الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ١٠

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 334
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 334
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليهالسلام )
(المرتضى من سيرة المرتضى)
الجزء العاشر
السيد جعفر مرتضى العاملي
هذا الكتاب
نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف
شبكة الإمامين الحسنين (عليهماالسلام ) للتراث والفكر الإسلامي
بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليهالسلام )
(المرتضى من سيرة المرتضى)
الجزء العاشر
السيد جعفر مرتضى العاملي
الفصل السادس: سياسات لاستيعاب أمويين..
١ـ أبو سفيان
٢ـ خالد بن سعيد بن العاص
حماس أبي سفيان:
وذكروا: أن أبا سفيان قال لعلي (عليهالسلام ): ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش؟!(١) والله: لئن شئت لأملأنها عليه خيلاً ورجالاً.
فقال علي (عليهالسلام ): يا أبا سفيان، طالما عاديت الإسلام وأهله، فلم تضره بذاك شيئاً، إنا وجدنا أبا بكر لذاك أهلاً(٢) .
وفي نص آخر: لما اجتمع الناس على بيعة أبي بكر أقبل أبو سفيان وهو يقول: والله، إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم. يا آل عبد مناف، فيم أبو بكر من أموركم؟! أين المستضعفان؟! أين الأذلان: علي والعباس؟!
وقال: أبا حسن، أبسط يدك حتى أبايعك.
فأبى علي (عليهالسلام ) عليه.
____________
١- ستأتي مصادر هذه الرواية.
٢- تاريخ الأمم والملوك ج٣ ص٢٠٩ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج٢ ص٤٤٩ والمستدرك للحاكم ج٣ ص٧٨ وكنز العمال ج٥ ص٦٥٧ وتاريخ مدينة دمشق ج٢٣ ص٤٦٥. وراجع: الكامل في التاريخ ج٢ ص٣٢٥ و ٣٢٦ والصوارم المهرقة ص٢٨١ والغدير ج٣ ص٢٥٤.
فجعل يتمثل بشعر المتلمس:
ولن يقيمَ على خسفٍ يُراد بهِ إلا الأذلان عيرُ الحيّ والوتدُ
هذا على الخسفِ معكوسٌ برمتهِ وذا يشجُ فلا يبكي له أحدُ
قال: فزجره علي (عليهالسلام )، وقال: إنك ـ والله ـ ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك ـ والله ـ طالما بغيت للإسلام شراً، لا حاجة لنا في نصيحتك(١) .
وجعل أبو سفيان يطوف في أزقة المدينة ويقول:
بني هاشم لا تُطمعوا الناس فيكمُ ولا سيما تيم ابن مرة أو عديّ
فما الأمر إلا فيكمُ وإليكمُ وليس لها إلا أبو حسن عليّ
فقال عمر لأبي بكر: إن هذا قدم، وهو فاعل شراً. وقد كان (صلىاللهعليهوآله ) يستألفه على الإسلام، فدع له ما بيده من الصدقة.
ففعل. فرضي أبو سفيان، وبايعه(٢) .
____________
١- تاريخ الأمم والملوك ج٣ ص٢٠٩ وراجع ص٢١٠ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج٢ ص٤٤٩ والكامل في التاريخ ج٢ ص٣٢٥ و ٣٢٦ والغدير ج٣ ص٢٥٣ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليهالسلام ) في الكتاب والسنة والتاريخ ج٣ ص٥٤.
٢- الغدير ج٣ ص٢٥٤ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب (عليهالسلام ) في الكتاب والسنة والتاريخ ج٣ ص٥٧ وعن العقـد الفريـد ج٣ ص٢٧١ و (ط أخرى) ج٢= = ص٢٤٩ والإرشاد للشيخ المفيد ج١ ص١٩٠ والفصول المختارة للشريف المرتضى ص٢٤٨ وبحار الأنوار ج٢٢ ص٥٢٠ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٢ ص٤٤ ودلائل الصدق ج٢ ص٣٩ وقاموس الرجال ج٥ ص١١٧.
ونقول:
إننا نكتفي هنا بالإشارة إلى الأمور التالية:
الأمر في أقل حي من قريش:
إن أول ما يطالعنا في النصوص المتقدمة: وصف أبي سفيان لقوم أبي بكر بأنهم أقل حي من قريش..
