط بالرجال غير رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

وقد جاء الأمر بذلك عاماً وشاملاً لهن من دون استثناء، فلا مجال للتأويل والتحليل، أو لاحتمال أن ذلك كان لخصوصية اقتضت طلب ذلك من امرأة بعينها.. بل هو امتداد لبيعتهن لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، والتزامهن بطاعة الله ورسوله من ناحية، وتأسيس لمرحلة ما بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من ناحية أخرى.

٢٢٨

الفصل السابع: آيات الغدير.

٢٢٩

٢٣٠

متى نزلت سورة المائدة؟!:

في سورة المائدة آيتان ترتبطان بموضوع الغدير، هما آية كمال الدين، وآية الأمر بإبلاغ ما أنزل إليه من ربه، وقد تقدمت الأولى على الثانية، فلماذا كان ذلك؟!

وقبل البدء في بيان ما نرمي إليه نشير إلى تاريخ نزول سورة المائدة، فنقول:

إن سورة المائدة نزلت كما يقول محمد بن كعب القرظي في حجة الوداع بين مكة والمدينة(١) .

وروي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قوله في حجة الوداع: (إن سورة المائدة من آخر القرآن نزولاً)(٢) .

____________

١- الإتقان في علوم القرآن ج١ ص٢٠ والدر النثور ج٢ ص٢٥٢ عن أبي عبيد، والغدير ج٦ ص٢٥٦ وعمدة القاري ج١٨ ص١٩٦ و فتح القدير ج٢ ص٣ وتفسير الآلوسي ج٦ ص٤٧.

٢- الغدير ج١ ص٢٢٧ وتفسير الثعلبي ج٤ ص٥ وتفسير الآلوسي ج٦ ص٦٩ و ١٧٢ وتفسير أبي السعود ج٣ ص٤ و ١٠ وتفسير الخازن ج١ ص٤٢٩ والجامع = = لأحكام القرآن ج٦ ص٣٥٠ ودقائق التفسير لابن تيمية ج٢ ص١٥ والبرهان للزركشي ج١ ص١٩٤ و ٢٦٢ وتفسير البيضاوي ج٢ ص٢٩٨ وأحكام القرآن للجصاص ج٢ ص٦١٥ وإمتاع الأسماع ج٤ ص٣٣٤ والدر المنثور ج٢ ص٢٥٢ عن أبي عبيد، عن ضمرة بن حبيب، وعطية بن قيس. وتخريج الأحاديث والآثار ج١ ص٣٧٧ والفتح السماوي للمناوي ج٢ ص٥٥٢ وبحار الأنوار ج٧٧ ص٢٥٣ ومستدرك سفينة البحار ج٩ ص٥٠٤ وراجع: الصراط المستقيم ج٣ ص٢٨٤ وعوالي اللآلي ج٢ ص٦ و ٩٥ وتحفة الأحوذي ج٨ ص٣٢٦ والتفسير الصافي ج٢ ص١٣.

٢٣١

وصرحت عدة روايات بنزولها في حجة الوداع. فراجع ما روي عن محمد بن كعب القرظي، والربيع بن أنس(١) .

وعن عائشة: إن المائدة آخر سورة نزلت(٢) .

____________

١- الدر المنثور ج٢ ص٢٥٢ عن أبي عبيد وابن جرير، وعمدة القاري ج١٨ ص١٩٥ و ١٩٦ وتفسير الآلوسي ج٦ ص٤٧ والغدير ج٦ ص٢٥٦ وجامع البيان للطبري ج٦ ص١١٢ والمحرر الوجيز لابن عطية ج٢ ص١٥٥ وراجع المصادر المتقدمة في الهوامش السابقة.

٢- الغدير ج١ ص٤٢٩ عن تفسير القرآن العظيم ج٢ ص٣ عن أحمد، والحاكم، والنسائي، والدر المنثور ج٢ ص٢٥٢ عن أحمد، وأبي عبيد في فضائله، والنحاس في ناسخه، والنسائي، وابن المنذر، والحاكم وصحح، وابن مردويه، والبيهقي في سننه، والمحلى لابن حزم ج٧ ص٣٩٠ وج٩ ص٤٠٧ والإتقان في علوم القرآن للسيوطي= = ج١ ص٨٤ ونيل الأوطار ج٩ ص٢٠٤ ومسند أحمد ج٦ ص١٨٨ ومسند الشاميين ج٣ ص١٤٤ والجـامع لأحكـام القرآن ج٦ ص٣١ وتفسير السمرقندي ج١ ص٣٨٨ وأحكام القرآن للجصاص ج٢ ص٦١٥ والفتح السماوي ج٢ ص٥٥٢ وتفسير الآلوسي ج٦ ص٤٧ وتخريج الأحاديث والآثار ج١ ص٣٧٧ وفتح القدير ج٢ ص٣ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج٥ ص٣٠٢ والسنن الكبرى للنسائي ج٦ ص٣٣٣ ومسند ابن راهويه ج٣ ص٩٥٦ وعون المعبود ج١٠ ص١٣ والسنن الكبرى للبيهقي ج٧ ص١٧٢ والمستدرك للحاكم ج٢ ص٣١١.

