• البداية
  • السابق
  • 334 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20206 / تحميل: 6360
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وانتهت الوفود إلى دمشق لعرض آرائها على عاهل الشام ، وقد قام معاوية بضيافتهم والإحسان إليهم.

مؤتمرُ الوفود الإسلاميّة :

وعقدت وفود الأقطار الإسلاميّة مؤتمراً في البلاط الاُموي في دمشق لعرض آرائها في البيعة ليزيد ، وقد افتتح المؤتمر معاوية بالثناء على الإسلام ، ولزوم طاعة ولاة الاُمور ، ثمّ ذكر يزيد وفضله وعمله بالسّياسة ، ودعاهم لبيعته.

المؤيّدون للبيعة :

وانبرت كوكبة مِنْ أقطاب الحزب الاُموي فأيّدوا معاوية ، وحثّوه على الإسراع للبيعة ، وهم :

1 ـ الضحّاك بن قيس

2 ـ عبد الرحمن بن عثمان

3 ـ ثور بن معن السلمي

4 ـ عبد الله بن عصام

5 ـ عبد الله بن مسعدة

وكان معاوية قد عهد إليهم بالقيام بتأييده ، والردّ على المعارضين له.

٢٠١

خطابُ الأحنف بن قيس :

وانبرى إلى الخطابة زعيم العراق وسيّد تميم الأحنف بن قيس ، الذي تقول فيه ميسون اُمّ يزيد : لو لمْ يكن في العراق إلاّ هذا لكفاهم(1) . وتقدّم فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ التفت إلى معاوية قائلاً :

أصلح الله أمير المؤمنين ، إنّ الناس في منكر زمان قد سلف ، ومعروف زمان مؤتنف ، ويزيد ابن أمير المؤمنين نعم الخلف ، وقد حلبت الدهر أشطره.

يا أمير المؤمنين ، فاعرف مَنْ تسند إليه الأمر مِنْ بعدك ثمّ اعصِ أمر مَنْ يأمرك ، ولا يغررك مَنْ يُشير عليك ولا ينظر لك ، وأنت أنظر للجماعة ، وأعلم باستقامة الطاعة ، مع أنّ أهل الحجاز وأهل العراق لا يرضون بهذا ، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيّاً.

وأثار خطاب الأحنف موجةً مِن الغضب والاستياء عند الحزب الاُموي ، فاندفع الضحّاك بن قيس مندِّداً به ، وشتم أهلَ العراق ، وقدح بالإمام الحسن (عليه السّلام) ، ودعا الوفد العراقي إلى الإخلاص لمعاوية والامتثال لما دعا إليه. ولمْ يعن به الأحنف ، فقام ثانياً فنصح معاوية ودعاه إلى الوفاء بالعهد الذي قطعه على نفسه مِنْ تسليم الأمر إلى الحسن (عليه السّلام) مِنْ بعده ؛ حسب اتفاقية الصلح التي كان من أبرز بنودها إرجاع الخلافة مِنْ بعده إلى الإمام الحسن (عليه السّلام) ، كما أنّه هدّد معاوية بإعلان الحرب إذا لمْ يفِ بذلك.

__________________

(1) تذكرة ابن حمدون / 81.

٢٠٢

فشلُ المؤتمر :

وفشلَ المؤتمر فشلاً ذريعاً بعد خطاب الزعيم الكبير الأحنف بن قيس ، ووقع نزاع حاد بين أعضاء الوفود وأعضاء الحزب الاُموي ، وانبرى يزيد بن المقفّع فهدّد المعارضين باستعمال القوّة قائلاً : أمير المؤمنين هذا ـ وأشار إلى معاوية ـ ، فإنْ هلك فهذا ـ وأشار إلى يزيد ـ ، ومَنْ أبى فهذا ـ وأشار إلى السيف ـ.

فاستحسن معاوية قوله ، وراح يقول له : اجلس فأنت سيّد الخطباء وأكرمهم.

ولمْ يعن به الأحنف بن قيس ، فانبرى إلى معاوية فدعاه إلى الإمساك عن بيعة يزيد ، وأنْ لا يُقدّمَ أحداً على الحسن والحسين (عليهما السّلام). وأعرض عنه معاوية ، وبقي مصرّاً على فكرته التي هي أبعد ما تكون عن الإسلام.

وعلى أي حالٍ ، فإنّ المؤتمر لمْ يصل إلى النتيجة التي أرادها معاوية ؛ فقد استبان له أنّ بعض الوفود الإسلاميّة لا تُقِرّه على هذه البيعة ولا ترضى به.

سفرُ معاوية ليثرب :

وقرّر معاوية السفر إلى يثرب التي هي محطّ أنظار المسلمين ، وفيها أبناء الصحابة الذين يُمثّلون الجبهة المعارضة للبيعة ؛ فقد كانوا لا يرون يزيداً نِدّاً لهم ، وإنّ أخذ البيعة له خروجٌ على إرادة الأُمّة ، وانحراف عن الشريعة الإسلاميّة التي لا تُبيح ليزيد أنْ يتولّى شؤون المسلمين ؛ لما عُرِفَ به مِن الاستهتار وتفسّخ الأخلاق.

٢٠٣

وسافر معاوية إلى يثرب في زيارة رسمية ، وتحمّل أعباء السفر لتحويل الخلافة الإسلاميّة إلى مُلْكٍ عضوض ، لا ظل فيه للحقّ والعدل.

اجتماعٌ مغلق :

وفور وصول معاوية إلى يثرب أمر بإحضار عبد الله بن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وعقد معهم اجتماعاً مغلقاً ، ولمْ يُحضر معهم الحسن والحسين (عليهما السّلام) ؛ لأنّه قد عاهد الحسن (عليه السّلام) أنْ تكون الخلافة له مِنْ بعده ، فكيف يجتمع به؟ وماذا يقول له؟ وقد أمر حاجبه أنْ لا يسمح لأي أحدٍ بالدخول عليه حتّى ينتهي حديثه معهم.

كلمةُ معاوية :

وابتدأ معاوية الحديث بحمد الله والثناء عليه ، وصلّى على نبيّه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فقد كبر سنّي ، ووهن عظمي ، وقرب أجلي ، وأوشكت أنْ اُدعى فأُجيب ، وقد رأيت أنْ استخلف بعدي يزيد ، ورأيته لكم رضا. وأنتم عبادلة قريش وخيارهم وأبناء خيارهم ، ولمْ يمنعني أنْ أُحضِرَ حسناً وحُسيناً إلاّ أنّهما أولاد أبيهما علي ، على حُسنِ رأي فيهما ، وشدّة محبّتي لهما ، فردّوا على أمير المؤمنين خيراً رحمكم الله.

ولم يستعمل معهم الشدّة والإرهاب ؛ استجلاباً لعواطفهم ، ولمْ يخفَ عليهم ذلك ، فانبروا جميعاً إلى الإنكار عليه.

٢٠٤

كلمةُ عبد الله بن عباس :

وأوّل مَنْ كلّمه عبد الله بن عباس ، فقال بعد حمد الله ، والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّك قد تكلّمت فأنصتنا ، وقلت فسمعنا ، وإنّ الله جلّ ثناؤه وتقدّست أسماؤه اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) لرسالته ، واختاره لوحيه ، وشرّفه على خلقه ، فأشرف الناس مَنْ تشرّف به ، وأولاهم بالأمر أخصّهم به ، وإنّما على الأُمّة التسليم لنبيّها إذا اختاره الله له ؛ فإنّه إنّما اختار محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بعلمه ، وهو العليم الخبير ، واستغفر الله لي ولكم.

وكانت دعوة ابن عباس صريحةً في إرجاع الخلافة لأهل البيت (عليهم السّلام) ، الذين هم ألصق الناس برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأمسّهم به رحماً ؛ فإنّ الخلافة إنّما هي امتداد لمركز رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فأهل بيته أحقّ بمقامه وأولى بمكانته.

