الصحيح من سيرة الإمام علي (عليهالسلام )
(المرتضى من سيرة المرتضى)
الجزء الأول
السيد جعفر مرتضى العاملي
هذا الكتاب
نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف
شبكة الإمامين الحسنين(عليهماالسلام) للتراث والفكر الإسلامي
بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.
تقديم:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولا سيما علي أمير المؤمنين والأئمة من أبنائه الميامين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، من الأولين والآخرين، إلى قيام يوم الدين..
وبعد..
فقد وفق الله تعالى في أوئل شهر حزيران سنة ٢٠٠٧م.. للشروع في تسجيل بعض اللمحات من حياة أمير المؤمنين وسيد الوصيين، علي بن أبي طالب "عليهالسلام ".. نسأل الله أن يجعل هذا الجهد خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به مؤلفه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وأن يهدي بسيرة الوصي والولي من شاء من عباده، إنه ولي قدير..
هذا وقد ارتأينا أن يكون تقديمنا لهذا الكتاب هو لفت نظر القارئ الكريم إلى بعض الأمور التي سيلاحظها بنفسه في هذا الكتاب، وهي التالية:
١ ـ إن هذا الكتاب غير قادر على عرض كل الدقائق، وتفاصيل الحقائق عن حياة أمير المؤمنين علي "عليهالسلام "، وإنما هو نقطة من بحر
سيرته "عليهالسلام "، ولمعة ضوء من باهر دلالاتها، ورشحة من روائع مراميها وغاياتها.. وباقة ريانة من أزاهير ملامحها وإشاراتها..
٢ ـ إن لحياته "عليهالسلام " في عهد رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " طابعاً ينسجم مع موقعه من رسول الله، ومع المهمات التي لا بد له أن يضطلع بها، وكذلك مع طبيعة تعامله مع مقام النبوة الأقدس.
أما في عهد: أبي بكر، وعمر، وعثمان، فقد اختلف الحال.. وأصبح له "عليهالسلام " موقع في سياسة الأمور، وفي مواجهة التعديات وحفظ المنجزات، والعمل لحفظ خط الحق وأهله في موازاة، ومواجهة سياسات الترويج للباطل.. فلا بد من رصد حركته "عليهالسلام " في خضم الأحداث المتلاحقة بعناية ودقة.. واقتناص الموقف ولملمة شراذمه، وبلورة معالمه..
ثم جاءت خلافته "عليهالسلام " لتقدم النموذج الصحيح والصريح للحكومة الإلهية على الأرض.. فالتعاطي مع هذه الحالات المختلفة لا بد أن يختلف ويتفاوت، وفق توفر النصوص، وتنوع الخصوصيات في كل منها. وهذا ما ظهر في هذا الكتاب.. فليلاحظ ذلك.
٣ ـ قد اعتمدنا كثيراً في القسم الذي يرتبط بحياته وسيرته "عليهالسلام " في عهد رسول الله "صلىاللهعليهوآلهوسلم " على النصوص التي أوردناها مع مصادرها في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلىاللهعليهوآلهوسلم "..
أما ما علقناه على تلك النصوص، أو أوردناه من مناقشات، فمعظمه
قد أعدنا تدوينه، أو أضفناه وألحقناه لاقتضاء المقام ذلك.
٤ ـ قد اعتمدنا في أكثر الموارد طريقة إيراد النص، ثم ألحقناه بفقرات لها عناوين خاصة بها.. وقد تضمنت تلك الفقرات معالجات، أو انتقادات، أو تحليلات لما جاء في ذلك النص..
٥ ـ سيجد قارئ هذا الكتاب الكثير من الموارد التي يصح أن تعتبر بمثابة إعادة نظر، أو تصحيح أو توضيح، أو توسعة لما ذكرناه في سائر مؤلفاتنا..
٦ ـ إن عدداً من المصادر التي أخذنا منها النصوص قد اختلفت طبعاته، وتعددت، ولم نتمكن من الإعتماد على طبعة واحدة، بسبب الظروف التي واجهناها، ولا سيما بعد تدمير منازلنا ومكتبتنا التي في بيروت، والجزء الأهم، والأثمن من مكتبتنا التي في بلدتنا عيثا الجبل ـ عيثا الزط سابقاً ـ مع ملاحظة: أننا كنا نرغب بالإسراع في إنجاز هذا الكتاب، بعد أن لاحظنا أن وضعنا الصحي ليس في صالح التسويف أو التباطؤ فيه، فكنا ننجز في كل شهر أو أقل، أو أزيد بأيام قليلة جزءاً من هذا الكتاب، رغم كثرة الصوارف، ووفرة المعيقات والموانع في كثير من الأحيان..
٧ ـ إننا لم نلتزم بحرفية النص في خصوص الصلاة البتراء التي تستبعد آل النبي عنها، بل التزمنا بصيغة واحدة وهي الصلاة الصحيحة، والتامة في جميع الموارد، وهي عبارة "صلىاللهعليهوآلهوسلم "..
والتزمنا أيضاً بكلمة "عليهالسلام " بالنسبة للإمام علي وسائر الأئمة.. فليلاحظ ذلك.
٨ ـ إن هذا الكتاب لم يكتب مسودة، ثم تم تبييضها، بل كتب مسودة، ثم طبع وصحح مرة واحدة.. فإن ظهرت فيه بعض الأخطاء، أو لوحظ أي خلل أو قصور في بعض عباراته، فهو بسبب ذلك غالباً، فإن الكتاب الذي لا يحظى بعناية كافية لا يسلم ـ عادة ـ من خلل كهذا..
٩ ـ لا بد أن نعترف: بأن ثمة مباحث لم توف حقها من البيان، ولم تستوف نصوصها التي تحتاجها لاستكمال ملامحها أو لم نذكر لها من المصادر ما يناسب أهميتها.. لأن همنا كان مصروفاً إلى فتح الباب، وإراءة الطريق، ولم يكن بإمكاننا الأخذ بيد سالكيه إلى نهاياته، لأن ذلك قد يؤدي إلى استطرادات واسعة، قد يصعب معها تحقيق الغرض من التصدي لتأليف الكتاب، فليقبل القارئ الكريم عذرنا هذا، والعذر عند كرام الناس مقبول..
١٠ ـ إن لنا الحق في أن نسجل هنا أمراً قد يفيد تسجيله في إثارة الرغبة لدى بعض أهل العلم بالتصدي لمعالجته، وهو أن ما يرتبط بحياة أمير المؤمنين ليس مجموعاً في كتاب تكفل بتبويبه وترتيبه، وتنسيقه وفق خطة بعينها، بل وجدناه متناثراً، ومنتشراً في كل كتاب، وفي كل فصل وباب، ولو جمعت سيرته "عليهالسلام "، ورتبت، وبوبت حسب الأصول، فلربما تكون معالجتها أوفى وأتم مما هي عليه الآن.
١١ ـ قد يلاحظ القارئ الكريم على مصادر هذا الكتاب أنها خلطت المصدر بغير المصدر، وذكرت القديم والحديث، والآخذ، والمأخوذ منه. وقد يتخذ ذلك ذريعة للطعن في سلامة الطريقة، وأن ينسب الخلل إلى
معايير البحث، ونحن نريد هنا أن نطمئن القارئ إلى أن هذا لم يغب عن بالنا، ولكننا قد تعمدنا ذلك لعدد من الأسباب التي لا مجال لشرحها الآن..
ومنها: التعريف بكتب علمائنا رضوان الله تعالى عليهم، والدلالة على تضمنها لهذه الحقائق..
ومنها: رفض الإلتزام بما يريد الآخرون أن يفرضوه علينا، من أن المعتبر هو كتبهم ومصادرهم ، وادعاء أنها هي الصحيحة دون سواها.
ومنها: تيسير الوصول إلى الكتب التي دونت النص لمن لا يملك مكتبة جامعة..
ومنها:
ومنها:
١٢ ـ إنني أتمنى على القارئ الكريم أن يتحفني بملاحظاته، وإقتراحاته، وسيجدني إن شاء الله عند حسن ظنه، لأن المهم عندي هو إحقاق الحق، وإبطال الباطل، وليس لدي أي مصلحة في غير ذلك.
والشاهد على ذلك: أن الذي يلتزم جانب الحق، لن يكون مقبولاً عند أهل الباطل، وسيواجهونه بمختلف أنواع الكيد، والمكر، والتجني..
وهذا هو ما واجهناه، ولا زلنا نـواجهه على مـر الدهور وكـر العصور..
١٣ ـ قد يشعر البعض في بعض الأحيان ـ وإن كانت قليلة ـ: أن ما نأخذه على البعض قد نقع فيه، فمثلاً قد نقول: إننا نشك في نص بعينه،
لوجود نصوص أخرى تخالفه.. مع أن ذلك قد يحدث لنا أيضاً.
ونقول:
إن غيرنا يدعي: أن ما يقوله هو الصحيح، لأنه ورد في كتب الصحاح عنده.. وما عداه مكذوب، فنحن نلزمه بقوله. ونقول له:
إن هذا النص موجود في كتبك، فإن كان مكذوباً، فالكذب قد صدر من علمائك الذين تنسب إلىهم الديانة، وتصفهم بالوثاقة، فكيف تحكم؟!
أما نحن، فنقول:
كل رواية وردت في مؤلفات علمائنا تحتمل الصدق والكذب، لا لأن علماءنا قد كذبوها.. بل لأن علماءنا قالوا: نحن ننقل لكم ما نقل إلينا، وكله يحتاج إلى بحث وتمحيص منا ومنكم. فنحن وأنتم فيه شرع سواء..
وربما يكون المقصود هو بيان تناقض نصوص صححاهم نفسها، ليتبين لهم عدم صحة هذا الإدعاء، لكي يتنازلوا عن العرش الذي وضعوها فيه.
أما نحن، فإننا لم ندعِ صحة جميع ما في كتبنا، ليطلب منا التخلي عن هذه النظرة، التي من شأنها أن توقعنا في كثير من المشكلات.
١٤ ـ وأخيراً.. نسأل الله سبحانه أن يلهمنا قول الحق، ويرزقنا نصرته، وتقويته، والإلتزام به، وأن يزهق الباطل، ويفضح أهله، ويرد كيدهم إلى نحورهم، ويحفظ أولياءه منهم، ويقوي عزائمهم، ويشد على أيديهم، إنه ولي قدير..
وقد حرر هذا التقديم بعد أشهر من الشروع في هذا الكتاب، وذلك
حين قرر الإخوة المهتمون بطباعة الكتاب، أن يشرعوا في طباعة القسم الأول منه.. يبدأ من أحداث ولادة علي "عليهالسلام "، وينتهي أول خلافة علي أمير المؤمنين "عليهالسلام " في سنة ٣٥ للهجرة.
