• البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 66748 / تحميل: 5232
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 7

مؤلف:
العربية

الفصل التاسع: قرائن ودلالات..

٢٨١

٢٨٢

لماذا آية الإكمال أولاً؟!:

هنا سؤال يقول: لماذا أوردت آية:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (1) ، قبل آية:( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (2) . وهما في سورة واحدة؟! فإن السير الطبيعي للأحداث يفرض تقدم هذه على تلك.. لا سيما وأن القرآن كان ينزل نجوماً..

ونجيب:

أولاً: إن سورة المائدة قد نزلت أولاً دفعة واحدة، إما في حجة الوداع في الطريق، أو يوم عرفة، ثم صارت الأحداث تمر، والآيات المناسبة تنزل مرة ثانية(3) .

____________

1- الآية 3 من سورة المائدة.

2- الآية 67 من سورة المائدة.

3- الجامع لأحكام القرآن ج6 ص61 وراجع ص30 وراجع: تفسير البحر المحيط ج3 ص427 والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج2 ص143 والغدير ج1 ص227 وشرح أصول الكافي ج6 ص121 وج11 ص278

٢٨٣

ويدل على نزولها دفعة واحدة ما يلي:

1 ـ عبد الله بن عمرو، قال: أنزلت على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سورة المائدة، وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله، فنزل عنها(1) .

2 ـ عن أسماء بنت يزيد، قالت: إني لآخذة بزمام العضباء، ناقة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، إذ نزلت المائدة كلها، فكادت من ثقلها تدق عضد الناقة(2) .

____________

1- مسند أحمد ج2 ص176 والدر المنثور ج2 ص252 عنه، ومجمع الزوائد ج7 ص13 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص3 وفتح القدير ج2 ص3 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج3 ص31 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص424 وإمتاع الأسماع ج3 ص49 والسيرة الحلبية ج1 ص415 وسبل الهدى والرشاد ج2 ص258.

2- مسند أحمد ج6 ص455 والدر المنثور ج2 ص252 عنه، وعن عبد بن حميد، وابن جرير، ومحمد بن نصر في الصلاة، والطبراني، وأبي نعيم في الدلائل، والبيهقي في شعب الإيمان، ومجمع الزوائد ج7 ص13 وجامع البيان ج6 ص112 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص3 و 126 والبداية والنهاية ج3 ص31 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص424 والسيرة الحلبية ج1 ص424 ومسند ابن راهويه ج5 ص174 وإمتاع الأسماع ج3 ص48 وذم الكلام وأهله للأنصاري الهروي ج1 ص16 والمعجم الكبير للطبراني ج24 ص177 و 178 وسبل الهدى والرشاد ج2 ص257.

٢٨٤

3 ـ عن أم عمرو بنت عبس، عن عمها: أنه كان في مسير مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فنزلت عليه سورة المائدة، فاندق كتف راحلته العضباء، من ثقل السورة(1) .

4 ـ عن محمد بن كعب القرظي، قال: نزلت سورة المائدة على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في حجة الوداع، فيما بين مكة والمدينة، وهو على ناقته، فانصدعت كتفها، فنزل عنها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(2) .

5 ـ عن الربيع بن أنس قال: نزلت سورة المائدة على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المسير من حجة الوداع، وهو راكب راحلته، فبركت به راحلته من ثقلها(3) .

أما القول بأنها نزلت منصرف رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في الحديبية(4) ، فيرده: ما دل على أن سورة المائدة كانت آخر ما نزل.

ثانياً: قالوا: (الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي،

____________

1- الدر المنثور ج2 ص252 عن ابن أبي شيبة في مسنده، والبغوي في معجمه، وابن مردويه، والبيهقي في دلائل النبوة، والسيرة الحلبية ج1 ص415.

2- الدر المنثور ج2 ص252 عن أبي عبيد، وتفسير الآلوسي ج6 ص47.

3- الدر المنثور ج2 ص252 عن ابن جرير، وجامع البيان ج6 ص112.

