• البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66746 / تحميل: 5232
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 7

مؤلف:
العربية

نوع كان، ومن أي جهة صدر.

وذلك يشير إلى: أنه (عليه‌السلام ) هو المحق في كل نزاع يحاول الآخرون أن يفرضوه عليه، وأن على الأمة نصره، بردع المعتدي، فإن لم تستطع، فلا أقل من أن لا تنصر أعداءه عليه، وأن تعتقد بأن غيره ظالم له، معتد عليه، مبطل في ما يدَّعيه.

وقد جاءت هذه الإشارات اللائحة، والدلالات الواضحة قبل وفاته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بيسير، وقد واجه علي (عليه‌السلام ) المحنة التي فرضها عليه نفس هؤلاء الذين خاطبهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بهذا الخطاب!! واستنطقهم، وقررهم، وردوا عليه الجواب. وهم الذين هنأوا علياً (عليه‌السلام )، وبخبخوا له، وبايعوه، حتى قال ابن عباس: وجبت ـ والله ـ في أعناق القوم.

معنى الولاية في حديث الغدير:

قال السيد المرتضى (رحمه‌الله ): أولى بمعنى مولى، كما قاله أئمة اللغة في تفسير الآية(1) .

____________

1- راجع: رسائل المرتضى ج3 ص253 وج4 ص131 والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج2 ص261 وراجع: العمدة لابن البطريق ص116 وبحار الأنوار ج37 ص238 وج37 ص240 وتفسير مجمع البيان ج8 ص125 ونهج الإيمان لابن جبر ص124 والصراط المستقيم ج1 ص308 والرسائل العشر للشيخ الطوسي ص135 وراجع: كنز الفوائـد ص229 وقـد ذكـر العلامـة الأميني = = طائفة كبيرة من أقوال العرب وأهل اللغة، فراجع كتاب الغدير ج1 ص345 ـ 348.

٢٢١

أما سائر معاني كلمة مولى فهي إما بديهية الثبوت لعلي، فيكون ذكرها في يوم الغدير عبثاً.. مثل: (ابن العم، والناصر) التي ذكر أنها من معاني (المولى).

وإما هي واضحة الإنتفاء، ولا يصح إرادتها. مثل: (معنى المعتِق والمعتَق، فلا يصح إرادتهما في مناسبة الغدير، لأن ذلك يستلزم الكذب فيهما.. وهو لا يصدر من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..).

فأجاب الرازي بما ملخصه: لو كان مولى وأولى بمعنى واحد لصح استعمال كل منهما مكان الآخر، فيصح أن يقال: هذا مولى من فلان.. كما صح أن يقال: هذا أولى من فلان(1) .

وأجاب علماؤنا على كلام الرازي هذا بما يلي:

أولاً: إن الترادف إنما يكون في حاصل المعنى، دون الخصوصيات التي تنشأ من اختلاف الصيغ، والإشتقاقات، أو أنحاء الإستعمال.. فكلمة (أفضل) تضاف إلى صيغة التثنيه بدون كلمة (من)، فيقال: زيد أفضل الرجلين، لكن حين تضاف إلى المفرد، فلا بد من كلمة من، فلا يقال: زيد

____________

1- راجع: التفسير الكبير ج29 ص227 والغدير ج1 ص350 و 351 عنه، وعن نهاية العقول، وتفسير الآلوسي ج27 ص178 وخلاصة عبقات الأنوار ج8 ص181.

٢٢٢

أفضل عمرو، بل يقال: زيد أفضل من عمرو.

ثانياً: لنأخذ معنى الناصر في كلمة (مولى).. فإنه يصح أن يقال: فلان ناصر دين الله، ولكن لا يصح أن يقال: فلان مولى دين الله.

وقال عيسى:( مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ ) (1) . ولا يقال: من مواليّ إلى الله..

ويقال: الله ولي المؤمنين ومولاهم.. ويقال: فلان ولي الله، ولا يقال: مولى الله، كما ذكره الراغب(2) .

ويقال: إنك عالم. ولا يقال: إنَّ أنت عالم.