وكنا قد بدأنا في تدوين هذا الكتاب في أوائل شهر حزيران سنة ٢٠٠٧ للميلاد، وانتهينا إلى أول خلافة علي "عليهالسلام " في أواخر شهر حزيران سنة ٢٠٠٨ للميلاد. رغم أننا قد توقفنا عن الكتابة خلال هذه الفترة نحو شهرين، بسبب سفرنا إلى إيران والعراق لزيارة العتبات المقدسة.
والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله الطاهرين.
عيثا الجبل (عيثا الزط سابقاً)
٢٦/٦/سنة ١٤٢٩ هـ.ق الموافق ٣٠/٦/٢٠٠٨م.
جعفر مرتضى الحسيني العاملي
تمهيد(١):
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، إلى قيام يوم الدّين.
وبعد.
فإن الحديث عن الأئمة، وعن حياتهم، ومواقفهم وممارساتهم ليس حديثاً عن أشخاص لهم ميزات وخصائص محدودة، ذات طابع فردي، تمتاز بها شخصية مّا على حد ما عرفناه وألفناه.
وإنما هو حديث عن الإسلام بشتى مجالاته، ومختلف أبعاده، وأروع خصائصه، وبكل ما فيه من شمولية، وأصالة وعمق.
إنه حديث عن الحياة بحلوها ومرها، وبكل ما لها من اتساع وامتداد،
____________
النجاح.. ١ ، والفلاح و- هذا التمهيد كتب ليكون مقدمة لكتاب ألفه أحد الأخوة الفضلاء، وقد رأينا أن نورده هنا، لشدة الحاجة إليه. ولمزيد من التعويل عليه في إيضاح بعض ما يحتاج إلى إيضاح.. ومن الله تعالى نطلب التوفيق والتسدسد
وغموض ووضوح. وهو أيضاً حديث عن هذا الكون المديد والهائل، وعن كل ما فيه من عجائب وغرائب، وآيات بينات.
حديث عن الدنيا والآخرة بآفاقهما الرحبة، وبجميع ما فيهما وكل ما لهما من ميزات، وسمات.
وإذن.. فليس بوسع أي باحث أو مؤرخ أن يستوعب حياتهم "عليهم الصلاة والسلام". ولا أن يعكس لنا الصورة الدقيقة والطافحة بكل النبضات الحية في شخصيتهم، وفي مواقفهم ومجمل سلوكهم، إلا إذا استطاع أن يدرك بعمق كل أسرار الحياة، وحقائق التكوين، ومرامي وأهداف حقائق الإسلام، ويقف على واقع تاثيراته في كل حياتهم، وفي كنه شخصياتهم، ومن ثم انعكاساته على كل المفردات، والحركات، والسلوك، والتعامل مع كل ما ومن يحيط بهم.
ولا نظن احداً يستطيع أن يدعي أنه قد بلغ هذا المستوى أو وُفِّق لمثل هذا المقام الرفيع، إلا إن كان واحداً منهم "عليهم السلام"، أو من نهل من نمير علمهم، وتربى في مدرستهم، وطبع كل حياته ووجوده بطابعهم فكراً وعلماً، وفضيلة وخلوصاً، وصفاءً، كسلمان الفارسي وأبي ذر، واضرابهما. وأين وأنّى لنا بأمثال هؤلاء، أو بمن هم دونهم بمراتب.
ولكن ذلك لا يعني أن نقف هكذا عاجزين، ولا أن نرتد خائبين، بل لابد من خوض غمار البحث، واقتحام هذا العباب الزاخر بالخير والبركات، والعبر والعظات، ليستفيد كل منا حسب ما تؤهله له قدراته، وتسمح له به إمكاناته، فإن ذلك نور على نور، وهو محض الخير الذي
يؤهلنا لخير أوفى وأوفر وأكبر، ولبركات أعم وأتم وأكثر.
آفاق البحث:
وإذ قد عرفنا: أن الحديث عن الأئمة "عليهم الصلاة والسلام" ليس تاريخاً لأشخاص، فيما نعرفه من مفردات التاريخ لهم.
وإنما هو تاريخ الرعاية الإلهية لهذا الإنسان، الذي أراد الله له أن تتجسد فيه كل آمال الأنبياء وجهودهم، على امتداد التاريخ البشري، فإنهم "عليهم السلام" هم النموذج الفذ للخلافة الإلهية على الأرض، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وما تحمله من مداليل.
نعم لقد تجسد في شخصيتهم الإنسان الإلهي الكامل الذي واجه الحياة، بالإرادة والعلم والوعي والحكمة، والحزم، وواجهته الحياة بكل ما تملك من سلبيات، وما تختزنه من مصاعب ومشكلات، وما انطوت عليه من مهالك، وآفات. فقهرتها إرادته، التي هي امتداد لإرادة الله سبحانه، واحبط مكرها وعيه، لأنه ينظر بعين الله، وانتصرت عليها حكمته، وأناف على جبروتها حزمه، لأن ذلك منه كان بتعليم الله وتسديده، وتوفيقه وتأييده.
ومن هنا.. فإنه يصبح من الوضوح بمكان حاجتنا إلى فهم حياة الأئمة "عليهم السلام" من خلال فهم الظروف، والأحوال التي ساهمت في فرض واقع معين، كان لابد لهم من أن يعايشوه، وأن يتعاملوا معه.
سواء في ذلك ما ربما يرى البعض أنه يقع في الدائرة الخاصة من حياتهم الشخصية "عليهم السلام" أو ما يفترض أنه الدائرة الأوسع من الحياة
العامة في ظروف العمل السياسي والاجتماعي، والتربوي العام، وما يرتبط بذلك أو ينتهي إليه، بسبيل، أو بآخر.
وكل ما تقدم يدلل على حقيقة واحدة، ويؤكدها، وهي الصعوبة البالغة، وحجم المشاق التي لابد أن تواجه أي باحث يريد أن يفتح نافذة على الآفاق الرحبة في حياتهم صلوات الله وسلامه عليهم، ويؤرخ لها ولو في أبسط المستويات، مهما أراد أن يقتصد ويقتصر على الضروري من الشواهد والدلائل.
سؤال.. وسؤال آخر:
ولكن ما تقدم يفرض علينا الإجابة على سؤال ملحٍ، وهو:
هل يكفي ما بأيدينا من نصوص ومصادر لهذا المهم، ويفي بهذا الغرض، ويحقق تلك الغاية؟!
وإذا كانت الإجابة بالنفي، فالسؤال الآخر الذي يواجهنا هو:
هل استطعنا أن نوظف كل ما لدينا من نصوص؟! وهل استفدنا من جميع المصادر التي بحوزتنا بالشكل الكافي، وبالمستوى المطلوب؟!
في مجال فهم حياتهم "عليهم السلام"، والانطلاق في آفاقها الرحبة واللامحدودة.
وطبيعي أن تكون الإجابة هنا بالنفي أيضاً، فإن الكل يعلم: أننا لم نستطع أن نستثمر ما بأيدينا من نصوص.
بل لن نكون مسرفين إذا قلنا: إننا حتى الآن لم نقم بما هو ضروري في
مجال التحضير للأجواء والمناخات، وتقريب الوسائل التي تؤهلنا، ولو لأن نقدم معلومات عامة منسقة بصورة فنية صحيحة. أو فقل لم نقم حتى بفهرسة إجمالية تقربنا إلى معرفة القيمة الحقيقة لما نملكه من تراث نافع في هذا المجال.
فضلاً عن أن نقوم بدراسة النصوص وتمحصيها، ثم ربطها بمناشئها وتأثيراتها في غاياتها بصورة علمية معمقة ومفيدة، ولو في دائرة محدودة.
أما ما قد نجده من لمحات ولمعات متناثرة هنا وهناك، فإنها لم تنل حظها من البحث والتقصي، ولا استطاعت أن تلتحق بما عداها، مما كانت لها تاثيرات ـ به أو فيه ـ بمستويات متفاوتة.
تاريخان.. غير متجانسين:
ولعل مما يزيد الأمر صعوبة، وإشكالاً: أننا إذا وضعنا تاريخ الأئمة "عليهم الصلاة والسلام"، إلى جانب هذا التاريخ الذي يدعي أنه يسجل وقائع وأحداث الفترة الزمنية التي عايشوها صلوات الله وسلامه عليهم. لو وضعناهما أمام باحث أو ناقد لا يملك تصوراً عن حقيقة تطورات الأحداث، وتأثير السياسات، فإنه سيجد: أنهما تاريخان غير منسجمين، بل وحتى غير متجانسين، وسيخيل إليه: أن الأئمة لا يعيشون الأحداث ولا يتفاعلون بمحيطهم، بل لهم عالمهم الخاص، المنغلق والمنطوي على نفسه، وللآخرين عالم آخر، لا يشبهه لا من قريب، ولا من بعيد.
ولكن الباحث الألمعي، والمدقق الخبير، الذي اطلع على حقيقة التطورات، وما رسمته السياسات في المجالات المختلفة، لا بد يجد عكس
ذلك تماماً، حيث سيرى: أن الأئمة "عليهم السلام" يلامسون الواقع عن قرب، ويسجلون الموقف الرسالي المسؤول، والواعي، تجاه كل ما يجري، ويدور حولهم.
ولعلهم "عليهم السلام" يمثلون في أحيان كثيرة أعمق العوامل تأثيراً في مجمل الواقع السياسي، والاجتماعي، والثقافي، والتربوي، على مستوى الأمة بأسرها، فضلاً عن تأثيرهم العميق، في الدائرة التي يبدو ـ للوهلة الأولى ـ أنهم يعيشون فيها، ويتعاملون معها.
التزوير.. والأصالة:
وفي مجال فهم عوامل هذا الاختلاف الظاهر بين ذينك التاريخين، لابد من التأكيد على الحقيقة التالية:
أن ذلك الفريق الذي اهتم بتسجيل بعض اللمحات من حياة الأئمة ومواقفهم "عليهم السلام". يختلف كثيراً في عقليته، وفي مفاهيمه، وفي طموحاته، ثم في حوافزه ودوافعه، وكذلك في أهدافه وغاياته عن ذلك الفريق الذي تصدى للتاريخ وللحياة العامة لتلك الفترة الزمنية، التي عايشها الأئمة "عليهم السلام".
