• البداية
  • السابق
  • 347 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 69511 / تحميل: 7788
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

الفصل الأول: علي (عليه‌السلام ) في حجة الوداع

٦١

٦٢

الذين حجوا مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

لقد حج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في سنة عشر حجة الوداع، مع جمع كبير من المسلمين، وقد ذكرنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أن الذين قدموا على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في السنة العاشرة ليحجوا معه كانوا بشراً كثيراً، ووافاه في الطريق خلائق لا يحصون، وكانوا من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، مدَّ البصر.

وقد ذكرت الروايات: أن الذين خرجوا معه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كانوا سبعين ألفاً(١) .

____________

١- بحار الأنوار ج٣٧ ص٢٠٢ وروضة الواعظين ص٨٩ والإحتجاج للطبرسي ج١ ص٦٨ واليقين لابن طاووس ص٣٤٤ والصافي (تفسير) ج٢ ص٥٣ ونور الثقلين ج٢ ص٧٣ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج٣ ص٣٠٨ وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهم‌السلام " للنجفي ج٨ ص٤٨ وغاية المرام ج١ ص٣٢٧ وكشف المهم في طريق خبر غدير خم ص١٩ والسقيفة للمظفر ص١٧٤.

٦٣

وقيل: كانوا تسعين ألفاً(١) .

ويقال: مائة ألف، وأربعة عشر ألفاً(٢) .

وقيل: كانوا مائة وعشرين ألفاً(٣) .

وقيل: كانوا مئة واربعة وعشرين ألفاً. ويقال أكثر من ذلك(٤) .

____________

١- الغدير ج١ ص٩ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج٣ ص٣٠٨ والنص والإجتهاد ص٥٧٧ ونظرة إلى الغدير للمروج الخراساني ص٥٢ عن السيرة الحلبية ج٣ ص٢٨٣ والسيرة النبوية لدحلان ج٣ ص٣ وتاريخ الخلفاء لابن الجوزي في الجزء الرابع، وتذكرة خواص الأمة ص١٨ ودائرة المعارف لفريد وجدي ج٣ ص٥٤٢ (غ ١/٩).

٢- الغدير ج١ ص٩ والمجموع للنووي ج٧ ص١٠٤ ومغني المحتاج ج١ ص٣٤٥ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج٣ ص٣٠٨ ونظرة إلى الغدير للمروج الخراساني ص٥٢ عن المصادر التي تقدمت.

٣- بحار الأنوار ج٣٧ ص١٥٠ عن ابن الجوزي، والغدير ج١ ص٩ و ٢٩٦ و ٣٩٢ عن تذكرة خواص الأمة ص١٨ والعدد القوية ص١٨٣ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج٣ ص٣٠٨ والنص والإجتهاد ص٢٠٦ وخلاصة عبقات الأنوار ج٨ ص٣٥٠ وج٩ ص١٩٦ ونظرة إلى الغدير للمروج الخراساني ص٥٢ عن المصادر التي تقدمت.

٤- الغدير ج١ ص٩ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج٣ ص٣٠٨ ونظرة إلى الغدير للمروج الخراساني ص٥٢.

٦٤

أما قول بعضهم: إن الذين حجوا في تلك السنة كانوا أربعين ألفاً(١) ، فلعل المقصود: هو صحابته الذين كانوا يعيشون في المدينة وأطرافها(٢) .

قال العلامة الأميني: (وهذه عدة من خرج معه، أما الذين حجوا معه، فأكثرمن ذلك، كالمقيمين بمكة، والذين أتوا من اليمن مع علي (عليه‌السلام ) (أمير المؤمنين)، وأبي موسى)(٣) .

قالوا: (وأخرج معه نساءه كلهن في الهوادج، وسار معه أهل بيته، وعامة المهاجرين والأنصار، ومن شاء الله من قبائل العرب، وأفناء الناس)(٤) .

لماذا هذا الحشد؟!:

ونقول:

لم يكن هذا الحشد الهائل بصورة عفوية، بل كان بطلب من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نفسه، فإنه إرسل الكتب إلى أقصى بلاد الإسلام، وأمر

____________

١- راجع: تفسير القرآن العظيم ج٢ ص٨٠ والبداية والنهاية ج٥ ص١٥٤ وج٤ ص٢٧٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٢٧٠ ومقدمة ابن الصلاح لعثمان بن عبد الرحمن ص١٧٧.

٢- راجع المصادر في الهامش السابق.

٣- الغدير ج١ ص٩ ونظرة إلى الغدير للمروج الخراساني ص٥٢.

٤- الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج٣ ص٢٢٥ و (ط دار صادر) ج٢ ص١٧٣ وإمتاع الأسماع ص٥١٠ وإرشاد الساري ج٦ ص٤٢٩ والغدير ج١ ص٩ عنهم.

٦٥

المؤذنين بأن يؤذنوا بأعلى أصواتهم: بأن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يحج في عامه هذا.

ومن الواضح: أن إخراج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نساءه كلهن في الهوادج إلى الحج، وجمع هذه الأعداد الهائلة، لتسير معه، سوى من سار إلى مكة من دون أن يمر بالمدينة، وما والاها، وسوى الذين جاؤوا من اليمن مع ذلك، إن ذلك لم يكن أمراً عفوياً، ولا مصادفة، ولا كان استجابة لرغبة شخصية، ولا لشيء من أمور الدنيا، فرض على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يجمع الناس حوله. فحاشاه من ذلك، فإن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا يفكر ولا يفعل إلا وفق ما يريده الله تبارك وتعالى..

ولعل الهدف من كل هذا الحشد هو تحقيق أمور كلها تعود بالنفع العميم على الإسلام والمسلمين، ويمكن أن نذكر منها، ما يلي:

١ ـ إنه أراد للناس المتمردين، بل والمنافقين، والذين يحلمون بالإرتداد على الإسلام وأهله عند أول فرصة تسنح لهم، يريد لهم أن يروا عظمة الإسلام، وامتداداته الواسعة، وأنه لم يعد بإمكان أحد الوقوف في وجهه، أو إيقاف مده، فلييأس الطامحون والطامعون، وليراجع حساباتهم المتوهمون، وليعد إلى عقولهم المتهورون والمجازفون..

٢ ـ إنه يريد أن يربط على قلوب الضعفاء، ويشد على أيديهم، ويريهم عياناً ما يحصنهم من خدع أهل الباطل، وكيد أهل الحقد والشنآن.. ومن كل ما يمارسونه معهم من تخويف، أو تضعيف..

٣ ـ يريد أن ينصب علياً (عليه‌السلام ) إماماً وخليفة من بعده أمام كل

٦٦

هذه الجموع الهائلة، ليكونوا هم الشهداء بالحق على أنفسهم وعلى جميع الناس، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم..

ثم أن يقطع الطريق على الطامحين والطامعين من أن يتمكنوا من خداع الآخرين ببعض الإدعاءات أو الإشاعات كما سنرى حين الحديث عما جرى في عرفات، ومنى، وفي طريق العودة، في غدير خم.

وأما أخذه لجميع نسائه معه، فلعله لأن فيهن من يريد أن يقيم عليها الحجة في ذلك كله، لأنها سيكون لها دور قوي في الإتجاه الآخر الذي يريد أن يحذر الناس من الإنغماس به، والمشاركة فيه..

يمنعهم من ركوب إبل الصدقة:

عن أبي سعيد الخدري، قال: بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علي بن أبي طالب إلى اليمن، قال أبو سعيد: فكنت فيمن خرج معه، فلما احتفر (كذا) إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا، وكنا قد رأينا في إبلنا خللاً، فأبى علينا وقال: إنما لكم منها سهم كما للمسلمين.

قال: فلما فرغ علي، وانطلق من اليمن راجعاً أمر علينا إنساناً، فأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجته قال له النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم.

قال أبو سعيد: وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان علي (عليه‌السلام ) منعنا إياه، ففعل. فلما جاء عرف في إبل الصدقة أنها قد ركبت، رأى أثر المراكب، فذم الذي أمره ولامه.

٦٧

فقلت: أما إن لله علي لئن قدمت المدينة لأذكرن لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ولأخبرنه ما لقينا من الغلظة والتضييق..

قال: فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أريد أن أفعل ما كنت قد حلفت عليه، فلقيت أبا بكر خارجاً من عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فلما رآني وقف معي، ورحب بي، وساءلني وساءلته، وقال: متى قدمت؟!

قلت: قدمت البارحة.

فرجع معي إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فدخل وقال: هذا سعد بن مالك بن الشهيد

قال: ائذن له.

فدخلت، فحييت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وحياني، وسلم علي، وساءلني عن نفسي، وعن أهلي، فأحفى المسألة، فقلت: يا رسول الله، ما(ذا) لقينا من علي من الغلظة، وسوء الصحبة والتضييق.

فانتبذ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وجعلت أنا أعدد ما لقينا منه، حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على فخذي ـ وكنت قريباً منه ـ وقال: [يا] سعد بن مالك بن الشهيد، مه بعض قولك لأخيك علي، فوالله لقد علمت أنه أخشن في الله!!

قال: فقلت في نفسي: ثكلتك أمك سعد بن مالك، ألا أراني كنت فيما يكره منذ اليوم وما أدري؟! لا جرم والله، لا أذكره بسوء أبداً، سراً ولا

٦٨

علانية(١) .

ونقول:

١ ـ إن ما يثير الدهشة هنا: هو أن أبا سعيد الخدري قد أخذ على علي (عليه‌السلام ) أمراً هو عين الحق والعدل، والإلتزام بأحكام الشرع الحنيف، فاتخذ منه ذريعة للطعن عليه، وسبباً للتشهير به..

ثم زاد على ذلك أنه اشتكاه لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الذي كان كل همه وجهده مصروفاً لإقامة هذا العدل، ونشر هذه الأحكام، وحملهم على العمل بها..

فهل يمكن أن يصبر وأن يسكت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على هذا التجني والظلم الظاهر، الذي يريدون التسويق له، وأن يجعلوه نهجاً في الناس؟!

وكيف لم يفهم أبو سعيد وغيره: أن إبل الصدقة ليست ملكاً طلقاً له ولا لغيره. وأنها ليست لهم وحدهم، بل هي أمانة في أيديهم، لا بد من أن

____________

١- تاريخ مدينة دمشق ترجمة الإمام علي (تحقيق المحمودي) ج١ ص٣٨٧ و ٣٨٨ و (ط دار الفكر) ج٤٢ ص٢٠٠ و ٢٠١ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٢٠ ص٣٠١ وج٢١ ص٦٣١ وج٣١ ص٤٦ و ٥١٦ عن مختصر تاريخ دمشق (ط دار الفكر) ج ١٧ ص ٣٥١ و (ط بيروت) ج١٧ ص٣٥٠ والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج٥ ص١٢٢ وج٧ ص٣٨٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٢٠٤.

٦٩

يؤدوها إلى أهلها من دون أدنى تصرف فيها..

٢ ـ إنه (عليه‌السلام ) قد استفاد من الوسائل الطبيعية لاكتشاف ما حصل، حيث رأى أثر المراكب، فدله ذلك على ما جرى، فرتب الأثر على ما حصل عليه من معلومات، وذم ذلك الرجل الذي سمح لهم بركوب تلك الإبل..

٣ ـ لا ندري أية غلظة في علي (عليه‌السلام ) ظهرت لأبي سعيد الخدري!! فهل المنع من التصرف بمال الغير، يعتبر غلظة، وتضييقاً؟! ولو سمح لهم بأن يغيروا على أموال غيرهم، هل يزول التضييق؟! وتزول صفة الغلظة عنه، ويصبح حسن الصحبة؟!..

٤ ـ إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بدأ مهمة إيقاظ أبي سعيد بالضرب على فخذ أبي سعيد.. ولم يكتف بمجرد نصيحته بالكلمة، فإن هذه الضربة لا بد أن تثير اهتمامه، وتنقله إلى جو أكثر جدية وحساسية، وتدفعه إلى تفهُّم الكلام الذي سيورده رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عليه بصورة أكثر دقة، وتنبهاً. وسيدرك أن القضية أكثر حساسية وأهمية وجدية مما يظن، وأن مواصلة هذا النهج ربما يجعلهم في مواجهة أمور تتصف بالخطورة الحقيقية على مستقبل علاقتهم برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). وربما يضع علامة استفهام كبيرة حول التزامهم وحركتهم الدينية والإيمانية.

علي (عليه‌السلام ) يلتقي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في مكة:

لقد كان علي (عليه‌السلام ) في اليمن حين جمع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الناس وسار بهم إلى حجة الوداع.. ونزل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

٧٠

بمكة بالبطحاء هو وأصحابه، ولم ينزل الدور.

قالوا: وقدم علي (عليه‌السلام ) من اليمن على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وهو بمكة، فدخل على فاطمة (سلام الله عليها) وقد أحلت، فوجد ريحاً طيبةً، ووجد عليها ثياباً مصبوغة، فقال: ما هذا يا فاطمة؟!

فقالت: أمرنا بهذا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

فخرج علي (عليه‌السلام ) إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مستفتياً، فقال: يا رسول الله، إني رأيت فاطمة قد أحلت وعليها ثياب مصبوغة؟!

فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (أنا أمرت الناس بذلك، فأنت يا علي بما أهللت)؟!

قال: يا رسول الله، إهلالاً كإهلال النبي.

فقال له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (قرّ على إحرامك مثلي، وأنت شريكي في هديي)(١) .

هل هذا تحريف متعمد؟!:

وقد روى ابن كثير وغيره النص المتقدم محرفاً، فقال: قدم علي من

____________

١- الكافي ج٤ ص٢٤٥ ـ ٢٤٧ وبحار الأنوار ج٢١ ص٣٩٠ ـ ٣٩٢ وراجع ج٣٨ ص٧٢ وراجع: تهذيب الأحكام ج٥ ص٤٥٤ ـ ٤٥٦ وجامع أحاديث الشيعة ج١٠ ص٣٥٠ ـ ٣٥٤ ومجمع البيان ج٢ ص٤٠ و ٤١ ومنتقى الجمان ج٣ ص١٢٢ و ١٢٣ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٣٩٤ وعوالي اللآلي ج٢ ص٩٠ و ٩١.

٧١

اليمن بِبُدْن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) محرشاً لفاطمة.

فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): صدقت ـ ثلاثاً ـ أنا أمرتها، يا علي بم أهللت؟!.

قال: قلت: اللهم إني أهلّ بما أهل به رسولك، قال: ومعي هدي.

قال: فلا تحل.

فكان جملة الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي ساقه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من المدينة مئة بدنة(١) .

فيلاحظ: أن كلمة (مستفتياً) الواردة في الرواية عن أهل البيت صارت محرشاً، وبدل أن يكون مستفتياً لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، صار (محرشاً لفاطمة) (عليها‌السلام )، للإيحاء بأن فاطمة (عليها‌السلام ) لم تكن ـ بنظر علي (عليه‌السلام ) ـ مأمونة على دينها، أو للدلالة على أن علياً (عليه‌السلام ) كان ذا طبيعة عدوانية استفزازية، حتى بالنسبة لفاطمة (عليها‌السلام )..

أو أن المقصود هو الأمران معاً..

____________

١- سبل الهدى والرشاد ج٨ ص٤٦٧ والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج٥ ص١٦٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٢٩١ وراجع: مسند أبي يعلى ج١٢ ص١٠٧ وراجع ج٤ ص٩٥ والمنتقى من السنن المسندة ص١٢٢ والدرر لابن عبد البر ص٢٦٢ ومسند أحمد ج٣ ص٣٢٠.

٧٢

الإجمال في النية:

ويلاحظ: أن نية علي (عليه‌السلام ) في إهلاله كانت مجملة، لأنه أهل بما أهل به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. والمفروض: أنه كان غائباً ولم يطلع ـ بحسب الظاهر ـ على نية رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، لأن علينا أن لا نحمل تصرفات النبي والإمام على أنها تستند إلى علم الإمامة، وعلم النبوة، وإلا لبطلت الأسوة والقدوة بهما..

فدلنا ظاهر حال علي (عليه‌السلام ) هنا: على كفاية النية التي يكون تحديد المنوي فيها على سبيل الإجمال، إذ يكفي كون المنوي محدداً في واقع الأمر، وإن لم يعلمه صاحب النية تفصيلاً، ولا يجب تحديد حدوده واستحضار خصوصياته حين انشاء النية، والدخول في العمل..

وكانت نية رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هنا محددة في واقع الأمر، فقصد علي (عليه‌السلام ) ما قصده النبي إجمالاً، وأغناه ذلك عن التفصيل، إذ لا ترديد في النية، ولا في المنوي بحسب الواقع..

لماذا كان سؤال علي (عليه‌السلام ):

وقد ذكرت الرواية المشار إليها: إن علياً (عليه‌السلام ) كان يريد بسؤاله أن يعرف بماذا أحرم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فهو يرى فاطمة (عليها‌السلام ) في حال تختلف عن الحال الذي كان عليه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. فسألها عن سبب ذلك، فلم تفصح له.

فسأل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فبين له أن حجها حج تمتع. أما

٧٣

النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فكان حجه حج قران..

إذن فلم يكن علي (عليه‌السلام ) جاهلاً بالحكم، بل هو لم يخبره أحد بطبيعة ما جرى عليه الحال.

هل ندم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على ما اختاره؟!:

قد يحاول البعض أن يدعي: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد أظهر أنه قد ندم على اختياره حج القران. وأنه لو استقبل من أمره ما استدبر لاختيار حج التمتع..

غير أننا نقول:

أولاً: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا يقدم على فعل أمر من تلقاء نفسه، بل بوحي ودلالة إلهية..

ثانياً: إن المطلوب منه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في خصوص هذه الحجة هو حج القران، لكي يشرك علياً (عليه‌السلام ) في الهدي، ويظهر فضل علي (عليه‌السلام ) ومنزلته منه.. وليمهد لإعلان إمامته، وأخذ البيعة له في هذا الحج بالذات، في عرفة أو منى، أو في غدير خم. وهذا ما يفسر لنا أمره (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) للزهراء (عليها‌السلام ) بأن تحرم بحج التمتع، وأحرم هو بحج القران.

البدن التي نحرت:

قالوا: ثم انصرف (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى النحر بمنى، فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده الشريفة بالحربة، وكان ينحرها قائمة معقولة اليسرى،

٧٤

وكان عدد هذا الذي نحره عدد سنيِّ عمره (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

ثم أمسك، وأمر علياً (عليه‌السلام ) أن ينحر ما بقي من المائة، ثم أمره أن يتصدق بجلالها، وجلودها، ولحومها، في المساكين، وأمره أن لا يعطي الجزار في جزارتها شيئاً منها، وقال: (نحن نعطيه من عندنا)(١) ، وقال: (من شاء اقتطع)(٢) .

قال ابن جريج: قلت: من الذي أكل مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وشرب من المرق؟!

قال جعفر: علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) أكل مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وشرب من المرق(٣) .

وقول أنس: إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نحر بيده سبع بدن قياماً(٤) .

____________

١- سبل الهدى والرشاد ج٨ ص٤٧٦ و ٤٧٧ والمجموع للنووي ج٨ ص٣٦١ وقد تقدمت مصادره فراجع.

٢- سبل الهدى والرشاد ج٨ ص٤٧٦ و ٤٧٧ والمغني لابن قدامة ج٣ ص٥٥٨ وقد تقدمت مصادره فراجع.

٣- سبل الهدى والرشاد ج٨ ص٤٧٦ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٢ ص١٧٧ ومنتخب مسند عبد بن حميد ص٣٤٠.

٤- سبل الهدى والرشاد ج٨ ص٤٧٧ ونيل الأوطار ج٥ ص٢١٣ وأحكام القرآن لابن العربي ج٣ ص٢٩٢ وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج٢ ص١٨٥ وعمدة القاري ج١٠ ص٤٩.

٧٥

حمله أبو محمد: على أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم ينحر بيده أكثر من سبع بدن كما قال أنس، وأنه أمر من ينحر ما بعد ذلك إلى تمام ثلاث وستين(١) ، ثم زال عن ذلك المكان، وأمر علياً (عليه‌السلام ) فنحر ما بقي.

أو أنه لم يشاهد إلا نحره (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سبعاً فقط بيده، وشاهد جابر تمام نحره (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) للباقي، فأخبر كل واحد منهما بما رأى وشاهد. أو أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نحر بيده مفرداً سبع بدن كما قال أنس، ثم أخذ هو وعلي الحربة معاً، فنحرا كذلك تمام ثلاث وستين.

وقال عروة (غرفة) بن الحارث الكندي: أنه شاهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يومئذ أخذ بأعلى الحربة، وأمر علياً (عليه‌السلام ) فأخذ بأسفلها، ونحرا بها البدن، ثم انفرد علي (عليه‌السلام ) بنحر الباقي من المائة كما قال جابر(٢) .

____________

١- سبل الهدى والرشاد ج٨ ص٤٧٧ وصحيح ابن خزيمة ج٤ ص٢٨٥.

٢- سبل الهدى والرشاد ج٧ ص٣٧٦ وج٨ ص٤٧٧ وسنن أبي داود ج١ ص٣٩٦ والمعجم الأوسط ج٣ ص١٧٣ والمعجم الكبير للطبراني ج١٨ ص٢٦٢ والإستيعاب (ط دار الجيل) ج٣ ص١٢٥٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج٥ ص٢٣٨ والمغني لابن قدامة ج٣ ص٥٦٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٧ ص٤٣١ وطبقات المحدثين بأصبهان ج٣ ص٥١٤ وأسد الغابة ج٤ ص١٦٩ وتهذيب الكمال ج٢٣ ص٩٧ والمنتخب من ذيل المذيل ص٧٩ والبداية والنهاية ج٥ ص٢٠٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٣٧٦.

٧٦

وكان الهدي الذي جاء به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أربعة وستين، أو ستة وستين.

وجاء علي (عليه‌السلام ) بأربعة وثلاثين، أو ستة وثلاثين، فنحر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ستة وستين، ونحر علي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أربعة وثلاثين بدنة(١) .

وفي الرواية الأخرى: نحر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ثلاثاً وستين نحرها بيده، ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلها في قدر الخ..(٢) .

وأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يؤخذ من كل بدنة منها جذوة من لحم، ثم تطرح في برمة، ثم تطبخ، فأكل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

____________

١- سبل الهدى والرشاد ج٨ ص٤٧٧ وعوائد الأيام ص٢٨ والكافي ج٤ ص٢٤٧ وبحار الأنوار ج٢١ ص٣٩٣ وجامع أحاديث الشيعة ج١٠ ص٣٥٤ وج١٢ ص٣٤ و ٤٩ وراجع: الصافي (تفسير) ج٣ ص٣٧٨.

٢- الكافي ج٤ ص٢٤٩ وذخيرة المعاد (ط.ق) ج١ ق٣ ص٥٥١ وعلل الشرائع ج٢ ص٤١٣ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١١ ص٢٢٣ و (ط دار الإسلامية) ج٨ ص١٥٧ وبحار الأنوار ج٢١ ص٣٩٦ وج٩٦ ص٨٩ وجامع أحاديث الشيعة ج١٠ ص٣٥٧ ومستدرك سفينة البحار ج١٠ ص٦ وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهم‌السلام " للنجفي ج٣ ص٤٥ ومنتقى الجمان ج٣ ص١٢١ وتفسير الميزان ج٢ ص٨٤ وسبل الهدى والرشاد ج٨ ص٤٧٦ عن ابن جريج، عن جعفر بن محمد، عن جابر.

٧٧

وعلي (عليه‌السلام )، وحسيا من مرقها(١) .

وفي صحيح الحلبي عن علي (عليه‌السلام ): أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ساق مئة بدنة(٢) .

____________

١- الكافي ج٤ ص٢٤٦ ـ ٢٤٨ ومجمع الفائدة والبرهان ج٧ ص٢٨٦ وذخيرة المعاد (ط.ق) ج١ ق٣ ص٦٧٠ وج١ ق٣ ص٦٧٠ والحدائق الناضرة ج١٤ ص٣١٨ وجواهر الكلام ج١٩ ص١٥٩ وجامع المدارك ج٢ ص٤٦٢ وتهذيب الأحكام ج٥ ص٤٥٧ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١١ ص٢١٧ وج١٤ ص١٦٣ و (ط دار الإسلامية) ج٨ ص١٥٣ وج١٠ ص١٤٤ وبحار الأنوار ج٢١ ص٣٩٣ و ٣٩٥ وجامع أحاديث الشيعة ج١٠ ص٣٥٤ وج١٢ ص١٠١ وج١٢ ص١٠٤ ومنتقى الجمان ج٣ ص١٢٥ وج٣ ص٣٧٣ وج٣ ص٤٠١ وراجع المغني لابن قدامة ج١١ ص١٠٩ والشرح الكبير لابن قدامة ج٣ ص٥٧٩ وج٣ ص٥٨٢ والتمهيد لابن عبد البر ج٢ ص١١١ وتفسير البغوي ج٣ ص٢٨٤.

٢- الكافي (الفروع) ج٤ ص٢٤٨ و ٢٤٩ وذخيرة المعاد (ط.ق) ج١ ق٣ ص٥٥١ وجواهر الكلام ج١٨ ص٢١١ وعلل الشرائع ج٢ ص٤١٢ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١١ ص٢٢٢ و (ط دار الإسلامية) ج٨ ص١٥٧ ومستدرك الوسائل ج٨ ص٧٥ وبحار الأنوار ج٢١ ص٣٩٥ وج٩٦ ص٨٨ وجامع أحاديث الشيعة ج١٠ ص٣٥٦ وج١٠ ص٤٥٥ و ٤٩٩ وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهم‌السلام " للنجفي ج٣ ص٤٤ وتفسير العياشي ج١= = ص٨٩ ونور الثقلين ج١ ص١٨٥ وكنز الدقائق ج١ ص٤٦٥ وتفسير الميزان ج٢ ص٨٣ ومنتقى الجمان ج٣ ص١٢١.