فالمولى اسم للمتولي، والمالك للأمر، والأولى بالتصرف. وليس صفة ولا هو من صيغ أفعل التفضيل بمنزلة الأولى، لكي يقال: إنه لا يأخذ أحكام كلمة (أولى) التي هي صفة..

ثالثاً: إذا لاحظنا المعاني المذكورة، فنقول:

ألف: إن كان المراد بالمولى المحب والناصر، فقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (من كنت مولاه فعلي مولاه).

إن كان المراد به: الإخبار بوجوب حبه (عليه‌السلام ) على المؤمنين، أو إنشاء وجوب حبه عليهم، فذلك يكون من باب تحصيل الحاصل، لأن كل مؤمن يجب حبه على أخيه المؤمن، فما معنى أن يجمع عشرات الألوف في ذلك المكان؟! ليقول لهم: يجب أن تحبوا أخاكم علياً؟!

____________

1- الآية 52 من سورة آل عمران.

2- مفردات الراغب ص533.

٢٢٣

ولماذا يكون ذلك موازياً لتبليغ الرسالة وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ؟!(1) .

ولماذا يكمل به الدين، وتتم به النعمة؟!.

ولماذا يهنئه عمر وأبو بكر بهذا الأمر، ويقولان له: أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة؟! وكأنه لم يكن كذلك. قبل هذا الوقت باعتقادهما!!

ألم يكن الله تعالى قد أوجب على المؤمنين أن يحب بعضهم بعضاً؟!

ألم يكن الله قد اعتبر المؤمنين بمثابة الإخوة؟!

يضاف إلى ما تقدم: أن وجوب النصرة والمحبة لا يختص بعلي (عليه‌السلام )، بل يشمل جميع المؤمنين.

وإن كان المقصود هو إيجاب نصرة مخصوصة تزيد على ما أوجبه الله على المؤمنين تجاه بعضهم، فهو المطلوب، لأن هذا هو معنى الإمامة، ولا سيما مع الإستدلال على هذه النصرة الخاصة بمولوية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لهم..

وإن كان المراد الإخبار بأنه يجب على علي (عليه‌السلام ) أن يحب المؤمنين وأن ينصرهم.. فلا يحتاج هذا إلى جمع الناس يوم الغدير، ولا إلى نزول الآيات، وما إلى ذلك.. إذ كان يكفي أن يخبر علياً بأنه يجب عليه ذلك..

على أن ذلك يطرح سؤالاً عن السبب في تخصيص هذا الأمر بعلي؟!

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

٢٢٤

وعلى كل حال، فإن قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (ألست أولى بكم من أنفسكم) يفيد أنها ولاية نصرة ومحبة ناشئة عن هذه الأولوية منهم بأنفسهم.. كما أن جعل وجوب نصرة علي (عليه‌السلام ) كوجوب نصرة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لهم يؤكد ذلك..

فإن نصرة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لهم إنما هي من حيث نبوته، وملكه لأمورهم، وزعامته عليهم.. وليست كوجوب نصرتهم أو محبتهم لبعضهم بعضاً.

ب: أما القول بأن المراد بالمولى المالك والمعتق، فيرد عليه: أنه لم يكن هناك مالكية حقيقية، ولا عتق، ولا انعتاق.

ج: إن كان المراد بكلمة مولى: السيد، فهو يقترب من معنى الأولى، لأن السيد هو المتقدم على غيره. وهذا التقدم ليس بالقهر والظلم، لأن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قرن سيادة علي (عليه‌السلام ) بسيادة نفسه، فلا بد أن يكون التقدم بالإستحقاق، من خلال ما يملك من مزايا ترجحه عليهم، وبديهي: أن أية مزية شخصية لا توجب تقدماً، ولا تجعل له حقاً عليهم، يجعله أولى بهم من أنفسهم، إلا إذا كانت هذه المزية قد أوجبت أن يجعل من بيده منح الحق ومنعه لصاحب هذه المزية مقام الأولوية بهذا المستوى الذي هو من شؤون النبوة والإمامة. وليس لأحد الحق في منح هذا المقام إلا لله تبارك وتعالى..