والأهم من ذلك الاختلاف الظاهر، بين هذين الفريقين في مجمل المعايير والمنطلقات التي رضيها كلُّ لنفسه، وانطلق منها لتمييز الحق من الباطل، والصحيح من السقيم، وعلى أساسها كان الرد أو القبول، والخروج، والدخول، في مختلف المواقع والمواضع.
وقد وجدنا: أن المنطلقات، والمعايير، التي انطلق منها، وتحرك على
أساسها أولئك الذين أرخوا لتلك الحقبة من الزمن، وكتبوا ما يسمى بـ "التاريخ الإسلامي"؛ كانت في مجملها مزيفة ومضللة أريد منها تكريس الانحراف، وتأكيده، وتبريره، والحفاظ عليه، وتسديده.
ولا نقول ذلك تعصباً، ولا تجنياً على التاريخ والمؤرخين، ما دام أن الكل يعترف لنا بحقيقة:
أن التاريخ المكتوب ليس هو تاريخ الشعوب والأمم، ولا يملك القدرة على أن يعكس لنا آمالها، ولا آلامها، ولا معاناتها أو حركتها في واقع الحياة. وإنما هو تاريخ الحكام والسلاطين، ومن يدور في فلكهم.
وحتى تاريخ الحكام هذا، فإنه لم يستطع أن يعكس واقعهم بأمانة ودقة ونزاهة، مادام أنه غير قادر إلا على تسجيل ما يرضي الحكام، ويصب في مصلحتهم، ويقوي من سلطانهم، مهما كان ذلك محرفاً وغير نقي، أو مزوراً وغير واقعي.
فلم يكن ثمة مؤرخ يملك حرية الرأي، ولا هو مطلق التصرف فيما يريد أن يقول أو يكتب. كيف وهو يرى بام عينه كيف أن رواية واحدة يرويها أحدهم في فضل علي "عليهالسلام "، تثير عليه غضب الحاكم، فيصدر الأمر بجلده مئات السياط.
ويروي الطبري حديث الطير، فيرجم العامة داره، حتى كان على بابه تل من الحجارة.
ويروي أحدهم رواية حول مناظرة بين آدم وموسى "عليهم السلام"، فيشكل الأمر على احد الحاضرين ولا يعرف أين اجتمع آدم وموسى، وبين
موت ذاك. وولادة هذا مئات السنين، فيدعوا الخليفة له بالنطع والسيف، إلى آخر ما هنالك مما يحتاج استقصاؤه إلى وقت طويل وجهد وافر.
أضف إلى جميع ما تقدم: أن الكثير مما كتب وسجل، فإنما كتب بعقلية خرافية، قاصرة وغير ناضجة.
ولا أقل من أن كثيراً منهم ينطلق من تعصبات مقيتة، أو من هوى مذهبي رخيص لا يلتزم بالمنطق السليم، ولا يهتدي بهدى العقل، ولا يؤمن بالحوار والفكر كأسلوب أفضل للتوضيح وللتصحيح.
هذا.. إلى جانب أهواء وطموحات لا مشروعة ولا مسؤولة، تتوسل بالتحوير والتزوير. لتتوصل إلى المناصب والمآرب.
ومن خلال ذلك كله، وسواه، يصبح من الطبيعي: أن لا يجد الباحث في كتب التاريخ الملامح الحقيقة للشخصيات التي تقف في موقع التحدي للحكام، ولمخططاتهم، وتتصدى لأصحاب الأهواء المذهبية، والتعصبات العرقية، وغيرها، ولانحرافاتهم.
رغم أن هذه الشخصيات تركت آثاراً عميقة في واقع الحياة السياسية والاجتماعية، والعلمية والتربوية وغير ذلك.
ومن هنا.. نعرف: أنه لابد من البحث عن الأيدي الأمينة والمخلصة وتعهد لها بأن ترسم الملامح الحقيقية لهؤلاء الأفذاذ من الرجال. وأن تسعى لالتقاط ما تناثر هنا وهناك من لمعات، أو ندّ من لفتات ولمحات، لم يجد الحكام فيها خطراً، ولربما أراد المؤرخون أن يقضوا بها وطراً.
قوله :( نحن ) : هو اسم مضمر منفصل مبنى على الضم ، وإنما بنيت الضمائر لافتقارها إلى الظواهر التى ترجع إليها ، فهى كالحروف في افتقارها إلى الاسماء ، وحرك آخرها لئلا يجتمع ساكنان ، وضمت النون ؛ لان الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم فأشبهت التاء في قمت ، وقيل ضمت ؛ لان موضعها رفع ، وقيل النون تشبه الواو فحركت بما يجانس الواو ، ونحن ضمير المتكلم ومن معه ، وتكون للاثنين والجماعة ، ويستعمله المتكلم الواحد العظيم ، وهو في موضع رفع بالابتداء و( مصلحون ) خبره .
قوله تعالى :( ألا ) هى حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب ، وقيل معناها حقا ، وجوز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا ، وهذا في غاية البعد .
قوله :( هم المفسدون ) هم مبتدأ والمفسدون خبره والجملة خبر إن ، ويجوز أن تكون هم في موضع نصب توكيد لاسم إن ، ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها ؛ لان الخبر هنا معرفة ، ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة ، فيعين ما بعده للخبر .
قوله تعالى :( وإذا قيل لهم آمنوا ) القائم مقام المفعول هو القول ، ويفسره آمنوا ؛ لان الامر والنهى قول .
قوله :( كما آمن الناس ) الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف : أى إيمانا مثل إيمان الناس ، ومثله ـ كما آمن السفهاء ـ .
قوله :( السفهاء ألا إنهم ) في هاتين الهمزتين أربعة أوجه : أحدها تحقيقهما وهو الاصل ، والثانى تحقيق الاولى وقلب الثانية واوا خالصة فرارا من توالى الهمزتين ، وجعلت الثانية واوا لانضمام الاولى ، والثالث تليين الاولى ، وهو جعلها بين الهمزة وبين الواو وتحقيق الثانية ، والرابع كذلك إلا أن الثانية واو ، ولا يجوز جعل الثانية بين الهمزة والواو ؛ لان ذلك تقريب من الالف ، والالف لا يقع بعد الضمة والكسرة ، وأجازه قوم .
قوله تعالى :( لقوا الذين آمنوا ) أصله لقيوا فأسكنت الياء لثقل الضمة عليها ، ثم حذفت لسكونها وسكون الواو بعدها ، وحركت القاف بالضم تبعا للواو ، وقيل نقلت ضمة الياء إلى القاف بعد تسكينها ثم حذفت ، وقرأ ابن السميقع : لاقوا بألف وفتح القاف وضم الواو ، وإنما فتحت القاف وضمت الواو لما نذكره في قوله " اشتروا الضلالة " .
قوله :( خلوا إلى ) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الاصل ، ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة على الواو وحذف الهمزة فتصير الواو مكسورة بكسرة الهمزة ، وأصل خلوا خلووا فقلبت الواو الاولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ثم حذفت الالف لئلا يلتقى ساكنان ، وبقيت الفتحة تدل على الالف المحذوفة .
قوله :( إنا معكم ) الاصل : إننا ، فحذفت النون الوسطى على القول الصحيح ، كما حذفت في إن إذا خففت ، كقوله تعالى : " وإن كل لما جميع " ومعكم ظرف قائم مقام الخبر ، أى كائنون معكم .
قوله تعالى :( مستهزءون ) يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الاصل ، وبقلبها ياء مضمومة لانكسار ما قبلها ، ومنهم من يحذف الياء لشبهها بالياء الاصلية في مثل قولك : يرمون ، ويضم الزاى ، وكذلك الخلاف في تليين همزة " يستهزئ بهم " .
قوله تعالى :( يعمهون ) هو حال من الهاء والميم في يمدهم ، وفى طغيانهم متعلق بيمدهم أيضا ، وإن شئت بيعمهون ، ولا يجوز أن تجعلهما حالين من يمدهم ؛ لان العامل الواحد لا يعمل في حالين .
قوله تعالى :( اشتروا الضلالة ) الاصل اشتريوا فقلبت الياء ألفا ثم حذفت الالف لئلا يلتقى ساكنان الالف والواو .
فإن قلت : فالواو هنا متحركة .
قيل : حركتها عارضة فلم يعتد بها وفتحة الراء دليل على الالف المحذوفة ، وقيل سكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لئلا يلتقى ساكنان ، وإنما حركت الواو بالضم دون غيره ليفرق بين واو الجمع والواو الاصلية في نحو قوله : لو استطعنا ، وقيل ضمت ؛ لان الضمة هنا أخف من الكسرة ؛ لانها من جنس الواو ، وقيل حركت بحركة الياء المحذوفة ، وقيل ضمت ؛ لانها ضمير فاعل ، فهى مثل التاء في قمت ، وقيل هى للجمع فهى مثل نحن ، وقد همزها قوم شبهوها بالواو المضمومة ضما لازما نحو : أثؤب ، ومنهم من يفتحها للتخفيف ، ومنهم من يكسرها على الاصل في التقاء الساكنين ، ومنهم من يختلسها فيحذفها لالتقاء الساكنين ، وهو ضعيف ؛ لان قبلها فتحة ، والفتحة لا تدل عليها .
قوله تعالى :( مثلهم كمثل ) ابتداء وخبر ، والكاف يجوز أن يكون حرف جر فيتعلق بمحذوف ، ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل فلا يتعلق بشئ .
قوله :( الذى استوقد ) الذى هاهنا مفرد في اللفظ ، والمعنى على الجمع بدليل قوله " ذهب الله بنوركم " وما بعده ، وفى وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان : أحدهما هو جنس مثل : من وما : فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد ، وتارة بلفظ الجمع ، والثانى أنه أراد الذين ، فحذفت النون لطول الكلام بالصلة ، ومثله :
" والذى جاء بالصدق وصدق به " ثم قال : أولئك هم المتقون ، واستوقد بمعنى أوقد ، مثل استقر بمعنى قر ، وقيل استوقد استدعى الايقاد .
قوله تعالى : ( فلما أضاءت ) لما هنا اسم ، وهى ظرف زمان ، وكذا في كل موضع وقع بعدها الماضى ، وكان لها جواب والعامل فيها جوابها مثل : إذا ، وأضاءت متعد فيكون " ما " على هذا مفعولا به ، وقيل أضاء لازم ، يقال : ضاءت النار وأضاءت بمعنى ، فعلى هذا يكون " ما " ظرفا ، وفى " ما " ثلاثة أوجه : أحدها هى بمعنى الذى ، والثانى هى نكرة موصوفة ، أى مكانا حوله ، والثالث هى زائدة .