كلمةُ عبد الله بن جعفر :

وانبرى عبد الله بن جعفر ، فقال بعد حمد الله والثناء عليه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة إنْ أُخذ فيها بالقرآن فاُولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاُولوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وإنْ أُخذ فيها بسنّة الشيخين أبي بكر وعمر فأي الناس أفضل وأكمل وأحق بهذا الأمر مِنْ آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)؟ وأيمُ الله ، لو ولّوها بعد نبيّهم لوضعوا الأمر موضعه ؛ لحقّه وصدقه ، ولأُطيع الرحمن وعُصي الشيطان ، وما اختلف في الأُمّة سيفان ، فاتقِ الله يا معاوية ، فإنّك قد صرت راعياً ونحن رعيّة ، فانظر لرعيتك فإنّك مسؤول عنها غداً ،

٢٠٥

وأمّا ما ذكرت مِن ابنَي عمّي وتركك أنْ تحضرهم ، فوالله ما أصبت الحقّ ، ولا يجوز ذلك إلاّ بهما ، وإنّك لتعلم أنّهما معدن العلم والكرم ، فقل أو دع ، واستغفر الله لي ولكم.

وحفل هذا الخطاب بالدعوة إلى الحقّ ، والإخلاص للأُمّة ، فقد رشّح أهل البيت (عليهم السّلام) للخلافة وقيادة الأُمّة ، وحذّره مِنْ صرفها عنهم كما فعل غيره مِن الخلفاء ، فكان مِنْ جرّاء ذلك أنْ مُنِيَتِ الأُمّة بالأزمات والنّكسات ، وعانت أعنف المشاكل وأقسى الحوادث.

كلمةُ عبد الله بن الزبير :

وانطلق عبد الله بن الزبير للخطابة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة لقريش خاصة ، نتناولها بمآثرها السنيّة وأفعالها المرضيّة ، مع شرف الآباء وكرم الأبناء ، فاتّقِ الله يا معاوية وأنصف نفسك ؛ فإنّ هذا عبد الله بن عباس ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وهذا عبد الله بن جعفر ذي الجناحين ابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأنا عبد الله بن الزبير ابن عمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وعلي خلّف حسناً وحُسيناً ، وأنت تعلم مَنْ هما وما هما؟ فاتّقِ الله يا معاوية ، وأنت الحاكم بيننا وبين نفسك.

وقد رشح ابن الزبير هؤلاء النفر للخلافة ، وقد حفّزهم بذلك لمعارضة معاوية وإفساد مهمّته.

٢٠٦

كلمةُ عبد الله بن عمر :

واندفع عبد الله بن عمر ، فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيّه : أمّا بعد ، فإنّ هذه الخلافة ليست بهرقليّة ، ولا قيصريّة ، ولا كسرويّة يتوارثها الأبناء عن الآباء ، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد أبي ، فوالله ما أدخلني مع الستّة مِنْ أصحاب الشورى إلاّ على أنّ الخلافة ليست شرطاً مشروطاً ، وإنّما هي في قريش خاصة لمَنْ كان لها أهلاً ؛ ممّن ارتضاه المسلمون لأنفسهم ، ممّن كان أتقى وأرضى ، فإنْ كنت تريد الفتيان مِنْ قريش فلعمري أنّ يزيد مِنْ فتيانها ، واعلم أنّه لا يُغني عنك مِن الله شيئاً.

ولمْ تعبّر كلمات العبادلة عن شعورهم الفردي ، وإنّما عبّرت تعبيراً صادقاً عن رأي الأغلبية السّاحقة مِن المسلمين الذين كرهوا خلافة يزيد ، ولمْ يرضوا به.

كلمةُ معاوية :

وثقلَ على معاوية كلامهم ، ولمْ يجد ثغرة ينفذ منها للحصول على رضاهم ، فراح يشيد بابنه فقال : قد قلت وقلتم ، وإنّه قد ذهبت الآباء وبقيت الأبناء ، فابني أحبّ إليّ مِن أبنائهم ، مع أنّ ابني إنْ قاولتموه وجد مقالاً ، وإنّما كان هذا الأمر لبني عبد مناف ؛ لأنّهم أهل رسول الله ، فلمّا مضى رسول الله ولّى الناس أبا بكر وعمر مِنْ غير معدن المُلْك والخلافة ، غير أنّهما سارا بسيرةٍ جميلةٍ ، ثمّ رجع المُلْك إلى بني عبد مناف ، فلا يزال فيهم إلى يوم القيامة ، وقد

٢٠٧

أخرجك الله يابن الزبير ، وأنت يابن عمر منه ، فأمّا ابنا عمّي هذان فليسا بخارجين مِن الرأي إنْ شاء الله(1) .

وانتهى اجتماع معاوية بالعبادلة ، وقد أخفق فيه إخفاقاً ذريعاً ؛ فقد استبان له أنّ القوم مصمّمون على رفض بيعة يزيد. وعلى إثر ذلك غادر يثرب ، ولمْ تذكر المصادر التي بأيدينا اجتماعه بسبطي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فقد أهملت ذلك ، وأكبر الظن أنّه لمْ يجتمع بهما.

فزعُ المسلمين :

وذُعِرَ المسلمون حينما وافتهم الأنباء بتصميم معاوية على فرض ابنه خليفة عليهم ، وكان مِنْ أشدّ المسلمين خوفاً المدنيون والكوفيون ، فقد عرفوا واقع يزيد ، ووقفوا على اتجاهاته المعادية للإسلام.

يقول توماس آرنولد : كان تقرير معاوية للمبدأ الوراثي نقلة خطيرة في حياة المسلمين الذين ألِفوا البيعة والشورى ، والنُّظم الاُولى في الإسلام ، وهم بعدُ قريبون منها ؛ ولهذا أحسّوا ـ وخاصة في مكّة والمدينة ، حيث كانوا يتمسّكون بالأحاديث والسّنن النّبوية الاُولى ـ أنّ الاُمويِّين نقلوا الخلافة إلى حكم زمني متأثر بأسباب دنيوية ، مطبوع بالعظمة وحبّ الذات بدلاً مِنْ أنْ يحتفظوا بتقوى النّبي وبساطته(2) .

لقد كان إقدام معاوية على فرض ابنه يزيد حاكماً على المسلمين تحوّلاً خطيراً في حياة المسلمين الذين لمْ يألفوا مثل هذا النظام الثقيل الذي فُرِضَ عليهم بقوّة السّلاح.

__________________

(1) الإمامة والسياسة 1 / 180 ـ 183 ، جمهرة الخطب 2 / 233 ـ 236.

(2) الخلافة ـ لتوماس / 10.

٢٠٨

الجبهةُ المعارضة :

وأعلن الأحرار والمصلحون في العالم الإسلامي رفضهم القاطع لبيعة يزيد ، ولمْ يرضوا به حاكماً على المسلمين ، وفيما يلي بعضهم :

1 ـ الإمام الحسين (عليه السّلام) :

وفي طليعة المعارضين لبيعة يزيد الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، فقد كان يحتقر يزيد ويكره طباعه الذميمة ، ووصفه بأنّه صاحب شراب وقنص ، وأنّه قد لزم طاعة الشيطان وترك طاعة الرحمن ، وأظهر الفساد ، وعطّل الحدود ، واستأثر بالفيء ، وأحلّ حرام الله وحرّم حلاله(1) . وإذا كان بهذه الضِعة ، فكيف يبايعه ويقرّه حاكماً على المسلمين؟!

ولمّا دعاه الوليد إلى بيعة يزيد قال له الإمام (عليه السّلام) : «أيّها الأمير ، إنّا أهل بيت النّبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب الخمر ، وقاتل النّفس المحترمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله».

ورفض بيعة يزيد جميع أفراد الأُسرة النّبوية تبعاً لزعيمهم العظيم ، ولمْ يشذّوا عنه.

الحرمان الاقتصادي :

وقابل معاوية الأسرة النّبوية بحرمان اقتصادي ؛ عقوبةً لهم لامتناعهم عن بيعة يزيد ، فقد حبس عنهم العطاء سنةً كاملة(2) ، ولكنّ ذلك لمْ يثنهم عن عزمهم في شجب البيعة ورفضها.

__________________

(1) تاريخ ابن الأثير.