٢٣٢

وعن عبد الله بن عمر: إن آخر سورة أنزلت، سورة المائدة، والفتح(١) ، يعني سورة النصر، قاله السيوطي في الإتقان(٢) .

وعن أبي ميسرة: آخر سورة أنزلت سورة المائدة، وإن فيها لسبع عشرة

____________

١- الغدير ج٢ ص٢٢٨ وسبل الهدى والرشاد ج٦ ص٢٥٧ وتخريج الأحاديث والآثار ج١ ص٣٧٧ وسنن الترمذي ج٤ ص٣٢٦ وتحفة الأحوذي ج٨ ص٣٤٦ والإتقان في علوم القرآن ج١ ص٨٤ والفتح السماوي ج٢ ص٥٥٣ وتفسير الآلوسي ج٦ ص٤٧ و فتح القدير ج٢ ص٣ وتفسير القرآن العظيم ج٢ ص٣ عن الترمذي، والدر المنثور ج٢ ص٢٥٢ عن أحمد، والترمذي وحسّنه، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في سننه.

٢- الإتقان في علوم القرآن ج١ ص٨٤ وتحفة الأحوذي ج٨ ص٣٤٦ وراجع: الفتح السماوي ج٢ ص٥٥٣ والغدير ج٢ ص٢٢٨.

٢٣٣

فريضة(١) .

وسيأتي المزيد مما يرتبط بتاريخ نزول السورة حين الحديث عن نزولها إن شاء الله تعالى..

موقع آية الإكمال:

وقد أنزل الله تعالى في مناسبة الغدير قوله:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (٢) .

وهي في وسط آية ذكرت بعض المحرمات، كما يلي:( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالمُنْخَنِقَةُ وَالمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (٣)

فقد يقال: إن وقوع هذه الفقرة في ضمن بعض المحرمات، يدل على أن

____________

١- الدر المنثور ج٢ ص٢٥٢ عن سعيد بن منصور، وابن المنذر، وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج٦ ص٣٠.

٢- الآية ٣ من سورة المائدة.

٣- الآية ٣ من سورة المائدة.

٢٣٤

إكمال الدين: معناه: أن الله قد أكمل الدين بتشريع هذه الأحكام.. فلا ربط لها بالإمامة والولاية..

والجواب:

إن قوله تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ..) (١) جملة إعتراضية وقعت بين هذه الأحكام، التي كان قد سبق بيانها في آيات أخرى نزلت قبل ذلك بسنوات، إما صراحة، أو ببيان عناوين عامة تشملها..

وهنا ثلاثة أسئلة وأجوبتها:

السؤال الأول: لماذا جملة إعتراضية؟!

والجواب: أن الإتيان بجملة إعتراضية بين أمرين ظاهري التلازم يشير إلى الأهمية البالغة للأمر الذي يراد بيانه بها، وأنه لا مجال لتأجيله، إذ لا يقطع أحد كلامه لأجل بيان أمر تافه، أو عادي.

السؤال الثاني: لماذا جاء الإعتراض بين أحكام سبق بيانها، وليس من بينها أي حكم يبين للمرة الأولى؟!

والجواب: أن المطلوب هو أن لا يتوهم أحد أن الدين قد كمل ببيان هذا الحكم، الذي يبين لأول مرة، كما أن ذلك يشير إلى تناغم بين مضمون الإعتراض وبين مساق الآية، حيث إن الآية تريد التأكيد على مضمون أحكام سبق بيانها بهدف حفظها..

والإمامة التي كمل بها الدين تريد حفظ الشريعة أيضاً، وإلزام الناس

____________

١- الآية ٣ من سورة المائدة.

٢٣٥

بها، وإشاعة الإلتزام بها، بالإضافة إلى أن من وظائف الإمام حفظ الشريعة من التحريف، والإهمال، وضمان صحة تطبيقها في حياة الأمة.