قوله :( ذهب الله بنورهم ) الباء هنا معدية للفعل كتعدية الهمزة له ، والتقدير أذهب الله نورهم ، ومثله في القرآن كثير ، وقد تأتى الباء في مثل هذا للحال كقولك ذهبت بزيد ، أى ذهبت ومعى زيد .
قوله تعالى :( وتركهم في ظلمات ) تركهم هاهنا يتعدى إلى مفعولين ؛ لان المعنى صيرهم ، وليس المراد به الترك هو الاهمال ، فعلى هذا يجوز أن يكون المفعول الثانى في ظلمات ، فلا يتعلق الجار بمحذوف ويكون لايبصرون حالا ، ويجوز أن يكون لا يبصرون هو المفعول الثانى ، وفى ظلمات ظرف يتعلق بتركهم أو بيبصرون ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يبصرون ، أو من المفعول الاول .
قوله تعالى :( صم بكم ) الجمهور على الرفع على أنه خبر ابتداء محذوف : أى هم صم ، وقرئ شاذا بالنصب على الحال من الضمير في يبصرون .
قوله تعالى :( فهم لا يرجعون ) جملة مستأنفة ، وقيل موضعها حال وهو خطأ ؛ لان ما بعد الفاء لا يكون حالا ؛ لان الفاء ترتب ، والاحوال لا ترتيب فيها ، ويرجعون فعل لازم ، أى لا ينتهون عن باطلهم ، أو لايرجعون إلى الحق ، وقيل هو متعد ومفعوله محذوف تقديره : فهم لايردون جوابا ، مثل قوله :" إنه على رجعه لقادر " .
قوله تعالى :( أو كصيب ) في " أو " أربعة أوجه : أحدها أنها للشك ، وهو راجع إلى الناظر في حال المنافقين ، فلا يدرى أيشبههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب ، كقوله : " إلى مائة ألف أو يزيدون " : أى يشك الرائى لهم في مقدار عددهم ، والثانى أنها للتخيير : أى شبهوهم بأى القبيلتين شئتم ، والثالث أنها للاباحة ، والرابع أنها للابهام ، أى بعض الناس يشبههم بالمستوقد ، وبعضهم بأصحاب الصيب ، ومثله قوله تعالى " كونوا هوداأو نصارى " أى قالت اليهود كونوا هودا ، وقالت النصارى كونوا نصارى ، ولايجوز عند أكثر البصريين أن تحمل " أو " على الواو ، ولاعلى بل ماوجدن ذلك مندوحة والكاف في موضع رفع عطفا على الكاف في قوله: " كمثل الذى " ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف تقديره : أو مثلهم كمثل صيب ، وفى الكلام حذف تقديره : أو كأصحاب صيب ، وإلى هذا المحذوف يرجع الضمير من قوله يجعلون ، والمعنى على ذلك ؛ لان تشبيه المنافقين بقوم أصابهم مطر فيه ظلمة ورعد وبرق لابنفس المطر ، وأصل صيب : صيوب على فيعل ، فأبدلت الواو ياء وأدغمت الاولى فيها ، ومثله: مين وهين ، وقال الكوفيون : أصله صويب على فعيل ، وهو خطأ ؛ لانه لو كان كذلك لصحت الواو كما صحت في طويل وعويل( من السماء ) في موضع نصب " ومن " متعلقة بصيب ؛ لان التقدير : كمطر صيب من السماء ، وهذا الوصف يعمل عمل الفعل ، ومن لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لصيب فيتعلق من بمحذوف : أى كصيب كائن من السماء ، والهمزة في السماء بدل من واو قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة ، ونظائره تقاس عليه ( فيه ظلمات ) الهاء تعود على صيب ، وظلمات رفع بالجار والمجرور ؛ لانه قد قوى بكونه صفة لصيب ، ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ وفيه خبر مقدم ، وفيه على هذا ضمير ، والجملة في موضع جر صفة لصيب ، والجمهور على ضم اللام ، وقد قرئ بإسكانها تخفيفا ، وفيه لغة أخرى بفتح اللام ، والرعد مصدر رعد يرعد ، والبرق مصدر أيضا ، وهما على ذلك موحدتان هنا ، ويجوز أن يكون الرعد
والبرق بمعنى الراعد والبارق كقولهم : رجل عدل وصوم( يجعلون ) يجوز أن يكون في موضع جر صفة لاصحاب صيب ، وأن يكون مستأنفا ، وقيل يجوز أن يكون حالا من الهاء في فيه ، والراجع على الهاء محذوف تقديره من صواعقه وهو بعيد ؛ لان حذف الراجع على ذى الحال كحذفها من خبر المبتدأ ، وسيبويه يعده من الشذوذ ( من الصواعق ) أى من صوت الصواعق( حذر الموت ) مفعول له ، وقيل مصدر : أى يحذرون حذرا مثل حذر الموت ، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول به( محيط ) إصله محوط ؛ لانه من حاط يحوط فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت ياء .
قوله تعالى :( يكاد ) فعل يدل على مقاربة وقوع الفعل بعدها ، ولذلك لم تدخل عليه أن ؛ لان أن تخلص الفعل للاستقبال وعينها واو ، والاصل : يكود ، مثل خاف يخاف ، وقد سمع فيه ، كدت بضم الكاف ، وإذا دخل عليها حرف نفى دل على أن الفعل الذى بعدها وقع ، وإذا لم يكن حرف نفى لم يكن الفعل بعدها واقعا ، ولكنه قارب الوقوع ، وموضع( يخطف ) نصب ؛ لانه خبر كاد ، والمعنى : قارب البرق خطف الابصار ، والجمهور على فتح الياء والطاء وسكون الخاء وماضيه خطف كقوله تعالى :( إلا من خطف الخطفة ) وفيه قراءات شاذة : إحداها كسر الطاء على أن ماضيه خطف بفتح الطاء ، والثانية بفتح الياء والخاء والطاء وتشديد الطاء ، والاصل : يختطف ، فأبدل من التاء طاء وحركت بحركة التاء ، والثالثة كذلك ، إلا أنها بكسر الطاء على مايستحقه في الاصل ، والرابعة كذلك إلا أنها بكسر الخاء أيضا على الاتباع ، والخامسة بكسر الياء أيضا إتباعا أيضا ، والسادسة بفتح الياء وسكون الخاء وتشديد الطاء ، وهو ضعيف لما فيه من الجمع بين الساكنين ( كلما ) هى هنا ظرف ، وكذلك كل موضع كان لها جواب ، و " ما " مصدرية ، والزمان محذوف أى كل وقت إضاءة ، وقيل " ما" هنا نكرة موصوفة ومعناها الوقت ، والعائد محذوف : أى كل وقت أضاء لهم فيه ، والعامل في كل جوابها ، و( فيه ) أى في ضوئه والمعنى بضوئه ، ويجوز أن يكون ظرفا على أصلها ، والمعنى : إنهم يحيط بهم الضوء( شاء ) ألفا منقلبة عن ياء لقولهم في مصدره : شئت شيئا ، وقالوا : أشأته أى حملته على أن يشاء( لذهب بسمعهم ) أى أعدم المعنى الذى يسمعون به ، وعلى كل متعلق ب( قدير ) في موضع نصب .
قوله تعالى :( ياأيها الناس ) أى اسم مبهم لوقوعه على كل شئ أتى به في النداء توصلا إلى نداء مافيه الالف واللام إذا كانت " يا " لاتباشر الالف واللام ، وبنيت ؛ لانها اسم مفرد مقصود وها مقحمة للتنبيه ؛ لان الاصل أن تباشر " يا " الناس ، فلما حيل بينهما بأى عوض من ذلك " ها " والناس وصف لاى لابد منه ؛ لانه المنادى في المعنى ، ومن هاهنا رفع ، ورفعه أن يجعل بدلا من ضمة البناء ، وأجاز المازنى نصبه كما يجيز : يازيد الظريف ، وهو ضعيف لما قدمنا من لزوم ذكره ، والصفة لايلزم ذكرها( من قبلكم ) من هنا لابتداء الغاية في الزمان ، والتقدير : والذين خلقهم من قبل خلقكم ، فحذف الخلق وأقام الضمير مقامه( لعلكم ) متعلق في المعنى باعبدوا ، أى اعبدوه ليصح منكم رجاء التقوى ، والاصل توتقيون ، فأبدل من الواو تاء وأدغمت في التاء الاخرى وسكنت الياء ثم حذفت ، وقد تقدمت نظائره ، فوزنه الآن تفتعون .
قوله تعالى : ( الذى جعل ) هو في موضع نصب بتتقون أو بدل من ربكم ، أو صفة مكررة ، أو بإضمار أعنى ، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار هو الذى ، وجعل هنا متعد إلى مفعول واحد وهو الارض ، وفراشا حال ، ومثله : والسماء بناء ، ويجوز أن يكون جعل بمعنى صير فيتعدى إلى مفعولين ، وهما الارض وفراشا ومثله : والسماء بناء ، ولكم متعلق بجعل ، أى لاجلكم( من السماء ) متعلق بأنزل ، وهى لابتداء غاية المكان ، ويجوز أن يكون حالا ، والتقدير : ماء كائنا من السماء ، فلما قدم الجار صار حالا وتعلق بمحذوف ، والاصل في ماء موه لقولهم : ماهت الركية تموه ، وفى الجمع أمواه ، فلما تحركت الواو وانفتح ماقبلها قلبت ألفا ثم أبدلوا من الهاء همزة وليس بقياس ( من الثمرات ) متعلق بأخرج فيكون من لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في موضع الحال تقديره رزقا كائنا من الثمرات و( لكم ) أى من أجلكم والرزق هنا بمعنى المرزوق ، وليس بمصدر( فلا تجعلوا ) أى لاتصيروا أو لاتسمعوا فيكون متعديا إلى مفعولين ، والانداد جمع ند ونديد ( وأنتم تعلمون ) مبتدأ وخبر في موضع الحال ، ومفعول تعلمون محذوف ، أى تعلمون بطلان ذلك والاسم من أنتم أن ، والتاء للخطاب ، والميم للجمع ، وهما حرفا معنى .