ويبدو لنا: أن يد السياسة والعصبيات المذهبية قد تلاعبت في هذا النص، فقد ذكرنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلىاللهعليهوآله ) أن أبا سفيان قال كما رواه الحاكم وغيره:
(ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة، وأذلها ذلة، يعني أبا بكر)(١) .
فحذف هؤلاء كلمة (وأذلها ذلة) ليوهموا الناس أن المقصود هو الحديث عن القلة والكثرة العددية..
ومما يؤيد القول بأن قوم أبي بكر كانوا بهذه المثابة، قول عوف بن عطية:
____________
١- راجع: المصنف للصنعاني ج٥ ص٤٥١ ومستدرك الحاكم ج٣ ص٧٨ عن ابن عساكر، وأبي أحمد الدهقان. وراجع: النزاع والتخاصم ص١٩ وكنز العمال ج٥ ص٣٨٣ و ٣٨٥.
وأما الألأمان بنو عدي وتيم حين تزدحم الأمور
فلا تشهد بهم فتيان حرب ولكن ادن من حلب وعير
إذا رهنوا رماحهم بزبدٍ فإن رماح تيم لا تضير(١)
حماس أبي سفيان لماذا؟!:
وقد أظهرت هذه الحادثة أبا سفيان في صورة المتحمس لبني هاشم ضد تيم وعدي.. فيثور سؤال أمام المرء عن سبب هذا الحماس، هل هو تقوى أبي سفيان؟!
أم هو أنفته من أن يتحكم أقل قريش قلة، وأذلهم ذلة بالمسلمين، وهو منهم؟!
أم أنه أراد إشعال نار الفتنة؟!
أم هو حبه المفاجئ لعلي (عليهالسلام ) وبني هاشم؟! أم ماذا؟!
ثم يستوقفنا أيضاً: أنه برغم الجواب القاسي الذي سمعه من علي (عليهالسلام ) فإنه لم يرتدع، بل واصل حملته، وجعل يدور في أزقة المدينة، وينشد الأشعار في تحريض بني هاشم على بني تيم وعدي.
ثم يأتي السؤال الأكبر والأخطر، وهو: أنه بمجرد أن تركوا له ما في يده من أموال بيت المال رضي، وبايع أبا بكر..
ولسنا بحاجة إلى القول: بأن علياً (عليهالسلام ) كان أخبر بأبي سفيان
____________
١- طبقات الشعراء لابن سلام ص٣٨.
من كل أحد، وكانت نظرته (عليهالسلام ) هي الصائبة لكبد الحقيقة، كما دلت عليه نهايات تحرك أبي سفيان، الذي كان يسعى للفتنة، حيث تختلّ الأمور، وتنفتح له الأبواب لتحقيق ما يرمي إليه، بتوريط من يبغضهم ويعاديهم في عداء مستحكم مع من كانوا أنصار بني هاشم عليه، وعلى غيره من المشركين. فلعله يدرك بذلك بعض ثأره، فإن من ليس يؤمن لا يعرف إلا نفسه، وتحسبهم جميعاً، وقلوبهم شتى.
كما أنه يكون هو الفريق الذي يخطب وده جميع الفرقاء، ويقدم له كل منهم الوعود والإمتيازات، لينصره على الفريق الآخر..
فأبو سفيان يبقى هو الرابح، ويكون هو بيضة القبان. ويصبح قادراً على التلاعب بالأمور حسب هواه.
الفشل الذريع لأبي سفيان:
وقد أفشل علي (عليهالسلام ) خطة أبي سفيان، التي كانت تهدف إلى إثارة فتنة هائلة وعظيمة، وذات نتائج مدمرة فلجأ إلى الرضا بفتات ألقاه إليه الفريق الحاكم..