(2) تاريخ ابن الأثير 3 / 252 ، الإمامة والسياسة 1 / 200.

٢٠٩

2 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

ومِن الذين نقموا على بيعة يزيد عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقد وسمها بأنّها هرقلية ، كلّما مات هرقل قام مكانه هرقل آخر(1) . وأرسل إليه معاوية مئة ألف درهم ليشتري بها ضميره فأبى ، وقال : لا أبيع ديني(2) .

3 ـ عبد الله بن الزبير :

ورفض عبد الله بن الزبير بيعة يزيد ، ووصفه بقوله : يزيد الفجور ، ويزيد القرود ، ويزيد الكلاب ، ويزيد النشوات ، ويزيد الفلوات(3) . ولمّا أجبرته السّلطة المحلّية في يثرب على البيعة فرّ منها إلى مكّة.

4 ـ المنذر بن الزبير :

وكره المنذر بن الزبير بيعة يزيد وشجبها ، وأدلى بحديث له عن فجور يزيد أمام أهل المدينة ، فقال : إنّه قد أجازني بمئة ألف ، ولا يمنعني ما صنع بي أنْ أخبركم خبره. والله ، إنّه ليشرب الخمر. والله ، إنّه ليسكر حتّى يدع الصلاة(4) .

5 ـ عبد الرحمن بن سعيد :

وامتنع عبد الرحمن بن سعيد مِن البيعة ليزيد ، وقال في هجائه :

__________________

(1) الاستيعاب.

(2) الاستيعاب ، البداية والنهاية 8 / 89.

(3) أنساب الأشراف 4 / 30.

(4) الطبري 4 / 368.

٢١٠

لستَ منّا وليس خالُك منّا

يا مضيعَ الصلاةِ للشهواتِ(1)

6 ـ عابس بن سعيد :

ورفض عابس بن سعيد بيعة يزيد حينما دعاه إليها عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال له : أنا أعرَفُ به منك ، وقد بعتَ دينك بدنياك(2) .

7 ـ عبد الله بن حنظلة :

وكان عبد الله بن حنظلة مِن أشدّ الناقمين على البيعة ليزيد ، وكان مِن الخارجين عليه في وقعة الحرّة ، وقد خاطب أهل المدينة ، فقال لهم : فو الله ، ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أنْ نُرمى بالحِجارة مِن السّماء.

حياة الإمام الحُسين

إنّ رجلاً ينكح الأُمّهات والبنات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لمْ يكن معي أحدٌ مِن الناس لأبليت لله فيه بلاءً حسناً(3) .

وكان يرتجز في تلك الواقعة :

بعداً لمَنْ رام الفساد وطغى

وجانب الحقّ وآيات الهدى

لا يبعد الرحمنُ إلاّ مَنْ عصى(4)

__________________

(1) الحُسين بن علي (عليه السّلام) 2 / 6.

(2) القضاة ـ للكندي / 310.

(3) طبقات ابن سعد.

(4) تاريخ الطبري 7 / 12.

٢١١

موقفُ الأُسرة الاُمويّة :

ونقمت الأُسرة الاُمويّة على معاوية في عقده البيعة ليزيد ، ولكن لمْ تكن نقمتهم عليه مشفوعة بدافع ديني أو اجتماعي ، وإنّما كانت مِنْ أجل مصالحهم الشخصية الخاصة ؛ لأنّ معاوية قلّد ابنه الخلافة وحرمهم منها ، وفيما يلي بعض الناقمين :

1 ـ سعيد بن عثمان :

وحينما عقد معاوية البيعة ليزيد أقبل سعيد بن عثمان إلى معاوية ، وقد رفع عقيرته قائلاً : علامَ جعلت ولدك يزيد وليّ عهدك؟! فوالله لأبي خير مِنْ أبيه ، وأُمّي خير مِنْ أُمّه ، وأنا خيرٌ مِنه ، وقد ولّيناك فما عزلناك ، وبنا نلت ما نلت!

فراوغ معاوية وقال له : أمّا قولك إنّ أباك خير مِنْ أبيه فقد صدقت ، لعمر الله إنّ عثمان لخير مِنّي ؛ وأمّا قولك إنّ أُمّك خير مِنْ أُمّه فحسب المرأة أنْ تكون في بيت قومِها ، وأنْ يرضاها بعلها ، ويُنجب ولدها ؛ وأمّا قولك إنّك خير مِنْ يزيد ، فوالله ما يسرّني أنّ لي بيزيد ملء الغوطة ذهباً مثلك ؛ وأمّا قولك إنّكم ولّيتموني فما عزلتموني ، فما ولّيتموني إنّما ولاّني مَنْ هو خير مِنكم عمر بن الخطاب فأقررتموني.

وما كنت بئس الوالي لكم ؛ لقد قمت بثأركم ، وقتلتُ قتلة أبيكم ، وجعلت الأمر فيكم ، وأغنيت فقيركم ، ورفعت الوضيع منكم ...

٢١٢

وكلّمه يزيد فأرضاه ، وجعله والياً على خراسان(1) .

2 ـ مروان بن الحكم :

وشجب مروان بن الحكم البيعة ليزيد وتقديمه عليه ، فقد كان شيخ الاُمويِّين وزعيمهم ، فقال له : أقم يابن أبي سفيان ، واهدأ مِنْ تأميرك الصبيان ، واعلم أنّ لك في قومك نُظراء ، وأنّ لهم على مناوئتك وزراً.

فخادعه معاوية ، وقال له : أنت نظير أمير المؤمنين بعده ، وفي كلّ شدّة عضده ، فقد ولّيتك قومك ، وأعظمنا في الخراج سهمك ، وإنّا مجيرو وفدك ، ومحسنو وفدك(2) .

وقال مروان لمعاوية : جئتم بها هرقلية ، تُبايعون لأبنائكم!(3) .

3 ـ زياد بن أبيه :

وكره زياد بن أبيه بيعة معاوية لولده ؛ وذلك لما عرف به مِن الاستهتار والخلاعة والمجون.

ويقول المؤرّخون : إنّ معاوية كتب إليه يدعوه إلى أخذ البيعة بولايته العهد ليزيد ، وإنّه ليس أولى مِن المغيرة بن شعبة. فلمّا قرأ كتابه دعا برجل مِنْ أصحابه كان يأتمنه حيث لا يأتمن أحداً غيره ، فقال له : إنّي اُريد أنْ ائتمنك على ما لم ائتمن على بطون الصحائف ؛ ائت معاوية وقل له : يا أمير المؤمنين ، إنّ كتابك ورد عليّ بكذا ، فماذا يقول

__________________

(1) وفيات الأعيان 5 / 389 ـ 390.

(2) الإمامة والسّياسة 1 / 128.

(3) الإسلام والحضارة العربية 2 / 395.

٢١٣

الناس إنْ دعوناهم إلى بيعة يزيد ، وهو يلعب بالكلاب والقرود ، ويلبس المصبغ ، ويدمن الشراب ، ويمسي على الدفوف ، ويحضرهم ـ أي الناس ـ الحُسين بن علي ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر؟! ولكن تأمره أنْ يتخلّق بأخلاق هؤلاء حولاً أو حولين ، فعسانا أنْ نموه على الناس. وسار الرسول إلى معاوية فأدّى إليه رسالة زياد ، فاستشاط غضباً ، وراح يتهدّده ويقول :

ويلي على ابن عُبيد! لقد بلغني أنّ الحادي حدا له أنّ الأمير بعدي زياد. والله ، لأردّنه إلى أُمّه سُميّة وإلى أبيه عُبيد(1) .

هؤلاء بعض الناقدين لمعاوية مِن الأُسرة الاُمويّة وغيرهم في توليته لخليعه يزيد خليفة على المسلمين.