قوله تعالى :( وإن كنتم ) جواب للشرط " فأتوا بسورة " و " إن كنتم صادقين " شرط أيضا جوابه محذوف أغنى عنه جواب الشرط الاول : أى إن كنتم صادقين فافعلوا ذلك ، ولاتدخل إن الشرطية على فعل ماض في المعنى ، إلا على كان لكثرة استعمالها ، وأنها لاتدل على حدث( مما نزلنا ) في موضع جر صفة لريب : أى ريب كائن مما نزلنا ، والعائد على " ما " محذوف : أى نزلناه و " ما " بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، ويجوز أن يتعلق " من " بريب : أى إن ارتبتم من أجل مانزلنا( فأتوا ) أصله : ائتيوا ، وماضيه أتى ، ففاء الكلمة همزة ، فإذا أمرت زدت عليها همزة الوصل مكسورة فاجتمعت همزتان والثانية ساكنة ، فأبدلت الثانية ياء لئلا يجمع بين همزتين ، وكانت الياء الاولى للكسرة قبلها ، فإذا اتصل بها شئ حذفت همزة الوصل استغناء عنها ثم همزة الياء ؛ لانك أعدتها إلى أصلها لزوال الموجب لقلبها ! ويجوز قلب هذه الهمزة ألفا إذا انفتح ماقبلها مثل هذه الآية ، وياء إذا انكسر ماقبلها كقوله : الذى ايتمن ، فتصيرها ياء في اللفظ ، وواوا إذا انضم ماقبلها كقوله : ياصالح أوتنا ، ومنهم من يقول : ذن لى( من مثله ) الهاء تعود على النبى صلى الله عليه وسلم ، فيكون من للابتداء ، ويجوز أن تعود على القرآن فتكون من زائدة ، ويجوز أن تعود على الانداد بلفظ المفرد كقوله تعالى " وان لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه "( وادعوا ) لام الكلمة محذوف ؛ لانه حذف في الواحد دليلا
على السكون الذى هو جزم في المعرب ، وهذه الواو ضمير الجماعة( من دون الله ) في موضع الحال من الشهداء والعامل فيه محذوف تقديره شهداءكم منفردين عن الله أو عن أنصار الله .
قوله تعالى :( فإن لم تفعلوا ) الجزم بلم لا بإن ؛ لان لم عامل شديد الاتصال بمعموله ولم يقع إلا مع الفعل المستقبل في اللفظ ، وإن قد دخلت على الماضى في اللفظ وقد وليها الاسم كقوله تعالى " وان أحد من المشركين " ( وقودها الناس ) الجمهور على فتح الواو وهو الحطب ، وقرئ بالضم وهو لغة في الحطب ، والجيد أن يكون مصدرا بمعنى التوقد ، ويكون في الكلام حذف مضاف تقديره توقدها واحتراق للناس ، أو تلهب الناس أوذو وقودها الناس ( أعدت ) جملة في موضع الحال من النار ، والعامل فيها فاتقوا
ولايجوز أن يكون حالا من الضمير في وقودها لثلاثة أشياء : أحدها أنها مضاف إليها والثانى أن الحطب لايعمل في الحال ، والثالث أنك تفصل بين المصدر أو ماعمل عمله وبين مايعمل فيه بالخبر وهو الناس .
قوله تعالى : ( أن لهم جنات ) فتحت أن هاهنا ؛ لان التقدير لهم ، وموضع أن وماعملت فيه نصب ببشر ؛ لان حرف الجر إذا حذف وصل الفعل بنفسه هذا مذهب سيبويه ، وأجاز الخليل أن يكون في موضع جر بالباء المحذوفة ؛ لانه موضع تزاد فيه ، فكأنها ملفوظ بها ، ولايجوز ذلك مع غير أن لو قلت بشره بأنه مخلد في الجنة جاز حذف الباء لطول الكلام ، ولو قلت بشره الخلود لم يجز وهذا أصل يتكرر في القرآن كثيرا فتأمله واطلبه هاهنا( تجرى من تحتها الانهار ) الجملة في موضع نصب صفة للجنات ، والانهار مرفوعة بتجرى لابالابتداء وأن ، من تحتها الخبر ولابتحتها ؛ لان تجرى لاضمير فيه إذا كانت الجنات لاتجرى وإنما تجرى أنهارها ، والتقدير من تحت شجرها لامن تحت أرضها فحذف المضاف ، ولو قيل إن الجنة هى الشجر فلا يكون في الكلام حذف لكان وجها( كلما رزقوا منها ) إلى قوله من قبل في موضع نصب على الحال من الذين آمنوا تقديره مرزوقين على الدوام ، ويجوز أن يكون حالا من الجنات ؛ لانها قد وصفت وفى الجملة ضمير يعود إليها ، وهو قوله منها( رزقنا من قبل ) أى رزقناه فحذف العائد ، وبنيت قبل لقطعها عن الاضافة ؛ لان التقدير من قبل هذا( وأتوا به ) يجوز أن يكون حالا وقد معه مرادة تقديره قالوا ذلك ، وقد أتوا به ويجوز أن يكون مستأنفا و( متشابها ) حال من الهاء في به( ولهم فيها أزواج ) أزواج مبتدأ ولهم الخبر ، وفيها ظرف للاستقرار ، ولايكون فيها الخبر ؛ لان الفائدة تقل إذ الفائدة في جعل الازواج لهم و ( فيها ) الثانية تتعلق ب( خالدون ) وهاتان الجملتان مستأنفتان ويجوز أن تكون الثانية حالا من الهاء والميم في لهم ، والعامل فيها معنى الاستقرار .
قوله تعالى :( لايستحيى ) وزنه يستفعل ولم يستعمل منه فعل بغير السين ، وليس معناه الاستدعاء وعينه ولامه ياءان ، وأصله الحياء وهمزة الحياء بدل من الياء ، وقرئ في الشاذ يستحى بياء واحدة والمحذوفة هى اللام كما تحذف في الجزم ، ووزنه على هذا يستفع ، إلا أن الياء نقلت حركتها إلى العين وسكنت ، وقيل المحذوف هى العين وهو بعيد( أن يضرب ) أى من أن يضرب ، فموضعه نصب عند سيبويه وجر عند الخليل
( ما ) حرف زائد للتوكيد و( بعوضة ) بدل من مثلا ، وقيل مانكرة موصوفة ، وبعوضة بدل من " ما " ويقرأ شاذا بعوضة بالرفع على أن تجعل مابمعنى الذى ، ويحذف المبتدأ ، أى الذى هو بعوضة ، ويجوز أن يكون ماحرفا ويضمر المبتدأ تقديره : مثلا هو بعوضة( فما فوقها ) الفاء للعطف ، ومانكرة موصوفة ، أو بمنزلة الذى ، والعامل في فوق على الوجهين الاستقرار ، والمعطوف عليه بعوضة( أما ) حرف ناب عن حرف الشرط وفعل الشرط ، ويذكر لتفصيل ماأجمل ، ويقع الاسم بعده مبتدأ وتلزم الفاء خبره ، والاصل مهما يكن من شئ فالذين آمنوا يعلمون ، لكن لما نابت أما عن حرف الشرط كرهوا أن يولوها الفاء فأخروها إلى الخبر ، وصار ذكر المبتدإ بعدها عوضا من اللفظ بفعل الشرط( من ربهم ) في موضع نصب على الحال : والتقدير : أنه ثابت أو مستقر من ربهم ، والعامل معنى الحق ، وصاحب الحال الضمير المستتر فيه( ماذا ) فيه قولان : أحدهما أن " ما " اسم للاستفهام موضعها رفع بالابتداء ، وذا بمعنى الذى و( أراد ) صلة له ، والعائد محذوف ، والذى وصلته خبر المبتدإ ، والثانى أن " ما وذا " اسم واحد للاستفهام ، وموضعه نصب بأراد ، ولاضمير في الفعل ، والتقدير أى شئ أراد الله( مثلا ) تمييز : أى من مثل ، ويجوز أن يكون حالا من هذا : أى متمثلا أو متمثلا به ، فيكون حالا من اسم الله( يضل ) يجوز أن يكون في موضع نصب صفة للمثل ، ويجوز أن يكون حالا من اسم الله ، ويجوز أن يكون مستأنفا( إلا الفاسقين ) مفعول يضل ، وليس بمنصوب على الاستثناء ؛ لان يضل لم يستوف مفعوله قبل إلا .
قوله تعالى : ( الذين ينقضون ) في موضع نصب صفة للفاسقين ، ويجوز أن يكون نصبا بإضمار أعنى ، وان يكون رفعا على الخبر ، أى هم الذين ، ويجوز أن يكون مبتدأ والخبرقوله : " أولئك هم الخاسرون " ( من بعد ) من لابتداء غاية الزمان على رأى من أجاز ذلك ، وزائدة على رأى من لم يجزه ، وهو مشكل على أصله ؛ لانه لايجيز زيادة من في الواجب( ميثاقه ) مصدر بمعنى الايثاق ، والهاء تعود على اسم الله أو على العهد ، فإن أعدتها إلى اسم الله كان المصدر مضافا إلى الفاعل ، وإن أعدتها إلى العهد كان مضافا إلى المفعول( ماأمر ) مابمعنى الذى ، ويجوز أن يكون نكرة موصوفة ، و( أن يوصل ) في موضع جر بدلا من الهاء ، أى يوصله ، ويجوز أن يكون بدلا من مابدل
الاشتمال تقديره : ويقطعون وصل ماأمر الله به ، ويجوز أن يكون في موضع رفع : أى هو أن يوصل ( أولئك ) مبتدأ و( هم ) مبتدأ ثان أو فصل ، و ( الخاسرون ) الخبر .
قوله تعالى :( كيف تكفرون بالله ) كيف في موضع نصب على الحال ، والعامل فيه تكفرون ، وصاحب الحال الضمير في تكفرون ، والتقدير : أمعاندين تكفرون ، ونحو ذلك ، وتكفرون يتعدى بحرف الجر ، وقد عدى بنفسه في قوله " ألا إن عادا كفروا ربهم " وذلك حمل على المعنى إذ المعنى جحدوا( وكنتم ) قد معه مضمرة والجملة حال( ثم إليه ) الهاء ضمير اسم الله، ويجوز أن يكون ضمير الاحياء المدلول عليه بقوله" فأحياكم " .
قوله تعالى :( جميعا ) حال في معنى مجتمعا( فسواهن ) إنما جمع الضمير ؛ لان السماء جمع سماوة أبدلت الواو فيها همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة( سبع سموات ) سبع منصوب على البدل من الضمير ، وقيل التقدير : فسوى منهن سبع سموات ، كقوله : واختار موسى قومه ـ فيكون مفعولا به ، وقيل سوى بمعنى صير فيكون مفعولا ثانيا( وهو ) يقرأ بإسكان الهاء وأصلها الضم ، وإنما أسكنت لانها صارت كعضد فخففت ، وكذلك حالها مع الفاء واللام نحو فهو لهو ، ويقرأ بالضم على الاصل .