٧٨

وقد ذكر المجلسي: أن المقصود: هو أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ساق مئة بدنة، لكن ساق بضعاً وستين لنفسه، والباقي لأمير المؤمنين (عليه‌السلام )، لعلمه بأنه (عليه‌السلام ) يحرم كإحرامه، ويهل كإهلاله إلخ..(١) .

لكن قد تقدم قولهم: إن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وعلياً (عليه‌السلام ) ساقا البدن، فساق منها النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ستاً وستين، وساق علي (عليه‌السلام ) أربعاً وثلاثين.

وقال ابن كثير: قدم علي من اليمن ببدن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(٢) .

فنسب ما جاء به علي (عليه‌السلام ) إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، لأنه أخوه، ولأنهما تشاركا في مجموع المئة، ونحراها بصورة مشتركة.

وقد تقدم: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان يأخذ بأعلى الحربة، وعلي (عليه‌السلام ) يأخذ بأسفلها إلى ثلاث وستين، ثم نحر علي (عليه‌السلام ) الباقي، وأخذا من كل واحدة جذوة من لحم، وجعلاها في قدرٍ واحد، وأكلا منها، وحسيا من مرقها..

____________

١- مرآة العقول ج١٧ ص١١٦.

٢- سبل الهدى والرشاد ج٨ ص٤٦٧ والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج٥ ص١٦٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٢٩١.

٧٩

مضافاً إلى أن علياً (عليه‌السلام ) أهل بما أهل به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فنية علي (عليه‌السلام ) معتمدة على نية النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ومتقومة بها..

مجموع البدن:

تذكر الروايات: أن الذي سِيقَ من البدن هو مئة بدنة..

وتذكر أيضاً: أن علياً (عليه‌السلام ) نحر عن نفسه أربعاً وثلاثين، ونحر هو والنبي (صلى الله عليهما وآلهما) ثلاثاً وستين بدنة، فيصير المجموع سبعاً وتسعين وليس مئة.. فلعل إطلاق كلمة مئة قد جاء على سبيل التسامح لا لأجل التحديد.

أو يقال: كان المجموع مئة، وقد نحرت الثلاث الباقية تطوعاً.. أو يكون عمر علي (عليه‌السلام ) آنئذٍ كان سبعة وثلاثين سنة أن كان عمره حين البعثة ثلاث عشرة سنة، أو أربع عشرة سنة.

أو تكون قد حسبت أيام زادت على الثلاث وستين سنة في عمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فنحرت بدنة لأجلها وأيام زادت على سني عمر علي (عليه‌السلام )، فنحرت لها بدنة أيضاً.

ملاحظة ذات مغزى:

إذا كان (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد نحر من البدن على عدد سني عمره الشريف، وهو ثلاث وستون سنة.. فإن علياً (عليه‌السلام ) قد نحر على عدد سني عمره أيضاً في ذلك الوقت، وهو أربع وثلاثون سنة.

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

والشافعي في أحد أقواله(١) - لأنّ سفره لأجل المال ، فكانت نفقته منه ، كأجر الحمّال ، ولأنّه في السفر قد سلّم نفسه وجرّدها لهذا الشغل ، فأشبه الزوجة تستحقّ النفقة إذا سلّمت نفسها ، ولا تستحقّ إذا لم تُسلّمْ.

ولما رواه عليّ بن جعفر عن أخيه موسى الكاظمعليه‌السلام قال في المضاربة : « ما أنفق في سفره فهو من جميع المال ، وإذا قدم بلده فما أنفق فمن نصيبه »(٢) .

وظاهر مذهب الشافعي أنّه لا نفقة للعامل بحالٍ - وبه قال ابن سيرين وحمّاد بن أبي سليمان وأحمد - كما في الحضر ؛ لأنّ نفقته تخصّه ، فكانت عليه ، كما في الحضر وأجر الطبيب وثمن الطيب ، ولأنّه دخل على أنّه يستحقّ من الربح الجزء المسمّى ، فلا يكون له غيره ، ولأنّه لو استحقّ النفقة أفضى إلى أن يختصّ بالربح إذا لم يربح سوى ما أنفقه ، فيخلّ بمقصود العقد(٣) .

____________________

(١) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٩٧ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٤ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٦ / ١١٢٦ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، التفريع ٢ : ١٩٤ ، التلقين : ٤٠٨ ، الذخيرة ٦ : ٥٩ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١ ، المعونة ٢ : ١١٢٣ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٣ ، الاختيار لتعليل المختار ٣ : ٣٤ ، المبسوط - للسرخسي - ٢٢ : ٦٢ - ٦٣ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٣ / ١٧١٢ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١١ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، الوسيط ٤ : ١٢٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ و ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤١ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٩١ / ٨٤٧.

(٣) الإشراف على مذاهب أهل العلم ٢ : ٤٧ ، المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : =

١٠١

والقول الثالث للشافعي : إنّه يُنفق في السفر من ماله قدر نفقة الحضر ، والزائد من مال القراض ؛ لأنّ الزيادة إنّما حصلت بواسطته ، وهو الأصحّ عندهم ، وهو منقول عن مالك أيضاً(١) .

مسألة ٢٥٩ : ولو شرط له النفقة في الحضر ، لزم الشرط ، ووجب له ما يحتاج فيه إليه من المأكول والمشروب والمركوب والملبوس.

وكذا لو شرطها في السفر على قول مَنْ لا يوجبها على المال إجماعاً ؛ عملاً بالشرط.

وينبغي أن يعيّن قدر النفقة وجنسها ، فلا يجوز له التخطّي.

ولو أطلق ، رجع إلى العادة ، وكان صحيحاً.

وبعض الشافعيّة اشترط تعيين النفقة(٢) .

وليس شيئاً ؛ لأنّ الأسعار قد تختلف وتقلّ وتكثر.

وقال أحمد : لا كسوة له مع الإطلاق إذا شرط له النفقة(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ الكسوة يستحقّها للاستمتاع بها على جهة الملك‌

____________________

= ١٦٤ ، الحاوي الكبير ٧ : ٣١٨ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ١٩٩ و ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٣٩ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٦ ، البيان ٧ : ١٨٤ - ١٨٥ ، الإفصاح عن معاني الصحاح ٢ : ٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٤٤ / ١٧١٢ ، الاستذكار ٢١ : ١٧٠ / ٣٠٩٢٧ و ٣٠٩٣٠ ، بداية المجتهد ٢ : ٢٤٠ ، عيون المجالس ٤ : ١٧٨٦ / ١٢٥١.

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٩٤ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣١٩ ، بحر المذهب ٩ : ٢٠٠ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٣) المغني ٥ : ١٥٢ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٤.

١٠٢

الصريح ، فلو رجع إلى البلد من سفره وعليه كسوة أو دابّة ركوبٍ كانت مردودةً إلى القراض.

وإذا قلنا : له النفقة في السفر ولم يعيّن المالك واختلفا في قدرها ، رجع إلى الإطعام في الكفّارة ، وفي الكسوة إلى أقلّ ملبوسٍ مثله.

وهذا كلّه في السفر المباح ، أمّا لو خالف المالك فسافر إلى غير البلد الذي أمره بالسفر إليه ، فإنّه لا يستحقّ النفقة ، سواء قلّ الربح أو كثر عن البلد المأمور به.

ولو احتاج في السفر إلى خُفٍّ وإداوة وقِرْبة وشبهها ، أخرج من أصل المال ؛ لأنّه من جملة المؤونة ، ثمّ يردّه بعد رجوعه إلى مال القراض.

مسألة ٢٦٠ : لو استردّ المالك ماله وقد نضّ إمّا في الطريق أو في البلد الذي سافر إليه ، فأراد العامل أن يرجع إلى بلده ، لم يستحق نفقة الرجوع ، كما لو مات العامل لم يكن على المالك تكفينه ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة ، كما لو خالع زوجته في السفر ، والثاني : إنّ له ذلك ، قاله الشافعي ، ثمّ تردّد فقال : قولان(١) .

ولا فرق بين الذهاب والعود.

وعن أحمد رواية كالثاني ؛ لأنّه بإطلاقه كأنّه قد شرط له نفقة ذهابه وعوده ، وغرّه بتنفيذه إلى الموضع الذي أذن له فيه ، معتقداً أنّه يستحقّ النفقة ذاهباً وراجعاً ، فإذا قطع عنه النفقة تضرّر بذلك(٢) .

والصحيح ما قلناه.

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٠٢ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) المغني ٥ : ١٥٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٥.

١٠٣

وإذا رجع العامل وبقي معه فضل زاد وآلات أعدّها للسفر كالمطهرة والقِرْبة وغير ذلك ، ردّها إلى مال القراض ؛ لأنّها من عينه ، وإنّما ساغ له التصرّف فيها للحاجة ؛ قضاءً للعادة ، وقد زالت الحاجة ، وهو أحد قولَي الشافعيّة.

والثاني : إنّها تكون للعامل(١) .

وليس شيئاً.

مسألة ٢٦١ : لو كان مع العامل مال(٢) لنفسه للتجارة واستصحبه معه في السفر ليعمل فيه وفي مال القراض ، قُسّطت النفقة على قدر المالين ؛ لأنّ السفر إنّما كان لماله ومال القراض ، فالنفقة اللازمة بالسفر تكون مقسومةً على قدر المال(٣) ، وهو قول بعض الشافعيّة(٤) .

ويحتمل النظر إلى مقدار العمل على المالين وتوزيع النفقة على أُجرة مثلهما ، وهو قول بعض الشافعيّة(٥) .

وقال بعضهم : إنّما تُوزّع إذا كان ماله قدراً يقصد السفر له ، فإن كان لا يقصد ، فهو كما لو لم يكن معه مال سوى مال القراض(٦) .

أمّا لو كان معه قراض لغير صاحب الأوّل ، فإنّ النفقة تُقسّط عليهما على قدر رأس المالين ، أو قدر العمل فيهما ، والأخير أقرب.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٢) في النُّسَخ الخطّيّة والحجريّة : « مالاً ». وهو خطأ.

(٣) الظاهر : « المالين ».

(٤) الحاوي الكبير ٧ : ٣٢٠ ، الوسيط ٤ : ١٢١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٢ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٦) البيان ٧ : ١٨٥ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

١٠٤

مسألة ٢٦٢ : كلّ موضعٍ يثبت له النفقة فإنّ المالك إن عيّن له قدراً ، لم يجز له التجاوز ولو احتاج إلى أزيد منه ، ولو نهاه عن الإنفاق من مال القراض في السفر ، لم يجز له الإنفاق ، سواء احتاج أو لا ، بل يُنفق من خاصّ ماله.

وإذا أطلق القراض ، كان له الإنفاق في السفر بالمعروف من غير إسرافٍ ولا تقتير ، والقدر المأخوذ في النفقة يُحسب من الربح ، فإن لم يكن هناك ربح فهو خسران لحق المال.

ولو أقام في طريقه فوق مدّة المسافرين في بلدٍ للحاجة ، كجباية المال أو انتظار الرفقة ، أو لغير ذلك من المصالح لمال القراض ، كانت النفقة على مال القراض أيضاً ؛ لأنّه في مصلحة القراض(١) ، أمّا لو أقام للاستراحة أو للتفرّج أو لتحصيل مالٍ له أو لغير مال القراض فإنّه لا يستحقّ عن تلك المدّة شيئاً من مال القراض في النفقة.

مسألة ٢٦٣ : قد بيّنّا أنّ العامل يستحقّ النفقة بالمعروف في السفر وإن لم يشترط ، فلو شرطها في عقد القراض فهو تأكيد وزيادة توثّقٍ ، وبه قال الشافعي على تقدير الوجوب(٢) .

أمّا على تقدير عدم استحقاقه للنفقة فله وجهان :

أحدهما : إنّ القراض يفسد ، كما لو شرط نفقة الحضر.

والثاني : لا يفسد ؛ لأنّه من مصالح العقد من حيث إنّه يدعوه إلى السفر ، وهو مظنّة الربح غالباً(٣) .

____________________

(١) في « ج » : « مال القراض ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٧ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٤ - ٢١٥.

١٠٥

وعلى هذا فهل يشترط تقديره؟ فيه للشافعيّة وجهان(١) .

وهذا القول يشعر بأنّه ليس له أن يشترط النفقة في الحضر.

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه سائغ تدعو الحاجة إليه ، فجاز اشتراطه ولزم ؛ لقولهعليه‌السلام : « المسلمون عند شروطهم »(٢) .

مسألة ٢٦٤ : لو كان معه مال قراضٍ لغير المالك الأوّل ، فقد قلنا : إنّ النفقة تُقسّط إمّا على المالين أو على العملين.

فإن شرط صاحب المال الأوّل النفقةَ من مال القراض مع علمه بالقراض الثاني ، جاز ، وكانت نفقته على الأوّل.

ولو لم يعلم بالقراض الثاني ، بُسطت النفقة وإن كان قد شرطها الأوّل ؛ لأنّه إنّما أطلق له النفقة بناءً على اختصاص عمله به ؛ لأنّه الظاهر.

ولو كان معه مالٌ لنفسه يعمل به أو بضاعة لغيره ، فالحكم كما تقدّم.

ولو شرط الأوّل له النفقةَ ، وشرطها الثاني أيضاً ، لم يحصل له بذلك زيادة الترخّص في الإسراف في النفقة ولا تعدّدها ، بل له نفقة واحدة عليهما على قدر المالين أو العملين.