4- الجامع لأحكام القرآن ج6 ص61 وراجع ص30 وراجع تفسير البحر المحيط ج3 ص427 والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج2 ص143 والغدير ج1 ص227.

٢٨٥

لا شبهة في ذلك)(1) ..

وقد رووا: أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، كان يقول: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا..

وقد روي ذلك عن ابن عباس(2) ..

وعن عثمان بن عفان أيضاً(3) ..

____________

1- الإتقان ج1 ص24 و (ط دار الفكر) ج1 ص167 والغدير ج1 ص227 وراجع: تحفة الأحوذي ج8 ص380 وإعجاز القرآن الباقلاني (مقدمة المحقق) ص60 وتاريخ القرآن الكريم لمحمد طاهر الكردي ص61.

2- راجع: الدر المنثور ج1 ص7 عن الحاكم وصححه، وعن أبي داود، والبزار، والطبراني، والبيهقي في المعرفة وفي شعب الإيمان، والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص272 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص43 والإتقان ج1 ص62 والبرهان للزركشي (ط دار إحياء الكتب العربية) ج1 ص234 و 241 عن الترمذي والحاكم، والتمهيد ج1 ص213 وتاريخ القرآن للصغير ص81 عن: مدخل إلى القرآن الكريم لدراز ص34، لكن في غرائب القرآن للنيسابوري، بهامش جامع البيان للطبري ج1 ص24 ومناهل العرفان ج1 ص240 هكذا: "ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا".

3- مستدرك الحاكم ج2 ص330 و221 وتلخيصه للذهبي بهامشه وغريب الحديث ج4 ص104، والبرهان للزركشي ج1 ص234 و 235 وسنن الترمذي ج4 ص336 وراجع ص61 وغرائب القرآن بهامش جامع البيان ج1 ص24 وفتح = = الباري ج9 ص19 و 20 و 39 و 38، وكنز العمال ج2 ص367 عن أبي عبيد في فضائله، وابن أبي شيبة، وأحمد، وأبي داود، والترمذي، وابن المنذر، وابن أبي داود، وابن الأنباري معاً في المصاحف، والنحاس في ناسخه، وابن حبان، وأبي نعيم في المعرفة، والحاكم وسعيد بن منصور، والنسائي، والبيهقي، وفواتح الرحموت بهامش المستصفى ج2 ص12 عن بعض من ذكر، والدر المنثور ج3 ص207 و 208 عن بعض من ذكر، وعن أبي الشيخ، وابن مردويه ومشكل الآثار ج2 ص152 والبيان ص268 عن بعض من تقدم، وإمتاع الأسماع ج4 ص241 وتاريخ المدينة لابن شبة ج3 ص1015 وفتح القدير ج2 ص331 وعن الضياء في المختارة، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج2 ص48.

وراجع: بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص103 ومناهل العرفان ج1 ص347 ومباحث في علوم القرآن ص142 عن بعض من تقدم، وتاريخ القرآن للصغير ص92 عن أبي شامة في المرشد الوجيز.. وجواهر الأخبار والآثار بهامش البحر الزخار ج2 ص245 عن أبي داود، والترمذي، وسنن أبي داود ج1 ص209 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص344 وتفسير السمرقندي ج2 ص37 والسنن الكبرى للبيهقي ج2 ص42 والإتقان في علوم القرآن ج1 ص167 وأحكام القرآن للجصاص ج1 ص10 ومسند أحمد ج1 ص57 و 69 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص10 وأضواء البيان للشنقيطي ج2 ص112 وجامع البيان ج1 ص69 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص62 وتهذيب الكمال ج32 ص288 وتاريخ القرآن الكريم لمحمد طاهر الكردي ص63.

٢٨٦

٢٨٧

وفي نص آخر: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) شخص ببصره، ثم صوبه، ثم قال: أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية في هذا الموضع من هذه السورة(1) .