إيقاعُ الخلاف بين الاُمويِّين :

واتّبع معاوية سياسة التفريق بين الاُمويِّين حتّى يصفو الأمر لولده يزيد ؛ فقد عزل عامله على يثرب سعيد بن العاص واستعمل مكانه مروان بن الحكم ، ثمّ عزل مروان واستعمل سعيداً مكانه ، وأمره بهدم داره ومصادرة أمواله ، فأبى سعيد مِنْ تنفيذ ما أمره به معاوية فعزله وولّى مكانه مروان ، وأمره بمصادرة أموال سعيد وهدم داره ، فلمّا همّ مروان بتنفيذ ما عهد إليه أقبل إليه سعيد وأطلعه على كتاب معاوية في شأنه ، فامتنع مروان مِن القيام بما أمره معاوية.

وكتب سعيد إلى معاوية رسالة يندّد فيها بعمله ، وقد جاء فيها : العجب ممّا صنع أمير المؤمنين بنا في قرابتنا له ، أنْ يضغن بعضنا

__________________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 196.

٢١٤

على بعض! فأمير المؤمنين في حلمه وصبره على ما يكره مِن الأخبثين ، وعفوه وإدخاله القطيعة بنا والشحناء ، وتوارث الأولاد ذلك!(1) .

وعلّق عمر أبو النّصر على سياسة التفريق التي تبعها معاوية مع أُسرته بقوله : إنّ سبب هذه السّياسة هو رغبة معاوية في إيقاع الخلاف بين أقاربه الذين يخشى نفوذهم على يزيد مِنْ بعده ، فكان يضرب بعضهم ببعضٍ حتّى يظلّوا بحاجة إلى عطفه وعنايته(2) .

تجميدُ البيعة :

وجمّد معاوية رسمياً البيعة ليزيد إلى أجل آخر حتّى يتمّ له إزالة الحواجز والسدود التي تعترض طريقه. ويقول المؤرّخون : إنّه بعد ما التقى بعبادلة قريش في يثرب ، واطّلع على آرائهم المعادية لما ذهب إليه ، أوقف كلّ نشاط سياسي في ذلك ، وأرجأ العمل إلى وقت آخر(3) .

اغتيالُ الشخصيات الإسلاميّة :

ورأى معاوية أنّه لا يمكن بأي حالٍ تحقيق ما يصبوا إليه مِنْ تقليد ولده الخلافة مع وجود الشخصيات الرفيعة التي تتمتّع باحترام بالغ في نفوس المسلمين ، فعزم على القيام باغتيالهم ؛ ليصفو له الجو ، فلا يبقى أمامه أي مزاحم ،

__________________

(1) تاريخ الطبري 4 / 18.

(2) السياسة عند العرب ـ عمر أبو النّصر / 98.

(3) الإمامة والسياسة 1 / 182.

٢١٥

وقد قام باغتيال الذوات التالية :

1 ـ سعد بن أبي وقاص :

ولسعد المكانة العليا في نفوس الكثيرين مِن المسلمين ، فهو أحد أعضاء الشورى ، وفاتح العراق ، وقد ثقل مركزه على معاوية فدسّ إليه سُمّاً فمات منه(1) .

2 ـ عبد الرحمن بن خالد :

وأخلص أهل الشام لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، وأحبّوه كثيراً ، وقد شاورهم معاوية فيمَنْ يعقد له البيعة بعد وفاته ، فقالوا له : رضينا بعبد الرحمن بن خالد ، فشقّ ذلك عليه ، وأسرّها في نفسه.

ومرض عبد الرحمن ، فأمر معاوية طبيباً يهودياً كان مكيناً عنده أنْ يأتيه للعلاج فيسقيه سقية تقتله ، فسقاه الطبيب فمات على أثر ذلك(2) .

3 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر :

وكان عبد الرحمن بن أبي بكر مِنْ أقوى العناصر المعادية لبيعة معاوية لولده ، وقد أنكر عليه ذلك ، وبعث إليه معاوية بمئة ألف درهم فردّها عليه ، وقال : لا أبيع ديني بدنياي. ولمْ يلبث أنْ مات فجأة بمكة(3) .

وتعزو المصادر سبب وفاته إلى أنّ معاوية دسّ إليه سُمّاً فقتله.

__________________

(1) مقاتل الطالبيِّين / 29.

(2) الاستيعاب.

(3) المصدر نفسه.

٢١٦

4 ـ الإمام الحسن (عليه السّلام) :

وقام معاوية باقتراف أعظم جريمة وإثم في الإسلام ، فقد عمد إلى اغتيال سبط النّبي (صلّى الله عليه وآله) وريحانته الإمام الحسن (عليه السّلام) ، الذي عاهده بأنْ يكون الخليفة مِنْ بعده.

ولم يتحرّج الطاغية مِنْ هذه الجريمة في سبيل إنشاء دولة اُمويّة تنتقل بالوارثة إلى أبنائه وأعقابه ، وقد وصفه (الميجر اُوزبورن) بأنّه مخادع ، وذو قلب خال مِنْ كلّ شفقة ، وأنّه كان لا يتهيّب مِنْ الإقدام على أيّة جريمة مِنْ أجل أنْ يضمن مركزه ؛ فالقتل إحدى وسائله لإزالة خصومه ، وهو الذي دبّر تسميم حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، كما تخلّص مِنْ مالك الأشتر قائد علي بنفس الطريقة(1) .

وقد استعرض الطاغية السفّاكين ليعهد إليهم القيام باغتيال ريحانة النّبي (صلّى الله عليه وآله) ، فلمْ يرَ أحداً خليقاً بارتكاب الجريمة سوى جُعيدة بنت الأشعث ؛ فإنّها مِنْ بيت قد جُبِلَ على المكر ، وطُبِعَ على الغدر والخيانة ، فأرسل إلى مروان بن الحكم سُمّاً فاتكاً كان قد جلبه مِنْ مَلكِ الروم ، وأمره بأنْ يُغري جُعيدة بالأموال وزواج ولده يزيد إذا استجابت له ، وفاوضها مروان سرّاً ففرحت ، فأخذت مِنه السُّمّ ودسّته للإمام (عليه السّلام) ، وكان صائماً في وقت ملتهب مِن شدّة الحرّ ، ولمّا وصل إلى جوفه تقطّعت أمعاؤه ، والتفت إلى الخبيثة فقال لها : «قتلتيني قتلك الله. والله لا تصيبنَّ مِنّي خَلفاً ، لقد غرّك ـ يعني معاوية ـ وسخر مِنك ، يخزيك الله ويخزيه».

وأخذ حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) يعاني الآلام الموجعة مِنْ شدّة السُّمّ ،

__________________

(1) روح الإسلام / 295.

٢١٧

وقد ذبلت نضارته ، واصفرّ لونه حتّى وافاه الأجل المحتوم. وقد ذكرنا تفصيل وفاته مع ما رافقها مِن الأحداث في كتابنا (حياة الإمام الحسن (عليه السّلام».

إعلانُ البيعة رسميّاً :

وصفا الجو لمعاوية بعد اغتياله لسبط الرسول (صلّى الله عليه وآله) وريحانته ، فقد قضى على مَنْ كان يحذر منه ، وقد استتبت له الاُمور ، وخلت السّاحة مِنْ أقوى المعارضين له ، وكتب إلى جميع عمّاله أنْ يبادروا دونما أي تأخير إلى أخذ البيعة ليزيد ، ويُرغموا المسلمين على قبولها. وأسرع الولاة في أخذ البيعة مِن الناس ، ومَنْ تخلّف عنها نال أقصى العقوبات الصارمة.

مع المعارضين في يثرب :

وامتنعت يثرب مِنْ البيعة ليزيد ، وأعلن زعماؤهم وعلى رأسهم الإمام الحُسين (عليه السّلام) رفضهم القاطع للبيعة ، ورفعت السّلطة المحلّية ذلك إلى معاوية ، فرأى أنْ يسافر إلى يثرب ليتولّى بنفسه إقناع المعارضين ، فإنْ أبوا أجبرهم على ذلك. واتّجه معاوية إلى يثرب في موكب رسميّ تحوطه قوّة هائلة مِن الجيش ، ولمّا انتهى إليها استقبله أعضاء المعارضة فجفاهم وهدّدهم.