غير أن القضية بالنسبة إلى أبي سفيان وأمثاله من أهل الدنيا كانت أكثر من فتات، فهو يرى أنه حصل في حركته هذه على نتائج يعتبرها في غاية الأهمية.. فإن هذا الفتات الذي حصل عليه قد أعطاه وأعطى غيره من الطامعين، والطامحين إشارة قوية إلى النهج الذي سيسير عليه الحكام معهم في المستقبل.. ودلهم ذلك على أن الحكم سوف لا يتوقف كثيراً ولا يتقيد بحدود وقيود الشريعة، وأن الميزان في ذلك هو مصلحتهم، وحفظ ما
بيدهم، وأن بإمكان أبي سفيان وغيره أن يتعاملوا معهم وفق هذه القاعدة.
ولذا فلا مانع من إعطاء الصدقات التي جعلها الله للفقراء والمساكين لمن يؤيدهم في ملكهم وسلطانهم.. مهما كانت حاله في الغنى، وفي الإستهتار بأحكام الشرع والدين، وفي غير ذلك من أحوال..
وهذا الأمر بالذات هو ما يأخذونه على علي (عليهالسلام )، ومن معه من بني هاشم وغيرهم، وينعون عليهم عدم قبولهم به، ويدينون، وصلابتهم في محاربة هذا النهج، ومن يلتزم به..
والشاهد على ذلك: أن علياً (عليهالسلام ) لم يرض بإعطاء أشراف ورؤساء القبائل شيئاً من المال، لكي يؤيدوه ضد خصومه، وليتفادى حرب الجمل، قائلاً: (أتأمروني أن أطلب النصر بالجور)(١) ، فكانت حرب الجمل.
____________
١- راجع: نهج البلاغة (بشرح عبده) ج٢ ص٦ وتحف العقول ص١٨٥ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٥ ص١٠٧ ومستدرك الوسائل ج١١ ص٩١ و ٩٣ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج٢ ص١٩٩ و ٢٠١ والغارات للثقفي ج١ ص٧٥ وج٢ ص٨٢٧ والأمالي للمفيد ص١٧٦ والأمالي للطوسي ص١٩٤ ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج١ ص٣٦٥ وحلية الأبرار ج٢ ص٢٨٣ و ٣٥٥ و ٣٥٧ وبحار الأنوار ج٣٢ ص٤٨ وج٣٤ ص٢٠٨ وج٤٠ ص٣٢١ وج٤١ ص١٠٨ و ١٢٢ وج٧٢ ص٣٥٨ وج٧٥ ص٩٦ وج٩٣ ص١٦٥ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٢ ص٢٠٣ وج٨ ص١٠٩ والإمامة والسياسة لابن قتيبة (تحقيق الزيني) ج١ ص١٣٢.
مفارقة في موقف عمر!!:
واللافت هنا: أن الذي أشار على أبي بكر بإعطاء أموال بيت المال إلى أبي سفيان هو عمر بن الخطاب نفسه، مع أن عمر بن الخطاب هو الذي ألغى ومزق كتاب أبي بكر الذي كتبه لبعض المؤلفة قلوبهم، وقال: (أعز الله الإسلام، وأغنى عنكم، فإن أسلمتم، وإلا فالسيف بيننا وبينكم.
فرجعوا إلى أبي بكر، فقالوا له: أنت الخليفة، أم هو؟!
فقال: بل هو إن شاء الله. وأمضى ما فعله عمر(١) .
وروى الطبري عن حبان بن أبي جبلة، قال: قال عمر وقد أتاه عيينة بن حصن:( ألحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاء فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ ) (٢) . أي ليس اليوم مؤلفة(٣) .
____________
١- راجع: مختصر القدوري في الفقه الحنفي ج١ ص١٦٤ وبدائع الصنائع لأبي بكر الكاشاني ج٢ ص٤٥ والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص٤٣ وتفسير السمرقندي ج٢ ص٦٨ وتفسير الآلوسي ج١٠ ص١٢٢ وغاية المرام ج٦ ص٢٥٥ والفصول المهمة في تأليف الأمة للسيد شرف الدين ص٨٨ وكنز العمال ج١ ص٣١٥ وفقه السنة لسيد سابق ج١ ص٣٩٠.
٢- الآية ٢٩ من سورة الكهف.