د: ولو كان المراد بكلمة المولى، المتصرف، والمتولي للأمر، فالأمر كذلك أيضاً، فإن حق التصرف إنما يثبت له بجعل من له الحق في الجعل، وهو الله

٢٢٥

سبحانه وفق ما ذكرنا آنفاً..

الجمع بين المعاني:

وقد ذكر العلامة الأميني وغيره: أن الذي يجمع تلك المعاني كلها هو أن يراد: الأولى بالشيء، فإنه مأخوذ من جميع تلك المعاني بنوع من العناية، فـ (المعتِق) أولى. لأن له حقاً على (المعتَق)، وهو أولى به لتفضله عليه.

والمالك أولى بالمملوك، والسيد أولى بمن هم تحت سيادته، والابن أولى بالأب، والأخ أولى بأخيه، والتابع أولى بمتبوعه، والصاحب أولى بصاحبه الخ..

فالمعاني التي تذكر لكلمة مولى ليست معاني لها على سبيل الإشتراك اللفظي، بل هي خصوصيات في موارد استعمال كلمة مولى، ولا دخل لها في معناها وهو (الأولى). وقد اشتبه عندهم المفهوم بخصوصية المصداق.

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (ألست أولى بكم من أنفسكم) يدل على ما نقول..

ويدل عليه أيضاً: ما ورد في بعض نصوص الحديث، من أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سأل الناس، فقال: فمن وليكم؟!

قالوا: الله ورسوله مولانا.

وقوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في نص آخر: (تمام نبوتي، وتمام دين الله في ولاية علي بعدي..) فإن ما يتم به الدين هو الولاية بمعنى الإمامة.

وفي بعض النصوص أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال في تلك المناسبة: هنئوني، هنئوني، إن الله تعالى خصني بالنبوة، وخص أهل بيتي بالإمامة..

٢٢٦

يضاف إلى ذلك قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي.

ويؤيد ذلك أيضاً، بل يدل عليه: بيعتهم لعلي (عليه‌السلام ) في تلك المناسبة، وقد استمرت ثلاثة أيام.

وكذلك قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (إني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق ومكذبيهم، فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني) أو ما هو قريب من هذه المعاني، فإن طعن أهل النفاق، وخوف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من الإبلاغ إنما هو لأمر جليل كأمر الإمامة، ولا ينسجم ذلك مع إرادة المحب أو الناصر من كلمة المولى.

يضاف إلى ذلك، التعبير بكلمة: (نصب علياً)، أو (أمر الله تعالى نبيه أن ينصبني)، أو (نصبني) أو نحو ذلك.

وعبارة ابن عباس: وجبت والله في رقاب (أو في أعناق) القوم.

ونزول قوله تعالى:( وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1) .

وثمة مؤيدات وقرائن أخرى ذكرها كلها العلامة الأميني في كتابه الغدير، فراجع الجزء الأول منه، فصل (القرائن المعيّنة لمعنى الحديث). وراجع الأحاديث الأخرى المفسرة لمعناه أيضاً في كتاب الغدير ج1 ص385 ـ 390.

أمهات المؤمنين يهنئن علياً (عليه‌السلام ):

وقد تقدم: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر أمهات المؤمنين بأن يسرن إلى

____________

1- الآية 67 من سورة المائدة.

٢٢٧

علي (عليه‌السلام ) ويهنئنه، ففعلن، وما ذلك إلا لأنه يريد أن يقطع العذر لمن تريد منهن أن تشن عليه حرباً ضروساً، يقتل فيها المئات والألوف، فليس لها أنها تدَّعي أنها بسبب عزلتها في خدرها، وكونها رهينة الحجاب، لم تعرف شيئاً مما جرى في يوم الغدير.

أو أن تدّعي: أن ما عرفته من أفواه الناس من أقاربها كان لا يقيم حجة، ولا يقطع عذراً، أما النساء فإنهن وإن أبلغنها بشيء مما كان يجري، لكن حالهن حالها، وربما يبلغها ما لا يبلغهن، أو أن ما يبلغها قد يكون أكثر دقة مما يتناهى إلى مسامعهن، بعد أن تعبث به الأهواء، ويختلط بالتفسيرات والتأويلات، والإجتهادات وما إلى ذلك..