وفي اليوم الثاني أرسل إلى الإمام الحُسين (عليه السّلام) ، وإلى عبد الله بن عباس ، فلمّا مَثُلا عنده قابلهما بالتكريم والحفاوة ، وأخذ يسأل الحُسين (عليه السّلام) عن أبناء أخيه والإمامُ (عليه السّلام) يُجيبه ، ثمّ خطب معاوية فأشاد بالنّبي (صلّى الله عليه وآله) وأثنى عليه ، وعرض إلى بيعة يزيد ، ومنح ابنه الألقاب الفخمة ، والنعوت الكريمة ، ودعاهما إلى بيعته.

٢١٨

خطابُ الإمام الحُسين (عليه السّلام) :

وانبرى أبيّ الضيم فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أمّا بعد يا معاوية ، فلن يؤدّي المادح وإنْ أطنب في صفة الرسول (صلّى الله عليه وآله) مِنْ جميع جزءاً ، وقد فهمتُ ما لبست به الخلف بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مِنْ إيجاز الصفة ، والتنكّب عن استبلاغ النّعت ، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السُّرج ، ولقد فضلّتَ حتّى أفرطت ، واستأثرتَ حتّى أجحفت ، ومنعتَ حتّى بخلت ، وجُرْتَ حتّى جاوزت ، ما بذلت لذي حقٍّ مِنْ اسمٍ حقّه مِنْ نصيب حتّى أخذ الشيطان حظّه الأوفر ، ونصيبه الأكمل.

وفهمتُ ما ذكرته عن يزيد مِن اكتماله ، وسياسته لأُمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله) ؛ تريد أنْ توهم الناس في يزيد ، كأنّك تصف محجوباً ، أو تنعت غائباً ، أو تُخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاص ، وقد دلّ يزيد مِنْ نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به مِن استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحَمام السبق لأترابهنَّ ، والقيان ذوات المعازف ، وضروب الملاهي تجده ناصراً ، ودع عنك ما تحاول ؛ فما أغناك أنْ تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه ، فوالله ما برحتَ تقدح باطلاً في جور ، وحنقاً في ظلم حتّى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين الموت إلاّ غمضة ، فتُقدم على عمل محفوظ ، في يوم مشهود ، ولات حين مناص.

ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تُراثاً ، ولعمر الله أورثنا الرسول (صلّى الله عليه وآله) ولادة ، وجئت لنا بها ما حججتم به القائمَ عند موت الرسول ، فأذعن للحجّة بذلك ، وردّه الإيمان إلى النّصف ، فركبتم الأعاليل ، وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم : كان

٢١٩

ويكون ، حتّى أتاك الأمر يا معاوية مِنْ طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا اُولي الأبصار.

وذكرتَ قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وتأميره له ، وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول وبيعته له ، وما صار ـ لعمر الله ـ يومئذ مبعثهم حتّى أنِفَ القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدّوا عليه أفعاله ، فقال (صلّى الله عليه وآله) : لا جرم يا معشر المهاجرين ، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري. فكيف تحتجّ بالمنسوخ مِنْ فعل الرسول في أوكد الأحكام وأولاها بالمجتمع عليه مِن الصواب؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعاً وحولك مَنْ لا يُؤمن في صحبته ، ولا يعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطّاهم إلى مسرف مفتون ، تريد أنْ تُلبس الناس شبهةً يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك؟! إنّ هذا لهو الخسران المبين! واستغفر الله لي ولكم».

وفنّد الإمام (عليه السّلام) في خطابه جميع شبهات معاوية ، وسدّ عليه جميع الطرق والنوافذ ، وحمّله المسؤولية الكبرى فيما أقدم عليه مِنْ إرغام المسلمين على البيعة لولده. كما عرض للخلافة وما منيت به مِن الانحراف عمّا أرادها الله مِنْ أنْ تكون في العترة الطاهرة (عليهم السّلام) ، إلاّ أنّ القوم زووها عنهم ، وحرفوها عن معدنها الأصيل.

وذُهل معاوية مِنْ خطاب الإمام (عليه السّلام) ، وضاقت عليه جميع السّبل ، فقال لابن عباس : ما هذا يابن عباس؟!

ـ لعمر الله إنّها لذرّيّة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وأحد أصحاب الكساء ، ومِن البيت المطهّر ، فاله عمّا تريد ؛ فإنّ لك في الناس مقنعاً حتّى يحكم الله

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

ما كتبه الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من القرآن لم يصل إلى الخلفاء:

إن الروايات السابقة، وكذلك حديث جمع زيد للقرآن من العسب واللخاف، وصدور الرجال، يؤكد: على أن زيداً لم يكتب مصحفه، اعتماداً على المصحف الذي كتب بحضرة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، كما يدَّعي البعض، ويُدَّعى أيضاً: أنه كان في بيت عائشة(١) .

بل هو قد كتب مصحفاً للخليفة وأعوانه، ولم يذكر فيه المحكم والمتشابه، ولا غير ذلك مما هو في مصحف علي (عليه‌السلام ) الذي تسلّمه بأمر من النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نفسه، كما أسلفنا.

وتقدم: أنه (عليه‌السلام ) قد جاءهم به، فلما رأوا أنه قد كتب فيه، ما لا يروق لهم؛ رفضوه، واكتفوا بجمع مصحف لهم، من عسب، ورقاع أخرى، ومن صدور الرجال، حسبما صرحت به رواياتهم.

____________

١- صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج٦ ص٩٨ وج٨ ص١١٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج٢ ص٤١ وعمدة القاري ج٢٠ ص١٦ وج٢٤ ص٢٦٣ والسنن الكبرى للنسائي ج٥ ص٧ والبيان في تفسير القرآن ص٢٤٠ والبرهان للزركشي ج١ ص٢٣٣ و ٢٣٨ الإتقان في علوم القرآن ج١ ص٥٥ و (ط دار الفكر) ج١ ص١٦١ وإكليل المنهج في تحقيق المطلب للكرباسي ص٥٤٤ وإمتاع الأسماع ج٤ ص٢٤٤ وفلك النجاة لفتح الدين الحنفي ص١٨٠ ومناهل العرفان ج١ ص٢٤٢ وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص١٣٣.

٢٦١

المراد بالتنزيل:

وتقدم قول أمير المؤمنين (عليه‌السلام ): (..ولقد أحضروا الكتاب كَمَلاً، مشتملاً على التنزيل والتأويل)(١) .

والظاهر: أن المراد بالتنزيل: هو نفس القرآن..

أو: شأن نزول الآيات، كذكر أسماء المنافقين، ونحو ذلك..

أو: التفاسير، التي أنزلها الله تعالى على رسوله؛ شرحاً لبعض الآيات، مما لا سبيل إلى معرفته، إلا بالوحي، والدلالة الإلهية، كما هو الحال في بيان كيفيات الصلاة، ومقادير الزكاة.. ومعاني كثير من الآيات، التي تحتاج إلى توقيف منه تعالى؛ فينزل الله ذلك على النبيّ الأكرم (صلى‌الله‌عليه‌وآله )؛ ولا يكون ذلك قرآنا، بل هو من قبيل الأحاديث القدسية، التي هي وحي إلهي أيضاً.

ولعل ما ورد في بعض الروايات، التي سُجِّلت فيها بعض الإضافات، وقول الإمام (عليه‌السلام ): (هكذا أنزلت). يهدف إلى الإشارة إلى نزول تفسيرها من قبل الله سبحانه.

____________

١- الإحتجاج ج١ ص٣٨٣ و (ط دار النعمان) ج١ ص٣٨٣ وبحار الأنوار ج٩٠ ص١٢٥ ومجمع البيان ج٦ ص٥٤ وكنز الدقائق ج٢ ص٣١٢ ونور الثقلين ج١ ص٤٢١ والصافي ج١ ص٤٧ والبيان في تفسير القرآن ص٢٤٢ وبحر الفوائد ص٩٩.

٢٦٢

ويمكن أن يكون قد مزج هذا التفسير النازل بالآية، على سبيل البيان والتوضيح. باعتماد طريقة يتميز معها ما هو قرآن منزل عما هو تفسير منزل.