٣- جامع البيان للطبري (ط دار الكتب العلمية سنة ١٤١٢ هـ) ج٦ ص٤٠٠ و (ط دار الفكر سنة ١٤١٥هـ) ج١٠ ص٢٠٩ ونصب الراية للزيلعي ج٢ ص٤٧٦ والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج١ ص٢٦٥ وتفسير الثعلبي ج٥ ص٦٠.
وجدنا أبا بكر أهلاً للخلافة:
وقد زعمت الرواية المتقدمة: أن علياً (عليهالسلام ) قال لأبي سفيان: (إنا وجدنا أبا بكر لذاك (أي للخلافة) أهلاً).
غير أننا نقول: إن ذلك غير صحيح، لما يلي:
١ ـ إن علياً (عليهالسلام ) كان يرى: أن أبا بكر غاصب لهذا الأمر، مخالف لأمر الله ورسوله فيه. بل هو ناكث لبيعته له (عليهالسلام ) يوم الغدير..
والخطبة الشقشقية لعلي (عليهالسلام )، وعشرات غيرها يدل على هذا الأمر دلالة صريحة..
٢ ـ صرحت المصادر، ومنها صحيح البخاري: بأن علياً (عليهالسلام ) لم يبايع أبا بكر إلّا بعد أن مضت ستة أشهر من وفاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله )(١) ، وحديث أبي سفيان هذا قد كان قبل هذا التاريخ..
بل تقدم أن علياً (عليهالسلام ) لم يبايعهم طائعاً أبداً..
____________
١- صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج٥ ص٨٢ وصحيح مسلم ج٥ ص١٥٤ وشرح أصول الكافي ج٧ ص٢١٨ والصوارم المهرقة ص٧١ ومناقب أهل البيت (عليهمالسلام ) للشيرواني ص٤١٣ وشرح مسلم للنووي ج١٢ ص٧٧ وفتح الباري ج٧ ص٣٧٨ وعمدة القاري ج١٧ ص٢٥٨ وصحيح ابن حبان ج١٤ ص٥٧٣ ونصب الراية للزيلعي ج٢ ص٣٦٠ والبداية والنهاية ج٥ ص٣٠٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٥٦٨ والإكمال في أسماء الرجال ص١٦٨.
٣ ـ إن علياً (عليهالسلام ) لم يشارك في اختيار أبي بكر، بل اختاره عمر وأبو عبيدة، كما أن سعد بن عبادة وفريقاً كبيراً من الأنصار، وكذلك بنو هاشم وكثير غيرهم لم يروه أهلاً، ولم يبايعه كثير منهم إلا بالإكراه، وقد ذكرنا ذلك في كتابنا هذا، وغيره..
وبذلك كله يظهر: أن الصحيح هنا هو ذلك النص الذي لم يذكر هذه الفقرة، وإنما أضافها في هذه الرواية التي نحن بصدد مناقشتها نصحاء أبي بكر ومحبوه..
خالد بن سعيد يتربص ببيعته:
وذكروا أيضاً: أن خالد بن سعيد بن العاص لما قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) تربص ببيعته شهرين. يقول: قد أمَّرني رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ثم لم يعزلني حتى قبضه الله.
وقد لقي علي بن أبي طالب (عليهالسلام )، وعثمان بن عفان. فقال: يا بني عبد مناف، لقد طبتم نفساً عن أمركم يليه غيركم؟!
فأما أبو بكر فلم يحفلها (يحقدها) عليه. وأما عمر فاضطغنها عليه..
ثم بعث أبو بكر الجنود إلى الشام. وكان أول من استعمل على ربع منها خالد بن سعيد، فأخذ عمر يقول: أتؤمره وقد صنع ما صنع، وقال ما قال؟!
فلم يزل بأبي بكر حتى عزله، وأمَّر يزيد بن أبي سفيان(١) .
____________
١- تاريخ الأمم والملوك ج٣ ص٣٨٧ و٣٨٨ و(ط مؤسسة الأعلمي) ج٢ ص٥٨٦ والمستدرك للحاكم ج٣ ص٢٤٩ وأعيان الشيعة ج٦ ص٢٩١ وراجع: تاريخ = مدينة دمشق ج١٦ ص٧٨ والوافي بالوفيات للصفدي ج١٧ ص١٦٧ والإستيعاب ج٣ ص٩٧٦ وغاية المرام ج٦ ص١٣٠.