وإن نفس الطلب إلى نساء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأن يقمن بهذا الأمر، يقتضي فسح المجال لهن لكي يسألن عن سبب هذه التهنئة، وعن حقيقة ما جرى. لا سيما إذا كانت هذه أول مرة يطلب فيها من أمهات المؤمنين أن يشاركن في تهنئة أحد، في أمر له ارتباط بالرجال غير رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

وقد جاء الأمر بذلك عاماً وشاملاً لهن من دون استثناء، فلا مجال للتأويل والتحليل، أو لاحتمال أن ذلك كان لخصوصية اقتضت طلب ذلك من امرأة بعينها.. بل هو امتداد لبيعتهن لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، والتزامهن بطاعة الله ورسوله من ناحية، وتأسيس لمرحلة ما بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من ناحية أخرى.

٢٢٨

الفصل السابع: آيات الغدير.

٢٢٩

٢٣٠

متى نزلت سورة المائدة؟!:

في سورة المائدة آيتان ترتبطان بموضوع الغدير، هما آية كمال الدين، وآية الأمر بإبلاغ ما أنزل إليه من ربه، وقد تقدمت الأولى على الثانية، فلماذا كان ذلك؟!

وقبل البدء في بيان ما نرمي إليه نشير إلى تاريخ نزول سورة المائدة، فنقول:

إن سورة المائدة نزلت كما يقول محمد بن كعب القرظي في حجة الوداع بين مكة والمدينة(1) .

وروي عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قوله في حجة الوداع: (إن سورة المائدة من آخر القرآن نزولاً)(2) .

____________

1- الإتقان في علوم القرآن ج1 ص20 والدر النثور ج2 ص252 عن أبي عبيد، والغدير ج6 ص256 وعمدة القاري ج18 ص196 و فتح القدير ج2 ص3 وتفسير الآلوسي ج6 ص47.

2- الغدير ج1 ص227 وتفسير الثعلبي ج4 ص5 وتفسير الآلوسي ج6 ص69 و 172 وتفسير أبي السعود ج3 ص4 و 10 وتفسير الخازن ج1 ص429 والجامع = = لأحكام القرآن ج6 ص350 ودقائق التفسير لابن تيمية ج2 ص15 والبرهان للزركشي ج1 ص194 و 262 وتفسير البيضاوي ج2 ص298 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص615 وإمتاع الأسماع ج4 ص334 والدر المنثور ج2 ص252 عن أبي عبيد، عن ضمرة بن حبيب، وعطية بن قيس. وتخريج الأحاديث والآثار ج1 ص377 والفتح السماوي للمناوي ج2 ص552 وبحار الأنوار ج77 ص253 ومستدرك سفينة البحار ج9 ص504 وراجع: الصراط المستقيم ج3 ص284 وعوالي اللآلي ج2 ص6 و 95 وتحفة الأحوذي ج8 ص326 والتفسير الصافي ج2 ص13.

٢٣١

وصرحت عدة روايات بنزولها في حجة الوداع. فراجع ما روي عن محمد بن كعب القرظي، والربيع بن أنس(1) .

وعن عائشة: إن المائدة آخر سورة نزلت(2) .

____________

1- الدر المنثور ج2 ص252 عن أبي عبيد وابن جرير، وعمدة القاري ج18 ص195 و 196 وتفسير الآلوسي ج6 ص47 والغدير ج6 ص256 وجامع البيان للطبري ج6 ص112 والمحرر الوجيز لابن عطية ج2 ص155 وراجع المصادر المتقدمة في الهوامش السابقة.