مسألة ٢٦٥ : لو احتاج في السفر إلى زيادة نفقةٍ ، فهي من مال القراض أيضاً.

ولو مرض فافتقر إلى الدواء ، فإنّه محسوب عليه.

وكذا لو مات كُفّن من ماله خاصّةً ؛ لأنّ النفقة وجبت للقراض ، وقد بطل بموته ، فلا يُكفَّن من مال القراض.

وكذا لو أبطل القراض وفسخه هو أو المالك ، فلا نفقة ، كما لو أخذ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٣ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٢) تقدّم تخريجه في ص ٣٥ ، الهامش (٣)

١٠٦

المالك ماله ؛ لأنّه إنّما استحقّ النفقة ما داما في القراض ، وقد زال فزالت النفقة.

ولو قتّر على نفسه في الإنفاق ، لم يكن له أخذ الفاضل ممّا لا يزيد على المعروف ؛ لأنّ هذه النفقة مواساة.

وكذا لو أسرف في النفقة ، حُسب عليه الزائد على قدر المعروف.

البحث الرابع : في وقت ملك الربح.

مسألة ٢٦٦ : العامل يملك حصّته المشروطة له من الربح بظهور الربح قبل القسمة - وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين(١) - لأنّ الشرط صحيح ، فيثبت مقتضاه ، وهو أن يكون له جزء من الربح ، فإذا حصل وجب أن يملكه بحكم الشرط ، كما يملك عامل المساقاة حصّته من الثمرة بظهورها ، وقياساً على كلّ شرطٍ صحيحٍ في عقدٍ.

ولأنّ هذا الربح مملوك ، فلا بدّ له من مالكٍ ، وربّ المال لا يملكه اتّفاقاً ، ولا تثبت أحكام الملك في حقّه ، فيلزم أن يكون للعامل ؛ إذ لا مالك غيرهما إجماعاً.

ولأنّ العامل يملك المطالبة بالقسمة ، فكان مالكاً ، كأحد شريكي العنان ، ولو لم يكن مالكاً لم يكن له مطالبة ربّ المال بالقسمة.

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٢١ - ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٣١٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥.

١٠٧

ولأنّه لو لم يملك بالظهور ، لم يعتق عليه نصيبه من أبيه لو اشتراه ، والتالي باطل ؛ لحديث محمّد بن قيس عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : رجل دفع إلى رجلٍ ألف درهم مضاربةً فاشترى أباه وهو لا يعلم ، قال : « يُقوّم فإن زاد درهماً واحداً أُعتق واستسعى في مال الرجل »(١) والشرطيّة ظاهرة ؛ إذ المقتضي للإعتاق دخوله في ملكه.

وقال مالك : إنّما يملك العامل حصّته من الربح بالقسمة - وهو القول الثاني للشافعي ، والرواية الثانية عن أحمد - لأنّه لو مَلَك بالظهور لكان شريكاً في المال ، ولو كان شريكاً لكان النقصان الحادث بعد ذلك شائعاً في المال ، فلـمّا انحصر في الربح دلّ على عدم الملك.

ولأنّه لو مَلَكه لاختصّ بربحه.

ولأنّه لم يسلّم إلى ربّ المال رأس ماله ، فلا يملك العامل شيئاً من الربح ، كما لو كان رأس المال ألفاً فاشترى به عبدين كلّ عبدٍ يساوي ألفاً ، فإنّ أبا حنيفة قال : لا يملك العامل شيئاً منهما(٢) ، وإذا أعتقهما ربّ المال ، عُتقا ، ولا يضمن للعامل شيئاً ، قال المزني : لو مَلَك العامل حصّته بالظهور ، لكانا شريكين في المال ، وإذا تلف منه شي‌ء ، كان بينهما كالشريكين شركة العنان ، ولأنّ القراض معاملة جائزة ، والعمل فيها غير مضبوطٍ ، فوجب أن لا يستحقّ العوض فيها إلّا بتمام العمل ، كما في الجعالة(٣) .

____________________

(١) الفقيه ٣ : ١٤٤ / ٦٣٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٠ / ٨٤١.

(٢) بدائع الصنائع ٦ : ٩٣.

(٣) الإشراف على نكت مسائل الخلاف ٢ : ٦٤٥ / ١١٢٥ ، المغني ٥ : ١٦٩ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٦ ، الوسيط ٤ : ١٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٢٤ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٨٩ ، البيان ٧ : ١٨٦ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١٠٨

والجواب : لا امتناع في أن يملك العامل ، ويكون ما يملكه وقايةً لرأس المال ، كما أنّ المالك يملك حصّته من الربح ، ومع ذلك فإنّها وقاية لرأس المال أيضاً ، ومن هنا امتنع اختصاصه بربحه ، ولأنّه لو اختصّ بربح نصيبه لاستحقّ من الربح أكثر ممّا شرط له ، ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه ، ومع ظهور الربح يحصل تمام العمل.

وكذا لو أوصى لرجلٍ بألفٍ من ثلث ماله ، ولآخَر بما يبقى من الثلث ومات وله أربعة آلاف ، فقد مَلَك كلّ واحدٍ منهما حصّته ، وإذا تلف من ذلك شي‌ء كان من نصيب الموصى له بالباقي.

مسألة ٢٦٧ : ليس لأحدٍ من العامل ولا المالك استحقاق شي‌ءٍ من الربح استحقاقاً تامّاً حتى يستوفي المالك جميع رأس ماله.

وإن كان في المال خسران وربح ، جُبرت الوضيعة من الربح ، سواء كان الخسران والربح في مرّةٍ واحدة ، أو الخسران في صفقةٍ والربح في أُخرى ، أو الخسران في سفرةٍ والربح في سفرةٍ أُخرى ؛ لأنّ معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال ، وإذا لم يفضل شي‌ء فلا ربح ، ولا نعلم في هذا خلافاً.

مسألة ٢٦٨ : ملكُ كلّ واحدٍ من العامل والمالك حصّتَه من الربح بالظهور غير مستقرٍّ ، فليس للعامل أن يتسلّط عليه ، ولا يتصرّف فيه ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس المال عن الخسران ما دامت المعاملة باقية ، حتى لو اتّفق خسران كان محسوباً من الربح دون رأس المال ما أمكن ، ولهذا نقول : ليس لأحد المتعاملين قسمة الربح قبل فسخ القراض قسمة إجبارٍ ، بل يتوقّف على رضاهما معاً ، فلا يُجبر أحدهما لو امتنع.

أمّا العامل : فإنّه لا يُجبر لو طلب المالك القسمة ؛ لأنّه لا يأمن أن‌

١٠٩

يخسر المال بعد ذلك ، ويكون قد أخرجه ، فيحتاج إلى غُرْم ما حصل له بالقسمة ، وفي ذلك ضرر عليه ، فلا تلزمه الإجابة إلى ما فيه ضرر عليه.

وأمّا المالك : فلا يُجبر على القسمة لو طلبها العامل ؛ لأنّ الربح وقاية لرأس ماله ، فله أن يقول : لا أدفع إليك شيئاً من الربح حتى تسلّم إلَيَّ رأس المال.

أمّا إذا ارتفع القراض والمال ناضّ واقتسماه ، حصل الاستقرار ، ومَلَك كلّ واحدٍ منهما ما حصل له بالقسمة ملكاً مستقرّاً عليه.

وكذا لو كان قدر رأس المال ناضّاً فأخذه المالك واقتسما الباقي.

وهل يحصل الاستقرار بارتفاع العقد وإنضاض المال من غير قسمةٍ؟

الأقرب عندي ذلك ؛ لأنّ العقد قد ارتفع ، والوثوق بحصول رأس المال قد حصل ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

وفي الثاني : لا يستقرّ إلّا بالقسمة ؛ لأنّ القسمة الباقية من تتمّة عمل العامل(١) .

وليس شيئاً.

ولو كان بالمال عروض ، فإن قلنا : إنّ العامل يُجبر على البيع والإنضاض ، فلا استقرار ؛ لأنّ العمل لم يتم ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

وإن قلنا بعدم الإجبار ، فلهم وجهان ، كما لو كان المال ناضّاً(٢) .

مسألة ٢٦٩ : لو اقتسما الربح بالتراضي قبل فسخ العقد ، لم يحصل الاستقرار ، بل لو حصل خسران بعده ، كان على العامل جَبْره بما أخذ.

ولو قلنا : إنّه لا يملك إلّا بالقسمة ، فإنّ له فيه حقّاً مؤكّداً ، حتى لو‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٤ - ٣٥ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١١٠

مات وهناك ربح ظاهر ، انتقل إلى ورثته ؛ لأنّه وإن لم يثبت له الملك لكن قد ثبت له حقّ التملّك ، ويتقدّم على الغرماء ؛ لتعلّق حقّه بالعين.

وله أن يمتنع عن العمل بعد ظهور الربح ، ويسعى في إنضاض المال ليأخذ حقّه منه.

ولو أتلف المالك المالَ ، غرم حصّة العامل ، وكان الإتلاف بمنزلة ما لو استردّ جميع المال ، فإنّه يغرم حصّة العامل ، فكذا إذا أتلفه.

ولو أتلف الأجنبيّ مالَ القراض ، ضمن بدله ، وبقي القراض في بدله كما كان.

مسألة ٢٧٠ : إذا اشترى العامل جاريةً للقراض ، لم يجز له وطؤها ؛ لأنّها ملكٌ لربّ المال إن لم يكن هناك ربح ، وإن كان هناك ربح فهي مشتركة على أحد القولين ؛ إذ له حقٌّ فيه.

وليس لأحد الشريكين وطؤ الجارية المشتركة.

فإن وطئها العامل ولا ربح فيها وكان عالماً ، حُدّ ، ويؤخذ منه المهر بأسره ، ويجعل في مال القراض ؛ لأنّه ربما وقع خسران فيحتاج إلى الجبر.

ولو كان هناك ربح ( يُحطّ منه بقدر حقّه ، ويؤخذ )(١) بقدر نصيب المالك مع يساره ، وقُوّمت عليه إن حملت منه ، وثبت لها حكم الاستيلاد ، ودفع إلى المالك نصيبه منها ومن الولد.

ولو كان جاهلاً ، فلا حدّ عليه.

هذا إن قلنا : يملك بالظهور ، وإن قلنا : لا يملك إلّا بالقسمة ، لم تصر أُمَّ ولدٍ لو استولدها ، فإن أذن له المالك في وطئها جاز.

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في النُّسَخ الخطّيّة : « حُدّ ».

١١١

ولا يجوز للمالك أن يطأها أيضاً ، سواء كان هناك ربح أو لا ؛ لأنّ حقّ العامل قد تعلّق بها ، والوطؤ يُنقّصها إن كانت بكراً ، أو يُعرّضها للخروج من المضاربة والتلف ؛ لأنّه ربما يؤدّي إلى إحبالها.

ولو ظهر فيها ربح ، كانت مشتركةً على أحد القولين ، فليس لأحدهما الوطؤ.

ولو لم يكن فيها ربح ، لم يكن أيضاً للمالك وطؤها ؛ لأنّ انتفاء الربح في المتقوّمات غير معلومٍ ، وإنّما يتيقّن الحال بالتنضيض للمال ، أمّا لو تيقّن عدم الربح ، فالأقرب : إنّه يجوز له الوطؤ.

قال بعض الشافعيّة : إذا تيقّن عدم الربح ، أمكن تخريجه على أنّ العامل لو طلب بيعها وأباه المالك ، فهل له ذلك؟ وفيه خلاف بينهم يأتي ، فإن أجبناه فقد ثبت له علقة فيها ، فيحرم الوطؤ بها(١) .

وإذا قلنا بالتحريم ووطئ ، فالأقرب : إنّه لا يكون فسخاً للقراض ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة(٢) .

وعلى كلّ تقديرٍ لا يلزمه الحدّ ، سواء ظهر ربح أو لا.

أمّا مع عدم ظهور الربح : فلأنّها ملك له خاصّةً.

وأمّا مع ظهوره : فلأنّ الشبهة حاصلة ؛ إذ جماعة يقولون بأنّه ليس للعامل فيها شي‌ء إلّا بعد البيع وظهور الربح والقسمة.

ولو وطئها وحملت ، صارت أُمَّ ولدٍ ؛ لأنّه وطئ جاريةً في ملكه فصارت أُمَّ ولده ، والولد حُرٌّ ، وتخرج من المضاربة ، وتُحتسب قيمتها ، ويضاف إليه بقيّة المال ، فإن كان فيه ربح فللعامل أخذ نصيبه منه.

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٥.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٥.

١١٢

تذنيب : ليس للمالك ولا للعامل تزويج جارية القراض مستقلّاً عن صاحبه ؛ لأنّ القراض لا يرتفع بالتزويج ، وهو ينقّص قيمتها ، فيتضرّر به كلّ واحدٍ منهما ، فإن اتّفقا عليه جاز ؛ لأنّ الحقّ لهما لا يعدوهما ، وذلك بخلاف أمة المأذون له في التجارة إذا أراد السيّد تزويجها ، فإنّه إن لم يكن عليه دَيْنٌ جاز ؛ لأنّ العبد لا حقّ له مع سيّده ، فإن كان عليه دَيْنٌ لم يجز وإن وافقه العبد ؛ لأنّ حقوق الغرماء تعلّقت بما في يده ، والمضاربة لا حقّ فيها لغيرهما.