وهذا معناه: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هو الذي قدم آية الإكمال على الآية الأخرى بأمر من الله.. مما يعني: أن ثمة مصلحة اقتضت هذا التقديم، فلا بد من البحث في ذلك، فلاحظ ما يلي:

لماذا قدم آية الإكمال؟!:

قد يقال: إن المصلحة في هذا التقديم هي حفظ الإمامة، وحفظ إيمان الناس، وتيسير سبل الهداية لهم، ثم حفظ القرآن عن أن تمتد إليه يد التحريف.

وتوضيح ذلك باختصار شديد: أن الدعوة لا بد أن تواجه بالشدة والعنف من قبل الطغاة والجبارين، ولا بد من قتالهم لمنع بغيهم، ودفع شرهم، وهذا يضع الرسول أمام عدة خيارات هي:

الخيار الأول: أن يباشر النبي القتال بنفسه، فيقتل المعتدين، ومن يعاونهم في عدوانهم..

____________

1- مسند أحمد ج4 ص218 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص605 وكنز العمال ج2 ص16 ومجمع الزوائد ج7 ص48 وتفسير الآلوسي ج14 ص220 وفتح القدير ج3 ص189 والدر المنثور ج4 ص128 والإتقان في علوم القرآن للسيوطي ج1 ص168 وتاريخ القرآن الكريم لمحمد طاهر الكردي ص62 و 68.

٢٨٨

وهذا يعني: أن لا تصفو نفوس ذويهم له، وأن لا يتمكن حبه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من قلوبهم، فضلاً عن أن يكون أحب إليهم من كل شيء حتى من أنفسهم!!.. كما يفرضه الإلتزام بالإسلام، والدخول في دائرة الإيمان..

وسوف تتهيأ الفرصة أمام شياطين الإنس والجن لدعوة هؤلاء الموتورين إلى خيانته، والكيد له، والتآمر عليه، ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً..

كما أنهم إذا ما اتخذوا ذلك ذريعة للعزوف عن إعلان إسلامهم واستسلامهم.. فإنهم سوف يمنعون الكثيرين ممن له اتصال بهم، من أبناء وأرحام، وأقوام، وحلفاء وأصدقاء، من التعاطي بحرية وبعفوية مع أهل الإيمان، ثم حرمانهم وحرمان من يلوذ بهم من الدخول الجدي في المجتمع الإسلامي، والتفاعل معه، والذوبان فيه.

وإذا لم تصف نفوس بعض الناس، ولم يتمكن حب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من قلوبهم بل اتسع النفاق، وارتد بعضهم واضطهدوا آل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بسبب ذلك. فإن ذلك لا ينقض ما قلناه لأن ذلك إنما نشأ عن العناد والاستكبار عن قبول الحق، ولأجل مطامع دنيوية وأمراض قلبية. ويدل على ذلك: أن كثيرين غير هؤلاء قد استجابوا للحق، ولم يحملوا غلاً في صدورهم، وأصبحوا من خيرة الناس، قد أحبوا الله ورسوله حسب ما تيسر لكل منهم.

الخيار الثاني: أن يتولى ذلك الآخرون من رجال القبائل المختلفة، مع احتفاظه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأهل بيته وذوي قرابته.

٢٨٩

وهذا سوف يثير لدى الناس أكثر من سؤال، ويضعف عامل الثقة، وقد يؤثر سلباً على اعتقاد الناس بالنبوة، وعلى درجة الإنقياد لها.. ولا أقل من عروض الكدورة على صفاء النوايا، وانحسار الرغبة في التضحية حين يقتضي الأمر ذلك..

مع ملاحظة: أن الناس لا يزالون قريبي عهد بجاهليتهم، ولم يتم اقتلاع مفاهيمها بعد بصورة كاملة، ولم يقطع الناس أشواطاً كبيرة في مسيرة السمو الروحي، والإخلاص لله فيما يحجمون عنه، أو يقدمون عليه..

بل قد يؤسس ذلك لأحقاد بين الفئات والقبائل المختلفة، تنتهي إلى عمليات ثأرية متبادلة.. وسينتهي الأمر بالتمزق والتشرذم، والسقوط في مستنقع الجريمة، ثم في أحضان الرذيلة بأبشع الصور، وأخبثها..