2- الغدير ج1 ص429 عن تفسير القرآن العظيم ج2 ص3 عن أحمد، والحاكم، والنسائي، والدر المنثور ج2 ص252 عن أحمد، وأبي عبيد في فضائله، والنحاس في ناسخه، والنسائي، وابن المنذر، والحاكم وصحح، وابن مردويه، والبيهقي في سننه، والمحلى لابن حزم ج7 ص390 وج9 ص407 والإتقان في علوم القرآن للسيوطي= = ج1 ص84 ونيل الأوطار ج9 ص204 ومسند أحمد ج6 ص188 ومسند الشاميين ج3 ص144 والجـامع لأحكـام القرآن ج6 ص31 وتفسير السمرقندي ج1 ص388 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص615 والفتح السماوي ج2 ص552 وتفسير الآلوسي ج6 ص47 وتخريج الأحاديث والآثار ج1 ص377 وفتح القدير ج2 ص3 ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج5 ص302 والسنن الكبرى للنسائي ج6 ص333 ومسند ابن راهويه ج3 ص956 وعون المعبود ج10 ص13 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص172 والمستدرك للحاكم ج2 ص311.

٢٣٢

وعن عبد الله بن عمر: إن آخر سورة أنزلت، سورة المائدة، والفتح(1) ، يعني سورة النصر، قاله السيوطي في الإتقان(2) .

وعن أبي ميسرة: آخر سورة أنزلت سورة المائدة، وإن فيها لسبع عشرة

____________

1- الغدير ج2 ص228 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص257 وتخريج الأحاديث والآثار ج1 ص377 وسنن الترمذي ج4 ص326 وتحفة الأحوذي ج8 ص346 والإتقان في علوم القرآن ج1 ص84 والفتح السماوي ج2 ص553 وتفسير الآلوسي ج6 ص47 و فتح القدير ج2 ص3 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص3 عن الترمذي، والدر المنثور ج2 ص252 عن أحمد، والترمذي وحسّنه، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في سننه.

2- الإتقان في علوم القرآن ج1 ص84 وتحفة الأحوذي ج8 ص346 وراجع: الفتح السماوي ج2 ص553 والغدير ج2 ص228.

٢٣٣

فريضة(1) .

وسيأتي المزيد مما يرتبط بتاريخ نزول السورة حين الحديث عن نزولها إن شاء الله تعالى..

موقع آية الإكمال:

وقد أنزل الله تعالى في مناسبة الغدير قوله:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (2) .

وهي في وسط آية ذكرت بعض المحرمات، كما يلي:( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالمُنْخَنِقَةُ وَالمَوْقُوذَةُ وَالمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (3)

فقد يقال: إن وقوع هذه الفقرة في ضمن بعض المحرمات، يدل على أن

____________

1- الدر المنثور ج2 ص252 عن سعيد بن منصور، وابن المنذر، وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج6 ص30.

2- الآية 3 من سورة المائدة.

3- الآية 3 من سورة المائدة.

٢٣٤

إكمال الدين: معناه: أن الله قد أكمل الدين بتشريع هذه الأحكام.. فلا ربط لها بالإمامة والولاية..

والجواب:

إن قوله تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ..) (1) جملة إعتراضية وقعت بين هذه الأحكام، التي كان قد سبق بيانها في آيات أخرى نزلت قبل ذلك بسنوات، إما صراحة، أو ببيان عناوين عامة تشملها..

وهنا ثلاثة أسئلة وأجوبتها:

السؤال الأول: لماذا جملة إعتراضية؟!

والجواب: أن الإتيان بجملة إعتراضية بين أمرين ظاهري التلازم يشير إلى الأهمية البالغة للأمر الذي يراد بيانه بها، وأنه لا مجال لتأجيله، إذ لا يقطع أحد كلامه لأجل بيان أمر تافه، أو عادي.

السؤال الثاني: لماذا جاء الإعتراض بين أحكام سبق بيانها، وليس من بينها أي حكم يبين للمرة الأولى؟!

والجواب: أن المطلوب هو أن لا يتوهم أحد أن الدين قد كمل ببيان هذا الحكم، الذي يبين لأول مرة، كما أن ذلك يشير إلى تناغم بين مضمون الإعتراض وبين مساق الآية، حيث إن الآية تريد التأكيد على مضمون أحكام سبق بيانها بهدف حفظها..

والإمامة التي كمل بها الدين تريد حفظ الشريعة أيضاً، وإلزام الناس

____________

1- الآية 3 من سورة المائدة.

٢٣٥

بها، وإشاعة الإلتزام بها، بالإضافة إلى أن من وظائف الإمام حفظ الشريعة من التحريف، والإهمال، وضمان صحة تطبيقها في حياة الأمة.