السؤال الثالث: لماذا وردت الجملة الإعتراضية في سياق أحكام إلزامية تحريمية لا وجوبية ولا استحبابية؟!.

والجواب: أنها بين أحكام إلزامية، للإيحاء بأن أدنى درجة من التفريط في هذا المورد معناها الوقوع في الهلكة.. وهي تحريمية، لأنها لو وقعت بين أحكام وجوبية لتوهم متوهم: أن المطلوب هو جلب المصلحة، والمصلحة قد يتخلى الإنسان عنها لسبب أو لآخر..

وبذلك يتضح:

أنه لا مجال لإيرادها في سياق بعض الأحكام المستحبة، أو المكروهة، أو بعض التوجيهات الأخلاقية، أو في سياق بيان بعض السياسات التدبيرية أو غير ذلك، لكي يمكن لأحد التأويل فيها، والتهرب من مضمونها الإلزامي.

متى يئس الذين كفروا؟!:

وقد يقال: قد دلت آية إكمال الدين على أن يأس الذين كفروا من ديننا هو في نفس يوم إكمال الدين..

فقيل: هو يوم فتح مكة(١) .

____________

١- تفسير السمرقندي ج١ ص٣٩٣ والجامع لأحكام القرآن ج٦ ص٦٠ وفتح القدير ج٢ ص١٠ وتفسير السمعاني ج٢ ص١٠ وتفسير الميزان ج٥ ص١٦٩ وراجع: تفسير الجلالين ص١٣٥.

٢٣٦

وقيل: ما بعد تبوك، حيث نزلت سورة براءة، وانبسط الإسلام على جزيرة العرب كلها، وعفيت آثار الشرك، وذهبت سنن الجاهلية(١) .

وقيل: يوم عرفة(٢) .

ونجيب:

بأن هذا غير صحيح، لما يلي:

ألف: إذا كان كمال الدين بإتمام إبلاغ أحكام الشريعة، فقد قلنا: إن الأحكام الواردة في الآية كانت قد بينت قبل ذلك بسنوات ـ في آيات أخرى، إما بالتنصيص على بعض مفرداتها، وإما ببيان أحكام باقي المفردات في عمومات تشملها(٣) .

____________

١- تفسير الميزان ج٥ ص١٦٩.

٢- تفسير مقاتل بن سليمان ج١ ص٢٨٠ وجامع البيان للطبري ج٦ ص١٠٥ وأحكام القرآن للجصاص ج٢ ص٣٩٢ و ٤٠٥ وتفسير الثعلبي ج٤ ص١٦ وتفسير ابن زمنين ج٢ ص٨ وتفسير السمعاني ج٢ ص١٠ وتفسير البغوي ج٢ ص١٠ وتفسير الواحدي ج١ ص٣٠٨ وتفسير الثعالبي ج٢ ص٣٤٢ وزاد المسير لابن الجوزي ج٢ ص٢٣٨ عن مجاهد وابن زيد، والتفسير الكبير للرازي ج٥ ص١٩١ وج١١ ص١٣٧ والمحرر الوجيز ج٢ ص١٥٤ وتفسير العز بن عبد السلام ج١ ص٣٧٠ والتسهيل لعلوم التنزيل ج١ ص١٦٨ وتيسير الكريم الرحمن في كلام المنان ص٢٢٠ وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص٥٨.

٣- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى‌الله‌عليه‌وآله " ج٣١ ص٣٠٠ و ٣٠١.

٢٣٧

ب: إن نفس تحريم هذه الأمور الواردة في الآية لا يوجب يأس الذين كفروا، فإنها لا تختلف عن غيرها من الأحكام..

ج: قد استمر تشريع الأحكام إلى ما بعد يوم الفتح.. وبعد نزول سورة براءة، وقد تضمنت سورة المائدة بعضاً من ذلك كما بيناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

د: إنه لا مبرر ليأس الذين كفروا في يوم عرفة، إذ لم يحصل فيه شيء يوجب ذلك.

إلا إن كان المراد: أنهم قد يئسوا يوم عرفة بسبب ما جرى في فتح مكة، أو بنزول سورة براءة، أو لما جرى في غزوة تبوك، أو غير ذلك..

ويجاب:

بأن هذا اليأس في تلك الأحداث قد حصل حين وقوعها، ولا مبرر لتأخر حصوله إلى يوم عرفة.

فإن قلت: لعل سبب اليأس في يوم عرفة هو إبلاغ جميع الأحكام فيه.

قلت: هذا لا يصح، فإن آية الكلالة التي في آخر سورة النساء، وآيات الربا قد نزلت بعد يوم عرفة، كما قاله عمر بن الخطاب في خطبة له(١) .