ولو أراد السيّد أن يكاتب عبده للقراض ، لم يكن له إلّا برضا العامل.

البحث الخامس : في الزيادة والنقصان.

مسألة ٢٧١ : إذا دفع إلى غيره مالَ قراضٍ ثمّ حصل فيه زيادة متّصلة ، كما لو سمنت دابّة القراض ، فإنّ الزيادة تُعدّ من مال القراض قطعاً.

وأمّا إن كانت منفصلةً ، كثمرة الشجرة المشتراة للقراض ، ونتاج البهيمة ، وكسب العبد والجارية ، وولد الأمة ومهرها إذا وُطئت للشبهة ، فإنّها مال القراض أيضاً ؛ لأنّها من فوائده.

وكذا بدل منافع الدوابّ والأراضي ، سواء وجبت بتعدّي المتعدّي باستعمالها ، أو وجبت بإجارةٍ تصدر من العامل ، فإنّ للعامل الإجارة إذا رأى فيها المصلحة ، وهو المشهور عند الشافعيّة(١) .

وقال بعضهم بالتفصيل ، فإن كان في المال ربح وملّكنا العامل حصّتَه بالظهور ، كان الأمر كما سبق من أنّها من مال القراض ، وإن لم يكن فيها‌

____________________

(١) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

١١٣

ربح أو لم نملّكه ، فقد اختلفوا.

فقال بعضهم : إنّها تُعدّ من مال القراض ، كالزيادات المتّصلة.

وأكثرهم قال : إنّها للمالك خاصّةً ؛ لأنّها ليست من فوائد التجارة(١) .

ولا بأس به.

ثمّ اختلفوا ، فقال بعضهم : إنّها محسوبة من الربح(٢) .

وقال بعضهم : إنّها لا تُعدّ من الربح خاصّةً ولا من رأس المال ، بل هي شائعة(٣) .

ولو وطئ المالكُ السيّدُ ، كان مستردّاً مقدار العُقْر حتى يستقرّ نصيب العامل فيه.

ولهم وجهٌ آخَر : إنّه إن كان في المال ربح وقلنا : إنّ العامل يملك نصيبه بالظهور ، وجب نصيب العامل من الربح ، وإلّا لم يجب(٤) .

واستيلاد المالك جارية القراض كإعتاقها.

وإذا أوجبنا المهر بالوطي الخالي عن الإحبال ، فالظاهر الجمع بينه وبين القيمة.

مسألة ٢٧٢ : لو حصل في المال نقصٌ بانخفاض السوق ، فهو خسران مجبور بالربح.

وكذا إن نقص المال بمرضٍ حادث أو بعيبٍ متجدّد.

وأمّا إن حصل نقصٌ في العين بأن يتلف بعضه ، فإن حصل بعد‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٦ - ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٢) الوسيط ٤ : ١٢٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

١١٤

التصرّف في المال بالبيع والشراء ، فالأقرب : إنّه كذلك.

وأكثر الشافعيّة [ ذكروا ](١) أنّ الاحتراق وغيره من الآفات السماويّة خسران مجبور بالربح أيضاً(٢) ، وأمّا التلف بالسرقة والغصب ففيه لهم وجهان(٣) .

وفرّقوا بينهما بأنّ في الغصب والسرقة يحصل الضمان على الغاصب والسارق ، وهو يجبر النقص ، فلا حاجة إلى جبره بمال القراض(٤) .

وأكثرهم لم يفرّقوا بينهما ، وسوّوا بين التلف بالآفة السماويّة وغيرها ، فجعلوا الوجهين في النوعين ، أحدهما : المنع ؛ لأنّه نقصان لا تعلّق له بتصرّف العامل وتجارته ، بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق ، وليس هو بناشئ من نفس المال الذي اشتراه العامل ، بخلاف المرض والعيب ، فلا يجب على العامل جَبْره(٥) .

وكيفما كان فالأصحّ عندهم : إنّه مجبور بالربح(٦) .

وإن حصل نقص العين بتلف بعضه قبل التصرّف فيه بالبيع والشراء ، كما لو دفع إليه مائةً قراضاً فتلف منها قبل الاشتغال خمسون ، فالأقرب : إنّه من الربح أيضاً يُجبر به التالف ؛ لأنّه تعيّن للقراض بالدفع وقبض العامل له ، فحينئذٍ يكون رأس المال مائةً كما كان ، وهو أحد قولَي الشافعي ، وبه قال المزني(٧) .

____________________

(١) ما بين المعقوفين أثبتناه من « العزيز شرح الوجيز ».

(٢) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٣ و ٤) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٥) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧.

(٦) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٦.

(٧) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٥

والأظهر عندهم : إنّه يتلف من رأس المال ، ويكون رأس المال الخمسين الباقية ؛ لأنّ العقد لم يتأكّد بالعمل(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ إذ العمل فرع كون المال مالَ القراض.

مسألة ٢٧٣ : لو تلف المال بأسره في يد العامل قبل دورانه في التجارة إمّا بآفةٍ سماويّة أو بإتلاف المالك له ، انفسخت المضاربة ؛ لزوال المال الذي تعلّق العقد به.

فإن اشترى بعد ذلك للمضاربة ، كان لازماً له ، والثمن عليه ، سواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهل ذلك ، إلّا أن يجيز المالك الشراءَ ، فإن أجاز احتُمل أن يكون قراضاً ، كما لو لم يتلف المال ، وعدمه ، كما لو لم يأخذ شيئاً من المال.

أمّا لو أتلفه أجنبيٌّ قبل دورانه في التجارة وقبل تصرّف العامل فيه ، فإنّ العامل يأخذ بدله ، ويكون القراض باقياً فيه ؛ لأنّ القراض كما يتناول عين المال الذي دفعه المالك ، كذا يتناول بدله ، كأثمان السِّلَع التي يبيعها العامل ، والمأخوذ من الأجنبيّ عوضاً بدله.

وكذا لو أتلف بعضه.

ولو تعذّر أخذ البدل من الأجنبيّ ، فالأقرب : إنّه يُجبر بالربح ، وهو أحد قولَي الشافعيّة(٢) .

إذا عرفت هذا ، فإنّ للعامل النزاعَ مع الأجنبيّ والمخاصمة له والمطالبة بالبدل والمحاكمة عليه - وهو أحد وجهي الشافعيّة(٣) - لأنّ حفظ‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢ و ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٦

المال يقتضي ذلك ، ولا يتمّ إلّا بالخصومة والمطالبة خصوصاً مع غيبة ربّ المال ، فإنّه لو لم يطالبه العامل ، ضاع المال ، وتلف على المالك.

وفي الوجه الثاني : ليس له ذلك ؛ لأنّ المضاربة عقد على التجارة ، فلا يندرج تحته الحكومة(١) .

وليس بجيّدٍ ؛ لأنّه من توابعها.

فعلى هذا لو ترك الخصومة والطلب مع غيبة المالك ضمن ؛ لأنّه فرّط في تحصيله ، وإن كان حاضراً وعلم الحال لم يلزم العامل طلبه ولا يضمنه إذا تركه ؛ لأنّ ربّ المال أولى بذلك من وكيله.

وفصّل بعضهم ، فقال : الخصمُ المالكُ إن لم يكن في المال ربح ، وهُما جميعاً إن كان فيه ربح(٢) .

مسألة ٢٧٤ : لو أتلف العاملُ مالَ القراض قبل التصرّف فيه للتجارة ، احتُمل ارتفاعُ القراض ؛ لأنّه وإن وجب بدله عليه فإنّه لا يدخل في ملك المالك إلّا بقبضٍ منه ، فحينئذٍ يحتاج إلى استئناف القراض ، وبه قال الجويني(٣) ، وبقاءُ القراض في البدل ، كبقائه في أثمان المبيعات ، وفي بدله لو أتلفه الأجنبيّ ، وعلى هذا التقدير يكون حكم البدل في كونه قراضاً حكم البدل المأخوذ من الأجنبيّ الـمُتلف.

ولو كان مال القراض مائتين فاشترى بهما عبدين أو ثوبين بكلّ مائةٍ منهما عبداً أو ثوباً فتلف أحدهما ، فإنّه يُجبر التالف بالربح ، فيحسب المغروم من الربح ؛ لأنّ العامل تصرّف في رأس المال ، وليس له أن يأخذ شيئاً من جهة الربح حتى يردّ ما تصرّف فيه إلى المالك ، وهو أظهر وجهي الشافعيّة.

____________________

(١ - ٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٧

والثاني : البناء على تلف بعض العين قبل التصرّف بأن نقول : لو تلفت إحدى المائتين قبل التصرّف جبرناها بالربح ، فهنا أولى ، وإن قلنا بتلف رأس المال فهنا كذلك ؛ لأنّ العبدين بدل المائتين ، ولا عبرة بمجرّد الشراء ، فإنّه تهيئة محلّ التصرّف ، والركن الأعظم في التجارة البيع ؛ لأنّ ظهور الربح منه يحصل(١) .

والمعتمد ما قلناه.

مسألة ٢٧٥ : لو اشترى عبداً للقراض فقتله قاتلٌ ، فإن كان هناك ربح فالمالك والعامل غريمان مشتركان في طلب القصاص أو الدية ، وليس لأحدهما التفرّد بالجميع ، بل الحقّ لهما ، فإن تراضيا على العفو على مالٍ أو على القصاص جاز ، وإن عفا أحدهما على غير شي‌ءٍ سقط حقّه خاصّةً من القصاص والدية ، وكان للآخَر المطالبة بحقّه منهما معاً ، فإن أخذ الدية فذاك ، وإن طلب القصاص دفع الفاضل من المقتصّ منه واقتصّ.

وعند الشافعي يسقط حقّ القصاص بعفو البعض دون الدية(٢) .

وليس بشي‌ءٍ ، وسيأتي.

وهذا بناءً على ما اخترناه من أنّ العامل يملك بالظهور ، وإن لم يكن هناك ربح ، فللمالك القصاص والعفو على غير مالٍ.

وكذا لو أوجبت الجناية المالَ ولا ربح ، كان له العفو عنه مجّاناً ، ويرتفع القراض.

ولو أخذ المال أو صالح عن القصاص على مالٍ ، بقي القراض فيه ؛

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٧ - ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

(٢) الحاوي الكبير ٧ : ٣٥١ ، بحر المذهب ٩ : ٢٣٣ ، البيان ٧ : ١٩٤ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٨ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٧.

١١٨

لأنّه بدل مال القراض ، فإن كان بقدر رأس المال أو دونه كان لربّ المال ، وإن كان أكثر كان الفضل بينهما.

ولو كان هناك ربح وقلنا : إنّ العامل لا يملك إلّا بالقسمة ، لم يكن للسيّد القصاص بغير رضا العامل ؛ لأنّه وإن لم يكن مالكاً للربح فإنّ حقّه قد تعلّق به ، فإن اتّفقا على القصاص كان لهما.

مسألة ٢٧٦ : إذا اشترى العامل شيئاً للقراض فتلف الثمن قبل دفعه إلى البائع ، فإن كان بتفريطٍ من العامل إمّا في عدم الحفظ أو في التأخير للدفع ، كان ضامناً ، ويكون القراض باقياً ، ويجب عليه الدفع إلى البائع ، فإن تعذّر كان حكمه بالنسبة إلى صاحب المال ما سيأتي في عدم التفريط.

فنقول : إذا تلف المال بغير تفريطٍ من العامل ، فلا يخلو إمّا أن يكون الشراء بالعين أو في الذمّة ، فإن كان قد اشترى بالعين بطل البيع ، ووجب دفع المبيع إلى بائعه ، وارتفع القراض.

وإن كان الشراء في الذمّة للقراض ، فإن كان بغير إذن المالك بطل الشراء إن أضاف إلى المالك أو إلى القراض ؛ لأنّه تصرّفٌ غير مأذونٍ فيه ، ولا يلزم الثمن أحدهما ، بل يردّ المبيع إلى بائعه ، وإن لم يُضف الشراء إلى المالك ولا إلى القراض ، بل أطلق ظاهراً ، حُكم بالشراء للعامل ، وكان الثمن لازماً له.

وإن كان بإذن المالك ، وقع الشراء للقراض ، ووجب على المالك دفع عوض الثمن التالف ، ويكون العقد باقياً.

وهل يكون رأس المال مجموع التالف والمدفوع ثانياً ، أم الثاني خاصّةً؟ الأقوى : إنّ المجموع رأس المال ، وبه قال أبو حنيفة ومحمّد ، وهو أحد قولَي الشافعيّة ، والثاني : إنّ رأس المال هو الثاني خاصّةً ؛ لأنّ‌

١١٩

التالف قد تلف قبل التصرّف فيه ، فلم يكن من رأس المال ، كما لو تلف قبل الشراء(١) .

وقال مالك : إنّ المالك يتخيّر بين أن يدفع ألفاً أُخرى ، ويكون هو رأس المال ، دون الأوّل ، وبين أن لا يدفع ، فيكون الشراء للعامل(٢) .