وفي نص آخر: أن خالد بن سعيد قدم من اليمن بعد وفاة النبي (صلىاللهعليهوآله ) بشهر، وعليه جبة ديباج، فلقي عمر وعلياً (عليهالسلام )، فصاح عمر بمن يليه: مزقوا عليه جبته. أيلبس الحرير وهو في رجالنا في السلم مهجور؟! فمزقوا جبته.
فقال خالد: يا أبا الحسن، يا بني عبد مناف، أغلبتم عليها؟!
فقال علي (عليهالسلام ): أمغالبة ترى، أم خلافة؟!
قال: لا يغالب على هذا الأمر أولى منكم يا بني عبد مناف.
وقال عمر لخالد: فض الله فاك. والله، لا يزال كاذب يخوض فيما قلت، ثم لا يضر إلا نفسه.
فأبلغ عمر أبا بكر مقالته.
فلما عقد أبو بكر الألوية لقتال أهل الردة عقد له فيمن عقد. فنهاه عنه عمر، وقال: إنه لمخذول، وإنه لضعيف التروئة. ولقد كذب كذبة لا يفارق الأرض مدلٍ بها، وخائض فيها، فلا يستنصر به.
فلم يحتمل أبو بكر عليه، وجعله ردءاً بتيماء. أطاع عمر في بعض أمره، وعصاه في بعض(١) .
____________
١- تاريخ الأمم والملوك ج٣ ص٣٨٨ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج٢ ص٥٨٦ وتاريخ مدينة دمشق ج١٦ ص٧٨ وأعيان الشيعة ج٦ ص٢٩٢.
وفي نص ثالث: ان عمر بن الخطاب لم يزل يكلم أبا بكر في خالد بن الوليد، وفي خالد بن سعيد. فأبى أن يطيعه في خالد بن الوليد، وقال: لا أشيم سيفاً سله الله على الكفار، وأطاعه في خالد بن سعيد، بعد ما فعل فعلته(١) .
وقالوا: (لعل المقصود بفعلته هو: مواجهة جيش الروم التي انتهت بانكساره، بسبب خطة وضعها أحد قوادهم، كما ذكره الطبري وغيره)(٢) .
لكننا نقول:
ربما يكون الأصح هو أن المقصود بها موقفه المتقدم من بيعة أبي بكر، بعد عودته من اليمن..
وقد قال أبو بكر بعد أن خرج خالد من عنده: (كان عمر وعلي أعلم
____________
١- تاريخ الأمم والملوك ج٣ ص٣٩١ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج٢ ص٥٨٩ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٧ ص٣٩٦ وتاريخ مدينة دمشق ج١٦ ص٢٤٠ وأسد الغابة ج٤ ص٢٩٥ والإصابة ج٥ ص٥٦١ والغدير ج٧ ص١٥٥ و ١٥٨ والمصنف لابن أبي شيبة ج٨ ص٥ والعثمانية للجاحظ ص٨٦ و ٢٤٨ وفتوح البلدان ج١ ص١١٦ والكامل في التاريخ ج٢ ص٣٥٩ والوافي بالوفيات للصفدي ج١٣ ص١٦٢ والبداية والنهاية ج٦ ص٣٥٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج٢ ق٢ ص٧٤ وإمتاع الأسماع ج١٤ ص٢٣٩.
٢- تاريخ الأمم والملوك ج٣ ص٣٩١ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج٢ ص٥٨٩.
مني بخالد، ولو أطعتهما فيه اختشيته، واتقيته)(١) .
ونقول:
هذه رواية سيف بن عمر المتهم بالدس والكذب..
ويستوقفنا فيها أمور، نذكر منها:
ألف: استعملني النبي (صلىاللهعليهوآله ) ثم لم يعزلني:
ماذا يقصد خالد بن سعيد بقوله: استعملني رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) ثم لم يعزلني؟!
هل يريد بذلك تقرير رضا رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) عنه، ليصبح قوله مقبولاً لدى الناس، لأنه كان يتوقع الطعن فيه وفي آرائه بمجرد إعلانه معارضته لما جرى؟!