السؤال الثالث: لماذا وردت الجملة الإعتراضية في سياق أحكام إلزامية تحريمية لا وجوبية ولا استحبابية؟!.

والجواب: أنها بين أحكام إلزامية، للإيحاء بأن أدنى درجة من التفريط في هذا المورد معناها الوقوع في الهلكة.. وهي تحريمية، لأنها لو وقعت بين أحكام وجوبية لتوهم متوهم: أن المطلوب هو جلب المصلحة، والمصلحة قد يتخلى الإنسان عنها لسبب أو لآخر..

وبذلك يتضح:

أنه لا مجال لإيرادها في سياق بعض الأحكام المستحبة، أو المكروهة، أو بعض التوجيهات الأخلاقية، أو في سياق بيان بعض السياسات التدبيرية أو غير ذلك، لكي يمكن لأحد التأويل فيها، والتهرب من مضمونها الإلزامي.

متى يئس الذين كفروا؟!:

وقد يقال: قد دلت آية إكمال الدين على أن يأس الذين كفروا من ديننا هو في نفس يوم إكمال الدين..

فقيل: هو يوم فتح مكة(1) .

____________

1- تفسير السمرقندي ج1 ص393 والجامع لأحكام القرآن ج6 ص60 وفتح القدير ج2 ص10 وتفسير السمعاني ج2 ص10 وتفسير الميزان ج5 ص169 وراجع: تفسير الجلالين ص135.

٢٣٦

وقيل: ما بعد تبوك، حيث نزلت سورة براءة، وانبسط الإسلام على جزيرة العرب كلها، وعفيت آثار الشرك، وذهبت سنن الجاهلية(1) .

وقيل: يوم عرفة(2) .

ونجيب:

بأن هذا غير صحيح، لما يلي:

ألف: إذا كان كمال الدين بإتمام إبلاغ أحكام الشريعة، فقد قلنا: إن الأحكام الواردة في الآية كانت قد بينت قبل ذلك بسنوات ـ في آيات أخرى، إما بالتنصيص على بعض مفرداتها، وإما ببيان أحكام باقي المفردات في عمومات تشملها(3) .

____________

1- تفسير الميزان ج5 ص169.

2- تفسير مقاتل بن سليمان ج1 ص280 وجامع البيان للطبري ج6 ص105 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص392 و 405 وتفسير الثعلبي ج4 ص16 وتفسير ابن زمنين ج2 ص8 وتفسير السمعاني ج2 ص10 وتفسير البغوي ج2 ص10 وتفسير الواحدي ج1 ص308 وتفسير الثعالبي ج2 ص342 وزاد المسير لابن الجوزي ج2 ص238 عن مجاهد وابن زيد، والتفسير الكبير للرازي ج5 ص191 وج11 ص137 والمحرر الوجيز ج2 ص154 وتفسير العز بن عبد السلام ج1 ص370 والتسهيل لعلوم التنزيل ج1 ص168 وتيسير الكريم الرحمن في كلام المنان ص220 وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص58.

3- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلى‌الله‌عليه‌وآله " ج31 ص300 و 301.

٢٣٧

ب: إن نفس تحريم هذه الأمور الواردة في الآية لا يوجب يأس الذين كفروا، فإنها لا تختلف عن غيرها من الأحكام..

ج: قد استمر تشريع الأحكام إلى ما بعد يوم الفتح.. وبعد نزول سورة براءة، وقد تضمنت سورة المائدة بعضاً من ذلك كما بيناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

د: إنه لا مبرر ليأس الذين كفروا في يوم عرفة، إذ لم يحصل فيه شيء يوجب ذلك.

إلا إن كان المراد: أنهم قد يئسوا يوم عرفة بسبب ما جرى في فتح مكة، أو بنزول سورة براءة، أو لما جرى في غزوة تبوك، أو غير ذلك..

ويجاب:

بأن هذا اليأس في تلك الأحداث قد حصل حين وقوعها، ولا مبرر لتأخر حصوله إلى يوم عرفة.