ويتخرّج هذا القول وجهاً للشافعيّة على ما قالوه في مداينة العبد فيما إذا سلّم إلى عبده ألفاً ليتّجر فيه فاشترى في الذمّة شيئاً ليصرفه إلى الثمن فتلف : إنّه يتخيّر السيّد بين أن يدفع إليه ألفاً أُخرى فيمضي العقد ، أو لا يدفع فيفسخ البائع العقد ، إلّا أنّ الفرق أنّ هنا يمكن صَرف العقد إلى المباشر إذا لم يخرج المعقود له ألفاً أُخرى ، وهناك لا يمكن فيصار إلى الفسخ(٣) .

واعلم أنّ الشافعي قال : لو قارض رجلاً ، فاشترى ثوباً وقبض الثوب ثمّ جاء ليدفع المال فوجد المال قد سُرق ، فليس على صاحب المال شي‌ء ، والسلعة للعامل ، وعليه ثمنها.

واختلف أصحابه هنا على طريقين :

منهم مَنْ قال : إنّما أراد الشافعي إذا كانت الألف تلفت قبل الشراء ، فأمّا إذا تلفت بعد الشراء ، كانت السلعة لربّ المال ، ووجب عليه ثمنها.

والفرق بينهما : إنّها إذا تلفت قبل الشراء فقد انفسخ القراض ، فإذا‌

____________________

(١) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، الوسيط ٤ : ١٢٤ - ١٢٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٢ - ٣٤٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٩٤ ، البيان ٧ : ١٩٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩ ، روضة الطالبين ٤ : ٢١٨ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٢٤ ، الهداية - للمرغيناني - ٣ : ٢١٤ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٦٣ / ١٧٣٦ ، المغني ٥ : ١٨٣ ، الشرح الكبير ٥ : ١٦٩.

(٢) بحر المذهب ٩ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٦ : ٣٩.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

وعاد من عاداه »، وهذا حديث صحيح لا مرية فيه »(١) .

وبمثله قال ابن حجر في ( الصواعق ٩٠ ) وابن باكثير في ( وسيلة المآل - مخطوط ) ونقل العجيلي هذا المعنى عن ( الصواعق ) في ( ذخيرة المآل ) كما سيأتي.

وبعد هذا: فلايبقى ريب في ان حديث الثقلين دليل قوي متين على خلافة عليعليه‌السلام بلا فصل بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحمد لله على ذلك

وسيأتي مزيد توضيح لهذا الذي ذكرناه، وعليك بمراجعة حديث ام سلمة الذي رواه جماعة من علماء أبناء السنة.

كما سيأتي ان شاء الله تعالى احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام نفسه بحديث الثقلين في الشورى، ولو لا تقدمهعليه‌السلام في هذا الباب لأنكر عليه أهل الشورى احتجاجه

ولقد تحققت خصوصية أمير المؤمنينعليه‌السلام بالمزايا المذكورة في حديث الثقلين عند المحدثين والحفاظ من أهل السنة، ولذا فقد أورد مسلم حديث الثقلين في ( الصحيح ) في باب فضائله بين حديث خيبر وحديث تكنيته بأبي تراب، كما لا يخفى على من راجعه.

وهكذا أورده النووي في ( تهذيب الأسماء واللغات ) في أحوالهعليه‌السلام بين حديث المباهلة وحديث الولاية.

كما جعل سعيد الدين الفرغاني في ( شرح التائية ) - حديث الثقلين مماثلا لحديث « المنزلة » وحديث « مدينة العلم » في الدلالة على وراثتهعليه‌السلام العلم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصية النبي به كما علمت ذلك سابقاً.

وعلى ذلك كله: فلا مجال لانكار دلالة حديث الثقلين على امامة علي

__________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٦١

أمير المؤمنينعليه‌السلام .

تكميل

ان حديث الثقلين كما يدل على امامة الأئمة الاثني عشر من أهل البيتعليهم‌السلام وامامة عليعليه‌السلام بلا فصل بعد رسول الله، كذلك يدل على وجود الامام الثاني عشر الحجة المنتظر وبقائه عجل الله تعالى ظهوره.

وذلك لان هذا الحديث يدل على عدم افتراق الكتاب والعترة الى يوم القيامة وحتى الورود على الحوض، فكما ان القرآن باق الى يوم القيامة فكذلك يجب وجود من يكون أهلا للتمسك والاقتداء به، واماماً للزمان وحجة للوقت من العترة الطاهرة الى يوم القيامة.

وقد نص جماعة من علماء أهل السنة الاعلام على هذه الحقيقة في كتبهم:

فقد قال السمهودي في تنبيهات حديث الثقلين: « ثالثها »: ان ذلك يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمان وجدوا فيه الى قيام الساعة، حتى يتوجه الحث المذكور الى التمسك به، كما ان الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا - كما سيأتي - أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض »(١) .

وقد نقل عنه كلامه هذا كل من المناوي في ( فيض القدير ٣ / ١٥ ) والزرقانى في ( شرح المواهب اللدنية ٧ / ٨ ).

وقال ابن حجر ما نصه: « وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة الى عدم انقطاع مستأهل منهم للتمسك به الى يوم القيامة، كما ان الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض كما

__________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٦٢

سيأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق « في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي »(١) .

وقال العجيلي: « وهم الحافظون لكتاب الله وخلافة رسوله لا يفارقونها الى يوم القيامة، لا بد من قيام قائم لله بحجة منهم ووارث نبوته وخلافة رسوله، فمنهم الظاهر ومنهم المختفي، حتى يكون خاتمتهم في الوراثة المهدي، ولهذا يتقدم عيسى بن مريم، وتقدم ان قطب الأولياء الذي به صلاح العلم لا يكون الا منهم »(٢) .

وهكذا قال آخرون منهم: شهاب الدين الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) وحسن زمان في ( القول المستحسن )

وسيأتي ما يدل على ذلك من خطبة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخطبة الامام الحسن السبطعليه‌السلام

١٣ - دلالة الحديث كبعض الايات

ان حديث الثقلين من شواهد قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) وقوله عز وجل:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) وقد ذكرنا في ( المنهج الاول ) دلالة الايتين على امامة أهل البيتعليهم‌السلام ، فالحديث اذاً كذلك

اما بالنسبة الى دلالته على وجوب مودتهم - كالاية - فإليك بعض الكلمات من كبار علماء أبناء السنة:

قال السخاوي بعد أن ذكر الحديث « وناهيك بهذا الحديث العظيم فخراً لأهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انظروا كيف تخلفوني، واوصيكم بعترتي خيراً، واذكركم الله في أهل بيتي - على

__________________

(١). الصواعق المحرقة: ٩٠.

(٢). ذخيرة المآل - مخطوط.

٢٦٣

اختلاف الالفاظ في الروايات التي اوردتها - يتضمن الحث على المودة لهم والإحسان إليهم والمحافظة بهم واحترامهم وإكرامهم وتأدية حقوقهم الواجبة والمستحبة، فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً »(١) .

وقال الجلال السيوطي في تفسير آية المودة: « أخرج الترمذي وحسنه وابن الانباري في المصاحف عن زيد بن أرقمرضي‌الله‌عنه ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: انّى تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض، وعترتي اهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما »(٢) .

وروى حديث الثقلين عبد الوهاب البخاري في ( تفسير أنورى ) بتفسير آية المودة عن أبي سعيد الخدري.

والخطيب الشربيني بتفسير الاية عن زيد بن أرقم(٣)

وقال القاري بشرح الحديث: « والمعنى أنبهكم حق الله في محافظتهم ومراعاتهم واحترامهم وإكرامهم ومحبتهم ومودتهم »(٤) .

وقال نقلا عن الطيبي: « ولعل السر في هذه الوصية واقتران العترة بالقرآن إيجاب محبتهم، وهو لائح من معنى قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ) (٥)

وقال البدخشانى: « ثم اعلم ان محبتهم واجبة وبغضهم حرام على كل مؤمن ومؤمنة بدليل قوله تعالى:( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ ) وأخرج مسلم عن

__________________

(١). استجلاب ارتقاء الغرف - مخطوط.

(٢). الدر المنثور ٦ / ٧.

(٣). السراج المنير ٥ / ٥٣٨.

(٤). المرقاة ٥ / ٥٩٤.

(٥). المرقاة ٥ / ٦٠١.

٢٦٤

زيد بن أرقم قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فيناً خطيباً »(١) .

وهكذا قال جماعة آخرون، كالقارى ( شرح الشفاء ٣ / ٤١٠ هامش نسيم الرياض ) والمناوى ( فيض القدير ٣ / ١٤ ) والشيخ عبد الحق ( أشعة اللمعات ٤ / ٦٧٧ ) والزرقانى ( شرح المواهب ٧ / ٧ )

وأما بالنسبة الى الآية الثانية وهي قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئولُونَ ) فان حديث الثقلين جاء شاهداً لها في عبارات كثير من علماء أبناء السنة:

فقد قال السمهودي بعد ذكر طرق حديث الثقلين، في التنبيه الرابع: « وقال الحافظ جمال الدين الزرندي عقب حديث: « من كنت مولاه فعلى مولاه »: قال الامام الواحدي: هذه الولاية التي أثبتها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسئول عنها يوم القيامة، وروى في قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئولُونَ ) : عن ولاية علي واهل البيت، لان الله أمر نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان يعرف الخلق انه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً الا المودة في القربى، والمعنى: انهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي أم أضاعوها وأهملوها، فيكون عليهم المطالبة والتبعة - انتهى.

قلت: وقوله « وروي في قوله تعالى » يشير الى ما أخرجه الديلمي عن ابى سعيد الخدريرضي‌الله‌عنه وقفوهم انهم مسئولون عن ولاية علي بن ابى طالبرضي‌الله‌عنه ، ويشهد لذلك قوله في بعض الطرق المتقدمة: والله سائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي ».

وراجع أيضاً ما ذكره بعد آية المودة من ( جواهر العقدين ).

ونقل كلام الواحدي وحديث ابى سعيد المتقدم شاهداً للاية الكريمة كل من ( الصواعق ٨٩ - ٩٠ ) والشيخانى في ( الصراط السوى - مخطوط ) و ( تحفة المحبين - مخطوط )، والمولوى ولى الله اللكهنوى في ( مرآة المؤمنين - مخطوط ) قال: « الآية السادسة قوله تعالى:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئولُونَ ) روى

__________________

(١). نزل الابرار: ٦.

٢٦٥

الواحدي انهم مسؤلون عن ولاية على واهل البيت

وفي الباب أحاديث كثيرة، أخرج مسلم عن زيد بن أرقم قال: قام فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً فحمد الله وأثنى عليه قال: أما بعد أيها الناس! انما أنا بشر مثلكم ».

وذكر المولوي محمد مبين في ( وسيلة النجاة ) أن الآية الكريمة:( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئولُونَ ) يدل على أن جميع أفراد البشر مسئولون يوم الحشر عما قابلوا به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله على ونبينا وعليه وأهل بيت خير البشر، وهل أدوا حق موالاتهم كما هو حقه أو لا؟ وهل امتثلوا ما أمرهم به رسول الله من اطاعتهم والانقياد لأوامرهم أم تخلفوا عن ذلك؟ ولهذا فقد روى مسلم عن زيد بن أرقم انه قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً فينا خطيباً بموضع فيه ماء يدعى خماً ».

١٤ - دلالة الحديث على عصمة الأئمة من أهل البيت

ان حديث الثقلين يدل على عصمة أهل البيت عليهم الصلاة والسّلام وذلك:

١ - لان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر فيه باتباع أهل البيتعليهم‌السلام ، وحاشاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأمر باتباع الخاطئين والمخالفين للكتاب والسنة.

٢ - لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرنهم بالكتاب وأمر باتباعهما معا، فكما ان الكتاب منزه من كل باطل، فأهل البيتعليهم‌السلام كذلك.

٣ - لانه جعل التمسك بهم مانعاً من الضلال كالكتاب، ومن كان جائزاً عليه الضلال لا يكون مانعاً منه

٤ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صرح بعدم الافتراق بين الكتاب والعترة، أي فإنهم لا يخالفونه في وقت من الأوقات.

٥ - لانه صرح في بعض طرقه بقوله « هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض » وهذا تخصيص بعد تعميم

٢٦٦

راجع: ( جواهر العقدين - مخطوط ) و ( الصواعق المحرقة ) و ( وسيلة المآل - مخطوط ) و ( الصراط السوى - مخطوط ) وغيرها.

٦ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا لعليعليه‌السلام كما في بعض ألفاظه قائلا « اللهم أدر الحق معه حديث كان » انظر ( السيرة الحلبية ٣ / ٣٣٦ ) و ( مدارج النبوة ٢ / ٥٢٠ ) و ( روضة الأحباب - مخطوط ) وغيرها.

٧ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كما في بعض ألفاظ الحديث « ناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل ووليهما لي ولى وعدوهما لي عدو » فجعلهما كنفسه في العصمة راجع ( المناقب لابن المغازلي ١٨ ) و ( نظم درر السمطين ) و ( الصراط السوى - مخطوط ) وغيرها.