قوله تعالى :( وإذ قال ) هو مفعول به تقديره : واذكر إذ قال : وقيل هو خبر مبتدإ محذوف تقديره وابتداء خلقى إذ قال ربك ، وقيل إذ زائدة و ( للملائكة ) مختلف في واحدها وأصلها .
فقال قوم أحدهم في الاصل مألك على مفعل ؛ لانه مشتق من الالوكة وهى الرسالة ومنه قول الشاعر :
وغلام أرسلته أمه |
بألوك فبذلنا ماسأل |
فالهمزة فاء الكلمة ، ثم أخرت فجعلت بعد اللام فقالوا : ملاك قال الشاعر :
فلست لانسى ولكن لملاك |
تنزل من جو السماء يصوب |
فوزنه الآن معفل والجمع ملائكة على معافلة .
وقال آخرون أصل الكلمة لاك فعين الكلمة همزة ، وأصل ملك : ملاك من غير نقل ، وعلى كلا القولين ألقيت حركة الهمزة على اللام وحذفت فلما جمعت ردت ، فوزنه الآن مفاعلة ، وقال آخرون عين الكلمة واو ، وهو من لاك يلوك إذا أدار الشئ في فيه ، فكأن صاحب الرسالة يديرها في فيه فيكون أصل ملك : ملاك مثل معاذ ، ثم حذفت عينه تخفيفا ، فيكون أصل ملائكة : ملاوكة ، مثل مقاولة ، فأبدلت الواو همزة ، كما أبدلت واو مصائب .
وقال آخرون : ملك فعل من الملك ، وهى القوة ، فالميم أصل ، ولاحذف فيه ، لكنه جمع على فعائلة شاذا( جاعل ) يراد به الاستقبال فلذلك عمل ، ويجوز أن يكون بمعنى خالق ، فيتعدى إلى مفعول واحد ، وأن يكون بمعنى مصير فيتعدى إلى مفعولين ويكون( في الارض ) هو الثانى( خليفة ) فعيلة بمعنى فاعل ، أى يخلف غيره ، وزيدت الهاء للمبالغة( أتجعل ) الهمزة للاسترشاد ، أى تجعل فيها من يفسد كمن كان فيها من قبل ، وقيل استفهموا عن أحوال أنفسهم ، أى أتجعل فيها مفسدا ونحن على طاعتك أو نتغير( يسفك ) الجمهور على التخفيف وكسر الفاء ، وقد قرئ بضمها وهى لغتان ، ويقرأ بالتشديد للتكثير ، وهمزة( الدماء ) منقلبة عن ياء ؛ لان الاصل دمى ؛ لانهم قالوا دميان( بحمدك ) في موضع الحال تقديره : نسبح مشتملين بحمدك أو متعبدين بحمدك( ونقدس لك ) أى لاجلك ، ويجوز أن تكون اللام زائدة : أى نقدسك ، ويجوز أن تكون معدية للفعل كتعدية الباء مثل سجدت لله( إني أعلم ) الاصل إننى ، فحذفت النون الوسطى لا نون الوقاية ، هذا هو الصحيح ، وأعلم : يجوز أن يكون فعلا ويكون " ما " مفعولا ، إما بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، والعائد محذوف ، ويجوز أن يكون اسما مثل أفضل ، فيكون " ما " في موضع جر بالاضافة ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بأعلم كقولهم : هؤلاء حواج بيت الله ، بالنصب والجر ، وسقط التنوين ؛ لان هذا الاسم لاينصرف ، فإن قلت : أفعل لاينصب مفعولا .
قيل : إن كانت من معه مرادة لم ينصب ، وأعلم هنا بمعنى عالم ، ويجوز أن يريد بأعلم : أعلم منكم ، فيكون " ما " في موضع نصب بفعل محذوف دل عليه الاسم ، ومثله قوله " هو أعلم من يضل عن سبيله " .
قوله تعالى :( وعلم ) يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون معطوفا على " قال ربك " وموضعه جر كموضع قال ، وقوى ذلك إضمار الفاعل ، وقرئ " وعلم آدم " على مالم يسم فاعله ، وآدم أفعل ، والالف فيه مبدلة من همزة هى فاء الفعل ؛ لانه مشتق من أديم الارض أو من الادمة ، ولايجوز أن يكون وزنه فاعلا ، إذ لو كان كذلك لانصرف مثل عالم وخاتم ، والتعريف وحده لايمنع وليس بأعجمى( ثم عرضهم ) بعنى أصحاب الاسماء فلذلك ذكر الضمير ( هؤلاء إن كنتم ) يقرأ بتحقيق الهمزتين على الاصل ، ويقرأ بهمزة واحدة ، قيل المحذوفة هى الاولى ؛ لانها لام الكلمة والاخرى أول الكلمة الاخرى وحذف الآخر أولى ، وقيل المحذوفة الثانية ؛ لان الثقل بها حصل ، ويقرأ بتليين الهمزة الاولى وتحقيق الثانية وبالعكس ، ومنهم من يبدل الثانية ياء ساكنة كأنه قدرهما في كلمة واحدة طلبا للتخفيف .
قوله تعالى :( سبحانك ) سبحان اسم واقع موقع المصدر ، وقد اشتق منه سبحت والتسبيح ، ولايكاد يستعمل إلا مضافا ؛ لان الاضافة تبين من المعظم ، فإن أفرد عن الاضافة كان اسما علما للتسبيح لاينصرف للتعريف ، والالف والنون في آخره مثل عثمان ، وقد جاء في الشعر منونا على نحو تنوين العلم إذا نكر ومايضاف إليه مفعول به ؛ لانه المسبح ، ويجوز أن يكون فاعلا ؛ لان المعنى تنزهت، وانتصابه على المصدر بفعل محذوف تقديره : سبحت الله تسبيحا ( إلا ماعلمتنا ) مامصدرية أى إلا علما علمتناه ، وموضعه رفع على البدل من موضع لا علم ، كقولك لاإله إلا الله ، ويجوز أن تكون " ما " بمعنى الذى ، ويكون علم بمعنى معلوم : أى لامعلوم لنا إلا الذى علمتناه ، ولايجوز أن تكون " ما " في موضع نصب بالعلم ؛ لان اسم " لا " إذا عمل فيما بعده لايبنى( إنك أنت العليم ) أنت مبتدأ والعليم خبره ، والجملة خبر إن ، ويجوز أن يكون أنت توكيد للمنصوب ، ووقع بلفظ المرفوع لانه هو الكاف في المعنى ولايقع هاهنا إياك للتوكيد ؛ لانها لو وقعت لكانت بدلا ، وإياك لم يؤكد بها ، ويجوز أن يكون فصلا لاموضع لها من الاعراب ، و( الحكيم ) خبر ثان أو صفة للعليم على قول من أجاز صفة الصفة ، وهو صحيح ؛ لان هذه الصفة هى الموصوف في المعنى ، والعليم بمعنى العالم ، وأما الحكيم فيجوز أن يكون بمعنى الحاكم ، وأن يكون بمعنى المحكم .
قوله تعالى :( أنبئهم ) يقرأ بتحقيق الهمزة على الاصل ، وبالياء على تليين الهمزة ، ولم نقلبها قلبا قياسيا ؛ لانه لو كان كذلك لحذفت الياء كما تحذف من قولك أبقهم كما بقيت ، وقد قرئ " آنبهم " بكسر الباء من غير همزة ولاياء ، على أن يكون إبدال الهمزة ياء إبدالا قياسيا ، وأنبأ يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد ، وإلى الثانى بحرف الجر ، وهو قوله :( بأسمائهم ) وقد يتعدى بعن كقولك : أنبأته عن حال زيد وأما قوله تعالى: " قد نبأنا الله من أخباركم " فيذكر في موضعه ،( وأعلم ماتبدون ) مستأنف وليس بمحكى بقوله :( ألم أقل لكم ) ويجوز أن يكون محكيا أيضا ، فيكون في موضع نصب ، وتبدون وزنه تفعون ، والمحذوف منه لامه وهى واو ؛ لانه من بدا يبدو ، والاصل في الياء التى في( إنى ) أن تحرك بالفتح ؛ لانها اسم مضمر على حرف واحد ، فتحرك مثل الكاف في إنك ، فمن حركها أخرجها على الاصل ، ومن سكنها استثقل حركة الياء بعد الكسرة .
قوله تعالى :( للملائكة اسجدوا ) الجمهور على كسر التاء ، وقرئ بضمها وهى قراءة ضعيفة جدا ، وأحسن ماتحمل عليه أن يكون الراوى لم يضبط على القارئ ، وذلك أن يكون القارئ أشار إلى الضم تنبيها على أن الهمزة المحذوفة مضمومة في الابتداء ، ولم يدرك الراوى هذه الاشارة ، وقيل إنه نوى الوقف على التاء الساكنة ثم حركها بالضم إتباعا لضمة الجيم ، وهذا من إجراء الوصل مجرى الوقف ، ومثله ماحكى عن امرأة رأت نساء معهن رجل فقالت : أفى سوأة أنتنه ، بفتح التاء ، وكأنها نوت الوقف على التاء ، ثم ألقت عليها حركة الهمزة فصارت مفتوحة( إلا إبليس ) استثناء منقطع ؛ لانه لم يكن من الملائكة ، وقيل هو متصل ؛ لانه كان في الابتداء ملكا وهو اسم أعجمى لاينصرف للعجمة والتعريف ، وقيل هو عربى واشتقاقه من الابلاس ولم ينصرف للتعريف ، وأنه لانظير له في الاسماء ، وهذا بعيد ، على أن في الاسماء مثله نحو : إخريط وإجفيل وإصليت ونحوه ، وأبى في موضع نصب على الحال من إبليس تقديره : ترك السجود كارها له ومستكبرا( وكان من الكافرين ) مستأنف ، ويجوز أن يكون في موضع حال أيضا .
قوله :( اسكن أنت وزوجك ) أنت توكيد للضمير في الفعل أتى به ليصح العطف عليه ، والاصل في( كل ) أأكل مثل أقتل إلا أن العرب حذفت الهمزة الثانية تخفيفا ،
ومثله خذ ، ولايقاس عليه ، فلا تقول في الامر من أجر يأجر جر ، وحكى سيبويه أو كل شاذا( منها ) أى من ثمرتها ، فحذف المضاف ، وموضعه نصب بالفعل قبله ، ومن لابتداء الغاية و( رغدا ) صفة مصدر محذوف : أى أكلا رغدا أى طيبا هنيئا ، ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال تقديره : كلا مستطيبين متهنئين( حيث ) ظرف مكان ، والعامل فيه كلا ، ويجوز أن يكون بدلا من الجنة فيكون حيث مفعولا به ؛ لان الجنة مفعول وليس بظرف ؛ لانك تقول سكنت البصرة وسكنت الدار ، بمعنى نزلت ، فهو كقولك انزل من الدار حيث شئت( هذه الشجرة ) الهاء بدل من الياء في هذى ؛ لانك تقول في المؤنث هذى وهاتا وهاتى ، والياء للمؤنث مع الذال لاغير ، والهاء بدل منها ؛ لانها تشبهها في الخفاء والشجرة نعت لهذه ، وقرئ في الشاذ " هذه الشيرة " وهى لغة أبدلت الجيم فيها ياء لقربها منها في المخرج( فتكونا ) جواب النهى ؛ لان التقدير : إن تقربا تكونا ، وحذف النون هنا علامة النصب ؛ لان جواب النهى إذا كان بالفاء فهو منصوب ، ويجوز أن يكون مجزوما بالعطف .