وكان التفسير المزجي معروفاً آنئذ، فقد جيء عمر بقرآن كتب على سبيل التفسير المزجي، فدعا بالمقراضين، وصار يفصل به الآية عن تفسيرها(١) .

أما التأويل، فالمراد به ما تنتهي إليه الأمور، من حيث تحقق مداليلها.

قال آية الله الخوئي (رحمه‌الله ): (ليس كل ما نزل من الله وحياً، يلزم أن يكون من القرآن؛ فالذي يستفاد من الروايات في هذا المقام: أن مصحف عليّ (عليه‌السلام )، كان مشتملاً على زيادات: تنزيلاً، أو تأويلاً.

ولا دلالة في شيء من هذه الروايات؛ على أن تلك الزيادات هي من القرآن. وعلى ذلك يحمل ما ورد من ذكر أسماء المنافقين في مصحف أمير المؤمنين (عليه‌السلام )؛ فإن ذكر أسمائهم لا بد وأن يكون بعنوان التفسير.

ويدل على ذلك: ما تقدم من الأدلة القاطعة، على عدم سقوط شيء من القرآن.

أضف على ذلك: أن سيرة النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مع المنافقين تأبى ذلك، فإن دأبه تأليف قلوبهم، والإسرار بما يعلمه من نفاقهم. وهذا واضح لمن له أدنى اطلاع على سيرة النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وحسن أخلاقه؛ فكيف يمكن أن يذكر أسماءهم في القرآن، ويأمرهم بلعن أنفسهم، ويأمر سائر المسلمين بذلك، ويحثهم عليه، ليلاً ونهاراً؟! وهل يحتمل ذلك؟! حتى

____________

١- راجع: المصنف لابن أبي شيبة ج٧ ص١٨٠ وكنز العمال ج٢ ص٣١٥.

٢٦٣

ينظر في صحته وفساده)!!(١) .

ولكن لا يخفى أن السيد الخوئي يحتاج إلى بيان، فإن المنافقين وأهل المعاصي على أقسام:

الأول: اولئك الذين ظهرت منهم القبائح، وآذوا رسول الله، في نفسه وفي عترته من أمثال الحكم بن أبي العاص.. وغيره ممن سعوا في إضلال الناس، وإطفاء نور الله.

وقد لعن الله هذا الصنف، وأمر بلعنهم، ونهى عن قبول صدقاتهم، وعن الاستغفار لهم، وعن الصلاة عليهم، والقيام على قبورهم.. وغير ذلك.. ولا ضير في ذكر اسماء هؤلاء وفضحهم. وقد ذكر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أسماء بعض المنافقين لحذيفة بن اليمان.

الثاني: أولئك الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً. ثم تابوا، فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم.

الثالث: أولئك الذين هم مرجون إلى أمر الله، إما أن يعذبهم، وإما يتوب عليهم.

والقسمان الثاني والثالث يحسن الستر عليهما، امتثالاً لأمر الله بالرفق بهم. أما القسم الأول فيحسن التبرؤ منه، والتحاشي عنه وسائر ما ذكرناه آنفاً، ولا ينافي ذلك حسن الخلق. بل محبوب ومطلوب لله تعالى.

____________

١- البيان في تفسير القرآن ص٢٤٤ ـ ٢٤٥ وراجع: بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص٣١٣ و ١٥١.

٢٦٤

وهذا بالذات يوضح لنا: كيف أن في سورة الأحزاب فضائح الرجال والنساء، من قريش، وغيرهم، حسبما روي عن الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه)، حيث أضاف قوله:

(يا ابن سنان، إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من سورة البقرة، ولكن نقصوها، وحرفوها)(١) .

فإن المراد: أنهم حذفوا منها التفسير النازل، الذي جاء ليبين المراد منها، فهو من قبيل تحريف المعاني، كما تقدم بيانه.

ولكن آية الله السيّد الفاني (رحمه‌الله )، قد أورد على هذه الرواية: بأنه ليس من اللائق التحدث عن مساوئ النساء في القرآن(٢) .

ونقول:

المراد بمساوئ النساء ما هو من قبيل حديث الله سبحانه عن تظاهر بعض نساء النبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وعن موضوع الملاعنة في الزنى، وغير ذلك..

____________

١- راجع: ثواب الأعمال ص١٣٧ و (منشورات الشريف الرضي ـ قم) ص١١٠ وبحار الأنوار ج٣٥ ص٢٣٥ وج٨٩ ص٥٠ و ٢٨٨ وجامع أحاديث الشيعة ج١٥ ص١٠٥ والصافي ج٤ ص٢٠٩ وج٦ ص٧٦ ونور الثقلين ج٤ ص٢٣٣ ومقدمة تفسير البرهان ص٣٧ وراجع: بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص٣١٥ عن البرهان، ومناهل العرفان ج١ ص٢٧٣.

٢- آراء حول القرآن ص١٨٤.

٢٦٥

فما ذكره (رحمه‌الله )، لا يصلح مانعاً.

فلعل المراد بكونها فضحت نساء قريش: أنه قد نزل في تفسير سورة الأحزاب بعض ما فعلته بعض نساء قريش تماماً، كما تحدث تعالى عن امرأة أبي لهب، حمالة الحطب، وعن امرأة نوح، وامرأة لوط، وغيرهن، وذكر بعض ما فعلن..

لو قرئ القرآن كما نزل:

وأخيراً.. فقد روي عن الإمام الصادق (عليه‌السلام )، قوله: لو قرئ القرآن كما أُنزل، لأُلفينا (لألفيتمونا) فيه مسمّين(١) .

أي أن أسماءهم (عليهم‌السلام )، قد أنزلها الله سبحانه، تفسيراً لبعض الآيات.. كما هو الظاهر..

ويلاحظ: أن علياً (عليه‌السلام )، قد كتب القرآن كما أُنزل، وعرضه عليهم، ورفضوه..

والرواية الآنفة الذكر تقول: لو قرئ القرآن كما أُنزل، أُلفينا فيه مسمين..

وعن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (لو أن الناس قرؤوا القرآن كما

____________

١- تفسير البرهان ج١ ص٢٢ وعدة رسائل للمفيد ص٢٢٥ والمسائل السروية ص٨٠ وبحار الأنوار ج٨٩ ص٧٤ ونور الثقلين ج٤ ص١٢ والبيان في تفسير القرآن ص٢٣٠ وتفسير العياشي ج١ ص١٣ وراجع هامشه.

٢٦٦

أُنزل، ما اختلف اثنان)(١) .

فنستفيد من ذلك:

أولاً: إن معرفة الناس بالتفسيرات التي أنزلها الله سبحانه، وفيمن نزلت الآية، ومتى نزلت و.. و.. إلخ.. من شأنه أن يعرّف الناس على المخلص، والمزيف، وعلى الصحيح والسقيم، ويقطع الطريق على المستغلين، وأصحاب الأهواء، من النفوذ إلى المراكز الحساسة، ثم التلاعب بالإسلام، وبمفاهيمه، وقيمه.

وثانياً: إننا نجد الكثير من الروايات، التي زخرت بها المجاميع الحديثية والتاريخية لأهل السنة، تشير إلى حدوث بعض الاختلافات في قراءة القرآن. مع أن القرآن ـ كما روي عن أبي جعفر وسيأتي ـ واحد، من عند الواحد، ولكن الإختلاف يجيء من قبل الرواة.

فلو أن القرآن قرئ كما أنزل، لما اختلف اثنان حقاً، وإنما نشأ الإختلاف؛ لأن كل راو أراد أن يقرأ بلهجته، ويدخل تفسيراته، وتأويلاته، أو نحو ذلك..

____________

١- الوافي ج٥ ص٢٧٤ وبحار الأنوار ج٨٩ ص٤٨ وتفسير القمي ج٢ ص٤٥١ ونور الثقلين ج٥ ص٧٢٦.

٢٦٧

٢٦٨

الفصل الثاني: يقتلونها.. ويسترضونها..

٢٦٩

٢٧٠

علي (عليه‌السلام ) يتوسط لأبي بكر وعمر:

ومرضت السيدة الزهراء (عليها‌السلام ) فجاءا أبو بكر وعمر يعودانها، فلم تأذن لهما.