٨ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كما في بعض ألفاظه في حق اهل البيت: « وانهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة » رواه ابو نعيم الاصبهاني في ( منقبة المطهرين - مخطوط ) بسنده عن البراء بن عازب.

٩ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين في بعض ألفاظ حديث الثقلين عصمتهم بصراحة، فقد جاء في ( الأربعين في فضائل امير المؤمنين لابي عبد الله محمد ابن مسلم الرازي - مخطوط ): « وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي، فهما خليفتان بعدي، أحدهما اكبر من الآخر، سبب موصول من السماء الى الأرض، فان استمسكتم بهما لن تضلوا فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض يوم القيامة، فلا تسبقوا أهل بيتي في القول فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتذهبوا، فان مثلهم فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها هلك، ومثلهم فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها هلك، ومثلهم فيكم كمثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له، ألا وان أهل بيتي أمان أمتي، فإذا ذهب أهل بيتي جاء أمتي ما يوعدون، ألا وان الله عصمهم من الضلالة، وطهرهم من الفواحش واصطفاهم على العالمين، ألا وان الله أوجب محبتهم

٢٦٧

وأمر بمودتهم، ألا وانهم الشهداء على العباد في الدنيا ويوم المعاد، ألا وانهم أهل الولاية الدالون على طريق الهداية، ألا وان الله فرض لهم الطاعة على الفرق والجماعة، فمن تمسك بهم سلك، ومن حاد عنهم هلك، ألا وان العترة الهادية الطيبين دعاة الدين وأئمة المتقين وسادة المسلمين وقادة المؤمنين وأمناء رب العالمين على البرية أجمعين، الذين فرقوا بين الشك واليقين وجاءوا بالحق المبين ».

والعصمة مستلزمة للامامة كما ثبت في محله.

والى كونهمعليهم‌السلام معصومين - بمقتضى الكتاب والسنة ولا سيما حديث الثقلين - ذهب جماعة من كبار علماء اهل السنة:

فقد قال الرازي بتفسير قوله تعالى:( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) « ان الله تعالى أمر بطاعة أولي الامر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن امر الله تعالى بطاعته على الجزم والقطع لا بد ان يكون معصوماً عن الخطاء، اذ لو لم يكن معصوماً من الخطاء لكان بتقدير اقدامه على الخطأ يكون قد امر الله تعالى بمتابعته، فيكون ذلك امرا بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأ يكون منهيا عنه، فهذا يفضي الى اجتماع الأمر والنهى في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وهو محال، فثبت ان الله امر بطاعة اولى الأمر على سبيل الجزم، وثبت ان كل من امر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب ان يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً ان اولى الامر المذكور في هذه الآية لا بد وان يكون معصوماً »(١) .

ولما ثبت قطعاً ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد امر بطاعة اهل البيتعليهم‌السلام ثبت بالضرورة عصمتهم، وحكم الرسول حكم الله لقوله عز وجل:( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ) .

وقال ابن حجر الهيتمي في ( المنح المكية في شرح القصيدة الهمزية ):

__________________

(١). تفسير الرازي ٣ / ٣٥٧.

٢٦٨

« وفي الحديث: انّى تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي، فليتأمل كونه قرنهم بالقرآن في ان التمسك بهما يمنع الضلال ويوجب الكمال ».

واليه اشار الجلال السيوطي في خطبة كتابه ( الأساس ) إذ قال: « الحمد لله الذي وعد هذه الامة المحمدية بالعصمة من الضلالة ما ان تمسكت بكتابه وعترة نبيه، وخص آل البيت النبوي من المناقب الشريفة ما قامت عليه الأحاديث الصحيحة بساطع البرهان وجليه ».

وقال ابن حجر بعد أن ذكر الحديث: « ثم الذين وقع الحث عليهم منهم انما هم العارفون بكتاب الله وسنة رسوله، إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب الى الحوض، ويؤيده الخبر السابق: لا تعلموهم فإنهم اعلم منكم، وتميزوا بذلك عن بقية العلماء، لان الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة. وقد مر بعضها »(١) .

وبمثله قال ولي الله اللكهنوي في ( مرآة المؤمنين - مخطوط ).

وقال السندي في شرحه للحديث: « وفيه من تأكد اخبار كونهم على الحق كالقرآن وصونهم ابداً عن الخطأ كالوحي المنزل ما لا يخفى على الخبير »(٢) .

وقال الشهاب الدولت آبادي: « وفي ( المصابيح ) و ( المشكاة ) عن زيد ابن أرقم قال: قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: انّي تارك فيكم ما ان تمسكتم به

وهذا الحديث دليل على انهم مع القرآن، ولا يزول ايمانهم في حال النزع »(٣) .

__________________

(١). الصواعق: ٩٠.

(٢). دراسات اللبيب ٢٣٣.

(٣). هداية السعداء - مخطوط.

٢٦٩

١٥ - دلالة الحديث على اعلمية أهل البيت

ان حديث الثقلين يدل على اعلمية أهل البيتعليهم‌السلام وذلك:

١ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر عنهم مع الكتاب بـ « الثقلين »، وهو يفيد الاعلمية كما ذكر جماعة منهم: ابن حجر في ( الصواعق ٩٠ ) والسمهودي في ( جواهر العقدين - مخطوط ).

هذا ومن جهة أخرى فقد ذكر العلماء من أهل السنة في بيان وجه تسمية الكتاب والعترة بالثقلين أنه « يستصلح بهما الدين ويعمر » تجد ذلك في ( الفائق للزمخشري ١ / ٨٠ ) و ( الكاشف للطيبي - مخطوط ) و ( المرقاة للقاري ٥ / ٥٩٣ ) و ( نسيم الرياض للخفاجي ) وغيرها

وهذا دليل آخر على الاعلمية.

٢ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرن أهل بيتهعليهم‌السلام فيه بالكتاب

٣ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امر فيه الخلق بأخذ العلم منهم، ولو كان في أصحابه أو غيرهم من هو اعلم منهم لارجع الامة اليه من بعده، وقد صرح بأمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأخذ العلم من أهل البيت جماعة منهم: التفتازاني في ( شرح المقاصد ) وابن حجر في ( الصواعق ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ) وغيرهم مستفيدين ذلك من حديث الثقلين.

٤ - لان مفاد هذا الحديث انتقال علومهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى أميرالمؤمنين عليعليه‌السلام بالوراثة. كما صرح بذلك سعيد الفرغاني في ( شرح تائية ابن الفارض ). وهذا دليل صريح على اعلميتهعليه‌السلام

٥ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كما في بعض ألفاظ الحديث: « انهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، سألت ربي ذلك لهما، فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم » وسيأتي ذكر من روى هذا اللفظ من الحديث من علماء أهل السنة.

وروى الشيخ القندوزي حديث الثقلين وفيه: « فتعلموا منهم ولا تعلموهم فانهم أعلم منكم » وهذا نصه:

٢٧٠

« وفي ( المناقب ) عن أحمد بن عبد الله بن سلام عن حذيفة بن اليمانرضي‌الله‌عنه قال: صلى بنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر، ثم أقبل بوجهه الكريم إلينا فقال: معاشر أصحابي، أوصيكم بتقوى الله والعمل بطاعته، وأني ادعى فأجيب وانّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ان تمسكتم بهما لن تضلوا، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فتعلموا منهم ولا تعلموهم فإنهم اعلم منكم »(١) .

ورواه بهذه الالفاظ عن الامام الحسينعليه‌السلام أيضاً كما سيأتي.

٦ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال كما في بعض ألفاظه: « فلا تسبقوا أهل بيتي فتفرقوا ولا تخلفوا عنهم فتضلوا ولا تعلموهم فهم أعلم، وانهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة، أحلم الناس كباراً وأعلمهم صغاراً ». رواه أبونعيم في ( منقبة المطهرين - مخطوط ).

والاعلمية تستلزم الامامة كما تبين في مجلد ( حديث مدينة العلم ).

هذا وقد صرح جماعة بأعلمية أهل البيتعليهم‌السلام واعترفوا بأنهم مثل كتاب الله تعالى في وجوب التمسك به وأخذ العلم منه فقد قال القاري:

« وأقول: الأظهر هو أن أهل البيت غالباً يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم، المطلعون على سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه وحكمته، وبهذا يصلح ان يكونوا عدلا لكتاب الله سبحانه كما قال: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ »(٢) .

وقال السمهودي في تنبيهاته: « ثانيها: الذين وقع الحث على التمسك بهم من أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة، هم العلماء بكتاب الله عز وجل، إذ لا يحثصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على التمسك بغيرهم، وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب افتراق حتى يردا الحوض، ولهذا قال لا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا

__________________

(١). ينابيع المودة ٣٥.

(٢). المرقاة ٥ / ٦٠٠.

٢٧١

عنهما فتهلكوا »(١) .

وبمثله قال ابن حجر في ( الصواعق ٩٠ ).

١٦ - افضلية اهل البيت في الحديث

ان حديث الثقلين يدل على افضلية أهل البيتعليهم‌السلام ، وذلك:

١ - لان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرنهم فيه بالكتاب العزيز، ولم يقرن غيرهم به

قال التفتازاني في ( المقاصد ) « وفضل العترة الطاهرة لكونهم أعلام الهداية، وأشياع الرسالة، على ما يشير اليه ضمهم الى كتاب الله في إنقاذ المتمسك بهما عن الضلالة ».

وبه صرح الشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) ثم قال: « قوله: - كتاب الله وعترتي، ذكر بالعطف، قال الشيخ الامام عبد القاهر الجرجاني: العطف هو الجمع بين الشيئين في الحكم، والأصل فيه الواو، وهو لمطلق الجمع عندنا اى الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم الذي هو الإثبات أو النفي، وعليه عامة أهل اللغة وأئمة الفتوى ».

٢ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبر عن الكتاب والعترة بالثقلين وهذا بوحده دليل مبين على عظمتهما وكبر شأنهما، وعلو مقامها.

قال ابن الأثير في ( النهاية ) في - ثقل -: « ويقال لكل خطير نفيس: ثقل، فسماهما ثقلين اعظاماً لقدرهما، وتفخيماً لشأنهما ».

وبمثله قال الازهري في ( تهذيب اللغة ) عن ثعلب، والثعلبي في ( الكشف والبيان - مخطوط )، والبغوي في ( معالم التنزيل ٧ / ٦ )، وابن الاثير

__________________

(١). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٧٢

في ( جامع الاصول )، والنووي في ( المنهاج ٩ / ٣٦٦ )، وابن منظور في ( لسان العرب ) عن الأزهري، والخازن في ( تفسيره ٧ / ٦ )، وأبوحيان في ( البحر المحيط ٨ / ١٩٤ )، والفيروزآبادي في ( القاموس )، والسيوطي في ( النثير )، وابن خلفه في ( إكمال الإكمال )، والسنوسى في ( مكمل الاكمال )، والقسطلاني في ( المواهب اللدنية بشرح الزرقاني ٧ / ٦ )، وابن حجر في ( الصواعق ٩٠ ) وكثيرون غيرهم

وقال سبط ابن الجوزي بعد أن ذكر الحديث: « والثقلان الخطيران العظيمان »(١) .

وقال الكنجي: « وأما الثقلان فأحدهما كتاب الله عز وجل والآخر عترة النبي وأهل بيته، وهما اجل الوسائل، وأكرم الشفعاء عند الله عز وجل »(٢) .

٣ - لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امر باتباع أهل البيت، والتمسك بهم في جميع أمورهم الدينية والدنيوية، والمتبع المتمسك به أعلى وأفضل وأجل من غيره قطعاً

٤ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل التمسك بأهل بيته كالتمسك بالكتاب العظيم، ولو كان من هو افضل منهم لجعله

٥ - لان قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ولن يفترقا حتى يردا على الحوض » يفيد انهما لن يفترقا في العظمة والفضل والشرف في الدنيا والعقبى ( حتى يردا على الحوض )

قاله الشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ).

٦ - لان في هذا الحديث - بالاضافة الى ما ذكر - شواهد وأدلة على أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمر بتعظيم أهل بيتهعليهم‌السلام وتوقيرهم: -

__________________

(١). تذكرة خواص الامة ٣٢٣.

(٢). كفاية الطالب ٧٧.

٢٧٣

فقد قال الكاشفى في شرحه: « والثاني: أهل بيتي، اذكركم الله في أهل بيتي، وفي تكراره هذا الكلام ثلاثاً دليل واضح على تعظيم اهل البيت ومحبتهم ومتابعتهم »(١) .

وقال السمهودي في تنبيهاته: « خامسها: قد تضمنت الأحاديث المتقدمة الحث البليغ على التمسك بأهل البيت النبوي وحفظهم واحترامهم والوصية بهم، لقيامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك خطيباً يوم غدير خم، كما في أكثر الروايات المتقدمة، مع ذكره لذلك في خطبته يوم عرفة على ناقته كما في رواية الترمذي عن جابر، وفي خطبته لما قام خطيبا بعد انصرافه من حصار الطائف كما في رواية عبد الرحمن بن عوفرضي‌الله‌عنه ، وفي مرضه الذي قبض فيه وقد امتلأت الحجرة من أصحابه كما في رواية لام سلمة.