ولذلك نجد أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) يعمل على أن يقابل كل قبيلة بأختها من نفس القبيلة، فيقابل تميم الشام بتميم العراق، وربيعة الشام بربيعة العراق(1) ، وهكذا سائر القبائل، لا لأجل أنه يتعامل بمنطق العشيرة والقبيلة.. فإن سيرته خير شاهد على خلاف ذلك، بل لأنه يريد:

أولاً: أن لا يمعن الناس في قتل بعضهم بعضاً، لأن المهم عنده هو وأد

____________

1- وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص229 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص186 وراجع: أنساب الأشراف ج2 ص305 والفتوح لابن أعثم ج3 ص141 وراجع ج2 ص299 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص9 وفيه: أن علياً >عليه‌السلام < سأل أولاً عن قبائل الشام، فلما أخبروه اتخذ قراره ذاك.

٢٩٠

الفتنة بأقل قدر من الخسائر..

الثاني: يريد أن لا تكون هناك ثارات يطلبها أهل القبائل من بعضهم البعض، فإن حصر الأمور بين أفراد القبيلة الواحدة يصعِّب الأخذ بالثأر، ويهيء لصرف النظر عن ذلك بالكلية.

الخيار الثالث: أن يدفع (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأهل بيته الأطهار ليكونوا هم حماة هذا الدين، من دون حرمان غيرهم من العمل بتكليفهم الشرعي، فكان علي (عليه‌السلام ) هو القائد والرائد، والمضحي، والناصر والمحامي عن نبيه، والقاتل لأعداء هذا الدين وأهله، وكان أهل البيت (عليهم‌السلام ) هم شهداء هذه الأمة، وقوام وحدتها، وحفظة عزتها وكرامتها.

وإذا ما سعى الموتورون للإنتقام من علي (عليه‌السلام ) وذريته، وتآمروا عليهم، ومكروا بهم، فلن يجدوا عندهم سوى الرفق والصبر، وقد جرت الأمور على هذا المنوال بالفعل، ولذلك لم يجد الناس أي رغبة بالجحود، والعناد الظاهر للدين، وإعلان الخروج منه، أو إبطان الحقد على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، أو السعي لتحريف كتاب الله.

فالأخذ بهذا الخيار يجسد رحمة الله للناس، والرفق بهم، وتيسير الإيمان لهم، ولذرياتهم، ومن يلوذ بهم..

ولعل هذا هو السبب في أن إسم علي (عليه‌السلام ) لم يذكر في القرآن، مع كثرة ذكره للأمور التي تؤكد فضله (عليه‌السلام )، وتبين عظيم منزلته، كآية النجوى، والتصدق بالخاتم وهو راكع، وآية إكمال الدين، وغير ذلك

٢٩١

من آيات ترتبط بالإمامة..

وقد قيل للإمام الصادق (عليه‌السلام ): إن الناس يقولون: فما له لم يسمّ علياً وأهل بيته (عليهم‌السلام ) في كتاب الله عز وجل؟!

فقال: قولوا لهم: إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نزلت عليه الصلاة، ولم يسم الله لهم ثلاثاً، ولا أربعاً، حتى كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هو الذي فسر ذلك لهم.

ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهماً درهم، حتى كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هو الذي فسر ذلك لهم..

ونزلت:( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) (1) .. ونزلت في علي والحسن والحسين (عليهم‌السلام ) ـ فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في علي (عليه‌السلام ): من كنت مولاه فعلي مولاه..

وقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أوصيكم بكتاب الله، وأهل بيتي، فإني سألت الله عز وجل أن لا يفرق بينهما، حتى يوردهما علي الحوض، فأعطاني ذلك..

وقال: لا تعلّموهم فهم أعلم منكم.

وقال: إنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ضلالة..

فلو سكت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فلم يبين مَنْ أهل بيته (عليهم‌السلام )، لادّعاها آل فلان، وآل فلان. لكن الله عز وجل، أنزله في

____________

1- الآية 59 من سورة النساء.

٢٩٢

كتابه تصديقاً لنبيه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (1) .. فكان علي والحسن والحسين، وفاطمة (عليهم‌السلام )، فأدخلهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تحت الكساء في بيت أم سلمة الخ(2) ..