____________

١- صحيح مسلم ج٢ ص٨١ وج٥ ص٨ والغدير ج٦ ص١٢٧ ونهج السعادة ج٨ ص٤٢٢ ومسند أحمد ج١ ص٢٦ و ٢٨ و ٤٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج٨ ص١٥٠ وشرح مسلم للنووي ج٥ ص٥٣ وج١١ ص٥٧ ومسند أبي يعلى ج١ ص١٦٦ وج٥ ص٧٥ وجامع البيان للطبري ج٦ ص٥٩ وتفسير البغوي ج١= = ص٤٠٤ وتفسير القرآن العظيم ج١ ص٦٠٦ والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج١ ص٦٩ و ١٦٨ والدر المنثور ج٢ ص٢٤٩ وفتح القدير ج١ ص٥٤٤ وتفسير الآلوسي ج٦ ص٤٤ وأضواء البيان للشنقيطي ج٤ ص١٩٥ وأحكام القرآن لابن العربي ج١ ص٤٥٠ والجامع لأحكام القرآن ج٦ ص٢٩.

٢٣٨

وروي ذلك عن ابن عباس أيضاً(١) .

وقد يقال: إن نفس حضور النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في يوم عرفة بعد أن كان قد أخرج من مكة أوجب يأس الذين كفروا من هذا الدين.

ويجاب:

بأنه لا خصوصية لحضور النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في يوم عرفة، في موسم الحج، في هذا اليأس، وقد حضر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى مكة فاتحاً

____________

١- راجع: أسباب نزول الآيات ص٩ وأحكام القرآن للجصاص ج١ ص٥٦٣ وعمدة القاري ج١٨ ص١٩٥ و ٢٩٥ وج١١ ص٢٠٢ وج٢٣ ص٢٤٦ والبرهان للزركشي ج١ ص٢٠٩ ومجمع الزوائد ج٦ ص٣٢٤ والسنن الكبرى ج٦ ص٣٠٧ وجامع البيان ج٣ ص١٥٦ و ١٥٧ وتفسير السمرقندي ج١ ص٢٠٩ ومعاني القرآن للنحاس ج١ ص٣١٢ والمعجم الكبير للطبراني ج١١ ص٢٩٣ وج١٢ ص١٩ وتخريج الأحاديث للزيلعي ج١ ص٣٧١ والفتح السماوي ج٢ ص٥٤٥ والتبيان للطوسي ج٢ ص٣٦٩ وتفسير مجمع البيان ج٢ ص٢١٣ وتفسير الثوري ص٧٣ وتفسير الثعلبي ج٢ ص٢٨٩ وتفسير البغوي ج١ ص٥٠٤ وزاد المسير ج١ ص٣ و ١٥ والجامع لأحكام القرآن ج١ ص٦٠ وج٣ ص٣٧٥ وتفسير القرآن العظيم ج١ ص٣٤٠

٢٣٩

يوم الفتح، وقبلها في عمرة القضاء.

السبب الحقيقي ليأس الذين كفروا:

والذي نراه: أن سبب يأس الذين كفروا من هذا الدين هو بإيجاد العلة المبقية لهذا الدين، وتكريس معنى الإمامة فيه بنصب الحافظ له، والمبين لحقائقه، والأمين على شرائعه، والعالم بمعاني قرآنه، والعارف بناسخه وبمنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، والمسدد والمؤيد، والمعصوم الذي لا يخطئ في شيء من ذلك وسواه.

وبذلك يئس الذين كفروا من التمكن بعد وفاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من تحريف هذا الدين، والتلاعب بأحكامه، وإلقاء الشبهات حول حقائقه..

وكما أن الكافرين ييأسون، فإن المؤمنين سوف يشعرون بكمال دينهم، وبتمام النعمة عليهم، بعد أن وضعت الضمانات لحفظه، وبذلك رضي الله لهم الإسلام ديناً عالمياً باقياً، وأبدياً للبشرية كلها.

فلا تخشوهم واخشوني:

وبذلك تكون قد زالت موجبات خشية المؤمنين من كيد الذين كفروا، وأصبح الأمر مرهوناً بالمسلمين أنفسهم، وبمدى التزامهم بما أُخِذَ عليهم من عهد وميثاق منه تعالى، وخضوعهم للتدبير الرباني، وباستجابتهم لما يحييهم، وطاعتهم لمن نصبه الله ورسوله ولياً وحافظاً لهم، ولدينهم.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347