بل سبق قول ابن عمر رضي الله عنهما: آخر ما تكلم به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اخلفوني في اهل بيتي مع قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنظروا كيف تخلفوني فيهما، و قوله: ألاواني سائلكم كيف خلفتموني في كتابه وأهل بيتي، وقوله: ناصرهما لي ناصر وخاذلهما لي خاذل، وأوصيكم بعترتي خيراً وأذكركم الله في اهل بيتي، على اختلاف الألفاظ في الروايات المتقدمة، مع قوله في رواية عبد الله بن زيد عن أبيه: فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره وورد علي يوم القيامة مسوداً وجهه، و في الحديث الاخر: فاني أخاصمكم عنهم غداً، ومن أكن خصيمه أخصمه، ومن أخصمه دخل النار. و في الآخر: من حفظني في اهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهداً، مع ما اشتملت عليه الفاظ الاحاديث المتقدمة على اختلاف طرقها، وما سبق في ما أوصى به أمته وأهل بيته.

فأي حث ابلغ من هذا وآكد منه؟ فجزى الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وعلى آله عن أمته واهل بيته افضل ما جزى أحداً من انبيائه ورسلهعليهم‌السلام »(٢) .

__________________

(١). الرسالة العلية ٣٠.

(٢). جواهر العقدين - مخطوط.

٢٧٤

وقال الفضل بن روزبهان: « قوله: - ان نعتقد ان آلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجب تعظيمهم ويلزم الاقتداء بهم.

أقول: أما تعظيم آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالاعتقاد انه فرض بناء على الأحاديث الصحيحة الواردة في الباب منها: - أنه قال في خطبته في حجة الوداع: يا أيها الناس! انّي تارك فيكم الثقلين و قال في حديث آخر: أذكركم الله في أهل بيتي، ولقد كررها ثلاثاً. ومن هنا يستفاد أن تعظيمهم ومحبتهم واجب، ورعاية حقوقهم لازمة »(١) .

وبمثل هذه الكلمات قال جماعة آخرون منهم: القاري في ( المرقاة ٥ / ٥٩٤ ) والمناوى في ( فيض القدير ٢ / ١٧٤ ) والخفاجي في ( نسيم الرياض ٣ / ٤١٠ ) والعزيزي في ( السراج المنير ١ / ٣٠٢ ) وعبد الحق الدهلوي في ( أشعة اللمعات في شرح المشكاة ٤ / ٦٧٧ ) والزرقاني في ( شرح المواهب ٧ / ٥ ) وصديق حسن في ( السراج الوهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج )

٧ - لان هذا الحديث يدل على انهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل الكتاب والعترة كتوأمين، و وصى الامة بحسن المعاشرة معهما وايثار حقهما على أنفسهم كما يوصى الاب المشفق لاولاده: -

قال الطيبي بشرحه برواية زيد بن أرقم: - « وقوله: انّي تارك فيكم إشارة الى انهما بمنزلة التوأمين الخلفين عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وانه يوصى الامة بحسن المعاشرة معهما، وايثار حقهما على أنفسهم كما يوصى الأب المشفق لأولاده، ويعضده الحديث السابق في الفصل الاول: أذكركم الله في أهل بيتي كما يقول الأب المشفق: الله الله في حق اولادي »(٢) .

وبمثله قال المناوى في ( فيض القدير ٣ / ١٥ ) والزرقاني في ( شرح

__________________

(١). شرح العقائد لابن روزبهان - مخطوط.

(٢). الكاشف - مخطوط.

٢٧٥

المواهب اللدنية ).

ونقل كلام الطيبي المذكور القاري في ( المرقاة في شرح المشكاة ٥ / ٦٠٠ ).

٨ - لانهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل فيه أهل بيته قائمين مقامه من بعده:

فقد قال النظام النيسابوري في تفسيره بتفسير قوله تعالى:( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ) : وكيف تكفرون: استفهام بطريق الإنكار والتعجب، والمعنى: من اين يتطرق إليكم الكفر، والحال أن آيات الله تتلى عليكم على لسان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غضة في كل واقعة، وبين أظهركم رسول يبين لكم كل شبهة ويزيح عنكم كل علة

قلت: أمّا الكتاب فانه باق على وجه الدهر، وأما النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانه ان كان قد مضى الىرحمه‌الله في الظاهر، ولكن نور سره باق بين المؤمنين فكأنه باق، على أن عترتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورثته يقومون مقامه بحسب الظاهر أيضاً، ولهذا قال: « انّي تارك فيكم الثقلين » »(١) .

وقال الشيخاني القادري: « وكفى بأهل بيته شرفاً حيث عد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه الشريفة منهم بقوله: اللهم انهم مني وأنا منهم، و بقوله: أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم، و بقوله: ألا من آذى قرابتي فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله »(٢) .

وبمثله صرّح ابن حجر في ( الصواعق ) والسمهودي في ( جواهر العقدين ).

وقال العجيلي: « و اذا صح وثبت أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من آياته - ومنها القرآن - دخل في ذلك الال الكرام الذين اصطفاهم الله

__________________

(١). غرائب القرآن ١ / ٣٤٧.

(٢). الصراط السوى - مخطوط.

٢٧٦

وخصهم بالولاية والوراثة لمقامه الابراهيمي، فقد ألحقوا بنفسه الشريفة في أمور كثيرة كما يشير اليه قوله: اللهم انهم مني وأنا منهم، وذلك من قبيل الاخبار و قوله في المحبة: والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحبني ولا يحبني حتى يحب ذوي، و قوله: انّي تارك فيكم، وقصة المباهلة ودخولهم معه في قصة الكساء ودعاؤه لما تضمنته الآية بأن يجعل الله صلاته ورحمته وبركاته ومغفرته ورضوانه عليه وعليهم، وطلب ذلك له ولهم من تعظيم قدرهم حيث ساوى بين نفسه وبينهم.

وقوله: فاطمة بضعة مني. قال البيهقي: الحديث يدل على أن من سبها فقد كفر، ومن صلّى عليها فقد صلّى على أبيها، ويستنبط من ذلك أن أولادها مثلها لأنهم بضعة منها.

وقوله: علي مني وأنا من علي، و قوله علي مني بمنزلتي من ربي، وقوله: من أبغض عليا فقد أبغضني، ومن فارق علياً فارقني، ان عليا مني وأنا منه وخلق من طيني وخلقت من طينة ابراهيم، وأنا أفضل من ابراهيم ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، و قوله الحسن مني والحسين من علي.

والدلائل النقلية في التحاقهم بنفسه الشريفة كبيرة.

والدليل العقلي ما سيأتي أن فك الفرع من أصله هو فك الشيء من أصله وهو محال غير ممكن، باعتبار أن هذا الفرع انما هو الشخص المعمول من مادة، وذلك الأصل ونتيجته المتولدة منه، وسيأتي تحقيق ذلك ان شاء الله تعالى والاعادة تظهر الافادة، وهذا الاتصال على الإطلاق مختص بالعترة الشريفة، لحديث كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة كما سيأتي »(١) .

٩ - لان دلالة هذا الحديث على أفضلية أهل البيتعليهم‌السلام بلغت حداً استعان به بعض أهل السنة لشرح الاحاديث الاخرى: -

فقد قال القاضي أبوالمحاسن الحنفي في ( المعتصر من المختصر ) في شرح

__________________

(١). ذخيرة المآل - مخطوط.

٢٧٧

حديث الستة الملعونين:

« في الستة الملعونين: روي ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ستة ألعنهم لعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله عز وجل، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت يذل به من أعز الله، ويعز به من أذل الله، والتارك لسنتي، والمستحل لحرم الله عز وجل، والمستحل من عترتي ما حرم الله عز وجل

والعترة هم أهل البيت الذين على دينه والتمسك بهداه، روى انه خطب بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

أما بعد أيها الناس! انما انتظر أن يأتيني رسول ربي عز وجل فأجيب، وانّي تارك فيكم الثقلين فمن أخرج عترته من المكان الذي جعلهم الله به على لسان نبيه فجعلهم كسواهم ممن ليس من أهل بيته وعترته كان ملعوناً. والباقي ظاهر ».

١٠ - لان هذا الحديث يدل في رأي عبد الله بن العباس على أفضلية أمير المؤمنينعليه‌السلام في أقل تقدير، لأنه عند ما سئل عن رأيه في أمير المؤمنينعليه‌السلام قدم هذه الفضيلة على سواها: -

فقد روى الخوارزمي بسنده عن مجاهد: قال: قيل لابن عباس: ما تقول في علي بن أبي طالب؟

قال: ذكرت والله أحد الثقلين، سبق بالشهادتين، وصلّى القبلتين، وبايع البيعتين »(١) .

ورواه عنه الشيخ القندوزي في ( ينابيع المودة ١٣٩ ).

والافضلية مستلزمة للامامة

__________________

(١). المناقب للخوارزمي ٢٣٦.

٢٧٨

١٧ - الجمع بين حديث الثقلين والولاية

لقد جاء في كثير من الروايات ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بغدير خم بين حديث الثقلين وبين قوله في أمير المؤمنينعليه‌السلام : من كنت مولاه فان هذا مولاه، ولقد علمت في مجلد ( حديث الغدير ) أن حديث الموالاة دليل واضح على امامة أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وبعد هذا كيف يقال في حديث الثقلين: انه لا حجة لأهل الحق في هذا الحديث على مدعاهم؟.

وإليك بعض تلك الروايات المشار إليها: -

روى المتقي في ( كنز العمال ) هذا الحديث عن جماعة « عن علي: ان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حضر الشجرة بخم، ثم خرج آخذاً بيد علي فقال: أيها الناس ألستم تشهدون ان الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم وان الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فان هذا مولاه وقد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله سببه بيده وسببه بأيديكم، وأهل بيتي.

ابن جرير، وابن أبي عاصم، والمحاملي في أماليه وصحح ».

ورواه في ( كنز العمال ١ / ١٦٨ ) أيضاً بلفظ آخر عن الحكيم والطبراني عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد.

وكذا تجده في ( التاريخ لابن كثير ٥ / ٢٠٩ ) و ( استجلاب ارتقاء الغرف للسخاوي - مخطوط ) و ( جواهر العقدين للسمهودي - مخطوط ) و ( الأربعين للمحدث الشيرازي - مخطوط ) و ( وسيلة المآل لابن باكثير - مخطوط ) و ( الصراط السوي للقادري - مخطوط ) و ( ينابيع المودة ٣٧ ).

ورواه ابن حجر في ( الصواعق ٢٥ ) عن الطبراني وغيره معترفاً بصحته وكذا السهارنپوري في ( المرافض ) ورواه البدخشاني في ( مفتاح النجا - مخطوط ) عن ( المعجم الكبير للطبراني ) مع تصحيح السند، وعن الطبراني والحكيم في ( نزل الأبرار ). ورواه عنهما محمد صدر عالم في كتابه وصحح

٢٧٩

سندهما، وهكذا تجد الحديث في ( ذخيرة المآل ) و ( مرآة المؤمنين ).

وروى حسن زمان في ( القول المستحسن ) رواية الطبراني والحكيم ثم قال: - « وفيه الحث على متابعة الثقلين بعد حديث الموالاة، وكذا في رواية ابن راهويه، وابن جرير، وابن أبي عاصم، والمحاملي، والطحاوي بأسانيد صحيحة ».

و روى السمهودي الحديثين في لفظ واحد عن عامر بن ليلى بن ضمرة، وحذيفة بن أسيد، وهذا نصه: « عن عامر بن ليلى بن ضمرة، وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهما قالا: لما صدر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع، ولم يحج غيرها أقبل حتى اذا كان بالجحفة نهى عن سمرات بالبطحاء متقاربات لا ينزلوا تحتهن، حتى إذا نزل القوم وأخذوا منازلهم سواهن ارسل اليهن فقم ما تحتهن، وشذبن عن رؤوس القوم حتى إذا نودي للصلاة غدا إليهن، فصلّى تحتهن فقال: ايها الناس: انه قد نبأنى اللطيف الخبير انه لن يعمر نبى الا نصف عمر الذي يليه من قبله، وانى لا ظن ان ادعى فأجيب الا فان الله مولاي وانا اولى بكم من أنفسكم، ألا ومن كنت مولاه فهذا مولاه، وأخذ بيد علي فرفعها حتى عرفه القوم أجمعون ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. ثم قال: ايها الناس انى فرطكم وأنتم واردون علي الحوض وانى سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما حين تخلفوني

قالوا: وما الثقلان يا رسول الله؟

قال: الثقل الاكبر: كتاب الله، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا ولا تبدلوا، ألا وعترتي أهل بيتي فانه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن ينقضيا حتى يردا عليّ الحوض.

وأخرجه ابن عقدة في ( الموالاة ) من طريق عبد الله بن سنان عن أبي الطفيل عنهما به، ومن طريق ابن عقدة أورده أبو موسى المديني في ( الصحابة ) وقال: انه غريب جداً، والحافظ أبو الفتوح العجلي في كتابه

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347