تناقضات تحتاج إلى حلول:

أجمع أهل السنة، وروى البخاري ومسلم، عن عمر وغيره: أن يوم عرفة في حجة الوداع كان يوم الجمعة(3) .

____________

1- الآية 33 من سورة الأحزاب.

2- راجع: الكافي ج1 ص287 و 288 والتفسير الصافي ج1 ص462 وج4 ص188 وج6 ص43 عنه، وعن العياشي، وراجع: نور الثقلين ج1 ص502 وج4 ص274 وتفسير فرات ص111 وكنز الدقائق ج3 ص441 و442 و (مؤسسة النشر الإسلامي) ج2 ص497 وشرح أصول الكافي ج6 ص109 وبحار الأنوار ج35 ص211 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص187 وتفسير الميزان ج4 ص411 وغاية المرام ج2 ص352 وج3 ص110 و 193.

3- راجع: صحيح البخاري ج5 ص186 وفضائل الأوقات للبيهقي ص351 وسنن الترمذي ج4 ص316 ومسند أحمد ج1 ص28 وتحفة الأحوذي ج8 ص323 وعمدة القاري ج18 ص199 وجامع البيان ج6 ص109 و 111 والتفسير الكبير ج5 ص191 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص14 والدر المنثور ج2 ص258 وسفينة النجاة للتنكابني ص84 والغدير ج1 ص236.

٢٩٣

وذكر المؤرخون: أن يوم الغدير كان يوم الخميس(1) في الثامن عشر من ذي الحجة.

فإذا كان يوم عرفة هو يوم الجمعة، فيجب أن يكون الثامن عشر من ذي الحجة هو يوم الأحد لا يوم الخميس.

ويؤكد هذا الإشكال قولهم: إن أول ذي الحجة هو يوم الخميس(2) .

____________

1- راجع: مناقب آل أبي طالب ج2 ص227 والطرائف لابن طاووس ص146 وبحار الأنوار ج37 ص156 و 178 وج55 ص368 وج56 ص27 وتأويل الآيات ج1 ص156 وكتاب الأربعين للشيرازي ص119 وكتاب الأربعين للماحوزي ص147والمناقب للخوارزمي ص135 وكتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري) ج1 ص355 وشرح أصول الكافي ج5 ص195 وج6 ص120 ومناقب الإمام أمير المؤمنين "عليه‌السلام " للكوفي ج1 ص118 و 137 و 362 و 434 والمسترشد للطبري ص468 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص181و303 وج8 ص278 و 280و309 و 310 و 311 و 314 و 315 والغدير ج1 ص42 و 43 و 232 و 233 و 234 ونهج الإيمان لابن جبر ص115 وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص93 وبشارة المصطفى للطبري ص328 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص355 وج20 ص198 ومناقب علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " لابن مردويه ص231.

2- راجع: بحار الأنوار ج22 ص534 عن كتاب التنوير ذو النسبين بين دحية والحسين، وفتح الباري ج3 ص323 وج4 ص107 وج6 ص81 وج8 ص80 = = و 98 و 99 وعمدة القاري ج7 ص124 وج9 ص168 وج14 ص218 وج16 ص99 وج18 ص60 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج5 ص129 و 184 و 277 وكشف الغمة ج1 ص20 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص217 و 333 و 509 وإمتاع الأسماع ج14 ص543 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص488 وج12 ص306 وراجع: الغدير ج1 هامش ص42.

٢٩٤

كما أنه إذا كان يوم الغدير هو يوم الخميس فلا بد أن يكون يوم عرفة هو يوم الثلاثاء.

والقول بأن يوم عرفة كان يوم الخميس كما في بعض الروايات، فلا بد أن يكون الغدير يوم السبت.

بل صرحت بعض الروايات: بأن يوم عرفة، الذي هو يوم نزول سورة المائدة بما فيها آية الإكمال، وهو يوم الإثنين(1) . وهذا لا يتلاءم مع أي من الروايات الأخرى كقولهم لهم إن يوم الغدير كان يوم الخميس.