أم يقصد: أنه أحق بالخلافة من أولئك الذين عزلهم رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بعد أن نصبهم، وظهر عجزهم، وعدم أهليتهم، في خيبر، وفي ذات السلاسل وغيرها؟!..
أم أنه يريد أن يقرر لنفسه الحق في أن يكون من أهل الشورى، الذي يحتاج إلى رأيهم ومواقفهم في إمضاء الأمور الخطيرة والكبيرة.. فهو يعتبر أن ما أمضوه في غيبته، ومن دون مشورته لاغياً وغير ذي قيمة؟!
أم أنه يريد تأكيد وثاقته، وأمانته بالإستناد إلى فعل رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) ،
____________
١- تاريخ الأمم والملوك ج٣ ص٣٩٢ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج٢ ص٥٩٠.
تمهيداً للجهر بأن صاحب الحق الحقيقي هو علي بن أبي طالب (عليهالسلام )، وأن على الناس أن يثوبوا إلى رشدهم، وأن يكافحوا بالوسائل المشروعة. لإعادة الحق إلى أهله، ووضع الأمور في نصابها؟!..
ربما يكون هذا الإحتمال الأخير هو الأقرب والأصوب بملاحظة، موقفه اللاحق، حين كان مع الإثني عشر الذين اعترضوا على أبي بكر ـ كما سيأتي عن قريب إن شاء الله..
ب: متى رجع خالد بن سعيد؟!:
وقد صرحت الرواية المتقدمة: بأن خالد بن سعيد قد رجع من اليمن بعد شهر أو شهرين، فوجد أن أبا بكر هو المتحكم والحاكم.. وربما يكون خبر ما جرى قد بلغه قبل وصوله، فأعلن اعتراضه على النحو الذي مرّ ذكره..
ويؤيد ذلك أن رواية أخرى ستأتي في فصل: (إحتجاجات ومناشدات)، تذكر احتجاج اثني عشر رجلاً من أعلام المهاجرين في المسجد النبوي الشريف كان خالد بن سعيد أول المحتجين على أبي بكر من بين هؤلاء..
وصرحت بأن: هذا الإحتجاج حصل بعد جمع علي (عليهالسلام ) للقرآن، وبعد أن دار علي (عليهالسلام ) بفاطمة والحسنين (عليهمالسلام ) على أعيان المهاجرين والأنصار يطالبهم بنصرته..
كما أنها صرحت: بأن أولئك الاثني عشر كانوا غائبين حين البيعة لأبي بكر(١) .
____________
١- الإحتجاج للطبرسي ج١ ص١٩٠.
وإن كنا نعتقد: أن منهم من كان حاضراً.
ولعل مقصود الراوي: هو أن أكثرهم كان غائباً..
ج: بنو عبد مناف.. وبنو تيم:
وقد لوحظ في الرواية: أن خالد بن سعيد، وجه كلامه إلى علي وعثمان على حد سواء، معتمداً على الحس القبلي من خلال الموازنة بين بني عبد مناف وبني تيم.
ومن الواضح:
١ ـ إن هذا المنطق مرفوض ومدان بنظر الإسلام..
٢ ـ إن هذا المنطق ليس فقط لا يحرك علياً (عليهالسلام )، وإنما هو يثيره لمعارضته وإدانته.
٣ ـ إنه يعطي بني أمية، الذين يمثلهم عثمان ـ حيث كان الخطاب موجهاً إليه وإلى علي (عليهالسلام ) الحق في الخلافة والإمامة. وهذا مخالف للنصوص القرآنية والنبوية حول إمامة علي (عليهالسلام )، ولم يزل علي (عليهالسلام ) وبنو هاشم يأبون ما عدا ذلك ويرفضونه، ويقيمون الأدلة، ويحشدون الشواهد من القرآن الكريم، ومن كلام سيد المرسلين على خلافه..
٤ ـ إن الروايات الأخرى تؤكد على أن خالداً كان يسعى لإثبات أن الحق لخصوص أمير المؤمنين (عليهالسلام )، بالإستناد إلى ما عاينه وسمعه من رسول الله (صلىاللهعليهوآله ). وهو ينفي أي حق فيه لسواه، سواء