فجاءا ثانية من الغد، فأقسم عليها أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، فأذنت لهما.

فدخلا عليها، فسلما.

فردت رداً ضعيفاً، (وفي غير هذه الرواية: أنها لم ترد عليهما) ثم قالت لهما: سألتكما بالله الذي لا إله إلا هو، أسمعتما قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في حقي: من آذى فاطمة فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله.

قالا: اللهم نعم.

قالت: فأشهد أنكما آذيتماني(١) .

____________

١- بحار الأنوار ج٢٩ ص١٥٧ وفي هامشه عن: مصابيح الأنوار ص٢٤٦ و ٢٤٧ و ٢٥٥ والغدير ج٧ ص٢٢٩ وعن إحقاق الحق ج١٠ ص٢١٧ وغيرهما.

وراجع: دلائل الإمامة ص١٣٤ و ١٣٥ وبحار الأنوار ج٤٣ ص١٧٠ و ١٨١ و ١٥٧ والإمامة والسياسة ج١ ص٢٠ والدر النظيم ص٤٨٤ واللمعة البيضاء ص٧٧٥ و ٨٥٢ و ٨٦١ و ٨٦٢ وعوالم العلـوم ج١١ ص٤١١ و ٥٠٤ والمناقـب لابن = = شهرآشوب ج٣ ص٣٦٢ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٦ ص٢٨١ وأعلام النساء ج٤ ص١٢٣ و ١٢٤.

٢٧١

ونقول: هنا أمور تحتاج إلى ايضاح:

لماذا يتوسط لهما علي (عليه‌السلام )؟!:

١ ـ لقد كان من الحق أن تمتنع الزهراء (عليها‌السلام ) عن قبول هذين الرجلين، لكي يعرف الناس كلهم: أنهما لم يفعلا شيئاً لتلافي ما بدر منهما..

وأن ما يصدر عنهما من كلام طيب، وودود إنما هو على سبيل المجاملة، وذر الرماد في العيون، دون أن يكون وراءه أي فعل يؤكده أو يؤيده.. بل هم يريدون به الحصول على البراءة أمام أعين الناس ليتخلصا بذلك من سلبيات ما فعلوه.

٢ ـ ثم كان من اللازم: أن يتوسط لهما علي (عليه‌السلام )، لكي يسمعا، ويسمع الناس كلمات الزهراء (عليها‌السلام ) لهم، وموقفها منهم.

٣ ـ ثم يأتي دفن الزهراء (عليه‌السلام ) ليلاً، تنفيذاً لوصيتها، ليكون الدليل القاطع على استمرار هذا الغيظ منهما؛ وليكون إرغاماً لمعاطس المحرفين والمزورين، حين لا بد لهم من الإعتراف بأنها (عليها‌السلام ) ماتت وهي واجدة على أبي بكر، ومهاجرة له.

هل أذنت الزهراء (عليها‌السلام ) لهما؟!:

وقد ذكرت الرواية السابقة: أن الزهراء (عليه‌السلام ) أذنت للشيخين

٢٧٢

بعيادتها بعد أن أقسم عليها أمير المؤمنين (عليه‌السلام ).

ونقول:

إن ذلك موضع ريب كبير، فقد ذكرت الروايات: أن الزهراء (عليها‌السلام ) بعد إصرار أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، قالت له: البيت بيتك، والحرة زوجتك، إفعل ما تشاء(١) .

وفي نص آخر: أن عمر توسط لدى علي ليدخل أبا بكر على الزهراء (عليها‌السلام )، بعد أن أتياها مراراً، فكانت تأبى أن تأذن لهما، فكلمها، فلم تأذن.

فقال: فإني ضمنت لهما ذلك.

قالت: إن كنت قد ضمنت لهما شيئاً، فالبيت بيتك، والنساء تتبع الرجال، ولا أخالف عليك، فأذن لمن أحببت.

ثم ذكر أنها (عليها‌السلام ) لم ترد السلام عليهما. فراجع(٢) .

وهذا معناه: أنها لم تأذن، لأن البيت بيت علي (عليه‌السلام )، وهو حر

____________

١- بحار الأنوار ج٢٨ ص٣٠٣ وج٤٣ ص١٩٨ وكتاب سليم بن قيس ج٢ ص٨٦٩ واللمعة البيضاء ص٨٧١ والخصائص الفاطمية للكجوري ج١ ص١٩١ والأنوار العلوية ص٣٠١.

٢- بحار الأنوار ج٤٣ ص٢٠٣ واللمعة البيضاء ص٨٧٤ وعلل الشرايع ج١ ص٢٢١ و (ط المكتبة الحيدرية سنة ١٣٨٥هـ) ج١ ص١٧٨ والدر النظيم ص٤٨٤ ومجمع النورين للمرندي ص١٤٣ وبيت الأحزان ص١٧٢.

٢٧٣

في أن يأذن لمن يشاء.

وقد حاولت بعض نصوص الرواية تلطيف الموضوع، فبعد أن ذكرت أن الزهراء (عليها‌السلام ) لم تأذن لهما، قالت: فأتيا علياً، فكلماه، فأدخلهما عليها(١) .

هل رضيت الزهراء (عليها‌السلام ) عن الشيخين؟!:

صرحت بعض روايات هذه الحادثة: بأنه بعد أن هدأت تلك الفورة مشى أبو بكر إلى فاطمة (عليها‌السلام ) فشفع لعمر، وطلب إليها، فرضيت عنه(٢) .

ونقول:

أولاً: قال المعتزلي: (الصحيح عندي: أنها ماتت وهي واجدة على أبي

____________

١- الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج١ ص٢٠ و (تحقيق الشيري) ج١ ص٣١ والغدير ج٧ ص٢٢٩ وبحار الأنوار ج٢٨ ص٣٥٧ وقاموس الرجال للتستري ج١٢ ص٣٢٨ ومصباح الهداية ص٢١٨ وبيت الأحزان ص٨٤ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٠ ص٢١٧ وج٢٥ ص٥٤١ وج٣٣ ص٢٧٥ و ٣٥٩.

٢- راجع: بحار الأنوار ج٢٨ ص٣٢٢ وتشييد المطاعن ج١ ص٤٣٦ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٦ ص٤٩ والرياض النضرة ج١ ص١٥٢ والبداية والنهاية ج٥ ص٢٨٩. والسقيفة وفدك للجوهري ص٧٤ وكتاب الأربعين للشيرازي ص١٥٧ و ١٥٨ وغاية المرام ج٥ ص٣٢٦ وبيت الأحزان ص١١٣.

٢٧٤

بكر وعمر، وأنها أوصت أن لا يصليا عليها..)(١) .

ثانياً: راوي هذا الحديث هو عامر الشعبي.. وقد روى العشرات من الحفاظ والرواة: أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر على حد سواء(٢) .

____________

١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٦ ص٥٠. وراجع: كتاب الأربعين للشيرازي ص١٥٧ وبحار الأنوار ج٢٨ ص٣٢٢ وبيت الأحزان ص١١٣.