قوله تعالى : ( فأزلهما ) يقرأ بتشديد اللام من غير ألف : أى حملها على الزلة ، ويقرأ" فأزلهما " أى نحاهما ، وهو من قولك : زال الشئ يزول إذا فارق موضعه وأزلته نحيته ، وألفه منقلبة عن واو( مما كانا فيه ) مابمعنى الذى ، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة : أى من نعيم أو عيش( اهبطوا ) الجمهور على كسر الباء وهى اللغة الفصيحة ، وقرئ بضمها ، وهى لغة ( بعضكم لبعض عدو ) جملة في موضع الحال من الواو في اهبطوا أى اهبطوا متعادين ، واللام متعلقة بعدو ؛ لان التقدير بعضكم عدو لبعض ، ويعمل عدو عمل الفعل لكن بحذف الجر ، ويجوز أن يكون صفة لعدو ، فلما تقدم عليه صار حالا ، ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة ، وأما إفراد عدو فيحتمل أن يكون لما كان بعضكم مفردا في اللفظ أفرد عدو ، ويحتمل أن يكون وضع الواحد موضع الجمع كما قال : " فإنهم عدو لى "( ولكم في الارض مستقر ) يجوز أن يكون مستأنفا ، ويجوز أن يكون حالا أيضا ، وتقديره : اهبطوا متعادين مستحقين الاستقرار ، ومستقر يجوز أن يكون مصدرا بمعنى الاستقرار ، ويجوز أن يكون مكان الاستقرار ، و( إلى حين ) يجوز أن يكون في موضع رفع صفة لمتاع فيتعلق بمحذوف ويجوز أن يكون في موضع نصب بمتاع ؛ لانه في حكم المصدر والتقدير وأن تمتعوا إلى حين .
قوله تعالى :( فتلقى آدم ) يقرأ برفع آدم ونصب كلمات ، وبالعكس ؛ لان كل ماتلقاك فقد تلقيته ، و( من ربه ) يجوز أن يكون في موضع نصب بتلقى ، ويكون لابتداء الغاية ، ويجوز أن يكون في الاصل صفة لكلمات تقديره : كلمات كائنة من ربه ، فلما قدمها انتصبت على الحال( إنه هو التواب ) هو هاهنا مثل أنت في " إنك أنت العليم الحكيم " وقد ذكر قوله( منها جميعا ) حال : أى مجتمعين إما في زمن واحد أو في أزمنة ، بحيث يشتركون في الهبوط( فإما ) إن حرف شرط ، وما حرف مؤكد له ، و( يأتينكم ) فعل الشرط مؤكد بالنون الثقلية ، والفعل يصير بها مبنيا أبدا ، وماجاء في القرآن من أفعال الشرط عقيب إما كله مؤكد بالنون وهو القياس ؛ لان زيادة " ما " تؤذن بإرادة شدة التوكيد ، وقد جاء في الشعر غير مؤكد بالنون ، وجواب الشرط( فمن تبع ) وجوابه ، ومن في موضع رفع بالابتداء ، والخبر تبع ، وفيه ضمير فاعل يرجع على من ، وموضع تبع جزم بمن .
والجواب( فلا خوف عليهم ) وكذلك كل اسم شرطت به وكان مبتدأ فخبره فعل الشرط لاجواب الشرط ، ولهذا يجب أن يكون فيه ضمير يعود على المبتدإ ، ولايلزم ذلك الضمير في الجواب حتى لو قلت : من يقم أكرم زيدا جاز ، ولو قلت : من يقم زيدا أكرمه ، وأنت تعيد الهاء إلى من لم يجز .
وذهب قوم إلى أن الخبر هو فعل الشرط والجواب ، وقيل الخبر منهما ماكان فيه ضمير يعود على من ، وخوف مبتدأ وعليهم الخبر ، وجاز الابتداء بالنكرة لما فيه من معنى العموم بالنفى الذى فيه ، والرفع والتنوين هنا أوجه
من البناء على الفتح لوجهين : أحدهما أنه عطف عليه مالايجوز فيه إلا الرفع ، وهو قوله :( ولاهم ) ؛ لانه معرفة ، ولا لاتعمل في المعارف ، فالاولى أن يجعل المعطوف عليه كذلك ليتشاكل الجملتان ، كما قالوا في الفعل المشغول بضمير الفاعل نحو : قام زيد وعمرا كلمته ، فإن النصب في عمرو أولى ليكون منصوبا بفعل ، كما أن المعطوف عليه عمل فيه الفعل والوجه الثانى من جهة المعنى ، وذلك بأن البناء يدل على نفى الخوف عنهم بالكلية وليس المراد ذلك ، بل المراد نفيه عنهم في الآخرة .
فإن قيل : لم لايكون وجه الرفع أن هذا الكلام مذكور في جزاء من اتبع الهدى ولايليق أن ينفى عنهم الخوف اليسير ، ويتوهم ثبوت الخوف الكثير .
قيل : الرفع يجوز أن يضمر معه نفى الكثير تقديره : لاخوف كثير عليهم فيتوهم ثبوت الياء القليل ، وهو عكس ماقدر في السؤال .
فبان أن الوجه في الرفع ماذكرنا( هداى ) المشهور إثبات الالف قبل على لفظ المفرد قبل الاضافة ، ويقرأ هدى بياء مشددة، ووجهها أن ياء المتكلم يكسر ماقبلها في الاسم الصحيح والالف لايمكن كسرها فقلبت ياء من جنس الكسرة ثم أدغمت .
قوله :( بآياتنا ) الاصل في آية : أية ؛ لان فاءها همزة وعينها ولامها ياء ان ؛ لانها من تأيا القوم إذا اجتمعوا وقالوا في الجمع آياء ، فظهرت الياء الاولى والهمزة الاخيرة يدل من ياء ووزنه أفعال ، والالف الثانية مبدلة من همزة هى فاء الكلمة ، ولو كانت عينها واوا لقالوا : آواء ، ثم إنهم أبدلوا الياء الساكنة في أية ألفا على خلاف القياس .
ومثله غاية وثاية ، وقيل أصلها أييه ، ثم قلبت الياء الاولى ألفا لتحركها وانفتاح ماقبلها ، وقبل أصلها أيية بفتح الاولى والثانية ، ثم فعل في الياء ماذكرنا وكلا الوجهين فيه نظر ؛ لان حكم الياءين إذا اجتمعتا في مثل هذا أن تقلب الثانية لقربها من الطرف .
وقيل أصلها أيية على فاعلة ، وكان القياس أن تدغم فيقال آية مثل دابة ، إلا أنها خففت كتخفيف كينونة في كينونة ، وهذا ضعيف ؛ لان التخفيف في ذلك البناء كان لطول الكلمة( أولئك ) مبتدأ و( أصحاب النار ) خبره ، و( هم فيها خالدون ) مبتدأ وخبر في موضع الحال من أصحاب ، وقيل يجوز أن يكون حالا من النار ؛ لان في الجملة ضميرا يعود عليها ، ويكون العامل في الحال معنى الاضافة ، أو اللام المقدرة .
قوله تعالى :( يابنى إسرائيل ) إسرائيل لاينصرف ؛ لانه علم أعجمى ، وقد تكلمت به العرب بلغات مختلفة ، فمنهم من يقول إسرائيل بهمزة بعدها ياء بعدها لام ، ومنهم من يقول كذلك ، لا أنه يقلب الهمزة ياء ومنهم من يبقى الهمزة ويحذف الياء ومنهم من يحذفها فيقول إسرال ، ومنهم من يقول إسرائين بالنون ، وبنى جمع ابن جمع جمع السلامة ، وليس بسالم في الحقيقة ؛ لانه لم يسلم لفظ واحده في جمعه ، وأصل الواحد بنو على فعل بتحريك العين ، لقولهم في الجمع أبناء كجبل وأجبال ولامه واو .
وقال قوم : لامه ياء ولاحجة في البنوة ؛ لانهم قد قالوا الفتوة وهى من الياء( أنعمت عليكم ) الاصل أنعمت بها ، ليكون الضمير عائدا على الموصول ، فحذفت حرف الجر
فصار أنعمتها ، ثم حذف الضمير كما حذف في قوله : " أهذا الذى بعث الله رسولا "( وأوفوا ) يقال في الماضى وفى ووفى وأوفى ، ومن هنا قرئ( أوف بعهدكم ) وأوف بالتخفيف والتشديد( وإياى ) منصوب بفعل محذوف دل عليه( فارهبون ) تقديره : وارهبوا إياى فارهبون ، ولايجوز أن يكون منصوبا بارهبون ؛ لانه قد تعدى إلى مفعوله .
قوله :( مصدقا ) حال مؤكدة من الهاء المحذوفة في أنزلت ، و( معكم ) منصوب على الظرف ، والعامل فيه الاستقرار( أول ) هى أفعل وفاؤها وعينها واوان عند سيبويه ، ولم ينصرف منها فعل لاعتلال الفاء والعين وتأنيثها أولى ، وأصلها وول فأبدلت الواو همزة لانضمامها ضما لازما ، ولم تخرج على الاصل كما خرج وقتت ووجوه كراهية اجتماع الواوين
وقال بعض الكوفيين : أصل الكلمة من وأل : يأل إذا نجا فأصلها أوأل ، ثم خففت الهمزة بأن أبدلت واوا ثم أدغمت الاولى فيها .
وهذا ليس بقياس ، بل القياس في تخفيف مثل هذه الهمزة أن تلقى حركتها على الساكن قبلها وتحذف ، وقال بعضهم من آل يئول ، فأصل الكلمة أول ، ثم أخرت الهمزة الثانية فجعلت بعد الواو ، ثم عمل فيها ماعمل في الوجه الذى قبله فوزنه الآن أعفل( كافر ) لفظه واحد وهو في معنى الجمع : أى أول الكفار كما يقول هو أحسن رجل ، وقيل التقدير : أول فريق كافر .