فإن قلت: لعل سبب اليأس في يوم عرفة هو إبلاغ جميع الأحكام فيه.

قلت: هذا لا يصح، فإن آية الكلالة التي في آخر سورة النساء، وآيات الربا قد نزلت بعد يوم عرفة، كما قاله عمر بن الخطاب في خطبة له(1) .

____________

1- صحيح مسلم ج2 ص81 وج5 ص8 والغدير ج6 ص127 ونهج السعادة ج8 ص422 ومسند أحمد ج1 ص26 و 28 و 48 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص150 وشرح مسلم للنووي ج5 ص53 وج11 ص57 ومسند أبي يعلى ج1 ص166 وج5 ص75 وجامع البيان للطبري ج6 ص59 وتفسير البغوي ج1= = ص404 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص606 والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج1 ص69 و 168 والدر المنثور ج2 ص249 وفتح القدير ج1 ص544 وتفسير الآلوسي ج6 ص44 وأضواء البيان للشنقيطي ج4 ص195 وأحكام القرآن لابن العربي ج1 ص450 والجامع لأحكام القرآن ج6 ص29.

٢٣٨

وروي ذلك عن ابن عباس أيضاً(1) .

وقد يقال: إن نفس حضور النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في يوم عرفة بعد أن كان قد أخرج من مكة أوجب يأس الذين كفروا من هذا الدين.

ويجاب:

بأنه لا خصوصية لحضور النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في يوم عرفة، في موسم الحج، في هذا اليأس، وقد حضر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى مكة فاتحاً

____________

1- راجع: أسباب نزول الآيات ص9 وأحكام القرآن للجصاص ج1 ص563 وعمدة القاري ج18 ص195 و 295 وج11 ص202 وج23 ص246 والبرهان للزركشي ج1 ص209 ومجمع الزوائد ج6 ص324 والسنن الكبرى ج6 ص307 وجامع البيان ج3 ص156 و 157 وتفسير السمرقندي ج1 ص209 ومعاني القرآن للنحاس ج1 ص312 والمعجم الكبير للطبراني ج11 ص293 وج12 ص19 وتخريج الأحاديث للزيلعي ج1 ص371 والفتح السماوي ج2 ص545 والتبيان للطوسي ج2 ص369 وتفسير مجمع البيان ج2 ص213 وتفسير الثوري ص73 وتفسير الثعلبي ج2 ص289 وتفسير البغوي ج1 ص504 وزاد المسير ج1 ص3 و 15 والجامع لأحكام القرآن ج1 ص60 وج3 ص375 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص340

٢٣٩

يوم الفتح، وقبلها في عمرة القضاء.

السبب الحقيقي ليأس الذين كفروا:

والذي نراه: أن سبب يأس الذين كفروا من هذا الدين هو بإيجاد العلة المبقية لهذا الدين، وتكريس معنى الإمامة فيه بنصب الحافظ له، والمبين لحقائقه، والأمين على شرائعه، والعالم بمعاني قرآنه، والعارف بناسخه وبمنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، والمسدد والمؤيد، والمعصوم الذي لا يخطئ في شيء من ذلك وسواه.

وبذلك يئس الذين كفروا من التمكن بعد وفاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من تحريف هذا الدين، والتلاعب بأحكامه، وإلقاء الشبهات حول حقائقه..

وكما أن الكافرين ييأسون، فإن المؤمنين سوف يشعرون بكمال دينهم، وبتمام النعمة عليهم، بعد أن وضعت الضمانات لحفظه، وبذلك رضي الله لهم الإسلام ديناً عالمياً باقياً، وأبدياً للبشرية كلها.

فلا تخشوهم واخشوني:

وبذلك تكون قد زالت موجبات خشية المؤمنين من كيد الذين كفروا، وأصبح الأمر مرهوناً بالمسلمين أنفسهم، وبمدى التزامهم بما أُخِذَ عليهم من عهد وميثاق منه تعالى، وخضوعهم للتدبير الرباني، وباستجابتهم لما يحييهم، وطاعتهم لمن نصبه الله ورسوله ولياً وحافظاً لهم، ولدينهم.

٢٤٠