____________

1- جامع البيان ج6 ص54 و 112 والدر المنثور ج2 ص258 و 259 عنه. وراجع: مجمع الزوائد ج1 ص196 والمعجم الكبير ج12 ص183 وكنز العمال ج12 ص445 والتبيان للطوسي ج3 ص436 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص15 وتاريخ مدينة دمشق ج3 ص67 و 69 وتاريخ الإسلام للذهبي ج1 ص26 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج2 ص319 وإمتاع الأسماع ج14 ص542 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص198و200 وسبل الهدى والرشاد ج1 ص333 و السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص28.

٢٩٥

وقولهم: إن أول ذي الحجة كان يوم الخميس أيضاً. ولا يتلاءم أيضاً مع ترديدهم ذلك بين يوم الخميس أو الجمعة.

فلعل الأمر قد اشتبه على الراوي، ويكون الصحح هو يوم الثلاثاء ليكون يوم الغدير هو الخميس.. ويكون التبديل في أسماء الأيام وادعاء أن عرفة يوم الجمعة، أو يوم الإثنين. وكذلك ادعاء أن أول ذي الحجة في تلك السنة هو الخميس قد جاء لأثارة الشبهة حول يوم الغدير.. والله هو العالم بالحقائق.

الإحتجاج بحديث الغدير:

وأما فيما يتعلق بإحتجاجات علي والزهراء، والأئمة الطاهرين من ذريتهما (عليهم‌السلام )، بحديث الغدير، فحدث عنه ولا حرج.

ويمكن أن يجد القارئ طائفة من هذه الإحتجاجات، والمناشدات، والإستشهادات بهذا الحديث الشريف في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ج32 ص 66ـ 88 فراجع..

زيد بن حارثة في حديث الغدير:

وجاء في حديث احتجاج المأمون على الفقهاء، قول المأمون لإسحاق بن إبراهيم: يا إسحاق، هل تروي حديث الولاية؟!

قلت: نعم يا أمير المؤمنين.

قال: إروه.

ففعلت.

٢٩٦

قال: يا إسحاق، أرأيت هذا الحديث، هل أوجب على أبي بكر وعمر ما لم يوجب لهما عليه؟!

قلت: إن الناس ذكروا: أن الحديث إنما كان بسبب زيد بن حارثة، لشيء جرى بينه وبين علي، وأنكر ولاء علي، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

قال: في أي موضع قال هذا؟! أليس بعد منصرفه من حجة الوداع؟!

قلت: أجل.

قال: فإن قتل زيد بن حارثة قبل الغدير!

كيف رضيت لنفسك بهذا؟!

أخبرني لو رأيت ابناً لك قد أتت عليه خمس عشرة سنة يقول: مولاي مولى ابن عمي أيها الناس؟! فاعلموا ذلك. أكنت منكراً ذلك عليه تعريفه الناس ما لا ينكرون ولا يجهلون؟!

فقلت: اللهم نعم.

قال: يا إسحاق، أفتنزه ابنك عما لا تنزه عنه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )؟!

ويحكم لا تجعلوا فقهاءكم أربابكم، إن الله جل ذكره قال في كتابه:( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ ) (1) . ولم يصلُّوا لهم، ولا

____________

1- الآية 31 من سورة التوبة.

٢٩٧

صاموا، ولا زعموا أنهم أرباب، ولكن أمروهم فأطاعوا أمرهم(1) .

والظاهر: أن إشكال المأمون هذا قد آتى ثماره، حيث جاء المصلحون بعد ذلك ليقولوا: إن هذه الحادثة قد جرت بين أسامة بن زيد بن حارثة وبين علي.. وقد كان أسامة حياً آنئذٍ، وأن الذي قتل في مؤتة هو أبوه.. فذكروا: أن أسامة قال لعلي (عليه‌السلام ): لست مولاي، إنما مولاي رسول الله.

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (من كنت مولاه فعلي مولاه)(2) .