قوله تعالى :( وتكتموا الحق ) هو مجزوم بالعطف على : ولاتلبسوا ويجوز أن يكون نصبا على الجواب بالواو أى لاتجمعوا بينهما كقولك لاتأكل السمك وتشرب اللبن( وأنتم تعلمون ) في موضع نصب على الحال ، والعامل لاتلبسوا وتكتموا .
قوله تعالى :( وأقيموا الصلاة ) أصل أقيموا أقوموا فعمل فيه ماذكرناه في قوله :" ويقيمون الصلاة " في أول السورة( وآتوا الزكاة ) أصله آتيوا فاستثقلت الضمة على الياء فسكنت وحذفت لالتقاء الساكنين ، ثم حركت التاء بحركة الياء المحذوفة ، وقيل ضمت تبعا للواو كما ضمت في اضربوا ونحوه ، وألف الزكاة منقلبة عن واو لقولهم : زكا الشئ يزكو ، وقالوا في الجمع زكوات( مع الراكعين ) ظرف .
قوله تعالى :( وتنسون ) أصله تنسيون ، ثم عمل فيه ماذكرناه في قوله تعالى :" اشتروا الضلالة " ( أفلا تعقلون ) استفهام في معنى التوبيخ ولاموضع له .
قوله تعالى :( واستعينوا ) أصله استعونوا ، وقد ذكر في الفاتحة( وإنها ) الضمير للصلاة ، وقيل للاستعانة ؛ لان استعينوا يدل عليها ، وقيل على القبلة لدلالة الصلاة عليها ، وكان التحول إلى الكعبة شديدا على اليهود( إلا على الخاشعين ) في موضع نصب بكبيرة ، وإلا دخلت للمعنى ولم تعمل ؛ لانه ليس قبلها مايتعلق بكبيرة ليستثنى منه. فهو كقولك هو كبير على زيد .
قوله تعالى :( الذين يظنون ) صفة للخاشعين ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار أعنى ، ورفع بإضمارهم( أنهم ) أن واسمها وخبرها ساد مسد المفعولين لتضمنه مايتعلق به الظن وهو اللقاء .
وذكر من أسند إليه اللقاء .
وقال الاخفش : أن وماعملت فيه مفعول واحد ، وهو مصدر ، والمفعول الثانى محذوف تقديره : يظنون لقاء الله واقعا( ملاقوا ) أصله ملاقيوا ، ثم عمل فيه ماذكرنا في غير موضع وحذفت النون تخفيفا ؛ لانه نكرة إذا كان مستقبلا ، ولما حذفها أضاف( إليه ) الهاء ترجع إلى الله ، وقيل إلى اللقاء الذى دل عليه ملاقوا .
قوله تعالى :( وأنى فضلتكم ) في موضع نصب تقديره : واذكروا تفضيلى إياكم : قوله تعالى :( واتقوا يوما ) يوما هنا مفعول به ؛ لان الامر بالتقوى لايقع في يوم القيامة ، والتقدير : واتقوا عذاب يوم أو نحو ذلك( لاتجزى نفس ) الجملة في موضع نصب صفة اليوم ، والعائد محذوف تقديره : تجزى فيه .
ثم حذف الجار والمجرور عند سيبويه ؛ لان الظروف يتسع فيها ، ويجوز فيها مالايجوز في غيرها ، وقال غيره تحذف " في " فتصير تجزيه ، فإن وصل الفعل بنفسه حذف المفعول به بعد ذلك( عن نفس ) في موضع نصب بتجزى ، ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال ، على أن يكون التقدير : شيئا عن نفس و( شيئا ) هنا في حكم المصدر ؛ لانه وقع موقع جزاء ، وهو كثير في القرآن ؛ لان الجزاء شئ فوضع العام موضع الخاص( ولايقبل منها شفاعة ولايؤخذ منها عدل ) أى فيه وكذلك( ولاهم ينصرون ) ، ومنها في الموضعين يجوز أن يكون متعلقا بيقبل ويؤخذ ، ويجوز أن يكون صفة لشفاعة وعدل ، فلما قدم انتصب على الحال ، ويقبل يقرأ بالتاء لتأنيث الشفاعة ، وبالياء ؛ لانه غير حقيقى ، وحسن ذلك للفصل .
قوله تعالى :( وإذ نجيناكم ) إذ في موضع نصب معطوفا على اذكروا نعمتى ، وكذلك : وإذ فرقنا ، وإذ واعدنا ، وإذ قلتم ياموسى ، وماكان مثله من العطوف( من آل فرعون ) أصل آل : أهل ، فأبدلت الهاء همزة لقربها منها في المخرج ، ثم أبدلت الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح الهمزة قبلها مثل : آدم وآمن ، وتصغيره أهيل ؛ لان التصغير يرد إلى الاصل ، وقال بعضهم : أويل ، فأبدل الالف واوا ، ولم يرده إلى الاصل ، كما لم يردوا عيدا في التصغير إلى أصله ، وقيل أصل آل : أول ، من آل يئول ؛ لان الانسان : يئول إلى أهله ، وفرعون أعجمى معرفة( يسومونكم ) في موضع نصب على الحال من آل( سوء العذاب ) مفعول به ؛ لان يسومونكم متعد إلى مفعولين ، يقال : سمته الخسف : أى ألزمته الذل( يذبحون ) في موضع حال إن شئت من آل على أن يكون بدلا من الحال الاولى ؛ لان حالين فصاعدا لاتكون عن شئ واحد ، إذ كانت الحال مشبهة بالمفعول ، والعامل لايعمل في مفعولين على هذا الوصف ، وإن شئت جعلته حالا من الفاعل في يسومونكم ، والجمهور على تشديد الباء للتكثير ، وقرئ بالتخفيف( بلاء ) الهمزة بدل من واو ؛ لان الفعل منه بلوته ، ومنه قوله :" ولنبلونكم " ( من ربكم ) في موضع رفع صفة لبلاء فيتعلق بمحذوف .
قوله تعالى: ( فرقنا بكم البحر ) بكم في موضع نصب مفعول ثان ، والبحر مفعول أول ، والباء هنا في معنى اللام ، ويجوز أن يكون التقدير ، بسببكم ، ويجوز أن تكون المعدية كقولك : ذهبت بزيد ، فيكون التقدير : أفرقناكم البحر ، ويكون في المعنى كقوله تعالى " وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر " ويجوز أن تكون الباء للحال : أى فرقنا البحر وأنتم به ، فيكون إما حالا مقدرة أو مقارنة( وأنتم تنظرون ) في موضع الحال والعامل أغرقنا .
قوله تعالى :( واعدنا موسى ) وعد يتعدى إلى مفعولين تقول : وعدت زيدا مكان كذا ويوم كذا ، فالمفعول الاول موسى ، و( أربعين ) المفعول الثانى ، وفى الكلام حذف تقديره تمام أربعين ، وليس أربعين ظرفا إذ ليس المعنى وعده في أربعين ، ويقرأ واعدنا بألف ، وليس من باب المفاعلة الواقعة من اثنين ، بل مثل قولك : عافاه الله وعاقبت اللص ، وقيل هو من ذلك ؛ لان الوعد من الله والقبول من موسى فصار كالوعد منه ، وقيل إن الله أمر موسى أن يعد بالوفاء ففعل ، وموسى مفعل من أوسيت
رأسه إذا حلقته ، فهو مثل أعطى فهو معطى ، وقيل هو فعلى من ماس يميس إذا تبختر في مشيه ، فموسى الحديد من هذا المعنى لكثرة اضطرابها وتحركها وقت الحلق .
فالواو في موسى على هذا بدل من الياء لسكونها وانضمام ماقبلها ، وموسى اسم النبى لايقضى عليه بالاشتقاق ؛ لانه أعجمى ، وإنما يشتق موسى الحديد( ثم اتخذتم العجل ) أى إلها فحذف المفعول الثانى ومثله " باتخاذكم العجل " ، وقد تأتى اتخذت متعدية إلى مفعول واحد إذا كانت بمعنى جعل وعمل ، كقوله تعالى : " وقالوا اتخذ الله ولدا " وكقولك : اتخذت دارا وثوبا وماأشبه ذلك ، ويجوز إدغام الذال في التاء لقرب مخرجيهما ، ويجوز الاظهار على الاصل( من بعده ) أى من بعد انطلاقه فحذف المضاف .
قوله تعالى :( لعلكم ) اللام الاولى أصل عند جماعة ، وإنما تحذف تخفيفا في قولك علك ، وقيل هى زائدة والاصل علك ، ولعل حرف والحذف تصرف والحرف بعيد منه .
قوله تعالى :( والفرقان ) هو في الاصل مصدر مثل الرجحان ، والغفران ، وقد جعل اسما للقرآن .
قوله تعالى :( لقومه ) اللغة الجيدة أن تكسر الهاء إذا انكسر ماقبلها ، وتزاد عليها ياء في اللفظ ؛ لانها خفية لاتبين كل البيان بالكسر وحده ، فإن كان قبلها ياء مثل عليه فالجيد أن تكسر الهاء من غير ياء ؛ لان الهاء خفية ضعيفة ، فإذا كان قبلها ياء وبعدها ياء لم يقو الحاجز بين الساكنين ، فإن كان قبل الهاء فتحة أو ضمة ضمت ولحقتها واو في اللفظ ، نحو : إنه وغلامه لما ذكرنا( ياقوم ) حذف ياء المتكلم اكتفاء بالكسرة ، وهذا يجوز في النداء خاصة ؛ لانه لايلبس ، ومنهم من يثبت الياء ساكنة ومنهم من يفتحها ، ومنهم من يقلبها ألفا بعد فتح ماقبلها ، ومنهم من يقول : ياقوم بضم الميم( إلى بارئكم ) القراءة بكسر الهمزة ؛ لان كسرها إعراب ، وروى عن أبى عمرو تسكينها فرار من توالى الحركات ، وسيبويه لايثبت هذه الرواية ، وكان يقول : إن الراوى لم يضبط عن أبى عمرو ؛ لان أبا عمرو اختلس الحركة فظن السامع أنه سكن( ذلكم ) قال بعضهم : الاصل ذانكم ؛ لان المقدم ذكره التوبة والقتل ، فأوقع المفرد موقع التثنية ؛ لان ذا يحتمل الجميع ، وهذا ليس بشئ لان قوله فاقتلوا تفسير التوبة فهو واحد( فتاب عليكم ) في الكلام حذف تقديره : ففعلتم فتاب عليكم .