٢- راجع: صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج٤ ص٤٢ وج٥ ص٨٢ وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج٥ ص١٥٤ ومسند أحمد ج١ ص٦ و ٩ ومشكل الآثار ج١ ص٤١ والسنن الكـبرى للبيهقي ج٦ ص٣٠٠ و ٣٠١ وعمـدة الـقـاري ج١٥ ص١٩ وج١٧ ص٢٥٨ وصحيح ابن حبان ج١١ ص١٥٣ و ٥٧٣ ومسند الشاميين للطبراني ج٤ ص١٩٨ ونصب الراية للزيلعي ج٢ ص٣٦٠ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٨ ص٢٨ و (ط دار صادر) ج٢ ص٣١٥ ووفاء الوفاء ج٣٠ ص٩٩٥ والبداية والنهاية ج٥ ص٣٠٦ و٢٨٥ وكنز العمال ج٧ ص٢٤٢ و (ط مؤسسة الرسالة) ج٥ ص٦٠٤ وتاريخ المدينة لابن شبة النميري ج١ ص١٩٦ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج١٣ ص١٥٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج٤ ص٥٦٧ وسبل الهدى والرشاد ج١٢ ص٣٦٩ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٦ ص٤٦ والسيرة الحلبية ج٣ ص٣٦١ وتاريخ الخميس ج٢ ص١٧٤ وبحار الأنوار ج٢٩ ص١١٢ وج٣٠ ص٣٨٦ وفتح الباري ج٦ ص١٩٧ وج٧ ص٤٩٣ و (ط دار المعرفة) ج٦ ص١٣٩ والجامـع الصحيح = = للترمذي ج٤ ص١٨٥ والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج١ ص٢٠ و (تحقيق الشيري) ج١ ص٣١ وسير أعلام النبلاء ج٢ ص١٢٠ و ١٢١ وشرح النووي لصحيح مسلم ج١٢ ص٧٧. والإكمال في أسماء الرجال ص١٦٨ وأبو هريرة لشرف الدين ص١٣٨ وشرح أصول الكافي ج٧ ص٢١٨ و ٤٠٥ والعمدة لابن البطريق ص٣٩٠ و ٣٩١ والطرائف لابن طاووس ص٢٥٨ ووصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص٦٩ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٥٢٢ ومناقب أهل البيت (عليهم‌السلام ) للشيرواني ص٤١٢ والنص والإجتهاد ص٥١ و ٥٩ والغدير ج٧ ص٢٢٧ والإمام علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) للهمداني ص٧٤٠ وموسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم‌السلام ) للنجفي ج٨ ص٢٥٥ و ٢٥٦ واللمعـة البيضاء ص٧٥٨ ومجمع النورين للمرندي ص٢٣٨ وفلك النجاة في الإمامة والصلاة لعلي محمد فتح الدين الحنفي ص١٥٧ ونهج الحق للعلامة الحلي ص٣٥٩ وإحقاق الحق (الأصل) للتستري ص٢٩٨ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٠ ص٤٧٨ وج٢٥ ص٥٣٥ و ٥٣٦ و ٥٣٨ وج٣٣ ص٣٥٦.

٢٧٥

ثالثاً: إن ثمة نصاً آخر لهذه القضية يقول: (فلما وقع بصرهما على فاطمة (عليها‌السلام )، فلم تردّ عليهما، وحولت وجهها عنهما، فتحولا، واستقبلا وجهها حتى فعلت ذلك مراراً.

وقالت: يا علي، جاف الثوب.

وقالت للنسوة حولها: حولن وجهي، فلما حولن وجهها حوّلا إليها

٢٧٦

الخ..).

إلى أن تقول الرواية: (ثم قالت: اللهم أشهدك ـ فاشهدوا يا من حضرني ـ أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي. والله لا أكلمكما من رأسي حتى ألقى ربي).

وهي تقول: والله لأدعون عليك في كل صلاة أصليها(١) .

عدم رد السلام:

قد صرحت هذه الرواية: بأنها (عليها‌السلام ) لم ترد السلام على أبي بكر وعمر.

ومن الواضح: أن رد السلام على المسلم واجب.. والزهراء (عليها‌السلام ) أتقى وأبر من أن تخالف حكماً شرعياً في أي من الظروف والأحوال، كما دلت عليه آية التطهير.

فلا بد أن تكون قد رأت في الجرأة التي أظهراها على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ورميه بالهجر ونحوه.

ثم في عدم الاكتراث بنص القرآن الكريم في موضوع الإرث، وما

____________

١- راجع: علل الشرائع الباب ١٤٨ ص٢٢٢ و (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص١٨٦ والغدير ج٧ ص٢٢٩ وبحار الأنوار ج٤٣ ص٢٠٣ واللمعة البيضاء ص٨٧٤ وبيت الأحزان ص١٧٢. وراجع: الإمامة والسياسة ص٢٠ وأعلام النساء ج٤ ص١٢٣ و ١٢٤ ورسائل الجاحظ ص٣٠١.

٢٧٧

أفاءه الله على رسوله من دون أن يوجف عليه بخيل ولا ركاب. رغم تذكيرها لهم به.

ثم في نسبة أحكام إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، لم يقلها جزماً.

ثم في قتل النفس المحرمة، بإسقاط جنينها المحسن وسواه.

إنها رأت في ذلك كله ـ ما يجعل رد السلام على من فعل ذلك غير ذي موضوع..

الإستدراج للإعتراف:

ويلاحظ القارئ هنا: الأسلوب البديع الذي انتهجته لاستدراجهما إلى الإعتراف بصدقها(١) . ثم الإعتراف بما ترويه لهما عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )؛ لتسجيل موقفها المستند إلى ذلك الإعتراف، لكي يبقى نوراً يهدي إلى الحق على مرِّ الدهور وكرِّ العصور.

____________

١- راجع على سبيل المثال: اللمعة البيضاء ص٨٣٦ و ٨٧١ و ٨٧٢ و ٨٧٤ و٨٧٥ وكتاب سليم بن قيس جص٨٦٩ وبحار الأنوار ج٢٨ ص٢٠٣ و ٣٠٣ و ٢٠٤ وج٢٩ ص٣٩٠ وج٤٣ ١٩٨ و ١٩٩ وعلل الشرايع ج١ ص٢٢١ و ٢٢٢ و (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص١٨٦ و ١٨٧ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٦ ص٢٨١ والأنوار العلوية ص٣٠١ وقاموس الرجال للتستري ج١٢ ص٣٢٤ والشافي في الإمامة ج٤ ص١١٥ والأسرار الفاطمية للمسعودي ص٤٦٧.

٢٧٨

رواية دلائل الإمامة صحيحة:

روى محمد بن جرير بن رستم الطبري، عن محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، عن أبيه، عن محمد بن همام، عن أحمد البرقي، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه‌السلام )، قال:

قبضت فاطمة (عليها‌السلام )، في جمادى الآخرة، يوم الثلاثاء، لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة. وكان سبب وفاتها: أن قنفذاً ـ مولى عمر ـ لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطت محسناً، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها.

وكان الرَّجلان من أصحاب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سألا أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ أن يشفع لهما إليها، فسألها أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، فلمَّا دخلا عليها قالا لها: كيف أنتِ يا بنتَ رسول الله؟!

قالت: بخير بحمد الله، ثمَّ قالت لهما: ما سمعتما النبي يقول:

(فاطمة بضعةٌ منِّي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله؟).

قالا: بلى.

قالت: فوالله لقد آذيتماني..

قال: فخرجا من عندها (عليها‌السلام )، وهي ساخطة عليهما [انتهى].

وسند هذه الرواية صحيح كما ترى..

ولكن بعضهم اعترض بقوله:

٢٧٩

ذكرتم في السند (عبد الله بن سنان)، وليس (ابن سنان) كما هو موجود في البحار.

والغريب في الأمر أن عبد الله بن مسكان يروي عن عبد الله بن سنان، وليس العكس، كما هو مذكور في كتب الرجال.

والذي يروي عن عبد الله بن مسكان، هو محمد بن سنان، وليس عبد الله بن سنان.. وروايات محمد بن سنان عن ابن مسكان كثيرة في الكتب الأربعة..

فهل ترون أن عبد الله بن سنان يروي أيضاً عن ابن مسكان؟!

وهل عثرتم على روايات أخرى؟! أم أن هذه الرواية هي الوحيدة التي يرويها عبد الله بن سنان عن ابن مسكان؟!

وأجبنا بما يلي:

لا بد من ملاحظة الأمور التالية:

١ ـ إنهم يقولون: إن ابن سنان يروي عن الإمام الصادق (عليه‌السلام )..

وقيل: إنه يروي عن أبي الحسن موسى (عليه‌السلام )، ولم يثبت..(١) .

مع أنهم يذكرون أنه كان خازناً للمنصور، والمهدي، والهادي،

____________

١- راجع: بهجة الآمال ج٥ ص٢٣٨ عن النجاشي، والخلاصة، وابن داود. وجامع الرواة للأردبيلي ج١ ص٤٨٧ وراجع: رجال الخاقاني ص٣٤٧

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334