ومن الواضح: أن إشكال المأمون باستشهاد زيد في مؤتة يدل على أن

____________

1- قاموس الرجال ج12 ص155 والغدير ج1 ص211 ـ 212 والإمام علي "عليه‌السلام " في آراء الخلفاء للشيخ مهدي فقيه إيماني ص182 ـ 197 وفي هامشه عن: العقد الفريد ج5 ص92 ـ 101 و (ط أخرى) ج5 ص56 ـ 61 و (ط أخرى) ج3 ص42 وعيون أخبار الرضا للصدوق ج2 ص185 ـ 200 باختلاف يسير.

2- تحفة الأحوذي ج10 ص148 والنهاية في غريب الحديث ج5 ص228 وعن السيرة الحلبية ج3 ص277 وفيض القدير شرح الجامع الصغير ج6 ص282 ومعاني القرآن للنحاس ج6 ص411 وكتاب الأربعين للماحوزي ص164 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص42 والغدير ج1 ص383 ودليل النص بخبر الغدير ص54 ولسان العرب ج15 ص410 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص244 و 291 وكنز الفوائد ص232.

٢٩٨

إقحام اسم أسامة قد جاء متأخراً بهدف حل هذا الإشكال.

لكن لو سلمنا باستبدال زيد بأسامة، فإن إشكال المأمون بعدم معقولية أن يقول الرجل: مولاي مولى ابن عمي.. يبقى على حاله..

يضاف إلى ذلك: أنه لو صحت رواياتهم، فلا معنى لأن يوقف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عشرات الآلاف من البشر في حر الرمضاء.

ولا معنى لأخذ البيعة له من سائر من في الصحراء على مفترق الطرق.. فإن الأمر لا يعنييهم من جهة.. والولاء بهذا المعنى لا تطلب فيه البيعة، بل لا معنى لها فيه..

ولا معنى لقول عمر: أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة..

ولا معنى لأن يحتاج إلى العصمة من الناس..

ولا معنى لإكمال الدين وإتمام النعمة، ولا معنى.. ولا معنى.. لو كان الأمر ينحصر بهذا الخلاف البسيط بين أسامة وبين علي (عليه‌السلام )!!

علي (عليه‌السلام ) كان باليمن:

وذكر ياقوت الحموي: أن محمد بن جرير الطبري (له كتاب فضائل علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، تكلم في أوله بصحة الأخبار الواردة في غدير خم، ثم تلاه بالفضائل، ولم يتم)(1) .

وقال: (وكان إذا عرف من إنسان بدعة أبعده واطَّرحه. وكان قد قال

____________

1- معجم الأدباء ج18 ص80 وقاموس الرجال ج9 ص152 والغدير ج1 ص152.

٢٩٩

بعض الشيوخ ببغداد بتكذيب غدير خم، وقال: إن علي بن أبي طالب كان باليمن في الوقت الذي كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بغدير خم.

وقال هذا الانسان في قصيدة مزدوجة، يصف فيها بلداً بلداً، ومنزلاً منزلاً، أبياتاً يُلَوِّحُ فيها إلى معنى حديث غدير خم، فقال:

ثم مررنا بغدير خم كم قائل فيه بزور جم

على علي والنبي الأمي

وبلغ أبا جعفر ذلك، فابتدأ بالكلام في فضائل علي بن أبي طالب، وذكر طرق حديث غدير خم، فكثر الناس لاستماع ذلك الخ..)(1) .

وقال الطحاوي: (فدفع دافع هذا الحديث، وزعم أنه مستحيل، وذكر أن علياً لم يكن مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في خروجه إلى الحج من المدينة، الذي مرَّ في طريقه بغدير خم بالجحفة..)(2) .

ونقول:

أولاً: تقدم: أن علياً (عليه‌السلام ) عاد من اليمن، ولقي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في مكة، وساق أربعاً وستين بدنة، وأحرم بما أحرم به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وحج معه، واشركه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) معه في الهدي.

____________

1- معجم الأدباء ج18 ص84 والغدير ج1 ص152.

2- تذكرة الحفاظ ج2 ص713 رقم 728 والغدير ج1 ص314 و 294 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص98.

٣٠٠